هذا الفؤاد

هل تعلم حبيبي عن أحكام الرقّة شيئا , أتريد أن أخبرك عن قبساتها وحسراتها , وأحزانها وأشجانها , إنّها نور أضاء على أفئدة المساكين , اليتامى والفقراء , إيه حبيبي ما أبعد الألفاظ والكلمات عن حقائق القلوب ,

لقد مات الفتى حزنا , وكمدا , فصرخ من غير أنين وباح بأوجاعه من غير حرف ولا صوت ولا كتم ,

أتريد أن أحدّثك : عن الحزن : مقام أهل الصفاء , أم عن الوفاء عناقيد القلب وعراجين الفؤاد, المثقّل بثمرات الأحاسيس والمشاعر ,

بسقت شجرة الأحزان في قلب الفتى فأضحى أسير الوفاء , وأحكام الوفاء ,

أيا قلبي تحمّل مهر الرقّة , إنّه القتل , والأوجاع

فنى قلب الفتى ,بل مات موتا أبديا , بل سرميا ,

ما أبعد هذا العالم عن عوالم أهل الصفاء , حيث أحبّتي الذي يستقبلونني بالورود , وغايات الأطايب مقدّمة أهل الوفود

أي أحبّتي هل تتركونني هنا في هذا العالم ؟ حيث الضجيج الصاخب , متاهة أهل الصفاء

خذوني إلى عالمكم فهو عالمي الذي ما عرفت سواه , وليس في القلب غير صورته ومعناه

ما هذا , لا بل قل لماذا , سؤال عجب , نهاية الأدب والأرب ,

حبيبي خذني رقم تقصيري , وضعفي , وقلّة زادي , وعجز مرادي , بل خذني ولا تتركني فقد تفتّت القلب وناح الروج نواح الأبد

حبيبي واصلني بشبّابتي , وأتلو على مسامعي أناشيد الحبّ وموسيقى أهل الجذب

دعني أتنفّس على تقاطيع الخلود , ونهاية الوجود , على منبر الشهود

لقد تبدّل عندي الأمر , فما كنت أظنّه هكذا , علمي أضحى جهلا محقّقا ,

أنا من غير أنا البائس الفقير , ليس لي أحد سواك

لا وعزّتك وذلّي , وغناك وفقري , وحياتك وموتي إلاّ ما أنقذتني

أنت تعلم حالي , وسرائر أفعالي , كلّ هذا لا يهمّ متى علمت عجزي ونهاية ضعفي

حبيبي لمن تتركني وليس لي سواك , إذن فإن لم تقبلني فسأحثو التراب على خدّي


قل لي : والعبد سامع : ماذا يرضيك فقد متّ

هذا القلب وهذا الروح وهذا الفؤاد وهذا الوجدان

نزل الدين بردا وسلاما في نار الغيبة عنك

عطفا عطفا عطفا بروحي يا سيدي

عطفا عطفا عطفا بقلبي يا سيدي

عطفا فقد أهلكتني الرقّة واستهلكني الحزن وأنت العالم بأحوالي ونهاية آمالي

لقد أعجزتني فأقدتني , وحيّرتني فأمتني , وغمرتني فأخرستني

ثمّ أبكي ولا أدري لما أبكي , ثمّ أنوح وألتوي , وأنت أعلم منّي

سأنام كأهل الكهف لا هي حياة ولا هي موت

هلمّ حبيبي تدثّر في حنايا قلبي , ببرد البراءة والصفاء , ورقّة الضمير ونهاية الوفاء , هناك يحلو لي مناغاتك على تلك العروش , عروش الأحبّة أهل الجنّة , نعم هنا مجال الروح , وبساط الزهور الحمراء أثر الجروح والقروح , هناك حبيبي قتلني الوفاء , والحنين , والشفقة والرحمة , وجميع معاني الجمال , إلى حدّ الذهول , ونهاية ما لا تطيقه العقول , إي حبيبي دعني أناغيك على بساط الخلّة , في روض المودّة , هناك يذهب كلّ ضجيج ويحلو في المسامع رنين النغمات البهيج , هناك أتبختر تبختر المحبّ الصادق

أي حبيبي لماذا شرّدتني , وأحرقت قلبي المسكين , لازلتُ إنشودة خالدة في سماء الرفق , سأحدّث عنك بحبّي لك , لا يهمّني دعواي ما دام في القلب ساكنا هواه , ما ألذّ طعم الحبّ , ( وسقاهم ربّهم شرابا طهورا ) , طهّرهم من كلّ شيء , بلا شيء ولا في شيء , أي حبيبي العبد لا ينسى ذلك العهد القديم , ولا ما جمّلتني به من جمالك , إي وروحك , إلاّ ما تلثّمتُ آثار المحبّين , وقبّلتُ نعال العاشقين , إي وحبّك , إلاّ ما تيّهتُ الوجود بمزمار عشقي , بكبدي , وفؤادي , ومهجتي , وكلّ ذرّة منّي , اي حبيبي وفائي لك أنت تعلمه في القلب , ها إنّ صوت مزماره تقطر عبراته من حزن الأسى , كيف تبكيكم العين , وأنتم سوادها , ورغم هذا لا أنتظر منك إلاّ أنت , أي إنّي أعيش من أجلك في كلّ نفس من أنفاسي , وبكلّ ذرّات مشاعري وإحساسي , فها إنّك ترى جلاّسي وإفلاسي , وأحوالي وأتعاسي , اي حبيبي تحنّن على هذا القلب وافنه فناءا سرمديا جميلا ,

أيا خجلي منك , لأنّك جميل , ومن لا يخجل من الجمال , تعس وخاب , بل لولا جمالك , لما كان كون , ولا زمن

إلهي : لقد أحرقني الشوق , وأذابنتي حمّى الصبابة

إلهي : وعزّتك إلاّ ما أنجدتني بالفناء في حبّك أبد الآبدين , فلا أرى قيامة ولا ندامة

إلهي : هذا المسكين كلّ يوم يتلو أنشودة الخلود , على أوتار وأوزان هذا الوجود

إلهي : هل تحبّني , أخبرني , حنانيك أخبرني

إلهي : لقد تركني القريب والبعيد ,

إلهي : بجاه نور جمالك وما أنت عليه في إطلاقات حنانك , ورحمتك وجنانك , إلاّ ما رحمتني حيث عين الرحمة

إلهي : أنطقني جمالك , وأخرسني دلالك

إلهي : أغفر لي بهذه الكلمات التي أرسمها بحولك

إلهي : لقد تاه الفؤاد , وغاب المراد ,