بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
مارس 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
31 |
فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم...
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم...
مذاكرة لسيدنا الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنه:
يقول اللّه عزّ وجلّ: {فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم واُسمعُوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسِكم ومن يوقَ شُحّ نفسِه فأولئِك هم المُفلِحُون} (16 التغابن ).
المريد له حقوق يطلبها من الطريق وعليه واجبات يقوم بها فيه، والآية المذكورة تبيّن هذه الواجبات وأوّل واجب هو التّقوى، فحينما نزل قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا اِتّـقـوا اللّه حقّ تقـاتـه} (102 آل عمران) كبُر الأمر على الصّحابة ، فمن الذي يستطيع أن يتّقي اللّه حقّ تقاته؟ فجاءت الآية {فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم واُسمعُوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسِكم ومن يوقَ شُحّ نفسِه فأولئِك هم المُفلِحُون} فكانت راحة وبردا وسلاما على قلوب الصّحابة وذلك لأنّها بيّنت أنّ التّقوى حقّ تقاته هي تقوى خاصّة وليست عامّة، أمّا قوله تعالى: {فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم} فهي التّقـوى العامّـة، والنّاس ثلاثة أقسام : عامّة وخاصّة وخاصّة الخاصّة.
فتقوى العامّة هي الامتثال للمأمورات قدر الاستطاعة واجتناب المنهيات تماما وذلك في الظّاهر والباطن أي بالجوارح والقلوب لأنّ ذلك في مستطاعهم وفي يسـر ولا يكلف لهم إحراجا ، فالمؤمن يقوم بالصّلاة والصّيام وغير ذلك من الفرائض ويبتعد عن المناهي بكفّ العين عن النّظر لما حرّم اللّه والسّمع كذلك إلاّ في رضاء اللّه وكلّ الجوارح يصرفها في رضاء اللّه ويجتنب بها غضبه، وكذلك يمتثل للمأمورات القلبية كالصدق والصّبر والتّوكّل على اللّه والرّضاء والخوف والرجاء والمحبّة الصّادقة للّه ولرسوله وللمؤمنين ويبتعد عن المناهي القلبية كالحسد والعجب والكبرياء وحبّ الرّئاسة وحبّ الدّنيا فرأس الخطايا محبّة العاجلة.
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:’’ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم‘‘(رواه مسلم)
وحاصل التّقـوى اُجتناب واُمتـثـال بظاهــر وباطــــن بــذا تـنـــــــال.
فهذا هو حظّ المؤمن من التّقوى.
أمّا القسم الثّاني وهم خاصّة المؤمنين: فهم مطالبون بالتّقوى على حسب مقامهم فيشاركون عامّة المؤمنين في الإجتناب والإمتثال ثمّ يختصّون بملازمة الحضور مع المعبود والبعد عن الغفلة، وأمروا بهذه الزّيادة لأنّها في إمكانهم ومستطاعهم ولا حرج عليهم فيها.
أمّا تقوى الخاصّة العليا وهم المقرّبون فزيادة على الامتثال والاجتناب فهم مطالبون بأن يتّقوا اللّه حقّ تقاته فيطهّرون قلوبهم ممّا سوى اللّه عزّ وجلّ ويحرسون قلوبهم من أن يخطر عليها غير الحقّ ،، وهو التّجافي عن شبح السّوى أصلا والسّكنى في صفاء القدم لأنّ اللّه خلقهم لذلك ,,وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون،، (56 الذاريات ) والعبادة في كلّ مقام على حسب الحال ، عبادة بالجوارح وعبادة بالقلوب وعبادة بالسّرّ ولهؤلاء مع المحبوب سرّ لا يختصّ به سواهم.
للقوم سرّ مع المحبوب ليس له حدّ وليس سوى المحبوب يـحصيـه
ولهذا قُيّدت الطّاعة بالإستطاعة .
الأمـر الثّاني من الواجبات السّمع والطّاعة قال تعالى: {فاُتّقـوا اللّه ما اُستطعـتم واُسمعوا وأطيعوا} كذلك حسب الإستطاعة.
