إسترواح في آية ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ...)

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله

لمّا جال قلبي في آية : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) وكنت في مذاكرة مع أحد ساداتنا الفقراء , غدوت كأنّني في أرض غير الأرض لما انفتح لي من فضل الله تعالى من مغالقها لقوله تعالى ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) أي حدّث عنّا بما تراه منّا , لذا قال ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) فما قال : ( وأمّا عن نعمة ربّك فحدّث ) فالحديث ليس عن النعمة ولكن الحديث يكون بها كي تحدّث عن المنعم سبحانه ( حدّث بها ولا تحدّث عنها ) فحديثك عنها يحجبك عن المنعم بها أمّا إذا حدّثت بها فتضحى كأنّك أنت النعمة والله هو المنعم فتصبح أنت نعمة الله التي لا تحصيها في ذاتك بما أنّك أنت الكون وما حواه وأنت تعلم أنّ القرآن خير وأحسن الحديث , فحدّث به عنه , فإذا علمت أنّ النعمة والنعم هي من عطاء الله تعالى وجوده وكرمه عليك فلا بدّ لك أن تستشعر روح ونسائم الحضرة في تلك النعمة وفي كلّ نعمة وإلاّ فإنّك لا تحسن ولا تستطيع أن تحدّث بها عنه فحدّث بالنعمة عن الله تعالى وإلاّ فلست أنت المراد بقوله ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) وبما أنّ سورة الضحى التي وردت فيها هذه الآية هي سورة الوصال والدلال والبشرى والسعادة قال له في نهايتها ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) فحدّث رسول الله عليه الصلاة والسلام بالنعمة عن الله فما أجمل أن تكون أنت النعمة فتحدّث عن المنعم , وهل لك غيره فتحدّث عنه , لذا نبّهك عن هذا لو عرفت وفهمت في قوله ( وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ) فكيف تحصيها وهي مضافة إليه , فهل ما أضيف إليه يمكن إحصاؤه , لذا ذكرنا جميعا في لفظة الجمع ( وإن تعدّوا ) أي كلّكم جميعا أوّلكم وآخركم إنسكم وجنّكم فلن تحصوها , وإنّما قال ( نعمة ) فكما قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه ( نعمة واحدة فقط لا نحسن ولا نستطيع أن نحصيها فضلا عن كلّ النعم لا ظاهرا ولا باطنا لا عددا ولا مددا ) والأقرب أنّ هذه النعمة التي لا نقدر أن نحصيها هي أجلّ نعمة وأحسنها وأجمعها ألا وهي نعمة ( النبيّ محمّد عليه الصلاة والسلام ) لذا قال له ( وأمّا بنعمة ربّك فحدّث ) فكأنّها إشارة إلى أنّه هو صلى الله عليه وسلّم أصل النعم ( أصل شجرة الأكوان ) ولذاك قال لك متى فهمت عنه ( وما قدروا الله حقّ قدره ) أي قدره من حيث قدره في عظمته وعلوّه , وقدره من حيث أنبيائه , ومن حيث أوليائه , ومن حيث المؤمنين , ومن حيث خلقه .... فبالجملة ما قدّرت الله تعالى حقّ قدره ولا تستطيع فأوقفك في مقام سوء الأدب الذي يستلزم منك الإستغفار والتوبة وعدم رفع الرأس إلى أبد الآباد ( فهذا مدخل )

( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )

هذه الآية كما في القرآن والسيرة هي آية إسراء النبيّ صلى الله عليه وسلّم ليلة أسري وعرج به , لذا سنتكلّم عن هذه الآية من حيث ذكرها للإسراء الذي كان من مكّة إلى أرض بيت المقدس ليلا وهذا الكلام هو خلاصة تلك المذاكرة بيني وبين ذلك الفقير الطيّب العزيز

قلت له :

الإسراء لا يكون إلاّ في مستوى معيّن وهو مستوى العبوديّة لله تعالى وإلاّ فإنّه ليس بإسراء ونقصد هنا بالإسراء إسراء القلب والروح لا إسراء الجسد لأنّ هذا خاصّ بسيّدنا محمّد رسول الله عليه الصلاة والسلام , أمّا إسراء القلب والروح فمعناه موجود في الدين بما أنّ الدين يستوجب التوجّه إلى الله تعالى والرجوع والإنابة إليه , لأنّ معنى الإسراء هو من مقدّمات المعراج والمعروج هو الذهاب إلى الله تعالى كما قال أحد الصوفية أظنّه سيدي أحمد العلاوي قدّس الله سرّه في قصيد له : ( الواو الواو سافروا لحباب امشاو ---رحلوا وارقاو للبساط المعناوي ) وكذلك فإنّ الله تعالى ما أخبرك عن الإسراء أو المعراج أو أي توجّه إليه وقرب منه إلاّ لينبّهك على ذلك وأنّ معناه في متناولك كما قال في قصّة يوسف عليه السلام ( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ) ( ما كان حديثا يفترى ) وكذلك قصّة موسى مع الخضر عليهما السلام وكذلك في كلّ خبر وفي كلّ واقعة فإنّ مقاماتها محفوظة في أمّة الحبيب عليه الصلاة والسلام فلا تظنّ أن في قصص الأنبياء والمرسلين مجرّد سرد قرآني أو تصوير تاريخي بل في ذلك عبرة كبيرة وتحقيق لمن يعتبر , فيجب عليك أن تأخذ حظّك من ذلك المعنى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) وإلاّ كيف ؟
قلت : العبودية يقابلها الألوهية والربوبية , لذا نزّه نفسه سبحانه في بداية ذكر العبودية في قوله ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) فكلّما تحقّقت بالعبودية كلّما علا تنزيهك لله حتّى تكمل مراتب عبوديتك فيكون المنزّه عنك هو الله تعالى فينزّه نفسه بنفسه بما أنّ عبوديتك إستغرقتك فمتى إستغرقتك فنيت عن ربوبيتك التي هي نفسك فمادامت نفسك موجودة فأنت مشرك به على التحقيق ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون ) فأصبحت عبدا محضا , عندها يحقّ لك الرجوع إليه ( وإليه ترجعون )
الإسراء في عالم الأرض وليس في عالم السماء , فله بداية وله نهاية ( من ... إلى ) ( من ) البداية و ( إلى ) النهاية , ولكن من أين وإلى أين ؟ الجواب : من مسجد وإلى مسجد , وأنت تعلم ( وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحد ). لذا قال الإمام البوصيري رضي الله عنه ( سريت ليلا من حرم إلى حرم ---- كما يسري البدر في داج من الظلم ) لأنّ البدر لا تعرف أنواره فتشاهد إلاّ في الليل فهذا الإسراء والمعراج هو الليل المحمّدي فعرج الله به بعد أن أسرى في حقيقته المحمّدية لتعلم معاني الإسراء والمعراج وأنّه عرج به في حقيقته المحمّدية , لذا كملت عبوديته وهو في الأرض لأنّ الأرض إسمها ( أرض العبودية ) أمّا السماء فهي ( للخصوصية ) فأسرى به ليطلعه على تلك الخصوصية المحمّدية ( لنريه من آياتنا ) فما أسرى به إلاّ لشيء واحد وهو قوله تعالى ( لنريه من آياتنا ) فذكر لك ( آياتنا ) بجمع ( نحن ) مقام صفاتي , هذا لتعلم أيّها المريد أسرار القرآن وعظمتها فلو قال مثلا ( لنريه من آياتي ) لكان هناك خللا علميّا في القرآن , وحاشا أن يكون للقرآن خللا ( لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ) مهما كان هذا الباطل ولو ذرّة منه فمحال , لأنّ القرآن هو الصدق المطلق والحقيقة الجامعة ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) فالقرآن والسنّة هما مشرب العارفين

هنا في هذا الإسراء ذكر سبب واحد له وهو ( لنريه من آياتنا ) مقام رؤية العين لذا قال له ( أخبر أمّتك في كلّ شيء يراه ) حتّى وصل الأمر بالصحابة الكرام عليهم جميعا الرضوان ( هل رأيت ربّك ) لكثرة ما أخبرهم عن مشاهدة ورؤية حقيقية ولهذا لمّا سألوا الصدّيق رضي الله عنه قال : ( أنا كنت أصدّقه في الخبر يأتيه من السماء ) أي فكأنّ سيّدنا أبا بكر يقول ( فكيف لا أصدّقه في خبر رآه بنفسه بالعين ) فعجيب أن أصدّقه بالخبر يأتيه وهو بين أظهرنا ثمّ لا أصدّقه في خبر رآه رأي عين ( أنظر وتمعّن في فهم أبي بكر وحجّته الناصعة )

أسرى به من المسجد الحرام : إشارة إلى مقامه المنفرد به صلى الله عليه وآله وسلّم لأنّه عاش في مكّة لا يراعي غير أحكام الحضرة العليّة لذا كان غرضه فيها نبذ الشرك والمشركين وهذه الحقيقة هي الحقيقة الأحمدية في أصلها وهي العبودية المحضة الكاملة فالحقيقة الأحمدية هي حقيقة عبوديته صلى الله عليه وسلّم وقد نطق عيسى عليه السلام بالتبشير بهذا الإسم بحسب ما تعطيه حقائق عيسى منه , وفي هذا الإسراء إنباء بحلول التجلّي المحمّدي على الأكوان لذا فبعدما رجع بسنة أو قليل هاجر إلى مدينته وأسّس حرمه الشريف صلى الله عليه وآله وسلّم تسليما كثيرا

وقد علم الأنبياء كلّهم والمرسلين بهذا الإسراء فجاؤوا بأرواحهم إلى بيت المقدس ليصلّون مقتدين بإمامهم فلا إمام في دين سماوي ولا تقبل بغير إمامة محمّد صلى الله عليه وسلّم أو ممّن ينوب محمّد صلى الله عليه وسلّم وهذا ما ورد من حيث صلاة عيسى خلف المهدي في آخر الزمان عليهما السلام فلو صلى المهدي وراء عيسى ما صحّت صلاته , فنحن محمّديين ولسنا غيره فصورة محمّد صلى الله عليه وسلّم مرسومة في وجود الأولياء والعلماء من أمّته فعلامته ناصعة ظاهرة لذا يرى الكثير من المريدين صورة وجه رسول الله في وجوه مشائخهم وما مشائخ التربية والأولياء والعارفين الكمّل إلاّ صورة محمّد رسول الله عليه الصلاة والسلام المتعدّدة , فرسول الله عليه الصلاة والسلام حاضر معنا اليوم أمّا الذي ينظر إلى الجسد والجسم فأحرى به أن لا يتكلّم في الدين ( فما مات معنى محمّد فلو مات لمات معه الدين ) بل هو موجود حاضر لا يخفى إلاّ عمّن هلكه الحسّ والمادّة , يا علماء السوء ألا ترون محمّد بن عبد الله ؟ أتركوا دينه فلستم أنتم أهل دينه , متى غاب رسول الله ؟ وهل يغيب ؟ وقد قال الشيخ أبو العبّاس المرسي رضي الله : ( لي ستّ وأربعون سنة ما غاب عنّي رسول الله طرفة عين ولو غاب عنّي ما عددت نفسي من المسلمين )

قلت :

الإسراء والمعراج : لبّ الدين وروحه وهو المقام الثالث من الدين وهذا هو مبحث السادة الصوفية , ولا نعني الإسراء والمعراج الذي وقع للنبيّ عليه الصلاة والسلام حاشا وكلاّ أن نتجرّأ , بل نقول معناه مازال في الأمّة المحمّدية ويبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها

سنزيد في هذا ونبدأ بسرد المعاني مع دلائلها

يتبع ...

اشكر لكم هذا الفهم الراقي وأنتظر البقية .....

سبحان الذي اسرى بعبده
لو قال سبحان الذي اسرى بنبيه او برسوله لفتح باب السريان لغيره فمن
كان له قسط في العبودية له قسط في السرايان ولما كان له صلى الله عليه
وسلم كمال العبودية كان له كمال الاسراء فاسري بروحه وجسده وليس
ذلك لغيره فاذا وقع الاسراء بالروح الى الملكوت حصلت له قرة العين
في العبادة على قدر اسرائها واسرائها على قدر تصفيتها من العلائق والعوائق

وصلىالله على السر الساري في جميع الوجود ((العلوي والسفلي))

ما شاء الله تبارك الله
هل يعد هذا الإسترواح واردا ؟
والسلام GB.

جازاكم الله خيرا ساداتنا الكرام على المرور الكريم

بدأ هنا بذكر الحقائق لأنّ المجال مجالها , وهكذا في جميع قصّة الإسراء والمعراج , لأنّ مجالهما مجال حقائق , والحقيقة لا بدّ فيها من أمرين
الأمر الأوّل : العبودية ولا شيء غيرها لأنّ العبودية هي الحقيقة الجامعة المختصّة بالإنسان , والأمر الثاني : هي الخصوصية لأنّها مقرونة بالعبودية , فمتى كنت عبدا صحّ لك جانبا من الإختصاص , ومتى لم تكن عبدا فأنّى يكون لك إختصاصا ؟ وهذا الأمر الثاني مختصّ بالحقيقة الثانية وهي ( الرؤية ) لقوله تعالى ( لنريه من آياتنا ) فقد وصل هذا القول في الإسراء بالمعراج , لأنّ المعراج كلّه رؤية , وكذلك الإسراء ,

وعليه فهمنا حقيقتين : الأولى : العبودية , والثانية : الرؤية , وهي إختصاص تلك العبودية , فكلّما زادت عبوديتك لله كلّما علت خصوصيتك , ولكن حذار من أن تطلب العبودية لنوال الخصوصية , كما قال إبن عطاء الله السكندري رضي الله عنه محذّرا من هذا الحال : ( طلبك التجريد مع إقامة الله إيّاك في الأسباب من الشهوة الخفيّة )

أمّا الرؤية فمجالها ملكوتي وهذه حقيقتها لها بداية ولها نهاية : فبدايتها رؤية الآيات التي لا تدلّ إلاّ على صاحبها وإلاّ فإنّها لا تسمّى رؤية , لأنّ الرؤية أمرها عظيم فمتى حجبتك الأنوار عن ذات الواحد القهّار فلا تسمّى رؤيتك لتلك الأنوار رؤية وإنّما تسمّى في حقّك حجاب , وأنت تعلم أنّ الرؤية لا يكون معها حجابا , هنا فهمنا أنّ هذا الإسراء الذي والمعراج الذي وقع في عالم الصفات وهو الحقيقة المحمّدية لا بدّ فيه من إستشعار وجود الذات لذا نعتها الله تعالى بالرؤية , ( لنريه من آياتنا ) فلو قصدت أيّها المريد رؤية تلك الآيات من غير إستشعار رؤية الذات قبلها وبعدها وفيها فمحال أن تصل إلى مستوى ( فكان قاب قوسين أو أدنى ) من هنا يتّضح حال السالكين ومعرفة نوايا المريدين لذا أعلمك بقوله بداية ( يريدون وجهه ) فلا يحجبك عنه حجاب ولا ترضى الوقوف بالباب بل الدخول إلى حضرة ربّ الأرباب

فأظهر لك الحقيقة لتفهم عنه فقال ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) فأين جبريل وأين البراق وأين الأرض وأين السماء , فما نسب الفعل لغيره سبحانه في هذا فانطوى الفرع في الأصل , ولكن حتّى لا تضلّ أو تملّ أعلمك بالتنزيه كي لا تقع في التشبيه فقال ( سبحان ) لأنّ المقام يستلزم التشبيه فأحالك على التنزيه في قوله ( الذي ) فتكلّم بلسان الفردانية الصمدانية وإلاّ وقع المريد في أوحال التوحيد متى علمت السلوك ومرامه كي تفصّل تفصيلا , وليعلم أنّ في آيات الإسراء والمعراج علوم السلوك بأسرها التي لدى مشائخ التربية فيعرفونها من القرآن والسنّة لأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام أوضحها كما أوضحها البيان فهو الذي يفصّل الجمع صلى الله عليه وسلّم

الحقيقة الجامعة : ذكر في هذا الإسراء عبدا واحدا : وهو محمّد صلى الله عليه وسلّم , فعلمنا أنّ كلّ ساري في إسرائه فإنّما سرى بمعيّة رسول الله عليه الصلاة والسلام فما سرى ولا عرج في الحقيقة إلاّ بمحمّد صلى الله عليه وسلّم فهذا الإسراء مختصّ به وما إسراء غيره إلاّ منه وفيه لو فهمت عنه , لذا ما عدّد العباد وما ذكرهم بنفس التعداد , فأنت تسري من حيث حقيقة محمّد صلى الله عليه وسلّم وهكذا الأنبياء والمرسلون , ففي الحقيقة إنّما أسري بالنبيّ عليه الصلاة والسلام ظاهر وباطنا أمّا أنت فقد أسري بك وعرج بك باطنا فقد دون الظاهر لتعلم أنّ رسول الله محيط بك ظاهرا وباطنا : في أحوالك وعلومك ورؤيتك ...إلخ فتكون مؤتمّا برسول الله في كلّ شيء فمتى خالفته فأنّى يكون لك من الأمر من شيء

( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) فهو ربّ واحد والذي أسري به عبد واحد فلماذا تريد مزاحمة النبيّ عليه الصلاة والسلام سواء تزاحمه في حقائقه أو تزاحمه في ظاهره فلو لا محمّد صلى الله عليه وسلّم ما عرج ولا أسري بأحد من العباد لأنّه حقيقة الكلّ صلى الله عليه وسلّم

فليلة الإسراء تستلزم العبودية , والعبودية تستلزم الفناء وقبل كلّ شيء في محبّة الحبيب صلى الله عليه وسلّم , فلا يعرج أو يسري بأحد إلاّ وهو في الحقيقة تابع لرسول الله عليه الصلاة والسلام , لذا جعله في الإسراء عبدا واحدا , فما الشيخ أو القطب في حقيقته إلاّ محمّد رسول الله عليه الصلاة والسلام , وليس هو عينه وإنّما هو صفة رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد ذكر هذه الحقيقة الإمام البوصيري في الهمزية عندما ذكر النجوم وصورتها في الماء

وفيه إشارة أنّ إسراءك أيّها السالك ليس هو لك بل هو لمحمّد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فهو الذي أسري به لأنّه عبد ( وأنت بعبوديته صلى الله عليه وسلّم تمّ لك هذا الإسراء والمعراج ) فأنت مهما عبدت واستقمت فإنّما استقمت وعبدت برسول الله عليه الصلاة والسلام لذا نبّهك على هذا فقال لك ( فأتّبعوني يحببكم الله ) والإتّباع لا بدّ فيه من دليل تسير خلفه ( هذا ظاهرا ) أمّا باطنا فالعلم للدليل وليس لك


يتبع ... حتّى لا نخرج عن المقصود والمطر شديد في هذه المدينة

كتب سيدي رضوان.......وقال الورتجبي : أسرى به عن رؤية فعله وآياته ، إلى رؤية صفاته ، ومن رؤية صفاته إلى رؤية ذاته ، وأشهده مَشاهد جماله ، فرأى الحق بالحق ، وصار هنالك موصوفًا بوصف الحق ، فكان صورتُه روحَه ، وروحُه عقلَه ، وعقلُه قلبَه ، وقلبُه سره ، فرأى الحق بجميع وجوده؛ لأن وجوده فانٍ بجميعه ، فصار عينًا من عيون الحق ، فرأى الحق بجميع العيون ، وسمع خطابه بجميع الأسماع ، وعرف الحق بجميع القلوب

قال تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله )

لا بدّ عند ظهور الحقّ سبحانه وهو الظاهر من ظهور الحقيقة التي هي وصف الحقّ وإنّ لكلّ حقّ حقيقة لأنّه خلق السماوات والأرض بينهما بالحقّ فكان لا بدّ من ظهور حقائق الأسماء والصفات كلّها ظاهرا لأنّ الله هو الظاهر وباطنا لأنّ الله تعالى أيضا هو الباطن , فكانت الحقائق بين ظهور وبطون فهي ظاهرة وباطنة وهذا المشهد بين الظهور وبين البطون هو المشهد الحقّ فهو البرزخ ( بينهما برزخ لا يبغيان ) لأنّ البغي مذموم في الشريعة وفي الحقيقة فلا بدّ أن نقاتل الفئة الباغية من الطرفين وعلى هذا كان المنهاج الإلهي المحمّدي فهذه السنّة وكنت البارحة قد كتبت ما شاء الله أن أكتب في هذا الموضوع ولكن شاءت الأقدار أن يمحى ذلك فكأنّي ما كتبته فلعلّي كنت على على هذا الوصف من البغي

فظهور الحقيقة لا بدّ أن يكون مستترا بما أنّ الليل للإسراء والمعراج علامة الوجود الظاهر مع الخفاء فالحقائق ظاهرة ولكن ظهورها كان متستّرا كما تستّر الساري في الليل كما وقعت بداية الهجرة في الليل علامة الستر والخفاء ومن هذا الوجه كان الإسراء والمعراج فهو في الليل لذا أكّد على ذلك بقوله ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) فهو يذكر الحقيقة فنسب الفعل إليه سبحانه فلا براق ولا جبريل ذكر ولكنّه أشار إلى ذلك الخفاء كناية عن الليل , ومن باب آخر كناية عن ليل الأنس والدلال والجمال حال ليلة القدر لتعلم أنّ الحقائق في ظهورها كعلم وإخبار لا بدّ من خروجها في الليل المحمّدي وهو مجال ظهور الصفات لأنّ عند ظهور الذات أشرق نهار الليل فاتّضحت الحقائق نهارا وإتّضاحها شهود صاحبها فمتى ظهر الحقّ رجعت الحقيقة إلى باطنه كما تقول رجوع الأسماء والصفات إلى بحر الذات , والليل عبارة عن عالم البقاء فكان دوران الأرض مثلا أو أي دوران لكون من الأكوان بمقاييسه ما هو إلاّ حقائق توحيدية متى علمت أن ليس في الكون سواه وعليه تسترشد في هذا الوجود بعلمك المنير فتقول بلسان الحال والعلم ( سبحانك ما خلقت هذا باطلا ) فوقع التنزيه منهم حتّى يخرجوا من ذلك التشبيه وهكذا فمن وصل إلى هذا المقام رأى الكون فيضا من وجوده ونورا من نوره سبحانه فكان عنده العلم الصحيح فأضحت المنظومة الكونية دلالة على التوحيد وفي كلّ شيء له آية فهذا مشهد العارفين , فمتى لم ترتقي إلى هذا المشهد من التوحيد فلست أنت بعالم ولا تعرف المكوّن لأنّ من علامة معرفة للمكوّن معرفتك بالكون على حقيقته , ففي الليل كما وقع لموسى في خروجه من بلاد مصر ليلا مع بني إسرائيل كما وقع له الكلام ليلا عند الواد المقدّس وكذلك العذاب في قصص الأنبياء لا يأتيهم إلاّ ليلا لتعلم أنّ الليل للصفات فلا بدّ أن يكون الإسراء فيها
وإنّما كان الليل مظهرا علوم الحقائق لأنّ باطن العبد أو تقول رؤيته الباطنة لا تكون إلاّ بليل ( صفاء الرؤية ) لا يكون إلاّ بليل فيكون مشهدك فيك وأنت هو هذا الليل وحقيقته , فالليل للحقائق والحقائق عند ظهورها لا يمكن معها غير الرؤية والمشاهدة , فتلك المشاهدة لا يمكنك أن تراها إلاّ في حقيقتك التي هي ليلك

قلت :

الحقيقة لا ينفع معها غير التصديق ونعني بالتصديق هذا الإسراء والمعراج الذي وقع للنبيّ عليه الصلاة والسلام وعلامة التصديق به الإخبار به عن رؤية ومشاهدة فعلمنا أنّ الرؤية والمشاهدة لا ينفع معها غير التعبير عليها كما شوهدت كما وقع للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلّم لمّا طلب منه المشركون وصف المسجد الأقصى فمثّل له حتّى كأنّه يراه فوصفه لهم فكان الإخبار من جنس الرؤية بما أنّ القرآن قال ( لنريه من آياتنا ) فلا ينفع فيه الإخبار إلا عن رؤية ومشاهدة لذا لمّا سألوه ما أخبره جبريل ولا وحي غير تمثّل الأقصى له كأنّه يراه أمام عينيه فوصفه لهم لأنّ المجال مجال رؤية , فكان المعراج والإسراء كلّه رؤيا ومشاهدة فكان الإخبار من جنسها وهكذا إخبارات العارفين عن مشاهداتهم وكشوفاتهم فهي من هذا الجنس لذا تسأل العارف أعطني دليلا ؟ فيقول لك دليلي هو رؤيتي لكن لا بدّ من امتحان تلك الرؤية وذلك بالإخبار عنها كما هي في حقيقتها كما قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه فيما يدّعي القطبية فإنّ علامة المقام أن تعبّر عنه على وجه الإحاطة به لا على وجه الغرق فيه فإنّ الغرق يعطي الإستهلاك ولا يعطي العلم وكم من غارق في التصوّف وكذلك في الفلسفة ولا يدري بنفسه أنّه غارق فيها وإنّما يعبّر عن المقامات من فوق لأنّ الإحاطة فوقية ولكن من غير دعوى نفسية والفرق واضح بين من يعبّر عن المقام أو الحال بنظرة إحاطية في عالم الصحو والبقاء وبين من يعبّر عنه في حالة الغلبة والفناء , أو في المقابل من يعبّر عنه في حالة الدعوى والخواطر النفسية والشيطانية

وأنت تعلم أنّ القرآن كلّه في عالم البقاء ورد لذا كان بين شريعة وحقيقة بينهما برزخ لا يبغيان فمن استشعر هذا البرزخ ورآه قال مثلما قال الجنيد ( التوحيد إفراد الحدوث عن القدم ) فقوله ( إفراد ) هو البرزخ

وسنتناول شرح الإسراء المحمّدي وكذلك المعراج النبوي بما لم تره مسطّرا في كتاب إن شاء الله تعالى فقد انفتحت لي مغالق هذه الآيات والأحاديث التي وردت فيه فإنّني العبد الضعيف رأيت مرّة نفسي في المنام ذهبت إلى المدينة المنوّرة وشرعت في حفر القبر النبوي الشريف حتّى وصلت إلى قعره فما وجدت رسول الله ولكن وجدت صندوقا ذهبيا فأخذته وهممت بفتحه لكن الخوف والهيبة من رسول الله عليه الصلاة والسلام منعاني من ذلك وقد كنت أبحث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنّي منذ أن وعيت ما أحببت قطّ غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم وكنت في المدّة الأخيرة أكتب في المنتديات فرأيت الحبيب عليه الصلاة والسلام كأجمل ما تكون الرؤيا فبنظرة منك إلى وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام تنسى الوجود وما حوى فتذهب إلى المدينة تقبّل الأرض شبرا شبرا بل وتقبّل كلّ نعل ينحو منحاك فما أجمل الصوفية وما أحلاهم وأحسنهم فلعلّني أكتب في هذه المنتديات ما يتوافق مع حالي لربّما لقرب أجلي ولا يعلم الآجال إلاّ الله تعالى حتّى تبقى ذكرى منّي لأهل الله تعالى عنوان على محبّتهم وغرامي بهم فإنّي ما أحببت سواهم ويعلم الله ويشهد على ذلك رغم ذنوبي وعيوبي الكثيرة وخاصّة أنّ المرض مستفحل بي من كلّ جانب , والبارحة في المنام كنت في بيت سيدي المقدّم الراحل علي الرقوبي رضي الله عنه أسأل عن أولاده فبكيت لحاجتهم جدّا ما ظننت أنّي بكيت بكاء على أحد مثل البارحة على أيتام سيدي علي الراقوبي رضي الله عنه رغم أنّهم اليوم رجال رضي الله عنهم فإنّ في بيته سرّا لطيفا

يتبع ...