بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
البيان في آداب أهل العرفان
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
البيان في آداب أهل العرفان
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على المقول فيه ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم ) وآله وصحبه
أمّا بعد :
والصلاة والسلام على المقول فيه ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم ) وآله وصحبه
أمّا بعد :
اعلم أيّها الطالب أنّ غاية العلوم وخلاصة الفهوم ما أوقفك على بساط الأدب فكلّ علم أو معرفة لا يثمر لك مع الله تعالى أدبا فزغله أظهر من نوره وضرره أكبر من نفعه لأنّ غاية محطّات السالكين وسدرة منتهى الواصلين التحلّي بصفة كمال الآداب في حضرة الجذب والإغتراب فالأدب مقدّم الجماعة فهو إمام العلم ودليل الحال فعلى قدر التحلّي بأنوار العلوم وأسرار الفهوم يكون مقدار الأدب
قال الصوفية الأوائل ( من زاد عليك في الأدب زاد عليك في التصوّف ) وقيل ( كاد التصوّف أن يكون كلّه آدابا ) وقد ورد ( من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين ) وكلّ هذا مستوحى من قوله تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) فإذا علمت شأن هذا فاعلم أنّ الآداب لها من المراتب ثلاث :
- آداب العامّة
- آداب الخاصّة
- آداب خاصّة الخاصّة
- آداب الخاصّة
- آداب خاصّة الخاصّة
ودرجاتها خمس من الأدنى إلى الأعلى هذا ترتيبها :
- آداب مع عامّة المؤمنين
- آداب مع خاصّة المؤمنين
- آداب مع خاصّة الخاصّة بما فيهم شيوخ التربية
- آداب مع النبيّ صلى الله عليه وسلّم
- آداب مع الله تعالى
- آداب مع خاصّة المؤمنين
- آداب مع خاصّة الخاصّة بما فيهم شيوخ التربية
- آداب مع النبيّ صلى الله عليه وسلّم
- آداب مع الله تعالى
شرح كثير من أهل العرفان في دروسهم وتأليفاتهم فصولا من الآداب الواجبة مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم ومع العامّة والخاصّة من خلق الله تعالى كما فعل الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه احياء علوم الدين وإن كانت أغلبها ذكر للآداب الشرعية ...
لا جرم أنّ ورود ذكر الآداب والترغيب فيها في القرآن لا مزيد عليه فورد فيه من بيان الآداب ما يفتح على القلب أبواب الوصول ويشرق على الفؤاد أنوار القبول فمن ذلك وردت أنواع منها :
- آداب الأقوال
- آداب الأفعال
- آداب السؤال
- آداب الأحوال
- آداب العلوم
- آداب الفهوم
- آداب الجواب
- آداب الإعتذار
- آداب بيان الحقّ
- آداب الإستئذان
- آداب البسط
- آداب الأخذ والعطاء
- آداب تلقّي البشرى
- آداب النصر
- آداب الإبتلاء
- آداب المقامات
- آداب المنع
... الخ ...
فالآداب كثيرة فهي مع الأنفاس لكن سنتناول بالذكر إن شاء الله تعالى
- آداب الأقوال
- آداب الأحوال
- آداب السؤال
- آداب العلوم
- آداب الفهوم
سنشرع إن شاء الله تعالى في شرحها أصولا وفروعا وبالله تعالى التوفيق
- آداب الأفعال
- آداب السؤال
- آداب الأحوال
- آداب العلوم
- آداب الفهوم
- آداب الجواب
- آداب الإعتذار
- آداب بيان الحقّ
- آداب الإستئذان
- آداب البسط
- آداب الأخذ والعطاء
- آداب تلقّي البشرى
- آداب النصر
- آداب الإبتلاء
- آداب المقامات
- آداب المنع
... الخ ...
فالآداب كثيرة فهي مع الأنفاس لكن سنتناول بالذكر إن شاء الله تعالى
- آداب الأقوال
- آداب الأحوال
- آداب السؤال
- آداب العلوم
- آداب الفهوم
سنشرع إن شاء الله تعالى في شرحها أصولا وفروعا وبالله تعالى التوفيق
يتبع إن شاء الله تعالى
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: البيان في آداب أهل العرفان
...
قيل في الآداب أنّها حلية الفقير وزينته ورد في الحديث عن أمّنا الصدّيقة عائشة رضي الله تعالى عنها قولها لمّا سألوها عن خُلقه صلى الله عليه وسلّم ( كان خلقه القرآن ) وهذا القول منها يوافق قوله تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )
لتعلم أنّ جميع الآداب الإسلامية الشرعية والإيمانية والإيقانية والإحسانية كلّها مذكورة في القرآن بأبلغ بيان لقوله تعالى ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) فقد يستغنى عن كلّ قول من الأقوال في زمن من الأزمان إلا القرآن كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم فلا يستغنى عنهما أحد في أي وقت من الأوقات ظاهرا أو باطنا
فإذا علمت أنّ خلقه صلى الله عليه وسلّم كان القرآن فاعلم أنّ أكثر الناس اتباعا للقرآن أكثر الناس آداب في حضرة الرحمان كما قال تعالى ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) في كلّ عمل أو حال أو مقال أو مقام
- فصل في ذكر آداب الأقوال وهو أوّل الأبواب :
اعلم أيّها الطالب أنّ أدب القول أعمّ من أدب الجواب عند السؤال لأنّه يشمل الجواب وغير الجواب إذ قد يكون القول إبتداء كسؤال أو جواب على سؤال أو طلب أو دعاء أو استغاثة أو استفسار ..الخ ..
فشمل القول جميع أفراد عائلة اللسان لأنّ اطلاق معنى القول يراد به الألفاظ المنطوقة عندنا في عالم الظاهر بأي لغة من اللغات سواء لغات بشريّة أو لغات من غير جنس البشر كلغات الملائكة والجنّ وكذلك لغات الحيوان و الجماد متى علمنا أنّ كلّ شيء ناطق في الوجود يعبر عن أحواله بلسانه الخاص به في مرتبة نطقه كقول النملة في أدبها مع سيّدنا سليمان عليه السلام حيث قالت ( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) حيث كانت تلك النملة مكاشفة فعرفت أنّ القادم إلى واد النمل هو سليمان وجنوده كما كان الهدهد صاحب كشف فذهب إلى بلقيس ملكة سبأ يلتمس أخبارها ( فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ )
إلاّ أنّ قول النملة كان أكمل أدب من قول الهدهد حيث كان خطاب النملة فيه الإستكانة والإعتراف بالضعف وقلّة الحيلة بينما خطاب الهدهد فيه تحدّ وعزّة وشهود أعمال فهو قريب من قول العفريت من الجنّ حيث نسب القوّة لنفسه كما نسب الهدهد الإحاطة بشأن بلقيس وخبرها ( فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ )
بخلاف سيّدنا الخضر عليه السلام في حضرة كليم الله تعالى سيدّنا موسى عليه السلام ما نسب العلم بالإحاطة والخبرة لنفسه بل قال ( وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) فلم ينسب العلم ولا الإحاطة لنفسه كما لم ينفها عن سيدنا موسى إلا في الأمر الذي هو بصدده وهذا أكمل من حيث الأدب من قول الهدهد ومن قول النملة وإن كان قول النملة فيه علوم وفهوم ربّما رجعنا إلى ذكر شيء من ذلك إن شاء الله تعالى
لا معنى عموم الأقوال التي قد لا يصدر عنها لفظا ونطقا خارجيا كحديث القلوب والأرواح أو كلام الإشارة والرمز أو كلام العيون فكلّها في الحقيقة أقوال من حيث عمومها وإنّما اختلفت وسائل التعبير فقط بينما عرّف النحاة معنى الكلام كونه لفظا مسموعا أفاد إفادة يحسن للسامع التوقّف عليها ..
لذلك قيل : إنّما جعل اللسان على القلب دليلا .. وقيل : المرء مخبوء تحت لسانه .. لا يهمّ .. الخ
الكلام يخرج بحسب حالة قلب المتكلّم به وعلمه وفهمه وعقله ووقته ومكانه لذلك ورد عن الإمام علي أو غيره رضي الله عنه ( من تكلّم عرفناه من ساعته ) ( ومن سكت عرفناه من يومه ) ولذا قيل ( تكلّم تُعرف ) ومن هنا مدّ أبو حنيفة رضي الله عنه رجليه في القصّة المعروفة ..
قال تعالى : آمرا نبيّه صلى الله عليه وسلّم ليلة أنزل عليه القرآن ( اقْرَأْ ) فكان ردّه ( ما أنا بقارئ ) نهاية الأدب وغايته حيث كان صادقا من حيث الظاهر فهو لا يعرف القراءة إذ ما قال مثلا ( ماذا أقرأ ) فلم يكن فضوليا أو متجسّسا على الحضرة العلية لأنّه لا يعقل أن يسأل من لا يعرف القراءة والكتابة عن ماهية مكتوب أو مسطور أو متلوٍ يُقرأ وهو لا يحسن قراءته ما لو جاؤوه به فكان متجرّدا عن شهود نفسه فكأنّه يشير إلى كون هذا الأمر الجلل يحتاج إلى قارئ وهو ليس بقارئ فاعتذر عن حمل الأمانة بلطيف صدق عبارة حيث توافق الأمر والطلب مع انعدام الشيء عنده فاعتذر من حيث أورد حجّته واصفا حاله بصدقه معتذرا بأدبه
فأعاد عليه ثانية نفس الطلب ( اقْرَأْ ) فقال ثانية ( ما أنا بقارئ ) فكأنه يعتذر بقوله : إذا لم أكن قارئا في عالم البيان فكيف أكون قارئا في عالم القرآن الذي هو حضرة الرحمان فكان جوابه في الحالتين نهاية في الأدب مع الحضرة العليّة
ثمّ قيل له ثالثة ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )
فذكر له كيفيات القراءتين : القراءة الأولى قراءة بالإسم الجامع من حيث الشريعة والقراءة الثانية قراءة بإسمه الرحمان من حيث الحقيقة فجاءه الجواب أنّ المراد ليس تلك القراءة الظاهرة التي وجد مدخلا للاعتذار بانعدامها إذ لو كان المراد تلك القراءة الظاهرة مجردة ما صحّ قوله له ( اقْرَأْ ) مع علمه بعدم قراءته
فمن هنا كان استفتاح الوجود وهو الأدب الأوّل الصادر من سيّد الوجود صلى الله عليه وسلّم حيث لم يخرج منفردا مستقلا بحقيقته المحمّدية بل خرج في حلية وصف كمال العبودية فجاءنا ذلك النور من عند الله تعالى عبدا محضا ورجع إليه عبدا محضا فما علّمنا عليه الصلاة والسلام غير أصول العبودية في العالَمَيْن : عالم البشرية وعالم الخصوصية
من هنا صحّ فرار أهل الله تعالى من تحمّل المسؤولية فما من صاحب سرّ إلاّ وفرّ بل حتّى السماوات والأرض والجبال فرّوا ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) فالإباية والفرار أوّل الآداب ( ما أنا بقارئ ) حيث اعتذر بغاية التلميح في معرض التصريح بكلّ قول فصيح ولطيف لذلك ضمّه جبريل الروح الأمين فصلى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمد كنز الوجود ومحور الشهود وإنسان عين الوجود والسرّ الساري في جميع الوجود وآله وصحبه
يتبع إن شاء الله تعالى ...
قيل في الآداب أنّها حلية الفقير وزينته ورد في الحديث عن أمّنا الصدّيقة عائشة رضي الله تعالى عنها قولها لمّا سألوها عن خُلقه صلى الله عليه وسلّم ( كان خلقه القرآن ) وهذا القول منها يوافق قوله تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )
لتعلم أنّ جميع الآداب الإسلامية الشرعية والإيمانية والإيقانية والإحسانية كلّها مذكورة في القرآن بأبلغ بيان لقوله تعالى ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) فقد يستغنى عن كلّ قول من الأقوال في زمن من الأزمان إلا القرآن كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم فلا يستغنى عنهما أحد في أي وقت من الأوقات ظاهرا أو باطنا
فإذا علمت أنّ خلقه صلى الله عليه وسلّم كان القرآن فاعلم أنّ أكثر الناس اتباعا للقرآن أكثر الناس آداب في حضرة الرحمان كما قال تعالى ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) في كلّ عمل أو حال أو مقال أو مقام
- فصل في ذكر آداب الأقوال وهو أوّل الأبواب :
اعلم أيّها الطالب أنّ أدب القول أعمّ من أدب الجواب عند السؤال لأنّه يشمل الجواب وغير الجواب إذ قد يكون القول إبتداء كسؤال أو جواب على سؤال أو طلب أو دعاء أو استغاثة أو استفسار ..الخ ..
فشمل القول جميع أفراد عائلة اللسان لأنّ اطلاق معنى القول يراد به الألفاظ المنطوقة عندنا في عالم الظاهر بأي لغة من اللغات سواء لغات بشريّة أو لغات من غير جنس البشر كلغات الملائكة والجنّ وكذلك لغات الحيوان و الجماد متى علمنا أنّ كلّ شيء ناطق في الوجود يعبر عن أحواله بلسانه الخاص به في مرتبة نطقه كقول النملة في أدبها مع سيّدنا سليمان عليه السلام حيث قالت ( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) حيث كانت تلك النملة مكاشفة فعرفت أنّ القادم إلى واد النمل هو سليمان وجنوده كما كان الهدهد صاحب كشف فذهب إلى بلقيس ملكة سبأ يلتمس أخبارها ( فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ )
إلاّ أنّ قول النملة كان أكمل أدب من قول الهدهد حيث كان خطاب النملة فيه الإستكانة والإعتراف بالضعف وقلّة الحيلة بينما خطاب الهدهد فيه تحدّ وعزّة وشهود أعمال فهو قريب من قول العفريت من الجنّ حيث نسب القوّة لنفسه كما نسب الهدهد الإحاطة بشأن بلقيس وخبرها ( فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ )
بخلاف سيّدنا الخضر عليه السلام في حضرة كليم الله تعالى سيدّنا موسى عليه السلام ما نسب العلم بالإحاطة والخبرة لنفسه بل قال ( وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) فلم ينسب العلم ولا الإحاطة لنفسه كما لم ينفها عن سيدنا موسى إلا في الأمر الذي هو بصدده وهذا أكمل من حيث الأدب من قول الهدهد ومن قول النملة وإن كان قول النملة فيه علوم وفهوم ربّما رجعنا إلى ذكر شيء من ذلك إن شاء الله تعالى
لا معنى عموم الأقوال التي قد لا يصدر عنها لفظا ونطقا خارجيا كحديث القلوب والأرواح أو كلام الإشارة والرمز أو كلام العيون فكلّها في الحقيقة أقوال من حيث عمومها وإنّما اختلفت وسائل التعبير فقط بينما عرّف النحاة معنى الكلام كونه لفظا مسموعا أفاد إفادة يحسن للسامع التوقّف عليها ..
لذلك قيل : إنّما جعل اللسان على القلب دليلا .. وقيل : المرء مخبوء تحت لسانه .. لا يهمّ .. الخ
الكلام يخرج بحسب حالة قلب المتكلّم به وعلمه وفهمه وعقله ووقته ومكانه لذلك ورد عن الإمام علي أو غيره رضي الله عنه ( من تكلّم عرفناه من ساعته ) ( ومن سكت عرفناه من يومه ) ولذا قيل ( تكلّم تُعرف ) ومن هنا مدّ أبو حنيفة رضي الله عنه رجليه في القصّة المعروفة ..
قال تعالى : آمرا نبيّه صلى الله عليه وسلّم ليلة أنزل عليه القرآن ( اقْرَأْ ) فكان ردّه ( ما أنا بقارئ ) نهاية الأدب وغايته حيث كان صادقا من حيث الظاهر فهو لا يعرف القراءة إذ ما قال مثلا ( ماذا أقرأ ) فلم يكن فضوليا أو متجسّسا على الحضرة العلية لأنّه لا يعقل أن يسأل من لا يعرف القراءة والكتابة عن ماهية مكتوب أو مسطور أو متلوٍ يُقرأ وهو لا يحسن قراءته ما لو جاؤوه به فكان متجرّدا عن شهود نفسه فكأنّه يشير إلى كون هذا الأمر الجلل يحتاج إلى قارئ وهو ليس بقارئ فاعتذر عن حمل الأمانة بلطيف صدق عبارة حيث توافق الأمر والطلب مع انعدام الشيء عنده فاعتذر من حيث أورد حجّته واصفا حاله بصدقه معتذرا بأدبه
فأعاد عليه ثانية نفس الطلب ( اقْرَأْ ) فقال ثانية ( ما أنا بقارئ ) فكأنه يعتذر بقوله : إذا لم أكن قارئا في عالم البيان فكيف أكون قارئا في عالم القرآن الذي هو حضرة الرحمان فكان جوابه في الحالتين نهاية في الأدب مع الحضرة العليّة
ثمّ قيل له ثالثة ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )
فذكر له كيفيات القراءتين : القراءة الأولى قراءة بالإسم الجامع من حيث الشريعة والقراءة الثانية قراءة بإسمه الرحمان من حيث الحقيقة فجاءه الجواب أنّ المراد ليس تلك القراءة الظاهرة التي وجد مدخلا للاعتذار بانعدامها إذ لو كان المراد تلك القراءة الظاهرة مجردة ما صحّ قوله له ( اقْرَأْ ) مع علمه بعدم قراءته
فمن هنا كان استفتاح الوجود وهو الأدب الأوّل الصادر من سيّد الوجود صلى الله عليه وسلّم حيث لم يخرج منفردا مستقلا بحقيقته المحمّدية بل خرج في حلية وصف كمال العبودية فجاءنا ذلك النور من عند الله تعالى عبدا محضا ورجع إليه عبدا محضا فما علّمنا عليه الصلاة والسلام غير أصول العبودية في العالَمَيْن : عالم البشرية وعالم الخصوصية
من هنا صحّ فرار أهل الله تعالى من تحمّل المسؤولية فما من صاحب سرّ إلاّ وفرّ بل حتّى السماوات والأرض والجبال فرّوا ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ) فالإباية والفرار أوّل الآداب ( ما أنا بقارئ ) حيث اعتذر بغاية التلميح في معرض التصريح بكلّ قول فصيح ولطيف لذلك ضمّه جبريل الروح الأمين فصلى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمد كنز الوجود ومحور الشهود وإنسان عين الوجود والسرّ الساري في جميع الوجود وآله وصحبه
يتبع إن شاء الله تعالى ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: البيان في آداب أهل العرفان
فتح الله عليك
محب العارفين- عدد الرسائل : 8
العمر : 52
تاريخ التسجيل : 28/01/2016
مواضيع مماثلة
» اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل العرفان
» آداب التلميذ بين يدي شيخه
» الطّريق كلّه آداب .
» البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي
» أدعية ختم القرآن لأهل العرفان
» آداب التلميذ بين يدي شيخه
» الطّريق كلّه آداب .
» البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي
» أدعية ختم القرآن لأهل العرفان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 13:27 من طرف الطالب
» تصحيح مفاهيم حول مشيخة التربية والإرشاد
اليوم في 9:17 من طرف ابن الطريقة
» شيخ التربية
اليوم في 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
أمس في 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
أمس في 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
أمس في 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس