الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
مذاقات من بحر وحي المناجاة
صفحة 3 من اصل 3 • 1, 2, 3
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
دأب المريد الصادق والعارف الواصل دوام الحضور مع المذكور في كل لمحة وحين لا يشغله عنه شاغل ولا يبعده منه مانع لذلك ذكر المؤلف رضي الله عنه هنا مسألتين الأولى تتعلق بالإشتغال عن الله بما سواه والثانية البعد عن قربه ورضاهفَأعِذْنِي مِنْ كلِّ مَا يُشْغِلُنِي عَنْكَ وَيُبْعِدنِي مِنْكَ
الإستعاذة من كل ما يشغله عنه أي من السوى مهما كان هذا السوى علويا أو دنيويا لأن السوى شيطان المريد القاطع وهو فتنته الكبرى الذي يشغله عن ربه مناط الغفلة قال سيدنا موسى عليه السلام لما استعجل القدوم على ربه لمكالمته { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } فذكر سبب الإستعجال بغية نوال الرضا
قال في الحكمة العطائية ( ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة : الذي تطلب أمامك ولا تبرجت له ظواهر المكونات إلا ونادته حقائقها : { إنما نحن فتنة فلا تكفر } )
أما الإستعاذة من كل ما يبعده عنه أي ما يبعده عنه من المعاصي الظاهرة والباطنة كونها طريق البعد كما ورد في صفة البخيل ( ... والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ) لأن صفة البخل على سبيل المثال تبعد العبد وتطيل عليه طريق القصد والقدوم نحو حضرة ربه
يمكن القول أن الإشتغال عن الله بما سواه سببه القواطع بينما البعد عنه سببه الموانع لأن طريق الإرادة فيه قواطع وموانع والقاطع هو الذي يقطع عن المريد سيره وحضوره مع ربه { رجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ }
ومن جنس هذا ما ورد في قصة سيدنا سليمان عليه السلام كما قال تعالى { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ }
أما المانع هو الذي يمنعه من التوجه إلى حضرة ربه من الأمور اللاهية الدنيوية قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ } فتجد هموم كثير من العباد في هذا الزمان الزوجة والأولاد والمال وتحصيل الدنيا والجاه وليس له عن دين الله وطريقه خبر لا علما ولا عملا ..
..
علي- عدد الرسائل : 1131
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
بعد أن عبّر المؤلف رضي الله عنه عن أحواله الإيمانية ومشاهداته الربانية فيما سبق من المناجاة من مشارب الحقيقة رجع في هذه الفقرة إلى سؤال تثبيته على آداب وحقوق الشريعة إذ كل حقيقة لا تشهد لها شريعة فهي باطلة لا اعتداد بهاوَسَيِّرنِي فِي منْهَاجِ شَرِيعَتكَ الأقْوَمِ
قال الجنيد إمام الطائفة رحمه الله تعالى ( من لم يحفظ كتاب الله ويكتب حديث رسول الله لا يقتدى به في طريق القوم ) أي من لم يكن واقفا عند حدود الشريعة متأدبا بآدابها لا يقتدى به في طريق السالكين مهما ادعى الوصول أو لبس لباس القوم لأن المعوّل عليه عند الطائفة أن الإمام القدوة يكون جامعا بين الشريعة والحقيقة ظاهره شريعة وباطنه حقيقة { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ }
لذلك دعا المؤلف رضي الله عنه ربه بأن يسيّره في منهاج شريعته الأقوم
قوله الأقوم يحتمل معنيين :
-الأول أن شريعة الله تعالى التي ارتضى لعباده في الأرض هي المنهاج القويم فلا منهاج من الأحكام الوضعية الأخرى يمكن أن يكون أقوم منها في باب العبادات والمعاملات والحدود في كل زمان ومكان
- الثاني : الأقوم : أي أقوم المناهج الشرعية متى علمت وسع الفقه الإسلامي وتنوّع مذاهبه فسأل أقوم الأحكام وروح المقاصد من باب { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ }
من دعائه عليه الصلاة السلام ( واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ) فكان خلقه القرآن استجابة لدعائه صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } أي شريعة وحقيقة
وقوله رضي الله عنه ( سيّرني ) من التسيير وهو السير على النهج القويم مصدره السيرة أي اجعل سيرتي على نهج سيرته عليه الصلاة والسلام قال الأستاذ رضي الله عنه في بعض مذاكراته " اللهم كما علمتنا السيرة فعلمنا المسيرة " يريد بذلك أنه كما علمتنا علوم سيرته المحمدية الظاهرية في باب العبادات والمعاملات علمنا مسيرته القلبية في باب المعارج والمشاهدات
( سيّرني ) طلب التسيير لئلا يدعي أنه قادر على تسيير نفسه بنفسه على منهاج الشريعة الأقوم من غير هداية ربه وتوفيقه له لأنه كألة الله محركها دليل الفناء في ربه والغيبة عما سواه فلا ينسب إليها حولا ولا قوة ولا غنى علامة الصدق في توحيد المولى وذلك غاية المنى ..
..
..
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
عمتم مساءً وطابت أوقاتكم بالخير والسعادة والهناء
بارك الله فيكم وزادكم نورا ويقينا وعرفان، ممتاز وأكثر من روعة وهذا هو المطلوب منا معشر المريدين الصادقين ،( رأيت القوم قد شدوا رحالهم *** إلى بحرك الطامي أتيت بجرتي ) رأيت برئيتي البسيطة والمتواضعة أن أنتشق من ريحان وارداتكم فأقول من الله أستمد الحول والطول، ، إلاهي بعد كثرة الذكر والتوكل على الله والإنقطاع إليه يستسيغ الذاكر حلاوة الذكر ويتبين له أفاق الأنس أثناء الذكر يقول الإمام العلاوي رضي الله عنه ( وبتشخيص الإسم ترتحل الغفلة، ). وبداية خذلان النفس الغفلة عن كبح حظوظها وشهواتها
ابو اسامة- عدد الرسائل : 527
العمر : 74
الموقع : الرّديف
العمل/الترفيه : متقاعد cpg
المزاج : عادي
تاريخ التسجيل : 21/02/2009
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
ابو اسامة كتب:السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته،
عمتم مساءً وطابت أوقاتكم بالخير والسعادة والهناء
بارك الله فيكم وزادكم نورا ويقينا وعرفان، ممتاز وأكثر من روعة وهذا هو المطلوب منا معشر المريدين الصادقين ،( رأيت القوم قد شدوا رحالهم *** إلى بحرك الطامي أتيت بجرتي ) رأيت برئيتي البسيطة والمتواضعة أن أنتشق من ريحان وارداتكم فأقول من الله أستمد الحول والطول، ، إلاهي بعد كثرة الذكر والتوكل على الله والإنقطاع إليه يستسيغ الذاكر حلاوة الذكر ويتبين له أفاق الأنس أثناء الذكر يقول الإمام العلاوي رضي الله عنه ( وبتشخيص الإسم ترتحل الغفلة، ). وبداية خذلان النفس الغفلة عن كبح حظوظها وشهواتها
أسعدني مروركم سيدي الكريم جزاكم الله خيرا وبارك فيكم عل حسن ظنكم ونفعنا بكم
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
اللباس ما يلبس في العادة من الثيابوَألبسْنِي أعْظَم حلَّةٍ مِنْ نورِكَ الأعزِّ الأعْظَمِ
وهو هنا ما يكون من الهيبة والنور والحال الرباني للظاهر المرئي أكثر منه للباطن المخفي قال تعالى { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } قيل هو العمل الصالح وقيل هو الإيمان..
لأن العبد متى أصلح الله له باطنه وزينّه ألبسه بعد ذلك حلة النور في ظاهره كما ورد في الأثر ( جالسوا من تذكركم بالله رؤيته ) لأن العبد الرباني من تذكرك بالله مجرد رؤيته
لذلك قال الشاعر ( متى أراهم وأنى لي برؤيتهم *** أو تسمع الأذن مني عنهم خبرا ) وقال غيره ( متى يا كرام الحي عيني تراكم *** وأسمع من تلك الديار نداكم )
لذلك يعتني أهل الله بداية باصلاح بواطنهم وعمارة قلوبهم حتى يخرج ذلك على ظواهرهم فتذكرنا بالله رؤيتهم لذا عبّر المؤلف رضي الله عنه هنا بقوله ( وَألبسْنِي ) دون ( أوهبني ) أو ( اكسني ) كما جاء في الجزء الرابع من المناجاة وهو قوله رضي الله عنه ( فَأوْهبْني يَا وَهَّابُ أعْظَمَ حلَّة كَسَوتَهَا لأهْلِ النِّسْبَةِ الإلاهِيَّةِ الطَّاهِرَة ) لأن اللباس يعطي معنى ظهور النور على العارف المبرور بخلاف الوهب أو الكساء قد يكون ظهوره خاصا بين قوم مخصوصين ..
لأنه بعد أن سأل السير على منهاج الشريعة الأقوم دعا بما يتناسب مع تلك المرتبة في عالم الظهور في وصف الدعوة والإمامة لذلك سأل أعظم حلة من النور الإلهي الأعز الأعظم وهي حلة الدلالة على الله ظاهرا وباطنا
قال تعالى في حق سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا }
سراجا منيرا ينير على كافة الخلق برهم وفاجرهم كونه الهادي إلى صراط الله المستقيم إذ لا يخلو الداعي الرباني من حلة يلبسها الله تعالى اياه يظهر فيها
كون العارف الكامل لا يخرج إلا في عالم البقاء بعد سحقه ومحقه ومحوه في عالم الفناء فيخرج نورا من جملة أنوار الله في الوجود يكون دالا عليه موصلا المقبلين الطالبين إليه
قال سيدي بن عطاء رحمه الله في حكمه ( سُبْحانَ مَنْ لَمْ يَجْعلِ الدَّليلَ على أولياؤِه إلا مِنْ حَيثُ الدَّليلِ عَلَيهِ وَلمْ يوصِلْ إليهمْ إلا مَنْ أراد أَنْ يوصِلَهُ إليهِ )
لكن لما علم ما يستوجبه هذا المقام الفخيم من ضرورة التمكين سأل سؤال المضطرين :
ومَكِّنِّي فِي تَلَوينِ تَجَلِّيَّات الأسْمَاءِ والصِّفَاتِ حَتَّى لا تَقَعَ عَيْنِي إلا عَنْ ذَاتِ الذَّاتِ وَغَيِّبْنِي فِيهَا بِكَ عَنْهَا
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
إلياس بلكا- عدد الرسائل : 48
العمر : 55
تاريخ التسجيل : 15/05/2015
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
ومَكِّنِّي فِي تَلَوينِ تَجَلِّيَّات الأسْمَاءِ والصِّفَاتِ حَتَّى لا تَقَعَ عَيْنِي إلا عَنْ ذَاتِ الذَّاتِ وَغَيِّبْنِي فِيهَا بِكَ عَنْهَا
سأل المؤلف رضي الله عنه هنا تمكينه عند شهود تلوين تجليات الأسماء والصفات الإلهية حتى يبقى ثابت القدم في حضرة القدم فلا تزل قدم بعد ثبوتها لأن كمال معرفة العارف {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} أصلها ثابت في أرض العبودية بينما فرعها في سماء الخصوصية فالتلوين في الشاهد كَلَوْحَيْ محو واثبات لتغيرهما وعدم ثبوتهما على نسق واحد ولا مشهد واحد لقوله تعالى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }
لذلك تجد العارف ينتظر ما تتجلى به الحضرة الإلهية عليه وعلى العالم في كل يوم وساعة وثانية فيستقبل ذلك بالرضا والقبول مع ما يستوجه كل تجل من أدب في وقته لأن لكل تجلّ أدب مخصوص فإن أصابت المؤمن سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر فهو دائم الحضور مع المذكور لا يغفل عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك وهذا مقام التمكين في المراقبة الذي هو شطر الإحسان متى علمت أن مقام الإحسان أو قل العرفان نصفه مشاهدة ونصفه الثاني مراقبة فالمشاهدة لرؤية نور الجمال بينما المراقبة للأدب مع حضرةالجلال
في هذا المنعرج سقط إبليس لعنه الله تعالى حيث قابل الجلال الإلهي بجلال نفسي لغفلته عن مقام المراقبة وما يستوجبه من أدب { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } بينما قابل آدم وزوجه حواء عليهما السلام الجلال بالجمال { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
لأن غاية العارف أن لا يجهل ربه في شيء فيراه قبل كل شيء وعند كل شيء وبعد كل شيء فلا ينازع مولاه في صورة تجلى بها إلا بما شرّعه وأمر به لأن شريعته لا تخالف الحقيقة بل تحفظها وتصونها
لذا كان التلوين مقام السائرين من المريدين غالبا فقلما يتمكن السالك إلا بعد كماله بينماالتمكين مقام الواصلين فمهما تلونت تجليات الأسماء والصفات فهو متمكن في شهود ذات المتجلي بها لذا قال ( حَتَّى لا تَقَعَ عَيْنِي إلا عَنْ ذَاتِ الذَّاتِ ) لكون أهل التمكين يشهدون كل شيء من الله وإليه فهم في شهود بحر الذات
قال إمام أهل التمكين عليه الصلاة والسلام ( اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمُعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك أنت كماأثنيتَ على نفسك ) فقوله ( وأعوذ بك منك ) واضح في بابه
لأن الأسماء والصفات الإلهية منها صفات جمالية وأخرى جلالية فالجمالية للتخلق والجلالية للتعلق فلا ينحجب المتمكن بصفة عن أخرى ولا بمشهد عن آخر {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ } خشية أن { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا}
ثم دعا ( وَغَيِّبْنِي فِيهَا بِكَ عَنْهَا ) يحتمل هذا الدعاء أكثر من مراد هل يعود على الذات أو على تجليات الأسماء والصفات لكن الظاهر أنه يريد الغيبة عن تلوين تجليات الأسماء والصفات بشهود بحر الذات لقوله قبل هذا( حَتَّى لا تَقَعَ عَيْنِي إلا عَنْ ذَاتِ الذَّاتِ )
باعتبار أن الصفات عند العارفين من أهل الشهود واليقين لا تفارق موصوفها بحال فهي عينها في الحقيقة فمن هذا الوجه يمكن اطلاق كونها حجاب الذات الأعظم فهي كذات من هذا الوجه لأن الصفة لا تفارق الموصوف أبدا فحيثما ثم الذات كانت معها الصفات لذا ذكر الغاية ( حَتَّى لا تَقَعَ عَيْنِي إلا عَنْ ذَاتِ الذَّاتِ ) أي بحر شهود الذات وهذا ما دعاه لطلب ( وَغَيِّبْنِي فِيهَا بِكَ عَنْهَا ) أي برجوع تلك الأسماء والصفات إلى بحر الذات باعتبار العارف عند فنائه يفنى بداية عن الأكوان التي هو من جملتها ثم يفنى عن نفسه في ذات الرحمان
قلت :
صار مبحث بين الإخوان في هذا السطر من المناجاة فليراجع
لكن خلاصة القول أنه سأل التمكين في بحر شهود الذات في كل تلوين من تلوينات الأسماء والصفات وهو المعبر عنه بالتمكين في التلوين لأن العبرة من الألفاظ بمقاصد معانيها فمتى أوتيت المعنى كان اللفظ لك فحجتك معك
لأن الغاية بالنهاية هو ما عبر عنه في دعائه وسأله من مولاه وسنأتي عليه :
وَتَولَّنِي منك بالحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ وَالتَّأييدِ وَالتَّمْكِينِ وَأنْتَ تَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ يَا رَبَّ العَالَِمِين.
