حدّثني قلبي

سمعت صدى قلبه يئنّ أنينا رقيقا حنينا , حزينا كئيبا , فأشفقت عليه كمدا وشجنا , ثمّ إقتربت منه وتعرّفت إليه فأنكرني , فأردت أن أسأله عن سبب حزنه , فبكى دمعا غزيرا , ولوعة ونحيبا , فكاد حزنه يغرقني في بحار الأسى , حتّى أوشكت يقينا أنّي في نار لظى , فسمعت همس سواقي قلبه تسقيني من عطفها وحنانها , ورقّتها وجمالها , لما رأته من حالتي وشفقتي عليه , فناداني من غير صوت ولا همس وبلا مقال و لا إشارة غير إشارة النظر حيث سقر , فقلت حدّثني رحمك الله ورعاك , وخفّف عنك مناي ومناك : ما معنى الحبّ :

فقال لي : الحبّ سيدي لا مثال له حتى تدريه ولا وصف له حتى تحلّ فيه
فأعجبتني الإشارة وإستغرقتني العبارة حتّى سمعت همس سواقي العطف والحنان تسقي ورود قلبه
فقلت له : سيدي ما معنى : الحبّ ؟
فقال لي : الحبّ سيدي ذرّة مقدّسة أبحث عنها في فيافي التيه ومعالي التنزيه , لا تراها العين ولا يلحقها الأين والشين
فنادتني العبارة إلى عائلة الإشارة حتّى سمعت خرير زمزم الجمال ينبع من عيون قلبه فتهت هناك
فقلت له : سيدي ما معنى الحبّ ؟
فقال لي : الحبّ سيدي ذوبان الشعور في ذرّات الأكوان , وسيلان الإحساس في عوالم الإحسان
فغمرني شعور بالذنب وإعتقاد بالعيب فما أنقذني إلا همهمة قلبه لا أدري ما يقول
فقلت له : سيدي ما معنى الحبّ ؟
فقال لي : الحبّ سيدي طهر الوجود بخمرة الشهود فوق عرش الرحمة ومشاهد قدسية العلم
فأيقنت بهلاكي لولا تدفّق أنهار حنانه فسمعت إنشقاق سدود عطائف قلبه
فقلت سيدي : ما معنى الحبّ ؟
فقال لي : الحبّ سيدي هو البوح : ( حبّ ) ثمّ إعكسها ف: ( بح ) وهو إنبثاق فجر الوجود بمقامات الشهود وهذا هو البوح
فأسكرني هذا الكلام لما في قلبي ومهجتي من الهيام حتى كدت أصول لولا همس نسائم عواطف قلبه
فقلت له : سيدي ما معنى الحبّ ؟
فقال لي : الحبّ سيدي هو الإعدام بسيف التعلّق فوق مشنقة التملّق
فدكّ قلبي لسماع هذا الكلام حتى أيقنت بالإنفصام لولا دواعي نشيد أمواج أشواق قلبه تسعفني

ثمّ ظهرت على محيّاه شوارق بدور الرقّة حتى أبكاني حنانه وأحزنتني رقّته فسال قلبي كمدا عليه وشفقة ورحمة عليه
ثمّ قلت له : سيدي من أنت ؟
فقال لي : هو أنت
هناك إستيقظت فإذا بقلبي كان يحدّث قلبي

نعم سيدى الحبيب هذا ما أريد أن استنشقه...
لقد قال ابن الفارض :
زدنى بفرط الحب فيك تحيّرا، وارحم حشى بلظى هواك تسعرا .