السير وراء الشّرع والعقل والنّفـس:

مذاكر لسيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه بتاريخ الأحــد 12 جوان 1988:

انقسم الـنّاس في سيرهم لثلاثة أقسام:
قسـم سائر ودليله الـشّرع، وقسم سائر ودليله الهوى والـنّفـس، وقسـم سائر ودليله العقـل.
السّائرون وراء الشّرع هم المفلحون في الدّنيا والآخرة فالحسن عندهم ما حسّنه الشّرع والقبيح ما قبّحه الشّرع، والحرام ما حرّمته الشّريعة والمباح ما أباحته الشّريعة.
القسم الـثّاني هم السّائرون وراء الهوى والنّفس فما تمليه وتأمرهم به نفوسهم هو المستحسن والمليح عندهم ويعملون به وما تكرهه وتعزف عنه نفسوهم لا يعملونه فهؤلاء خاسرون في الدّنيا والآخرة.
القسم الـثّالث السّائرون وراء العقل فما حسّنه وقبله العقل فهو الحسن فهؤلاء خاسرون إلاّ من هداه العقل للسّير وراء الشّرع، لأنّ الـنّاس مختلفين في العقول فما يحسّنه البعض يقبّحه البعض الآخر. إذن المتمسّكون بالشّرع هم الفائزون والـنّاجحون لأنّ الشّرع يدلّ على جلب المصالح ودفع المضار التي نعلمها ولا نعلمها فالأشـياء كـلّها لا يعلم صالحها وطالحها إلاّ اللّه سبحانه وتعالى، فقد بيّن في القرآن المصالح وأمر باتّباعها وبيّن المفاسد وأمر باجتنابها بخلاف العقل والـنّفـس، قال تعالى: {أرأيت من اتّخـذ إلاهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا. أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعـون أو يعقلـون إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضـلّ سبيلا} (44 الفرقان)
وقال أيضا: {ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من الله} (50 القصص).
وقد أخبر المولى عزّ وجلّ في سورة النّبأ عن أقوام استوجبوا العذاب الأليم بقوله تعالى: {إنّ جهنّم كانت مرصادا. للـطّاغـين مـآبـا. لابثيـن فيها أحقابا. لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا. إلاّ حميما وغسّاقا. جزاء وفاقا. إنّهم كانوا لا يرجون حسابا. وكذّبوا بآياتنا كذّابا. وكلّ شيء أحصيناه كتابا. فذوقوا فلن نزيدكم إلاّ عذابا} (30 النبأ)
تتشوّق النّفس لمعرفة سبب هذا العقاب، فأخبر عزّ وجلّ بأنّه جزاء وفاقا أي مطابقا لذنوبهم لأنّ أفعالهم أفعال من لا يؤمن بالحساب ولا يتورّع على شيء ويقدُم على كلّ ما تحدّثه به نفسه، ولهذا فسدت ظوارهم وفسدت بواطنهم ووصلوا لدرجة تكذيب نهائي لقوله: {كذّابا} مصدر مؤكّد، فلأجل ذلك استوجبوا هذا العذاب المذكور في الآية. ومنشأ هذا كلّه مطابقتهم ومتابعتهم لأنفسهم في كلّ ما تمليه عليهم.
وأناس آخرون يصلون بمخالفة نفوسهم إلى درجات عالية، وفيهم من خرج من الكفر ودخل الإسلام بمخالفته لنفسه كقصّة الرّاهب الـنّصراني مع القائد الإسلامي. فالأصل مخالفة هوى الـنّفس وهو مسلك الصّالحين من الأمّة، قال تعالى: {قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها} (9 الشمس).
ربّ يرزقنا الـتّوفيق والعمل بالشّرع، اللّهم غلّبنا على أنفسنا ولا تسلّطها علينا طرفة عين...آميــــــــــن.