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
محمد, بلقيس و ابن الطريقة يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
وهذا من التمكن في التجليات
أحسن الله إليك حاضرا وغائبا
أبو أويس- عدد الرسائل : 1576
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
محمد يعجبه هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
أبو أويس كتب:في استئنافك للموضوع أفرحتنا وأنعشت المنتدى بمذاقاتك اللطيفة فكانك لم تغادره ولم تغب عما بدأته.
وهذا من التمكن في التجليات
أحسن الله إليك حاضرا وغائبا
ربنا يبارك فيكم سيدي الفاضل
دائما تشجعون فقراء شيخنا اسماعيل رحمه الله تعالى والصوفية عامة على التواصل والتآلف والبذل والعطاء من باب ما لا يدرك كله لا يترك جله جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
سأل المؤلف ربه أن يتولاه اذ لا يطلب التولي من غيره لأن ربه يتولى الصالحين فهو مولاه الذي يتولى أحبابه ظاهرا وباطنا في الدنيا والآخرة سواء من سائر رسله وأنبيائه أو كافة أوليائه العارفين والمؤمنين الصادقين لقوله تعالى {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}وَتَولَّنِي منك بالحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ وَالتَّأييدِ وَالتَّمْكِينِ وَأنْتَ تَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ يَا رَبَّ العَالَِمِين.
لأن الله تعالى متى تولى عبدا من عبيده كفاه شر نفسه بداية فحفظه من شرورها فيحفظ له صدق ايمانه ونور ايقانه ومشاهدات احسانه لأن حقيقة الحفظ هو الحفظ من السلب بعد العطاء لكون العصمة للأنبياء بينما الحفظ للأولياء فالحفظ لدى أولياء الله كالعصمة عند الأنبياء عليهم جميعا السلام
لذا كان حريا بالمؤلف أن يسأل ربه الحفظ بداية ونهاية ظاهرا وباطنا لأنه منطلق كل خير فمن لا حفظ له لا رعاية له ولا تأييد ولا تمكين قال تعالى في حق خدم سيدنا سليمان من الإنس والجن وحتى الشياطين { وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } فالحفظ مقدم على التمكين فلا تمكين من دون حفظ
الحفظ بداية من الوقوع في المعاصي الظاهرة حتى يحافظ المؤمن الصادق على جناب الشريعة المحمدية المقدسة فلا يتأول المحرمات ليجد لها فتوى إلى المباحات لأن الحلال بيّن والحرام بيّن ثم الحفظ توسطا من المعاصي الباطنة التي هي من عظائم المهلكات كالحسد والحقد والدعوى والشطح النفسي فما سقط من سقط إلا من باب المعاصي الباطنة على وجه الخصوص وهذا من معنى السقوط والإرتداد والخلود إلى الأرض
لأن العبد قد لا يتلبس بالمعاصي الظاهرة خشية سقوط حرمته في أعين الناس بينما قد تجده متلبسا بالآثام الباطنة لكون الخلق لا يطلعون عليها غالبا فهي في الشاهد معاصي فيما بينه وبين ربه أي لا يراها غير ربه فيه أو ممن كاشفه الله تعالى بها من المشايخ المربين قصد تزكية المتلبس بها وتطهيره منها لا بقصد الفضيحة وهتك أسرار العباد
لذا قال في القصيدة ( عيبا بدا لكنه استترا ) أي مهما كان باديا عند أهل التربية من العارفين فهو مستور بستر رب العالمين لا يجوز كشفه بحال للناس فأهل التربية أمناء على أسرار الخلق لقوله عليه الصلاة والسلام ( من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة )
لذلك قالوا أن العارف لا يكون عارفا حتى يتخلق بإسمه تعالى الستّير وهو المبالغة في الستر أي ستر عيوب الناس ومعاصيهم وذنوبهم وكل المذام منهم ما لم يجاهروا بها لأن المجاهر ينسحب عليه حكم الفسق فهو فاسق بخلاف ساتر نفسه الذي يرجو من ربه أن يستره ولا يفضحه قال في الحكمة العطائية ( من أكرمك إنما أكرم فيك جميل ستره فالحمد لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك )
ثم الحفظ نهاية من شهود السوى والرجوع إلى الخواطر لأن حضور الواصلين هو الإستغراق في شهود بحر الذات فلا حفظ أعلى من حفظ الأوقات على العارف
فالحفظ بداية هو حفظ الإيمان ولوازمه ثم ستر العبد من الفضيحة لأنه يدخل في معنى الحفظ لذا قال قائل القوم " لو علم الناس بذنوبي لرجموني بالحجارة " فكل الخلق يشملهم هذا الستر بعد معافسة الذنوب عدا الأنبياء والمرسلين كونهم معصومين عليهم السلام كالملائكة الكرام لقوله عليه الصلاة والسلام ( كلُّ بني آدم خَطَّاءٌوخيرُ الخَطَّائِينَ التوابون )
فكل ابن آدم خطاء مهما كان محفوظا لنزول الحفظ عن درجة العصمة فالحفظ وإن كان يقتبس من نور العصمة إلا أنه لا يصل إلى مستواها فالفرق بين العصمة والحفظ ( في باب اقتراف الآثام والأخطاء ) كالفرق بين النبي والولي
ثم حفظ الأبدان والأموال والأولاد وكل من يلوذ بالمحفوظ وهو حفظ مصالحه في معاشه بعد حفظ الدين لأن المنتسبين للمحفوظ يشملهم فعل الحفظ الإلهي لهم فإذا حفظ الله شيخا عارفا مربيا فهو يحفظ مريديه الصادقين في حياته وبعد وفاته أما الكاذبين فلا عهد لحفظهم وهو ما نبهت الحضرة الإلهية عليه سيدنا الخليل ابراهيم عليه السلام { قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }
لأنه لا أنساب بين الله تعالى وبين خلقه إلا نسبة التقوى { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
لذا لا تعجب من سائل يلح في سؤال الحفظ له ولمن يلوذ بحماه لما للحفظ من عماد تبنى عليه أركان ما سأله المؤلف بعد ذلك من :
لأن المحفوظ الذي تولاه ربه يكون دائما في رعاية دائبة ومعنى الرعاية أي عين الله التي لا تنام تلحظه بالنماء والترقي المستمر في كل وقت وحين ومن هنا ورد أنه ما من نبي إلا ورعى الأغنام لما في معنى الرعاية من تعاهد حتى لا تشط أو تضل أو تنحدر فلا يمكن لعين أن ترعاك مثل عين مولاك الذي تولاك لأن الرعاية الربانية إذا شملتك تهديك للأقوم ظاهرا وباطنا حسا ومعنى حتى تتخلق بمدد تلك الصفة الإلهية { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }الرعاية والتأييد والتمكين
لكن مهما كان الحفظ الإلهي والرعاية الربانية كفيلين بفلاح العبد وصلاحه ونجاحه إلا أنه في مجال الوظائف الدينية والكونية على حد سواء يحتاج العبد فيه إلى تأييد الهي خاص لأن العبد في كثير من أحيانه يحتار أو يعجز أو يحزن أو يضعف فيأتيه مدد التأييد في كل وقت وحين حتى لا يفشل أو ينهزم
لذا تشهد وقائع من التأييدات تحدث عنها القرآن الكريم منها قوله تعالى في حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا }
وفي حق سيدنا عيسى عليه السلام {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ }
وفي تأييد أهل الإيمان { فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } فالتأييد في اللغة هو المساعدة والدعم للتثبيت والتقوية
بيد أن هذه الثلاثة الحفظ والرعاية والتأييد سبيل مستقيم إلى التمكين والتمكين هنا ليس ما ذكر أعلاه من التمكين في شهود بحر نور الذات لئلا يحجب العبد بأنوار التجليات عن شهود ذات الذات فحسب إنما هو التمكين في عالم البقاء وذلك بالدلالة على المولى في عالم الخلافة الربانية والمتمكنون أصنافهم ثلاثة في مجال الدين :
- تمكين علماء الشريعة
- تمكين شيوخ التربية
- تمكين شيوخ التصريف
تجمعهم آية قوله تعالى :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }
وباعتبار أن المؤلف رضي الله عنه كان من شيوخ العلم الأفذاذ وشيوخ التربية الكبار سأل ربه بعد أن أوصله إليه وعرفه به وأدناه منه وقربه أن يتولاه بحفظه في دينه ودنياه ورعايته في حله وترحاله وتأييده بسطوع برهانه وجنود احسانه ثم تمكينه في أرض الخلافة ليكون دالا عليه قالا وحالا ظاهرا وباطنا لسان حاله يتلو :
{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }
لذا ختم بقوله:
لأن استدعاء معنى الصلاح له منحى قلبي بحت بالأساس لما ورد في الحديث النبوي ( ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةًإذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألا وهي القَلْبُ )وَأنْتَ تَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ يَا رَبَّ العَالَِمِين.
لذا انتقل عند سؤاله وطلبه من مولاه الذي تولاه بيان علاقة القلوب بربها من حيث تصريفه فيها كما يشاء فقال في استفتاج بيان علاقة القلوب بربها :
إلاهـــي أنْتَ الآخِذُ بِنَواصِي القُلوبِ إليْكَ أمْرهَا وَبيَدِكَ أزِمَّتهَا
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس و نور على نور يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
ودندن لنا باسم الحبيب وروحنا
فقد أوتيت ما لم ينله الكثير منا...
رعاك الله سيدي
أبو أويس- عدد الرسائل : 1576
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
محمد و بلقيس يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
بارك الله فيكم سيدي وحفظكمأبو أويس كتب:الله الله
ودندن لنا باسم الحبيب وروحنا
فقد أوتيت ما لم ينله الكثير منا...
