بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
أبريل 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 |
14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 |
21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 |
28 | 29 | 30 |
تعريف الفتوحات
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تعريف الفتوحات
تعريف الفتوح:
قال الشيخ أحمد ضياء الدين النقشبندي في كتابه جامع أصول الأولياء: الفتوح هو كل ما يفتح على العبد من الله تعالى بعد ما كان مغلقا عليه من النعم الظاهرة و الباطنة و الأرزاق و العبادة و العلوم و المعارف و المكاشفات و غير ذلك.و قسم ابن العربي رضى الله عنه الفتوح إلى عدة أنواع:
- فتوح العبارة في الظاهر: قال تعالى: (و اتقوا الله و يعلمكم الله) .
- فتوح الحلاوة في الباطن: قال تعالى: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا).
- فتوح المكاشفة .
قال سيدنا مالك رضى الله عنه: من أراد أن يفتح الله عين قلبه فليكن عمله في السر أكثر من عمله في العلانية. لأن عمل السر عمل الإخلاص و الإخلاص منبع الحكمة و الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد المؤمن من فسحة الملك. فأهل التنوير هم الحكماء و هم العارفون بالله.
أنواع الفتح:
الفــــتـــح نـــوعان كما جاء عن سيدنا الدباغ في الإبريز:
1) فتـــح ظلماني: يشاهد المفتوح عليه من الأمور الباطلة الفانية الظلمانية. فتسود عقولهم و تعمى أبصارهم عن الحق. لذا يفتح لأهل الباطل في مشاهدة هذا العالم سمائه و أرضه و لا يشاهدون فيه إلا الأمور الفانية المتعلقة بالأجرام الحادثة هياكلها. مثل ما يذكرونه في أحكام النجوم و غيرها الذي ينسبون أثرها للنجوم و الكواكب لا لله.
2) فتـــح نوراني: و هو نور من أنوار الحق تعالى تسقي به ذوات أهل الحق فتشعشع أنوار المعارف في ذواتهم. و فتح أهل الحق نوعان:
أ )الفتح المنقطع: و هو أضعف درجات الكشف. فجميع ما سبق فتحه لأهل الظلام في هذا العالم سمائه و أرضه يشاهده صاحب هذا الفتح. و هو فتح مشترك في كثير من نقاطه مع أهل الباطل. و صاحبه لا يأمن على نفسه من القطيعة و اللحوق بأهل الظلام حتى يقطع مقامه و يتجاوزه.
ب) الفتح المستمر: و هو أن يفتح عليه في مشاهدة أسرار الحق التي حجب عنها أهل الظلام. فيشاهد الأولياء العارفين بالله تعالى و يتكلم معهم و يناجيهم على بعد المسافة مناجاة الجليس لجليسه. و كذا يشاهد أرواح المؤمنين فوق القبور و الكرام الكاتبين و الملائكة و البرزخ و أرواح الموتى التي فيه. و يشاهد قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) و عمود النور الممتد إلى قبة البرزخ. فإذا حصلت له مشاهدة ذات النبي (صلى الله عليه وسلم) في اليقظة حصل له الأمان من تلاعب الشيطان لاجتماعه مع رحمة الله تعالى و هي سيدنا و نبينا و مولانا محمد (صلى الله عليه وسلم). فلا يزال الولي ببركة الذات الشريفة يتعلق بالحق سبحانه و يترقى في معرفته شيئاً فشيئاً إلى أن تقع له المشاهدة و أسرار المعرفة و أنوار المحبة. فهذا الفتح الثاني هو الفاصل بين أهل الحق و أهل الباطل.و يندرج تحت هذا الفتح أنواع عديدة منها: الفتح القريب، الفتح المبين و الفتح المطلق.قال الشيخ أحمد ضياء الدين النقشبندي في كتابه جامع أصول الأولياء:
- الفتح القريب: هو ما أنفتح على العبد من مقام القلب و ظهور صفاته و كمالاته عند قطع منازل النفس و هو المشار إليه بقوله تعالى: (نصر من الله و فتحٌ قريب).
- الفتح المبين: هو ما أنفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات أنوار الأسماء الإلهية المعينة لصفات القلب و كمالاته و هو المشار إليه بقوله تعالى: ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا) يعني من الصفات النفسية و القالبية.
- الفتح المطلق: و هو أعلى الفتوحات و أكملها و هو ما أنفتح على العبد من تجليات الذات الأحدية و الاستغراق في عين الفتح بفناء الرسوم الخلقية كلها و هو المشار إليه بقوله تعالى : (إذا جاء نصر الله و الفتح).
درجات العارفين:
قال (صلى الله عليه وسلم): (إن الله ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثدي،فعلمت علم الأولين و الآخرين). لذلك يتفاوت الأولياء في درجاتهم تبعا لمقدرتهم في الاستمداد من المعارف الربانية من الحضرة الأحدية عن طريق الحضرة المحمدية. فالكمل من أولياء الله تعالى فإنهم يفتح الله عليهم باب الفهم عنه و العلم به و الأخذ منه. فتمكنوا من خزائن العلوم و كشف لهم عن حقيقة كل ناطق و موهوم. فصاروا يأخذون عن الله و يفهمون عن الله بالله. لذلك يرى سيدنا محمد وفا الشاذلي في كتابه (نفائس العرفان من أنفاس الرحمن): ( أن هذا القرب من الله هو باطن الولاية و التي فيها يتولى الله عبده بذاته.فيطلعه على مكنون أسمائه و صفاته.بمعنى أن الولي في هذا المقام يفنى عن نفسه و يبقى بربه).
كان سيدنا ابن عطاء الله الإسكندري يقول عن شيخه : (أما علوم المعارف و الأسرار، قطب رحاها و شمس ضحاها. تقول إذا سمعت كلامه هذا كلام من ليس وطنه إلا غيب الله. و سمعت أن الشيخ أبا الحسن قال عنه: أبو العباس بطرق السماء أعرف منه بطرق الأرض. كنت لا تسمعه يتحدث إلا في العقل الأكبر و الاسم الأعظم و شعبه الأربع و الأسماء و الحروف و دوائر الأولياء و مقامات المؤمنين و الأملاك المقربين عند العرش و علوم الأسرار و إمداد الأذكار و يوم المقادير و شأن التدبير و علم البدء و علم المشيئة و شأن القبضة و رجال القبضة و علوم الأفراد و ما سيكون يوم القيامة من أفعال الله مع عباده من حلمه و إنعامه و وجوه انتقامه ...)
و جاء في الأبريز ص 286 أن سيدنا عبدالعزيز الدباغ قال لمريده: ( لو عاش سيدي إبراهيم الدسوقي إلى زماننا، ما أدرك من المقامات و لا ترقي مثل ما ترقي أخوك عبدالعزيز من أمس إلى اليوم. و الله ما قاله أخوك إفتخارا و إنما قاله تعريفاً و تحدثاً معكم بالنعمة).
و قال أيضاً رضى الله عنه: ( أني في لحظة قدر تغميضة العين و فتحها أشاهد من أسمائه تعالى ما ينوف على مائة ألف و الترقي هكذا على الدوام في كل لحظة ...).
و قال أيضاً رضى الله عنه: ( علىّ في هذه الساعة ثلاث كسوات، لو أُخذت واحدة منها ووضعت على مدينة فاس لذاب جميع من فيها ورجع سورها و بنيانها و دورها و جميع ما فيها عدماً محضاً).
انتظار الفتح:
قال سيدنا الحسن البصري رضى الله عنه: ( تفـقـَّـد الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة والقرآن والذكر ، فإن وجدت ذلك فأمضي وأبشر ، وإلا فاعلم أن بابك مغلق فعالج فتحه ).
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: ( الزم بابا واحدا تفتح لك أبواب و أخضع لسيد واحد تخضع لك الرقاب. قال الله تعالى : ( و إن من شيء إلا عندنا خزائنه)، (فأين تذهبون) )،]المفاخر العلية، ص152 [
قال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه: (( القلب بمنزلة القبة المضروبة حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح له عمل فيه؟ فقد ظهر انفتاح باب من أبواب القلب إلى جهة الملكوت والملأ الأعلى، وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن شهوات الدنيا )).
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه: (( كنت أنا و صاحب لي قد أوينا إلى مغارة نطلب الوصول إلى الله.فكنا نقول غداً يفتح لنا ،بعد غد يفتح لنا.فدخل علينا رجلٌ عليه هيبة. فقلت له: من أنت؟، قال: عبدالملك. فعلمنا أنه من أولياء الله. فقلنا له كيف حالك؟ فقال: كيف حال من يقول: غداً يفتح لي، بعد غدٍ يفتح لي، فلا ولاية و لا فلاح.يا نفس لا تعبدين إلا الله إلا الله. قال: فتفطنا من أين دخل علينا فتبنا و استغفرنا ففتح لنا)) ["المفاخر العلية في المآثر الشاذلية " ص 47].
قال السيد أحمد الرفاعي رضى الله عنه: ((رمى بعضُ المريدين ركوته في بعض الآبار ليستقي الماء.فخرجت مملوءةً بالذهب! فرمى بها في البئر و قال يا عزيزي! وحقك لا أريد غيرك...أي أخي: لا تجعل غاية همتك و منتهى قصدك أن تمر على الماء أو تطير في الهواء.يصنع الطير و الحوت ما أردت...)) [البرهان المؤيد].
قال سيدي محي الدين بن العربي رضى الله عنه : ( إياك أن تترك المجاهدة إن لم ترى أمارة الفتح بعدها ، ففي هذا أمر لازم لابـد منــه ولكن للفـتح وقت لا يتعـداه ، فلا تتهـم ربك فإنه لابد لأعمـالك من ثمرة إن كنت مخلصا ).قال الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه (الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر)في ذلك: (كما تعبد الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وسلم) بشريعة إبراهيم عليه السلام قبل نبوته عناية من الله تعالى له حتى فجأه الوحي و جاءته الرسالة. فكذلك الولي الكامل يجب عليه معانقة العمل بالشريعة المطهرة حتى يفتح الله تعالى له في قلبه عين الفهم عنه. فيلهم معاني القرآن و يكون من المحدثين.ثم يرده الله تعالى بعد ذلك إلى إرشاد الخلق كما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين أرسل و الله أعلم).
ومن الآداب أن يخفي أعماله وأحواله ما أمكن حتى يرسخ ، وأن لا يترفه في الأكل والمشرب والملبس والمركب مادام سالكا إلا عند ضـرورة ، وأن لا يلهج بغير ذكر الله عز وجل في أوقاته ولا يجيب قط من عدله إلى غيـره من زوائد العلوم ونوافل العبادات ، فإن ذكر الله لا يقبل الشراكة لكل شئ أشركه المريد معه يتخلف عن الفتح بقدره كثرة أو قلة ، وأن يعرف من العلم ما تجب معرفته ليدخل طريق الله على نور فلا يخاف عليه الخروج من السنة إلى البدعة.
مقدمات الفتح:
( بيان ذلك أن الحق سبحانه إذا أراد أن يوصل عبده إليه توجه إليه بنور حلاوة العمل الظاهر و هو مقام الإسلام فيهتدي إلى العلم و يفنى فيه ويذوق حلاوته. ثم يتوجه إليه بنور حلاوة العمل الباطن و هو مقام الإيمان من الإخلاص و الصدق و الطمأنينة و الأنس بالله و التوحش مما سواه فيهتدي إليه و يفنى فيه و يذوق حلاوته و يتمكن من المراقبة، و هذا النور أعظم من الأول و أكمل. ثم يتوجه إليه بنور المشاهدة و هو عمل الروح و هو أول نور المواجهة فتأخذه الدهشة و الحيرة و السكرة. فإذا أفاق من سكرته و صحا من جذبته و تمكن من الشهود و عرف الملك المعبود و رجع إلى البقاء، كان لله بالله.فاستغنى عن النور بمشاهدة نور النور...)(إيقاظ الهمم في شرح الحكم، ابن عجيبة،ص 94)
و حكي عن بعض الشيوخ أنه كان يجلس المريد بين يديه و يتلوا عليه الأسماء الحسنى، فإذا رآه تأثر عند أسم منها أو أسماء أمره باستعماله فيفتح عليه سريعاً، و يقال لهذا النوع السير بالطبع. و هو أن ينظر الشخص ميل نفسه إلى أي نوع من أنواع الذكر أو العبادات أو العلوم فيكثر من ذلك.
الدعوة إلى الله و الفتح:
قال الحبيب علي بن محمد الحبشي رضى الله عنه في أحد مجالسه: (( ما رأيت شبكة للعلم اللدني هذا الذي يدورون له الرجال و يتعبون في طلبه مثل نشر الدعوة العامة، فهي مجربة لإقتناص العلم اللدني.فالحبيب أحمد بن عمر بن سميط ما هو كثير العلم و لا كثير العمل إنما هو أمضى وقته في نشر الدعوة العامة. فبلغ إلى مرتبة عالية و صار في وقته أحب الناس إلى النبي (صلى الله عليه و سلم) )).
آل البيت أبواب الفتوح:
قال الحبيب علي بن محمد الحبشي رضى الله عنه في أحد مجالسه: (( العلوم اللدنية إلا حقنا أهل البيت. ما حد يقدر يعبر عنها إلا هم و لكنهم من أحبهم و أخلص في محبتهم أدرك منهم. فابن عربي له محبة قوية لأهل البيت ،فلهذا عبر عن هذه العلوم و صنف فيها تصانيف كثيرة فجاءه الفتح إلا من هذا الباب )).
آثار الفتح:
قال سيدنا الدباغ رضى الله عنه: ( إذا أراد الله رحمه عبده و نقله من الحجاب إلى حالة الفتح ، حصل للأولياء رضى الله عنهم خوف عليه لأنهم لا يدرون هل يموت بالفتح لكونه لا يطيقه أو لا يموت. و إذا لم يمت، فهل يسلب عقله أم يبقى عليه عقله. و معنى سلب العقل أن يذهب العقل مع الأمور العظام التي يشاهدها و ينقطع عن الذات بالكلية بحيث لا يرجع لها. و معنى عدم سلبه أن يذهب شيء من نوره مع ما شاهد و يبقى شيء منه مع الذات يحفظ عليها أكلها ة شربها و كيف تلبس ثوبها و كيف تنظر في مصالحها. و لا يعلم أحد كيف يصير أمر هذا الذي أراد الله رحمته إلا شيخه.
و إذا فتح على العبد شاهد ما لا يطيق من علام الملائكة و الجن و الشياطين و رأى من الصور الفظيعة و سمع من الأصوات الهائلة ما تنفلق به كبده).
و قال أيضاً رضى الله عنه: ( أما الذي ذهب عقله لأجل الفتح فهو في الحقيقة لم يذهب له عقل و إنما هو غائب في مشاهدة الحق سبحانه. فهو سارح في بحورها دائماً. إلا أن الله قطع عقله عن ذاته لحكمة أرادها).
و قال أيضاً رضى الله عنه: (و قد يتكلم الولي بشيء من الحوادث المستقبلية، فيخبر بها نازلاً عن درجته و ليس ذلك بمعصية و لكن قصور همة و انحطاط عن الذروة العلية و سوء أدب إن قصد إليها. لأن حالته عليه الصلاة و السلام لم تكن كذلك. على أن كثرة الأولياء الكاملين رضى الله عنهم إنما يتكلمون فيها غلبة بحكم القدر و تصريف الحق إياهم سبحانه على ما يريد. إذ هم رضى الله عنهم مظاهر الحق).
السر و الفتح:
سُئل سيدنا الدباغ رضى الله عنه عن السر الذي يشير إليه القوم فقال ضارباً مثلاً: ( الذهب يكون عند الملك و لا يعطيه لكل أحد و إنما يعطيه لأهل الخصوصية من رعيته. قال: فكذلك السر لا يعطيه الله تعالى إلا للمصطفين من خلقه.
فقال السائل: و هل هو الفتح؟ فقال رضى الله عنه:
الفتح زائد عليه يقوى معه السر. فإن المفتوح عليه، يفتح عليه في بصره فيرى به السموات و الأرضيين. فإذا كان السر المتقدم مع الفتح، أجتمع قوتان و جهدان. و إن كان السر وحده مع الحجاب فهو سر و لكن صاحبه لا يقوى قوة المفتوح عليه).
و قال أيضاً: (إن الفتح إذا نزل على الذات قبل نور القوة، حصل في الذات خلل و ضعف يفضي إلى ما سبق من موت أو زوال عقل. و إذا نزل على الذات نور القوة أولاً ثم نزل بعده نور الفتح لم تتضرر الذات بالفتح. فالموفق يطلب نور القوة قبل نزول الفتح عليه و الله أعلم).
الفتح و الشكر:
قال الدباغ في الإبريز: (طريقة الشكر هي الأصلية و هي التي كانت عليها قلوب الأنبياء و الأصفياء من الصحابة و غيرهم و هي عبادته تعالى على إخلاص العبودية و البراءة من جميع الحظوظ مع الاعتراف بالعجز و التقصير و عدم توفيه الربوبيه حقها و سكون ذلك في القلب على ممر الساعات و الأزمان. فلم علم الله الصدق في ذلك أثابهم بما يقتضيه كرمه من الفتح في معرفته و نيل أسرار الإيمان به عزوجل. فما سمع أهل الرياضة بما حصل لهؤلاء من الفتح، جعلوا ذلك هو مطلوبهم و مرغوبهم. فجعلوا يطلبونه بالصيام و القيام و السهر و دوام الخلوة حتى حصلوا على ما حصلوا.
فالهجرة في طريقة الشكر كانت من أول الأمر إلى الله ورسوله لا إلى الفتح و نيل الكشوفات. و الهجرة في طريقة الرياضة كانت للفتح و نيل المراتب. و السير في الأولى سير القلوب و للثانية سير الأبدان. و الفتح في الأولى هجومي لم يحصل من العبد تشوف إليه. فينما العبد في مقام طلب التوبة و الإستغفار من الذنوب إذ جاءه الفتح المبين.
و الطريقتان على صواب، لكن طريقة الشكر أصوب و أخلص. و الطريقتان متفقتان على الرياضة لكنها في الأولى رياضة للقلوب بتعلقها بالحق سبحانه و تعالى و إلزامها العكوف على بابه و اللجاء إلى الله في الحركات و السكنات و التباعد عن الغفلة المتخللة بين أوقات الحضور. و الهجة في طريقة الرياضة كانت للفتح و نيل المراتب ثم بعد الفتح منهم من تبقى على نيته الأولى فينقطع قلبه من الأمور التي يشاهدها في العوالم و يفرح بما يرى من الكشف و المشي على الماء و طي الخطوة. و يرى ذلك هو الغاية و هو من الذين خلت قلوبهم من الله عزوجل في بداية الأمر و نهايته فهو من ( الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً).
و منهم من تتبدل نيته بعد الفتح و يرحمه الله تعالى و يأخذ بيده. فيتعلق قلبه بالحق سبحانه و تعالى و يعرض عن غيره. و هذه الحالة التي حصلت لهذا بعد الفتح هي كانت البداية في طريق الشكر. فيا بعد ما بين الطريقين و تباين بين المطلبين.
و بالجملة، فالسير في الأولى سير القلوب و في الثانية سير الأبدان. و النية في الأولى خالصة و في الثانية مشوبه. و الفتح في الأولى هجومي لا تشوف من العبد إليه فكان ربانياً و في الثانية نيل بحيلة و سبب. و الفتح في الأولى لا يناله إلا المؤمن العارف الحبيب القريب بخلاف الفتح في الثانية فإنك قد سمعت أن للرهبان و أحبار اليهود رياضات توصلوا بها إلى شيء من الإستدراجات ... )
الناس و الفتوحات:
قال سيدنا الدباغ رضى الله عنه: (و أكثر ضرر الخلق في معرفة الأولياء و مخالطتهم من هذا الباب. أما في المعرفة فإنهم لا يفرقون بين فتح أهل الظلام و فتح أهل الحق. فيحسبون أن كل من زاد على علومهم من الكشوفات و خرج عن طوقهم من الخوارق كمال و حق و ولاية من الله تعالى لم ظهر ذلك على يديه. ففريق من الناس يعتقدون ولاية من يكاشف و يعتقدون أنه الغاية و فريق آخر يعتقدون ولاية من إستقام في الظاهر و دام على الصيام و القيام و إن كان باطنه خالياً من الحق متعلقاً بغيره.
أما في المخالطة، فغن العبد بعد أن يوفقه للإجتماع مع ولي كامل قد يكون غرضه من ذلك الولي هو عكس المطلوب من الولي. فإن المطلوب منه أن يُعّرف العبد بربه و يحذره من القواطع التي من أعظمها حب الدنيا و الميل إلى زخارفها. فإذا جعل العبد يطلب منه قضاء الحوائج و الأوطار، اليوم على اليوم و السنة على السنة و لا يسأله عن ربه و لا كيف يعرفه. مقته الولي و أبغضه و هو السالم إن نجا من مصيبة ...).
لذلك قال سيدنا أبو العباس المرسى رضى الله عنه: ( الطي قسمين: طي اصغر و طي أكبر. فالطي الأصغر لعامة هذه الطائفة، أن تطوى لهم الأرض من مشرقها إلى مغربها في نفس واحد. و الطي الأكبر هو طي أوصاف النفوس) ، فمن عرف نفسه عرف ربه.
_________________
إِلهِي أَسألُكَ بِأَعَزِّ مَنْ نَاجَاكَ وَأَفْضَلِ مَنْ دَعَاكَ أَنْ تُمْطِرَ عَلَى قَلْبِي شَآبِيبَ عَطْفِكَ وَسَحَائِبَ رِضَاكَ وَتُلْقِيَ فِيهِ حَلاَوَةَ ذِكْرِكَ وَتُيقِظَهُ مِنْ غَفَلاتِهِ حَتَّى لا يُشَاهِدَ سِوَاكَ وَتُثَبِّتَهُ عَلَى طَاعَتِكَ وَتُقَوِّيهِ عَلَى تَقْوَاكَ، يَامَنْ تَحَسَّنَتِ الأشْيَاءُ بِبَهَاءِ جَمَالِكَ الأقْدَسِ وَازْدَهَتْ بِظُهُورِ سَنَاكَ، آتِنَا كِفْلاً مِنْ رَحْمَتِكَ وَارْزُقْنَا نُورًا نَمْشِي بِهِ تَنْجَلِى أمَامَهُ تَكَاثُفُ الظُّلُمَاتِ وَتَتَّضِحُ بِهِ مَنَاهِجُ السَّعَادَةِ وَسُبُلُ الخَيِْرَاتِ وَاغْفِرْ لَنَا مَا مَضَى وَلإخْوَانِنَا المُؤْمِنِينَ وَوَفِّقْنَا فِيمَا هُوَ آتٍ، بِحَقٍّ.
قال الشيخ أحمد ضياء الدين النقشبندي في كتابه جامع أصول الأولياء: الفتوح هو كل ما يفتح على العبد من الله تعالى بعد ما كان مغلقا عليه من النعم الظاهرة و الباطنة و الأرزاق و العبادة و العلوم و المعارف و المكاشفات و غير ذلك.و قسم ابن العربي رضى الله عنه الفتوح إلى عدة أنواع:
- فتوح العبارة في الظاهر: قال تعالى: (و اتقوا الله و يعلمكم الله) .
- فتوح الحلاوة في الباطن: قال تعالى: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا).
- فتوح المكاشفة .
قال سيدنا مالك رضى الله عنه: من أراد أن يفتح الله عين قلبه فليكن عمله في السر أكثر من عمله في العلانية. لأن عمل السر عمل الإخلاص و الإخلاص منبع الحكمة و الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد المؤمن من فسحة الملك. فأهل التنوير هم الحكماء و هم العارفون بالله.
أنواع الفتح:
الفــــتـــح نـــوعان كما جاء عن سيدنا الدباغ في الإبريز:
1) فتـــح ظلماني: يشاهد المفتوح عليه من الأمور الباطلة الفانية الظلمانية. فتسود عقولهم و تعمى أبصارهم عن الحق. لذا يفتح لأهل الباطل في مشاهدة هذا العالم سمائه و أرضه و لا يشاهدون فيه إلا الأمور الفانية المتعلقة بالأجرام الحادثة هياكلها. مثل ما يذكرونه في أحكام النجوم و غيرها الذي ينسبون أثرها للنجوم و الكواكب لا لله.
2) فتـــح نوراني: و هو نور من أنوار الحق تعالى تسقي به ذوات أهل الحق فتشعشع أنوار المعارف في ذواتهم. و فتح أهل الحق نوعان:
أ )الفتح المنقطع: و هو أضعف درجات الكشف. فجميع ما سبق فتحه لأهل الظلام في هذا العالم سمائه و أرضه يشاهده صاحب هذا الفتح. و هو فتح مشترك في كثير من نقاطه مع أهل الباطل. و صاحبه لا يأمن على نفسه من القطيعة و اللحوق بأهل الظلام حتى يقطع مقامه و يتجاوزه.
ب) الفتح المستمر: و هو أن يفتح عليه في مشاهدة أسرار الحق التي حجب عنها أهل الظلام. فيشاهد الأولياء العارفين بالله تعالى و يتكلم معهم و يناجيهم على بعد المسافة مناجاة الجليس لجليسه. و كذا يشاهد أرواح المؤمنين فوق القبور و الكرام الكاتبين و الملائكة و البرزخ و أرواح الموتى التي فيه. و يشاهد قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) و عمود النور الممتد إلى قبة البرزخ. فإذا حصلت له مشاهدة ذات النبي (صلى الله عليه وسلم) في اليقظة حصل له الأمان من تلاعب الشيطان لاجتماعه مع رحمة الله تعالى و هي سيدنا و نبينا و مولانا محمد (صلى الله عليه وسلم). فلا يزال الولي ببركة الذات الشريفة يتعلق بالحق سبحانه و يترقى في معرفته شيئاً فشيئاً إلى أن تقع له المشاهدة و أسرار المعرفة و أنوار المحبة. فهذا الفتح الثاني هو الفاصل بين أهل الحق و أهل الباطل.و يندرج تحت هذا الفتح أنواع عديدة منها: الفتح القريب، الفتح المبين و الفتح المطلق.قال الشيخ أحمد ضياء الدين النقشبندي في كتابه جامع أصول الأولياء:
- الفتح القريب: هو ما أنفتح على العبد من مقام القلب و ظهور صفاته و كمالاته عند قطع منازل النفس و هو المشار إليه بقوله تعالى: (نصر من الله و فتحٌ قريب).
- الفتح المبين: هو ما أنفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات أنوار الأسماء الإلهية المعينة لصفات القلب و كمالاته و هو المشار إليه بقوله تعالى: ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا) يعني من الصفات النفسية و القالبية.
- الفتح المطلق: و هو أعلى الفتوحات و أكملها و هو ما أنفتح على العبد من تجليات الذات الأحدية و الاستغراق في عين الفتح بفناء الرسوم الخلقية كلها و هو المشار إليه بقوله تعالى : (إذا جاء نصر الله و الفتح).
درجات العارفين:
قال (صلى الله عليه وسلم): (إن الله ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثدي،فعلمت علم الأولين و الآخرين). لذلك يتفاوت الأولياء في درجاتهم تبعا لمقدرتهم في الاستمداد من المعارف الربانية من الحضرة الأحدية عن طريق الحضرة المحمدية. فالكمل من أولياء الله تعالى فإنهم يفتح الله عليهم باب الفهم عنه و العلم به و الأخذ منه. فتمكنوا من خزائن العلوم و كشف لهم عن حقيقة كل ناطق و موهوم. فصاروا يأخذون عن الله و يفهمون عن الله بالله. لذلك يرى سيدنا محمد وفا الشاذلي في كتابه (نفائس العرفان من أنفاس الرحمن): ( أن هذا القرب من الله هو باطن الولاية و التي فيها يتولى الله عبده بذاته.فيطلعه على مكنون أسمائه و صفاته.بمعنى أن الولي في هذا المقام يفنى عن نفسه و يبقى بربه).
كان سيدنا ابن عطاء الله الإسكندري يقول عن شيخه : (أما علوم المعارف و الأسرار، قطب رحاها و شمس ضحاها. تقول إذا سمعت كلامه هذا كلام من ليس وطنه إلا غيب الله. و سمعت أن الشيخ أبا الحسن قال عنه: أبو العباس بطرق السماء أعرف منه بطرق الأرض. كنت لا تسمعه يتحدث إلا في العقل الأكبر و الاسم الأعظم و شعبه الأربع و الأسماء و الحروف و دوائر الأولياء و مقامات المؤمنين و الأملاك المقربين عند العرش و علوم الأسرار و إمداد الأذكار و يوم المقادير و شأن التدبير و علم البدء و علم المشيئة و شأن القبضة و رجال القبضة و علوم الأفراد و ما سيكون يوم القيامة من أفعال الله مع عباده من حلمه و إنعامه و وجوه انتقامه ...)
و جاء في الأبريز ص 286 أن سيدنا عبدالعزيز الدباغ قال لمريده: ( لو عاش سيدي إبراهيم الدسوقي إلى زماننا، ما أدرك من المقامات و لا ترقي مثل ما ترقي أخوك عبدالعزيز من أمس إلى اليوم. و الله ما قاله أخوك إفتخارا و إنما قاله تعريفاً و تحدثاً معكم بالنعمة).
و قال أيضاً رضى الله عنه: ( أني في لحظة قدر تغميضة العين و فتحها أشاهد من أسمائه تعالى ما ينوف على مائة ألف و الترقي هكذا على الدوام في كل لحظة ...).
و قال أيضاً رضى الله عنه: ( علىّ في هذه الساعة ثلاث كسوات، لو أُخذت واحدة منها ووضعت على مدينة فاس لذاب جميع من فيها ورجع سورها و بنيانها و دورها و جميع ما فيها عدماً محضاً).
انتظار الفتح:
قال سيدنا الحسن البصري رضى الله عنه: ( تفـقـَّـد الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة والقرآن والذكر ، فإن وجدت ذلك فأمضي وأبشر ، وإلا فاعلم أن بابك مغلق فعالج فتحه ).
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: ( الزم بابا واحدا تفتح لك أبواب و أخضع لسيد واحد تخضع لك الرقاب. قال الله تعالى : ( و إن من شيء إلا عندنا خزائنه)، (فأين تذهبون) )،]المفاخر العلية، ص152 [
قال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه: (( القلب بمنزلة القبة المضروبة حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح له عمل فيه؟ فقد ظهر انفتاح باب من أبواب القلب إلى جهة الملكوت والملأ الأعلى، وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن شهوات الدنيا )).
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه: (( كنت أنا و صاحب لي قد أوينا إلى مغارة نطلب الوصول إلى الله.فكنا نقول غداً يفتح لنا ،بعد غد يفتح لنا.فدخل علينا رجلٌ عليه هيبة. فقلت له: من أنت؟، قال: عبدالملك. فعلمنا أنه من أولياء الله. فقلنا له كيف حالك؟ فقال: كيف حال من يقول: غداً يفتح لي، بعد غدٍ يفتح لي، فلا ولاية و لا فلاح.يا نفس لا تعبدين إلا الله إلا الله. قال: فتفطنا من أين دخل علينا فتبنا و استغفرنا ففتح لنا)) ["المفاخر العلية في المآثر الشاذلية " ص 47].
قال السيد أحمد الرفاعي رضى الله عنه: ((رمى بعضُ المريدين ركوته في بعض الآبار ليستقي الماء.فخرجت مملوءةً بالذهب! فرمى بها في البئر و قال يا عزيزي! وحقك لا أريد غيرك...أي أخي: لا تجعل غاية همتك و منتهى قصدك أن تمر على الماء أو تطير في الهواء.يصنع الطير و الحوت ما أردت...)) [البرهان المؤيد].
قال سيدي محي الدين بن العربي رضى الله عنه : ( إياك أن تترك المجاهدة إن لم ترى أمارة الفتح بعدها ، ففي هذا أمر لازم لابـد منــه ولكن للفـتح وقت لا يتعـداه ، فلا تتهـم ربك فإنه لابد لأعمـالك من ثمرة إن كنت مخلصا ).قال الشيخ عبدالوهاب الشعراني في كتابه (الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر)في ذلك: (كما تعبد الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وسلم) بشريعة إبراهيم عليه السلام قبل نبوته عناية من الله تعالى له حتى فجأه الوحي و جاءته الرسالة. فكذلك الولي الكامل يجب عليه معانقة العمل بالشريعة المطهرة حتى يفتح الله تعالى له في قلبه عين الفهم عنه. فيلهم معاني القرآن و يكون من المحدثين.ثم يرده الله تعالى بعد ذلك إلى إرشاد الخلق كما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين أرسل و الله أعلم).
ومن الآداب أن يخفي أعماله وأحواله ما أمكن حتى يرسخ ، وأن لا يترفه في الأكل والمشرب والملبس والمركب مادام سالكا إلا عند ضـرورة ، وأن لا يلهج بغير ذكر الله عز وجل في أوقاته ولا يجيب قط من عدله إلى غيـره من زوائد العلوم ونوافل العبادات ، فإن ذكر الله لا يقبل الشراكة لكل شئ أشركه المريد معه يتخلف عن الفتح بقدره كثرة أو قلة ، وأن يعرف من العلم ما تجب معرفته ليدخل طريق الله على نور فلا يخاف عليه الخروج من السنة إلى البدعة.
مقدمات الفتح:
( بيان ذلك أن الحق سبحانه إذا أراد أن يوصل عبده إليه توجه إليه بنور حلاوة العمل الظاهر و هو مقام الإسلام فيهتدي إلى العلم و يفنى فيه ويذوق حلاوته. ثم يتوجه إليه بنور حلاوة العمل الباطن و هو مقام الإيمان من الإخلاص و الصدق و الطمأنينة و الأنس بالله و التوحش مما سواه فيهتدي إليه و يفنى فيه و يذوق حلاوته و يتمكن من المراقبة، و هذا النور أعظم من الأول و أكمل. ثم يتوجه إليه بنور المشاهدة و هو عمل الروح و هو أول نور المواجهة فتأخذه الدهشة و الحيرة و السكرة. فإذا أفاق من سكرته و صحا من جذبته و تمكن من الشهود و عرف الملك المعبود و رجع إلى البقاء، كان لله بالله.فاستغنى عن النور بمشاهدة نور النور...)(إيقاظ الهمم في شرح الحكم، ابن عجيبة،ص 94)
و حكي عن بعض الشيوخ أنه كان يجلس المريد بين يديه و يتلوا عليه الأسماء الحسنى، فإذا رآه تأثر عند أسم منها أو أسماء أمره باستعماله فيفتح عليه سريعاً، و يقال لهذا النوع السير بالطبع. و هو أن ينظر الشخص ميل نفسه إلى أي نوع من أنواع الذكر أو العبادات أو العلوم فيكثر من ذلك.
الدعوة إلى الله و الفتح:
قال الحبيب علي بن محمد الحبشي رضى الله عنه في أحد مجالسه: (( ما رأيت شبكة للعلم اللدني هذا الذي يدورون له الرجال و يتعبون في طلبه مثل نشر الدعوة العامة، فهي مجربة لإقتناص العلم اللدني.فالحبيب أحمد بن عمر بن سميط ما هو كثير العلم و لا كثير العمل إنما هو أمضى وقته في نشر الدعوة العامة. فبلغ إلى مرتبة عالية و صار في وقته أحب الناس إلى النبي (صلى الله عليه و سلم) )).
آل البيت أبواب الفتوح:
قال الحبيب علي بن محمد الحبشي رضى الله عنه في أحد مجالسه: (( العلوم اللدنية إلا حقنا أهل البيت. ما حد يقدر يعبر عنها إلا هم و لكنهم من أحبهم و أخلص في محبتهم أدرك منهم. فابن عربي له محبة قوية لأهل البيت ،فلهذا عبر عن هذه العلوم و صنف فيها تصانيف كثيرة فجاءه الفتح إلا من هذا الباب )).
آثار الفتح:
قال سيدنا الدباغ رضى الله عنه: ( إذا أراد الله رحمه عبده و نقله من الحجاب إلى حالة الفتح ، حصل للأولياء رضى الله عنهم خوف عليه لأنهم لا يدرون هل يموت بالفتح لكونه لا يطيقه أو لا يموت. و إذا لم يمت، فهل يسلب عقله أم يبقى عليه عقله. و معنى سلب العقل أن يذهب العقل مع الأمور العظام التي يشاهدها و ينقطع عن الذات بالكلية بحيث لا يرجع لها. و معنى عدم سلبه أن يذهب شيء من نوره مع ما شاهد و يبقى شيء منه مع الذات يحفظ عليها أكلها ة شربها و كيف تلبس ثوبها و كيف تنظر في مصالحها. و لا يعلم أحد كيف يصير أمر هذا الذي أراد الله رحمته إلا شيخه.
و إذا فتح على العبد شاهد ما لا يطيق من علام الملائكة و الجن و الشياطين و رأى من الصور الفظيعة و سمع من الأصوات الهائلة ما تنفلق به كبده).
و قال أيضاً رضى الله عنه: ( أما الذي ذهب عقله لأجل الفتح فهو في الحقيقة لم يذهب له عقل و إنما هو غائب في مشاهدة الحق سبحانه. فهو سارح في بحورها دائماً. إلا أن الله قطع عقله عن ذاته لحكمة أرادها).
و قال أيضاً رضى الله عنه: (و قد يتكلم الولي بشيء من الحوادث المستقبلية، فيخبر بها نازلاً عن درجته و ليس ذلك بمعصية و لكن قصور همة و انحطاط عن الذروة العلية و سوء أدب إن قصد إليها. لأن حالته عليه الصلاة و السلام لم تكن كذلك. على أن كثرة الأولياء الكاملين رضى الله عنهم إنما يتكلمون فيها غلبة بحكم القدر و تصريف الحق إياهم سبحانه على ما يريد. إذ هم رضى الله عنهم مظاهر الحق).
السر و الفتح:
سُئل سيدنا الدباغ رضى الله عنه عن السر الذي يشير إليه القوم فقال ضارباً مثلاً: ( الذهب يكون عند الملك و لا يعطيه لكل أحد و إنما يعطيه لأهل الخصوصية من رعيته. قال: فكذلك السر لا يعطيه الله تعالى إلا للمصطفين من خلقه.
فقال السائل: و هل هو الفتح؟ فقال رضى الله عنه:
الفتح زائد عليه يقوى معه السر. فإن المفتوح عليه، يفتح عليه في بصره فيرى به السموات و الأرضيين. فإذا كان السر المتقدم مع الفتح، أجتمع قوتان و جهدان. و إن كان السر وحده مع الحجاب فهو سر و لكن صاحبه لا يقوى قوة المفتوح عليه).
و قال أيضاً: (إن الفتح إذا نزل على الذات قبل نور القوة، حصل في الذات خلل و ضعف يفضي إلى ما سبق من موت أو زوال عقل. و إذا نزل على الذات نور القوة أولاً ثم نزل بعده نور الفتح لم تتضرر الذات بالفتح. فالموفق يطلب نور القوة قبل نزول الفتح عليه و الله أعلم).
الفتح و الشكر:
قال الدباغ في الإبريز: (طريقة الشكر هي الأصلية و هي التي كانت عليها قلوب الأنبياء و الأصفياء من الصحابة و غيرهم و هي عبادته تعالى على إخلاص العبودية و البراءة من جميع الحظوظ مع الاعتراف بالعجز و التقصير و عدم توفيه الربوبيه حقها و سكون ذلك في القلب على ممر الساعات و الأزمان. فلم علم الله الصدق في ذلك أثابهم بما يقتضيه كرمه من الفتح في معرفته و نيل أسرار الإيمان به عزوجل. فما سمع أهل الرياضة بما حصل لهؤلاء من الفتح، جعلوا ذلك هو مطلوبهم و مرغوبهم. فجعلوا يطلبونه بالصيام و القيام و السهر و دوام الخلوة حتى حصلوا على ما حصلوا.
فالهجرة في طريقة الشكر كانت من أول الأمر إلى الله ورسوله لا إلى الفتح و نيل الكشوفات. و الهجرة في طريقة الرياضة كانت للفتح و نيل المراتب. و السير في الأولى سير القلوب و للثانية سير الأبدان. و الفتح في الأولى هجومي لم يحصل من العبد تشوف إليه. فينما العبد في مقام طلب التوبة و الإستغفار من الذنوب إذ جاءه الفتح المبين.
و الطريقتان على صواب، لكن طريقة الشكر أصوب و أخلص. و الطريقتان متفقتان على الرياضة لكنها في الأولى رياضة للقلوب بتعلقها بالحق سبحانه و تعالى و إلزامها العكوف على بابه و اللجاء إلى الله في الحركات و السكنات و التباعد عن الغفلة المتخللة بين أوقات الحضور. و الهجة في طريقة الرياضة كانت للفتح و نيل المراتب ثم بعد الفتح منهم من تبقى على نيته الأولى فينقطع قلبه من الأمور التي يشاهدها في العوالم و يفرح بما يرى من الكشف و المشي على الماء و طي الخطوة. و يرى ذلك هو الغاية و هو من الذين خلت قلوبهم من الله عزوجل في بداية الأمر و نهايته فهو من ( الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً).
و منهم من تتبدل نيته بعد الفتح و يرحمه الله تعالى و يأخذ بيده. فيتعلق قلبه بالحق سبحانه و تعالى و يعرض عن غيره. و هذه الحالة التي حصلت لهذا بعد الفتح هي كانت البداية في طريق الشكر. فيا بعد ما بين الطريقين و تباين بين المطلبين.
و بالجملة، فالسير في الأولى سير القلوب و في الثانية سير الأبدان. و النية في الأولى خالصة و في الثانية مشوبه. و الفتح في الأولى هجومي لا تشوف من العبد إليه فكان ربانياً و في الثانية نيل بحيلة و سبب. و الفتح في الأولى لا يناله إلا المؤمن العارف الحبيب القريب بخلاف الفتح في الثانية فإنك قد سمعت أن للرهبان و أحبار اليهود رياضات توصلوا بها إلى شيء من الإستدراجات ... )
الناس و الفتوحات:
قال سيدنا الدباغ رضى الله عنه: (و أكثر ضرر الخلق في معرفة الأولياء و مخالطتهم من هذا الباب. أما في المعرفة فإنهم لا يفرقون بين فتح أهل الظلام و فتح أهل الحق. فيحسبون أن كل من زاد على علومهم من الكشوفات و خرج عن طوقهم من الخوارق كمال و حق و ولاية من الله تعالى لم ظهر ذلك على يديه. ففريق من الناس يعتقدون ولاية من يكاشف و يعتقدون أنه الغاية و فريق آخر يعتقدون ولاية من إستقام في الظاهر و دام على الصيام و القيام و إن كان باطنه خالياً من الحق متعلقاً بغيره.
أما في المخالطة، فغن العبد بعد أن يوفقه للإجتماع مع ولي كامل قد يكون غرضه من ذلك الولي هو عكس المطلوب من الولي. فإن المطلوب منه أن يُعّرف العبد بربه و يحذره من القواطع التي من أعظمها حب الدنيا و الميل إلى زخارفها. فإذا جعل العبد يطلب منه قضاء الحوائج و الأوطار، اليوم على اليوم و السنة على السنة و لا يسأله عن ربه و لا كيف يعرفه. مقته الولي و أبغضه و هو السالم إن نجا من مصيبة ...).
لذلك قال سيدنا أبو العباس المرسى رضى الله عنه: ( الطي قسمين: طي اصغر و طي أكبر. فالطي الأصغر لعامة هذه الطائفة، أن تطوى لهم الأرض من مشرقها إلى مغربها في نفس واحد. و الطي الأكبر هو طي أوصاف النفوس) ، فمن عرف نفسه عرف ربه.
_________________
إِلهِي أَسألُكَ بِأَعَزِّ مَنْ نَاجَاكَ وَأَفْضَلِ مَنْ دَعَاكَ أَنْ تُمْطِرَ عَلَى قَلْبِي شَآبِيبَ عَطْفِكَ وَسَحَائِبَ رِضَاكَ وَتُلْقِيَ فِيهِ حَلاَوَةَ ذِكْرِكَ وَتُيقِظَهُ مِنْ غَفَلاتِهِ حَتَّى لا يُشَاهِدَ سِوَاكَ وَتُثَبِّتَهُ عَلَى طَاعَتِكَ وَتُقَوِّيهِ عَلَى تَقْوَاكَ، يَامَنْ تَحَسَّنَتِ الأشْيَاءُ بِبَهَاءِ جَمَالِكَ الأقْدَسِ وَازْدَهَتْ بِظُهُورِ سَنَاكَ، آتِنَا كِفْلاً مِنْ رَحْمَتِكَ وَارْزُقْنَا نُورًا نَمْشِي بِهِ تَنْجَلِى أمَامَهُ تَكَاثُفُ الظُّلُمَاتِ وَتَتَّضِحُ بِهِ مَنَاهِجُ السَّعَادَةِ وَسُبُلُ الخَيِْرَاتِ وَاغْفِرْ لَنَا مَا مَضَى وَلإخْوَانِنَا المُؤْمِنِينَ وَوَفِّقْنَا فِيمَا هُوَ آتٍ، بِحَقٍّ.
أبو أويس- عدد الرسائل : 1553
العمر : 64
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: تعريف الفتوحات
اللهم افتح علينا فتوح العارفين
لنعرف أنفسنا حق المعرفة
وبارك الله فيك أخي أبو أويس
على كل مجهود يوضح ويبين
ما يحتاجه السائر في طريق الله
طريق الهدى والنور
لنعرف أنفسنا حق المعرفة
وبارك الله فيك أخي أبو أويس
على كل مجهود يوضح ويبين
ما يحتاجه السائر في طريق الله
طريق الهدى والنور
عبدالله- عدد الرسائل : 177
العمر : 64
العمل/الترفيه : طالب علم
تاريخ التسجيل : 09/12/2007
رد: تعريف الفتوحات
بارك الله فيك سيدي عبد الله
وللعلم فإن هذا الموضوع ليس لي ولكنه منقول
عن الشيخ أحمد ضياء الدين النقشبندي من كتابه جامع أصول الأولياء
أعجبني التعريف فأوردته لمعرفة أقوال العارفين في شؤون أحوالهم رضي الله عنهم
وللعلم فإن هذا الموضوع ليس لي ولكنه منقول
عن الشيخ أحمد ضياء الدين النقشبندي من كتابه جامع أصول الأولياء
أعجبني التعريف فأوردته لمعرفة أقوال العارفين في شؤون أحوالهم رضي الله عنهم
أبو أويس- عدد الرسائل : 1553
العمر : 64
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
مواضيع مماثلة
» من الفتوحات المكية....
» الفيوضات الأكبرية بنفحات الفتوحات المكيّة
» تعريف شيخ التربية
» تعريف الخواطر والواردات
» تعريف الصوفية و التصوف
» الفيوضات الأكبرية بنفحات الفتوحات المكيّة
» تعريف شيخ التربية
» تعريف الخواطر والواردات
» تعريف الصوفية و التصوف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 22 أبريل 2024 - 13:50 من طرف شركة الخبرا
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 3:26 من طرف الطالب
» هدية اليوم
الإثنين 15 أبريل 2024 - 12:09 من طرف أبو أويس
» حكمة شاذلية
الثلاثاء 9 أبريل 2024 - 23:45 من طرف أبو أويس
» الحجرة النَّبَوِيَّة وأسرارها
الإثنين 8 أبريل 2024 - 0:03 من طرف أبو أويس
» لم طال زمن المعركة هذه المرة
السبت 6 أبريل 2024 - 0:01 من طرف أبو أويس
» كتاب الغيب والمستقبل لأستاذنا إلياس بلكا حفظه الله
الجمعة 29 مارس 2024 - 19:49 من طرف أبو أويس
» بح بالغرام - لسيدي علي الصوفي
الإثنين 25 مارس 2024 - 9:27 من طرف أبو أويس
» المدد
الأحد 24 مارس 2024 - 19:40 من طرف أبو أويس
» جنبوا هذا المنتدى المساهمات الدعائية
الأربعاء 20 مارس 2024 - 19:24 من طرف أبو أويس
» حقيقة الاستواء عند الأشعري في الإبانة
السبت 16 مارس 2024 - 19:35 من طرف أبو أويس
» أمة جحر الضب حق عليها العذاب
السبت 9 مارس 2024 - 2:52 من طرف علي
» إستفسار عمن يتنقل بين الطرق
الثلاثاء 5 مارس 2024 - 9:22 من طرف أبو أويس
» لماذا نتخذ الشيخ مرشدا ؟
الإثنين 4 مارس 2024 - 20:57 من طرف رضوان
» مسح العينين بباطن أنملتي السبابتين بعد تقبيلهما
الجمعة 23 فبراير 2024 - 15:21 من طرف أبو أويس