سيّد الوجود الفخر الدائم المشهود

بسم الله الرحمان الرحيم

وصلى الله تعالى وسلّم على النبيّ الأكرم والرسول الأعظم وعلى آله الأطهار وصحابته من المهاجرين والأنصار والتابعين وجميع الأنبياء والمرسلين

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا )

فكان الخطاب هنا بوصف النبوّة وليس بوصف الرسلية لتعلّق الأمر بالشهود , فلو وصفه في هذا المقام بالرسلية دون النبوّة لفهمنا مقاما آخر دون هذا المقام الأوّل متى علمنا أنّ وصفه بالنبوّة عليه الصلاة والسلام يتضمّن وصفه بالرسلية وإنّما لدقّة معلومات القرآن وإعجازه في كلّ حالة يعطيك المشاهد على ما هي عليه في نفسها من غير زيادة ولا نقصان إلاّ أنّها إعجازات لا نهاية لها لتجدّد نزول فهم هذا القرآن في كلّ زمان بل وفي كلّ لحظة وثانية ودقيقة وساعة لأنّ المعجزة بنت وقتها لتعجز بها في زمانك من كذب بها وصدّ عن سبيل الله فلمّا كانت معجزته الخالدة عليه الصلاة والسلام هي القرآن وهو وحي يتلى فلا بدّ من عدم تناهي هذا الوحي الذي يتلى ولذا ورد لمن يفهم ( القرآن لا تنقضي عجائبه ) ( وأنّ أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته ) فإذا علمت أنّ أهل القرآن هم أهل الله وخاصّته

فقد أظهر لك وأبان عن نفسه صلى الله عليه وسلّم في دعائه المستجاب ( اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ) وكذلك قول من قال ( هو قرآنا يمشي على رجليه ) أو قول أمّنا عائشة رضي الله عنها ( كان خلقه القرآن ) فهذا طريق آخر خاصّ من باب القرآن يدلّك على مقام سيّد الوجود صلى الله عليه وسلّم في هذه المعجزة القرآنية , فإنّ العبد متى ذكر عند الحبيب عليه الصلاة والسلام ولم يذكر عندها القرآن فما صلّى حقيقة على النبيّ صلى الله عليه وسلّم لورود الأمر بالصلاة عليه في صريح هذا القرآن فكانا لا يفترقان ( كتاب الله وسنّتي ) فإنّ القرآن يتطابق مع كلّ ما يخرج على شاشة الوجود ظاهرا وباطنا من البداية وإلى النهاية كما تطابقت حقيقته المحمّدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لقوله ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) فعلمه من علمه وجهله من جهله فلكلّ نصيبه لا يتجاوزه من الفهم لسبق القسمة وعدم تناهي مدد الرحمة كما قال عليه الصلاة والسلام ( إنّما أنا قاسم والله معطي )

قال تعالى : ( يا أيّها النبيّ ) بياء النداء فطوبى لمن سمع نداء الحضرة فكيف بمن سمعه في هذا المقام وهو النبيّ صلى الله عليه وسلّم ,فسمع الخطاب في مقام نبوّته المصون عليه الصلاة والسلام فأخرجه من عالم الفناء الأزلي إلى عالم البقاء السرمدي فجمع له بين المقامين فاتّحد المشربان ووضحت الحقيقتان فقال له ( يا أيّها النبيّ ) الكامل في نبوّته قبل الإرسال , ومن هنا يتّضح كلّ مقام قبل ظهور آثاره في عالم الخلافة والأسماء , فكم من وليّ هو عند الله وليّ كامل الولاية رغم أنّه في الأرض ما يزال محجوبا من عامّة الناس فمتى زال الحجاب سمع الخطاب فقيل فيه ( إذا ما العناية لاحظتك عيونها --- فنم فالمخاوف كلّهنّ أمان ) فكيف بسيّد أهل العناية وجوهرة القرب والوقاية

( يا أيّها النبيّ ) الكامل في مقام محبّتي , التامّ في مقام مودّتي , العالم في مقام معرفتي , العارف في مقام علمي , قم فاشهد على هاته المقامات , فبلّغها إلى غاية النهايات , فمقامك بين يديّ لا يحول ولا يزول لذا لا تستطيع ولا يحسن بك أن تخرج من عندي في حلّة غيري بل لا تخرج إلاّ بي فأنا كفيلك وسمعك وبصرك ويدك ورجلك فلا بدّ من الوصال يا مظهر الجمال الإلهي السرمدي فاخرج بي ونادي إليّ بي لذا أقول لك ( إنّا أرسلناك ) بجمع نحن مناط الصفات , حيث لا التفات لما مضى أو لما هو آت لأنّك ابن وقتك حكم الواردات علامة البدايات والنهايات , فقم بي ( بنحن ) إذ أنت مظهر صفاتي والقائم بي في عالم أسمائي

( إنا أرسلناك ) بعد أن أحببناك وأكملناك يا مظهر رحمتي في حلّة جمالي في نهار جلالي , وليالي وصالي .

أرسلناك ولا بدّ ( شاهدا ) تشهدني وتشهد لي وتشهد بي فلو لا شهودك الذي هو عين وجودك ما صحّ لك شهادة إذ لو لا حضورك ما كانت لك شهادة ولا وفادة , فمن شدّة حضورك سقيتك خمرة شهودي فكنت عليها شاهدا وإليها داعيا مبشّرا ومحذّرا من الغفلة عنها

( ومبشّرا ) لسبق الرحمة على الغضب , حتى ضحك الضاحك من العجب

( ونذيرا ) كي تسدّ كلّ باب غير بابها , وترفض كلّ خطاب غير خطابها وخطّابها , فهل رأيت منّي غير الدلال والخمر الرحيق الزلال فكيف لا تنذر وتتوعّد من يبتغي بها بديلا فمن حرصي عليهم جعلتك حريصا عليهم فما منك من نعمة فمن الله أتتمت عليك نعمتي فأتممت عليهم نعمتي لحرصي على حرصك إذ الكلّ منّي وبي فلماذا جهلوني فيك وأنا أرسلتك بلسان جمعي ( إنّا أرسلناك ) فلو لا جمعي ما صحّ فرقي ولو لا بقائي ما صحّ فناؤك وفناؤهم فأنت رسولي وأنت حجّتي على خلقي البالغة لأنّك مبلّع عنّي بي ومن أصدق منّي ثمّ منك قيلا وحديثا فقولي الحقّ وأنت لا تنطق عن الهوى , وقولي فرقان وأنت المتكلّم به , فليس فيك من هوى نفسك شيئا لوجود شهودي ولغيبتك في وجودي , أإله مع الله , فكيف لا توصلهم إليّ وأنت الشاهد وكيف لا يصلون إليّ وأنا المشهود عند ذرّات الوجود , فجعلت لهم طريقا إذ إرتضيتك طريقي فجعلت نورك في ذرّات الأكوان مثلما شهدته منّي في عالم الإحسان فحيثما كنت إلها كنت أنت نبيّا ( يا أيّها النبيّ اتّق الله ) إذ أنّك مظهري فكلّما ازددت تقوى ازداد خفاؤك حتّى نادى فيك ومنك وعليّ ظهوري

( وداعيا إلى الله بإذنه ) يا مأذون تكلّم فأنت مأمون , يا مأذون ادع فكلّ كلامك يدلّ عليّ ومسموع , يا مأذون إنّ ذاتك وصفاتك ومقالك وحالك وأوصافك كلّها مأذونة بالدلالة عليّ , فمن آذنته كان داعيا إليّ من غير مجهود دعوى ولا جهادها فكيف لو جاهد بعد مجاهدة , فما أجمل أن تكون مأذونا كي تكون داعيا إليّ , فأنت مأذون يا سيّد الأنبياء والرسل , مأذون بالدعوة إليّ , وبالوقوف بالعباد بين يديّ , فلسانك محمّدي فأنت لا تدلّ إلاّ عليّ ( الرفيق الأعلى ) حتّى عند النزعات والسكرات فليس فيك ذرّة منك إلاّ وهي دالّة عليّ فلمّا علموا هذا السرّ تقاتلوا على كلّ شيء منك وفيك

( وسراجا منيرا ) نهاية وصفك الذاتي , قبضة نورية , زكية , مجلى إلهي عمّ نوره وأشرق على الأكوان في حلل بحار الإحسان

هذا مولد الحبيب أقبل فيا طوبى للمحتفلين , ويا طوبى للمحبّين لسيّد المرسلين عليه من الله تعالى أفضل صلاة وأزكى تسليم وآله الكرام وصحابته الفخام

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
	1	2	3	4	5	6
7	8	9	10	11	12	13
14	15	16	17	18	19	20
21	22	23	24	25	26	27
28	29	30