والسّمع والطّاعة ممّـن ولمـن؟ للّه ولرسوله وأولي الأمر لقوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الـرّسول وأولي الأمر منكم} (59 النساء ) فطاعة اللّه تتمثّل في العمل بكتابه وطاعة الـرّسول تتمثّل في العمل بالسـّـنّة المحمّدية {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}(31 آل عمران)
أمّا طاعة أولي الأمر، فمن العلماء من قال: أولي الأمر هم الذين لهم الحكم فينا بشرط أن لا يكون في الإمتثال لهم مخالفة شـرعية، فإذا أمروا بما فيه مخالفة للكتاب أو السّـنّة فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، أما إن كانت أوامرهم لا تخرج عن الكتاب والسـّنّة فـواجب علينا الطّاعة والعمل بمقتضى ما يأمرون به أو ينهون عنه. ومن العلماء من قال: أولي الأمر هم العلماء في الدّين وطاعتهم في نصائحهم وتوجيهاتهم المطابقة للكتاب والسّنّة، يقول سيدنا عمر اُبن الخطّاب رضي الله عنه: ,,أطيعوني ما أطعت اللّه فيكم، فإنّي وُلّيت عليكم ولست بخيركم ،فإن رأيتموني على حقّ فأطيعوني وإن رأيتموني على باطل فقوّموني ولو بسيوفكم،،. بحيث طاعة أولي الأمر واجبة وهي من طاعة اللّه ورسوله إن كانت أوامرهم ونواهيهم من كتاب اللّه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فواجب المؤمن أن يستمع لما نزل في كتاب اللّه من آيات أو من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويمتثل لما فيهما ويعمل بمقتضاهما .
فاستماع العامّة : من النّصوص الشّرعية سواء من الكتاب أو من السـّنّة أو من نصائح العاملين بهما والعمل بذلك وهو معنى الطّاعة، يقول الـصّوفـية ,,الطّريق إجتماع واُستماع واُتّباع،،.
إستماع الخاصّة : للواردات القلبية ، فهم يستمعون إليها ويعملون بمقتضاها على شرط المطابقة للكتاب والسّنّة قال تعالى: {فبشّر عبادي . الّذين يستمعون اُلقول فيتّبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم اللّه وأولئك هم أولوا اُلألباب} (18 الزمر ) وأحسن القول ما طابق الكتاب والسّنّة وأمّا ما خالفه فهو نفساني أو شيطاني فلا يعمل به ، أمّا ما طابق الكتاب والسّنّة فهو صافي رحماني أو ملكي وعليه لا نتوقّف في العمل به.
إستماع الخاصّة العليا لكلّ ما يرد عن الحضرة الإلاهية من أيّ طريق جاء سواء من الواردات القلبية أو من النّصوص الشّرعية أو الهواتف الكونية بقطع النّظر عن المصدر ، ولا يُعمل بالخطاب إذا اُشتمل على مخالفة شرعية لأنّ أهل هذا المقام لا يحملونه على المنحة والولاء بل على المحنة والإبتلاء ، كما فعل سيدنا يوسف الصّدّيق عليه السّلام مع زوجة الملك {وراودته اُلّتي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ اللّه إنّه ربّي أحسن مثواي إنّه لا يفلح الظّالمون} (23 يوسف ) {قال ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه وإلاّ تصرف عنّي كيدهنّ أصب إليهنّ وأكن من الجاهلين} (33 يوسف )
أمّا إذا كان الخطاب صافيا وليس فيه مخالفة شرعية فلا يتوقّف صاحبه عن العمل به .
{فبشّر عبادي. الّذين يستمعون اُلقول فيتّبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم اللّه وأولئك هم أولوا اُلألباب}
الأمر الثالث من الواجبات هو الإنفاق فعامّة المؤمنين مطالبون بالإنفاق أي إخراج الزّكاة قال تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه واُبن السّبيل فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم} (60 التوبة ) فهي إنفاق من الأموال الحسّيّة لأنّها فريضة، صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم.
وكذلك يتصدّقون من أموالهم صدقة النافلة في إعانة المحتاجين وفي بناء المساجد وأبواب الخير كثيرة...
أمّا الخاصّة فزيادة على ما ذكر مطالبون بالإنفاق من أموال الأرواح أي ممّا يرد عليهم من طريق الفيوضات والمعارف الرّبّانية على إخوانهم قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا ءاتاه اللّه لا يكلّف اللّه نفسا إلاّ ما ءاتاها سيجعل اللّه بعد عسر يسرا} (7 الطلاق ) فيذاكر إخوانه بما أفاض اللّه على قلبه من واردات رحمانية لأنّ فيها شفاء وعلاج ناجع لقلوب إخوانه الفقراء حيث هم في حاجة إليها لقوله تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم... }
أمّا الخاصّة العليا فهم مطالبون بأن ينفقوا من حالهم على إخوانهم فينهضون بهم إلى الرّفيق الأعلى ويرفعونهم من حضيض السّوى إلى أنوار من على العرش إستوى، وهنا يكونون قد قاموا بواجبهم {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلواتك سكن لهم واللّه سميع عليم . ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة من عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم} (104 التوبة )
صدقة الأموال الحسّيّة تطهّر المنفقين من أوساخ المال وتزكّيهم أي تنمّي مالهم لأنّ الصّدقات لا تنقص من المال كما يُعتقَد وإنّما تزيد فيه لقوله: {تطهّرهم وتزكّيهم بها}.
وكذلك أموال الأرواح إذا أنفق منها على الإخوان، فهذه صدقة مال الرّوح أو [ما للرّوح] فتطهّره من المسؤولية، لأنّ المطلوب منه أن يذكّر {وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين} (55 الذاريات ) وتكسيه قوّة باطنية وتسبّب له في فيوضات رحمانية عظيمة قال تعالى: {إن تقرضوا اللّه قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم واللّه شكور حليم} (17التغابن) وقال تعالى: {قل إنّ ربّي يبسط الرّزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرّازقين} (39 سبأ ).
وكذلك الإنفاق من الحال فإذا رفع صاحب هذا المقام من حال إخوانه كان ذلك تطهيرا له من إثم البخل فلو لم يفعل كان باخلا بما أتاه اللّه فهو مطهّر له من المسؤولية ويزكّيه بأن يزيد في حاله قوّة وفي نشاطه فتوّة، ولهذا كانت هذه الآية ركيزة الواجبات في السّير إلى اللّه {فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم واُسمعُوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسِكم ومن يوقَ شُحّ نفسِه فأولئِك هم المُفلِحُون} (16 التغابن ) ومحصّلها التّقوى، والسّمع، والطّاعة، والإنفاق.
فإن قام المريد بما فرض عليه من الحقوق والواجبات تكفّل المولى عزّ وجلّ بأن يعطيه فوق ما يريد وليس ما يريد فقط، أمّا إذا لم يقم بما عليه فلا يترقّب نيل رغائبه قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ’’الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله‘‘ (رواه الترمذي)
ويروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا.
وفي الزّبور: ’’يا داوود إنّي أنا اللّه أفعل ما أريد فمن كان لي فيما أريد أعطيته فوق ما يريد ومن لم يكن لي فيما أريد أتعبته فيما يريد ولا يكون في ملكي إلاّ ما أريد‘‘
ربّ يوفّقنا للقيام بما فرض علينا في طريق اللّه حتى نستوجب منه تعالى ما تكفّل به لنا.
وربّ يوفّقنا جميعا للعمل بما جاء به القرآن بحرمة سيّد ولد عنان...آميــــــــــن.
يقول اللّه عزّ وجلّ: {فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم واُسمعُوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسِكم ومن يوقَ شُحّ نفسِه فأولئِك هم المُفلِحُون} (16 التغابن ).
المريد له حقوق يطلبها من الطريق وعليه واجبات يقوم بها فيه، والآية المذكورة تبيّن هذه الواجبات وأوّل واجب هو التّقوى، فحينما نزل قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا اِتّـقـوا اللّه حقّ تقـاتـه} (102 آل عمران) كبُر الأمر على الصّحابة ، فمن الذي يستطيع أن يتّقي اللّه حقّ تقاته؟ فجاءت الآية {فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم واُسمعُوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسِكم ومن يوقَ شُحّ نفسِه فأولئِك هم المُفلِحُون} فكانت راحة وبردا وسلاما على قلوب الصّحابة وذلك لأنّها بيّنت أنّ التّقوى حقّ تقاته هي تقوى خاصّة وليست عامّة، أمّا قوله تعالى: {فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم} فهي التّقـوى العامّـة، والنّاس ثلاثة أقسام : عامّة وخاصّة وخاصّة الخاصّة.
فتقوى العامّة هي الامتثال للمأمورات قدر الاستطاعة واجتناب المنهيات تماما وذلك في الظّاهر والباطن أي بالجوارح والقلوب لأنّ ذلك في مستطاعهم وفي يسـر ولا يكلف لهم إحراجا ، فالمؤمن يقوم بالصّلاة والصّيام وغير ذلك من الفرائض ويبتعد عن المناهي بكفّ العين عن النّظر لما حرّم اللّه والسّمع كذلك إلاّ في رضاء اللّه وكلّ الجوارح يصرفها في رضاء اللّه ويجتنب بها غضبه، وكذلك يمتثل للمأمورات القلبية كالصدق والصّبر والتّوكّل على اللّه والرّضاء والخوف والرجاء والمحبّة الصّادقة للّه ولرسوله وللمؤمنين ويبتعد عن المناهي القلبية كالحسد والعجب والكبرياء وحبّ الرّئاسة وحبّ الدّنيا فرأس الخطايا محبّة العاجلة.
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:’’ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم‘‘(رواه مسلم)
وحاصل التّقـوى اُجتناب واُمتـثـال بظاهــر وباطــــن بــذا تـنـــــــال.
فهذا هو حظّ المؤمن من التّقوى.
أمّا القسم الثّاني وهم خاصّة المؤمنين: فهم مطالبون بالتّقوى على حسب مقامهم فيشاركون عامّة المؤمنين في الإجتناب والإمتثال ثمّ يختصّون بملازمة الحضور مع المعبود والبعد عن الغفلة، وأمروا بهذه الزّيادة لأنّها في إمكانهم ومستطاعهم ولا حرج عليهم فيها.
أمّا تقوى الخاصّة العليا وهم المقرّبون فزيادة على الامتثال والاجتناب فهم مطالبون بأن يتّقوا اللّه حقّ تقاته فيطهّرون قلوبهم ممّا سوى اللّه عزّ وجلّ ويحرسون قلوبهم من أن يخطر عليها غير الحقّ ،، وهو التّجافي عن شبح السّوى أصلا والسّكنى في صفاء القدم لأنّ اللّه خلقهم لذلك ,,وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون،، (56 الذاريات ) والعبادة في كلّ مقام على حسب الحال ، عبادة بالجوارح وعبادة بالقلوب وعبادة بالسّرّ ولهؤلاء مع المحبوب سرّ لا يختصّ به سواهم.
للقوم سرّ مع المحبوب ليس له حدّ وليس سوى المحبوب يـحصيـه
ولهذا قُيّدت الطّاعة بالإستطاعة .
الأمـر الثّاني من الواجبات السّمع والطّاعة قال تعالى: {فاُتّقـوا اللّه ما اُستطعـتم واُسمعوا وأطيعوا} كذلك حسب الإستطاعة.
والسّمع والطّاعة ممّـن ولمـن؟ للّه ولرسوله وأولي الأمر لقوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الـرّسول وأولي الأمر منكم} (59 النساء ) فطاعة اللّه تتمثّل في العمل بكتابه وطاعة الـرّسول تتمثّل في العمل بالسـّـنّة المحمّدية {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}(31 آل عمران)
أمّا طاعة أولي الأمر، فمن العلماء من قال: أولي الأمر هم الذين لهم الحكم فينا بشرط أن لا يكون في الإمتثال لهم مخالفة شـرعية، فإذا أمروا بما فيه مخالفة للكتاب أو السّـنّة فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، أما إن كانت أوامرهم لا تخرج عن الكتاب والسـّنّة فـواجب علينا الطّاعة والعمل بمقتضى ما يأمرون به أو ينهون عنه. ومن العلماء من قال: أولي الأمر هم العلماء في الدّين وطاعتهم في نصائحهم وتوجيهاتهم المطابقة للكتاب والسّنّة، يقول سيدنا عمر اُبن الخطّاب رضي الله عنه: ,,أطيعوني ما أطعت اللّه فيكم، فإنّي وُلّيت عليكم ولست بخيركم ،فإن رأيتموني على حقّ فأطيعوني وإن رأيتموني على باطل فقوّموني ولو بسيوفكم،،. بحيث طاعة أولي الأمر واجبة وهي من طاعة اللّه ورسوله إن كانت أوامرهم ونواهيهم من كتاب اللّه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فواجب المؤمن أن يستمع لما نزل في كتاب اللّه من آيات أو من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويمتثل لما فيهما ويعمل بمقتضاهما .
فاستماع العامّة : من النّصوص الشّرعية سواء من الكتاب أو من السـّنّة أو من نصائح العاملين بهما والعمل بذلك وهو معنى الطّاعة، يقول الـصّوفـية ,,الطّريق إجتماع واُستماع واُتّباع،،.
إستماع الخاصّة : للواردات القلبية ، فهم يستمعون إليها ويعملون بمقتضاها على شرط المطابقة للكتاب والسّنّة قال تعالى: {فبشّر عبادي . الّذين يستمعون اُلقول فيتّبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم اللّه وأولئك هم أولوا اُلألباب} (18 الزمر ) وأحسن القول ما طابق الكتاب والسّنّة وأمّا ما خالفه فهو نفساني أو شيطاني فلا يعمل به ، أمّا ما طابق الكتاب والسّنّة فهو صافي رحماني أو ملكي وعليه لا نتوقّف في العمل به.
إستماع الخاصّة العليا لكلّ ما يرد عن الحضرة الإلاهية من أيّ طريق جاء سواء من الواردات القلبية أو من النّصوص الشّرعية أو الهواتف الكونية بقطع النّظر عن المصدر ، ولا يُعمل بالخطاب إذا اُشتمل على مخالفة شرعية لأنّ أهل هذا المقام لا يحملونه على المنحة والولاء بل على المحنة والإبتلاء ، كما فعل سيدنا يوسف الصّدّيق عليه السّلام مع زوجة الملك {وراودته اُلّتي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ اللّه إنّه ربّي أحسن مثواي إنّه لا يفلح الظّالمون} (23 يوسف ) {قال ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه وإلاّ تصرف عنّي كيدهنّ أصب إليهنّ وأكن من الجاهلين} (33 يوسف )
أمّا إذا كان الخطاب صافيا وليس فيه مخالفة شرعية فلا يتوقّف صاحبه عن العمل به .
{فبشّر عبادي. الّذين يستمعون اُلقول فيتّبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم اللّه وأولئك هم أولوا اُلألباب}
الأمر الثالث من الواجبات هو الإنفاق فعامّة المؤمنين مطالبون بالإنفاق أي إخراج الزّكاة قال تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه واُبن السّبيل فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم} (60 التوبة ) فهي إنفاق من الأموال الحسّيّة لأنّها فريضة، صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردّ على فقرائهم.
وكذلك يتصدّقون من أموالهم صدقة النافلة في إعانة المحتاجين وفي بناء المساجد وأبواب الخير كثيرة...
أمّا الخاصّة فزيادة على ما ذكر مطالبون بالإنفاق من أموال الأرواح أي ممّا يرد عليهم من طريق الفيوضات والمعارف الرّبّانية على إخوانهم قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا ءاتاه اللّه لا يكلّف اللّه نفسا إلاّ ما ءاتاها سيجعل اللّه بعد عسر يسرا} (7 الطلاق ) فيذاكر إخوانه بما أفاض اللّه على قلبه من واردات رحمانية لأنّ فيها شفاء وعلاج ناجع لقلوب إخوانه الفقراء حيث هم في حاجة إليها لقوله تعالى: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم... }
أمّا الخاصّة العليا فهم مطالبون بأن ينفقوا من حالهم على إخوانهم فينهضون بهم إلى الرّفيق الأعلى ويرفعونهم من حضيض السّوى إلى أنوار من على العرش إستوى، وهنا يكونون قد قاموا بواجبهم {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلواتك سكن لهم واللّه سميع عليم . ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة من عباده ويأخذ الصّدقات وأنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم} (104 التوبة )
صدقة الأموال الحسّيّة تطهّر المنفقين من أوساخ المال وتزكّيهم أي تنمّي مالهم لأنّ الصّدقات لا تنقص من المال كما يُعتقَد وإنّما تزيد فيه لقوله: {تطهّرهم وتزكّيهم بها}.
وكذلك أموال الأرواح إذا أنفق منها على الإخوان، فهذه صدقة مال الرّوح أو [ما للرّوح] فتطهّره من المسؤولية، لأنّ المطلوب منه أن يذكّر {وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين} (55 الذاريات ) وتكسيه قوّة باطنية وتسبّب له في فيوضات رحمانية عظيمة قال تعالى: {إن تقرضوا اللّه قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم واللّه شكور حليم} (17التغابن) وقال تعالى: {قل إنّ ربّي يبسط الرّزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرّازقين} (39 سبأ ).
وكذلك الإنفاق من الحال فإذا رفع صاحب هذا المقام من حال إخوانه كان ذلك تطهيرا له من إثم البخل فلو لم يفعل كان باخلا بما أتاه اللّه فهو مطهّر له من المسؤولية ويزكّيه بأن يزيد في حاله قوّة وفي نشاطه فتوّة، ولهذا كانت هذه الآية ركيزة الواجبات في السّير إلى اللّه {فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم واُسمعُوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسِكم ومن يوقَ شُحّ نفسِه فأولئِك هم المُفلِحُون} (16 التغابن ) ومحصّلها التّقوى، والسّمع، والطّاعة، والإنفاق.
فإن قام المريد بما فرض عليه من الحقوق والواجبات تكفّل المولى عزّ وجلّ بأن يعطيه فوق ما يريد وليس ما يريد فقط، أمّا إذا لم يقم بما عليه فلا يترقّب نيل رغائبه قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ’’الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله‘‘ (رواه الترمذي)
ويروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا.
وفي الزّبور: ’’يا داوود إنّي أنا اللّه أفعل ما أريد فمن كان لي فيما أريد أعطيته فوق ما يريد ومن لم يكن لي فيما أريد أتعبته فيما يريد ولا يكون في ملكي إلاّ ما أريد‘‘
ربّ يوفّقنا للقيام بما فرض علينا في طريق اللّه حتى نستوجب منه تعالى ما تكفّل به لنا.
وربّ يوفّقنا جميعا للعمل بما جاء به القرآن بحرمة سيّد ولد عنان...آميــــــــــن.
أبو أويس- عدد الرسائل : 1548
العمر : 64
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: فاُتّقُوا اللّه ما اُسْتطعتُم...
بارك الله فيكم سيدي
هاته المذاكرة سمعتها كثيرا من الإخوان ومنهم من قال أنها لخصت واجبات الفقير.
ومولانا الإمام قدس الله روحه كعادته جمع فأوعى في هاته المذاكرة المباركة.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
هاته المذاكرة سمعتها كثيرا من الإخوان ومنهم من قال أنها لخصت واجبات الفقير.
ومولانا الإمام قدس الله روحه كعادته جمع فأوعى في هاته المذاكرة المباركة.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
رضوان- عدد الرسائل : 228
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 11/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 25 مارس 2024 - 9:27 من طرف أبو أويس
» المدد
الأحد 24 مارس 2024 - 19:40 من طرف أبو أويس
» جنبوا هذا المنتدى المساهمات الدعائية
الأربعاء 20 مارس 2024 - 19:24 من طرف أبو أويس
» حقيقة الاستواء عند الأشعري في الإبانة
السبت 16 مارس 2024 - 19:35 من طرف أبو أويس
» أمة جحر الضب حق عليها العذاب
السبت 9 مارس 2024 - 2:52 من طرف علي
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الثلاثاء 5 مارس 2024 - 14:12 من طرف الطالب
» إستفسار عمن يتنقل بين الطرق
الثلاثاء 5 مارس 2024 - 9:22 من طرف أبو أويس
» لماذا نتخذ الشيخ مرشدا ؟
الإثنين 4 مارس 2024 - 20:57 من طرف رضوان
» مسح العينين بباطن أنملتي السبابتين بعد تقبيلهما
الجمعة 23 فبراير 2024 - 15:21 من طرف أبو أويس
» مسح العينين بباطن أنملتي السبابتين بعد تقبيلهما
الجمعة 23 فبراير 2024 - 15:20 من طرف أبو أويس
» ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع.
الثلاثاء 13 فبراير 2024 - 20:26 من طرف أبو أويس
» ما هى أسباب عدم الفتح على كثير من السالكين فى هذا الزمان ؟
الثلاثاء 13 فبراير 2024 - 20:19 من طرف أبو أويس
» من وصايا الشّيخ أحمد العلاوي للشّيخ محمّد المدني رضي الله عنها
الثلاثاء 13 فبراير 2024 - 20:16 من طرف أبو أويس
» لماذا وقع الإمام الجنيد مغشيا عليه
الثلاثاء 13 فبراير 2024 - 20:14 من طرف أبو أويس
» من كرامات الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وقدس سره
الثلاثاء 13 فبراير 2024 - 20:11 من طرف أبو أويس