طلب إيضاح لمعنى سجود الشّمس؟.

بسم الله الرّحمان الرّحيم
اللهمّ صلّ على سيّدنا محمّد عبدك و رسولك النّبي الأمّي
و على آله و صحبه و سلم
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال:
كنت مع النّبي صلى الله عليه و سلم في المسجد عند غروب الشّمس
فقال :" يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشّمس"قلت الله و رسوله أعلم.
قال :"فإنّها تذهب حتّى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى :
[وَ الشّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيٍرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ] "
ويقول المولى جلّ جلاله :[أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ...] الحجّ.18.
فهل من إيضاح لمعنى هذا السّجود؟.

بسم الله الرّحمان الرّحيم
اللهم صلّ على حبيبك وصفيّك من بين خلقك أجمعين
و على آله و صحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدّين
وسلّم تسليما
لفهم سجودالشّمس تحت العرش وجب علينا فهم معنى العرش.عن أبي ذرّ قال:
دخلت المسجد الحرام، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فجلست
إليه ، فقلت: يا رسول الله أيّ آية نزلت عليك أفضل ؟ قال :" آية الكرسي ،
ما السّماوات السّبع في الكرسيّ إلاّ كحلقة في أرض فلاة ، وفضل العرش على
الكرسيّ كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة."رواه ابن بطّة. وصحّحه الألباني.
يتّضح من هذا الحديث أنّ كلّ الوجود بسائر أجزائه سابح في العرش لإحاطته
بالكلّ ، ونحن نرى بالعين المجرّدة ليلا جزءا من السّماوات المرصّعة
بالنّجوم، وهي جزء من العرش.[وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ]البقرة255.
سعة ُإحاطةٍ وتخلُّلٍ ، ذلك لأنّ الأرض جزء من السّماوات ، وتخصيصها
بالذكر يعني أنّ كلّ مكوّنات السّماوات سابحة في الكرسي ، وكذلك الشّأن
بالنّسبة للعرش . وبالتالي فنحن في العرش وتحت العرش ، ونرى الشمس
في السّماء فوقنا وهي تحت العرش بحكم سعة العرش إحاطة ًوتخلّلا ً،ويتّضح
قوله صلى الله عليه وسلم " فإنّها تذهب حتّى تسجد تحت العرش." أي تذهب

حتّى تتمّ سجودها في دورة كاملة. أمّا علمنا بأنّ الأرض هي التّي تدور حول

نفسها وحول الشّمس ليتشكّل الليل و النّهار في أربع وعشرين ساعة و الفصول
الأربعة في سنة، لايغيّر من معنى السّجود شيء. فالسّجود هو دليل عبوديّتنا لله
التّي تتجلى بالإنقياد والتّسليم والتّعظيم . فالعبد يقوم بما يأمره به سيّده في نطاق
الإمكانيات والأسباب التي يوفّرها له ، راجيا بذلك رضاه ومزيد القرب منه .

فالقمر يرجو من مولاه أن يقرّبه فيصبح أرضا، والأرض ترجو أن يقرّبها
فتصبح شمسا، والشمس ترجو أن يقرّبها فتصبح محور مجرّة، وهكذا كلّ
موجود يطوف بمطلوبه يرجوالتّلاشي فيه ليكون في منزلة أقرب من مولاه.
وفي سجوده يقضي به الحقّ شؤونه في خلقه ، يرزق هذا ويشفي ذلك و يحيي
هذا ويميت ذلك . فهذه الشمس مثلا تصطلم و تحترق شوقا لمزيد القرب والترقي
وهي غائبة عمّا يفعل بها ، فجعل عينها على تعظيم منازل القرب وسخّر سجودها
حياة لنا في الأرض وإضاءةً ودفأ ً، سبحانه ماأعظم شانه يشغل عبده به و يصرفه
عمّا أودع فيه من عطايا لمن وراءه ، حتى لا يدّعيها فيحجب بها عنه . أمّا ما يعني
الفقير من هذا الحديث النّبوي ، فانطلاقته من الأشارة اللطيفة والعبارة الشّريفة
قال أبو ذرّ:كنت مع النّبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال:
"أتدري أين تغرب الشمس"، ولا أظنّ أنّ أبا ذرّ ستنصرف همّته إلى شمس الأكوان
التي يحسب بها أيّأمه عن شمس الإحسان التي أمامه، بل هو قطعا سيأخذ من هذه لهذه.

قلت الله ورسوله أعلم . قال:"فإنّها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله :
[ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ] ".

فهو صلى الله عليه وسلم في سجوده المشهود يضيىء لناالطريق للمعبود ويعلّمنا
في حركاته كيفيّة تخلقه وصفاته. حتى نرى فيه كرم مولاه وما به حباه وهداه، فقال:

"إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء "فإذا حيينا في ظاهر الطاعات بنوره الرّبّاني
وسرت فينا بسرّه رحمة الرّحمان ، تغرب فينا شمس الإحسانْ وتملأ عنّا الأركانْ
فنسجد بسجوده من الفرش إلى العرش، حتى تخرج الشّمس من مغربها معربة عن
الصدق في مطلبها. وتلك آخرعلامة، من علامات القيامة ، فيتلاشى المكان والزمان،
بتلاشي الأبدان . و تصل الشمس لمستقرّها ، فيكشف لها عن سرّها
[ ذَلِكَ تَقْدِيٍرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ]
أه

السلام عليكم و رحمة الله

كل ما خلقه الله فهو مسخر للانسان الذي جعله الله خليفة في الارض. و كل احاديث الحبيب صلى الله عليه و سلم عن مخلوقات الله كالشمس و القمر والارض و غيرها لا تعني نفسها ولكن لكونها مسخرة لهذا الانسان تعني الانسان بنفسه. اذن ان قلنا ان الله سخر المخلوقات كلها للانسان وجعلها حاملة لرموز وامثال لهذا الانسان فما هو السبب الرئيسي في ذالك؟ السبب في ذلك هو الغرض الذي خلق الله الانسان من شأنه وهو العبادة الكاملة والتامة لله التي تكون مبنية على معرفة كاملة وتامة لله, اي معرفة الله شريعة وحقيقة. ولكي يتعلم الانسان العبادة الكاملة والتامة لله سخر الله له الكثير من المخلوقات التي تضرب له امثلة حقيقية العبودية. فان تكلم سيد البشر والمعلم الاكرم صلى الله عليه عن سجود الشمس تحت العرش فهو لا يتكلم عن كوكب الشمس الذي يذهب الى تحت العرش ويسجد, الله غني عن سجود الشمس له بمفهوم السجود الانساني. الحبيب صلى الله عليه و سلم يتكلم هنا عن الصلاة وشروطها وكيف يتعلم الانسان من الشمس مفهوم حقيقي للصلاة. و كنت قد سألت يوما شيخي الجليل سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره عن مفهوم حقيقة الصلاة فقال لي ان حقيقة جميع العبادات دائرية الشكل اي لها 360 درجة. فالصلاة ايضا دائرية الشكل والانسان له منها نصف الدائرة اي 180 درجة. و الله له النصف الاخر كما قال في الحديث القدسي: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل الخ.. اذا كان الانسان واقفا في الصلاة فانه يمثل قطر الدائرة ويكون في 0 درجة, فاذا ركع كان في 90 درجة و اذا سجد كان في 180 درجة فتكون جبهته على الدرجة 180 من النصف الاخر للدائرة الذي هو نصفه لله فيكون الانسان في سجوده اقرب ما يكون فيه الى الله. قال عليه الصلاة والسلام: أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء. اذن ان كانت الصلاة دائرية الحقيقة وان كانت للشمس حركة دائرية معلومة فان الشمس تصلي لله منذ خلقها كما امرنا ان نصلي نحن. فما هي الحكمة من سجود الشمس بعد غروبها تحت عرش الرحمن؟ لكي نفهم هذه الحكمة يجب علينا اولا ان نفهم معنى الغروب ومعنى العرش. فمعنى الغروب هو دخول الليل والسكون والراحة للناس. قال الله تعالى: "هو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا". الفرقان 47. فالصلاة ثمرتها راحة قلبية وطمأنية وسكون بين يدي الله ولهاذا كان الحبيب يقول: " ارحنا بها يا بلال ". وكان يقول ايضا:" و جعلت قرت عيني في الصلاة". اما مفهوم العرش فهو معرفة سريان اسم الله الرحمان في العرش كما قال الله: "الرحمن على العرش استوى" فكان استواءه على العرش باسمه الرحمن ومن هذا الاسم العظيم انشقت باقي الاسماء الحسنى, الا اسم الله بالطبع فهذا اسم الذات العالية كما تعلمون. ومقر استواء الله على عرشه باسمه الرحمن هو قلب الانسان كما قال عز و جل: " لم تسعني سماواتي ولا ارضي ووسعني قلب عبدي المؤمن. اذن القلب هو ايضا مقر الرحمة الالاهية التي تجلت باكمل صفاتها في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين والتي تتجلى جزئيا في قلوب المؤمنين على قدر مراتبهم الإيمانية.

فخلاصة هذا الكلام ان الله عز وجل بصلاة الشمس التي هي حركتها الدائرية من شروق وغروب وذهاب الى مستقرها ودورانها على نفسها وسجودها تحت العرش او تحت الرحمة الالاهية يعلمنا كيف نحقق صلاتنا وعبادتنا له. فالصلاة التي لا تكون محكمة باحكام الدوران الكوني او كما يقول المحققون باحكام قيام الذات بنفسها والتي لا يكون فيها غروب المخلوقات من القلب والسكون الى الله والتي لا يكون فيها ذوق الرحمة ومعرفة سريان اسم الرحمان ليست بصلاة وانما حركات كما يفعل الاغلب من المسلمين. قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون

و العبادة الحقيقية لله يجب ان يكون ظاهرها مبنيا على الشريعة المحمدية " صلوا كما رأيتموني اصلي" و باطنها مبنيا على معرفة الله الكاملة التامة التي تبتدأ بمعرفة سريان اسماء الله الحسنى في الكون ثم معرفة الصفات الذاتية وتوحيد الاسماء الحسنى فيها ثم توحيد الصفات في الذات العالية ثم الفناء الكلي والبقاء بالله. و هذا ما علمنا شيخنا الجليل سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره. اللهم ان اصبت فهذا من فضلك ومن فضل شيخنا علينا وان اخطأت فهذا من نفسي وكثرة جهلي. والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته