الرحمة ميزة الدين الإسلامي

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله

ميزة الدين الإسلامي أنّه دين رحمة وهكذا جميع الأديان من قبله وهكذا جميع الأنبياء كانوا من أرحم الناس بالناس وبخلق الله تعالى أجمعين تخلّقا بأخلاق ربّهم الرحمان الرحيم القائل سبحانه ( الرحمان على العرش إستوى ) والقائل سبحانه ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) فالرحمة محلّها من القلب محلّ الإيمان منه فهي عنوانه وهو عنوانها لا ينفصلان قال عليه الصلاة والسلام ( ذاق طعم الإيمان ... الحديث ) فطعمه هو الرحمة إذ لا يوصلك شيء إلى الله تعالى غير الرحمة قال تعالى ( آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنّا علما ) فسبقت الرحمة العلم ( السابقون السابقون أؤلائك هم المقربون ) وقد كتب الله تعالى كتابا كتب فيه رحمتي سبقت غضبي وقد ورد في الحديث الشريف أنّ إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة
فالرحمة هي سرّ الوجود ومفتاح الشهود

فسبقت الرحمة في كلّ صفة من صفات الله تعالى فكانت رئيستها فسرت فيها وإنّي شاهدت من ذلك عجبا عجاب في نفسي وفي غيري وفي الأكوان فكان سيّدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم وصف الرحمة المهداة قال عليه الصلاة والسلام ( الراحمون يرحمهم الرحمان يوم القيامة ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) قال تعالى واصفا عباده المتقين ( وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا ) وقال تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) فالرحمة هي وجه الجمال الإلهي في الأكوان ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) إذ أنّ الوجه يعطي مفهوم نظر الجمال بالحبّ فإنّك لا تتمتّع بالجمال عند النظر إلاّ في حالة الحبّ في حضرة الرحمة قال تعالى ( ورحمتي وسعت كلّ شيء ) أي ولم يسعها شيء فسرى العلم بمدد الرحمة فيما وسعته فالرحمة للفناء أمّا العلم فهو للبقاء قال سيدي أحمد العلوي رضي الله عنه في قصيده ( أنا لست إنسانا ولا من الجنّ --- أنا سرّ الرحمان أنا الكلّ منّي ) وهذا وصف النبيّ عليه الصلاة والسلام فلمّا فنى في هذا الوصف رأى أنّ كلّ شيء منه صدر وعنه أخبر وهو نفس قول البوصيري الإمام رضي الله عنه ( لولاه لم تخرج الدنيا من العدم ) لهذا قال تعالى مشيرا إلى تلك الحقيقة ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) فأنت سرّ ملكوتهم ( أنا سرّ الرحمان ) كما قال شيخنا سيدي إسماعيل رضي الله عنه في صلاته الكاملة ( والسرّ الساري في جميع الوجود )

معاني الجمال لها من الأوزان وزنان بصر للمشاهدة وسمع للمكالمة صادران من حضرة الرحمة في القلب قال تعالى ( لهم قلوب لا يفقهون بها ) أي لا يرحمون بها إذ أنّ الرحمة عنوان الفقه فهي بابه ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) أي جمالي ( ولهم آذان لا يسمعون بها ) أي خطابي ) لأنّه لو سمعت الأذن لذّة الخطاب ورأت العين ما وراء الحجاب لاستمتع القلب في حضرة الأحباب قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى ( وارزقنا مشاهدة تصحبها مكالمة ) فالنظر للحبّ والكلام للطرب فمن هنا طرب القوم بالسماع وتاهوا بلذّات الوصال على كثيب النظر إلى الجمال .. هناك هناك ...
أكثرهم رحمة أقربهم إليه وأسعدهم بين يديه فلن ينفعك هناك غير الشكاوى فلا تصحّ في المحبّة غير الشكوى ثمّ الشكوى والشكوى بلا نهاية

أوّل ما يكتسب في طريق الله تعالى هو الرحمة التي هي أساس كلّ إيمان وسير إلى الله تعالى ...

قال تعالى ( واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة ) فلا يمكن أن تتواضع إلاّ برحمة فسرت الرحمة بسرّها الساري في جميع المقامات والأحوال كالتواضع والمحبة والعلم والصدق والصفاء والوفاء ... فلا تطلب من المقامات والأحوال غير سرّها ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ( رحماء بينهم ) إذ أنّها الحضرة الجامعة لهذا كان من خيرة الأسماء بعد إسمه صلى الله عليه وسلّم عبد الله إسمه ( عبد الرحمان ) وبه تكنّى ملك الموت إشارة أنّه سيرحمك بلقياك الحبيب كما قال بلال وهو في سكرات الموت ( واطرباه غدا ألقى الأحبّة محمد وصحبه ) ..

قال تعالى : ( الرحمان علّم القرآن ) إذ لا يصحّ تعليم إلاّ من حضرة الرحمة وفيها فيسري مدد العلم في الرحمة التي أنت عينها فلولا الرحمة السابقة ما صحّ تعليمك اللاحق ( آتيناه من عندنا رحمة وعلّمناه من لدنّا علما ) ..

فذاك مقياس الصالحين وراية الأولياء العارفين

الرحمة صنو العلم لا يفترقان كما لا تفترق المحبّة عن الجمال فهما صنوان وأخوان حميمان ..
فالأحوال متغايرة ( كلّ يوم هو في شأن ) ووصفها الجامع هو الرحمة فتلك علامتها أمّا المقامات فهي ثابتة ووصفها الجامع هو العلم فآتاك الرحمة وخصّك بالعلم فكلّ من ازداد رحمة ازداد علما ( وقل رب زدني علما ) لما تستوجبه رحمتك في عين علمك فما سأل حقيقة غير الرحمة التي هي باطن العلم وسرّه وجماله ومحبّته لأنّه لن يدخل أحد الجنّة إلاّ برحمة الله تعالى وفضله ناهيك عن الدخول إلى حضرته التي هي فوق سبق الأعمال والهمم ... الرحمة سبقت الغضب لأنها السابقة ( ورحمتي وسعت كلّ شيء ) فالكون كلّه مرحوم ..

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
			1	2	3	4
5	6	7	8	9	10	11
12	13	14	15	16	17	18
19	20	21	22	23	24	25
26	27	28	29	30	31