من حنان الروح

ألا تعلم حبيبي أن الوفاء عوالمه عجيبة ومراميه غريبة ثقيل زاده بالأحزان والقراح مثخن هيكله بالجراح ألا ترى وفاء يعقوب ليوسف حيث أورده موارد فقدان البصر من الحزن فتسلح بالصبر الجميل وهو الصبر الطويل وإنما عبر عن صبره ووصفه بالجميل لئلا يكون على الأقدار معترضا أو من التسليم مفتقرا أو عن استشعار وجود الحكمة مستترا ...

ما عبّر معبّر عمّا يختلج في القلوب والوجدان من أحوال مختلفات وقصص متفرقات بأفصح من ألسنة تقاطيع السماع والطرب ترانيم الجذب حيث موسيقى مذاقات النواقيس تعبّر عن مشاعر راقية رائقة وأحاسيس
هناك سلبوا الفتى كافة المنى وسلخوه بعد أن صلبوه وأعدموه وجذبوه بعد أن سجنوه وآسروه بجذب الأبد
غاب عنه الزمان في المكان وغاب هو عن الزمان في كل مكان { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

بكى حتى أعياه البكاء وانتهى به إلى مقبرة النوح والنحيب في حيّ المدافن لا يفقه من الطرق غير سبيل الشكاية هناك أخذ نايه وشبابته ليكتب املاء على صفحات الوجود قصة شكواه في ليل حزنه ونهار بلواه
هناك ترتبك أقلام الوصف هيبة من كتابة الشكوى لجلل المبنى وخطب المعنى { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْر }

هناك تعج الألسنة لكثرتها بالتأويل والتفسير والسؤال والتخاصم { ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ }
الذي ليس في الكون سواه { وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } غاية زف البشرى لك حيث أعلمك تسهيلا عليك أن الأغيار معدومات هالكات أي في الماضي والحاضر والمستقبلات أي كلّ شيء هالك من تلقاء نفسه في كلّ زمان ومكان لذلك لا يصح أن تدعو معه سواه { وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قال للمقربين { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } إذ لو لم يستقبلهم بالروح والريحان لما استشعروا مذاقا من جنان النعيم

هناك ترى -كما قال العارفون- السادة ملوك الآخرة على نمارق من نور متقابلين غير متدابرين من كمال الصفاء وتمام الوفاء يشربون من رحيق خمر الجذب العتيق المختوم بختم الولاية الربانية { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } لكونه من جنس القرآن الذي { لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } من غبش السوى

هناك ينوح الروح نواح الأبد السرمدي يموت في اليوم مائة موتة بخوف مزعج أو شوق مقلق