رسالة من الأستاذ رضي الله عنه إلي سيدي عبد الغني الخياري

بسم الله الرحمان الرحيم
توزر في 14-9-1975
العمدة الفاضل أخونا في الله ورسوله العارف بالله وليه سيدي عبد الغني الخياري السلام عليكم وعلى ما أحاط بكم من أهل وإخوان ورحمة الله وبركاته وبعد فقد اتصلت برسالتكم الكريمة التي أفعمت مددا وودا قرأتها فإذا هي وارد رحماني وفيض رباني سلكتم فيها مسلك الصديقين وسرتم فيها كعادتكم مسيرة الكمل من المتقدمين زادكم الله مددا وحفظا ووفقنا وإياكم لشكر المنعم على ما أنعم حتى تكون أهلا للمزيد. هذا وقد سألتم منا الإجابة عن مسألتين اثنتين:
الأولى: تفسير معنى الفناء.
والثانية: هل إن تجلى اسمه الظاهر أبدي إلى غير نهاية ؟

فأقول في الجواب متبرئا إليه من الحول والقوة سبحانه.
الجواب عن المسألة الأولى: إعلم أن الفناء يطلق بإطلاقين اثنين.
الاول يطلق بمعنى زوال الشيء وانحيازه إلى طي العدم بالكلّية وهذا هو المراد بالفناء في لغة عموم الناس.
وأما الفناء عند القوم الصوفية فيطلق ويراد به إدراك حقيقة الشيء على ما هي عليه إدراكا يباين سواه ضرورة ومن هنا انقسم الفناء في نظرهم إلا ثلاثة أقسام فناء في الأفعال وفناء في الأسماء والصفات وفناء في الذات.
فالفناء في الأفعال هو أن يذوق المريد أن جميع الأفعال أفعاله سبحانه بحيث لا يشهد لغير الله فعلا بذوق قوله تعالى:" والله خلقكم وما تعملون".
وأما الفناء في الصفات فهو أن يشهد المريد وأن جميع الصفات صفاته بذوق هو السميع البصير. والله قد أحاط بكل شيء علما. فعال لما يريد. ان الله على كل شيء قدير. وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا إلى غير ذلك فلا يرى مريدا ولا قادرا ولا عالما ولا حيا ولا سميعا ولا بصيرا ولا متكلما على الإطلاق إلا الله سبحانه وتعالى.
وأما الفناء في الذات فهو أن يشهد المريد أن جميع مظاهر الوجود هي تجليات الباري سبحانه بذوق هوالأول الآخروالظاهر والباطن فعندهم جميع الذوات ذاته وجميع الأسماء أسماؤه وجميع الأفعال أفعاله وجميع الصفات صفاته هذا كله بالنسبة للفناء في نظر الخاصة.
وأما بالنسبة للكاملين من أرباب النهاية الفناء عندهم صفة اعتباريه يعتبرها الصوفي ولا وجود لها حيث لا يوجد عندهم غير الذات الأزلية والذات الأولية لا يجوز عليها الفناء وهوما شرحتموه في رسالتكم بارك الله فيكم بأفصح لسان وأوضح بيان وهو الحق الذي لا محيد عنه وهو ما يعبر عنه بفناء الفناء أعني الفناء حيث لم يعد بعد التحقيق من البقاء ما يجوز عليه الفناء حتى نفنيه وإليه الإشارة بقول بعضهم:
وإذا بالفناء قد كان وهما *** فاعتراني كسائر الأهوام

ثبتنا الله وإياكم.
وأما سؤالكم الثاني وهو هل إن تجليات اسمه الظاهر ستدوم إلى غير نهاية.
أقول في الجواب: ما دام الظاهر إسم من أسمائه سبحانه وما دام قد تقرر أن التجليات لا تعدم ولا تفنى وإنما تتبدل وتتحول فتجلى إسمه الظاهر دائم مستمر ما دامت الذات الأزلية وهو ما يقتضيه قوله سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم: كل شيء هالك إلا وجهه فالمراد بالوجه الحقيقة أي كل شيء هالك إلا حقيقته فيقتضي تغير المظاهر وتبدلها دون ذهاب حقيقتها التي في وجه من وجوه الباري سبحانه وتعالى. ولما كانت الحقيقة ماثلة في كل شيء. قال تعالى:" أينما تولوا فثم وجه الله".
وفقنا الله وإياكم لما فيه صلاح المعاش والمعاد وثبتنا الله وإياكم وكافة إخواننا في المنهاج السوي بحرمة الشفيع في العباد صلى الله عليه وسلم.
وختاما بلغوا سلامنا إلى أهلكم وإخوانكم.

وبه مرسلكم بالتاريخ
العبد الضعيف الفاني
أسماعيل الهادفي المداني

.