بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
مَتَى يا كرامَ الحَيِّ عَيْنِي تَراكُمُ ..
صفحة 1 من اصل 1
مَتَى يا كرامَ الحَيِّ عَيْنِي تَراكُمُ ..
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله
قال الناظم :
مَتَى يا كرامَ الحَيِّ عَيْنِي تَراكُمُ *** وَأسْمَعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ
سائل الرؤية محبّ عاشق ولهان تائه لا صبر له لا يهدأ له بال ولا يسكن منه حال أو يصمت فيه أنين إلا بتحقق اللقاء والنظر لما يعطيه من شهود للمحبوب إذ ليس بعد وجود العين من أين فلو جمعت لذات الدنيا والآخرة وكل لذّة بعد ذلك ما عادلت ذرّة من لذة الرؤية والشهود لذلك فلا يسأل العاشق إلا الشهود للتمتع بجمال المشهود أو ما يقرب من ذلك من سماع بشرى القبول حيث يجتمع الكلام مع الرؤية
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه في حزبه ( وَهَبْ لَنَا مُشاهَدَةً تَصحَبُهَا مكالَمَةً ) كما قال سيدنا موسى بعد المكالمة ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) سأل النظر بعد هيامه واصطلامه وطربه عند سماع الكلام وإنما كان الكلام هنا عن ميقات لتعلم أنّ العبد يكون بين صحو وسكر وبين جذب وسلوك وبين تمكين وتلوين وشريعة وحقيقة وهكذا تتناوب عليه الأحوال بحسب الزمان والمكان من باب حضرة قوله تعالى ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ )
قال الشيخ أبو مدين في قصيدته ما لذة العيش إلا صحبة الفقراء :
متى أراهم و أنى لي برؤيتهم *** أو تسمع الأذن مني عنهم خبرا
قال الناظم :
مَتَى يا كرامَ الحَيِّ عَيْنِي تَراكُمُ *** وَأسْمَـعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ
حيث استعجل اطلالة لحظة رؤيتهم والتمتع ببهجة نظرتهم ( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ) إذ لا تأني عند هيجان حال الشوق وهجوم سلطان العشق رغم حصول ذلك له في كل حين وحال وإنما للوعة نار الشوق وسطوة سلطان العشق يرنو الفناء فيهم وعدم الرجوع لنفسه وهكذا حال المحبين لا يشهدون مع محبوبهم غيره كما قال عاشق ليلى قيس مجنونها :
أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ *** وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني *** أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها *** بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها *** وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها *** أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
كما قيل :
وَمِنْ عَجَبٍ أَنِّي أَحِنُّ إِلَيْهِمُ *** وَأَسْأَلُ عَنْهُمْ مَنْ لَقِيتُ وَهُمْ مَعِي
وَتَشْتَاقُهُمْ عَيْنِي وَهُمْ فِي سَوَادِهَا*** وَيَشْتَاقُهُمْ قَلْبِي وَهُمْ بَيْنَ أَضْلُعِي
( وَأسْمَــعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ ) أي ديار ليلى يسمع نداهم إذ بالنداء يهتدي إلى المنادى ( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ... ) فلا يضل سبيله حيث بشرى قبولهم له فينزل ضيفا كريما على موائدهم ويقدم في وصف عوائدهم إذ النداء أرقى من مجرد حصول الخبر عند المريدين السائرين خاصة بينما وصول الخبر أرقى عند العارفين الواصلين لقوله تعالى في باب النداء عند مناداته للنفس المطمئنة ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) حيث تمّ قبولها عند كمال نورها فظهر سرورها وفاحت عطورها -عند رجوعها إلى ربها - فلا يعدل هذا النداء عندها أي نداء آخر
قال هنا ( وَأسْمَـعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ ) أي نداكم لي باللحوق بكم في كل مكان وزمان وحال لأنه يرنو الوصول إليهم واللحاق بركبهم وإن كان أيضا مراده التلذذ بسماع خطابهم والتمتع بهمس سواقي شرابهم إذ لا صبر له على فراقهم ولا طرفة عين بينما الواصل لا ينتظر نداء ولا يرنو لحوق بل يرنو سماع أخبارهم وشؤون أحبارهم كما قال الشيخ أبو مدين الغوث ( متى أراهم و أنى لي برؤيتهم *** أو تسمع الأذن مني عنهم خبرا )
حيث خاطبهم صاحب النداء في شعره بضمير الحاضر بياء المناداة وهو حال اضطرار كما قال تعالى ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) بينما خاطبهم صاحب الخبر بضمير الغائب فقام مقام النائب عنهم كما قال تعالى ( إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ) والنداء الخفي لا يطلع عليه أحد فهو سر بين العبد وربه فلا يكون ضميره إلا غائبا لذا قال هنا ( إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ) فما قال ( إذ نادانا ) إذ يشعرك ظهور ضمير المناداة بالبوح والنوح وشكوى الحال فهو حال اضطرار
قال الشيخ سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه يسأل عن أخبارهم ومحطات أرحالهم :
أعندك من ليلى حَديثٌ مُحَــرّر *** فارو عليّ كي يزول التّحير
وأنْعش فؤادي من لطيف كلامها *** فإيـراده يحي العظام وينشر
فعهدي بها العهد القديــم وإنني *** من ذاك العهد في الوصل لا أهجر
قال أهل الله ما ملخصه كون الفناء مراتبه ثلاث :
فناء في محبة المؤمنين يعبّر عنه اليوم بالفناء في محبة أهل النسبة من المريدين لأنهم خواص أهل الإيمان إذ لا يعبر عن المؤمن حقيقة ويطلق عليه وصف الإيمان إلا عند كمال إيمانه فغالبية المسلمين اليوم لم يكمل إيمانهم بعد فهم متفاوتون في ذلك تفاوتا كبيرا فمن كمل إيمانه دخل عالم إيقانه وتلك علامة كمال الإيمان قال تعالى فيمن يظن نفسه مؤمنا وهو مازال في طور مقام الإسلام
( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) لأنّ في قولهم ( آمَنَّا ) دعوى كمال الإيمان وتحققه بينما الحقيقة كونهم أسلموا لهذا قال لهم ( وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) فهذا الفناء في المحبة يكون في محبة المؤمنين الحقيقيين وليس الفناء في محبة من كان في مقام الإسلام فحسب وإن كانت محبته مفروضة واكرامه وتعظيمه من حيث كونه مسلما لقوله عليه الصلاة والسلام ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ )
من هنا قال قائلهم ( أحبهم و أداريهم و أوثرهم *** بمهجتي و خصوصا منهم نفرا ) فبهذا الفناء في محبة إخوانه وعشق خلانه يرتقي إلى الفناء في محبة أستاذه المرشد دليله في طريق سلوكه وتزكية نفسه الذي على يديه يحصل له السير وتمام الخير فيتلو لسان حاله في زمانه ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) هذا الفناء في محبة الشيخ المرشد يرتقي منه الفقير السالك إلى الفناء حقيقة في محبة النبي صلى الله عليه وسلم
لأنّ الشيخ وارث عنه وخليفة له في أمته فمحبة الشيخ من محبة النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ يكون الإرتقاء من الفناء في محبّة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الفناء في محبة الله تعالى لقوله تعالى ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) وهي الغاية المنشودة والضالة المفقودة وهذا الذي تنافس فيه المتنافسون وتسابق إليه المتسابقون لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) فهو سلم ارتقاء ودرجات اصطفاء واعتناء قال شيخنا إسماعيل عليه رحمة الله " صاحب المحبة ما ترك ولا حبّة "
من هذا المقام تقرأ ما سطرته أفئدة العاشقين من أشعار وأضاء في قلوب المحبين من أقمار فمنهم الولهان والعاشق والمتيم والمحب والمتأوه وكل معنى سامي وروح راقي فهذا معدن الدين ..
قال الناظم : مَتَى يا كرامَ الحَيِّ عَيْنِي تَراكُمُ *** وَأسْمَـعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ
متى يا كرام بعد أن سلبتم فؤادي وجميع مرادي فأضحى أسير غرامكم وسجين هواكم يكتوي في حمى حي الصبابة يموت في اليوم مائة موته ولا يموت هناك تحلو الشكوى وتقيم البلوى فتنطق ألسنة المحاب بمختلف لغات الخطاب فمن آياته ( وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ) فليست ألسنة المحبين المقبلين هي نفس ألسنة أهل الجفاء من المدبرين ولا ألوان العاشقين هي نفس ألوان الكارهين إذ في اختلاف الألسنة اختلاف الأحوال المعبر عنها بالألوان في هذه الإشارة ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) فما خرج إلى عالم الظهور إنما منبعه من عالم البطون فقس هذا العالم على ذاك العالم لتعلم أنه أثر منه فشتان بين مقيد وواسع ...
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله
قال الناظم :
مَتَى يا كرامَ الحَيِّ عَيْنِي تَراكُمُ *** وَأسْمَعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ
سائل الرؤية محبّ عاشق ولهان تائه لا صبر له لا يهدأ له بال ولا يسكن منه حال أو يصمت فيه أنين إلا بتحقق اللقاء والنظر لما يعطيه من شهود للمحبوب إذ ليس بعد وجود العين من أين فلو جمعت لذات الدنيا والآخرة وكل لذّة بعد ذلك ما عادلت ذرّة من لذة الرؤية والشهود لذلك فلا يسأل العاشق إلا الشهود للتمتع بجمال المشهود أو ما يقرب من ذلك من سماع بشرى القبول حيث يجتمع الكلام مع الرؤية
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه في حزبه ( وَهَبْ لَنَا مُشاهَدَةً تَصحَبُهَا مكالَمَةً ) كما قال سيدنا موسى بعد المكالمة ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) سأل النظر بعد هيامه واصطلامه وطربه عند سماع الكلام وإنما كان الكلام هنا عن ميقات لتعلم أنّ العبد يكون بين صحو وسكر وبين جذب وسلوك وبين تمكين وتلوين وشريعة وحقيقة وهكذا تتناوب عليه الأحوال بحسب الزمان والمكان من باب حضرة قوله تعالى ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ )
قال الشيخ أبو مدين في قصيدته ما لذة العيش إلا صحبة الفقراء :
متى أراهم و أنى لي برؤيتهم *** أو تسمع الأذن مني عنهم خبرا
قال الناظم :
مَتَى يا كرامَ الحَيِّ عَيْنِي تَراكُمُ *** وَأسْمَـعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ
حيث استعجل اطلالة لحظة رؤيتهم والتمتع ببهجة نظرتهم ( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ) إذ لا تأني عند هيجان حال الشوق وهجوم سلطان العشق رغم حصول ذلك له في كل حين وحال وإنما للوعة نار الشوق وسطوة سلطان العشق يرنو الفناء فيهم وعدم الرجوع لنفسه وهكذا حال المحبين لا يشهدون مع محبوبهم غيره كما قال عاشق ليلى قيس مجنونها :
أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ *** وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني *** أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها *** بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها *** وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها *** أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
كما قيل :
وَمِنْ عَجَبٍ أَنِّي أَحِنُّ إِلَيْهِمُ *** وَأَسْأَلُ عَنْهُمْ مَنْ لَقِيتُ وَهُمْ مَعِي
وَتَشْتَاقُهُمْ عَيْنِي وَهُمْ فِي سَوَادِهَا*** وَيَشْتَاقُهُمْ قَلْبِي وَهُمْ بَيْنَ أَضْلُعِي
( وَأسْمَــعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ ) أي ديار ليلى يسمع نداهم إذ بالنداء يهتدي إلى المنادى ( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ... ) فلا يضل سبيله حيث بشرى قبولهم له فينزل ضيفا كريما على موائدهم ويقدم في وصف عوائدهم إذ النداء أرقى من مجرد حصول الخبر عند المريدين السائرين خاصة بينما وصول الخبر أرقى عند العارفين الواصلين لقوله تعالى في باب النداء عند مناداته للنفس المطمئنة ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) حيث تمّ قبولها عند كمال نورها فظهر سرورها وفاحت عطورها -عند رجوعها إلى ربها - فلا يعدل هذا النداء عندها أي نداء آخر
قال هنا ( وَأسْمَـعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ ) أي نداكم لي باللحوق بكم في كل مكان وزمان وحال لأنه يرنو الوصول إليهم واللحاق بركبهم وإن كان أيضا مراده التلذذ بسماع خطابهم والتمتع بهمس سواقي شرابهم إذ لا صبر له على فراقهم ولا طرفة عين بينما الواصل لا ينتظر نداء ولا يرنو لحوق بل يرنو سماع أخبارهم وشؤون أحبارهم كما قال الشيخ أبو مدين الغوث ( متى أراهم و أنى لي برؤيتهم *** أو تسمع الأذن مني عنهم خبرا )
حيث خاطبهم صاحب النداء في شعره بضمير الحاضر بياء المناداة وهو حال اضطرار كما قال تعالى ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) بينما خاطبهم صاحب الخبر بضمير الغائب فقام مقام النائب عنهم كما قال تعالى ( إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ) والنداء الخفي لا يطلع عليه أحد فهو سر بين العبد وربه فلا يكون ضميره إلا غائبا لذا قال هنا ( إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ) فما قال ( إذ نادانا ) إذ يشعرك ظهور ضمير المناداة بالبوح والنوح وشكوى الحال فهو حال اضطرار
قال الشيخ سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه يسأل عن أخبارهم ومحطات أرحالهم :
أعندك من ليلى حَديثٌ مُحَــرّر *** فارو عليّ كي يزول التّحير
وأنْعش فؤادي من لطيف كلامها *** فإيـراده يحي العظام وينشر
فعهدي بها العهد القديــم وإنني *** من ذاك العهد في الوصل لا أهجر
قال أهل الله ما ملخصه كون الفناء مراتبه ثلاث :
فناء في محبة المؤمنين يعبّر عنه اليوم بالفناء في محبة أهل النسبة من المريدين لأنهم خواص أهل الإيمان إذ لا يعبر عن المؤمن حقيقة ويطلق عليه وصف الإيمان إلا عند كمال إيمانه فغالبية المسلمين اليوم لم يكمل إيمانهم بعد فهم متفاوتون في ذلك تفاوتا كبيرا فمن كمل إيمانه دخل عالم إيقانه وتلك علامة كمال الإيمان قال تعالى فيمن يظن نفسه مؤمنا وهو مازال في طور مقام الإسلام
( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) لأنّ في قولهم ( آمَنَّا ) دعوى كمال الإيمان وتحققه بينما الحقيقة كونهم أسلموا لهذا قال لهم ( وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) فهذا الفناء في المحبة يكون في محبة المؤمنين الحقيقيين وليس الفناء في محبة من كان في مقام الإسلام فحسب وإن كانت محبته مفروضة واكرامه وتعظيمه من حيث كونه مسلما لقوله عليه الصلاة والسلام ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ )
من هنا قال قائلهم ( أحبهم و أداريهم و أوثرهم *** بمهجتي و خصوصا منهم نفرا ) فبهذا الفناء في محبة إخوانه وعشق خلانه يرتقي إلى الفناء في محبة أستاذه المرشد دليله في طريق سلوكه وتزكية نفسه الذي على يديه يحصل له السير وتمام الخير فيتلو لسان حاله في زمانه ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) هذا الفناء في محبة الشيخ المرشد يرتقي منه الفقير السالك إلى الفناء حقيقة في محبة النبي صلى الله عليه وسلم
لأنّ الشيخ وارث عنه وخليفة له في أمته فمحبة الشيخ من محبة النبي صلى الله عليه وسلم ثمّ يكون الإرتقاء من الفناء في محبّة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الفناء في محبة الله تعالى لقوله تعالى ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) وهي الغاية المنشودة والضالة المفقودة وهذا الذي تنافس فيه المتنافسون وتسابق إليه المتسابقون لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) فهو سلم ارتقاء ودرجات اصطفاء واعتناء قال شيخنا إسماعيل عليه رحمة الله " صاحب المحبة ما ترك ولا حبّة "
من هذا المقام تقرأ ما سطرته أفئدة العاشقين من أشعار وأضاء في قلوب المحبين من أقمار فمنهم الولهان والعاشق والمتيم والمحب والمتأوه وكل معنى سامي وروح راقي فهذا معدن الدين ..
قال الناظم : مَتَى يا كرامَ الحَيِّ عَيْنِي تَراكُمُ *** وَأسْمَـعُ مِن تلكَ الدِّيارِ نِدَاكُمُ
متى يا كرام بعد أن سلبتم فؤادي وجميع مرادي فأضحى أسير غرامكم وسجين هواكم يكتوي في حمى حي الصبابة يموت في اليوم مائة موته ولا يموت هناك تحلو الشكوى وتقيم البلوى فتنطق ألسنة المحاب بمختلف لغات الخطاب فمن آياته ( وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ) فليست ألسنة المحبين المقبلين هي نفس ألسنة أهل الجفاء من المدبرين ولا ألوان العاشقين هي نفس ألوان الكارهين إذ في اختلاف الألسنة اختلاف الأحوال المعبر عنها بالألوان في هذه الإشارة ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) فما خرج إلى عالم الظهور إنما منبعه من عالم البطون فقس هذا العالم على ذاك العالم لتعلم أنه أثر منه فشتان بين مقيد وواسع ...
علي- عدد الرسائل : 1132
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الأحد 22 سبتمبر 2024 - 1:08 من طرف الطالب
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس
» هل تطرأ الخواطر على العارف ؟
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:59 من طرف أبو أويس
» رسالة من شيخنا الى أحد مريديه رضي الله عنهما
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:49 من طرف أبو أويس
» مقام الجمع
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:40 من طرف أبو أويس
» تقييمات وإحصائيات في المنتدى
الثلاثاء 30 يوليو 2024 - 6:36 من طرف أبو أويس
» جنبوا هذا المنتدى المساهمات الدعائية
الإثنين 29 يوليو 2024 - 23:50 من طرف علي
» *** الأحديث القدسيّة ***
الإثنين 24 يونيو 2024 - 22:26 من طرف ابو اسامة
» ((معلومة قيِّمة وهامَّة))
الأربعاء 12 يونيو 2024 - 23:57 من طرف ابو اسامة
» من عجائب المخلوقات (( النحل ))
الجمعة 24 مايو 2024 - 23:02 من طرف ابو اسامة