كيف بأمّة جهلت جهلين ...

بسم الله الرحمان الرحيم
وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله وصحبه

في عرف العقلاء : العلم والجهل لا يقاسان بغير مقياس النور والظلمة فالعالم يُعرف بالنّور وكذلك الجاهل يُعرف بالظلمة وقد عرّف ساداتنا رضي الله عنهم العلم بأنّه معرفة الشيء كما هو عليه في نفسه من غير زيادة ولا نقصان وهو المرموز إليه بعلم حقيقة الشيء مهما كان هذا الشيء ظاهرا أو باطنا علويّا أو سفليّا في مختلف مراتب حقيقة الإنسان من حيث العقل والقلب والروح

هذا كي تعلم يقينا أنّ أوّل فعل فعله إبليس لعنه الله تعالى هو فعل الوسوسة لمّا وسوس لآدم بالأكل من الشجرة وأنّ تلك الوسوسة محلّها من المراتب مرتبة القلب , فكان القلب ساحة المنازعة والمنازلة فيما بينك وبين إبليس لعنه الله تعالى أو تقول المنازلة بين النور والظلمة وقد أشارت الكثير من الآيات تصريحا وإشارة إلى ذلك وكذلك الكثير من الأحاديث النبويّة كقوله عليه الصلاة والسلام ( أنّ الشيطان واضع منخره على قلب الإنسان يوسوس متى غفل عن ذكر الله تعالى ويخنس متى ذكر العبد ربّه ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام ومن هنا أمر القرآن بذكر الله تعالى وحثّ عليه كثيرا وكذلك الأحاديث النبوية

فإنّ الحدّ الفاصل بين النور والظلمة هو ذكر الله تعالى من عدمه وهو مقياس العلم والجهل , فإنّ حقيقة العلم هو النور وحقيقة الجهل هي الظلمة فالنور والظلمة مستواهما القلب التي هي أوسط المراتب لذا قسّم ساداتنا العلوم إلى قسمين : علوم الظاهر وعلوم الباطن , فعلوم الظاهر شرطها القراءة والبحث والمقارنة والتحصيل والسؤال ولا يتوقّف هذا الشرط على دين ولا ثقافة ولا اعتقاد ولا ملّة بل جميع الخلق مستوون في هذا وهو علم البحث في الدلائل مهما كانت تلك الدلائل دنيوية أو عقائدية

أمّا علوم الباطن فشرطها بعد الإيمان هو ذكر الله تعالى الذي هو كمقدّمة لما بعده من أحوال ومقامات نورانية علمية فمتى رمت البحث عن المصنوعات فما عليك إلاّ بالبحث عند أصحاب البحوث والمقدّمات والنتائج ومتى رمت البحث عن الصانع فما عليك إلا بالبحث عند أهل ذكر الله تعالى لقول الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه ( سبحان من لم يجعل الدليل عليه إلاّ من حيث الدليل على أوليائه , ولم يوصل إليهم إلاّ من أراد أن يوصله إليه ) فجعلهم باب الحضرة الإلهية وهذا هو شرط العلم الباطن أخذه عن أهله فهو سيّان كعلم الظاهر يؤخذ عن أهله فهؤلاء يعلّمونك ذكر الله تعالى وأهل الظاهر يعلّمونك ممّا حصّلوه ...

فقل لي : كيف بأمّة فقدت الأمرين وجهلت الجهلين فلا صلحت للدنيا ولا للدين فكيف تقود الأمم إنّ هذا لعجب عجاب أن يتصوّره مخلوق عاقل ...

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
			1	2	3	4
5	6	7	8	9	10	11
12	13	14	15	16	17	18
19	20	21	22	23	24	25
26	27	28	29	30	31