بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الفتح الرباني 3
صفحة 1 من اصل 1
الفتح الرباني 3
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم اجعلنا من احبابك و من طلابك و من مدمني قرع ابوابك
أيـهـا الـفـقـيـر لا تـتـمـنّ
الـغـنـى ، فـلـعـلـّه ســبـب هـلاكـك . و أنـت
أيـهـا الـمـريـض لا تـتـمـنّ
الـعـافـيـة ، فـلـعـلـّهـا ســبـب هـلاكـك . كــن عـاقـلاً . احـفـظ ثـمـرك
يـحـمـد أمـرك
. اقـنـع بـهـذا
الـقـدر الـذي مـعـك و لا تـطـلـب زيـادة عـلـيـه . كـلّ مـا يـعـطـيـك الـحـق
عـزَّ و جـلَّ بـســؤالـك فـيـكـون كـدراً و بـغـضـة . قـد جـربـت هـذا إلا أن
يـؤمـر الـعـبـد مـن حـيـث قـلـبـه بـالـســؤال ، فـإذا أمـر لـه بـالـســؤال
بـورك لـه فـيـمـا ســأل ، و أزيـلـت الأقـذار عـنـه . و لـيـكـن أكـثـر ســؤالـك
الـعـفـو و الـعـافـيـة و الـمـعـافـاة الـدائـمـة فـي الـديـن و الـدنـيـا و
الآخـرة . اقـنـع بـهـذا فـحـســب . لا تـتـخـيـر عـلـى الله عـزَّ و جـلَّ ، و لا
تـتـجـبّـر ، فـإنـه يـقـصـمـك . لا تـتـجـبـّر عـلـى الله عـزَّ و جـلَّ و عـلـى
خـلـقـه بـشــبـابـك و قـوتـك و مـالـك ، فـإنـه يـبـطـش بـك و يـأخـذك أخـْذ مـن
أخـذه ، فـإن أخـذه ألـيـم شــديـد . ويـحـك ، لـســانـك مـســلـم أمـا قـلـبـك
فـلا . قـولـك مـســلـم أمـا عـمـلـك فـلا . أنـت فـي جـلـوتـك مـســلـم ، أمـا
فـي خـلـوتـك فـلا . أمَـا تـعـلـم أنـك إذا صـلـّيـت و صـمـت و فـعـلـت جـمـيـع
أفـعـال الـخـيـر ، إن لـم تـردْ بـهـذه الأعـمـال وجـه الله عـزَّ و جـلَّ ،
فـأنـت مـنـافـق بـعـيـد عـن الله عـزَّ و جـلَّ . تـب الآن إلـى الله عـزَّ و
جـلَّ مـن جـمـيـع أفـعـالـك و أقـوالـك و مـقـاصـدك الـدنـيـة . الـقـوم لـيـس
فـي أعـمـالـهـم مـلـق . هـم الـفـائـزون ، هـم الـمـوقـنـون الـمـوحـدون ،
الـمـخـلـصـون ، الـصـابـرون عـلـى بـلاء الله عـزَّ و جـلَّ و آفـاقـه ،
الـشــاكـرون عـلـى نـعـمـائـه و كـرامـاتـه . يـذكـرونـه بـألـســنـتـهـم ثـم
بـقـلـوبـهـم ، ثـم بـأســرارهـم . إذا جـاءتـهـم الأذايـا مـن الـخـلـق ،
تـبـسّــمـوا فـي وجـوهـهـم . مـلـوك الـدنـيـا عـنـدهـم مـعـزولـون . جـمـيـع مَـن
فـي الأرض عـنـدهـم مـوتـى ، عـجـزى ، مـرضـى ، فـقـراء . الـجـنـّة بـالإضـافـة
إلـيـهـم كـأنـهـا خـراب . الـنـار بـالإضـافـة إلـيـهـم مـخـمـودة . كـانـوا مـع
الـدنـيـا و أهـلـهـا ، ثـم صـاروا مـع الآخـرة و أهـلـهـا ، و ثـم صـاروا مـع رب
الـدنـيـا و الآخـرة . الـتـحـقـوا بـه و بـالـمـحـبـيـن لـه ، ســاروا مـعـه
بـقـلـوبـهـم حـتـى وصـلـوا إلـيـه ، و حـصّـلـوا الـرفـيـق قـبـل الـطـريـق .
فـتـحـوا الـبـاب بـيـنـهـم و بـيـنـه بـذكـرهـم ، مـا زالـوا يـذكـرونـه حـتـى
حـطّ الـذكـر عـنـهـم هـَـمّ أوزارهـم . فـقـْـدُهـُـم مـع غـيـره و وجـودهـم بـه
. سـمـعـوا قـولـه عـزَّ و جـلَّ :
(( فـَـاذكـُـرُونِـي أذكـُـرْكـُـمْ و اشــْـكـُـرُوا لـي
وَ لا تـَـكـْـفـُـرُون )) فـلازمـوا الـذكـر لـه طـمـعـاً فـي ذكـره لـهـم . ســمـعـوا قـولـه عـزَّ
و جـلَّ فـي بـعـض مـا تـكـلـم بـه : ( أنـا جـلـيـس مـن ذكـرنـي ) ، فـهـجـروا مـجـالـس الـخـلـق
و قـنـعـوا بـالـذكـر حـتـى تـحـصـل لـهـم الـمـجـالـســة لـه
.
يـا قـوم لا تـهـتـوســوا ، أنـتـم هـوس . هـذا الـعـلـم
لا يـنـفـعـكـم بـلا عـمل . تـحـتـاجـون أن تـعـمـلـوا بـهـذا الـســواد عـلـى الـبـيـاض ،
و هـو حـكـم الله عـزَّ و جـلَّ ، تـعـمـلـون بـه يـومـاً بـعـد يـوم ، و ســنـة
بـعـد ســنـة ، حـتـى تـقـع فـي أيـديـكـم ثـمـرتـه .
يـا غـلام ، عـمـلـك يـنـاديـك : أنـا حـجّـة عـلـيـك إن لـم تـعـمـل
بـي ، و حـجـة لـك إن عـمـلـتَ بـي . عـن الـنـبـي صـلـى الله عـلـيـه و سـلـم
أنـه قـال : ( يـهـتـف
الـعـلـم بـالـعـمـل ، فـإن أجـابـه و إلا ارتـحـل ) . تـرتـحـل بـركـتـه و تـبـقـى
مـحـنـتـه . تـرتـحـل شــفـاعـتـه لـك مـن مـولاه ، و يـنـقـطـع دخـولـه عـلـيـك
فـي حـوائـجـك . ارتـحـل لـكـونـه بـقـي قـشــوراً ، فـإنّ لـبّ الـعـلـم الـعـمـل
. لا تـصـحّ مـتـابـعـتـك لـلـرســول صـلـى الله عـلـيـه و ســلـم ، حـتـى تـعـمـل
بـمـا قـال . إذا عـمـلـت بـمـا أمـرك بـه اســتـقـبـل قـلـبـك و ســرّك و
أدخـلـهـمـا عـلـى ربـهـمـا عـزَّ و جـلَّ . عـمـلـك يـنـاديـك و لـكـنـك لا
تـســمـعـه ، لأنـه لا قـلـب لـك .اســمـعـه بـأذن قـلـبـك و ســرك ، و اقـبـل قـولـه ، فـإنـك
تـنـتـفـع بـه الـعـلـم بـالـعـمـل يـقـربـك إلـى الـعـالـم الـمـنـزل لـلـعـلـم .
إذا عـمـلـت بـهـذا الـحـكـم الـذي هـو الـعـلـم الأول نـبـعـث عـلـيـك عـيـن
الـعـلـم الـثـانـي . يـصـيـر عـنـدك عـيـنـان عـيـنـان تـجـريـان يـحـشــى قـلـبـك
الـحـكـم و الـعـلـم الـظـاهـر و الـبـاطـن . حـيـنـئـذ يـجـب زكـاة ذلـك ،
تـواســي بـه الأخـوان و الـمـريـديـن . زكـاة الـعـلـم نـشــره و دعـوة الـخـلـق
إلـى الـحـق عـزَّ و جـلَّ .
يـا غـلام مـن صـبـر قـدر . قـال الله تـعـالـى
(( إنـّمـا يُـوَفـَّى الـصَّـابـِرُونَ أجْـرَهـُمْ
بـِغـَيـْرِ حِـسَــابٍ )) . كـُلْ بـكـســبـك و لا تـأكـل بـديـنـك . اكـتـســب و كـُلْ و واسِ مـنـه
غـيـركَ . اكـتـســاب الـمـؤمـنـيـن
أطـبـاق الـصـديـقـيـن . لا حـظ ّ لـحـرفـهـم إلا بـالإضـافـة إلـى الـفـقـراء و
الـمـســكـيـن ، يـتـمـنـون إيـصـال الـرحـمـة إلـى الـخـلـق ، يـطـلـبـون بـذلـك
رضـا الـحـق عـزَّ و جـلَّ و مـحـبـتـه لـهـم . ســمـعـوا قـول الـنـبـي صـلـى الله
عـلـيـه و ســلـم " الـنـاس عـيـال الله عـزَّ و جـلَّ ، و أحـبُّ
الـنـاس إلـى الله عـزَّ و جـلَّ أنـفـعـهـم لـعـيـالـه " . أولـيـاء الله بـالإضـافـة إلـى الـخـلـق صـمّ بـكـم عـمـي ،
إذا قـربـت قـلـوبـهـم مـن الـحـق عـزَّ و جـلَّ لا يـســمـعـون مـن غـيـره و لا
يـبـصـرون غـيـره ، يـبـيـحـهـم الـقـرب و تـغـشــاهـم الـهـيـبـة و تـفـيـدهـم
الـمـحـبـة عـنـد مـحـبـوبـهـم . فـهـم بـيـن الـجـلال و الـجـمـال لا يـمـيـلـون
يـمـيـنـاً و لا شــمـالاً . لـهـم أمـام بـلا وراء ، يـخـدمـهـم الإنـس و الـجـنّ
و الـمَـلـَك و أنـواع الـمـخـلـوقـات يـخـدمـهـم الـحـكـم و الـعـلـم ،
يـغـذيـهـم الـفـضـل ، و يـرويـهـم الأنـس ، مـن طـعـام فـضـلـه يـأكـلـون ، و مـن
شــراب أنـســه يـشــربـون . عـنـدهـم شــغـل مـن ســمـاع كـلام الـخـلـق ، فـهـم
فـي وادٍ و الـخـلـق فـي وادٍ يـأمـرون الـخـلـق بـأمـر الله عـزَّ و جـلَّ ، و
يـنـهـون بـنـهـيـه نـيـابـة عـن الـنـبـي صـلـى الله عـلـيـه و ســلـم . هـم
الـورّاث عـلـى الـحـقـيـقـة ، شــغـلـهـم ردّ الـخـلـق إلـى بـاب الـحـق عـزَّ و
جـلَّ . يـركـبـون حـجـتـه عـلـيـهـم ، يـوقـعـون الأشــيـاء فـي مـواقـعـهـا ،
يـعـطـون كـلّ ذي فـضـل فـضـلـه ، لا يـأخـذون حـقـوقـهـم و لا يـســتـوفـون
لـنـفـوســهـم و طـبـاعـهـم . يـحـبـون فـي الله عـزَّ و جـلَّ و يـبـغـضـون فـي
الله عـزَّ و جـلَّ . كـلـهـم لـه لا لـغـيـره فـيـهـم نـصـيـب . مَـن تـمّ لـه هـذا
فـقـد تـمـت لـه الـصـحـبـه و حـصـلـت لـه الـنـجـاة و الـفـلاح ، و يـحـبـه
الإنـس و الـجـن و الـمـلـك و الأرض و الـســمـاء .
يـا مـنـافـق يـا عـابـد الـخـلـق و الأســبـاب ،
نـاســيـاً لـلـحـق عـزَّ و جـلَّ ، تـريـد أن يـقـع بـيـديـك هـذا مـع مـن ؟؟ مـا
أنـت فـيـه لا كـرامـة لـك و لا عـزازة . أســلـم ثـم تـبْ ، ثـم تـعـلـّم و
اعـمـل و أخـلـص و إلا فـلا تـهـدى . ويـحـك ، مـا بـيـنـي و بـيـنـك عـداوة ،
غـيـر أنـي أقـول الـحـق و لا أحـابـيـك فـي ديـن الله عـزَّ و جـلَّ . قـد تـربـّيـت
عـلـى خـشــونـة كـلام الـمـشــائـخ و خـشــونـة الـغـربـة و الـفـقـر . إذا ظـهـر
مـنـي إلـيـك كـلام ، فـخـذه مـن الله عـزَّ و جـلَّ فـإنـه هـو الـذي أنـطـقـنـي
بـه . إذا دخـلـتَ عـلـيّ فـادخـل عـريـانـاً عـنـك ، عـريـانـاً عـن نـفـســك و
هــواك . لـو كـان لـك بـصـيـرة لـرأيـتـنـي أيـضـاً عـريـانـاً ، و لـكـن آفـتـك
فـهـمـك الـســقـيـم . يـا مـريـد صـحـبـتـي و الانـتـفـاع بـي ، حـالـتـي لـيـس
فـيـهـا خـلـق و لا دنـيـا و لا آخـرة ، فـمـن يـتـوب عـلـى يـدي و يـصـحـبـنـي ،
و يـحـســن ظـنـه فـيّ ، و يـعـمـل بـمـا أقـول ، هـكـذا يـكـون إن شــاء الله
عـزَّ و جـلَّ . الأنـبـيـاء يـربّـيـهـم الـحـق عـزَّ و جـلَّ بـكـلامـه ، و
الأولـيـاء يـربّـيـهـم بـحـديـثـه . الـحـديـث هـو الإلـهـام فـي قـلـوبـهـم ،
لأنـهـم أوصـيـاء الأنـبـيـاء و خـلـفـاؤهـم و غـلـمـانـهـم . الله عـزَّ و جـلَّ
تـكـلـّم . كـلـّم مـوسـى عـلـيـه الـســلام . هـو كـلـّمـه ، لا مـخـلـوق كـلـّمـه
. الـخـالـق كـلـّمـه ، عـلام الـغـيـوب كـلـّمـه بـكـلام فـهـمـه ، و بـلـغ إلـى
عـقـلـه بـلا واســطـة . و كـلـّم نـبـيّـنـا مـحـمـد صـلـى الله عـلـيـه و ســلـم
بـلا واســطـة . هـذا الـقـرآن ، حـبـل الله الـمـتـيـن ، هـو بـيـنـكـم و بـيـن
ربـكـم جـلَّ و عـلا ، أنـزلـه جـبـرائـيـل عـلـيـه الـســلام ، عـلـيـه مـن الـســمـاء
مـن عـنـد الله عـزَّ و جـلَّ . أنـزلـه إلـى رســولـه صـلـى الله عـلـيـه و
ســلـم كـمـا قـال و أخـبـر ، لا يـجـوز انـكـار ذلـك و جـحـوده . الـلـهـمّ اهـد
الـكـلّ و تـبْ عـلـى الـكـل و ارحـم الـكـل .
حـكـي عـن أمـيـر الـمـؤمـنـيـن الـمـعـتـصـم بـالله ،
رحـمـه الله تـعـالـى ، أنـّه قـال وقـت حـضـور وفـاتـه : و الله إنـي تـائـب إلـى
الله عـزَّ و جـلَّ مـمـا فـعـلـت فـي حـق أحـمـد بـن حـنـبـل ، مـع كـونـي مـا
تـقـلـّدت مـن أمـره شــيـئـاً ، و غـيـري كـان الـمـتـقـلـّد لـذلـك .
يـا مـســكـيـن دع عـنـك الـكـلام فـيـمـا لا يـنـفـعـك
. أتـرك الـتـعـصّـب فـي الـمـذهـب ، و اشــتـغـل بـشــيء يـنـفـعـك فـي الـدنـيـا
و الآخـرة . ســتـرى عـن قـريـب خـبـرك ، و تـذكـّر كـلامـي ســوف تـرى عـنـد
الـطـعـان ، و لـيـس عـلـى رأســك خـوذة ايـش يـتـم عـلـيـه مـن الـجـراحـات .
فـَرّغ قـلـبـك مـن هـمـوم الـدنـيـا ، فـإنـك مـأخـوذ مـنـهـا عـن قـريـب . لا
تـطـلـب طـيـب الـعـيـش فـيـهـا فـمـا يـقـع بـيـدك ، قـال الـنـبـي صـلـى الله
عـلـيـه و ســلـم " الـعـيـش عـيـش الآخـرة " . قـصّـر أمـلـك و قـد جـاءك
الـزهـد فـي الـدنـيـا ، لأن الـزهـد كـلـه قـصـر الأمـل . أهـجـر أقـران الـســوء
و اقـطـع الـمـودّة بـيـنـك و بـيـنـهـم ، و واصـلـهـا بـيـنـك و بـيـن
الـصـالـحـيـن . اهـجـر الـقـريـب مـنـك إذا كـان مـن أقـران الـســوء ، و واصـل
الـبـعـيـد مـنـك إذا كـان مـن أقـران الـخـيـر . كـل مَـن واددتـه صـار بـيـنـك و
بـيـنـه قـرابـه ، فـانـظـر لـمـن تـوادد .
و قـيـل لـبـعـضـهـم : مـا الـقـرابـة ؟؟ قـال :
الـمـودّة . دع عـنـك طـلـب مـا قـســم و مـا لـم يـقـســم ، فـإن طـلـبـك لـمـا
قـســم تـعـب ، و طـلـبـك لـمـا لـم يـقـســم مـقـت و خـذلان . و لـهـذا قـال
الـنـبـي صـلـى الله عـلـيـه و ســلـم : " مـن جـمـلـة عـقـوبـات الله
تـعـالـى لـعـبـده طـلـب مـا لـم يـقـســم لـه " .
يـا غـلام اســتـدلّ بـصـنـعـة الله عـزَّ و جـلَّ
عـلـيـه . تـفـكـّر فـي الـصـنـعـة ، و قـد وصـلـت إلـى الـصـانـع . الـمـؤمـن الـمـوقـن
الـعـارف لـه عـيـنـان ظـاهـرتـان ، و عـيـنـان بـاطـنـتـان . فـيـرى
بـالـعـيـنـيـن الـظـاهـرتـيـن مـا خـلـق الله عـزَّ و جـلَّ فـي الأرض ، و يـرى
بـالـعـيـنـيـن الـبـاطـنـتـيـن مـا خـلـق الله عـزَّ و جـلَّ فـي الـســمـوات . ثـم يـرفـع
الـحـجـب عـن قـلـبـه فـيـراه بـلا تـشــبـيـه و لا تـكـيـيـف ، فـيـصـيـر
مـقـرّبـاً مـحـبـوبـاً . و الـمـحـبـوب لا يـكـتـم عـنـه شــيء ، إنـمـا يـرفـع
الـحـجـب عـن قـلـب تـعـرّى عـن الـخـلـق و عـن الـنـفـس و الـطـبـع و الـهـوى و
الـشــيـطـان ، و ألـقـى مـفـاتـيـح كـنـوز الأرض مـن يـده ، و اســتـوى عـنـده
الـحـجـر و الـمـدر . كـن عـاقـلاً تـدبـّر مـا أقـول و تـفـهـّم ، فـإنـي بـلـبّ
الـكـلام اتـكـلـم ، بـجـوهـره بـبـاطـنـه ، نـصـيـحـة مـعـانـيـه .
يـا غـلام لا تـشــكُ مـن الـخـالـق إلـى الـخـلـق ، بـل
أشــك إلـيـه هـو الـذي يـقـدر ، و أمـا غـيـره فـلا . مِـن كـنـوز الـبـرّ
كـتـمـان الـســر و الـمـصـائـب و الأمـراض و الـصـدقـة . تـصـدّق بـيـمـيـنـك و
اجـتـهـد أن لا تـعـلـم بـه شــمـالـك . احـذر مـن بـحـر الـدنـيـا فـقـد غـرق
فـيـه خـلـق كـثـيـر ، مـا يـنـجـو مـنـه إلاّ آحـاد الـخـلـق . هـو بـحـر عـمـيـق
يـغـرق الـكـل ، غـيـر أن الله عـزَّ و جـلَّ يـنـّجـي مـنـه مـن يـشــاء مـن
عـبـاده ، كـمـا يـنـجـي الـمـؤمـنـيـن يـوم الـقـيـامـة مـن الـنـار ، لأن الـكـل
يـعـبـرون عـلـيـهـا . و يـنـجّـي الله مـن يـشــاء مـن عـبـاده ، قـال الله عـزَّ
و جـلَّ : (( و إنْ مِـنـْكـُـمْ إلا وارِدُهـا كـانَ عـلـَـى
رَبِّـكَ حَـتـْـمـاً مُـقـْـضِـيّـاً
الله عـزَّ و جـلَّ لـلـنـار يـقـول
: (( كـُـونِـي بَـرْداً و سـلامـاً
)) حـتـى يـجـوز عـبـادي
الـمـؤمـنـون بـي ، الـمـخـلـصـون لـي ، الـراغـبـون فـيّ ، الـزاهـدون فـي غـيـري
، يـقـول لـهـا ذلـك ، كـمـا قـال لـنـار نـمـرود الـتـي أوقـدهـا حـتـى يـحـرق
فـيـهـا إبـراهـيـم عـلـيـه الـسـلام ، يـقـول الله عـزَّ و جـلَّ : يـا بـحـر
الـدنـيـا ، يـا مـاء لا تـغـرق هـذا الـعـبـد الـمـراد الـمـحـبـوب ، فـيـنـجـو
مـنـه و يـصـيـر عـلـى الـسـر كـمـا نـجـى مـوسـى عـلـيـه الـسـلام و قـومـه مـن
ذلـك الـبـحـر . يـؤتـي فـضـلـه مـن يـشــاء ، و يـرزق مـن يـشــاء بـغـيـر
حـســاب . الـخـيـر كـلـه بـيـده ، و الـعـطـاء و الـمـنـع بـيـده ، و الـغـنـى و
الـفـقـر بـيـده ، و الـعـز و الـذل بـيـده ، مـا لأحـد مـعـه شــيء .
فـالـعـاقـل مـن يـلـزم بـابـه و يـعـرض عـن بـاب غـيـره
. يـا مـدبـر أراك تـرضـي الـخـلـق و تـســخـط الـخـالـق ، تـخـرب آخـرتـك
بـعـمـارة دنـيـاك . عـن قـريـب أنـت مـأخـوذ . يـأخـذك الـذي أخـذه ألـيـم
شــديـد ، أخـذه ألـوان كـثـيـرة .
يـأخـذك بـالـعـذل عـن ولايـتـك ، يـأخـذك بـالـمـرض و
الـذل و الـفـقـر ، يـاخـذك بـتـســلـيـط الـشــدائـد و الـغـمـوم و الـهـمـوم ،
يـأخـذك بـتـســلـيـط ألـســنـة الـخـلـق و أيـديـهـم عـلـيـك . كـل مـخـلـوقـاتـه
يـســلـّـطـهـا عـلـيـك . تـنـبّـه يـا نـائـم . الـلـّـهـم أيـقـظـنـا بـك و لـك
آمـيـن .
يـا غـلام لا تـكـن فـي أخـذك لـلـدنـيـا كـحـاطـب
الـلـيـل مـا يـدري مـا يـقـع بـيـده .
إنـي أراك فـي تـصـرفـاتـك كـحـاطـب لـيـل فـي لـيـلـة
ظـلـمـاء لا قـمـر فـيـهـا و لا ضـوء مـعـه ، و هـو فـي رمـلـة كـثـيـرة الـدغـل و
الـحـشــرات الـقـاتـلـة ، فـيـوشــك أن يـقـتـلـه شــيء مـنـهـا . عـلـيـك
بـالاحـتـطـاب نـهـاراً فـإنّ ضـوء الـشــمـس يـمـنـعـك أن تـأخـذ مـا يـضـرّك .
كـنْ فـي تـصـرفـاتـك مـع شــمـس الـتـوحـيـد و الـشــرع و الـتـقـوى ، فـإن هـذه
الـشــمـس تـمـنـعـك عـن الـوقـوع فـي شــبـكـة الـهـوى و الـنـفـس و الـشــيـطـان
و الـشــرك بـالـخـلـق ، و تـمـنـعـك عـن الـعـجـلـة فـي الـســيـر .
ويـحك لا تـعـجـل فـإن مـن اســتـعـجـل أخـطـأ أو كـاد ،
و مـن تـأنـّـى أصـاب أو كـاد ، أي قـارب أن يـصـيـب . الـعـجـلـة مـن الـشــيـطـان و
الـتـؤدة مـن الـرحـمـن . أكـثـر مـا يـحـمـلـك عـلـى الـعـجـلـة الـحـرص عـلـى
جـمـع الـدنـيـا . إقـنـع فـإن الـقـنـاعـة كـنـز لا يـنـفـد . كـيـف تـطـلـب مـا
لا يـقـســم لـك ، و لا يـقـع بـيـدك قـط ! امـنـع نـفـســك و ارض بـه و ازهـد فـي
غـيـره . الـزم حـتـى تـصـيـر عـارفـاً بـالله عـزَّ و جـلَّ ، فـحـيـنـئـذ
تـصـيـر غـنـيـاً عـن كـل شــيء ، يـثـق قـلـبـك و يـصـفـو ســرك و يـعـلـمـك ربـك
عـزَّ و جـلَّ ، فـتـهـون الـدنـيـا فـي عـيـنـي رأسـك ، و الآخـرة فـي عـيـنـي
قـلـبـك ، و مـا ســوى الـحـق عـزَّ و جـلَّ فـي عـيـنـي سـرّك . لا يـتـعـاظـم
عـنـدك شـيء مـن الأشــيـاء ســوى الـحـق عـزَّ و جـلَّ فـحـيـنـئـذ تـعـظـم عـنـد
كـل الـخـلـق .
يـا غـلام إن أردت أن لا يـبـقـى بـيـن يـديـك بـاب
مـغـلـق فـاتـق الله عـزَّ و جـلَّ ، فـإنـهـا مـفـتـاح لـكـل بـاب . قـال الله
تـعـالـى
: (( وَ مَـنْ يَـتـَّـقِ الله يَـجْـعَـلْ لـَـهُ
مَـخـْـرَجـاً و يَـرْزُقـْـهُ مِـنْ حَـيْـثُ لا يَـحْـتـَـسِـبُ )) لا تـعـارض الـحـق عـزَّ و
جـلَّ فـي نـفـسـك و لا فـي أهـلـك و لا فـي مـالـك و أهـل زمـانـك .
مـا تـسـتـحـي أن تـأمـره أن يـغـيـر و يـبـدل أنـت
أحـكـم مـنـه و أعـلـم مـنـه و أرحـم مـنـه ! أنـت و الـخـلـق كـلـهـم عـبـاده ،
هـو مـدبّـرك و مـدبّـرهـم . إن أردت صـحـبـتـه فـي الـدنـيـا و الآخـرة فـعـلـيـك
بـالـســكون و الـســكـوت و الـخـرس . أولـيـاء الله عـزَّ و جـلَّ مـتـأدبـون
بـيـن يـديـه لا يـتـحـركـون حـركـة و لا يـخـطـون خـطـوة إلاّ بـإذن صـريـح مـنـه
لـقـلـوبـهـم ، لا يـأكـلـون مـن الأشــيـاء الـمـبـاحـة و لا يـلـبـســون و لا
يـنـكـحـون و لا يـتـصـرفـون فـي جـمـيـع أســبـابـهـم إلا بـإذن صـريـح
لـقـلـوبـهـم . هـم قـيـام مـع الـحـق عـزَّ و جـلَّ ، قـيـام مـع مـقـلـب
الـقـلـوب و الأبـصـار ، لا قـرار لـهـم مـع ربـهـم عـزَّ و جـلَّ حـتـى يـلـقـوه
بـقـلـوبـهـم فـي الـدنـيـا و بـأجـســادهـم فـي الآخـرة . الـلـهـم ارزقـنـا
لـقـاؤك فـي الـدنـيـا و الآخـرة . لـذذنـا بـالـقـرب مـنـك و الـرؤيـة لـك ،
اللهم
اجـعـلـنـا مـمـن يـرضـى بـك عـمـا ســواك و
آتـنـا فـي الـدنـيـا حـســنـة و فـي الآخـرة حـســنـة و قـنـا عـذاب الـنـار
مواضيع مماثلة
» الفتح الرباني والفيض الرحماني 2 و 3
» لاهجرة بعد الفتح ولكن هجرة القوم من....الى....
» ما هى أسباب عدم الفتح على كثير من السالكين فى هذا الزمان ؟
» الطعام الرباني
» علامة نور فهم العبد الرباني
» لاهجرة بعد الفتح ولكن هجرة القوم من....الى....
» ما هى أسباب عدم الفتح على كثير من السالكين فى هذا الزمان ؟
» الطعام الرباني
» علامة نور فهم العبد الرباني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 13:27 من طرف الطالب
» تصحيح مفاهيم حول مشيخة التربية والإرشاد
اليوم في 9:17 من طرف ابن الطريقة
» شيخ التربية
اليوم في 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
أمس في 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
أمس في 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
أمس في 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس