مواهب المنان
مرحبا بزائرنا الكريم
يمكنك تسجيل عضويتك لتتمكن من معاينة بقية الفروع في المنتدى
حللت أهلا ونزلت سهلا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مواهب المنان
مرحبا بزائرنا الكريم
يمكنك تسجيل عضويتك لتتمكن من معاينة بقية الفروع في المنتدى
حللت أهلا ونزلت سهلا
مواهب المنان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» شركة المكنان" خدمات عالية الجودة في عزل خزانات في السعودية
مملكة الحق Icon_minitimeالإثنين 22 أبريل 2024 - 13:50 من طرف شركة الخبرا

» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
مملكة الحق Icon_minitimeالأربعاء 17 أبريل 2024 - 3:26 من طرف الطالب

» هدية اليوم
مملكة الحق Icon_minitimeالإثنين 15 أبريل 2024 - 12:09 من طرف أبو أويس

» حكمة شاذلية
مملكة الحق Icon_minitimeالثلاثاء 9 أبريل 2024 - 23:45 من طرف أبو أويس

» الحجرة النَّبَوِيَّة وأسرارها
مملكة الحق Icon_minitimeالإثنين 8 أبريل 2024 - 0:03 من طرف أبو أويس

» لم طال زمن المعركة هذه المرة
مملكة الحق Icon_minitimeالسبت 6 أبريل 2024 - 0:01 من طرف أبو أويس

» كتاب الغيب والمستقبل لأستاذنا إلياس بلكا حفظه الله
مملكة الحق Icon_minitimeالجمعة 29 مارس 2024 - 19:49 من طرف أبو أويس

» بح بالغرام - لسيدي علي الصوفي
مملكة الحق Icon_minitimeالإثنين 25 مارس 2024 - 9:27 من طرف أبو أويس

» المدد
مملكة الحق Icon_minitimeالأحد 24 مارس 2024 - 19:40 من طرف أبو أويس

» جنبوا هذا المنتدى المساهمات الدعائية
مملكة الحق Icon_minitimeالأربعاء 20 مارس 2024 - 19:24 من طرف أبو أويس

» حقيقة الاستواء عند الأشعري في الإبانة
مملكة الحق Icon_minitimeالسبت 16 مارس 2024 - 19:35 من طرف أبو أويس

» أمة جحر الضب حق عليها العذاب
مملكة الحق Icon_minitimeالسبت 9 مارس 2024 - 2:52 من طرف علي

» إستفسار عمن يتنقل بين الطرق
مملكة الحق Icon_minitimeالثلاثاء 5 مارس 2024 - 9:22 من طرف أبو أويس

» لماذا نتخذ الشيخ مرشدا ؟
مملكة الحق Icon_minitimeالإثنين 4 مارس 2024 - 20:57 من طرف رضوان

» مسح العينين بباطن أنملتي السبابتين بعد تقبيلهما
مملكة الحق Icon_minitimeالجمعة 23 فبراير 2024 - 15:21 من طرف أبو أويس

منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
مايو 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
   1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031 

اليومية اليومية


مملكة الحق

اذهب الى الأسفل

مملكة الحق Empty مملكة الحق

مُساهمة من طرف ابو زهر الدين الجمعة 30 مارس 2012 - 17:44



بينما كان المسافر مرتحلاً في القافلة الباحثة عن مملكة الحق, دبّ به التعب فجأة وشعر أنه عاجزاً عن متابعة الرحلة.

حاول أن يجر قدميه, لكنه وجد أنّهما قد شلتا فسقط على الأرض, وتابعت القافلة رحلتها كي تجوب أصقاع الدنيا باحثة عن مملكة الحق .

تأمل المسافر حال المكان الذي سقط فيه فوجده غابة كبيرة موحشة. وما أن أرخى الليل سدوله على الغابة، ولفـّت الظلمة الأرض والسماء، وراحت الذئاب تعوي, والبوم ينعب, وفحيح الأفاعي يملأ المكان, حتى أخذ الخوف والفزع يعصف في قلب ذلك المسكين, الذي تقطعت به السبل في تلك الغابة الموحشة .

تضرع المسكين إلى المولى قائلاً: مولاي لقد سرت في تلك القافلة ناذراً نفسي كي أصل إليك, ورميت وراء ظهري كل ما قد يعيقني, و ها هي رحلتي قد توقفت في هذا المكان المخيف, و ها هي قدماي قد شلّتا, وها هي الوحوش والأفاعي تحوم من حولي, مولاي أتوب إليك وأستغفر, فإن كنت قد طلبت ما لا أستحقه, فإني أطمع بعفوك, وأرجوك أن تخفف عني العذاب. مولاي أنا أعلم أن مغفرتك لا حدّ لها. فإن عفوت عن جميع خلقك فإنك تعفو عن قبضة تراب…وهاأنذا يا مولاي أسلم لك قياد نفسي فتوكلني يا أرحم الراحمين .

انهمرت الدموع من عينيّ ذلك المسكين, وراح يستعد للنهاية .

اقتربت الذئاب من المسكين وأحاطت به من كل جانب، وراحت تحوم حوله استعداداً للانقضاض عليه وتمزيقه .

تضرع المسكين إلى المولى قائلاً : مولاي إن هذه الذئاب تريد جسدي, وأنا يا مولاي لست هذا الجسد. فإن كانت إرادتك استرداد جسدي, فإني أسلمه راضياً مرضياً.

سمعت الذئاب ابتهال المسكين فأصابها الذعر وفرّت هاربة .

شاهد المسكين الذئاب وهي تفر مذعورة عند سماعها تضرعه, فملأت نفسه الطمأنينة, وعلم أن مولاه لن يخذله. لكن أشباحاً مخيفة حطت عليه من كل جانب, وراحت تخيفه بأنيابها الكبيرة وعيونها الجاحظة, وأشكالها المروّعة, وأصواتها المفزعة, حتى شعر ذلك المسكين أنّه سيجنّ. فتضرع إلى المولى قائلاً : مولاي لأجل معرفتك لا أملك سوى عقلي, فإني إن قدمت جسدي فلا أملك التنازل عن عقلي . ربي أنقذني من محنتي, وأبقِ لي عقلي, لأني بدونه لن أستطيع الوصول إليك.

سمعت الأشباح ابتهال المسكين, فأخذها الخوف والهلع وفرّت هاربة من حيث أتت.

فرح المسكين, وأغمض عيناه وراح يصلّي بحرارة ودموع . وبعد قليل شعر بشيء طري دافئ قد جلس على فخذه .

فتح المسكين عينيه فوجد حورية جميلة أبدع الله جمالها .

قالت الحورية : لا تخف مني أيها التقي ، فلن ينالك مني أي مكروه, فقط اتخذني زوجة لك وسأمنحك ما تريد.

نظر الناسك في عيني الحورية وابتهل قائلاً : مولاي إن عقلي يحتاج إلى قلبي كي يصل إليك . فلا تأخذ مني قلبي كي لا يضيع مني عقلي.‍!.

سمعت الحورية ابتهال الناسك فاختفت لتوّها .

فرح الناسك لاستجابة المولى وعلم أنه لن يخذله أبداً .

فجأةً لاح للناسك من بعيد ضوءٌ ساطعٌ, وعادت قوة الحركة إلى قدميه اليابستين, فانتصب وسار بخطىً حثيثة إلى حيث النور. وعندما اقترب الناسك من مصدره, أستوقفه صوت عظيم قائلاً : قف…إلى أين تسير أيها الإنسان؟.

توقف الناسك لتوّه والتفت إلى مصدر الصوت, فوجد حارساً بقامته الفارعة ومنظره المهيب .

قال الناسك : إني عابر سبيل مقطوع في هذه الغابة الموحشة. وقد وجدت في مصدر هذه الأنوار ما بدد من قلبي شعور الوحدة والوحشة .

قال الحارس: من أنت أيها الإنسان…وإلى أين أنت ماضٍ في طريقك؟

قال الناسك : أنا من نذر نفسه وسار باحثاً عن مملكة الحق .

قال الحارس : لمَ تكلف نفسك كل هذا العناء وماذا تريد من صاحب مملكة الحق؟

قال الناسك : لم أفكر يوماً في مثل هذا السؤال …كل ما أعرفه هو أنه ليست لحياتي من دونه أي قيمة…لا الملك …ولا المتعة يدومان…وحده الذي يبقى ...وكل سواه سراب.

قال الحارس : أتدري أين يتربع صاحب الحق على عرشه ؟.

قال الناسك : بحثت عنه في كل مكان ولم أتمكن الوصول إليه, و ها هو ذا طريقي قد أوصلني إليك بعدما كاد عقلي أن يجنّ.

قال الحارس : لمَ لا تعود أيها الناسك إلى حيث أتيت, فهناك الحياة واللهو والمتعة, أما في هذا الطريق فلا يوجد سوى الوحوش والأشباح والألم .

قال الناسك: لقد اعتزلت لذّة الحياة منذ زمن طويل, وإن عودتي إليها موتي . لقد أصبحت لذّتها مقيئة, ومتعتها سفيهة, وصحبتها دنيئة…ولا أرى في الدنيا سوى حيارى ونيام وسكارى…ولا أرى وجودي إلا حيث الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.

قال الحارس : أيها الحكيم سأدلك إلى قصر أميرة تبحث عن زوجٍ حكيم مثلك, وستجد هناك كل ما تصبوا إليه النفس .

قال الناسك : إنك تعيدني إلى الموت…فلا حياة عندي بالبعد عن ذلك المعشوق الأزلي .

قال الحارس : إني مشفق عليك أيها المسكين من هذا الطريق, فما الذي يغنيك عن متابعة المسير؟.

قال الناسك : نفسي عافت كل شهوة, ولا رغبة لدي حتى في الرغبة. ومن يفني ذاته يتحرر من جميع التعليقات وجميع أوهام الطبيعة. لقد مضيت في هذا الدرب وأنا أعلم الآن أن لا طريق لي سواه.

قال الحارس: قد قصدت الدرب الصعب…وها أنت قد وصلت ولا أدري هل أثني عليك, أم أشفق ؟!. ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

أخذت كلمات الحارس عقل الناسك, لكنه أراد أن يتأكد مما سمع فقال: أرجوك اعد على أسماعي ما قلته .

قال الحارس : لقد قصدت صاحب الحق وها هي ذي أنوار قصره .

هز النبأ كيان الناسك فركع على الأرض وراح يشكر نعمة المولى .

لكن الحارس تابع قائلاً : إني مشفق عليك من هذا الوصول, لأن الوصول شيء والدخول شيء آخر…كثيرون قد وصلوا إلى هنا وعانوا وتعذبوا, لكن أعظمهمّ صرعوا على أبواب هذا القصر.

سأل الناسك : من ذا الذي كان يصرعهم؟.

أجاب الحارس: البوابون العظام الذين قالوا: ويلٌ لمن تزل له قدم!.

قال الناسك: إذاً تفضل عليّ وأوصلني إلى باب هذا القصر .

قال الحارس : اعلم أيها الطيب إننا نحن الحراس يحظـّر علينا الاقتراب من أبواب القصر, لكني أفيدك أن للقصر إثنا عشر باباً, يقف على كل باب بواب عظيم, إن عرفت أحدهم أدخلك القصر, وإن أخطأت فويلٌ لمن تزل له قدم .

قال الناسك :أي الأبواب أعظمها؟.

قال الحارس: إن جميع الأبواب عظيمة, لكن أعظم الواصلين هو من تفتح له جميع الأبواب .

قال الناسك: قد أحسنت لي صنعاً بهذا النصح…فلا تخف عليّ. إني سأمضي إلى القصر ولا ضير إن صُرعت… فلتبقَ الحقيقة طاهرة مقدسة لا يطالها عيب أو دنس…إني قصدت مشاهدة المعشوق الأزلي وكم يسعدني الموت لأجله.

قال الحارس : لا شك في أنك أيها الناسك من خيرة الواصلين .

ودّع الناسك الحارس, وسار إلى القصر بخطىً ثابتة, وقلب مستبشر. وعندما وصل أحد الأبواب صاح به البواب بصوتٍ عظيم مدوٍّ: قل لي من تقصد داخل هذا القصر وإلا قتلتك !؟.

نظر الناسك إلى البواب متأملاً رهبته وهيبته, ثمّ ابتسم قائلاً: أقصد الطيبة والمحبّة فهما نبع الوجود .

عبس البواب في وجه الناسك وصاح بصوته المدوي قائلاً : قل لي من أنا وإلا قتلتك ؟‍‍‍‍‍‍‍‍

ابتسم الناسك فرحاً مستبشراً وسجد عند أقدام البواب وقال : عرفتك يا حبيبي, أنت الطريق 1.

ابتسم البواب وضم الناسك بحرارة وقال: أحسنت لقد عرفتني وعرفت الطريق…هاأنذا أفتح لك بابي فادخل أيها المكافح الجسور.

حيّا الناسك البواب قائلاً : ما أسعدني برؤياك أيها الحبيب, لكن ائذن لي برؤية البوّاب الآخر .

قال البواب: ما أسعدني بك أيها البطل اذهب ولك دعائي .

اقترب الناسك من الباب الثاني فصاح به البواب قائلاً : لمَ تغامر بحياتك أيها المغامر بعدما فتح لك أخي بابه, ولمَ تعرض نفسك للخطر بعد فوزٍ عظيم؟.

تأمل الناسك هيئة البواب وفرح وقال : أتيت لأدرك معنى النور .

صاح البواب بصوتٍ مزلزل: قل لي من يسكن هذا القصر وإلا قتلتك..؟.

قال الناسك بفرحٍ وسرور: إنه نور على نور.

قال البواب : ومن أكون أنا.

أجاب الناسك : أنوارك تخبر عن نورك2.

ابتسم البواب ونظر إلى الناسك بكل حب وقال: لقد عرفتني فادخل إلى قلبي أيها السعيد.

قال الناسك : كم اشتقت إليك وإلى مطالعة نور وجهك العظيم . لكن شوقي لرؤية وجوه الحكماء العظام كبير, فاْذن لي رؤية وجه البواب العظيم الآخر .

قال البواب : أهنئ نفسي بك فاذهب ولك دعائي .

اقترب الناسك من الباب الثالث, فصاح البواب بصوتٍ رهيب: إلى أين تمضي أيها المغامر المقامر؟ ولمَ كل هذه المقامرة بعد ما فتح لك أخواي بابيهما العظيمين؟ فمن ذا الذي تقصده داخل هذا القصر؟.

تأمل الناسك البواب وذهل من رهبة عظمته وشعر بعاصفة تدب في جسده وراح صدى صوت البوّاب يهز أعماقه وكيانه. تمالك الناسك نفسه وقال بالرغم من هول الحال الذي وصل إليه: إنه ذاتي و ذواتي حاضر لا يغيب.

رفع البواب يده وقال بصوت مدوٍّ: قل لي من أكون أنا وإلاّ قتلتك. أغمض الناسك عينيه وقال مبتسماً أنت الشفع والوتر1.

تحولت العاصفة التي عصفت في كيان الناسك . إلى ذبذبة لطيفة , ففتح عينيه, ليجد البوّاب ينظر إليه بفرح.

قال البوّاب : ما أذكاك أيها المسافر . يحق لك أن تدخل بابي .

قال الناسك: كم كان شوقي إليك كبيراً , لكني راغب في أن تدعوا لي بالنجاح في طرق الباب التالي .

قال البوّاب : احترس يا بني من الاسترسال في الأمنيات وتذكر أنه ويل لمن تزل له قدم .

قال المسافر: إن شوقي للكل عظيم فأذن لي وامنحني بركتك .

قال البوّاب : ما أعظمك أيها المسافر , اذهب برعاية المولى .

ودّع المسافر البواب وذهب إلى الباب الرابع, وعندما اقترب منه, شاهد بواباً من لهب النار. امتدت ألسنة النار وعلت في السماء, وتمدد جسد البوّاب وعلا صوته مدوياً: قد استرسلت في أمنياتك و طلبت ما لم يكن لديك القدرة على حمله, حتى وصلت الآن إلى حتفك, وها أنت قد رفضت الدخول من أبواب أخوتي الثلاثة ووقعت في حممي وألسنتي. رفع البواب يده وصاح: قل لي من هو صاحب هذا القصر وإلا قتلتك؟.

قال المسافر : إنه النار الموقدة التي تطلع على الأفئدة . إنها التي تخلق كل شيء وهي التي تفني كل شيء .

قال البواب : قل لي بسرعة من أنا وإلا قتلتك؟.

اتجه المسافر إلى البوّاب بكل أمان وطمأنينة وأسلم نفسه للبواب مبتسماً وقال: إنك الذي توقد ذاتك كي تمنح الحياة للآخرين.

تحوّل البواب على الفور كي يصبح جسده من ألق البرق وابتسم قائلاً : أحسنت يا ذا العقل الثابت الراسخ كالطود في العواصف. لقد أصبحت النار الآن باردة عليك فادخل بابي و ليكن لك أمني و سلامي.

قال المسافر: تبارك القدوس في هذا الجلال والهيبة والوقار, لكني الآن أطمع في بركتك من أجل الوصول إلى الباب الآخر.

قال البوّاب: من يملك عزمك و رسوخك لن يثنيه أحد عن أمره, و من يملك إيمانك و تفانيك لن يغلق في وجهه باب, اذهب بأمان الله ولك دعائي ورجائي .

ودّع المسافر البواب واقترب من الباب الخامس, وشاهد بواباً عابساً. قال البواب غاضباً : لمَ كل هذا الاسترسال في الأمنيات ؟ ولمَ أتيت بابي وقد أكرمك البوابون العظماء ففتحوا لك أبوابهم ؟. ولمَ تحمّل نفسك الكثير من الكارما فتبكي وتصيح وتنوح فتستنفر كل من في السماء إشفاقاً عليك ؟. ولمَ أتيت بابي؟

قال المسافر: كي أكحل عيني بالكرم.

قال البوّاب : هل عرفتني ؟.

قال المسافر : أنت معلم الفضيلة والتفضيل . أنت صاحب الشفاعة . أنت من يتألم كي يرفع الألم عن الآخرين لينُشئ, وحدة الروح, وليجسد الحب كعطاء وتضحية وتفانٍ2.

قال البوّاب : قلبي معك .

قال المسافر : ما أسعد عينيَّ وقد تكحلتا برؤياك أيها الكريم فأدع لي, أن أكمل رحلتي بنجاح.

قال البوّاب : من سما بعقله وروحه إلى هذا المستوى فلا بد أن تطيعه مخلوقات الأرض وسكان السماء. اذهب ولك دعائي.

ودّع المسافر البوّاب باحترام وخشوع ومضى إلى الباب السادس وهاله منظر البوّاب الذي كان يشع وجهه بهاءً ووقاراً..

قال البواب: إنك تقصد حقيقة أزليه طاهرة . وتأبى الحقيقة فتح جميع أبوابها لمن لم يتزود بأنوار المعرفة الحقة ، وها أنت قد وصلت إلى الباب الحرج الذي صرع عليه آلاف آلاف النساك وإني أمنحك فرصة العودة والدخول عبر الأبواب الخمسة التي فتحت لك .

سجد المسافر عند أقدام البواب وضم كفيه إلى صدره وقال : كيف لي أن أعود بعد أن عرفت مؤنس الصور1.

قال البواب : أتعلم من يسكن هذا القصر؟.

قال المسافر : إنه الذي تتميّز عبادته عن عبادة العدم . فهو المعبود موجوداً لأن تنزيه الغائب إعدامه .

قال البوّاب مبتسماً : أهلاً بالحكيم السعيد وهنيئاً لك لما قد صرت إليه .

قال المسافر: إن شوقي لمصدر نبع الوجود عظيم ولن أصل إلا برضاكم فهب لي نعمة الرضا.

قال البوّاب : ومن يفنى يشاهد كل أسرار الوجود فاذهب ولك رجائي .

ودّع المسافر البوّاب واقترب من الباب السابع بكل حب وخشوع . وشاهد بوّاباً يشع جمالاً.

قال البوّاب : وصلت إليّ وأنا أشفق عليك من سحري وخداعي, فجميع من في الكون قد صرعوا بفعل سحري وخداعي, ولن ينفذ أحد من أقطار السماوات والأرض ما لم ينفذ بسلطان, فهل تستطيع أن تعرف من هو صاحب هذا القصر؟.

راح الناسك يجول بنظره في البواب ودب في كيانه فرح شديد .

وقال: إنه كل شيء وهو الذي أسمى من أن يكون شيئا ً.
قال البواب : هل عرفتني من أكون..؟.

قال المسافر بفرح وسعادة ونشوة عظيمة : تبارك صاحب المجد أنت المعرفة1.

قال البواب : المجد لك أيها المكافح الباسل قد عرفتني وعرفت كن فادخل بابي بعد أن نجحت في طرق الباب الصعب .

قال المسافر : ائذن لي يا صاحب المعرفة أن أنهل من معارف علوم الروح, وهب لي بركتك لمتابعة المسير.

قال البواب : إني فرح بك وكلي دعاء ورجاء أن تصل بسلام .

ودع الناسك البواب بكل خشوع, واتجه إلى الباب الثامن بكل رضاء وتسليم وشاهد بواباً هادئاً يشع وجهه أنساً وبهاءً ومحبة .

قال البواب: لن أخيفك أيها المسافر المجد المكافح . لكن ألا تشفق على نفسك من هذا المسير الخطير؟.

قال المسافر: منذ أن رحلت عن عالمي السماوي, ووطئت قدماي دنيا العدم, لم أرَ الراحة ولم أتذوق طعم السعادة . فلا يهم عندي الفشل, طالما أني أطمع للعودة إلى مكاني.

قال البواب : أتظن العودة أمراً سهلاً ؟.

قال المسافر: بالطبع لا.. لكني أمحو ذاتي وأعيدها إلى مصدرها .

قال البواب : أتغمض عينيك , وتلقي نفسك في البحر, وتسمي ذلك حكمة ؟.

قال المسافر: أجل لكن البحر الذي ألقي نفسي فيه ليس كسائر البحار. إنه بحر العدل والخير والجمال .

قال البواب : هل تعرف من أكون أنا..؟

قال المسافر : إنك حافظ الكون وحاميه1، إنك البداية حيث هو بلا بداية, وإليك النهاية حيث هو منزه عن البداية والنهاية.

ابتسم البواب وضم المسافر إلى صدره وقال : أيها الحبيب حسناً أتيتني وحسناً فزت. ألا تكفي نفسك عناء متابعة الرحلة, بعد أن فتحت لك الأبواب الثمانية .

قال المسافر: أيها الحبيب في حنايا روحي يسكن معشوق عظيم, طالما هامت روحي به, وجذبني شوقي لعبيره الساكن في كياني, وإنّي أشعر أن طريقي الوحيد إليه هو الكمال, فادعو لي أيها العظيم كي أبلغ نعمته.

قال البواب : حسناً تفعل يا بني. لكن الباب التالي ليس كباقي الأبواب, والعودة منه ليس كسائر العودات, فإن قررت متابعة المسير, فسر بثبات ورسوخ وعزم, ولا تدع للخوف والوهن طريقاً إلى قلبك, فعند الباب التالي شاهدنا أقوى المسافرين يصرعون على أعتابه.

قال المسافر: لم تكن رحلة الكمال في يوم من الأيام نزهة, ولم يكن الجمال الأسمى في يوم من الأيام سهل المنال صحيح أني أطلب الموت وأعتزم مفارقة الحياة لكني أمتلك طاقة حب هائلة تجعلني أمضي عبر نيران الوجود.

ودع المسافر البواب ومضى إلى الباب التاسع وفجأة هبت عليه عاصفة هوجاء وقصف الرعد وومض المكان من شدة البرق.

حاول المسافر جمع قواه لمقاومة العاصفة, وبحث عن مصدر هذا البرق الخاطف, فوجده ينبع من عيني مارد جبار, يكلل رأسه قرص لهب عظيم, حيث يتكئ على فراش رهيب من الأفاعي. ورأى المردة والشياطين ترتعد من منظره المهيب. وبأمر من البواب نشبت الأفاعي والتفـّت حول جسد المسافر النحيف . وقصف الرعد وخطف البرق نظر المسافر .

تضرع المسافر قائلا : تبارك المولى وتباركت صفاته , مولاي عرفت صفتك العظيمة, إنك مدمر العالم وفانيه2.

دوى صوت البواب مزلزلاً : قل لي من أنا؟

أجاب المسافر: إنك إن دمرت بنيت, وإن أفنيت قصدت البناء. عندك تصل الرغبات والابتهالات فيمضي كل شيء حسب إرادتك, وعندك تصل العزوم والمد والطموح فتفني أمام إرادتك, أرجوك لا تعد بي إلى الفناء, وهب لي مقعد صدق في رحلة التجّدد.

اختفت فجأة جميع مظاهر الرعب وعادت قوة الإبصار إلى عيني المسافر، نظر المسافر حوله فوجد البواب يشع إنساً وحباً وعطفا ً.‍‍‍‍‍

قال البواب : قل لي من أنا ؟

قال المسافر: إنك الأب الحقيقي

قال البواب : ومن ذا الذي يقتل ويدمر ويفني؟.

قال المسافر: هو الجهل .

قال البواب: ولمَ الدمار والفناء ؟.

‍‍قال المسافر: لأجل بناء أفضل !.

قال البواب : هنيئاً لك أيها الحكيم الطموح وهنيئاً لنا بك. لقد استحقيت دخول أعظم الأبواب هولاً وخطراً, فادخل باب أبيك, وكْفِ نفسك عناء المسير, فالأبواب الباقية أكثر أنساً من الأبواب السابقة لكنها أعظم خطراً . لأنه ويل لمن تزل له قدم.

قال المسافر: شوقي لصدرك الدافئ يا أبي عظيم, لكن صوتاً في أعماقي يناديني لمتابعة المسير, فهب لي بركتك كي أتابع رحلتي .

قال البواب : مهما ذهب بنا الحب والحرص على أبنائنا, تبقى للحقيقة المطلقة حرية تحريكنا, ولا نملك إزاءها إلا الرضى والتسليم . فما دمت مخلصاً لهذا الصوت, وما دمت تملك هذا العزم, فإني أبارك جرأتك وإقدامك .

ودّع المسافر البواب بكل إجلالٍ وخشوع, وسار إلى الباب العاشر, وفوجئ بمنظر بوّاب ساحر قد جلس في وسط زهرة لوتس, وقد ملئت جسده آلاف العيون وآلاف الأيدي, وبدا لونه بلون ألق البرق .

شاهد البواب المسافر فقهقه ضاحكاً وهزت ضحكاته المكان, ونفثت كل عين من عيونه شموساً ومجرات, وراحت أياديه تلعب بها, وكاد عقل المسافر أن يطير من هول هذه الألعاب السحرية.

قال البواب : هنا امتحان الفصل . أنا محيّر القلوب و مشتت العقول, فها هو فكرك أعجز من أن يصل بك إلي, وها هو كيانك يذوب بين أصابعي, وها أنت لا تملك أمامي الآن سوى العجز.

قال المسافر: لا الفكر ولا العلم يستطيعان الوصول إليه, فتبارك الذي لا يعبد إلا إقراراً بالعجز والتسليم .

قال البواب : قل لي من أكون أنا واعلم أني أستطيع محوك كما أمحو المجرات والشموس.

قال المسافر: تبارك صاحب الملكوت1.

قال البواب : ما أوسع بصيرتك أيها المسافر الباسل المكافح. تفضل إلى الجنة التي عرضها السماوات والأرض, فلك عندي كل السعادة.

قال المسافر: تبارك العظيم في مجده, لكن اعلم أيها المجيد أن السعادة التامة مستحيلة حتى في جنتك. إني لا أرضى بسعادة سوى سعادة لقائي بالعلي الأعلى, فادعو لي كي أصل إليه .

قال البواب : فرحي عظيم بك, لكن أحذر ويل لمن تزل له قدم .

قال المسافر: بداخلي من يقودني في رحلتي, وأنا أسلمت له قياد نفسي, فإن كانت نفسي تملك الكثافة فلتحترق, ولتبق الحقيقة منزهة طاهرة .

حيّا المسافر البواب بخشوع عظيم, ثم اتجه إلى الباب الحادي عشر فوجد حارساً ساكناً صامتاً زاهداً عابداً, يشع من وجهه الطيب البراءة .

سجد المسافر عند قدمي البوّاب وضم كفيه إلى صدره .

ابتسم البواب ورفع يده بتحيّة السلام وقال : أهلاً بك أيها المحبوب, طالما وصلت إليّ فمن واجبي أن أفتح لك الباب ويكفي أن تعرف الطريق إلي .

قال المسافر : عرفتك أيها الحبيب يا مؤنس الصور, وعرفت معنى إذا حلّ بالناسوت لا يغيب عنه علم الملكوت1,وعرفت معنى المعبود الموجود وتمييز عبادة العدم. فامنحني رجائك كي أصل الباب الأخير.

قال البواب : قلبي معك يا بني لكن الباب الأخير صعب المنال .

قال المسافر: لقد سمعتك تقول: إن الجسارة هي المحرض الأول للوجود, وإن استمرار الحال من المحال, فما دام الصوت الذي في داخلي يناديني, وما دام عشقي للحقيقة يقضّ مضجعي, فسأمضي في رحلتي لا طمع لدي إلا لقاء العلي الأعلى. سأتابع رحلتي ممتحناً صفائي وتهذيبي لذاتي, ولن أحزن إن فشلت أو حرقت لأني أعلم أن الجمال كلما كان سامياً كلما كان صعب المنال.

قال البواب: امضِ في طريقك واعلم أن قلوبنا معك .

ودع المسافر البواب بكل إجلالٍ واحترام، واتجه إلى الباب الأخير, لكن خوفاً وذعراً هزّا كيانه عندما شاهد بواباً أكثر سكينه وأنساً وتواضعا ً.

قال البواب : لقد حققت كل ما قد تصبو إليه النفس, وفتح لك أخوتي أحد عشر باباً, فعد وتلقَّ المجد, ولا تظلم نفسك في الدخول عبر أشراكي, فبابي لا يفتح إلا بصعوبة, وقد هزم عليه أعظم المغامرين .

وقف المسافر أمام البواب ذاهلاً حائراً وكأنه قد ُصبَّ عليه ماء بارد وقال : قد وصلت رحلتي إلى نهايتها, و ها أنذا أقف أمامك مذهولاً عاجزاً حائرا ً. لقد عرفت طريق جميع الأبواب لكني أقف الآن عاجزاً عن معرفتك .

قال البواب : يفترض بك أن تصرع فور تلفظك لهذه الكلمات, فهنا لا مجال للخطأ, لكن سأمنحك فرصة العودة والدخول من الأبواب التي فتحت لك. فعد وتلقَّ المجد أيها المكافح الصالح.

جلس المسافر على الأرض بعد أن هدت عزيمته مرارة الفشل وقال : كيف أقبل المجد بعد عجزي عن معرفة الكمال.

بكى المسافر بدموع غزيرة وقال : يا طول شوقي إليها ويا حسرتي عليها .

قال البواب : لقد قصدت أبعد ما يمكن أن يقصد, فالتحقق شيء والتحقق من التحقق شيء آخر, لأن التحقق من التحقق موضوعي يحتاج للمزيد من معرفة موضوعات كون كيان الأكوان, وهو المنعطف الكوني للأكوان. إنك أيها المكافح قد مضيت في طريق تريد أن تنهيه وسأثبت لك أنك قرأت الحقيقة وطالعتها جيداً وتوصلت إلى التحقق. لكن مسألةالتحقق من التحقق ظلت معضلتك الأخيرة, لهذا سأمنحك فرصة الدخول عبر بابي إذا أجبتني عن أسئلتي.

فرح المسافر ونظر مستبشراً إلى البوّاب وراح ينتظر الأسئلة .

قال البواب : قل لي من يرى الذات ؟.

قال المسافر : لا يرى الذات سوى الذات وتبارك الذي لا يراه في حكمائه المتألهين سواه .

قال البواب: هل يتكثـّر الوجود؟.

قال المسافر: نعم يتكثر بتكثر الموضوعات ويقال بالتشكيك على عوارضها, والتشكيك هو الأولية والأولوية والأشدية.

قال البواب : ها أنت قد عرفتني لكنك لم تتحققني, لقد وصلت إلى المعرفة وعليّ أن أصل بك إلى التحقق من التحقق .

فتح البواب الباب وقال : لقد فُتحت لك الأبواب الأحد عشر لعلمك, لكن عليك أن تعرف أن هذا الباب قد فتحته لك الرحمة, فادخل بسلام فالمعشوق الأزلي بانتظارك وهو أكثر منك شوقاً إليك.

دخل المسافر فرحاً مستبشراً مع البوّاب إلى داخل القصر وقلبه يرقص فرحاً, وراح يجول بنظره هنا وهناك باحثاً عن معشوقه الأزلي, لكنه عبثاً لم يجده .

قال الواصل : أين المعشوق الأزلي قد علمت أنه لا يفارق قصره قط .

قال البواب : ابحث عنه ببصيرتك يا بني لا ببصرك, عالماً أنه ما في القصر سواه .

بحث الواصل ببصيرته عن معشوقه الأزلي وبدا له وجه البواب يشع نوراً وألقاً.

أرسل المولى نسمة من نسماته إلى الواصل فشعر بها وكأنه قد عاش حياة ألف ألف ربيع.

سجد الواصل تحت أقدام المولى وراح يصلّي! سبحان من حارت به العقول, وتبارك الذي يعبده الجاحدون كرهاً في أصنامهم.

قال المولى : قف يا بني وافتح جميع الأبواب واجمع البوابين .

وقف الواصل على قدمية, ونشوة الروح لا زالت تسكره, وفتح أحد الأبواب وطلب من البواب الدخول, لكنه أصيب بذهول بعد أن شاهد صورة المولى قد حلّت في صوّرة البواب. راح الواصل يفتح أبواب القصر, لكنه كان يشاهد صورة المولى قد حلت في صور جميع البوابين.

اتجه الواصل بذهول شديد إلى المولى ليسأله كيف حدث ذلك, لكن صدمة قد محته عندما شاهد أن صورة المولى قد تبدلت وصارت كصورة الواصل .



‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
ابو زهر الدين
ابو زهر الدين

ذكر عدد الرسائل : 45
العمر : 57
تاريخ التسجيل : 05/06/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى