بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
المعاني الخفية في معرفة الخلافة الإلهية
صفحة 1 من اصل 1
المعاني الخفية في معرفة الخلافة الإلهية
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الكريم وآله وصحبه أجمعين
قال تعالى : ( وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة )
قلت : كان الحديث هنا عن مرتبة معيّنة وهي مرتبة الخصوصية ومنزلة الخلافة فليس هي منزلة تكليف بقدر ماهي منزلة تشريف لأنّ العالم بأسره مشترك في مرتبة العبودية لله تعالى لذا إحتّجت الملائكة بعبادتها من شدّة غيرتها على جناب التوحيد أن تمسّ أحكامه أو تنتقص حقائقه فكان هذا مشهدها لذا طلبت وإلتمست أن تعطى تلك الخصوصية لمن لا يطغى بها وهذا لا يكون إلاّ بالمحافظة على حقوق العبودية فيها فكان مشهد الملائكة مشهد غيرة أن ينتهك جناب التوحيد ظاهرا وباطنا لعلمها بما يؤدّيه العطاء والإجتباء لربّما من طغيان وإفساد , فكان هذا القول من الله لهم فيه ما فيه من العلوم والتي ذكرت منها طرفا في شرح الآية لمن أراد أن يرجع إليه ولكن اليوم نزيد في ذلك من منظور آخر أدقّ علما وأعمق معرفة وفهما فنقول ومن مدد الحضرة ننشر هذا المعقول :
قوله : ( خليفة ) هو حدّ الإشتراك بين الخالق والمخلوق في أمر ما وهذا الأمر هو الخلافة لأنّ لها وجه للربوبية من حيث أنّ الخليفة نائب عن من خلّفه ومن الوجه الثاني أنّ هذا الخليفة لا يعدو كونه مخلوقا يتحتّم عليه الرجوع إلى عبوديته في كلّ نفس من أنفاسه بحكم كونه عبدا وليس ربّا , فأمّا الملائكة فقد غارت مخافة أن يطغى الإنسان بهذه الأمانة وهي أمانة الخلافة لما فيها من شبهة الحكم والتصريف هذا لتعلم شفقة الملائكة على بني البشر لذا علمنا إستغفارهم لنا وخدمتهم لنا في قضاء جميع حوائجنا بالأمر الإلهي فهم خدّام الحضرة حقيقة ومجازا فما خدمونا لأجل إشتراكنا معهم في عبوديتنا لله تعالى ولكن خدمونا بما أنّ الله تعالى قدّم آدم عليهم فهم واقفون مع مرادات الحضرة ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) لما جبلت عليه حقائقهم من عصمة لأنّ تركيبتهم نورية لا تقبل الخواطر النفسانية ولا الشيطانية فهعم نور ساذج لا يعرف غير مولاه وربّه فلو خرج بهم الحال إلى مثلنا في الدنيا لإستغاثوا كما يستغيث أهل النار في النار وهكذا كلّ من غلبت عليه الصفة النورية يسير على قلب الملائكة يغضبون لله ويرضون فيه , لذا قال : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) وضدّ الإفساد الإصلاح وضدّ سفك الدماء حفظ الدماء لتعلم أنّ الملائكة مصلحون وأنّهم لا يسفكون دما ولا يأمرون بذلك لتعلم اليوم حقيقة من يسفك الدماء ومن يشعل نار الحروب في هذا الزمان وغيره وبعده , والكلام عن أحوال الملائكة ليس نحن الآن بصدده ولا كتبنا هذا الموضوع قاصدين ذلك ولكن قد يتوجّه العلم بك والوارد حيثما توجّهت ( وفاكهة ممّا يتخيّرون ) لتلوّنها ( ولحم طير ممّا يشتهون ) دلالة الحال فلا إنفكاك بل هو في هذا المنزل إضطرار , وإنّما مرادنا كتابة هذه المنازل وشرحها شرحا مستفيضا
فأقول وعلى الله تعالى التيسير والقبول :
إبليس لعنه الله تعالى ليس له حال الملائكة ولا قصد مقصدهم وإنّما تكلّم بنفس لسانهم في البداية لأنّهم متخفّي فيهم بظاهره ومفارقهم بباطنه لأنّه طلب الخلافة كي يبثّ حال نفسه وأمراضه من خلالها فيكون مزاحما للربوبية في أحكامها لأنّه لو أعطي مقام الخلافة لإدّعى بذلك الألوهية لذا خرج في صورة الخلافة معكوسة ولتعرف أنّ مبتغاه من طلب الخلافة هذا الذي قلته لك تمعّن اليوم في قصّة إبليس وإفساده في الأرض من حيث أنّه يدّعي الألوهية في كلّ زمان وسيدّعيها دعوى كبرى في صورة المسيخ الدجّال لأنّ غرضه من طلب الخلافة هو ما تراه اليوم فيه من سؤاله الإستكبار في الأرض وعلوّه فيها حتى وصل فقال : ( أنا ربّكم الأعلى ) فقد ظهرت لدينا حقائق إبليس وأنّه سأل الخلافة بغية الطغيان بها لما فيها من ميزات كبرى وتصريف تام فأراد أن يزاحم الألوهية فيدّعيها فأخبره الله تعالى أنّ هذه المزاحمة لن تتأتّى لك يا إبليس لأنّك لا تعدو كونك مخلوقا أمّا أنا فالخالق ( سبحانه وتعالى ) لذا فكلّ من ذهبت به تلك المنزلة إلى أيّة دعوى للألوهية فهو إبليس حقيقة , لذا أشفقت الملائكة على بني البشر وحارت : كيف يا ربّ تعطي الخلافة لمن يفسد في الأرض ويسفك الدماء ؟ فهل أنت ظالم ؟ حتى يكون خليفتك ظالما ؟ ... وهكذا متى كنت فهمت , لأنّ الخليفة سيظهر في مظهر من خلّفه وأنابه
لذا تحتّم وجود شيء ما : قال تعالى : ( إنّي أعلم ما لا تعلمون , وعلّم آدم الأسماء كلّها ) فعلمنا أنّه بعلوم الأسماء تحفظ جميع المراتب وجميع المنازل ولا يتسنّى وجود خلافة في الأرض إلاّ بهذا العلم وهو علم الأسماء فلا يمكن أن يكون هناك قطبا جامعا على وجه الأرض إلاّ وهو حائز لعلم الأسماء فيا من تدّعي القطبية والغوثية هل عندك علم الأسماء فهو الفارق بين حقيقتك ودعواك , نعم قد تكون على صفة الملائكة من حيث التنوير وتكون على صفة إبليس قبل الطرد في العبادة ولكن هل عندك علم الأسماء هل علّمه الله لك وهل سمعت هذا التعليم وأنت في صلب آدم وهل تتذكّر ذلك ( وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن أذكره ) كما قال فتى موسى لموسى رغم أنّه فتى في مقام فتوّته هذا لتدرك معنى الإحاطة التي هي من شؤون القطب الغوث الجامع في كلّ زمان
فبعلم الأسماء عرفت صار البرزخ في الخلافة بين الخليفة وبين المخلّف له فهذه هي الأسرار العظام التي تعطاها الأقطاب ولا تجري في عقول ولا تخطر على قلوب حتّى الملائكة فكيف متى علمت من نفسك أنّ بينك وبين التحلّي والوصول إلى الصفة الملائكية بعد المشرق على المغرب حتى أضحيت اليوم تدّعي القطابة التي لا يدّعيها إلاّ من فقدها ومحال من أكرم بها أن يلتفت إليها قدر طرفة العين بل ولا يراها مع وجود المخلّف له في المكان والزمان ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) فهل علمت الآن معنى الخلافة وأنّ شهودها في نفسك من علامات الطغيان بها ( قال عليه الصلاة والسلام : والله لا أعلم إلاّ ما علّمني ربّي ) كما قالت الملائكة : سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا , رغم التباين فيما بين القولين كما تباين المشرق مع المغرب لتعرف علم رسول الله وأدبه الكبير ( وإنّك لعلى خلق عظيم )
من هنا : نعلم بعض معاني الخلافة الإسلامية الحقيقية ومن هم أهلها أمّا من زاحم عليها بغير وجه حقّ فهو وإبليس سواء في هذا المشرب , ولا نقول أنّ من فعل ذلك هو على وصف الملائكة لأنّ الملائكة ما سألت الخلافة بل أرادت أن تعطى الخلافة كي تحمي جناب التوحيد لذا علّلت بقولها ( ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ) أي وحتّى وإن أعطيتنا الخلافة فسنكون في هذا الحال من التحميد والتقديس فلا تطغينا تلك الخلافة ما دمت قد حكمت في أزلك بأنّك تكرم بها بعضا من عبادك , فإن الملائكة مقامها التسليم التام والرضا التام فما أجمل وما أحسن حال الملائكة وما أحسن سمتهم وأكرم فضلهم عليهم السلام
وعليه : فطلب كلّ المقامات لذات المقامات هو حال إبليسي يطلب الخلافة , فكلّ ما تطلبه لذات الطلب مهما علا شأنه وشرف فهو لا يعدو حال إبليسي لأنّ أصل النيّة فاسد , فإبليس عندما كان يدور على هيكل آدم ويتعجّب منه ويجزم في نفسه بأنّ هذا المخلوق إنّما سيخلق لأمر عظيم كان في قرارة نفسه يبحث عن علّة من العلل وعن حال ومقام وعن خصوصية وميزة لذا إهتمّ بأمر آدم لخبثه في نفسه لتعلم حقيقة الخاطر الشيطاني لأنّ الخاطر الشيطاني قسمان : خاطر شيطاني لنا يوسوس به إبليس , وخاطر في نفس إبليس يخطر عليه من نفسه , أعني نفس إبليس لها خواطر يخرجها لنا وأنت تعلم أنّ المعرفة بأسرها موجودة في نفس إبليس ولكن على صورتها المقلوبة بعد أن لعنه الله تعالى وطرده كي لا تشتهزئ بأمر إبليس أو تقلّل منه بل له تجارب وكان حاضرا عند خلق آدم وعند السجود وهو أعلم بقصّة آدم منّا جميعا فما من نبيّ إلاّ وقد رآه وما من وليّ إلاّ وقد رآه ولا في المشرق والمغرب إلاّ وقد رآه لذا لتعلم خطر إبليس أنظر مجهوداته في الأرض اليوم ,غلى أين وصل وأنظر كم من وقت وزمان قليل متّعت فيه الأرض بالخلافة الإسلامية ففي عهد النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل المثال كانت الخلافة : ( ثلاثين سنة ) فحسب لتعلم أنّ الخلافة في حدّ ذاتها أبتليت إبتلاء شديد كي لا يقف معها أحد وهذا علم آخر ليس هو بموضوعنا الآن
فالمعركة وقعت على الخلافة : فصار الحسد عليها من طرف إبليس لأنّه يحبّها ويريدها له وهكذا أتباعه اليوم يحسدون إخوانهم من أهل الولاية لأجل ما أكرمهم الله به وبهذا نبّه القرآن مانعا محذّرا ( أتحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) لأنّ الحسد لا يكون إلاّ على الفضل : والفضل هو إعدام الحيلة في إكتساب ذلك لأنّه شيء موهوب لا مقدرة على إكتسابه أمّا ما عدا ذلك من أنواع الحسد فهو من فرعه وليس هو بأصل له لذا كان حسد إبليس على شيء ليس في حيلته ولا في مقدرته إكتسابه هذا كي تعلم جلالة العلم الموهوب والمقامات الموهوبة فيتحتّم فيها التسليم لذا أمر الأولياء مريديهم بالتسليم لهم كما قال سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه : ( يا مريد السرّ سلّم لا تنكر علينا --- خلّ فهمك عنّي واقدم كي تأخذ علينا ) وهذا ما يسمّيه الأولياء بالإعتقاد بأهل الولاية مع الشروط التي ذكرها حتى لا يدّعي من شاء ما يدّعي
فالمعركة لم تقع إلاّ على الخصوصيات لأنّ العبودية لا حظّ للنفس فيها وإنّما عند ورود الخصوصيات تظهر النفس بمراتبها : فمن كانت نفسه سفلية أمّارة قال : أنا خير منه , ومن كانت نفسه علوية نورية قال : ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك , فلا بدّ من ظهور النفس عند العطاء لهذا قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه في مرآة الذاكرين : إلهي قد غمرتني أمواج بحر كرمك الزاخر فاحرصني فيها حتّى لا أطغى بها ) فخاف من الطغيان بها ما طلب الحرص فيها كي يتنعّم فيها بربّه فأدّى الأدب حقّه والمراتب حقّها فلله درّه من إمام محقّق رضي الله عنه
لذا إستوجب عليك أن لا تلاحظ الخصوصية وأنت في مراتب العبودية لأنّها ستلهيك عن عبوديتك وأنت كنت ولازلت عبدا فالألوهية تطلبك في كلّ نفس من أنفاسك لهذا أمرك رسول الله بالترويح عن القلوب ساعة وساعة كي تعلم غور أهل الله تعالى في علومهم وتحقيقهم
فالخلافة هي الحكم والتشبّث به وهذا مجاله نفسي لأنّ النفس عند ظهورها لا تطلب إلاّ الإستكبار وإستعباد كلّ من حولها لأنّها مزاحمة لوجود الله تعالى الظاهر فوق كلّ شيء , وكذلك قد تزاحم النفس البطون الإلهي ( هذا علم الخاصة العليا من خلق الله ) فيردّونها إلى الظهور لأنّ الله تعالى هو الباطن فليس دونه شيء فلا أنت ظاهر ولا أنت باطن لأنّك عبد وليس لك من الأمر من شيء والعارف من لا يجد ولا يفقد
لذا ذمّت الحضرة إبليس بقولها : ( ماكان لك أن تتكبّر فيها ) لأنّ مجال طلب الخلافة مجال إستكباري لأنّ الإحاطة تفرض أن تكون عبدا لمن أحاط بك لأنّه متحكّم في حركاتك وسكناتك لذا قال تعالى في هذا عند إفتراض وجود إلهين ( لعلا بعضهم على بعض ) لأنّ ظهور النفس هو ظهور الوجود الذي يستحقّ الحكم وعلى هذا قس ما تراه اليوم وقبل اليوم من طلب للحكم وأن العرب هو النسبة الأولى في العالم سفكوا دماءهم طلبا لإستعباد الناس حتى جعلوا لهم أصناما في الشوارع والطرقات يسمّونها بغير إسمها كقولهم ( النصب التذكارية ) اللهم يهدينا وإيّاهم ولكنهم لمّا جهلوا أفسدوا فيا ويلهم من يوم القيامة فيا شفقة المسكين الفقير البائس الذي لا يجد عشاء ليلة عليهم ولكنّهم لا يعلمون
وسنواصل في تفصيل مراتب ذلك إن شاء الله تعالى
يتبع ....
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الكريم وآله وصحبه أجمعين
قال تعالى : ( وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة )
قلت : كان الحديث هنا عن مرتبة معيّنة وهي مرتبة الخصوصية ومنزلة الخلافة فليس هي منزلة تكليف بقدر ماهي منزلة تشريف لأنّ العالم بأسره مشترك في مرتبة العبودية لله تعالى لذا إحتّجت الملائكة بعبادتها من شدّة غيرتها على جناب التوحيد أن تمسّ أحكامه أو تنتقص حقائقه فكان هذا مشهدها لذا طلبت وإلتمست أن تعطى تلك الخصوصية لمن لا يطغى بها وهذا لا يكون إلاّ بالمحافظة على حقوق العبودية فيها فكان مشهد الملائكة مشهد غيرة أن ينتهك جناب التوحيد ظاهرا وباطنا لعلمها بما يؤدّيه العطاء والإجتباء لربّما من طغيان وإفساد , فكان هذا القول من الله لهم فيه ما فيه من العلوم والتي ذكرت منها طرفا في شرح الآية لمن أراد أن يرجع إليه ولكن اليوم نزيد في ذلك من منظور آخر أدقّ علما وأعمق معرفة وفهما فنقول ومن مدد الحضرة ننشر هذا المعقول :
قوله : ( خليفة ) هو حدّ الإشتراك بين الخالق والمخلوق في أمر ما وهذا الأمر هو الخلافة لأنّ لها وجه للربوبية من حيث أنّ الخليفة نائب عن من خلّفه ومن الوجه الثاني أنّ هذا الخليفة لا يعدو كونه مخلوقا يتحتّم عليه الرجوع إلى عبوديته في كلّ نفس من أنفاسه بحكم كونه عبدا وليس ربّا , فأمّا الملائكة فقد غارت مخافة أن يطغى الإنسان بهذه الأمانة وهي أمانة الخلافة لما فيها من شبهة الحكم والتصريف هذا لتعلم شفقة الملائكة على بني البشر لذا علمنا إستغفارهم لنا وخدمتهم لنا في قضاء جميع حوائجنا بالأمر الإلهي فهم خدّام الحضرة حقيقة ومجازا فما خدمونا لأجل إشتراكنا معهم في عبوديتنا لله تعالى ولكن خدمونا بما أنّ الله تعالى قدّم آدم عليهم فهم واقفون مع مرادات الحضرة ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) لما جبلت عليه حقائقهم من عصمة لأنّ تركيبتهم نورية لا تقبل الخواطر النفسانية ولا الشيطانية فهعم نور ساذج لا يعرف غير مولاه وربّه فلو خرج بهم الحال إلى مثلنا في الدنيا لإستغاثوا كما يستغيث أهل النار في النار وهكذا كلّ من غلبت عليه الصفة النورية يسير على قلب الملائكة يغضبون لله ويرضون فيه , لذا قال : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) وضدّ الإفساد الإصلاح وضدّ سفك الدماء حفظ الدماء لتعلم أنّ الملائكة مصلحون وأنّهم لا يسفكون دما ولا يأمرون بذلك لتعلم اليوم حقيقة من يسفك الدماء ومن يشعل نار الحروب في هذا الزمان وغيره وبعده , والكلام عن أحوال الملائكة ليس نحن الآن بصدده ولا كتبنا هذا الموضوع قاصدين ذلك ولكن قد يتوجّه العلم بك والوارد حيثما توجّهت ( وفاكهة ممّا يتخيّرون ) لتلوّنها ( ولحم طير ممّا يشتهون ) دلالة الحال فلا إنفكاك بل هو في هذا المنزل إضطرار , وإنّما مرادنا كتابة هذه المنازل وشرحها شرحا مستفيضا
فأقول وعلى الله تعالى التيسير والقبول :
إبليس لعنه الله تعالى ليس له حال الملائكة ولا قصد مقصدهم وإنّما تكلّم بنفس لسانهم في البداية لأنّهم متخفّي فيهم بظاهره ومفارقهم بباطنه لأنّه طلب الخلافة كي يبثّ حال نفسه وأمراضه من خلالها فيكون مزاحما للربوبية في أحكامها لأنّه لو أعطي مقام الخلافة لإدّعى بذلك الألوهية لذا خرج في صورة الخلافة معكوسة ولتعرف أنّ مبتغاه من طلب الخلافة هذا الذي قلته لك تمعّن اليوم في قصّة إبليس وإفساده في الأرض من حيث أنّه يدّعي الألوهية في كلّ زمان وسيدّعيها دعوى كبرى في صورة المسيخ الدجّال لأنّ غرضه من طلب الخلافة هو ما تراه اليوم فيه من سؤاله الإستكبار في الأرض وعلوّه فيها حتى وصل فقال : ( أنا ربّكم الأعلى ) فقد ظهرت لدينا حقائق إبليس وأنّه سأل الخلافة بغية الطغيان بها لما فيها من ميزات كبرى وتصريف تام فأراد أن يزاحم الألوهية فيدّعيها فأخبره الله تعالى أنّ هذه المزاحمة لن تتأتّى لك يا إبليس لأنّك لا تعدو كونك مخلوقا أمّا أنا فالخالق ( سبحانه وتعالى ) لذا فكلّ من ذهبت به تلك المنزلة إلى أيّة دعوى للألوهية فهو إبليس حقيقة , لذا أشفقت الملائكة على بني البشر وحارت : كيف يا ربّ تعطي الخلافة لمن يفسد في الأرض ويسفك الدماء ؟ فهل أنت ظالم ؟ حتى يكون خليفتك ظالما ؟ ... وهكذا متى كنت فهمت , لأنّ الخليفة سيظهر في مظهر من خلّفه وأنابه
لذا تحتّم وجود شيء ما : قال تعالى : ( إنّي أعلم ما لا تعلمون , وعلّم آدم الأسماء كلّها ) فعلمنا أنّه بعلوم الأسماء تحفظ جميع المراتب وجميع المنازل ولا يتسنّى وجود خلافة في الأرض إلاّ بهذا العلم وهو علم الأسماء فلا يمكن أن يكون هناك قطبا جامعا على وجه الأرض إلاّ وهو حائز لعلم الأسماء فيا من تدّعي القطبية والغوثية هل عندك علم الأسماء فهو الفارق بين حقيقتك ودعواك , نعم قد تكون على صفة الملائكة من حيث التنوير وتكون على صفة إبليس قبل الطرد في العبادة ولكن هل عندك علم الأسماء هل علّمه الله لك وهل سمعت هذا التعليم وأنت في صلب آدم وهل تتذكّر ذلك ( وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن أذكره ) كما قال فتى موسى لموسى رغم أنّه فتى في مقام فتوّته هذا لتدرك معنى الإحاطة التي هي من شؤون القطب الغوث الجامع في كلّ زمان
فبعلم الأسماء عرفت صار البرزخ في الخلافة بين الخليفة وبين المخلّف له فهذه هي الأسرار العظام التي تعطاها الأقطاب ولا تجري في عقول ولا تخطر على قلوب حتّى الملائكة فكيف متى علمت من نفسك أنّ بينك وبين التحلّي والوصول إلى الصفة الملائكية بعد المشرق على المغرب حتى أضحيت اليوم تدّعي القطابة التي لا يدّعيها إلاّ من فقدها ومحال من أكرم بها أن يلتفت إليها قدر طرفة العين بل ولا يراها مع وجود المخلّف له في المكان والزمان ( فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) فهل علمت الآن معنى الخلافة وأنّ شهودها في نفسك من علامات الطغيان بها ( قال عليه الصلاة والسلام : والله لا أعلم إلاّ ما علّمني ربّي ) كما قالت الملائكة : سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا , رغم التباين فيما بين القولين كما تباين المشرق مع المغرب لتعرف علم رسول الله وأدبه الكبير ( وإنّك لعلى خلق عظيم )
من هنا : نعلم بعض معاني الخلافة الإسلامية الحقيقية ومن هم أهلها أمّا من زاحم عليها بغير وجه حقّ فهو وإبليس سواء في هذا المشرب , ولا نقول أنّ من فعل ذلك هو على وصف الملائكة لأنّ الملائكة ما سألت الخلافة بل أرادت أن تعطى الخلافة كي تحمي جناب التوحيد لذا علّلت بقولها ( ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ) أي وحتّى وإن أعطيتنا الخلافة فسنكون في هذا الحال من التحميد والتقديس فلا تطغينا تلك الخلافة ما دمت قد حكمت في أزلك بأنّك تكرم بها بعضا من عبادك , فإن الملائكة مقامها التسليم التام والرضا التام فما أجمل وما أحسن حال الملائكة وما أحسن سمتهم وأكرم فضلهم عليهم السلام
وعليه : فطلب كلّ المقامات لذات المقامات هو حال إبليسي يطلب الخلافة , فكلّ ما تطلبه لذات الطلب مهما علا شأنه وشرف فهو لا يعدو حال إبليسي لأنّ أصل النيّة فاسد , فإبليس عندما كان يدور على هيكل آدم ويتعجّب منه ويجزم في نفسه بأنّ هذا المخلوق إنّما سيخلق لأمر عظيم كان في قرارة نفسه يبحث عن علّة من العلل وعن حال ومقام وعن خصوصية وميزة لذا إهتمّ بأمر آدم لخبثه في نفسه لتعلم حقيقة الخاطر الشيطاني لأنّ الخاطر الشيطاني قسمان : خاطر شيطاني لنا يوسوس به إبليس , وخاطر في نفس إبليس يخطر عليه من نفسه , أعني نفس إبليس لها خواطر يخرجها لنا وأنت تعلم أنّ المعرفة بأسرها موجودة في نفس إبليس ولكن على صورتها المقلوبة بعد أن لعنه الله تعالى وطرده كي لا تشتهزئ بأمر إبليس أو تقلّل منه بل له تجارب وكان حاضرا عند خلق آدم وعند السجود وهو أعلم بقصّة آدم منّا جميعا فما من نبيّ إلاّ وقد رآه وما من وليّ إلاّ وقد رآه ولا في المشرق والمغرب إلاّ وقد رآه لذا لتعلم خطر إبليس أنظر مجهوداته في الأرض اليوم ,غلى أين وصل وأنظر كم من وقت وزمان قليل متّعت فيه الأرض بالخلافة الإسلامية ففي عهد النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل المثال كانت الخلافة : ( ثلاثين سنة ) فحسب لتعلم أنّ الخلافة في حدّ ذاتها أبتليت إبتلاء شديد كي لا يقف معها أحد وهذا علم آخر ليس هو بموضوعنا الآن
فالمعركة وقعت على الخلافة : فصار الحسد عليها من طرف إبليس لأنّه يحبّها ويريدها له وهكذا أتباعه اليوم يحسدون إخوانهم من أهل الولاية لأجل ما أكرمهم الله به وبهذا نبّه القرآن مانعا محذّرا ( أتحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) لأنّ الحسد لا يكون إلاّ على الفضل : والفضل هو إعدام الحيلة في إكتساب ذلك لأنّه شيء موهوب لا مقدرة على إكتسابه أمّا ما عدا ذلك من أنواع الحسد فهو من فرعه وليس هو بأصل له لذا كان حسد إبليس على شيء ليس في حيلته ولا في مقدرته إكتسابه هذا كي تعلم جلالة العلم الموهوب والمقامات الموهوبة فيتحتّم فيها التسليم لذا أمر الأولياء مريديهم بالتسليم لهم كما قال سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه : ( يا مريد السرّ سلّم لا تنكر علينا --- خلّ فهمك عنّي واقدم كي تأخذ علينا ) وهذا ما يسمّيه الأولياء بالإعتقاد بأهل الولاية مع الشروط التي ذكرها حتى لا يدّعي من شاء ما يدّعي
فالمعركة لم تقع إلاّ على الخصوصيات لأنّ العبودية لا حظّ للنفس فيها وإنّما عند ورود الخصوصيات تظهر النفس بمراتبها : فمن كانت نفسه سفلية أمّارة قال : أنا خير منه , ومن كانت نفسه علوية نورية قال : ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك , فلا بدّ من ظهور النفس عند العطاء لهذا قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه في مرآة الذاكرين : إلهي قد غمرتني أمواج بحر كرمك الزاخر فاحرصني فيها حتّى لا أطغى بها ) فخاف من الطغيان بها ما طلب الحرص فيها كي يتنعّم فيها بربّه فأدّى الأدب حقّه والمراتب حقّها فلله درّه من إمام محقّق رضي الله عنه
لذا إستوجب عليك أن لا تلاحظ الخصوصية وأنت في مراتب العبودية لأنّها ستلهيك عن عبوديتك وأنت كنت ولازلت عبدا فالألوهية تطلبك في كلّ نفس من أنفاسك لهذا أمرك رسول الله بالترويح عن القلوب ساعة وساعة كي تعلم غور أهل الله تعالى في علومهم وتحقيقهم
فالخلافة هي الحكم والتشبّث به وهذا مجاله نفسي لأنّ النفس عند ظهورها لا تطلب إلاّ الإستكبار وإستعباد كلّ من حولها لأنّها مزاحمة لوجود الله تعالى الظاهر فوق كلّ شيء , وكذلك قد تزاحم النفس البطون الإلهي ( هذا علم الخاصة العليا من خلق الله ) فيردّونها إلى الظهور لأنّ الله تعالى هو الباطن فليس دونه شيء فلا أنت ظاهر ولا أنت باطن لأنّك عبد وليس لك من الأمر من شيء والعارف من لا يجد ولا يفقد
لذا ذمّت الحضرة إبليس بقولها : ( ماكان لك أن تتكبّر فيها ) لأنّ مجال طلب الخلافة مجال إستكباري لأنّ الإحاطة تفرض أن تكون عبدا لمن أحاط بك لأنّه متحكّم في حركاتك وسكناتك لذا قال تعالى في هذا عند إفتراض وجود إلهين ( لعلا بعضهم على بعض ) لأنّ ظهور النفس هو ظهور الوجود الذي يستحقّ الحكم وعلى هذا قس ما تراه اليوم وقبل اليوم من طلب للحكم وأن العرب هو النسبة الأولى في العالم سفكوا دماءهم طلبا لإستعباد الناس حتى جعلوا لهم أصناما في الشوارع والطرقات يسمّونها بغير إسمها كقولهم ( النصب التذكارية ) اللهم يهدينا وإيّاهم ولكنهم لمّا جهلوا أفسدوا فيا ويلهم من يوم القيامة فيا شفقة المسكين الفقير البائس الذي لا يجد عشاء ليلة عليهم ولكنّهم لا يعلمون
وسنواصل في تفصيل مراتب ذلك إن شاء الله تعالى
يتبع ....
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
مواضيع مماثلة
» المحاسن البهية في معرفة الخلافة الربانية
» بشائر آخر الزمان ... موضوع عن الخلافة الربانية ...
» حقائق التجليات الإلهية تمكر بالمعارف الإبليسية
» من معاني الخلافة الربانية
» بشائر آخر الزمان ... موضوع عن الخلافة الربانية ...
» حقائق التجليات الإلهية تمكر بالمعارف الإبليسية
» من معاني الخلافة الربانية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 22:37 من طرف الطالب
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الخميس 14 نوفمبر 2024 - 20:57 من طرف أبو أويس
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس
» هل تطرأ الخواطر على العارف ؟
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:59 من طرف أبو أويس
» رسالة من شيخنا الى أحد مريديه رضي الله عنهما
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:49 من طرف أبو أويس
» مقام الجمع
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:40 من طرف أبو أويس
» تقييمات وإحصائيات في المنتدى
الثلاثاء 30 يوليو 2024 - 6:36 من طرف أبو أويس