علاقة إبليس بيوم القيامة

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه

أمّا بعد :

رأيت البارحة فيما يرى النائم رؤيا إنفلق لها قلبي خوفا وجزعا : وهو أنّني رأيت نفسي في الرؤيا وكأنّني في يوم جمعة وكان الوقت معتدلا فأخبرنا بأنّ القيامة ستقوم بعد لحظات وأنّ نفخة الصور الأولى توشك أن تقع وتحدث فانخلعت فرقا وذهب سريعا أتوضأ من أيّ ماء قريب منّي وجمعت القلب على الله تعالى في خشوع تام وخنوع بحسب ما أقدر عليه وكلّي حياء وخوفا من كثرة معاصي وكبائري وصغائري وأنا أتخيّل كيف سأسمع تلك النفخة الأولى في الصور التي تفني الجميع , وهكذا وبينما أنا كذلك إذ بي أحسّ بمثل خدر يخدّر به الإنسان أو يغلبه النعاس الشديد فكأني سمعت تلك النفخة الأولى وأنا في حالة ذهول عنها وإستشعار لها في نفس الوقت فكأنّني أسمعها تتخلّل كلّ شيء فهي مثل الصدمة الشديدة الهائلة جدّا فلا تسمعها بأذنك فقط بل بجميع ذرّاتك فتهزّ القلوب هزّا وتصعق صعقا شديدا وأنا خائف من ذنوبي كثيرا في تلك الحالة فقلت في نفسي لا يخرجني في هذا المشهد إلاّ الإعتماد على رحمة الله تعالى فانخلعت منّي نفسي فكأنّني لا أظنّ بنفسي أنّني فعلت خيرا قطّ ولا حسنة قطّ وأنّني فعلت وإرتكبت جميع الذنوب التي تدخل النار فهو في الشاهد مثل إنسان مرّ فوق بحر أو محيط وإنكسر به مركبه فإنّه في تلك الحالة لا يفكّر إلاّ في كيفية نجاته وأمنه , فعلمت معنى قول كلّ إنسان يوم القيامة نفسي نفسي لا أسألك إلاّ نفسي يا ربّ إلاّ سيّدنا محمّد فهو يقول أمّتي أمّتي صلى الله عليه وسلّم لأنّه لم يفن أحد عن نفسه على الكمال إلاّ سيّدنا محمّد عليه الصلاة والسلام .

ولمّا إستيقظت أخذ شريط الرؤيا يجول في بالي فعلمت تنبيهات لي هكذا وجدتها في قلبي فأحببت أن أذكرها هنا للأحباب أنفق على قدر سعتي علّ الله يغفر لي ذنوبي وفواحشي :

قال تعالى في القرآن حاكيا قول إبليس : ( فأنظرني إلى يوم يبعثون ) رغم أنّه سيبعث هو أيضا بل نسب البعث فقط لبني آدم فكأنّه لا علاقة له بهذا البعث , فقال له ( إنّك من المنظرين ) أي لتقوم عليك القيامة حين النفخ في الصور لذا ورد في الحديث : لا تقوم الساعة على مؤمن , فتعلم أنّ إبليس طلب هلاكه بنفسه وعذابه بنفسه , فهذا الذي لم يراع حرمة أوامر الله تعالى في الحضرة كيف سأل ما فيه هلاكه فطلب عذابي الدنيا والآخرة فإنّ أكثر الخلق عذابا في الأرض على الإطلاق منذ أن رفض السجود هو إبليس وأكبر عذاب أن حرم من حضرة الله ومن نسائم التوحيد , ثمّ قلت : كيف علم بيوم القيامة وأنّهم يبعثون وخفي عنه مكوثه في الأرض فسأله ؟؟؟ فقال الخاطر : لأنّه يعلم أنّ العقوبة تؤخّر عن الكافر الذي كفر وجحد وتكبّر في الدنيا وأنّ العدل يستوجب هذا لعلمه اللعين بالحضرات فما سأل إلاّ ما علم أنّه يستجيبه له لأنّ فيه هلاكه بعد أن لعنه وطرده لأنّه أساء الأدب في حضرة الله فكلّ من خرج من عبوديته لله تعالى فإنّه لا يسأل إلاّ ما فيه هلاكه , فكان دهاؤه وإضماره للشرّ منذ أن لعن ساري فيه سريان النار في الهشيم , وكذلك أنّه سأل ذلك لأنّه لا متاع له أبدا في غير أرض الدنيا ولا حريّة له إلاّ فيها فأراد أن يستغلّ هذا بعد أن يئس من رحمة الله

فما سأل غير المكوث في الأرض إلى يوم القيامة فما سأل شيئا آخر البتّة ثمّ لمّا تأكّد منه بعد أن سأله لأنّ الله تعالى لا يبدّل القول لديه وما هو بظلاّم للعبيد هنا كشّر عن أنيابه ففضح نفسه من أنّه سيفعل كذا وكذا ( لأغوينّهم أجمعين )

يتبع ...
__________________