عاشق الصفاء

بسم الله الرحمان الرحيم


ألا تريد يا ولي الله أن أحدّثك عن رقائق نسيم الصبا , في عالم الصفاء , هناك يتجلّى الحال اليوسفي بجماله , ورقّة خصاله , ( يوسف أيّها الصدّيق ) إنّها البراءة اليوسفية الخالدة حتّى أضحت تلك الصورة متجسّدة في ظاهرها فكان الظاهر عين الباطن والباطن عين الظاهر لأنّه متّحد جمالي , وبالجمال بزغت شمس الوجود

الصافي يحبّ , ويُحَبّ , فهذه علامته , وهذا سلطانه , الصافي يعفو عنك قبل أن تعتذر إليه , الصافي من يراك في صورة جماله , فلا يقع في نظره منك غير مكامن جمالك , يراك بأعين كثيرة لكنّها كلّها أعين جمالية , الصافي صاحب قلب خالد لا يموت بل يتنزّه عن الموت , ويحرم عليه النوم , الصافي يرى كلّ شيء ولا يُرى منه شيء , الصافي يفطم منذ صغره عن الرضاع من غير حضرة مولاه , الصافي لا يدخل الكون ولا يدخل فيه الكون , الصافي مدلّل , جميل , صدّيق , الصافي بدايته من حيث إنتهائك , الصافي صاحب عشق جميل منزّه عن كلّ شيء , الصافي أذكى خلق الله , لا يجاريه أحد في ذكائه , الصافي يتفتّت كبده من البلاء , الصافي لا يرى فيك ولا يعنيه غير باطنك , الصافي تخجل الورود من طيب جماله , الصافي يغلب جماله عليه حتّى تعشقه غصبا , الصافي غالب ليس مغلوبا , الصافي مبتلى دائما وأبدا , الصافي كلّما علا في صفائه كلّما صغر في سنّه , فكم من شيخ كبير تراه في باطنه طفل بريء , الصافي يعشق الجمال في كلّ شيء , الصافي رقيق القلب إلى درجة الذهول , الصافي كلّه رحمة بل أين الرحمة منه , الصافي أنشودة متلوّة بغناء الحور , الصافي معشوق حور العين , وسيّد الولدان المخلّدون , الصافي روح الأكوان , بل روح الروح في الأعيان , الصافي لا يتحمّل أحدا ولا يتحمّله أحد , الصافي مثل الشجرة الطيّبة , أصلها ثابت بالوفاء , وفرعها عاليا بالطهر والنقاء , الصافي خدشه مثل قتله , الصافي يغلب عليه محبّته لإخوته وأبويه , فهو قائدهم وحامل شؤونهم ومعاناتهم , الصافي عالمه علوي أزلا وأبدا , الصافي يسجن وهذا بابه , وهي علامة ملكه , عبارة خروجه من سجن الدنيا إلى ملك الآخرة , الصافي كعبة العارفين يطوفون حولها , بل يسجدون لها , الصافي محسود كما حسد إبليس آدم فما سجد والملائكة سجدت , فلا بدّ من شيطان من العارفين يأبى السجود , الصافي تراه في عينيه يخبرك بكلّ ما تسأل عنه لصفاء فؤاده , الصافي أمنيته سعادة العالم , الصافي لا يدخل الجنّة إلاّ بعد أحبابه , الصافي يخدم ولا يُخدم , يحبّ الخدمة أكثر ممّا يحبّ جماله , الصافي نواياه الجميلة عجزت الملائكة عن كتابة أجرها , الصافي حبيب الملائكة , الصافي لا يعرف غير النور فلو خرج منه مات في الحين , الصافي غريب جدّا , لا يفهم أحدا ولا يفهمه أحد , غريب في نفسه عن نفسه , الصافي صاحب فهم قبل أن يكون صاحب علم , الصافي نشيد الوصل , وقصيد الطرب , الصافي تتجاذبه حضرات ثلاث : جمال يوسفي , وحال عيسوي , وعلم إدريسي , الصافي لا يجاريه أحد الكلام في علوم الجمال , الصافي رقيق الجسم والقلب والروح , الصافي بريء , مهما عصى وفعل ( افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) الصافي فقير له اليتم العام , الصافي يعيش بغير تفكير , ولا تدبير , الصافي تتولّاه الحضرة فلا سلطان عليه من أحد , الصافي يعرف أهل الصفاء من نظرة واحدة , أو من سطر مكتوب , أو من أثر من آثاره , لأنّها داره , الصافي كثير البكاء القلبي ويستحي أن يبكي أمام الناس , فيبدّل بكاءه بالبسمة , الصافي لا يرى إلاّ بقلبه , الصافي محكوم عليه بأحكام الحزن الكلّي ,

الصافي حبيبي , ومحلّ سوادي من عيني , بل هو كلّي وذاتي وصفاتي , الصافي أقاتل عنه بسيفين , الصافي كريم سخيّ تسبق يده الأيادي , وقلبه القلوب , الصافي مصلح دأبه الإصلاح , الصافي يأمل الخير لمن لا يستحقّه , يتصدّق بذاته ويجود بجميع صفاته , وقد تصدّق النوري بروحه في المحنة في قصّة الجنيد مع الخليفة , الصافي يرى كلّ العالم صافيا , الصافي أوّل من يعاديه أهله وخلاّنه , الصافي محكوم عليه بالغربة والسفر , وكان سيدي محي الدين من أهل الصفاء رضي الله عنه , فهو حبيبي وقرّة عيني وسيّدي في الدنيا والآخرة , وكان سيدي علي وفا من أهل الصفاء , وجميع أهل الله تعالى , لكن بينهم فوارق , وهذا سيدي أبو العبّاس المرسي حبيبي فهو روحي , فيا أبا العبّاس لو تدري كم أحببتك , وكذلك كلّ وليّ فهم نفَسي , الصافي لا دخل لشيخ فيه , لأنّه خديم الشيوخ , الصافي نظرته كليّة , لا يأخذ العمل بنقصان , الصافي يجمعك بربّك بكلمة منه , الصافي يسبق نوره كلامه على شرط الجمال , كي يؤنسك فلا أنيس لك غير الجمال لذا يأتي عملك في القبر على صورة حسنة , الصافي يكفله الأولياء ولا دخل لهم فيه , وكان هذا حال الشيخ الأكبر , الصافي يعرف مقامه منذ صغره , لذا أمر الشيخ محمد وفا بإبنه إلى حين بلوغه ليأخذ مقامه , وقد أوصى الشيخ الفشتالي لصاحب الإبريز بالحذاء , الصافي مغلوب على أمره , ترى هذا في وجهه , الصافي مغيّب مقامه , الصافي يحبّ الأولياء كثيرا , الصافي منفرد في زمانه , ولا يظهر مقامه إلاّ عند ملكه .....