تاج الملوك في تفسير القرآن لأهل السلوك

بسم الله الرحمان الرحيم الكريم العظيم الجميل الجليل غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلاّ هو
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه أجمعين

أمّا بعد :

فإنّ اسرار القرآن العظيم وأنواره لا حدّ لها ولا حصر , ولا عدّ لها إذ ما أحاط أحد بعلمها في كلّ مصر وعصر , فكلام الله تعالى هو العلم المطبق , الحديث الحقّ , الصدق المطلق , الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , وبما أنّ القرآن على القلوب نزل , فما دامت القلوب فهي في تلقيه لم تزل ولم تزل , فإنّه إذا رفع متى رفع فمن القلوب معانيه ونوره , ومن الأرواح سرّه وفيضه , فيغفل الناس عن علمه وحكمه , وأحواله ومقاماته , فلا يدرون حينها طريقا مستقيما ولا علما , ولا توحيدا أو فهما

هذا كي تعلم أيّها الوليّ أن النبيّ عليه الصلاة والسلام لمّا أراد كتابة كتاب غير القرآن قال له سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه ( حسبنا كتاب الله ) لأنّهم رضي الله عنهم كانوا جيل القرآن فهم أهل الله وخاصّته ... صلّى الله على من ربّاهم على اتباع الصراط السويّ والطريق الغير ذي عوج فنشروا القرآن في الأمصار وألحقوه بالبيان في مختلف الأعصار ..

وحيث أنّ ورود المعاني القرآنية النورية والأحوال التوحيدية على القلوب من فضل الله تعالى العميم وعظيم كرمه وجوده القديم فإنّها الهدى إلى الطريق والمنادي الذي ينادي بالحجّ إلى مستوى التحقيق عزمت العبد الضعيف بعد أن توكّلت على الله تعالى أن أشرح صدرا بألم نشرح في بيان بعضا من الاسترواحات القرآنية والمعارف اللدنية التي أفاض الله بها على إخواننا من أهل نسبة المحبّة ...

هذا وليعلم الواقف على كلامي والمتابع لغرامي أنّي لا أرى نفسي من المحقّقين ولا العارفين ولكن قصدت ربّا جوّادا كريما جميلا حكيما أن ينير لي في سماء قلبي سراجا وفي أفق روحي حبّا وهّاجا , وقد اخترت من الأسماء لهذا التقييد كما سلفت منّي النيّة إسم ( تاج الملوك في تفسير القرآن لأهل السلوك ) ولكنّ الله تعالى يقول ( وما يعلم تأويله إلاّ الله ) لأنّ التأويل يكون بحسب العلم والصدق فيه بالكلام المعبّر عنه , فإذا علمت أنّ علم الله تعالى ليست له نهاية ولا غاية فكذلك صدقه وجميع أسمائه وصفاته وعظمته ( والله واسع عليم )

فأرجو من الله تعالى التيسير والقبول ...

يتبع إن شاء الله تعالى ...

حبيبى على أرجو أن تجمعه وتطبعه ليعم النفع على إخوانك

بسم الله الرحمان الرحيم )
( الحمد لله ربّ العالمين )

ورد في الحديث ( كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمان الرحيم فهو أبتر ) وفي رواية أخرى ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أقطع ) وفي رواية ( كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أقطع ) وكذلك ورد ( بالصلاة على رسول الله )

اختار الفقهاء رحمهم الله تعالى في الصلاة المفروضة اختيارين منهم من قال أنّ البسملة هي آية من سورة الفاتحة وعليه مذهب الشافعية بينما قال مالك رحمه الله تعالى ليست هي آية منها ..

قلت :

من ثراء الحقيقة تعدّد أوجهها والذي ذهب إليه ساداتنا الشاذلية رضي الله عنهم فيما نعلمه عنهم سواء أكانوا مالكية أم شافعية أنّهم قالوا بقراءة البسملة جهرا في بداية سورة الفاتحة أعني المحقّقين من أهل الله تعالى ..

وتفسير هذا أنّ البسملة مناطها عالم الظهور بينما الحمدلة مناطها عالم البطون وبما أنّه لا تصحّ القراءة إلاّ في عالم الأسماء قال تعالى لنبيّه في بداية نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلّم ( إقرأ بإسم ربّك ) فأحاله على القراءة البرزخية بين البسملة والحمدلة فجمع بين الظاهر وبين الباطن فقرأ في مستواهما لهذا أعاد عليه الملك قوله ( إقرأ ) ثمّ ( إقرأ ) ثمّ في المرتبة الجامعة قال له ( إقرأ بإسم ربّك ) لذلك غاب حرف الألف في ( بسم الله ) وظهر حرف الألف في قوله ( إقرأ بإسم ربّك )

( فبسم الله الرحمان الرحيم ) للإستفتاح والمصاحبة فالعبد هو الذي يستفتح قراءة هذا الوجود من حيث الحركات والسكنات والأفعال وهنا يتجلّى عالم الجبروت والفاعل حقيقة مع وجود رداء الستر لذا لا بدّ من مصاحبة الإسم الحاجب كي لا تدّعي ربوبية أو تتزندق باتحاد مع ألوهية في كلّ نفس من أنفاسك سواء أكان ذلك ظاهرا أو باطنا علمت ذلك أو جهلته بخلاف قوله ( إقرأ بإسم ربّك ) فهي للعلم والتفصيل أي ( إقرأ ) وأنت في مقام الإسم الجامع ( خلافة ) فكأنّك عين الإسم ولست عين المسمّى به كي تتّضح لك الأشياء وتتبيّن لك الأمور فيكون حجاب القراءة هذه أن يقع النظر أو يلحق البصر الظاهر تلك القراءة الأولى التي لم تستطعها أو الثانية التي عجزت عنها فقمت في القراءة الثالثة قائما في الوجود متحقّقا بالقراءة الأولى والثانية في مقام الشهود , شهود أوّل وهو للقراءة الأولى وهو قولنا ( أشهد أن لا إله إلاّ الله ) ثمّ شهود ثاني وهو للقراءة الثانية ( وأشهد أنّ محمّد رسول الله )

فإذا علمت هذا وأدركته تعلم أنّه لا يصحّ لك في بداية سلوكك أن تنحى إلى منحى نزول الوحي عليك قبل أن يتحقّق منك عمل وفعل وجهد ومجاهدة وذكر ومكابدة فبدأ لك إستفتاح هذا السير والسلوك والفهم إلى معرفة ملك الملوك بقوله في بداية كلّ سورة التي هي مرحلة من مراحل سلوكك إلى بحار الكمال بقوله ( بسم الله الرحمان الرحيم ) كي لا تخطئ الطريق فلا ترى غير هدايته وتوفيقه لك والقيام عنك بما أنت عنه عاجز فإنّك متى بدأت بغير ( بسم الله ) فقد أخطأت طريق السير وتنكّبت الصراط المستقيم فصاحبك الإسم هنا في الإستفتاح من حيث بداية الإرادة كي تسير السير القويم وتثبت على الصراط المستقيم

فلمّا كان عليه الصلاة والسلام كاملا في معرفته متحقّقا في رتبته بعد أن تقدّم منه زمن الجهد والمجاهدة في غار حراء نزل عليه الوحي لتبليغه للناس بعد أن فاض عليه الشهود أمره الله تعالى ببثّه في ذرّات الوجود فكان القائم به عنه صلى الله عليه وسلّم فنزل من غراء حراء بالوحي الذي نزل عليه فتحقّق نزول السور إلى فهم حقائق جميع تلك الصور

فلمّا نزل الوحي على قلبه عليه الصلاة والسلام وهي مرتبة وسطية بين العقل والروح كان لزاما نزول الوحي عليه في نفس تلك المرتبة لذا قال له ( إقرأ بإسم ربّك ) وهو نزول في مرتبة الصفات وهي للصفاء التي ما أحسن القراءة فيها فأخرجها في مرتبة القراءة بالأسماء فكان لقوله تعالى ( إقرأ بإسم ربّك ) وجهان : وجه لعالم الحقيقة ( الحمد لله ) ووجه لعالم الشريعة ( بسم الله ) فكان الجامع بينهما في مرتبة القراءة ومن هنا سمّي القرآن ( قرآنا ) فقد نزل في مقام الصفات وهو للحقيقة المحمّدية ( إنّا أنزلناه في ليلة القدر ) ( إنّا أنزلناه في ليلة مباركة ) فكان القدر هو عين البركة والليل منطلقهما وهذا من باب الرحمان الرحيم وسنأتي عليه

إذن فلك بداية يا مريد ( ببسم الله الرحمان الرحيم ) ولك وسط ( إقرأ بإسم ربّك الذي خلق ) ولك نهاية ( وآخر دعواهم أن الحمد لله ربّ العالمين )

يتبع ...

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
			1	2	3	4
5	6	7	8	9	10	11
12	13	14	15	16	17	18
19	20	21	22	23	24	25
26	27	28	29	30	31

تاج الملوك في تفسير القرآن لأهل السلوك

تاج الملوك في تفسير القرآن لأهل السلوك

رد: تاج الملوك في تفسير القرآن لأهل السلوك

رد: تاج الملوك في تفسير القرآن لأهل السلوك