رعاك الله سيدي
قال شاعر القوم :
ﻋﻬﺪﻱ ﺑﺄﺣﺒﺎﺏ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﺗـــــﻬﻢ *** ﺇﻻ ﻭﻻﺡ ﻟﻌــﻴﻨــﻲ ﻧــــــﻮﺭ ﺣــــﻴــﻬــﻢ
ﻟﻜﻦ ﻳﻄﻴﺐ ﻗﻠﺒﻲ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺒﻠــــــــــــﻮﺍ *** ﺍﺳﻤﻲ ﺑﺪﻳﻮﺍﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻫـــﻞ ﺣﺒـــــــﻬﻢ
ﻫﻢ ﻋﻠﻤﻮﻧﻲ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺍﻋﻠﻤﻪ *** ﻳﺎ ﻻﺋﻤﻲ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﻛﻴﻒ ﺷﺌــﺖ ﻟـــــــﻢ
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس يعجبه هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
تمهيد :إلاهـــي أنْتَ الآخِذُ بِنَواصِي القُلوبِ إليْكَ أمْرهَا وَبيَدِكَ أزِمَّتهَا فَأوْفِرْ حَظَّ قَلْبِي مِنْ مَحَبَّتِكَ الخَالِصَةِ مِنْ شَوَائبِ العِلَلِ حََتَّى لا يَكونَ لَه أنْسٌ إلا بِكَ وَلا رَاحَة الاّ فِي تَجَلِّيكَ عَليْهِ وَتَعَرفَكَ اليْهِ وَاجْعِلِ اللَّهمَّ سكْنَاه في سرَادِقَات عِــزِّ الأنْسِ بِكَ والتَّمَتعِ بِلَذَّةِ شُهودِ سَنَاكَ وَاسْقِه مِنْ مَنَاهِل مَعَالِمِ المَعَارِفِ اللَّدنِيَّة العَذْبَة عَلَلا ًحَتَّى يَكونَ منْبَعًا فَيَّاضًا بِكلِّ ضروبِ الحِكْمَةِ وصُنوفِ العِلْمِ يَا عَزِيزُ يَا وَهَّابْ.
القلوب مرتبة وسطية بين العقل والروح وعلى القلب نزل القرآن الكريم قال تعالى {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } لكون المرتبة القلبية مرتبة نذارة قبل كل شيء فالتقوى في القلب والخشية في القلب والمراقبة والمحبة والشوق وسائر أحوال الخوف والرجاء مستودعة كلها في القلب لذا قال تعالى {عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} رغم أنه عليه الصلاة والسلام أرسل بشيرا ونذيرا قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا }
انما خص هنا ذكر النذارة دون ذكر البشارة لما للمرتبة الوسطية من خطورة تجلب الخوف مناط النذارة لأنها أي القلوب الحد الفاصل بين الضلالة والهداية كإبرة الميزان فمهما رجحت كفة على الأخرى كان الحكم لها {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَة وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُه فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}
لذلك كان ترتيب هذا الجزء من المناجاة في وسط المناجاة مما يدلك على صدق وارد المؤلف الرحماني حيث جمع بين العلم الذي هو الشريعة ثم الحكمة التي هي الطريقة والتوحيد الذي هو الحقيقة
باعتبار أن مناجاة المؤلف رضي الله عنه تألفت من ثمانية توجهات ومواجهات بين السائل وبين ربه على عدد أبواب الجنان الثمانية ثم ختم تاسعا بالصلاة على رسول الله مظهر الحقائق عليه الصلاة والسلام وآله الكرام ثم عاشرا الترضي عن الصحب الكرام والتابعين ومن تبعهم من العارفين باحسان إلى يوم الدين
فورد جزء ذكر حقائق القلوب من المناجاة في التوجه السادس الذي يرمز إلى اليوم الجمعي الذي هو يوم الجمعة كونه يوم قلوب أي أنه يوم صفاتي فيه تقام الساعة ويحشر الناس فيه ضحى أي تقوم قيامة السالك القلبية ويحشر إلى حضرة ربه ضحى الجمعية ففيه خلق آدم
لأنك متى عددت أيام الأسبوع وجدتها سبعة أيام فكل يوم حمل اسم عدده إلا يوم الجمعة ظهر بجمعه الذي هو وصفه بينما خفي عدده الذي هو عدد ستة لذا أورد المؤلف حديث القلوب في الجزء السادس لتعلم صدق وصفاء وارده الرباني وأنه من عند الله الهاما خالصا
انما ورد ذكر النذارة عند ذكر نزول القرآن على القلب ليعلمك أن طريق العبد الى ربه يمر كله عبر القلب فالقلب هو الطريق إلى الله فمن لا قلب له لا طريق له أي لا سير له لذلك كثيرا ما يذم القرآن أصحاب القلوب الغافلة والمريضة لأنه لا سير لهم في طريق الرجوع إلى الله تعالى
قال تعالى { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَاأُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }
من هنا اتخذ إبليس لعنه الله تعالى محل قعوده في طريق الله تعالى {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } أي لأقعدن لهم طريق العودة والرجوع إليك حتى لا يصلون إليك
فالشيطان قطع حبل الوصل بين الشريعة والحقيقة وذلك بحجب أنوار الطريقة عنهم فتفسّق الأوائل أهل الفقه من دون سلوك ولا سير وتزندق الأواخر أي الخائضين في علوم الحقيقة من دون تشرّع كالقائلين بالإتحاد والحلول { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } لذلك كان أعلى العلماء شأنا وأرقاهم شأوا هم فقهاء الطريقة أي الوارث المحمدي الكامل الجامع بين علوم الشريعة والطريقة والحقيقة
مرتبة القلب مرتبة وسطية بين الروح والعقل فلا عروج للأرواح من دون إذن القلوب كونها منصاتها التي تنطلق منها ولا نور للعقول من دون مدد رباني محمدي منها فالقلب يمد الروح من جهة سيره ومعراجه ويمد العقل من جهة تعليمه وتفهيمه
وسطية القلوب هي ميزان الإعتدال فالغلو والتطرف أو الإفراط والتفريط أو التنطع والتسيب بأي شكل كان مذموم ولو صدر من عارف فكل من لم تكن منطلقات أحواله قلبيه صافية وصادقة نورية يخشى عليه الانحراف والضلال والإضلال لذا كان القلب مدرسة التقوى والفتوى والفقه والفهم وسيأتي المؤلف على تفاصيل هذه الحقائق
قلت :
انما خفي عدد يوم الجمعة وظهر بصفته لأن عالم القلوب عالم معاني ليس عالم أعداد لذلك ذكر كون المعاني لغتها لغة حروف لا أعداد فالأعداد للعقول لأنها تفيد الكم والكيف بينما الحروف للقلوب لأنها تفيد المعنى والنور فلا تحمل الحروف إلا معان كالكؤوس آواني تحمل شرابها فلون الكأس لون مائه
لذلك أشار عند ذكر نزول القرآن على القلب بتحديد صنف اللسان "أي اللغة" الذي نزل به هذا القرآن {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} مناط الحروف حيث كان عدد حروف كلمة (الجمعة) ستة حروف دالة على الجمع في ذاتها وصفاتها لكون حضرةالجمع حضرة قلبية لأن القلوب إذا صفت يقول القلب للقلب يا ها أنا ذا
بيد أن معنى الجمع كأن المتفرق كثرة ما هو الا واحد عند التمامه ورجوعه إلى بعضه بعضا كالبشر مهما تكاثروا فهم في الحقيقة واحد لأنهم من آدم وآدم من تراب وكالجسد فمهما تعدد فيه الأعضاء وتمايزت فلا ينفي تعددها واختلافها حقيقة اجتماعها فتشعر بشعور جامع كأنها في الحقيقة جوهر واحد اذا اشتكى منها عضو تداعى كامل الجسد للسهر والحمى كما ورد في الحديث الشريف رغم أنها من حيث ظاهرها جواهر مستقلة لكنها متصله غير منفصلة كل عضو يؤدي وظيفته فالأعضاء في عمل دؤوب وشغل متواصل جماعي لا ينتهي إلا بحلول الموت
من هنا بدأ المؤلف هذا الجزء من المناجاة بقوله :
النواصي جمع ناصية وهي مقدمة الرأس أعلى الجبهة والشعر إذا طال في مقدمة الرأس يطلق عليه ناصيةإلاهـــي أنْتَ الآخِذُ بِنَواصِي القُلوبِ
جاءالمؤلف هنا بمفردة ناصية دون غيرها لدقة المعنى الجامع من حيث أن الله تعالى ممسك بسر القلوب وملكوتها متصرف فيها على الدوام فهو مقلبها كيف يشاء لذلك ورد من قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن تنبيهات منها ما رواه سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
( كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُكثرُ أن يقولَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك فقلت يا نبيَّ اللهِ آمنَّا بك وبما جئتَ به فهل تخافُ علينا؟ قال نعم إن القلوبَ بينَ إصبعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبُها كيفَ يشاءُ )
فبدأالمؤلف بالثناء على ربه معترفا بقدرته المتينة وتصريفه النافذ في القلوب لأنه آخذ بناصيتها جميعا فبدأ بأدب الثناء وتعظيم أفعال المولى فلا متصرف في القلوب سواه ولا هادي إلا من هداه متذللا على باب حضرة عطائه لأنه المعطي سبحانه والمانع والهادي والمضل والفتاح والرزاق وهو ما عبر عنه بقوله مستسلما :
أي لا تصرف لي في قلبي ولا ارادة لي عليه أو مشيئة مني إليه بل هو بين يديك خانعا خاشعا راغبا محبا شائقا فانيا عاشقا متأدبا راكعا وساجدا فأنت أعلم به مني لأنك ماسك بناصيتهإليْكَ أمْرهَا وَبيَدِكَ أزِمَّتهَا
لأنه سبحانه متى أطلق لسان عبده بالدعاء انما يريد أن يعطيه ويمده { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } فيسأل العبد أعالي أمانيه وأغلى مراميه بلسان الحال تترجمه آهات المقال فقال :
فَأوْفِرْ حَظَّ قَلْبِي مِنْ مَحَبَّتِكَ الخَالِصَةِ مِنْ شَوَائبِ العِلَلِ
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس يعجبه هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
فَأوْفِرْ حَظَّ قَلْبِي مِنْ مَحَبَّتِكَ الخَالِصَةِ مِنْ شَوَائبِ العِلَلِ
المحبة لله تعالى من أسنى مطالب القاصدين وهي ديدن الواصلين لقوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} أي من كل من سواه
لسان مناجاة المؤلف رضي الله عنه الموسومة بــ " مرآة الذاكرين " توحيدي خالص لا غبار عليه ومشربها تفريدي واضح بين محبة واشتياق وأنس ووصال بين فناء وبقاء وسكر وصحو وشريعة وحقيقة فلله در الإمام صاحب الإلهام
سأل المؤلف رضي الله عنه من ربه تعالى حظه الأوفر من تلك المحبة الخالصة من شوائب العلل لأن المحبة التي تخالطها شائبة من شوائب العلل النفسية مهما كانت قليلة أو كثيرة تمسي ممزوجة بطين النفس غير خالصة ولا صافية ولا معتقة
لأن هناك من يحب ربه لعلة ما تعود على نفسه بالمصلحة والمنفعة فهو لا يحب الله لذاته العلية مجردة عن كل علة وشائبة من أغراض وأعواض وحظوظ ظاهرة أو باطنة كالذي يحب ربه بسبب ما يؤتيه اياه مما يطلبه ويسأله منه فمتى منعه ذلك لا يجد في قلبه نفس تلك المحبة السابقة لربه
بل ربما ينقلب إلى علاقة جفاء مع ربه وقطيعة لعدم نوال أغراضه وحصول أعواضه بمنعه حظوظ مطالبه الجلية والخفية وهذا يعد عند أهل الله من ذنوب الشرك في المحبة لكون هذا الصنف من المحاب صنفا مدخولا غير خالص لله
فلا يصل العبد إلى كمال المحبة لربه إلا عند خلوصها من سائر الحظوظ والأهواء والأغراض حتى يكون محبا صادقا فلا تتوقف محبته لربه على عطاء أو منع أو سراء أو ضراء فلو قيل للعارف لقد كتب عليك في علم الأقدار أنك تدخل النار ما أنقص ذلك من محبته لربه ذرة
لسان المحبين لسان جذب وهيام ووصال وغرام وتيه ودلال وجمال وكمال لذا قيل في المحبة أنها مغناطيس القلوب فلا يجتذب القلوب شيء ويجمعها على ربها مثل مغناطيس المحبة لذا كانت المحبة سنام طريق الله كله وروحه المشرق فمن لا محبة له لا سير له فضلا عن الوصول لذا ورد في الحديث " أهل ذكري أهل محبتي "
فمن علامات المحبين كثرة ذكرهم لله تعالى لأن ذكر الله بداية يكون تدريبا فمتى تمكن من القلب وسرى نور محبة المولى فيه أصبح تلقينا فمن فرط المحبة يصبح الإسم عين مسماه
قال تعالى { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}
لأن الله تعالى يقابلك بنفس المواجهة التي تقابله بها فمتى ذكرته ذكرك { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } ومتى أحببته أحبك {.. تُحِبُّونَ اللَّهَ ... يُحْبِبْكُمُ اللَّه } وكذلك متى أثنيت عليه وشكرته أثنى عليك وشكرك سعيك ومتى تقربت إليه ذراعا تقرب إليك باعا ومتى جئته مشيا أتاك هرولة كما ورد في الحديث القدسي
ومتى استغفرته غفر لك ومتى تبت إليه تاب عليك وهكذا فكيفما توجهت إليه قابلك وقبلك على ما كان منك وواجهك بما تحب أن يواجهك به فكيفما تكون له يكون لك
ومعلوم أن وصلة المحبة حالها فنائي ومشربها خلودي كقول من قال : "أنا من أهوى ومن أهوى أنا" وهو معنى الفناء في المحبة الذي لا يدريه حقا إلا من ذاقه لذا ورد في الحديث القدسي قوله عز وجل :
( مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ )
الشاهد ( فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها)
لأن سر المحبة سر جمعية فلا يوصلك بالله غير محبته ففي حضرة محبته يصير اللقاء فالمحبة لبّ سائر الأحوال وروحها فهي عماد دين مقام الإحسان لكونها سر الوجود ومن هنا وصف النبي الأسعد عليه الصلاة والسلام وآله بأنه حبيب الله
لأن لكل نبي وصلة محبته الخاصة به مع ربه فسيدنا موسى كليم الله وسيدنا عيسى روح الله وسيدنا ابراهيم خليل الله وهكذا فلكل نبي وصلته من المحاب بربه بينما وصلته عليه الصلاة والسلام أنه حبيب الله فغلب عليه هذا الوصف من الوصلة دون سائر الوصلات
لأنه أيضا كليم الله فكلم ربه ليلة عرج به وأنه روح الله وخليل الله فله كل وصف لنبي أو رسول لأنه الرسول الجامع والنبي الخاتم {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي أن حضرته المحمدية مجمع اللقاء والسقيا
لأن الملتقى لا يكون إلا في الحضرة المحمدية فلا يجمعك زمان أو مكان بالله مثلما يجمعك في رياض الحضرة المحمدية لأنها حضرة المحبة الإلهية لذا أشار إليك صريحا بقوله تعالى { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِ}
لأنه عليه الصلاة والسلام ماسك بيمينه كأس المحبة الإلهية يسقي منها العطاشى فهو عين سلسبيل تلك المحبة ومركزها وبيده قادوس شربها
لذا ما قال في هذه الآية تحديدا ( ان كنتم تحبون الله فاذكروني او اشكروني او احمدوني ..وغير ذلك من قربات المحبة ولوازمها يحببكم الله )
إنما كشف لك عن مكان نوالها وسلسبيل سقياها وذلك بالبحث في كل وقت وحين عن صاحبها سواء النبي عليه الصلاة والسلام في زمانه وفي كل زمان أو ورثته ممن نابوه في تلك السقيا
قال العارف سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه
سقيت من كاس الحب ثم ملكته °°° فصار ملكا لدي في مدة الدهــــر
جزى الله من جاد علينا بســـره °°° فالجود فذاك الجود من جاد بالسر
قال سيدي محمد المداني رضي الله عنه :
هيا يا الخمار هيا °°° واسقنا كأس الحميا
واسقنا كأساً مصفـى °°° من خمرة أزلــــية
لذا السبب أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يقول { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه}
أي لأن كأس المحبة بيدي فقفوا صفوفا أسقيكم مثل { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } أي لتسقي أمتك منه
قال سلطان العاشقين سيدي عمر ابن الفارض رضي الله عنه :
شَرِبْنَا على ذكْرِ الحبيبِ مُدامَــةً°°°سكِرْنَا بها من قبل أن يُخلق الكَرْمُ
لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يُدِيرُهَا°°°هلالٌ وكم يبدو إذا مُزِجَـــتْ نَــجم
بيد أن أشعار أهل الله في التعبير عن أسرار المحبة ولواعجها سارت بذكرها الركبان في كل زمان ومكان حيث ورثوا من حبيب الله عليه الصلاة والسلام من لواعج محبته لربه كل على قدر شربه ومن هنا تكلم السادة الصوفية في مسائل تفصيل أحوال المحبين ومحطات العاشقين ومكابدات الولهين وقلق المشتاقين
لكن باعتبار أن القلوب مكمن المحبة وحضرتها الجامعة سأل المؤلف رضي الله عنه حظه الأوفر منها ومعنى الأوفر حتى لا يكون متسعا في قلبه لغيرها من الأحوال وفي هذا المعنى قال قائلهم :
أدين بدين الحب أنَّى توجهتْ ركائبه °°° فالحب ديني وإيماني
إنما سأل سلامة محبته من شوائب العلل باعتبار فنائه عن حظوظ نفسه لبقائه بربه فلا يشهد حبيبا سواه ولا متجليا بالجمال في الوجود إلا اياه فلسان المحبين لسان تمكين خشية أن تقيد محابه العلل وتفسدها شوائب الحظوظ فتقطع طريق وصاله وتفقده كأس شرب مدامه لذا عبر عن غايته من تحقيق سُؤل المحب المضطر فقال :
حََتَّى لا يَكونَ لَه أنْسٌ إلا بِكَ وَلا رَاحَة الاّ فِي تَجَلِّيكَ عَليْهِ وَتَعَرفَكَ اليْهِ وَاجْعِلِ اللَّهمَّ سكْنَاه في سرَادِقَات عِــزِّ الأنْسِ بِكَ والتَّمَتعِ بِلَذَّةِ شُهودِ سَنَاكَ
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
بيوت الله تعالى الحقيقية هي القلوب فالقلب بيت الرب لذلك يتعين تطهير هذا البيت الذي هو القلب من كل ما سوى الله تبارك وتعالى لأن القلب ملك الرب لا يحب أن يرى فيه شريك معه كونه محل نور الإيمان ومعارف الإحسان لذا أمرت الشريعة بتطهيره لأن الله تعالى لا يدحل قلبا فيه شريك أو علل أو مرض أو حظوظ أو أهواء لقدسية أنوار الحضرة الإلهية فهي مقدسة عن كل عيب منزهة عن كل نقصحََتَّى لا يَكونَ لَه أنْسٌ إلا بِكَ وَلا رَاحَة الاّ فِي تَجَلِّيكَ عَليْهِ وَتَعَرفَكَ اليْهِ وَاجْعِلِ اللَّهمَّ سكْنَاه في سرَادِقَات عِــزِّ الأنْسِ بِكَ والتَّمَتعِ بِلَذَّةِ شُهودِ سَنَاكَ
من هنا شرّع الإسلام باب الطهارة قال الفقهاء الطهارة من الخبث والطهارة من الحدث فعند أهل الظاهر الخبث هو النجاسة الحسية نجاسة المحل أو الثوب أو البدن بينما الحدث نجاسة معنوية فهو صفة قذارة اعتبارية وهو نوعان حدث أكبر يوجب الغسل وحدث أصغر يوجب الوضوء
أما في فقه أهل السلوك فنجاسة الخبث هو الشرك بالله تعالى { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا } بينما الحدث هو الغفلة عنه سبحانه وتعالى وهي صنفان غفلة كبرى وهي المعبر عنها بجنابة القلب وغفلة صغرى معبر عنها بحدث القلب
قال في الحكمة العطائية :
( كَيْفَ يُشْرِقُ قَلْبٌ صُوَرُ الأَكْوَانِ مُنْطَبِعَةٌ فِى مِرْآَتِهِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَرْحَلُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُكَبَّلٌ بِشَهَوَاتِهِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَطْمَعُ أَنْ يَدْخُلَ حَضْرَةَ اللهِ وَهُوَ لَمْ يَتَطَهَّرْ مِنْ جَنَابَةِ غَفَلاَتِهِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَرْجُو أَنْ يَفْهَمَ دَقَائِقَ الأَسْرَارِ وَهُوَ لَمْ يَتُبْ مِنْ هَفَوَاتِهِ ؟ )
فذكر من المراتب أربع : شروق الأنوار ثم الرحيل إلى الله ثم الدخول إلى حضرة الله ثم الفهم عن الله بفهم دقائق الأسرار
فالذي يمنع شروق الأنوار صور الأكوان عندما تكون منطبعة في مرآة القلب كحب الدنيا والمال والجاه حبا أعمى أو سيطرة العالم المادي الذي هو عالم الأكوان على العقول والقلوب لذا كثر الإلحاد لهذا السبب خاصة لأن الملحد لا يرى في مرآة قلبه إلا صور الأكوان منطبعة فيه وهذا من أعظم الحجب على الإطلاق
والذي يمنع الرحيل إلى الله هو قيود الشهوات فصاحب الشهوات أسير نفسه لا يمكنه الرحيل لأنه مسجون مكبل
والذي يمنع الدخول إلى حضرة الله هو جنابة الغفلات لأن الغافل غير حاضر فكيف يحضر الغائب ؟ هذا ضرب من المحال لذا يتعين الحضور ليتم الدخول
أما الذي لم يتب من هفواته فلا يمكنه أن يفهم دقائق الأسرار أي المعارف الربانية وهفوة القلب كزلة الجارحة لا بد أن يتوب منها في كل وقت وحين
لذا اعلم أن سائر أهل الإيمان تجري عليهم أحكام العبودية لربهم وان اختلفت مراتبهم وتمايزت درجاتهم فتوبة العامي من المعصية وتوبة السائر من الغفلة بينما توبة العارف من الخطرة وهكذا في كل عبادة ومعاملة { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ }
فالأمر بالتقوى يشمل حتى الأنبياء عليهم السلام والرسل فضلا عمن دونهم لتعلم أن الكافة عبيد للرحمان مأمورون بالتوبة في كل وقت وحين لذا شيبته عليه الصلاة والسلام سورة هود { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْاإِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
فكل من يدعي سقوط التكليف عن عبد من العباد من جن أو انس بأية حجة من الحجج فاضرب بدعواه عرض الحائط فهو صاحب دعوى كاذبة أو شيطان
نعود :
لذا متى تطهرت تلك القلوب وسلمت من غبشها ودخانها وصقلت مرآتها صحت منها المناجاة وتنادى إليها نور الوصال بمدد الدلال في حضرة الكمال
أي قلوب العارفين من أهل الشهود واليقين الطاهرة المتزكية النقية السليمة الصافية فأنت آخذ بناصيتها إلى رحاب حضرتك العلية لأنك مالكها ومولاها الذي يتولاها من الإنحراف والزيغ والطغيان في كل وقت وحين لأنك متى أوفرت حظه من خمر محبتك وأنلت وسعه من شهود جمال حضرتك انتهى إلى غاية :إلاهـــي أنْتَ الآخِذُ بِنَواصِي القُلوبِ إليْكَ أمْرهَا وَبيَدِكَ أزِمَّتهَا فَأوْفِرْ حَظَّ قَلْبِي مِنْ مَحَبَّتِكَ الخَالِصَةِ مِنْ شَوَائبِ العِلَلِ
لما يعتريه في تلك الحال من وحشة مما سواك لأنه لا يرى أحدا إلا إياك فلا يأنس إلا بالموجود لأن الأنس لا يتحقق بالوهم المفقود إذ راحته لا تكون إلا في تجليك عليه من صنوف تجليات الجمال حيث تعريفات الكمال هناك حيث مستقر قرار العز بك فلا يعتز بغيرك لأنه لا يلتذ إلا بلذة شهود سناك من حيث من اعتز بغير الله ذلّ { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }حََتَّى لا يَكونَ لَه أنْسٌ إلا بِكَ وَلا رَاحَة الاّ فِي تَجَلِّيكَ عَليْهِ وَتَعَرفَكَ اليْهِ وَاجْعِلِ اللَّهمَّ سكْنَاه في سرَادِقَات عِــزِّ الأنْسِ بِكَ والتَّمَتعِ بِلَذَّةِ شُهودِ سَنَاكَ
اذ حري أن تجري سفن تلك المحاب القدسية في بحر الجمال بدلال الأحدية مستدرّة غيث سقيا العلوم اللدنية والمواهب الربانية ترجمان الأحوال بقلم البيان فيسري المداد بين العباد في كل بلاد لذا استلهم الطلب بالإستزادة كوصال مدد بلا انقطاع ولا منع حال أهل الجَنان في الجِنان فقال :
وَاسْقِه مِنْ مَنَاهِل مَعَالِمِ المَعَارِفِ اللَّدنِيَّة العَذْبَة عَلَلا ًحَتَّى يَكونَ منْبَعًا فَيَّاضًا بِكلِّ ضروبِ الحِكْمَةِ وصُنوفِ العِلْمِ يَا عَزِيزُ يَا وَهَّابْ.
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس يعجبه هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
المناهل جمع منهل ومعناه في اللغة مكان نبع الماء محل الشرب ومورده بينما المعالم جمع معلم وهو علامة الشيء الذي يدل عليه كقولنا معالم المدينة أي أبنيتها التي تدلّ عليهاوتعرف بها فهي علائمها أو معالم أثرية أو معلم كذا أي ما يدل عليه ويشتهر بهوَاسْقِه مِنْ مَنَاهِل مَعَالِمِ المَعَارِفِ اللَّدنِيَّة العَذْبَة عَلَلا ًحَتَّى يَكونَ منْبَعًا فَيَّاضًا بِكلِّ ضروبِ الحِكْمَةِ وصُنوفِ العِلْمِ يَا عَزِيزُ يَا وَهَّابْ.
أما مراده هنا بمناهل المعارف والعلوم اللدنية أي مصادر أصول معالمها وهي كنوز معانيهاالنورية وأسرارها الربانية يريد هنا السقيا من عين المعرفة بالله والعلم بأسمائه وصفاته تعالى وهي العلوم الربانية الموهوبة التي لا يعترضها شيطان فيفسدها أو خاطر نفس فيقطعها
لأن سؤال العارفين وطلبهم يكون للثبات والتمكين على ما تتحققوا به وذاقوه فهي أدعية أحوال قبل أن تكون أدعية أقوال حيث يوافق لسان العارف حاله فمتى نطق العارف نطق بالله
وإلى ذلك أشار في أول المناجاة إلى أنه ناطق في دعائه هذا بالله معبر عما يرد على قلبه( ماذا عساني أسأل وبك نطق لساني ) بعد أن فُتح له باب الدعاء بوارد الصفاء من باب { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } وباب " سل تعطه "
لأن هذه المناجاة ثمرة الطاعات والأحوال الصافيات فمحتواها وارد رحماني بوارد الهامي أي ورد على قلبه وارد من ربه يرغبه بالدعاء ثم ورد عليه كيف يدعو وبماذا يدعو فألهمه رشده عند الدعاء فوارد للدعاء ووارد بالدعاء فأنطقه بهذه المناجاة التي سماها " مرآة الذاكرين " أي يرى الذاكر نفسه فيها لأن المرآة متى قابلتك لا ترى فيها غير نفسك
ففاضت أمدادها وتتعددت أنوارها وتنوعت أسرارها وما هذا التقييد إلا قبس من نفحات معانيها وجزء بسيط يكشف ما بين سطور مبانيها وإلا فهي جديرة بأن تتعدد شروحها بكشف معاني أنوارها وغور حقائق أسرارها لكونها على نسق الحكم العطائية من حيث المشرب التوحيدي والمدد التجريدي
بعد سؤال المؤلف رضي الله عنه ربه الفناء في محبته لأنها غايته المنشودة وضالته الموجودة اذ لو سُلب العارفون من مدد المحبة ذرة في لمحة من طرفة عين لماتوا كمدا وفنوا حزنا ولاحترقوا من الشوق ولاندثروا من ألم الهجر ولظنوا بأنفسهم الظنونا
قال سلطان العاشقين سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه :
ولو خطرَت لي في سواكِ إرادةٌْْْْْْْْ°°°على خاطري سهوًاقضيتُ بردَّتي
ثم بعد سؤاله القرار في سرادقات عز الإنس به تعالى لأنها أمنية كل واصل ورجاء كل عارف استزاد من خزائن الجود الباهر وكرم الفضل الزاخر الذي لا يعده عدّ ولا يحده حدّ لأنه ناطق بربه صاحب الجود والكرم الذي لا نهاية لكرمه وجوده حيث تقدست المطالب وارتقت الأماني بحسب حال السائل وقدر خصوصية الداعي أن يسقي قلبه من أصول مناهل معالم ماء المعارف اللدنية والعلوم الفيضية
مشيرا بذلك إلى سؤاله السقيا من كمال نور علوم الأسماء والصفات الإلهية من مدد الذات العلية فلا تزلّ قدمه في طرائق العلوم ولا تستهلكه جذبات مجامع الفهوم فلا يحجبه غين الأنوار عن مشاهدات الأسرار حتى يكون ناطقا بالله عن الله في الله لله { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
داعيا إليه موقفا عبيده بين يديه لسان حاله يتلو { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
فما سأل سقيا أنوار المعارف وصنوف العلوم والحكم إلا ليكون نبعا يرد على منهله العطاشى ويسقي الندامى فيدلهم على الأصل آخذا بأيدهم إلى العين لأن سقيا الأنوار هو شراب الأحرار أي المتحررين مما سوى الله يسبحون في عالم ملكوت الله مستغرقون في جبروته يتلو لسان حاله في حضرة بقائه في فنائه{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }
حتى يستكفي بمنهل نبعه الواردون فيجدون عنده ضالتهم المفقودة وغايتهم المنشودة اذ كيف يسقيك عطشان أو يقربك بعيد أو يعلمك جاهل أو يدلك أعمى ...منْبَعًا فَيَّاضًا بِكلِّ ضروبِ الحِكْمَةِ وصُنوفِ العِلْمِ يَا عَزِيزُ يَا وَهَّابْ.
ثم بعد أن سأل المؤلف رضي الله عنه ما وقر في قلبه من فيوضات المعارف والعلوم وأورقته شجرة حِكَمِه بأمداد الفهوم مستحضرا ما غطى به سبحانه أوصاف عبده بأوصاف كماله رجع إلى استشعار أوصاف العبودية ذاكراأفضال الألوهية لأنها حقيقة كل عبد فقال :
إلاهـــي كَمْ عَصَيْتُ وَسَتَرْتَ وَكَمْ أذْنَبْتُ وَغَفَرْتَ، غَطَّيْتَ برِدَاء سِتْرِكَ عُيوبِي وَمَحَوْتَ بِيَد عَفْوِ رَحْمَانِيَتِكَ ذُنوبِي وَكشفت بعَظيمِ لُطْفِ إنْعَامِكَ خُطُوبِِي
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس و فاتي يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
المعصية مخالفة الأمر والنهي الإلهي أو النبوي مطلقا ظاهرا أو باطنا والذنب ارتكاب المكلف كل فعل قبيح غير مشروع قلبا أو قالبا أماالعيوب فهي النقائص المذمومة كونها نقيضة الكمالإلاهـــي كَمْ عَصَيْتُ وَسَتَرْتَ وَكَمْ أذْنَبْتُ وَغَفَرْتَ، غَطَّيْتَ برِدَاء سِتْرِكَ عُيوبِي وَمَحَوْتَ بِيَد عَفْوِ رَحْمَانِيَتِكَ ذُنوبِي وَكشفت بعَظيمِ لُطْفِ إنْعَامِكَ خُطُوبِِي
فالطريق إلى مغفرةالمعاصي والذنوب التوبة في كل وقت وحين مهما جرى على العبد منهما عمدا أو سهوا إذ ليس ثمة طريق إلى محو ذنوب المعاصي والآثام والأوزار غير طريق التوبة أما العيب لا يخفى إلا بالستر لأنه مجلى النقائص
أقسام المعاصي والذنوب ثلاثة بحسب أحوال ومقامات المذنبين :
- ذنوب العوام ومعاصيهم
- ذنوب الخواص ومعاصيهم
- ذنوب خاصة الخاصة ومعاصيهم
عقاب ذنوب العوام ومعاصيهم سياسة الدواب أما ذنوب الخواص فعقوبتها الإرتداد إلى غفلة الحجاب بينما عقوبة ذنوب ومعاصي خاصة الخاصة الرجوع إلى السوى والخروج من حضرة المولى كل على قدر معصيته وما يستوجبه الذنب من عقوبة أو تأديب أو عتاب
وهذا ما يخشاه العارفون وهو رجوعهم إلى السوى من حضرة المستوى فهذا في نظرهم أعظم عقوبة وأشد صنوف الألم وهو المعبر عنه بالسلب بعد العطاء وبالسخط بعد الرضا وبالطرد بعد القبول وبالمكر بعد الدلال والبسط والإستدراج بعد الأمن والوحشة بعد الأنس وبالهبوط بعد الإرتقاء ...
قال تعالى منبها الكافة من خلقه {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } لأن المؤمن يسير إلى ربه في كل حال ظاهرا وباطنا على جناحي الخوف والرجاء فالخوف من صفات الجلال والرجاء في صفات الجمال من هنا كان مقام الإحسان قسمان مراقبة ومشاهدة
ورد في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام في تعريف مقام الإحسان وهو الركن الثالث من الدين ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) قال بعض العارفين مقام المراقبة أعلى من مقام المشاهدة
قلت:
لأنه الأحوط فصاحب المراقبة صاحب أدب في الأنفاس لا يستغرقه بسط فيزل ويطغى ولا يستهلكه قبض فيجفو فهو بين جناحي الأنس والهيبة يسعى في طريق مستقيم طريق الله وعندما يقال " طريق الله المستقيم " أي طريق معرفة الذات العلية فصراطه المستقيم هو صراط الذات صراط الذين أنعم الله عليهم اذ ليس ثمة نعيم أفضل ولا أعلى من نعيم شهود الذات والفناء فيها وكل ما سوى ذلك سراب مقارنة به
لذا قال في تعيين مقام المراقبة ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) وأين رؤيتك لله من رؤية الله لك فرؤيتك له من حيث وسع شهودك وقرب نسبتك منه بينما رؤيته لك من حيث علمه بك واحاطته بك ومشاهدته لك أزلا وأبدا فعندما تراقبه فأنت تراقب نظره إليك ورؤيته لك وهذا أبلغ في الأدب والعلم من كل مقام لذا خاطب موسى وهارون معلما اياهما أنه مراقب لهما ولما حولهما وحول كل ذرة في عالم الأكوان {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ}
لذلك لا تكن مع شهودك بقدر ما يجب أن تكون مع مشهودك
لذا رجع المؤلف رضي الله عنه من مقام فنائه وهو الذي استهلك نصف مناجاته الأول إلى عالم بقائه في نصف مناجاته الثاني فهو في الشاهد كأنه يسير بسير حديث تعريف مقام الإحسان فرجع من مقام الفناء إلى مقام البقاء الذي هو مقام مراقبة وهو مقام نظر مع حضور الأدب فاستشعر مراقبة ربه له الذي يرى كل شيء في كل شيء فلا يخفى عليه ذنب ولا عيب ولا معصية ويعفو عن كثير ويستر العيوب ويغفر الذنوب ويمحو الخطوب مما استدعاه للقول في الثناء في عالم البقاء
إلاهـــي كَمْ عَصَيْتُ وَسَتَرْتَ وَكَمْ أذْنَبْتُ وَغَفَرْتَ
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس و نور على نور يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
أبو أويس- عدد الرسائل : 1576
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
كرم ومدد رباني منقطع النظير، لاحرمنا الله منه
أكرمكم الله تعالى وأسبغ عليكم نعمه
جزاكم الله عنا وعن المسلمين أجمعين خير الجزاء
بلقيس- عدد الرسائل : 30
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 16/09/2018
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
لله تعالى أسماؤه وصفاته التي تستلزم ظهور أثرها في المخلوقات منها صفة الستر لأنه سبحانه ستار وستّير وهو المبالغة في الستر ومنها الغفور والغفار وهو المبالغة في الغفران ومنها الحليم والعفو والرحيم قال النبي عليه الصلاة والسلام ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم )إلاهـــي كَمْ عَصَيْتُ وَسَتَرْتَ وَكَمْ أذْنَبْتُ وَغَفَرْتَ
أي لا يجوز أن يقنطكم الوقوع في الزلل والذنوب فيتسرب إلى قلوبكم اليأس من روح الله ورحمته وقربة ومعرفته لأنكم لستم ملائكة معصومين بل لا بد أن تخطئوا وتذنبوا لطبيعتكم الطينية الترابية البشرية محل ضعفكم ونقصكم ومزاج نفوسكم وفقركم لا عجب من معافستكم الذنوب لكن من غير تأل على الحضرة الإلهية واصرار وتعمد فاضح انما قد يقع العبد في الذنوب والمعاصي بسبب غلبة شهوات نفسه عليه وأمراضه التي هو مطالب بتزكيتها والتخلص منها قدر الإمكان مستعينا بربه لأنه الهادي التواب الغفور الرحيم
لأن سير المؤمن إلى ربه لا يمكن أن يكون على نسق واحد وصفة واحدة بل تتلوّن عليه الأحوال في الأوقات ففي بعض الأحيان تجده كالملائكة من قوة الصفاء والنور وفي أحيان أخرى قد لا يجد ذلك الحال الرباني بل ربما يقع في الزلة والزلات والشبهة والشبهات والفتن لأن طبيعة ضعف النفوس البشرية والجنية تستوجب هذا
من هنا تجلى الله تعالى بأسمائه وصفاته على الخلق أجمعين حتى يربيهم ويرقيهم بها فالأسماء والصفات إلإهية معاريج إلى حضرة الذات العلية فمتى كان العبد في حالة طاعة حمد ربه وشكر لأنه تعالى الحميد الشكور الذي لا يحمد سواه وإذا كان في حالة معصية استغفر وتاب لأن ربه غفور تواب فأينما تولى العبد فثم عين الله ترقبه وترعاه فلا منجأ ولا ملجأ منه إلا إليه
كالكافر متى كفر والمشرك متى أشرك شمله أسماء وصفات الجلال الإلهي كحكم اسمه المنتقم من حيث جزاءالعقاب كما شمله اسمه المضل من حيث توجهه القلبي والنفسي والعقلي أما متى تاب من الكفر والشرك ودخل إلى حضرة الإيمان تناوله اسمه الغفور الرحيم قال عليه الصلاة والسلام ( الإسلام يهدم ما قبله ) اي تمحى كافة ذنوب العبد التي ارتكبها قبل اسلامه
لذلك فما الأكوان بأسرها إلا أثار أسماء الله وصفاته فما عيشك في الدنيا والآخرة إلى أبد الآبدين الا مشمولا تحت حكم الأسماء والصفات الإلهية
وما دام العبد مؤمنا لا بد أن تشمله سائر أسماء الجمال التي منها الستر والغفران والعفو والحلم الإلهي ومحو السيئات
لذا لا تتعجب عندما تقرأ قوله تعالى في حق سيد المرسلين وهو المعصوم من كل ذنب ونقص عليه الصلاة والسلام { لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}
لأنه لا بد أن يشمله اسمه الغفور كما شمله اسمه التواب { لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
لأن مشهد الخلافة الآدمية المتمثله في أصل آدم وكل جامع لذاك الأصل من أبنائه هو مشهد التوبة من المعصية لأن أول فعل عوتب عليه آدم هو معصيته التي كانت سببا في خروجه من الجنة لأن شأن الذنوب والمعاصي في الجنس البشري هو الأمر الذي دعى الملائكة للإستفسار عنه في قولهم { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}
حيث نظرت إلى المعصية وهو معنى الإفساد الذي هو مخالفة الأمر الإلهي والتشريع الفرقاني الرباني في باب الإيمان خاصة كما نظرت إلى فعل مباشرة الذنب الذي هو الجرم القبيح وهو سفك الدماء وانما ذكروا سفك الدماء دون غيره من عظائم الذنوب لأن سفك الدماء هو أعظم ذنب على الإطلاق بعد ذنب الافساد الذي هو معصية الشرك والكفر بالله تعالى
لذا صح قول الملائكة بداية من وجه أول اختبار حقيقي حصل لسيدنا آدم عليه السلام قال تعالى {وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ} قبل هبوطه للأرض فلما هبط إليها وهي أرض العبودية تاب فكانت الأرض عبارة قبل كل شيء عن دار توبة وهو أول قدم يضعه المؤمن متى عزم على الرجوع إلى جنة ربه التي خرج منها
كان عليه الصلاة والسلام يقول في استفتاح كل خطبة ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ) رغم أنه المعصوم عليه الصلاة والسلام فما بالك بغيره من أفراد أمته
لذا لا تستغرب متى سمعت وليا من أولياء الله وعارفا من العارفين يدعو ربه طلبا لغفران الذنوب وستر العيوب لأنه لم يكمل من الناس أحد إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو الإنسان الكامل كونه عين الوجود والسر الساري في جميع الوجود وانما أهل الكمال من أمته هو كمال الرجولة ( كمل من الرجال كثير ) وهو كمال العرفان أما الكمال الإنساني فهو خاص به عليه الصلاة والسلام لا يشاركه فيه مخلوق من البشر
ورد من أحوال العارف أبي يزيد البسطامي رضي الله عنه أن الحق خاطبه في سره قال له فيما معناه "يا عبد السوء لو أخبر الناس بكثرة ذنوبك التي تقترفها ولا يطلع الناس عليهاوسترتها عليك لرجموك بالحجارة "
فقال أبو يزيد مناجيا ربه " عبدك الفقير لو يخبر الناس بما أشهدتني اياه من وسع رحمتك وغفرانك ما عبدك على وجه الأرض أحد " فخوطب في سره " يا عبدي لا تفعل ولا أفعل "
باعتبار أنه في مناجاته رضي الله عنه ناطقا بربه فكأن ربه يقول له " يا عبدي كم عصيتني وسترت عليك معاصيك فما رأى منك الخلق إلا الجمالا والعفاف والطهر والنور وكم اقترفت من الذنوب وغفرتها كلها لك لأنك محبوب لدينا راغب فينا مريد لنا قاصد نحونا فان عن سواناإلاهـــي كَمْ عَصَيْتُ وَسَتَرْتَ وَكَمْ أذْنَبْتُ وَغَفَرْتَ
حيث خاطب مولاه بلسان المحب المعترف بكل ذنب والمقر بكل عيب حتى لا يجحد نعمة الستر عليه ونعمة غفران الذنوب له التي هي من أجل النعم وهي من جملة الكرم في قوله في بداية مناجاته ( الهي قد غمرتني أمواج بحر كرمك الزاخر الذي لا يتناهى )
انمااستعمل كلمة رداء الستر لشفافيته ورقته حتى يظهر عبده بمظهر أهل الكمال فيستر منه كل عيب ونقيصة فكأن ذلك الرداء كمّله في نظر كل من يراه حتى ينظر إليه الخلق بعين الكمال فينتفعون بهغَطَّيْتَ برِدَاء سِتْرِكَ عُيوبِي وَمَحَوْتَ بِيَد عَفْوِ رَحْمَانِيَتِكَ ذُنوبِي وَكشفت بعَظيمِ لُطْفِ إنْعَامِكَ خُطُوبِِي
لأن من شروط الإنتفاع عند صحبة شيخ عارف مرب أن ينظر إليه أتباعه بعين الكمال وهذا شرط في الإرادة ولا يعني هذا النظر إليه بعين العصمة وانما بعين الكمال وبينهما فرق واضح
فذكر مراحل السير الثلاثة : ستر العيوب التي هي بداية ثم غفران الذنوب التي هي توسط ثم محو الخطوب حال أهل النهاية لذلك عاد سريعا إلى الثناء على المولى من حيث الخًلق الرباني بقوله :
فَنِعْمَ الرَّبُّ أنْتَ َتَغْفرُ الذنوب وتَسْتِرُ العُيوب وَتَكشِفُ الكُروب
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس يعجبه هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
بلقيس كتب:كرم ومدد رباني منقطع النظير، لاحرمنا الله منه
أكرمكم الله تعالى وأسبغ عليكم نعمه
جزاكم الله عنا وعن المسلمين أجمعين خير الجزاء
شكرا على مروركم الكريم أختنا بلقيس بارك الله فيكم
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
أساس الوصال فيما بين العبد وربه هو وصال المحبة فذاك الأصل وما سواه فرع عنه لذا تلحظ في مناجاة العارفين وأحزابهم حسن آدابها وصفاء أنوارها ورقة معانيها وتمام وصالها وكمال اعتمادهم على رحمة ربهم وكرمه وجوده بسبب ما تحقق به الواصلون في حال عبوديتهم من معرفة بربهم الرحمان الرحيم لأنهم فهموا وفقهوا معنى قوله تعالى {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }فَنِعْمَ الرَّبُّ أنْتَ َتَغْفرُ الذنوب وتَسْتِرُ العُيوب وَتَكشِفُ الكُروب فَارْحِمِ اللَّهُمَّ ضُعْفِي وَأبْرِأ سَقَمِي وَأدِمْ عَلَيَّ نِعْمَة َالمعَافَاة فِي الدُّنيَا وَالآخِرَة انَّكَ عَلى مَا تشَاء قدير.
المراد بالنعمة في الآية ظاهرها وباطنها حسها ومعناها في الدنيا والآخرة قليلها وكثيرها وما النعم في الدنيا إلا ثوابا معجلا من نعيم الجنة وهو ثواب الدنيا وفيض جود المنعم سبحانه وتعالى وكرمه على عباده
مما دعى المؤلف رضي الله عنه الثناء على ربه فقال ( فنِعم الرب أنت ) عبارة ثناء مشتقة من شهود المنعم قبل النعمة فكأنه يشير إلى أن ربه تعالى هو النعمة الكبرى في الحقيقة والمنحة العظمى التي نال حظه منها بحسب كرم ربه الذي لا يتناهى عليه وكذلك الضر المذكور الذي يكون سببا في توجه العبد إلى مولاه فكما يكون حسا يكون معنى ظاهرا وباطنا
لأن الأشياء لا تتمايز ولا تعرف إلا بأضدادها فلا تعرف النعمة إلا عند شهود النقمة ولا المنحة إلا عند الوقوع في المحنة ولا الذنب إلا بالطاعة ولا قيمة الوصال إلا بجفاء الهجر ولا متعة اللذة إلا بتذوق أوجاع الألم
لأن الحكمة الإلهية استلزمت التعريفات حتى تعرف تفاصيل العلم وأسراره لذلك خلق تعالى من كل زوجين اثنين من كل شيء وعلى كافة المستويات في سائر الطبقات وفي كافة الأكوان
لأن الكون محكوم بقوانين منها قوانين الزوجية التي منها العدد لأن العلم عندما يكون مجملا لا يدلّ إلا على الواحد من حيث ذاته وعندما يفصل العلم ويبيّن يدل على سائر أسمائه وصفاته لذلك لا بدّ أن يكون مع العلم البيان ومع المعرفة التبيان
كقولنا في أحوال أهل الله تعالى الربانية كحال الفناء والبقاء فالفناء جمع والبقاء تفصيل للجمع بلسانه أي تفصيل المعرفة بلسان العلم لكن بمدد الجمع لذا قيل في حق كلامه عليه الصلاة والسلام بأنه أوتي ( جوامع الكلم )
أي كلامه جامع لمجمع البحرين بحر الشريعة وبحر الحقيقة فيعبر عنهما بلسان واحد جمعي فرقي في نفس الوقت وهو معنى مجمع البحرين لأنه هناك فرق بين جمع البحرين وبين مجمع البحرين لذلك قال في حقهما { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ } فما قال لا يختلطان بل ( لا يبغيان ) من البغي وهو الإعتداء والعصبية والتغلب بالباطل
لذلك نهاه أن يتصرف في القرآن بعجله لسانه إنما أمره أن يترك القرآن يتصرف فيه لذا قال له { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } فما قال له ( إن عليك جمعه وقرآنه ) بل قال {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي نحن ولست أنت
وما قال له ( فإذا قرأته فاتبع قرآنه ) بل قال له { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه} ثم ما قال له ( ثم إن عليك بيانه ) بل قال له { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} فهذا معنى اللسان الجمعي
فبدأ قبل كل شيء بالتنبيه على جمعه ( أي بلسان الجمع وعلوم ومعارف الجمع ) لأنها أصل العلوم والمعارف والحكمة وهذا الذي سأله المؤلف رضي الله عنه من ربه عند ذكره مناهل معالم المعارف في جزء المناجاة قبل هذا الجزء
لأن الجمع هو الجمع على ذات الباري عز وجل فمنه الخروج والدخول وإلا أمسى البيان الذي يأتي بعد قراءة القرآن معوجا وهذا لا يمكن لأن القرآن مقول فيه { قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } فالوزر والإثم على من أعوج به من مختلف الفرق المبتدعة التي خالفت هدي التوحيد الحق والنور الصرف
لذلك سأل المؤلف رضي الله عنه ربه أن يغفر كافة ذنوبه كلما أذنب على مستوى الأقوال والأفعال والأحوال مع أن أعظم الذنوب هو ذنب استشعار وجودك مع وجود ذات الباري تبارك وتعالى حتى يكون لسانه جمعيا قولا وفعلا وحالا
لأن المؤمن كلما ترقى في معرفة ربه صار اقتراف الذنب أخطر وأكبر فليس ذنوب العوام كذنوب الخواص ولا ذنوب الخواص كذنوب خاصة الخاصة وكذلك العتاب أو التأديب أو العقوبة انما تكون بحسب مستوى علم صاحبها ومعرفته بربه ورتبته في مقام الإيمان
قال تعالى في حق نبي الله المعصوم سيدنا يونس عليه السلام { فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }
لأن مخالفات الكبار مهما كانت صادقة وبحسن نية وباجتهاد إلا أنها ربما تكون خلاف الأولى فليست كمخالفات الصغار من أصحاب الأهواء والشهوات وفي هذا المطب وقع ابليس لعنه الله تعالى لأنه أساء أدبه مع الحضرة العلية فتكبر وتجبر فكانت عقوبته بحسب مرتبته العلمية ومنزلته في الولاية الربانية
وهكذا كل مكلف تكون عقوبته بحسب نوع الذنب الذي ارتكبه ومستوى درجة علمه ومنزلة ايمانه وسبب اقترافه الذنب ثم ملاحظة كيفية اعتذاره عنه أي عن ذنبه فاعتذر سيدنا آدم عن أكله من الشجرة بقوله { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وسيدنا يونس اعتذر بقوله { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }
واعتذر سيدنا عيسى وموسى وسيدنا نوح القائل { قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ }
بينما لم يعتذر ابليس كما اعتذرت الملائكة الكرام وهم أهل عصمة وما اعتذر السامري بينما اعتذر اخوة يوسف الصديق واسغفر لهم أبوهم لذلك أمرنا ربنا بدوام التوبة والإستغفار حتى أن أهل الله جعلوا وردا من الإستغفار لمريديهم كل يوم اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام القائل ( يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) وقال عليه الصلاة والسلام وهو المعصوم ( والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )
قال سيدنا نوح عليه السلام لقومه { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًايُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا }
أي يرسل عليكم السماء بغيث الأمطار وغيث الأنوار
لذا قال المؤلف رضي الله عنه
لأن فقر العبد لربه فقر ذاتي فكل عبد رباني لا يستشعر إلا ضعفه لأنه لا يرى له حولا ولا قوة إلا بربه لذلك نزلت الشريعة بين رخصة وعزيمة لحالة الضعف التي ركب منها الإنسان { يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا } فالتخفيف على الخلق مراد رباني ثم سأل البرء من سقمه وأعظم السقم هو عدم الرسوخ في حضرة القدم ثم عد المعافاة في الدنيا من البلايا والرزايا في الحس والمعنى ثم المعافاة في الآخرة من العتاب والحساب من أجل النعم لأن دعاء العبد ربه حماية له وأمان لذا كان روح الهداية ولب العبودية لله تعالىفَارْحِمِ اللَّهُمَّ ضُعْفِي وَأبْرِأ سَقَمِي وَأدِمْ عَلَيَّ نِعْمَة َالمعَافَاة فِي الدُّنيَا وَالآخِرَة انَّكَ عَلى مَا تشَاء قدير.
بعد أن سأل المؤلف رضي الله عنه ربه مغفرة الذنوب وستر العيوب وكشف الكروب وذلك بشهود ضعفه وفقره نادى لسان حاله بما ترجمه مقاله مستغيثا بربه حالة الإضطرار
إلاهــي أنْتَ غيَاثي فَعَلَيكَ تَوكُّلِي وَبِكَ عِيَاذِي فَأنْتَ وِقَايَتِي وَأنْتَ المَلْجَأ وَالمرْتَجَى لِكُّلِّ مضْطَرٍّ
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس يعجبه هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
الإستغاثة حالة المضطر وهي أبلغ من مجرد النداء والدعاء والسؤال والطلب لأن الطلب والسؤال قد يستجاب ولو بعد حين من الزمن قصر أو طال لكن الإستغاثة غالبا ما يغاث صاحبها في الحال لأن المستغيث في حالة اضطرار قصوىإلاهــي أنْتَ غيَاثي فَعَلَيكَ تَوكُّلِي وَبِكَ عِيَاذِي فَأنْتَ وِقَايَتِي وَأنْتَ المَلْجَأ وَالمرْتَجَى لِكُّلِّ مضْطَرٍّ
قال تعالى في حق أصحاب بدر {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } ومما ورد في معنى الإستغاثة وكون جوابها يكون في الحين من دون تأخير { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ }
لأن المؤلف رضي الله عنه بعد أن استوفى وارد الثناء على ربه بما يليق بكمال ذاته في سائر تجليات أسمائه وصفاته ثم الدعاء بما يناسب حال العبد وما يصلح له في الآل والمآل رجع إلى شهود حقيقة فقره التام وعجزه العام من حيث الأفعال وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ومن حيث الصفات وأنه لا غني إلا الله ثم من حيث الذات وأنه لا موجود بحق إلا الله
فاتخذ الله تعالى غياثه ظاهرا وباطنا بحسب ماأداه إليه نظر شهوده وأنه لا إله إلا الله معبوده ومشهوده فعلا وصفة وذاتا فانحاش إلى ربه بجملته حسا ومعنى قائلا
قال عليه الصلاة والسلام ( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ) لأن التعبير بالطير يدل على شبه الأرواح خاصة لكونها تطير وما سمي الطير طيرا إلا لطيرانه ومعنى الطيران هو الترقي عن مادة الطبيعة الترابية الأرضية في عوالم الحسإلاهــي أنْتَ غيَاثي فَعَلَيكَ تَوكُّلِي
لأن الإستغاثة والغياث هو انحياش القلب والروح للرب انحياشا تاما فكأن العبد يجعل ربه ينوبه في كل فعل من حركة وسكون وهو معنى التوكل عليه فيكون بما عند الله أوثق بما يكتنزه في جيبه أو بيته لذا قال :
لقوله تعالى في حق سيدنا موسى عليه السلام { وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ }وَبِكَ عِيَاذِي فَأنْتَ وِقَايَتِي
الإعاذة أي الإستجارة والإعتصام بالله عذت أي استجرت وامتنعت بالله أي متى استعاذ العبد بربه كان الله تعالى وقايته من كل سوء وقد نزل من سور القرآن المعوذتان سورة الفلق وسورة الناس لما في الإعاذة والأستعاذة من حماية ووقاية الهية تكون حاجزا بين العبد وبين كل شر يخشى منه
الإستعاذة غالبا ما تكون من شرور الجن والشياطين والنفوس البشرية الشريرة لأن عالمها سفلي فالإعاذة هي الوقاية والحماية من دخول أو تسرب الظلمة إلى قلب وعقل وروح الإنسان
من هنا شرع في دين الله تعالى الإستعاذة من شرور النفس والشياطين قال تعالى { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّه إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فالإستعاذة في هذا المنحى رفيقة الإستغاثة لذلك ذكرهما المؤلف رضي الله عنه بترتيب في نسق واحد وهو ما به ختم افادة تمام الثناء بالدعاء في هذا السطر بقوله :
انما عبر بالملجأ لما في المعنى من حصن باعتبار أن كلمة ملجأ في اللغة أي الحصن والمعقل ومنه سميت الحصون تحت الأرض ملاجئ في زمن الحروب وأطلق على ايواء الأيتام أو العجزة ملاجئ فقيل ملجأ الأيتام أو العجزة كونها دور وقايتهم وحمايتهم وصلاح عيشهم ودوامهوَأنْتَ المَلْجَأ وَالمرْتَجَى لِكُّلِّ مضْطَرٍّ
بيد أن الملجأ محل الحماية من الشرور والمصائب والأهوال والفواجع فمن جعل ربه ملجأه فقد كفي
ثم أبان أن الملجأ هو ربه سبحانه لا سواه من حيث قوله { فَفِرُّواإِلَى اللَّهِ } أي من كل شيء وأنه سبحانه المرتجى أي أنه الأمل والمراد فالتوكل كله عليه وهكذا يكون حال كل مضطر إلى ربه لأنه القائل سبحانه { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }
لأن دعاء المضطر لا يكون كدعاء غيره من غير المضطرين ومعنى المضطر هنا على وجه الخصوص العارف بالله تعالى لأنه في حالة اضطرار على الدوام بخلاف غيره من عامة البشر قد يكون اضطراره عند الملمات والمهمات فقط ثم يغفل وينسى ويسهى
أي في وقت دون وقت كقوله تعالى في حق طائفة { ... حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ }
لسان المضطر لسان حال لا مجرد قول إنما صدرت الأقوال بحسب واردات أحوال المضطرين {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }
قال تعالى في حق سيدنا ابراهيم عليه السلام { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ }
أي كوني برد نور لأن نور الخليل ابراهيم أطفأ لهب نار المشركين فاستحالت سلاما عليه فكأنها أسلمت على يديه وتابت واستغفرت
فَمِنْكَ أسْتَمِد حِمَايَتي فَأدِمْ الاهِي عَلَى عَبْدِكَ الضعيف المِسْكِينِ كَرَامَةَ بِرِّكَ وَنَدَاكَ ولَبِّ ندَاءَهُ إذَا مَا نَاداَكَ وَأجبْ دعَاءَهُ إذَا مَا دَعَاكَ بإنْجَازِ وَعْدِ قَوْلِكَ الحَق وَكَلامكَ الصِّدْق {وقَالَ رَبكمْ أدْعُونِـي أستَجبْ لَكمْ}
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس, فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
فَمِنْكَ أسْتَمِد حِمَايَتي فَأدِمْ الاهِي عَلَى عَبْدِكَ الضعيف المِسْكِينِ كَرَامَةَ بِرِّكَ وَنَدَاكَ
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس, فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
فَمِنْكَ أسْتَمِد حِمَايَتي فَأدِمْ الاهِي عَلَى عَبْدِكَ الضعيف المِسْكِينِ كَرَامَةَ بِرِّكَ وَنَدَاكَ ولَبِّ ندَاءَهُ إذَا مَا نَاداَكَ وَأجبْ دعَاءَهُ إذَا مَا دَعَاكَ بإنْجَازِ وَعْدِ قَوْلِكَ الحَق وَكَلامكَ الصِّدْق، وقَالَ رَبكمْ أدْعُونِـي أستَجبْ لَكمْ
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس, فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
استعمل المؤلف رضي الله عنه في هذا السطر عند سؤاله ربه تعالى الكريم صيغة التعبير عن نفسه بضمير الغائب لما يعطيه ذلك من حال الدلالة على فنائه في ربه تعالى حيث تكون نفسه كالأجنبية عنه فهو يعاملها كما يعامل غيرها من خلق الله تعالى لأن العبد متى وصل إلى مرحلة بقائه بربه عامل نفسه كما يعامل اخوانه وسائر المسلمين من باب ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) لأن نفسه أو نفس أخيه لا فرق بينهما عنده بل ربما آثر أخاه عن نفسهفأدِمْ الاهِي عَلَى عَبْدِكَ الضعيف المِسْكِينِ كَرَامَةَ بِرِّكَ وَنَدَاكَ
ولَبِّ ندَاءَهُ إذَا مَا نَاداَكَ وَأجبْ دعَاءَهُ إذَا مَا دَعَاكَ بإنْجَازِ وَعْدِ قَوْلِكَ الحَق وَكَلامكَ الصِّدْق، وقَالَ رَبكمْ أدْعُونِـي أستَجبْ لَكمْ
لأن عند رجوع العبد من مطالب الخصوصية فقيرا إلى غنى الربوبية وقدرة الألوهية وذلك بشهود صرف العبودية لله تعالى غالبا ما يكون التعبير عنها بضمير الغائب رغم وجود عين العبد وحضوره لما تفيده العبودية من فناء من لم يكن وبقاء من لم يزل قال تعالى ذاكرا نبيه عليه الصلاة والسلام بوصف العبودية
{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
فلم يوجه له الخطاب كأن يقال ( سبحان الذي أسرى بك ) أو ( لنريك من آياتنا )
لأن مشهد العبودية مشهد فنائي ومن ذلك قوله تعالى { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا }
بخلاف متى توجه إلى عبده بالخطاب فلا يذكره بوصف العبودية رغم عبودية عبده وفنائه في ربه كقوله تعالى { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} لأن كاف المخاطبة تفيد غالبا المكالمة في عالم البقاء بخلاف مخاطبات الفناء فينوب الرب عبده في كل شيء حتى الكلام ودليل هذا قوله في الحديث القدسي ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها )
فهذا الحديث يعطي معنى الفناء في محبته تعالى أي إذا فنى العبد في ربه نابه ربه وصار وكيله ووليه لأنه في تلك الحالة من الفناء في ربه يكون فانيا عن نفسه وسائر العوالم وعن كل شيء فيحييه الله من جديد بعد فنائه ويبعثه ليبقيه به
كما قال تعالى في حق عزير { فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} أو أصحاب الكهف وهذا أبلغ {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } فما قال تعالى ( ويتقبلون ذات اليمين وذات الشمال ) بل قال ( ونقلبهم )
لأنه لا خبر لهم عن نفوسهم والعالم ولا عزير لذا قالوا { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } وهو نفس قول عزير { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًاأَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } فتوافق شعورهم على تحديد نفس مدة الزمن
لأن عالم الأحوال عالم آخر لا يفقهه إلا من ولجه لذا أختص ساداتنا الصوفية في الكلام في علم الأحوال والمقامات دون سائر المسلمين وسائر الملل والنحل
قال المؤلف رضي الله عنه ( ولَبِّ ندَاءَهُ إذَا مَا نَاداَكَ ) فكأنه يتوسط لنفسه فيما بينها وبين ربهاأنطقته القدرة في حالة جذب فنائه في ربه تعالى لأن العارف الكامل فان عن نفسه على الدوام لا يشهد نفسه إلا أجنبية عنه متى شهدها فيسأل لها ويطلب لها ما يصلح سائر شؤونها الظاهرة والباطنة التي شرعها الله لها بحكم كونها رعية من رعاياه مسؤول عنها لا من حيث كونه يدافع عن حظوظها وشهواتها وأهوائها
ذكر المؤلف رضي الله عنه في هذا السطر من المناجاة ( ولَبِّ ندَاءَهُ إذَا مَا نَاداَكَ وَأجبْ دعَاءَهُ إذَا مَا دَعَاك ) أمرين :
-الأول :النداء
-الثاني :الدعاء
فالنداء غالبا ما يكون ابن وقته بطلب مخصوص لغرض مخصوص يرجى تحققه لحكمة جليلة لا يمكنه أن يتخلف إلا ما شاء الله تعالى إما لضر حل بعبد أو شر اقترب والنداء عموما من دائرة الإستغاثة - وجنس التوسل منه -
ورد في باب النداء آيات منها قوله تعالى في حق سيدنا نوح عليه السلام بسبب تعنت قومه وقهرهم الذي عاناه منهم { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ }
ونداء أيوب عليه السلام بسبب الضر والنصب الذي مسه { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
ونداء زكرياء عليه السلام سائلا الولد الوريث { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّاإِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا }د
ونداء صاحب الحوت يونس عليه السلام { فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}
أما الدعاء فهو أعم من النداء وأشمل لأنه يعم سائر الأوقات ويشملها وهو عبادة بداية ثم أن ثمرته الإستجابه لأن العبد فقير بذاته إلى ربه ظاهرا وباطنا في كل نفس من أنفاسه فالدعاء لازمه لا يستغنى عنه طرفة عين
لذا قال تعالى { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } لذا لا تستغرب سؤال المؤلف من ربه تلبية نداءه متى ما ناداه واستجابه دعاءه إذا ما دعاه لأنه مأمور من ربه بندائه ودعائه متى علمت أنه أخبر أنه تعالى عياذه وملاذه وحفيظه ووليه وحسبه ونصيره ومغيثه لأن المكلف مأمور وقد أمرنا تعالى بالدعاء والأمر متى أطلق في اللغة يراد به الوجوب فواجب على كل مكلف الدعاء لذا ختم المؤلف بقوله رضي الله عنه
بإنْجَازِ وَعْدِ قَوْلِكَ الحَق وَكَلامكَ الصِّدْق "وقَالَ رَبكمْ أدْعُونِـي أستَجبْ لَكمْ"
عدل سابقا من قبل علي في الجمعة 2 يونيو 2023 - 1:56 عدل 1 مرات
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس, فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
بإنْجَازِ وَعْدِ قَوْلِكَ الحَق وَكَلامكَ الصِّدْق، وقَالَ رَبكمْ أدْعُونِـي أستَجبْ لَكمْ
لأن وعد الله تعالى عباده بالإستجابة لا يتخلف أبدا بل ممضي على الدوام انما بقي فقط مسألة زمن انجازه وانفاذه في الوقت الذي يختاره الله تعالى لعبده لأنه يعلم تعالى ما يضر عبده وما ينفعه في سائر الأوقات والأنفاس قال في الحكمة العطائية منبها السائرين وعامة المؤمنين( بانجاز وعد قولك الحق وكلامك الصدق )
المراد بكلام الصدق ما فسره في الحكمة العطائية ( فَهُوَ ضَمِنَ لَكَ الإِجابةَ فيما يَخْتارُهُ لَكَ لا فيما تَخْتارُهُ لِنَفْسِكَ وَفي الوَقْتِ الَّذي يُريدُ لا فِي الوَقْتِ الَّذي تُرْيدُ)وَعْدِ قَوْلِكَ الحَق وَكَلامكَ الصِّدْق
لأنه الغني سبحانه الكريم المتصف بالكرم والجود على الدوام يريد العطاء والكرامة لعباده على مر الأزمان في سائر الأماكن لما تستلزمه صفة الكرم إذ لا يعقل أن يبخل الكريم بشيء على خلقه قلّ أو كثر ذاك الشيء فهو معطي على الدوام كريم جواد أزلا وسرمدا { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }وقَالَ رَبكمْ أدْعُونِـي أستَجبْ لَكمْ
أغْثـنى ياغِيَاثَ المسْتَغِيثينْ (ثلاثا) وَأنْجِدْنِي يَا رَاحِمَ المسْتَضْعَفِينْ(ثلاثا)
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس, فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
ما أجمل كلام أهل الله وما أصدق حديثهم وما أدقّ وصفهم وما أجلّ مقصودهم، لله درهم
نفع الله بكم وبفيوضاتكم سيدي
بلقيس- عدد الرسائل : 30
العمر : 39
تاريخ التسجيل : 16/09/2018
فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
رضوان- عدد الرسائل : 228
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 11/12/2007
بلقيس يعجبه هذا الموضوع
أبو أويس- عدد الرسائل : 1576
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
بلقيس يعجبه هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس, فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
أغْثـنى ياغِيَاثَ المسْتَغِيثينْ (ثلاثا) وَأنْجِدْنِي يَا رَاحِمَ المسْتَضْعَفِينْ(ثلاثا)
وَأعِذْنِي مِنْ مَكْرِ المَاكرِينْ وَسطْوةِ الظَّالمين وَكيْدِ الشَّياطين
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس, فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
أعِذْنِي مِنْ مَكْرِ المَاكرِينْ وَسطْوةِ الظَّالمين وَكيْدِ الشَّياطين
وَأسْكِنِّي فِي سُرَادِقَاتِ حِصْنِ لطْفِكَ الخَفِيّ كَمَا يقْتَضِيه جُودكَ وَيَتَطَلَّبه كَرَمُكَ
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس, فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
رد: مذاقات من بحر وحي المناجاة
سرادقات في اللغة جمع سرادق وهو ما يحيط بالشي ويحميه كاحاطة البيت بساكنيه والكهف بآويهوَأسْكِنِّي فِي سُرَادِقَاتِ حِصْنِ لطْفِكَ الخَفِيّ كَمَا يقْتَضِيه جُودكَ وَيَتَطَلَّبه كَرَمُكَ
والحصن بكسر الحاء جمع حصون وهو البناء المرتفع الشاهق المنيع السميك كالقلاع يشيد في مرتفعات الأرض خاصة لمنع غدر العدو ودفع غاراته قال تعالى { وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّه }
سرادقات الحصن بيوته وخيماته وغرفه لأن الحصن بناء محيط واسع مستطيل الشكل غالبا بينما سرادقاته هي دهاليزه المخفية وغرفه الأرضية ومغاراته وسراديبه التي يسكنها المتحصون ويأوي إليه الخائفون ويمتنع بها أهل القرية و أعيانها وحماتها من الأخطار الداهمة
استبدل نظام التحصين في هذا العصر ببناء الجدارات العازلة والإعتماد على الأنظمة الدفاعية العسكرية التي تحيط بالمدن والقرى بحكم تبدل وسائل الدفاع والحماية وتغير طبيعة الحروب فلكل عصر قوانينه وسننه وواقعه والمؤمن الحق ابن وقته في كل حال ظاهرا وباطنا
لذلك سأل المؤلف رضي الله عنه من ربه الكريم أن يسكنه في سرادقات حصن لطفه الخفي لما تقتضيه معرفته بتصرفات أقدار ربه في خلقه من أنه لا راد لقضائه وقدره لأنه سبحانه خالق كل شيء بما في ذلك الخير والشر فلا خالق سواه وهذا مقتضى الألوهية
قال تعالى { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }
وقال تعالى { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}
لأن مشهد العارف أنه لا يرى في الوجود فاعلا إلا الله لكن مع نسبة الخير لربه ونسبة الشر لنفسه { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ }
لأنه تعالى العليم الحكيم فبعلمه القديم قدر أقدار خلقه قبل كينونتهم وبحكمته الأزلية قضى تلك الأقدار وأجراها على خلقه بعد ايجادهم فعلم الله لا ينفصل عن حكمته ولا حكمته عن علمه لكن لا يسري كل ذلك إلا في ظل حصن لطفه الجلي أو الخفي ورحمته المحيطة ورأفته لأنه سبحانه اللطيف بعباده لذا قال في الحكمة ( من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره )
لذلك ختم المؤلف العارف رضي الله عنه سؤله بقوله :
أي كما يقتضيه تمام كرم لطفك وكمال جود رحمتك لأن السكنى في سرادقات حصن لطفه الخفي من باب كرم وجود المعطي الغني" كَمَا يقْتَضِيه جُودكَ وَيَتَطَلَّبه كَرَمُكَ "
لكون عطاء الكريم وجود الجواد يكون بحسب صفة المتكرم والجواد فليس كرم المخلوقين ككرم رب العالمين ولا جودهم كجوده إنما كرمهم وجودهم قطرة فاضت من بحر جوده وكرمه تعالى عليهم فجادوا بها فما هم في هذا إلا متخلقين بأخلاق كرم مولادهم الذي تولاهم
فمهما نسب إليهم الكرم وسائر المحاسن انما من باب كرم ربهم وجوده عليهم فلا يرون كريما سواه ولا جوادا إلا اياه وما الخلق إلا مظاهره ومن نسب إليه فعلا من أفعاله وتباهى بعمل من أعماله استقلالا عن فضل ربه وكرمه وجوده عليه فقد أشرك نفسه بربه فأمسى ندا له في أسمائه وصفاته { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
الحصن الخفي غالبا ما يكون بعيدا عن الأنظار لا تعرف أماكنه ولا ماهياته وان كان أثره مشاهدا لأن الملطوف به يدرك دائما ويدرك من حوله أنه في حصن لطف الله الخفي به لما يلاحظونه من حاله لذا خفي سريان قدرته تعالى وظهرت حكمته فالحكمة للتعريف والقدرة للتصريف { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }
قلت :
اللطف الخفي أثر من آثار المحبة والرحمة الإلهية بعباده والخلق عموما ففي الشاهد كأن ترى أمّا حنونا قد تشتد على ابنتها أو ولدها فيما يبدو في الظاهر من صنوف البلاء والإمتحان والعتاب مجال التربية والتأديب رغم أنها تكنّ له في قلبها رحمة واسعة ومحبة جارفة وعطف وحنان وارف فعند تأهيلها لأبنائها تستشعر سريان مدد لطفها في عصا تربيتها و سطوة لفظها وهكذا ..
سأل المؤلف رضي الله عنه السكنى في سرادقات حصن لطف ربه الخفي والسكنى هي دار اقامة دائمة وهي من هذا الوجه تشبه سكنى أهل الجنة في الجنة بعد دخولها { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ }
لذا قيل لسيدنا آدم منذ البداية { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }
لأن السكنى دار اطمئنان وسكون وأنس لذلك ما قال " أدخلني في سراداقات حصن لطفك الخفي " انما قال " واسكني في سرادقات حصن لطفك الخفي " وبين هذا وذاك يوجد فرق ظاهر اذ الدخول لا يعني المكوث ولا السكنى
لأن الداخل دون الساكن قد يشعر بمرارة قضاء قدر الله فيه وهذا الشعور قد يؤلمه في حالة رجوعه إلى شهوده ظلمة النفس أو لمحات السوى
لذا قال المؤلف رضي الله عنه بعد ذلك :
حَتَّى لا أشْعُرَ عِنْدَ الاقْتِضَاء ِبِمُرِّ القَضَاءِ وَأرْضِنِي اللَّهمَّ بمَا قَسَمتَه لِي أزَلا وَأوْفِر حَظّي من الصَّبرِ فيمَا جَرَتْ بِهِ المَقَادير فَلَكَ الأمْر وَبيَدكَ الخيْر انَّكَ عَلى مَا تشَاء قدير.
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
بلقيس, فاطمة بلجراف و أسماء أسماء يعجبهم هذا الموضوع
صفحة 3 من اصل 3 • 1, 2, 3
اليوم في 9:17 من طرف ابن الطريقة
» شيخ التربية
اليوم في 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
أمس في 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
أمس في 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
أمس في 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 22:37 من طرف الطالب
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس