مواهب المنان
مرحبا بزائرنا الكريم
يمكنك تسجيل عضويتك لتتمكن من معاينة بقية الفروع في المنتدى
حللت أهلا ونزلت سهلا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مواهب المنان
مرحبا بزائرنا الكريم
يمكنك تسجيل عضويتك لتتمكن من معاينة بقية الفروع في المنتدى
حللت أهلا ونزلت سهلا
مواهب المنان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» شركة المكنان" خدمات عالية الجودة في عزل خزانات في السعودية
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالإثنين 22 أبريل 2024 - 13:50 من طرف شركة الخبرا

» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالأربعاء 17 أبريل 2024 - 3:26 من طرف الطالب

» هدية اليوم
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالإثنين 15 أبريل 2024 - 12:09 من طرف أبو أويس

» حكمة شاذلية
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالثلاثاء 9 أبريل 2024 - 23:45 من طرف أبو أويس

» الحجرة النَّبَوِيَّة وأسرارها
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالإثنين 8 أبريل 2024 - 0:03 من طرف أبو أويس

» لم طال زمن المعركة هذه المرة
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالسبت 6 أبريل 2024 - 0:01 من طرف أبو أويس

» كتاب الغيب والمستقبل لأستاذنا إلياس بلكا حفظه الله
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالجمعة 29 مارس 2024 - 19:49 من طرف أبو أويس

» بح بالغرام - لسيدي علي الصوفي
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالإثنين 25 مارس 2024 - 9:27 من طرف أبو أويس

» المدد
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالأحد 24 مارس 2024 - 19:40 من طرف أبو أويس

» جنبوا هذا المنتدى المساهمات الدعائية
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالأربعاء 20 مارس 2024 - 19:24 من طرف أبو أويس

» حقيقة الاستواء عند الأشعري في الإبانة
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالسبت 16 مارس 2024 - 19:35 من طرف أبو أويس

» أمة جحر الضب حق عليها العذاب
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالسبت 9 مارس 2024 - 2:52 من طرف علي

» إستفسار عمن يتنقل بين الطرق
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالثلاثاء 5 مارس 2024 - 9:22 من طرف أبو أويس

» لماذا نتخذ الشيخ مرشدا ؟
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالإثنين 4 مارس 2024 - 20:57 من طرف رضوان

» مسح العينين بباطن أنملتي السبابتين بعد تقبيلهما
التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Icon_minitimeالجمعة 23 فبراير 2024 - 15:21 من طرف أبو أويس

منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
أبريل 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
 123456
78910111213
14151617181920
21222324252627
282930    

اليومية اليومية


التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد الجمعة 9 أبريل 2010 - 18:46

كل شيء نهى عنه الله، فهو شجرة، والجنة هي حضرة الله، فيقال لآدم قلبك، ولحواء نفسك، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. لكن آدم عليه السلام محفوف بالعناية لما أكل من الشجرة أنزل إلى الأرض للخلافة، والفقيرإذا أكل من شجرة النهي أنزل إلى أرض القطيعة فان تناول شجرة النهي، أخرج من جنة الموافقة، إلى وجود أرض القطعية، فيشقى قلبه وإنما يلاقي الشقاء وقت القطيعة القلب لا النفس، لأن وقت القطيعة يكون فيه ملائمات النفوس من ملذوذاتها وشهواتها، وانهماكها في غفلاتها.
أن الله تعالى تعرف لآدم عليه السلام، بالإيجاد فناداه يا قدير ثم تعرف له بتخصيص الإرادة فناداه يا مريد.

ثم تعرف له بحكمه في نهيه عن أكل الشجرة، فناداه يا حاكم ثم قضى بأكلها، فناداه يا قاهر.

ثم يعاجله بالعقوبة إذا أكلها، فناداه يا حليم.

ثم لم يفضحه في ذلك فناداه يا ستير.

ثم تاب عليه بعد ذلك فناداه يا تواب.

ثم أشهده أن أكله من الشجرة لم يقطع عنه وده فيه، فناداه يا ودود.

ثم أنزله إلى الأرض، ويسر له أسباب المعيشة، فناداه يا لطيف.

ثم قواه على ما اقتضاه منه، فناداه يا معين.

ثم أشهده سر الأكل والنهي والنزول فناداه يا حكيم.

ثم نصره على العدو، والمكائد لهو فناداه يا نصير.

ثم ساعده على أعباء تكاليف العبودية، فناداه يا ظهير.

فما أنزله إلى الأرض إلا ليكمل له وجود التصريف ويقيمه بوظائف التكليف، فتكلمت في آدم عليه السلام العبوديتان.
(يتبع)
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد الجمعة 9 أبريل 2010 - 18:51

عبودية التصريف، وعبودية التكليف، فعظمت منة الله عليه، وتوفر إحسانه إليه،
- مقام العبودية
انعطاف: اعلم أن أجل مقام أقيم العبد فيه: مقام، قول الله سبحانه وتعالى:

{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا}.

{وما أنزلنا على عبدنا}.

{كهيعص، ذكر رحمة ربك عبده زكريا}.

{وانه لما قام عبد الله يدعوه}.

ولما خير رسول صلى الله عليه وسلم بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا، اختار العبودية لله تعالى، ففي ذلك أدل دليل أنها من أفضل المقامات، وأعظم القربات.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا عبد لا آكل متكئا، إنما أنا عبد الله، آكل كما يأكل العبيد).

وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر).

وقال أبو العباس رحمه الله :

(ولا فخر، أي لا أفتخر بالسيادة، إنما الفخر لي بالعبودية لله تعالى ولأجلها كان الإيجاد).

وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.

والعبادة ظاهر العبودية، والعبودية روحها:

وإذ قد فهمنا هذا فروح العبودية وسرها إنما هو ترك الاختيار وعدم منازعة الأقدار، فتبين من هذا إن العبودية ترك التدبير والاختيار مع الربوبية. فإذا كان لا يتم مقام العبودية الذي هو أشرف المقامات إلا بترك التدبير، فحقيق على العبد أن يكون له تاركا، وللتسليم لله تعالى وللتفويض له سالكا، ليصل إلى مقام الأكمل، والمنهج الأفضل.

(يتبع)
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد الجمعة 9 أبريل 2010 - 18:55

وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه يقرأ ويخفض صوته وعمر رضي الله عنه يقرأ ويرفع صوته فقال لأبي بكر: لم خفضت صوتك، فقال: قد أسمعت من ناجيت.

وقال لعمر: لم رفعت صوتك؟ فقال: أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان.

فقال لأبي بكر: ارفع قليلا وقال لعمر: اخفض قليلا.

فكان الشيخ أبو العباس رحمه الله تعالى يقول: ها هنا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج كل واحد منهما عن مراده لنفسه لمراده صلى الله عليه وسلم.

تنبيه: تفطن رحمنا الله لهذا الحديث، تعلم منه أن الخروج عن الإرادة هي أفضل العبادة: لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كل واحد منهما قد أبان لما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صحة قصدهما، وبعد ذلك أخرجهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أراد لأنفسهما مع صحة قصده إلى اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(يتبع)
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد الجمعة 9 أبريل 2010 - 19:04

بنو إسرائيل والتيه



فائدة: اعلم أن بني إسرائيل لما دخلوا التيه، ورزقوا المن والسلوى، واختار الله تعالى لهم ذلك رزقا رزقهم إياه، يبرز من عين المنة من غير تعب منهم ولا نصب، فرجعت نفوسهم الكثيفة لوجود إلف العبادة والغيبة عن شهود تدبير الله تعالى إلى طلب ما كانوا يعتادونه، فقالوا:

{ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها، وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم، وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله}.

وذلك لأنهم تركوا ما اختار الله لهم مما يليق لما اختاروه لأنفسهم فقيل لهم على طريق التوبيخ لهم:

{أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ اهبطوا مصرا}. فظاهر التفسير: أتستبدلون الثوم والبصل والعدس بالمن والسلوى وليس النوعان سواء في اللذة ولا في سقوط المشقة؟ وسر الاعتبار: أتستبدلون مرادكم لأنفسكم بمراد الله لكم؟

أتستبدلون الذي هو أدنى، وهو ما أردتموه، بالذي هو خير، وهو ما أراد الله لكم؟

اهبطوا مصر فإن ما أنتم اشتهيتموه لا يليق أن يكون إلا في الأمصار.

وفي سر الاعتبار: اهبطوا عن سماء التفويض، وحسن الاختيار والتدبير منا لكم إلى أرض التدبير والاختيار منكم لأنفسكم موصوفين بالذلة والمسكنة لاختياركم مع الله وتدبيركم لأنفسكم مع تدبير الله.

ولو أن هذه الأمة هي الكائنة في التيه، لما قالت مقال بني إسرائيل لشفوف أنوارهم ونفوذ أسرارهم.

ألا ترى أن بني إسرائيل في ابتداء الأمر قالوا لموسى عليه السلام، وهو كان سبب التيه لهم:

{اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون}.

وقالوا في آخره: {ادع لنا ربك}.

فأبوا في الأول عن امتثال أمر الله، وفي الآخرة، اختاروا لأنفسهم غير ما اختار الله بهم، وكثيرا ما تكرر منهم ما يدل على بعدهم عن مصدر الحقيقة.

وسواء الطريقة في قولهم: {أرنا الله جهرة} وفي قولهم لموسى عليه السلام بعد، ولم ينشف بلل البحر عن أقدامهم حين فرق لهم لما عبروا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}.

فكانوا كما قال موسى عليه السلام: {قال إنكم قوم تجهلون}.

وكذلك قوله تعالى:

{وإذ نتفنا الجبل فوقهم كأنه ظلة، وظنوا أنه وقع بهم، خذوا ما أتيناكم بقوة}.

وهذه الأمة نتق فوق قلوبها جبال الهيبة والعظمة، فأخذوا الكتاب بقوة الإيمان، فثبتوا لذلك وأيدوا لما هنالك، وحفظوا من عبادة العجل وغير ذلك، لأن الله تعالى اختار هذه الأمة واختار لها وأثنى عليها بقول: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}.

وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}. أي عدولا خيارا.
- أفضل الكرامات وأجل القربات
فقد تبين لنا من هذا أن التدبير والاختيار، من أشد الذنوب والأوزار.

فإذا أردنا أن يكون لنا من الله اختيار فالنسقط معه الاختبار، وان أردنا أن يكون لنا حسن التدبير فلا ندع معه وجود التدبير وان أردنا الوصول إلى المراد، فذلك بأن لا يكون معه مراد ولذلك لما قيل لأبي يزيد ما تريد؟ قال: (أريد أن لا أريد).

فلم تكن أمنيته من الله، ولا طلبته منه إلا سقوط الإرادة معه، لعلمه أنها أفضل الكرامات وأجل القربات.

وقد يتفق للمخصص الكرامات الظاهرة، وبقايا التدبير كامنة فيه.

فالكرامة الكامنة الكاملة الحقيقية، إنما هي: ترك التدبير مع الله، والتعويض لحكم الله.

ولذلك قال الشيخ أبو الحسن رحمه الله تعالى: إنما هما كرامتان جامعتان محيطتان.

كرامة الإيمان لمريد الإيقان، وشهود العيان، وكرامة العمل على الاقتداء والمتابعة ومجانبة الدعاوى والمخادعة.

فمن أعطيهما ثم جعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مفتر كذاب وخطأ بالعلم والعمل بالصواب وكل كرامة لا يصحبها الرضا من الله تعالى وعن الله فصاحبها مستدرج مغرور، أو ناقص، أو هالك مثبور.

فاعلم أن الكرامة لا تكون كرامة حتى يصحبها الرضا عن الله، ومن لازم الرضا عن الله، ترك التدبير معه، وإسقاط الاختيار بين يديه.

واعلم أنه قد قال بعضهم: (إن أبنا يزيد رحمه الله، لما أراد أن لا يريد، فقد أراد).

وهذا قول من لا معرفة عنده، وذلك: لأن أبا يزيد إنما أراد أن لا يريد. لأن الله تعالى اختار له وللعبد أجمع، عدم الإرادة معه، فهو في إرادته أن لا يريد، موافق لإرادة الله تعالى، ولذلك قال الشيخ أبو الحسن رحمه الله تعالى: (وكل مختارات الشرع وترتيباته، ليس لك منها شيء واسمع وأطع.

وهذا موضع الفقه الرباني والعلم اللدني، وهو أرض لتنزل علم الحقيقة المأخوذ عن الله لمن استوى.

فأفاد الشيخ بهذا الكلام: أن كل مختار للشرع ولا يناقض اختياره مقام العبودية المبني على ترك الاختيار، لئلا ينخدع عقل قاصر عن درك الحقيقة بذلك، فيظن أن الوظائف والأوراد، ورواتب السنن، وإدارتها، ويخرج بها العبد عن صريح العبودية، لأنه قد اختار.

فبين الشيخ رحمه الله تعالى، أن كل مختارات الشرع، وترتيباته ليس لك منها شيء، وإنما أنت مخاطب أن تخرج عن تدبيرك لنفسك، واختيارك لها، لا عن تدبير الله ورسوله لك، فافهم.

فقد علمت إذا أن أبا يزيد ما أراد أن لا يريد إلا لأن الله تعالى أراد منه ذلك. فلم تخرجه هذه الإرادة، عن العبودية المقتضاة منه، فقد علمت أن الطريق الموصلة إلى الله تعالى هي محور الإرادة ورفض المشيئة حتى قال الشيخ أبو الحسن رحمه الله تعالى:

(لن يصل الولي إلى الله، ومعه تدبير من تدبيراته، واختيار من اختياراته).

و أبو العباس يقول:

(ولن يصل العبد إلى الله تعالى، حتى تنقطع عنه شهوة الوصول إلى الله تعالى).؟

يريد والله أعلم: أن تنقطع عنه انقطاع أدب، لا انقطاع ملل.

أو لأنه يشهد إذا قرب إبان وصوله، عدم استحقاقه لذلك، واستحقاره لنفسه أن يكون أهلا لما هنالك، فتنقطع عنه شهوة الوصول لذلك، لا مللا، ولا سلوا، ولا اشتغالا عن الله تعالى بشيء دونه.

فإذا أردت الإشراق والتنوير فعليك بإسقاط التدبير، واسلك إلى الله كما سلكوا، تدرك ما أدركوا.

أسلك مسالكهم وانهج مناهجهم وألق عصاك فهذا جانب الوادي

و قد قيل


أيا صاح هذا الركب قد سار مسرعا *** ونحن قعود ما الذي أنت صانع

أترضى بأن تبقى المخلف بعدهم *** صريع الأماني والغرام منازع

وهذا لسان الكون ينطق جهرة *** بأن جميع الكائنات قواطع

وأن لا يرى السبيل سوى امرئ ** رمى بالسوء لم تختدعه المطامع

ومن أبصر الأشياء والحق قبلها *** فغيب مصنوعا بمن هو صانع

بواده أنوار لمن كان ذاهبا *** وتحقيق أسرار لمن هو راجع

فقم وانظر الأكوان والنور عمها *** ففجر التداني نحوك اليوم طالع

وكن عبده والق القياد لحكمه *** وإياك تدبيرا فما هو نافع

أتُحْكِم تدبيرا وغيرُك حاكمٌ *** أأنت لأحكام الإله تنازع

فمحو إرادة وكل مشيئة *** هو الغرض الأقصى فهل أنت سامع

كذلك سار الأولون فأدركوا *** على إثرهم فليسر من هو تابع

على نفسه فليبك من كان طالبا *** وما لمعت ممن يحب لوامع

على نفسه فلبيك من كان باكيا *** أيذهب وقت وهو باللهو ضائع
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد السبت 10 أبريل 2010 - 7:50

أن لله عبادا خرجوا عن التدبير مع الله بتأديبه الذي أدبهم، وبتعليمه لذي
علمهم، ففسخت الأنوار عزائم تدبيرهم، ودت المعارف والأسرار جبال اختيارهم
فنزلوا منزل الرضا، فوجدوا نعيم المقام، فاستغاثوا بالله، واستصرخوا به،
خشية أن يشغلهم حلاوة الرضا فيميلوا إليها بمساكنة، أو يجنحوا لها بمراكنة.

قال الشيخ أبو الحسن رحمه الله تعالى:

كنت في ابتداء أمري، أدبر مع أصنع من الطاعات وأنواع الموافقات، فتارة
أقول: ألزم البراري والقفار وتارة أقول: ارجع إلى المدائن والديار لصحبة
العلماء والأخيار.

فوصف لي ولي من أولياء الله بأرض المغرب بجبل هنالك، فطلعت إليه، فوصلت
إليه ليلا، فكرهت أن أدخل عليه حينئذ، فسمعته يقول: (اللهم إن قوما سألوك
أن تسخر لهم خلقك فأعطيتهم ذلك، فرضوا منك بذلك.

اللهم وإني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئ إلا إليك.

فقلت: يا نفس انظري من أي بحر يغترف هذا الشيخ؟

فأقمت حتى إذا كان الصباح دخلت عليه، فسلمت عليه، ثم قلت: يا سيدي كيف
حالك؟ فقال:

أشكو إلى الله من برد الرضا والتسليم، كما تشكوا أنت من حر التدبير
والاختيار.

فقلت: يا سيدي أما شكواي من حر التدبير والاختيار، فقد ذقته، وأنا الآن فيه
وأما شكواك من برد الرضا والتسليم، فلم أفهمه.

فقال: (أخاف أن تشغلني حلاوتهما عن الله).

فقلت: يا سيدي سمعتك البارحة تقول: اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك
فأعطيتهم ذلك فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك اعوجاج الخلق حتى لا يكون
ملجئ إلا إليك.

فتبسم ثم قال: يا بني، عوض ما تقول: سخر لي خلقك، قل: يا رب كن لي، أترى
إذا كانوا لك، أيغنوك بشيء؟ فما هذا الجبن.

فائدة: اعلم إن هلاك ابن نوح عليه السلام إنما كان لأجل رجوعه إلى تدبير
نفسه، وعدم رضاه بتدبيره الله، الذي اختاره لنوح عليه السلام، ومن كان معه
في السفينة، فقال له نوح عليه السلام: {يا بني اركب معنا ولا تكن مع
الكافرين.

قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء.

قال: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم}.

فآوي في المعنى إلى جبل عقله، ثم كان الجبل الذي اعتصم به صورة ذلك في
المعنى القائم به، فكان كما قال الله تعالى:

{وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}.

في الظاهر بالطوفان، وفي الباطن بالحرمان، فاعتبر أيها العبد بذلك.

فإذا تلاطمت عليك أمواج الأقدار، فلا ترجع إلى جبل عقلك الباطل لئلا تكون
من المغرقين في بحر القطيعة ولكن ارجع إلى سفينة الاعتصام بالله، والتوكل
عليه.

{ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}.

{ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.

فإنك إذا فعلت ذلك استوت بك سفينة النجاة على جودي الأمن، ثم تهبط بسلامة
القربة، وبركات الوصلة عليك، وعلى أمم ممن معك وهو عوالم وجودك، فافهم ذلك
ولا تكن من الغافلين، واعبد ربك ولا تكن من الجاهلين.

فقد علمت أن إسقاط التدبير والاختيار، أهم ما يلتزمه الموقنون، ويطلبه
العابدون، وأشرف ما يتحلى به العارفون.

سؤل احد العارفين في الحرم: من أي الناحيتين يكون رجوعك؟
فقال:

(لي مع الله عادة أن لا تجاوز إرادتي قدمي).

وقال بعض المشايخ: (لو دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وبقيت أنا
ولم يقع عندي تمييز في أي الدارين يكون قراري).

فهذا حال عبد محيت اختياراته وإرادته، فلم يبق له مع الله مراد إلا ما أراد
كما قال السلف.

(أصبحت وهواي في موقع قدر الله).

قال أبو حفص الحداد رحمه الله تعالى: (لي منذ أربعين سنة ما أقامني الله في
حال فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته).

وقال بعضهم: (لي منذ أربعين سنة أشتهي، أن لا أشتهي لأترك ما أشتهي فلا أجد
ما أشتهي).

فهذه قلوب تولى الله رعايتها، وأوجب حمايتها، ألم تسمع قوله تعالى:

{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}.

لأن تحققهم بمقام العبودية أبى لهم الاختيار مع الربوبية، وأن يقارفوا
ذنبا، وأن يلابسوا عيبا.

وقال سبحانه وتعالى: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم
يتوكلون}.

فقلوب ليس للشيطان عليها سلطان، من أين يطرقها وساوس التدبير؟ أو يرد عليها
وجود التكدير؟

وفي الآية بيان أن من صحح الإيمان بالله، والتوكل على الله، فلا سلطان
للشيطان عليه، لأن الشيطان إنما يأتيك من أحد وجهين:

إما بتشكيك في الاعتقاد، وإما بركون إلى الخلق والاعتماد فأما التشكيك في
الاعتقاد: فالإيمان ينفيه وأما السكون إلى الخلق والاعتماد عليهم فالتوكل
عليه ينقيه.
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد السبت 10 أبريل 2010 - 7:53

منقول للافادة
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد السبت 10 أبريل 2010 - 15:17

أن الحق سبحانه، إذا أراد أن يقوّي عبدا على ما يريد أن يورده عليه من وجود حكمه، ألبسه من أنوار وصفه، وكساه من وجود نعته، فتنزلت الأقدار وقد سبقت إليها الأنوار، فكان بربه لا بنفسه، فقوي لأعبائها، وصبر للأوائها.

وإنما يعينهم على حمل الأقدار، ورود الأنوار. وإن شئت قلت: وإنما يعينهم على حمل الأحكام، فتح باب الأفهام. وإن شئت قلت: وإنما يعينهم على حمل البلايا، واردات العطايا. وإن شئت قلت: وإنما يقويهم على حمل أقداره، شهود حسن اختياره. وإن شئت قلت: وإنما يصبّرهم على وجود حكمه، علمهم بوجود علمه. وإن شئت قلت: وإنما صبّرهم على ما جرى، علمهم بأنه يرى. وإن شئت قلت: وإنما يصبّرهم على أفعاله، ظهوره عليهم بوجود جماله. وإن شئت قلت: وإنما صبّرهم على القضا، علمهم بأن الصبر يورث الرضا. وإن شئت قلت: وإنما صبّرهم على الأقدار، كشف الحجب والأسفار. وإن شئت قلت: وإنما قواهم على حمل أثقال التكليف، ورود أسرار التصريف. وإن شئت قلت: وإنما صبّرهم على أقداره، علمهم بما أودع فيها من لطفه وإبراره.

فهذه عشرة أسباب توجب صبر العبد وثبوته لأحكام سيده، وقوته عند ورودها. وهو المعطي لكل ذلك بفضله، والمانّ بذلك على ذوي العناية من أهله. ولنتكلم الآن على كل قسم منها لتكمل الفائدة وتحصل الجدوى والفائدة.
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد السبت 10 أبريل 2010 - 15:23

فأما الأول وهو: "إنما يعينهم على حمل الأقدار، ورود الأنوار":
وذلك أن الأنوار إذا وردت كشفت للعبد عن قرب الحق سبحانه وتعالى منه، وأن هذه الأحكام لم تكن إلا عنه، فكان علمه بأن الأحكام إنما هي من سيده سلوة له، وسبب لوجود صبره. ألم تسمع لما قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {واصبر لحكم ربك، فإنك بأعيننا}. أي: ليس هو حكم غيره فيشق عليك، بل هو حكم سيدك القائم بإحسانه إليك، ولنا في هذا المعنى:
وخفف عني ما ألاقي من العنا *** بأنك أنت المبتلي والمقدر
وما لأمري عما قضى الله معدل *** وليس له منه الذي يتخير
ومثال ذلك: لو أن إنسانا في بيت مظلم، فضُرب بشيء ولا يدري من الضارب له، فلما أدخل عليه مصباح: نظر فإذا هو شيخه أو أبوه أو أميره. فإن علمه بذلك مما يوجب صبره على ما هنالك.
الثاني: وهو قوله: "إنما يعينهم على حمل الأحكام، فتح باب الإفهام":
إذا أورد الله تعالى على عبده حُكما، وفتح له باب الفهم عنه في ذلك الحكم فاعلم أنه أراد سبحانه أن يحمله عنه، وذلك أن الفهم يرجعك إلى الله، ويحثك إليه، ويجعلك متوكلا عليه، وقد قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}. أي كافيه وواقيه، وناصره على الأغيار وراعيه، لأن الفهم عن الله يكشف لك عن سر العبودية فيك، وقد قال سبحانه وتعالى: {أليس الله بكاف عبده}. وكل هذه الوجوه العشرة ترجع إلى الفهم عنه، وإنما هي أنواع فيه.
الثالث: وهو قوله: "إنما يعينهم على حمل البلايا، واردات العطايا":
وذلك أن واردات العطايا السابقة من الله إليك، تذَكُرك لها مما يعينك على حمل أحكام الله، إذ كما قضى لك بما تحب، اصبر له على ما يحب فيك. ألم تسمع قوله تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها}. فسلاهم الحق فيما أصيبوا بما أصابوا؛ وهذا من العطايا السابقة. وقد يقترن بالبلايا في حين ورودها، ما يخففها على العباد المقربين، من ذلك أن يكشف لهم عن عظيم الأجر الذي ادخره لهم في تلك البلية. ومنها ما ينزل على قلوبهم من التثبيت والسكينة. ومنها ما يورده عليهم من دقائق اللطف وتنزلات المنن، حتى كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول في بعض مرضه: "أشدد خنقك".
وحتى قال بعض العارفين: لقد مرضت مرضة، فأحببت أن لا تزول، لما ورد علي فيها من أمداد الله تعالى، وانكشف فيها من وجود غيبته" أه. وللكلام في سبب ذلك موضع غير هذا.
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد السبت 10 أبريل 2010 - 15:36

الرابع، وهو: "إنما يقويهم على حمل أقداره، شهود حسن اختياره":
وذلك أن العبد إذا شهد حسن اختيار الله تعالى له، علم أن الحق سبحانه لا يقصد ألم عبده لأنه به رحيم {وكان بالمؤمنين رحيما}. وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة معها ولدها فقال: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: الله أرحم بعبده المؤمن من هذه بولدها). غير أنه سبحانه يقضي عليك بالآلام لما يترتب عليه من الفضل والإنعام، ألم تسمع قوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
ولو وكل الحق سبحانه العباد إلى اختيارهم لحرموا وجود منته، ومنعوا الدخول إلى جنته، فله الحمد على حسن الاختيار. ألم تسمع قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم}. وإن الأب المشفق كالطبيب الناصح، يعانيك بالمراهم الحادة، وإن كانت مؤلمة لك، ولو طاوع اختيارَك لبَعُد الشفاء عليك. ومن مُنع وعَلِم أن المنع إنما هو إشفاق عليه، فهذا المنع في حقه عطاء. وكالأم المشفقة تمنع ولدها كثرة المأكل خشية التخمة.
ولذلك قال رحمه الله تعالى:
"اعلم أن الحق سبحانه وتعالى إذا منعك لم يمنعك عن بخل، وإنما يمنعك رحمة لك، فمنع الله لك عطاء، ولكن لا يفهم العطاء في المنع إلا صديق". و إنه ليخفف عنك ألم البلايا، علمك بأنه سبحانه وتعالى المبتلي، لك فالذي واجهتك من الأقدار، هو الذي له فيك حسن الاختيار.
الخامس: وهو قوله: "إنما صبرهم على وجود حكمه: علمهم بوجود علمه":
وذلك: أن علم العبد بأن الحق سبحانه مطلع عليه فيما ابتلاه يخفف عنه أعباء البلايا، ألم تسمع قوله تعالى: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}. أي ما تلقاه يا محمد من كفار قريش من المعاندة والتكذيب فليس بخاف علينا. والحكاية المشهورة: أن إنسانا ضرب تسعة وتسعين سوطا ولم يتأوه، فلما ضرب السوط الذي هو تمام المائة تأوه، فقيل له في ذلك؟ قال: كان الذي ضربت من أجله في الحلقة في التسعة والتسعين فلما ولى عني أحسست بالألم).
السادس: وهو "إنما صبرهم على أفعاله، ظهوره عليهم بوجود جماله":
وذلك: أن الحق سبحانه وتعالى، إذا تجلى على عبده في حين ملاقاته، لمر غلبة البلايا، حمل حرارتها عنه لما أذاقه من حلاوة التجلي، فربما غيبهم ذلك على الإحساس بالألم، ويكفيك في ذلك قوله تعالى: (فلما رأينه أكبرنه، وقطعن أيديهن).
السابع: وهو "إنما صبرهم على القضا علمهم بأن الصبر يورث الرضا":
وذلك: أن من صبر على أحكام الله، أورثه ذلك الرضا من الله، فتحملوا حرارتها طلبا لرضاه، كما يتحسى الدواء المر لما يرجى فيه الشفاء.
الثامن: وهو "إنما صبرهم على الأقدار: كشف الحجب والأستار":
وذلك: أن الحق سبحانه وتعالى، إذا أراد إن يحمل عن عبد ما يورده عليه، كشف الحجاب عن بصيرة قلبه فأراه قربه منه، فغيبه أنس القرب عن إدراك المؤلمات. ولو أن الحق سبحانه وتعالى تجلى لأهل النار بجماله وكماله لغيبهم ذلك عن إدراك العذاب، كما انه لو احتجب عن أهل الجنة لما طاب لهم النعيم. فالعذاب إنما هو: وجود الحجاب، وأنواع العذاب مظاهره، والنعيم إنما هو: بالظهور والتجلي، وأنواع النعيم مظاهره.
التاسع: وهو "إنما قواهم على حمل أثقال التكاليف، ورود أسرار التصريف":
وذلك: لأن التكاليف شاقة على العباد، ويدخل في ذلك امتثال الأوامر، والانكفاف عن الزواجر، والصبر على الأحكام، والشكر عند وجود الأنعام. فهي إذن أربعة: طاعة، ومعصية، ونعمة، وبلية. وهي أربع لا خامس لها: والله عليك في كل واحدة من هذه الأربع عبودية يقتضيها منك بحكم الربوبية.

فحقه عليك في الطاعة: شهود المنة منه عليك فيها.

وحقه عليك في المعصية: الاستغفار لما ضيعت فيها.

وحقه عليك في البلية: الصبر معه عليها.

وحقه عليك في النعمة: وجود الشكر منك فيها.

ويحمل عنك أعباء ذلك كله: الفهم. وإذا فهمت أن الطاعة راجعة إليك وعائدة بالجدوى عليك، صبرك ذلك على القيام بها. وإذا علمت أن الإصرار على المعصية والدخول فيها، يوجب العقوبة من الله آجلا، وانكشاف نور الإيمان عاجلا، كان ذلك سببا للترك منك لها.

وإذا علمت إن الصبر تعود عليك ثمرته، وتنعطف عليه بركته، سارعت إليه، وعولت عليه.

وإذا علمت أن الشكر يتضمن المزيد من الله لقوله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم}، كان ذلك سببا لمثابرتك عليه، ونهوضك إليه.
العاشر: وهو "إنما صبرهم على أقداره، علمهم بما أودع فيها من لطفه وإبراره":
وذلك أن المكاره أودع الحق تعالى فيها وجود الألطاف. ألم تسمع قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}. وقوله عليه الصلاة والسلام: حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات. وفي البلايا والأسقام والفاقات من أسرار الألطاف ما لا يفهمه إلا أولوا البصائر. ألم تر أن البلايا تخمد النفس وتذلها، وتدهشها عن طلب حظوظها ويقع من البلايا وجود الذلة، ومع الذلة تكون النصرة: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة).
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف محمد السبت 10 أبريل 2010 - 15:50

لنرجع الآن إلى الآية، وهي قوله سبحانه وتعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.
هنا الأحوال ثلاثة:

قبل التحكم، وفيه، وبعده.

فأما قبل التحكيم: فعبوديتهم التحكيم، وأما في الحكم، وبعده فعبوديتهم: عدم وجدان الحرج في أمورهم.

فان قلت: إن ذلك لازم من قوله تعالى: {حتى يحكموك}. قيل: ليس كل من حكم فقد الحرج عنه، إذ قد يحكم ظاهرا والكراهة عنده موجودة فلا بد إن ينضم إلى التحكيم، فقدان الحرج ووجود التسليم.

فإن قال القائل: إذا لم يجدوا الحرج فقد سلموا تسليما، فما فائدة الإتيان بقوله: {ويسلموا تسليما} بعد نفي الحرج المستلزم لقبول التسليم، الذي من صفته وجود التأكيد؟

فالجواب عنه: أن قوله تعالى: {ويسلموا تسليما} أي في جميع أمورهم فان قلت: إن ذلك لازم من قوله: {حتى يحكموك؟}. فالجواب: أن التحكيم ما أطلقه بل قيده بقوله تعالى: {فيما شجر بينهم} فصارت الآية تتضمن ثلاثة أمور:

أحدها: التحكيم فيما اختلفوا فيه.

الثاني: عدم وجدان الحرج في التحكيم.

والثالث: وجود التسليم المطلق، فيما شجر بينهم، وفيما نزل في أنفسهم، فهو عام بعد خاص فافهم.

الآية الثانية، وهي قوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة سبحانه الله وتعالى عما يشركون} تتضمن فوائد:



الفائدة الأولى: قوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} يتضمن ذلك الإلزام للعبد بترك التدبير مع الله، لأنه إذا كان يخلق ما يشاء فهو يدبر، ما يشاء، فمن لا خلق له لا تدبير له: {أفمن يخلق كمن لا يخلق، أفلا تذكرون}.

ويتضمن قوله: ويختار، انفراده بالاختيار وأن أفعاله ليست على الإلجاء والاضطرار، بل هو على نعت الإرادة والاختيار، وفي ذلك إلزام للعبد بإسقاط التدبير والاختيار مع الله تعالى، إذ ما هو له لا ينبغي أن يكون لك.

وقوله: (ما كان لهم الخيرة) يحتمل الوجهين:



أحدهما: لا ينبغي أن تكون الخيرة لهم، وأن يكونوا أولى بها منه سبحانه وتعالى.

وثانيهما: ما كان الخيرة أي ما أعطيناهم ذلك، ولا جعلناهم أولى بما هنالك.



وقوله: (سبحان الله وتعالى عما يشركون) أي تنزيها لله أن يكون لهم الخيرة معه. وبينت الآية: أن من ادعى الاختيار مع الله، فهو مشرك مدعي للربوبية بلسان حاله، وإن تبرأ من ذلك بما قاله.



الآية الثالثة: وهي قوله تعالى: {أم للإنسان ما تمنى، فلله الآخرة والأولى} فيها دلالة على إسقاط التدبير مع الله

بقوله أم للإنسان ما تمنى.(أي لا يكون ولا ينبغي له لانا ما جعلناه له)، وأكد ذلك بقوله: {فلله الآخرة والأولى}.

ففي ذلك أيضا إلزام العبد، ترك التدبير مع الله. أي إذا كان لله الآخرة والأولى فليس فيهما للإنسان شيء فلا ينبغي له التدبير في ملك غيره، وإنما ينبغي أن يدبر في الدارين من هو مالكهما وهو الله سبحانه وتعالى.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا..) فيه دليل على أن من لم يكن كذلك، لا يجد حلاوة الإيمان، ولا يدرك مذاقه، وإنما يكون إيمانه صورة لا روح فيها وظاهرا لا باطن له، ومرتسما لا حقيقة تحته.


وفيه إشارة: إلى إن القلوب السليمة من أمراض الغفلة والهوى تتنعم بملذات المعاني كما تنعم النفوس بملذوذات الأطعمة. وإنما ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، لأنه لما رضي بالله ربا، استسلم له وانقاد لحكمه، وألقى قياده إليه خارجا عن تدبيره واختياره، إلى حسن تدبير الله واختياره، فوجد لذاذة العيش وراحة التفويض.

ولما رضي بالله ربا، كان له الرضا من الله، كما قال تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه).

وإذا كان له الرضا من الله: أوجده الله حلاوة ذلك، ليعلم ما من به عليه، وليعلم إحسان الله إليه. ولا يكون الرضا بالله: إلا مع الفهم. ولا يكون الفهم: إلا مع النور. ولا يكون النور: إلا مع الدنو. ولا يكون الدنو: إلا مع العناية.
فلما سبقت لهذا العبد العناية، خرجت له العطايا من خزائن المنن، فلما واصلته أمداد الله وأنواره عوفي قلبه من الأمراض والأسقام، فكان سليم الإدراك، فأدرك لذاذة الإيمان وحلاوته، لصحة إدراكه ولسلامة ذوقه. ولو سقم قلبه بالغفلة عن الله لم يدرك ذلك، لأن المحموم ربما وجد طعم السكر مرا، وليس هو في نفس الأمر كذلك.

فإذا زالت أسقام القلوب، وأدرك الأشياء على ما هي عليه، فتدرك حلاوة الإيمان ولذاذ الطاعة، ومرارة القطيعة والمخالفة. فيوجب إدراكها لحلاوة الإيمان اغتباطها به، وشهود المنة من الله عليها فيه، وتطلب الأسباب الحافظة للإيمان والجالبة له. ويوجب إدراك لذاذة الطاعة: المداومة عليها، وشهود المنة من الله فيها. ويوجب إدراكها لمرارة الكفران والمخالفة، الترك لهما، والنفور عنهما، وعدم الميل إليهما، فيحمل على الترك للذنب وعدم التطلع إليه، وليس كل متطلع تاركا، ولا كل تارك غير متطلع. وإنما كان كذلك، لأن نور البصيرة دال على أن المخالفة لله، والغفلة عنه، سم للقلوب مهلك، فنفرة قلوب المؤمنين عن مخالفة الله تعالى كنفرتك عن الطعام المسموم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (وبالإسلام دينا) لأنه من رضي بالإسلام دينا، فقد رضي بما رضي به المولى واختاره لقوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}. وقوله تعالى: {ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}. ولقوله تعالى: {إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. وإذا رضي بالإسلام دينا، فمن لازم ذلك: امتثال الأوامر والانكفاف عن وجود الزواجر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والغيرة على الطريق.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (وبمحمد نبيا)، فلازم من رضي بمحمد نبيا، أن يكون له وليا، وأن يتأدب بآدابه، وأن يتخلق بأخلاقه زهدا في الدنيا، وخروجا عنها، وصفحا عن الجناية، وعفوا عمن أساء إليه، إلى غير ذلك من تحقق المتابعة، قولا وفعلا، وأخذا وتركا وحبا وبغضا وظاهرا وباطنا. فمن رضي بالله: استسلم له، ومن رضي بالإسلام: عمل لهو ومن رضي بمحمد صلى الله عليه وسلم: تابعه. ولا تكون واحدة منها إلا بكلها. إذ محال أن يرضى بالله ربا، ولا يرضى بالإسلام دينا، أو يرضى بالإسلام دينا ولا يرضى بمحمد نبيا، وتلازم ذلك بين لا خفاء فيه.
- مقامات اليقين
وإذ قد تبين هذا فاعلم أن مقامات اليقين تسعة وهي:

التوبة، والزهد، والصبر، والشكر، والخوف، والرضا، والرجاء، والتوكل، والمحبة.

ولا تصح كل واحدة، من هذه المقامات إلا بإسقاط التدبير مع الله، والاختيار، وذلك: أن التائب كما يجب عليه أن يتوب من ذنبه، كذا يجب عليه أن يتوب عن التدبير مع ربه.

لأن التدبير والاختيار من كبائر القلوب والأسرار والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى: (من كل ما لا يرضاه لك) لأنه شرك بالربوبية، وكفر لنعمة العقل، ولا يرضى لعباده الكفر. وكيف تصح توبة عبد مهموم بتدبير دنياه. غافل من حسن رعاياه؟

وكذلك لا يصح الزهد: إلا بالخروج عن التدبير، لأن مما أنت مخاطب بالخروج عنه، والزهد فيه: تدبيرك.

إذ الزهد زهدان: زهد ظاهر جلي، وزهد باطن خفي.

فالظاهر الجلي: الزهد في فضول الحلال، من المأكولات والملبوسات وغير ذلك.

والزهد الخفي: الزهد في الرياسة، وحب الظهور، ومنه الزهد في التدبير مع الله.

وكذلك لا يصح صبر ولا شكر، إلا بإسقاط التدبير، وذلك: لأن الصابر من صبر عما لا يحبه الله، ومما لا يحبه الله تعالى التدبير معه والاختيار لأن الصبر على أقسام:

صبر عن المحرمات.

وصبر عن الواجبات.

وصبر عن التدبيرات والاختيارات.

وان شئت قلت: صبر عن الحظوظ البشرية، وصبر على لوازم العبودية، ومن لوازم العبودية، إسقاط التدبير مع الله تعالى.

وكذلك لا يصح الشكر إلا لعبد ترك التدبير مع الله، لأن الشكر - فيما قال الجنيد رحمه الله تعالى:

"الشكر أن لا تعصي الله بنعمه."

ولولا العقل الذي ميزك الله به على أشكاله، وجعله سببا لكمالك لم تكن من المدبرين معه، إذ الجمادات والحيوانات لا تدبير لها مع الله، لفقدان العقل الذي من شأنه النظر إلى العواقب والاهتمام بها.

ويناقض أيضا مقام الخوف والرجاء: إذ الخوف إذا توجهت سطواته إلى القلوب منعها أن تستروح إلى وجود التدبير، والرجاء أيضا كذلك: إذ الراجي قد امتلأ قلبه فرحا بالله، ووقته مشغول بمعاملة الله تعالى، فأي وقت يسعه التدبير مع الله تعالى؟

ويناقض أيضا مقام التوكل: وذلك أن المتوكل على الله من ألقى قياده إليه، واعتمد في كل أموره عليه، فمن لازم ذلك: عدم التدبير والاستسلام لجريان المقادير.

وتعلق إسقاط التدبير بمقام التوكل والرضا، أبين من تعلقه بسائر المقامات.

ويناقض أيضا مقام المحبة: إذ المحب مستغرق في حب محبوبه، وترك الإرادة معه هي عين مطلوبه، وليس يتسع وقت المحب للتدبير مع الله أنه قد (شغله عن ذلك حبه لله) ولذلك قال بعضهم: (من ذاق شيئا من خالص محبة الله، ألهاه ذلك عما سواه).

ويناقض

أيضا مقام الرضا: وهو بين لا إشكال فيه، وذلك: أن الراضي قد اكتفى بسابق تدبير الله فيه، فكيف يكون مدبرا معه وهو قد رضي بتدبيره؟ ألم تعلم أن نور الرضا يغسل من القلوب ران التدبير.

فالراضي عن الله، بسطه نور الرضا لأحكامه، فليس له تدبير مع اللهو وكفى بالعبد حسن اختيار سيده له.
avatar
محمد

ذكر عدد الرسائل : 657
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء) Empty رد: التنوير في اسقاط التدبير (ابن عطاء)

مُساهمة من طرف أبو أويس الأحد 11 أبريل 2010 - 20:32



الله الله
بارك الله فيك سيدي محمد على هذا الإختيار
ورحم الله شيخنا حيث قال:
أطال سيدي ابن عطاء الله الإسكندري
وأطنب وأجاد في كتابه التنوير في إسقاط التدبير

فجاء من بعده سيدي ابن عجيبة رحمه الله
وقيل الولي الصالح سيدي ياقوت العرشي رضي الله عن الجميع

ولخّص كل ما قيل في الكتاب في قوله:


ما ثـم إلا مـــا أراد
فاترك همومك وانطرح
واترك شواغلك الـتـي
شغلت بها تـسـتـرح


قلوبنا والله لتسعد بذكر هؤلاء الأقطاب من الرجال
وانه لذكر معطر بتسبيحات التنزيه تتنسم بها قلوب أهل الحقائق
فتتروح من تعب وثقل ما حملت من الرعاية بحسن العناية
فالحكمة من جنود الله يرسلها الى قلوب العارفين حتى
تروح عنها وهج الدنيا .


بارك الله في الأخ الحبيب محمد ووهبك الله تعالى من لطائف المعرفة
بجود الرحمة وصفاء الأنوار


أبو أويس
أبو أويس

ذكر عدد الرسائل : 1553
العمر : 64
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى