بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا
صفحة 1 من اصل 1
يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا
بسم الله الرحمان الرحيم
قال تعالى :
( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )
في هذه الآية الكثير من الأنوار والأسرار , فالنور للكشف والسرّ للفهم , فلا يمكن أن يكون هناك فهما من غير نور ولا أن يكون هناك سرّا من غير كشف ونعني بالكشف أي اليقظة كما قال تعالى ( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ ) لأنّ الكشف هو إزالة ذلك الغطاء عن عين البصيرة فتكون اليقظة فلا يقظة من دون كشف فهو علامتها ودليلها ... فإذا علمت هذا تفهم أنّ مجال فهم القرآن هو أمر قلبي والآية خير شاهد ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) فجعل التدبّر من مهمّات القلب
فنقول أنّ للآيات أنوارا واسرارا وأن السرّ بعد النور فالنور سابق للسرّ وإن كان الأصل للسرّ فأصحاب الاسرار مشهورون في سماء الغيب
فمن أنوار وأسرار هذه الآية :
أنّ الله تبارك وتعالى ذكر بعض ما سيؤتيه للكفّار مع وجود الحجاب ( حجاب النقمة ) لذا نسب فعل العلم إليهم في قوله ( يعلمون ) وما قال ( علّمهم الله تعالى ) لأنّ الكافرين لا يشهدون فعل من علّمهم لاْتكالهم على فعلهم وحولهم وقوّتهم وخصوصا نجد في هذه الآية ذكر العلوم الطبيعية وخاصّة علم الفيزياء حتى وصل الأمر بهم إلى نسبة القوّة للطبيعة وكذلك الفعل وإنّما نسبوه للطبيعة لأنّهم جزء منها وما نسبوا إليها إلا ما لا تبلغه أفعالهم تجريبيا وإنّما وصلوا إلى الحكم نظريا لها أو عليها فنسبوا لها ( الحكم الطبيعي ) فحلّت عندهم محلّ الربوبية كما قال أهل الدهر ( وما يهلكنا إلاّ الدهر ) فرجعوا إلى تقرير حكم الزمان كما كان الطبيعيون يقررون تأليه حكم المكان وهذه وغيرها من علوم الأبالسة التي علّمها بعض الفلاسفة ومنهم أنشتين القائل بنظرية النسبية الخاصة والبعد الرابع لأنّ العالم لا يمكنه أن يكفر إلاّ متى فصلت علوم الظاهر عن علوم الباطن لذا مجّد الطبيعيون ومنهم المسلم نظرية أنشتين إلى حدّ فيه مبالغة فإنّ ما جاء به أنشتين مثلا يعدّ كذرّة ممّا عند العارفين بالله تعالى من مثل هذه العلوم ولكنّهم لا يقفون معها متى خلت من نورها ... والحديث هنا طويل جدّا ...
فإذا علمت ذلك قال لك تنبيها كي لا تغترّ ومن جهة أخرى كي لا تجحد فأبان لك أنّ تلك العلوم التي عندهم ووصلوا إليها إنّما هي حجابهم عن عالم الآخرة ... فلو نفعتهم مثلا ما قرّر الفزيائيون اختراع الإنشطار النووي وصنع أسلحة الدمار الشامل ..
قال تعالى : ( يعلمون ظاهرا ) فما قال ( الظاهر ) بالتعريف فهي ظواهر متعددة بحسب علماء كلّ زمان وعصر ومكان بحسب ما تستوجبه التجليات الإلهيه ولكنهم قوم لا يشعرون مات الشعور وهو رادار القلب فيهم فكيف يمتدحون ؟ لذا لمّا غضب الله تعالى على بني إسرائيل كان أغلب من صنع الشرور في الكون بإسم العلم منهم ككبار الفزيائيين كفيرمي وأنشتين في العصر الحديث ومجمعهم إبّان الحرب العالمية الثانية وتأسيس دولة اليهود ...إلخ لو أجد من يسمعني من العقلاء لبيّنت لهم كيفية الإستيلاء على الأرض اليوم من طرفهم .. فهم يعلمون ونحن أيضا نعلم ...
قال تعالى ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا )
أي ظاهرا واحدا ولو تعدّدت أوجهه ومفرداته كالتكنولوجيا الحديثة فهي وإن تعدّدت أفرادها فهي ظاهر واحد من حيث العناصر كعلم الرياضيات والفيزياء وغيرها فيرجع هذا الظاهر إلى أسرة واحدة , فهم وإن علموا هذا الظاهر فقد بيّن لك القرآن الكريم متعلّقات هذا الظاهر وأنّ مناطه علوم الإحياء لذا سيعجبون ويندهشون متى رأوا ما لا فهم لهم فيه من الظواهر الأخرى التي جهلوها فلا تتبع أسرة ما وصلوا إليه وهو أمر فوق العقل ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ...) جميع الناس بما فيهم هؤلاء العلماء الذين علموا ظاهرا من الحياة الدنيا
وكذلك قوله تعالى ( ... من الحياة الدنيا ) وما قال ( الحياة الدنيا ) أي أنّ ( من ) تفيد التبعيض فلو أحاطوا بجميع ظواهر علوم الحياة الدنيا لسيطروا على خوارق العادات وبقية المعجزات وينضاف إلى هذه العلوم الظاهرة علوم الروحانية كالكشف الروحاني الموصل إلى علم السحر وتراكيبه المختلفة فإذا كان الظاهر المادي شرّه المستطير هو الحروب النووية فكذلك الظاهر الروحاني شرّه المستطير هو علم السحر ... لذا قلت في موضوع سابق لي : أنّ هاتين الحاجتين وهذين الأمرين يرافقان بعضهما البعض في كلّ زمان ومكان إذ علوم الظاهر المادية هي كمثل جسدهم وأجسامهم وعلومهم الظاهرة الروحانية هي كمثل أرواحهم ... وهذا ما عبّر عنه أنشتين بأنّ السرعة الجسمية متى اتحدت مع سرعة الضوء أضحيا شيئا واحدا من حيث الثبوت وأنت تعلم أنّ الكفار لا ثبات لهم فلا ثبات إلا للمؤمنين .... والقصة تطول
ثمّ :
قد يسأل سائل : ولكن ما حقيقة قرينة سياق الآية الكريمة في ذكرها العلم الظاهر بوجود الغفلة الباطنة ؟ بمعنى أنّ عكس العلم هو الجهل ... فيكون قياس الكلام مثلا ( وهم بالآخرة هم جاهلون ) ولكنّ الله تعالى قال : ( وهم عن الآخرة هم غافلون ) فنقول : أنّ طبيعة العالم الأخروي ليس هو من نفس جنس وطبيعة العالم الدنيوي إذ أن العلم مرتبة عقلية أمّا اليقظة أو الغفلة مرتبة قلبية فيكون عالم الآخرة هو عالم قلبي معقول أي يدرك بالعقل عن طريق القلب فمن لا قلب له لا آخرة له بخلاف عالم الدنيا فمن لا عقل له لا دنيا له لذا اشترط الشرع وفرض وجوب وجود العقل على المكلف وكذلك في الإمامة فقد يكون الأعلى درجة عند الله تعالى تحت حكم الأدنى درجة ماداما في الحياة الدنيا بخلاف الأمر في عالم الآخرة
وسنشرح هذه الأمور في هذه الآية بتفصيل إن شاء الله تعالى ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا
قال تعالى :
( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا )
حجاب الظواهر من أعظم الحجب عن الله تعالى فنعتهم في هذه الآية على وجه وصف حالتهم المذمومة فذُمّ الظاهر لا لأنّه فقط ظاهر وإنّما متى حجبك هذا الظاهر عن الباطن فذاك الخسران المبين مهما كان هذا الظاهر ممدوحا أو محمودا سواء طبعا أو شرعا لذا قال أهل الله تعالى بوجوب أخذ الدين في ميدان الديانة عن الذين جمعوا بين العلم الظاهر والعلم الباطن على حدّ سواء وما أظنّ اليوم أنّ غالبية من تقدّم في الساحة الإسلامية كدعاة أو مرشدين جمعوا بين العلم الظاهر والعلم الباطن ...
فنجد الكثير من الناس في الآونة الأخيرة ينكرون شيئا إسمه الباطن أو ينكرون حتى مجرّد ورود هذه اللفظة على ألسنة العارفين وذلك جهل منهم بالمصطلحات ودلائلها من جهة ولقلّة علمهم بالقرآن أنوارا وأسرارا وإنّا نجد في هذه الآية تصريحا ما بعده تصريح أنّ الظاهر لا يقابله غير الباطن فمتى علموا شيئا من هذا الظاهر في الحياة الدنيا وذمّوا بذلك فبسبب أنّهم لم يتجاوزوا هذا الظاهر إلى شيء آخر وعلم آخر إسمه الباطن ... وهو ما عبّر عنه القرآن بعالم الغيب وعالم الآخرة وهو مسمّى الإيمان فكان الإيمان مرتبة وسطية بين الإسلام الذي هو ظاهر الإيمان وبين الإحسان الذي هو باطن الإيمان فمتى كنت مؤمنا حقّا فأنت مؤمن وسطيا ( وكذلك جعلناكم أمّة وسطا ) أي بين الإسلام والإحسان كإبرة الميزان ( وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان )
فأنت راسخ القدم في الإيمان بما نراه على ظاهرك من تطبيق لشرع الإسلام وما نلحظه في باطنك من نفحات الإحسان ( ولذا قال إشارة ( مجمع البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) ( فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان ) وتلك هي الرحمة المهداة لأنّ الرحمة ترجح دائما كفّتها إلى درجة الإحسان كما ورد في الحديث ( ما خيّر رسول الله بين أمرين إلاّ إختار أيسرهما ) فأهل التشدّد هم من غلب إسلامهم على إحسانهم وأهل التيسير من غلب إحسانهم على إسلامهم فما قال الحديث مثلا أنّه كان يختار بين الأمرين أوسطهما بل أيسرهما ... لأنّ غلبة الرحمة أمر معلوم ( الرحمان على العرش استوى ) كما ورد في الحديث ( أنّ الله تعالى يقول : رحمتي سبقت غضبي ) فأهل الرحمة التي تسبق الغضب هم : ( السابقون السابقون أؤلائك المقرّبون ) فصحّت حجّة الخضر على موسى عليهما السلام وكذلك صحّت إمامة النبيّ عليه الصلاة والسلام على إمامة موسى عليه السلام في قوله عليه الصلاة والسلام ( لو كان موسى حيّا ما وسعه إلاّ أن يتّبعني )
أمّا من اعتنى بهذا الظاهر على حساب الباطن فقد بعُد من الدين بقدر إعتنائه بهذا الظاهر دون الباطن فإنّ الأصل للباطن وليس للظاهر ولكنّ الباطن مستور ومخفيّ تحت هذا الظاهر لذا قال تعالى ( هو الظاهر والباطن ) فذكر الظاهر وعطف عليه بالباطن بواو العطف التي لولاها ما صحّ لهذا الظاهر ثبات
وعليه نرجع لنقول : هذا فتح باب لك كي تعقل ما يجب عليك أن تعقله فتكون أستاذ أهل زمانك في الفقه لقوله عليه الصلاة والسلام ( من يرد الله به خيرا يفقّه في الدين ) فتفهم مناحي جميع علماء الفقه كقولنا مثلا ( الظاهرية ) نسبة لمذهبهم كأبي داود وابن حزم ومن جرى في فلكهم وفي الجهة المقابلة تفهم معنى الباطنية كالذين ردّ عليهم الغزالي في كتابه ( فضائح الباطنية ) فتتوسّع عندك مدارك الفهم وسعا عظيما فتضحى تقول ( يا ليت قومي يعلمون )
والسؤال المطروح : لماذا صحّ نكران أهل الظاهر على أهل الباطن ولم يصحّ العكس ؟
كما قال تعالى ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) فبسبب هذا العلم الظاهر الذي قيّد أفكارهم حُجبوا كما قال تعالى ( وهم عن الآخرة هم غافلون )
فإذا رأيت الناس اليوم وتمعّنت في حالة العالم تجده عالما ظاهريا بأتمّ ما تعنيه الكلمة من معنى فحّى في الدين لا ترى غير مظاهره كجبّة وعمامة وفصاحة ووجاهة من كانت لحيته أطول كان في نظر الكثير من الناس صاحب علم أوسع وهو أولى بالإتّباع وهكذا في الفصاحة والبلاغة والحضور الجسدي ,,,إلخ فلمّا تفشّى هذا الظاهر تفشّيا كاملا تقريبا كان لا بدّ أن يخرج أهل هذا الظاهر الذي أسّسوه ويخفى أهل الباطن لأنّه ليس عالمهم فحُوربوا من كلّ جهة وبرز اليوم مسمّيات منها مسمّى السلفية ( ظاهرية المعتقد والسلوك ) فهل سمعت بسلفي مثلا أنّه عارف بالله ؟ بل بالعكس فإنّ علامة السلفي أنّه يحارب العارف بالله تعالى وينكر عليه جميع علومه
ثمّ إنّ هذا المذهب الظاهري هو مذهب إبليسي في حقيقته فأوّل من أسّسه هو إبليس لعنه الله تعالى لمّا قال ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) فما نظر من آدم إلاّ ظاهريته وما نظر من نفسه إلاّ إيّاها لذا نبّهه القرآن في قوله تعالى ( ما كان لك أن تتكبّر فيها ) أي أنّ ظهورك هذا بقصورك على عالم الظاهر إنّما مردّه وسببه هو مرض قلبك لوجود الكبر فيه وهو طريق الشرك الأصغر وأيضا الأكبر
قال تعالى ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) أي عنصر المادّة وغيرها التي أسّس مذهبها إبليس لعنه الله تعالى فبرع الكفار والمشركين في ذلك فهم آلات بلا قلوب لذا فالعالم الغربي اليوم يعاني من اندثار عالم المعاني جملة وتفصيلا فتجد مثلا الإبن يأخذ أبويه إلى دار العجّز , فالدين ووراثته لا ينزل إلاّ على أصحاب القلوب لأنّهم أصحاب المعاني لذا أوّل ما جرى لرسول الله عليه الصلاة والسلام أنّ الملكان شقّا صدره الشريف ثمّ أخرجا قلبه الشريف فغسلاه ...إلخ ولم يرد مثلا أنّهما شقّا رأسه وأخرجا دماغه فغسلاه أو ملآه ...
فإذا علمت هذا وغيره كثير تجد في الأحاديث أنّ آخر الزمان هو ساحة انعكاس عالم المعاني فيضحى الصدق كذبا والكذب صدقا والأمانة خيانة والخيانة أمانة وهكذا ... وقد تسأل : ما الذي تسبّب في انعكاسها ؟ فالجواب : هو الجنوح إلى الظاهرية أي الإنحجاب عن عالم الباطن جملة وتفصيلا ...
من هنا : أسّس أهل الله تعالى مدارس لتطهير هذا القلب قبل كلّ شيء ... فقالوا : فرّغ قلبك من الأغيار تملؤه بالعلوم والأسرار لأنّ العلم النافع محلّه القلب فشتّان بين من ينفق عليك من العلم النافع وبين من يمدّك بالعلم الضار .. فإنّ العلم يخرج بحسب حالة قلب صاحبه ..
سنواصل كي نخرج إن شاء الله تعالى بعض أسرار هذه الآية الكريمة ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا
بعض الحديث من هنا وهناك أذكره ثمّ نواصل الإسترواح في الآية إن شاء الله تعالى
فما قال تعالى مثلا ( يعلمون ظاهرا من الدنيا ) بل قال ( الحياة الدنيا ) أمّا عن الآخرة فقال في هذه الآية ( وهم عن الآخرة هم غافلون ) فما قال ( الحياة الآخرة ) بل قال ( الآخرة ) فقط لأنّ الآخرة حياتها متواصلة ومتى تواصل الشيء لا يذكر بصفته بل يذكر بذاته خاصّة لأنّ أمره كلّي وليس جزئيّ فالإنسان حينما يكون في الحياة الدنيا ويكون ذلك مبلغ علمه فيها فلا بدّ أن تكون علومه ظاهرية في مستوى الحواس الخمس وفي مستوى البحث العلمي على قدر طاقة الفهم والتفكير والوصول إلى النتائج بالمقدمات فعلمه في هذه الحالة نتاج جهد منه فهو علم مكتسب وليس هو بعلم موهوب وأنت تعرف أنّ الدين كلّه في حقيقته الأولى هو وهب وليس اكتساب لذا فإنّ أصل العقائد مثلا لا تؤخذ بعلم الكلام كالمقاييس العقلية بالأدلّة والبراهين فإنّ طالب هذا العلم قلّما وندر أن يكون صاحبه صدّيقا ولو كان مسلما ولكن هو علم كمن يتيمّم بالصعيد أو الصخر كما قال سيدي محي الدين بن عربي رضي الله عنه ( توضّأ بماء الغيب إن كنت ذا سرّ --- وإلاّ تيمّم بالصعيد أو الصخر ) فعدّ كلّ أمر دون هذا الوضوء الغير محسوس هو في الشاهد كالصعيد أو الصخر وهي رخصة العاجز عن طلب هذا النوع من الماء وهكذا تدرّج سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم بالأمّة فرتّب مراتبها وهكذا فعل أهل الله تعالى من بعده فلم يكلّفوا العباد غير وسعهم كما قال تعالى منبّها ( لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها ) فحذار أن تكلّف غيرك شيئا يتجاوز وسعه فتأثم فتنزّل هكذا أهل الله تعالى لنا كما تنزّل القرآن فأنزل في ليلة واحدة إلى عالم الملكوت ثمّ تدرّج تنجيما في الوصول إلى عالم الملك وهو معنى البيان الذي لا يمكن فهمه من دون وجود العقل
لذا نجد في القرآن ألفاظ تدلّ على مقامات منها : ( لا يعقلون لا يفقهون لا يتدبّرون لا يؤمنون لا يتقون ..إلخ ) فليس التعقّل مثلا هو بنفس معنى الفقه ولا الفقه كالتدبّر ولا التدبّر كالإيمان ولا الإيمان كالتقوى وإن كانت جميعها من أسرة واحدة وهي أسرة التوحيد ولكن لمّا تنزّل هذا القرآن لنا وجب فيه البيان والبيان لا يمكن أن يكون بغير تبيين المراتب وتفصيل المقامات والأحوال فأخبرك القرآن بجميع حقائق الأشياء وبيّن لك جميع مراتب الأمور فإنّ الأصل ليس للبيان وإنّما الأصل للقرآن كما قال تعالى ( الرحمان علّم القرآن ) ثمّ قال ( خلق الإنسان علّمه البيان ) فليس تعليم البيان بل الأصل تعليم القرآن ... فكم من واحد نراه يحذق التفصيل والبيان ولا يفهم القرآن لأنّ البيان متى خالف حقيقة القرآن ومعناه الأصلي فليس هو ببيان وإنّما هو تضليل للإنسان
نعود لأقول : أنّ الظاهر يؤدّي غالبا إلى التحريف متى كان صاحبه غافلا عن الباطن وهذا ما وقع فيه بنو إسرائيل فلمّا جنحوا في دينهم إلى الظاهر حرّفت توراتهم وهكذا النصارى لمّا حكموا في عيسى عليه السلام في ظاهره ضلّوا لأنّ ما كان فيه عيسى أمر باطني وليس ظاهري فلا يحكم عليه إلاّ بجنسه
وإنّ مخترع الديانة الظاهرية هو السامري بعد إبليس لعنه الله تعالى بداية الذي أراد أن يجسّد الإله فأخرج صورة العجل فعبده الناس لذا يخرج الدجال في آخر الزمان متجسّدا في صورة إنسان مدّعيا الألوهية بمعنى أنّه صاحب الظاهرية التي تفشّت في هذا الزمان وهو زمنه تفشيا فادحا فلا يحكم الناس اليوم بغير الظاهر في كل شيء لهذا قال أهل الله تعالى ( حبّ الظهور يقصم الظهور ) فهربوا من هذا الظهور نهاية الهروب
إنّما المراد أنّ الله تعالى يقول ( هو الظاهر والباطن ) كي تتأدّب معه في ظهوره كما تأدّبت معه في بطونه مجال العبودية المحضة فلا يخاف على المؤمن من البطون وإنّما يخشى عليه من الظهور فمتى ظهر من غير إذن إلهي كما فعل إبليس لعنه الله تعالى وأراده هلك صاحبه كان من كان ونعني بالظهور هنا هو الظهور في المقامات كخلافة أو قطابة أو فردانية ...إلخ فمن جنح إلى هذا الظهور كان إبليس زمانه وقد قرّر رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله لمّا سمع الصحابة يختلفون في ذكر مقامه وصفته ( إنّما أنا عبد الله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله ) وهذا ويا للأسف ما نشاهده اليوم في الكثير من الصوفية يدّعون لشيوخهم المقامات العالية وقد بعث إليّ أحدهم برسالة وممّأ جاء فيها قوله ( يا أخي إنّ شيخنا قطب الزمان وغوث الوقت والأوان فتعال إلى هذا الرحاب وقف بالباب وخذ عهدك منه قبل أن توافيك المنية وأنت ليس لك عهد مع قطب الوجود ....إلخ الرسالة ) لا أقصد شيخه وإنّما قصدت أمثال كاتب الرسالة وفهمه للتصوّف
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
مواضيع مماثلة
» اللهم ثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
» الدنيا و ما لها
» يا من أراد علم الحياة و شبانها
» الدنيا فيها ما فينا
» رضاك خير من الدنيا وما فيها
» الدنيا و ما لها
» يا من أراد علم الحياة و شبانها
» الدنيا فيها ما فينا
» رضاك خير من الدنيا وما فيها
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 13:27 من طرف الطالب
» تصحيح مفاهيم حول مشيخة التربية والإرشاد
اليوم في 9:17 من طرف ابن الطريقة
» شيخ التربية
اليوم في 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
أمس في 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
أمس في 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
أمس في 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس