بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
نظرة في حديث المعرفة رأس مالى
صفحة 1 من اصل 1
نظرة في حديث المعرفة رأس مالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه وسلم
ذكره القاضي عياض من حديث علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه أنه قال:
( سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سنته، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :
والعقل أصل دينى، والحب أساسى، والشوق مركبى، وذكر الله أنيسى، والثقة كنزى، والحزن رفيقى، والله سلاحى، والصبر زادى، والرضا غنيمتى والعجز فخرى، والذهد حرفتى، واليقين قوتى، والصدق شفيعى، والطاعة حسبى، والجهاد خلقى، وقرة عينى فى الصلاة، وهمى لأجل أمتى، وشوقى إلى ربى).
قال العراقي: لم أجد له إسنادا وقيل أنه قول لسيدنا علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه.
الشرح
المعرفة رأس مالى
هو أن يعرف الله عز وجل، هو الأول فليس قبله شىء، والآخر فليس بعده شىء، والظاهر فليس فوقه شىء، والباطن فليس دونه شىء، وهذا الحد هو الذى حد الله تعالى به نفسه كما جاء عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم : كان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم ( أنت الأول فليس قبلك شىء، وأنت الآخر فليس بعدك شىء) إلى آخر الحديث.
فالمعرفة : أن يمحوا الكون جملة واحدة من نظره، ولا يكون وجهه إلا لله عز وجل( فأينما تولوا فثم وجه الله) فهو رأس المال، وبه تحصل التجليات.
والعقل أصل دينى
العقل رأس كل خير، وما أنعم الله على عبد بنعمة أكبر من العقل، به يفرق بين الحق والباطل والإيمان والكفر، وبه يميز الحلال والحرام، وبه يعقل الأمور التى ترضى الله عز وجل، والأمور التى تغضبه، فهو رأس كل نعمة، والمعرفة التى هى أساس الإيمان لا تعرف إلا به، لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر، فلما عقل الإمتثال وعقل الأمر والنهى سمى عقلا مأخوذ من عقال البعير، فهو الذى يعقل الناس على ما يحبه الله ويرضاه.
والحب أساسى
الحب أساس المعرفة، ورد فى الحديث ( ألا لا إيمان لمن لا محبة له)
أى لله، وحقيقة الحب : الميل، فمن لم يمل بكليتيه انتفى منه الحب.
وأفضله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) فإذا اتبعه وفعل الأمور التى يحبها الله عز وجل أحبه الله.
والمراد أن يتبع رسول الله صلى عليه وآله وسلم فى أوامره ونواهيه، فإذا أحبه الله أقبل العبد عليه لا محالة، كان من دعاء داوود عليه الصلاة والسلام ( الهم إنى أسألك حبك وحب من يحبك، وأسألك العمل الذى يبلغنى إلى حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلى من نفسى وأهلى ومن الماء البارد) نص على الأمور المذكورة، لأنها تأخذ القلب وتشغل عن الله عز وجل، فإن لم يشتغل بالله عز وجل واشتغل بتلك الأشياء، خيف عليه الجحد لنعم الله، والعياذ بالله تعالى.
والشوق مركبى ( والشوق مركبى) الذات الإنسانية مركب، والروح والشوق ريح ذلك المركب، فما دام التعلق حاصلا بالله عز وجل فالمركب سائرة، والشوق فوق الحب، والحب : الميل إلى الله عز وجل، والشوق: الإسراع بغير وقوف، فقد يوجد الميل ولا يوجد الشوق، وإنما إذا وجد الشوق فالميل موجود لا محالة.
وذكر الله أنيسى
ورد فى الحديث :
( اللهم أنت الصاحب فى السفر والخليفة فى الأهل) والمسافر لا يأنس فى سفره إلا بالمصاحب، وورد فى الحديث : ( ما من نفس يتنفسه الإنسان إلا وقد خطا به خطوة إلى الآخرة) فالأنفاس هى السفر، فإذا كان ذكر الله هو الأنيس فى ذلك السفر، فنعم الصاحب فى السفر، ونعم ما استأنس به من ذكر الله تعالى فى سفره.
والثقة كنزى
ورد فى الحديث :
( لايؤمن أحدكم حتى يكون بما فى يد الله أوثق منه بما فى يده) وورد فى الحديث :
(كنز المؤمن ربه) وورد : ( اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت) فما بقى مع العبد إلا الوثوق بالله عز وجل، إذا لم يعطنا الله مما فى أيدينا أو مما فى أيدى غيرنا لم نقدر أن نأخذ شيئا.
والحزن رفيقى
ورد فى الحديث :
(من أسف على آخره فاتته تقرب من الجنة مسيرة ألف عام، ومن أسف على ديننا فاتته تقرب من النار مسيرة ألف عام) فالحزن يعظم على قدر عظمة المحزون عليه، والحزن والأسف على ما فات، فإذا كان الأسف على ما فات من التجليات الإلهية فنعم الأسف.
والعلم سلاحى
العلم أساس المعرفة، وأساس كل خير، وبه الوصول إلى عظمة الله فى القلب بحسن التفكر، كما قال تعالى : (فاعتبروا يا أولى الأبصار) ولا يكون ذلك إلا بالعلم.
والصبر زادى
العبد مسافر فى أنفاسه ولحظاته، وزاده فى سفره اتباع الأوامر والنواهى، ولا يتم له ذلك إلا بالصبر، وإن لم يصبر مشت به نفسه إلى ما يغضب الله عز وجل.
والرضا غنيمتى
الغنيمة الكبرى الرضا بقسمة الله عز وجل، ورد فى المناجاة : (يا موسى إذا رضيت عنى فقد رضيت عنك، وإذا سخطت ولم ترض بقضائى استوجبت سخطى).
والعجز فخرى
العجز هو الإعتراف بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، قال صلى الله عليه وآله وسلم ( الفقر فخرى وبه أفتخر)
والفقر فقد الأشياء من القلب، وامتلاء مكانها بالحب لله عز وجل، وهذا الفقر هو الذى افتخر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والفقر من حيث كونه فقرا لله عز وجل بالقلب فهو فقر محمود ومفتخر به، وأما الفقر المستعاذ منه الذى قرنه – صلى الله عليه وآله وسلم _ بالكفر فقال : ( اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر)
وقال – صلى الله عليه وآله وسلم : ( كاد الفقر أن يكون كفرا) فهو فقد الحق من القلب، وتعلق القلب بالأشياء التى تصده عن الله عز وجل، فإذا انعدمت هذه الأشياء من القلب وامتلأ القلب بالتعلق بالله عز وجل فهو الفقر الذى افتخر به رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم.
والزهد حرفتى
والزهد رتبة عالية شريفة، وهو أن لا يتعلق القلب بشىء من الأشياء، بل يعرض عنها جملة واحدة، ويزهد فيها، ولا يأخذ منها إلا ما يقربه من سيده ومولاه، وأن يكون واثقا بالله عز وجل، ولا يدخل فى قلبه إلا مولاه، فقد ورد فى الحديث : ( كنز المؤمن ربه) وهذا هو الجنة المعجلة، ومن كان هذا وصفه فمطمعه أحسن المطاعم وملبسه أحسن الملابس، والمشتغل بغير مولاه دائما فى عذابه.
فمن أقبل على الله تعالى بكليته وزهد فى الدنيا جعلها الله تعالى خادمة له، فقد ورد فى الحديث القدسى : ( يا دنيا اخدمى من خدمنى واستخدمى من خدمك).
قيل لبعض الأولياء : لم زهدت الدنيا؟
قال : لزهدها فى.
وقال بعض الملوك لبعض الأولياء : ما أزهدك يا فلان! قال أنت أزهد منى، قال : وكيف؟ قال : أنت زهدت فى الحور والقصور وما بقى، وأنا زهدت فيما يفنى من هذه الأمور الدنيوية، فانظر إلى هذه الموعظة التى وعظ بها الصوفى هذا الملك.
واليقين قوتى
اليقين شهود الحق، قال عز وجل : ( والذين هم بشهاداتهم قائمون) وقرىء ( بشهادتهم ) فشهود الحق هو قوتهم، فهم دائما قائمون بشهودهم شهودا بعد شهود.
والصدق شفيعى
الصدق نعم الشفيع عند الله عز وجل ( ومن أصدق من الله حديثا ) فمن أعطاه الله الصدق فقد أعطاه وصفه وخلقه بأخلاقه، فمن صدق فى توجهه إلى سيده ومولاه فلا شفاعة أعظم من ذلك، وأصل الطريق إلى الله عز وجل الصدق، والعلم بأن مولاه إنما خلقه لعبادته، فلا يزال العبد متوجها إلى الله فى عبادته صادقا فيها ( فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ) فيصدق العبد فى طلب العلم، ويعلم لأى شىء خلقه ربه، ويتوجه بكليته إليه قلبا وقالبا، فالصدق سيف لا ينبو، وجواد لا يكبو، وإنما كان القرآن معجزا لكونه صدقا، وقال بعض الأولياء – وهو سيدى محيى الدين بن العربى : قيل لى : أتدرى بم صار القرآن معجزا ؟! قلت : لا، قيل لى : لكونه صدقا.
أصدق يكن كلامك معجزا .
فعليك بالصدق فى مصاحبة الحق والخلق، فلا تصاحب الحق إلا بالصدق، ولا تصحب الخلق إلا بالصدق.
وحقيقة الصدق التوجه إلى الله تعالى بالكلية، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) والتحرى هو أن ينظر فى ذلك الأمر الذى سيقدم عايه عن كان صادقا فعله وإلا تركه، لأن الحالف يظن أن ذلك يقرب الرزق وهو عين تبعيد الرزق عنه، وورد فى الحديث : ( ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره، والمان الذى لا يعطى إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) فإنه يغضب الله عز وجل ويكون سببا لذهاب الرزق لذهاب الرزق، وعليك بالصدق فى معاملة الحق والخلق، فإنه يأتيك إن شاء الله تعالى الخير الكثير.
الطاعة حسبى
أى : شرفى وكفايتى، فإنه من أطاع الله كفاه كل شرورهم، وورد فى الحديث : ( تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها أى شرفها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) أى : مسكت تراب الجنة ولصقت به، وهذه الكلمة دعوة صالحة من النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وورد فى حديث آخر : ( من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقيرا، ومن تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا، ومن تزوج امرأة لدينها كان سكان له منها وكان لها منه )
والجهاد خلقى
الجهاد جهادان : جهاد الكفار أى : الدعوة إلى الله عز وجل، وجهاد النفس لدعوتها لصدق الإقبال إلى الله عز وجل قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لكل نبى حرفة وحرفتى الفقر والجهاد ) والفقر خلو القلب من الأشياء وامتلاؤه بالله عز وجل، وإنما اختار صلى الله عليه وآله وسلم الفقر لأن رياحه زعازع لا يثبت فيه إلا الكمل من الرجال. فإن بعض الناس أعطى بعض الأولياء شيئا من المال وضعه فى حجرة وهو جالس، فقال أردت بصدقتك هذه أن أكتب فى ديوان الأغنياء وتدعنى خمسمائة عام واقفا فى العرق والفقراء فى الجنة ؟! مالى إليها من حاجة. فقام فتساقطت فى موضعه قال : فما رأيت أعز منه حين تركها وقام، ولا أذل منى حين صرت أتتبعها، فأهل الله يخافون على زوال غناهم، قال الله عز وجل : ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وقال الله عز وجل : ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ) فالتزم صلى الله عليه وآله وسلم فقره الذى سماه الله به، فإن المراد بالناس هو لأنه أصلهم _ إذ الكل من القبضة التى هى نوره حتى لقى الله عز وجل، ولم يرد أن يشارك مولاه فى صفة الغنى صلى الله عليه وآله وسلم.
وقرة عينى فى الصلاة
ولم يقل بالصلاة، لأنه غائب عن أفعاله بقرة عينه، والمراد بقرة عينه شهوده محبوبه عز وجل فى صلاته، وقال صلى الله عليه وآله وسلم لبلال : ( أرحنا بها يا بلال ) يريد الصلاة، لأن فيها شهود الحق.
وهمى لأجل أمتى
الإهتمام بأمور المسلمين من الحقوق الأكيدة، فقد ورد فى الحديث : ( من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم )، وقال الله عز وجل : ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) وهى كثرة الهموم والغموم، فقد ورد فى الحديث : ( إنى لآخذ بحجزكم عن النار وأنتم تتفحمون فيها كما يتفحم الفراش فى المصباح ) فهم يغلبونه، أى : يخالفونه ويلقون أنفسهم، والمراد بالأمة أمة الدعوة وأمة الإجابة، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، قال الله عز وجل : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
وشوقى إلى ربى
قال الله عز وجل : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) وإذا كان كذلك فكيف يكون الإشتياق؟ ولكن ذلك من باب قول القائل :
ومن عجب أنى أحن إليهم*** وأسأل عنهم دائما وهم معى
وتبكيهم عينى وهم فى سوادها*** ويشتاقهم قلبى وهم بين أضلعى
وهذا الشوق كل ينال منه على قدره، فإذا تمكن صار عشقا وشغفا، فإذا صار عشقا وشغفا غاب فى وعشوقه كمجنون ليلى، قال لها : إليك عنى فقد شغلنى حبك عنك، وهذا من ضلال المحبة أغناه عشقه بها عنها، وهو مقام الفناء، وحقيقة الفناء : ( فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به ) الحديث، كما يليق به عز وجل، وليس المراد ما يتوهمه من لا بصيرة له مما ينزه مولانا جل وعلا عنه، فذلك كفر وضلال فما يتهمونه ويقولون عنه الإتحاد الذى يذكره أهل الله رضى الله تعالى عنهم أمر ذوقى لا يمكن التعبير عنه، فهو من علوم الأذواق لا من علوم الأوراق.
فلم تهونى ما لم تكن فى فانيا
ولم تفن ما لم تجتلى فيك صورتى
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه وسلم
ذكره القاضي عياض من حديث علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه أنه قال:
( سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سنته، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :
والعقل أصل دينى، والحب أساسى، والشوق مركبى، وذكر الله أنيسى، والثقة كنزى، والحزن رفيقى، والله سلاحى، والصبر زادى، والرضا غنيمتى والعجز فخرى، والذهد حرفتى، واليقين قوتى، والصدق شفيعى، والطاعة حسبى، والجهاد خلقى، وقرة عينى فى الصلاة، وهمى لأجل أمتى، وشوقى إلى ربى).
قال العراقي: لم أجد له إسنادا وقيل أنه قول لسيدنا علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه.
الشرح
المعرفة رأس مالى
هو أن يعرف الله عز وجل، هو الأول فليس قبله شىء، والآخر فليس بعده شىء، والظاهر فليس فوقه شىء، والباطن فليس دونه شىء، وهذا الحد هو الذى حد الله تعالى به نفسه كما جاء عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم : كان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم ( أنت الأول فليس قبلك شىء، وأنت الآخر فليس بعدك شىء) إلى آخر الحديث.
فالمعرفة : أن يمحوا الكون جملة واحدة من نظره، ولا يكون وجهه إلا لله عز وجل( فأينما تولوا فثم وجه الله) فهو رأس المال، وبه تحصل التجليات.
والعقل أصل دينى
العقل رأس كل خير، وما أنعم الله على عبد بنعمة أكبر من العقل، به يفرق بين الحق والباطل والإيمان والكفر، وبه يميز الحلال والحرام، وبه يعقل الأمور التى ترضى الله عز وجل، والأمور التى تغضبه، فهو رأس كل نعمة، والمعرفة التى هى أساس الإيمان لا تعرف إلا به، لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر، فلما عقل الإمتثال وعقل الأمر والنهى سمى عقلا مأخوذ من عقال البعير، فهو الذى يعقل الناس على ما يحبه الله ويرضاه.
والحب أساسى
الحب أساس المعرفة، ورد فى الحديث ( ألا لا إيمان لمن لا محبة له)
أى لله، وحقيقة الحب : الميل، فمن لم يمل بكليتيه انتفى منه الحب.
وأفضله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ) فإذا اتبعه وفعل الأمور التى يحبها الله عز وجل أحبه الله.
والمراد أن يتبع رسول الله صلى عليه وآله وسلم فى أوامره ونواهيه، فإذا أحبه الله أقبل العبد عليه لا محالة، كان من دعاء داوود عليه الصلاة والسلام ( الهم إنى أسألك حبك وحب من يحبك، وأسألك العمل الذى يبلغنى إلى حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلى من نفسى وأهلى ومن الماء البارد) نص على الأمور المذكورة، لأنها تأخذ القلب وتشغل عن الله عز وجل، فإن لم يشتغل بالله عز وجل واشتغل بتلك الأشياء، خيف عليه الجحد لنعم الله، والعياذ بالله تعالى.
والشوق مركبى ( والشوق مركبى) الذات الإنسانية مركب، والروح والشوق ريح ذلك المركب، فما دام التعلق حاصلا بالله عز وجل فالمركب سائرة، والشوق فوق الحب، والحب : الميل إلى الله عز وجل، والشوق: الإسراع بغير وقوف، فقد يوجد الميل ولا يوجد الشوق، وإنما إذا وجد الشوق فالميل موجود لا محالة.
وذكر الله أنيسى
ورد فى الحديث :
( اللهم أنت الصاحب فى السفر والخليفة فى الأهل) والمسافر لا يأنس فى سفره إلا بالمصاحب، وورد فى الحديث : ( ما من نفس يتنفسه الإنسان إلا وقد خطا به خطوة إلى الآخرة) فالأنفاس هى السفر، فإذا كان ذكر الله هو الأنيس فى ذلك السفر، فنعم الصاحب فى السفر، ونعم ما استأنس به من ذكر الله تعالى فى سفره.
والثقة كنزى
ورد فى الحديث :
( لايؤمن أحدكم حتى يكون بما فى يد الله أوثق منه بما فى يده) وورد فى الحديث :
(كنز المؤمن ربه) وورد : ( اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت) فما بقى مع العبد إلا الوثوق بالله عز وجل، إذا لم يعطنا الله مما فى أيدينا أو مما فى أيدى غيرنا لم نقدر أن نأخذ شيئا.
والحزن رفيقى
ورد فى الحديث :
(من أسف على آخره فاتته تقرب من الجنة مسيرة ألف عام، ومن أسف على ديننا فاتته تقرب من النار مسيرة ألف عام) فالحزن يعظم على قدر عظمة المحزون عليه، والحزن والأسف على ما فات، فإذا كان الأسف على ما فات من التجليات الإلهية فنعم الأسف.
والعلم سلاحى
العلم أساس المعرفة، وأساس كل خير، وبه الوصول إلى عظمة الله فى القلب بحسن التفكر، كما قال تعالى : (فاعتبروا يا أولى الأبصار) ولا يكون ذلك إلا بالعلم.
والصبر زادى
العبد مسافر فى أنفاسه ولحظاته، وزاده فى سفره اتباع الأوامر والنواهى، ولا يتم له ذلك إلا بالصبر، وإن لم يصبر مشت به نفسه إلى ما يغضب الله عز وجل.
والرضا غنيمتى
الغنيمة الكبرى الرضا بقسمة الله عز وجل، ورد فى المناجاة : (يا موسى إذا رضيت عنى فقد رضيت عنك، وإذا سخطت ولم ترض بقضائى استوجبت سخطى).
والعجز فخرى
العجز هو الإعتراف بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، قال صلى الله عليه وآله وسلم ( الفقر فخرى وبه أفتخر)
والفقر فقد الأشياء من القلب، وامتلاء مكانها بالحب لله عز وجل، وهذا الفقر هو الذى افتخر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والفقر من حيث كونه فقرا لله عز وجل بالقلب فهو فقر محمود ومفتخر به، وأما الفقر المستعاذ منه الذى قرنه – صلى الله عليه وآله وسلم _ بالكفر فقال : ( اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر)
وقال – صلى الله عليه وآله وسلم : ( كاد الفقر أن يكون كفرا) فهو فقد الحق من القلب، وتعلق القلب بالأشياء التى تصده عن الله عز وجل، فإذا انعدمت هذه الأشياء من القلب وامتلأ القلب بالتعلق بالله عز وجل فهو الفقر الذى افتخر به رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم.
والزهد حرفتى
والزهد رتبة عالية شريفة، وهو أن لا يتعلق القلب بشىء من الأشياء، بل يعرض عنها جملة واحدة، ويزهد فيها، ولا يأخذ منها إلا ما يقربه من سيده ومولاه، وأن يكون واثقا بالله عز وجل، ولا يدخل فى قلبه إلا مولاه، فقد ورد فى الحديث : ( كنز المؤمن ربه) وهذا هو الجنة المعجلة، ومن كان هذا وصفه فمطمعه أحسن المطاعم وملبسه أحسن الملابس، والمشتغل بغير مولاه دائما فى عذابه.
فمن أقبل على الله تعالى بكليته وزهد فى الدنيا جعلها الله تعالى خادمة له، فقد ورد فى الحديث القدسى : ( يا دنيا اخدمى من خدمنى واستخدمى من خدمك).
قيل لبعض الأولياء : لم زهدت الدنيا؟
قال : لزهدها فى.
وقال بعض الملوك لبعض الأولياء : ما أزهدك يا فلان! قال أنت أزهد منى، قال : وكيف؟ قال : أنت زهدت فى الحور والقصور وما بقى، وأنا زهدت فيما يفنى من هذه الأمور الدنيوية، فانظر إلى هذه الموعظة التى وعظ بها الصوفى هذا الملك.
واليقين قوتى
اليقين شهود الحق، قال عز وجل : ( والذين هم بشهاداتهم قائمون) وقرىء ( بشهادتهم ) فشهود الحق هو قوتهم، فهم دائما قائمون بشهودهم شهودا بعد شهود.
والصدق شفيعى
الصدق نعم الشفيع عند الله عز وجل ( ومن أصدق من الله حديثا ) فمن أعطاه الله الصدق فقد أعطاه وصفه وخلقه بأخلاقه، فمن صدق فى توجهه إلى سيده ومولاه فلا شفاعة أعظم من ذلك، وأصل الطريق إلى الله عز وجل الصدق، والعلم بأن مولاه إنما خلقه لعبادته، فلا يزال العبد متوجها إلى الله فى عبادته صادقا فيها ( فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ) فيصدق العبد فى طلب العلم، ويعلم لأى شىء خلقه ربه، ويتوجه بكليته إليه قلبا وقالبا، فالصدق سيف لا ينبو، وجواد لا يكبو، وإنما كان القرآن معجزا لكونه صدقا، وقال بعض الأولياء – وهو سيدى محيى الدين بن العربى : قيل لى : أتدرى بم صار القرآن معجزا ؟! قلت : لا، قيل لى : لكونه صدقا.
أصدق يكن كلامك معجزا .
فعليك بالصدق فى مصاحبة الحق والخلق، فلا تصاحب الحق إلا بالصدق، ولا تصحب الخلق إلا بالصدق.
وحقيقة الصدق التوجه إلى الله تعالى بالكلية، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (( إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) والتحرى هو أن ينظر فى ذلك الأمر الذى سيقدم عايه عن كان صادقا فعله وإلا تركه، لأن الحالف يظن أن ذلك يقرب الرزق وهو عين تبعيد الرزق عنه، وورد فى الحديث : ( ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره، والمان الذى لا يعطى إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ) فإنه يغضب الله عز وجل ويكون سببا لذهاب الرزق لذهاب الرزق، وعليك بالصدق فى معاملة الحق والخلق، فإنه يأتيك إن شاء الله تعالى الخير الكثير.
الطاعة حسبى
أى : شرفى وكفايتى، فإنه من أطاع الله كفاه كل شرورهم، وورد فى الحديث : ( تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها أى شرفها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) أى : مسكت تراب الجنة ولصقت به، وهذه الكلمة دعوة صالحة من النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وورد فى حديث آخر : ( من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقيرا، ومن تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا، ومن تزوج امرأة لدينها كان سكان له منها وكان لها منه )
والجهاد خلقى
الجهاد جهادان : جهاد الكفار أى : الدعوة إلى الله عز وجل، وجهاد النفس لدعوتها لصدق الإقبال إلى الله عز وجل قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لكل نبى حرفة وحرفتى الفقر والجهاد ) والفقر خلو القلب من الأشياء وامتلاؤه بالله عز وجل، وإنما اختار صلى الله عليه وآله وسلم الفقر لأن رياحه زعازع لا يثبت فيه إلا الكمل من الرجال. فإن بعض الناس أعطى بعض الأولياء شيئا من المال وضعه فى حجرة وهو جالس، فقال أردت بصدقتك هذه أن أكتب فى ديوان الأغنياء وتدعنى خمسمائة عام واقفا فى العرق والفقراء فى الجنة ؟! مالى إليها من حاجة. فقام فتساقطت فى موضعه قال : فما رأيت أعز منه حين تركها وقام، ولا أذل منى حين صرت أتتبعها، فأهل الله يخافون على زوال غناهم، قال الله عز وجل : ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وقال الله عز وجل : ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ) فالتزم صلى الله عليه وآله وسلم فقره الذى سماه الله به، فإن المراد بالناس هو لأنه أصلهم _ إذ الكل من القبضة التى هى نوره حتى لقى الله عز وجل، ولم يرد أن يشارك مولاه فى صفة الغنى صلى الله عليه وآله وسلم.
وقرة عينى فى الصلاة
ولم يقل بالصلاة، لأنه غائب عن أفعاله بقرة عينه، والمراد بقرة عينه شهوده محبوبه عز وجل فى صلاته، وقال صلى الله عليه وآله وسلم لبلال : ( أرحنا بها يا بلال ) يريد الصلاة، لأن فيها شهود الحق.
وهمى لأجل أمتى
الإهتمام بأمور المسلمين من الحقوق الأكيدة، فقد ورد فى الحديث : ( من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم )، وقال الله عز وجل : ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) وهى كثرة الهموم والغموم، فقد ورد فى الحديث : ( إنى لآخذ بحجزكم عن النار وأنتم تتفحمون فيها كما يتفحم الفراش فى المصباح ) فهم يغلبونه، أى : يخالفونه ويلقون أنفسهم، والمراد بالأمة أمة الدعوة وأمة الإجابة، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، قال الله عز وجل : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
وشوقى إلى ربى
قال الله عز وجل : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) وإذا كان كذلك فكيف يكون الإشتياق؟ ولكن ذلك من باب قول القائل :
ومن عجب أنى أحن إليهم*** وأسأل عنهم دائما وهم معى
وتبكيهم عينى وهم فى سوادها*** ويشتاقهم قلبى وهم بين أضلعى
وهذا الشوق كل ينال منه على قدره، فإذا تمكن صار عشقا وشغفا، فإذا صار عشقا وشغفا غاب فى وعشوقه كمجنون ليلى، قال لها : إليك عنى فقد شغلنى حبك عنك، وهذا من ضلال المحبة أغناه عشقه بها عنها، وهو مقام الفناء، وحقيقة الفناء : ( فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به ) الحديث، كما يليق به عز وجل، وليس المراد ما يتوهمه من لا بصيرة له مما ينزه مولانا جل وعلا عنه، فذلك كفر وضلال فما يتهمونه ويقولون عنه الإتحاد الذى يذكره أهل الله رضى الله تعالى عنهم أمر ذوقى لا يمكن التعبير عنه، فهو من علوم الأذواق لا من علوم الأوراق.
فلم تهونى ما لم تكن فى فانيا
ولم تفن ما لم تجتلى فيك صورتى
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
رضوان- عدد الرسائل : 228
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 11/12/2007
مواضيع مماثلة
» غلط إبليس في المعرفة
» المعرفة ( بين حكم العقل وحكم النقل ) مذاقات صوفية
» روائع عدنان ابراهيم- المعرفة وكشف الحجاب عند الصوفية
» حديث جامع..
» حديث الذّراع
» المعرفة ( بين حكم العقل وحكم النقل ) مذاقات صوفية
» روائع عدنان ابراهيم- المعرفة وكشف الحجاب عند الصوفية
» حديث جامع..
» حديث الذّراع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 9:17 من طرف ابن الطريقة
» شيخ التربية
اليوم في 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
أمس في 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
أمس في 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
أمس في 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 22:37 من طرف الطالب
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس