بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
حقيقة التصوف...( لمفتي الجمهورية )
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
حقيقة التصوف...( لمفتي الجمهورية )
سماحة مفتي الجمهوريـــــــــــــــــة يكتب:
حقيقة التصوف في مواجهة أدعيائه وخصومــــــــــــه
سئلت عن حقيقة الصوفية وعن موقف يرى أنه لا علاقة للمتصوفة بالدين و أنهم من أهل البدع و المنكرات ؟
و الجواب : ومن الله نلتمس اليقين و الصواب:
لاشك أن الصحابة رضوان الله عليهم قد تحملوا بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من دار الدنيا الى دار البقاء عبئا عظيما في نشر الإسلام و تصدروا لتعليم الناس شريعة الإسلام و بث أسرارها و إشاعة نورها الأبلج في كل مكان .. و كان للصوفية الحظ الأوفر في بعث هذا العمل المشرف وإحياء المدرسة النبوية ، على صاحبها من الله أفضل الصلاة وأذكى السلام، التي تخّرج منها أفذاذ الصحابة من امثال ابي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. وتخرج من مدرسة الصحابة أفذاذ التابعين من أمثال الحسن البصري وسعيد بن المسيب وطاوس اليماني وإبراهيم التيمي وسادات وغيرهم لا يحصون فضلا و علما وعملا وتتلمذ لهؤلاء الأجلاء من التابعين أئمة المذاهب السنية الأربعة أبو حنيفة النعمان ومالك ابن أنس ومحمد بن ادريس الشافعي واحمد بن حنبل. فأبو حنيفة كان تأثره الأكبر بشيخ الزاهد المشهور عطاء بن أبي رباح وكان يقول في شأنه: ما لقيت أفضل من عطاء . وكان الامام الشافعي يكثر من مجالسة الصوفية ويقول عنهم: يحتاج الفقيه إلى معرفة الصوفية ليفيدوه من العلم ما لم يكن عنده وقد قيل له يوما : ما الذي استفدته من الصوفية ؟ فقال : استفدت منهم شيئين قولهم الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وقولهم إن لم تشغل نفسك بالخير شغلتك بالشر. قال الشيخ زكرياء رحمه الله: يكفينا دليلا على شرف الطريق إذعان الأئمة لأهلها في كل زمان وسؤالهم الدعاء منهم من في الشدائد دون العكس.
و أما أوصافهم فذكر الخطيب البغدادي( في تاريخ بغداد 8/399) بسنده عن محمد بن شاذان الرازي . أنه سمع يوسف بن الحسين يقول : حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل فسأله المتوكل : يا أبا الفيض صف لنا أولياء الله؟ فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته و جللهم البهاء من أردية كرامته
و وضع على مفارقهم ذخائر الغيوب فهي معلقة بمواصلة المحبوب، فقلوبهم إليه سائرة و أعينهم إلى عظيم جلاله ناظرة، ثم أجلسهم بعد أن أحسن إليهم على كراسي طلب المعرفة بالدواء و عرفهم منابت الأدواء و قال: يا أوليائي ان أتاكم عليل من فرقي ( أي خوفي) فداووه أو مريض من إرادتي فعالجوه أو فار مني فرغبوه أو ابق مني فادعوه أو خائف مني فأمنوه أو راغب في مواصلتي فمكنوه أو قاصد نحوي فأدوه أو طامع في متاجرتي فجروه أو أئس من فضلي فعدوه
أو راج لإحساني فبشروه أو مستشرف نحوي فأرشدوه أو ناس لإحساني فذكروه ، وان استغاث بكم ملهوف فاعينوه و من وصلكم فواصلوه و إن غاب عنكم فافتقدوه الى أن قال : يا أوليائي لكم عاقبت و لكم خاطبت و اياكم رغبت و منكم ألوفا طلبت لأنكم بالأثرة آثرت و انتخبت و إياكم استخدمت و اصطنعت و اختصصت لا أريد استخدام الجبارين و لا مطوعة الشرهين جزائي لكم أفضل الجزاء و عطائي لكم أوفر العطاء و فضلي عليكم أكبر الفضل و معملتي لكم أوفي معاملة و مطالبتي لكم أشد مطالبة، و أنا مفتش القلوب و عّلام الغيوب .
هكذا تكون أحوال العارفين و هكذا تكون عمارة القلوب فهؤلاء القوم جعلوا الركب لوجهوهم وسادا و التراب لجنوبهم مهادا ، هؤلاء قوم خالط القران لحومهم و دماءهم فشغلهم عن الازواج و حركهم بالادلاج، فوضعوه على أفئدتهم فأسرجت ، وضموه إلى صدورهم فانشرحت، و تصدعت هممهم به فكدحت فجعلوه لظلمتهم سراجا
و لسبيلهم سهاجا و لحجتهم افلاجا يفرح الناس و هم يحزنون و ينام الناس و يسهرون و يفطر الناس و يصومون و يأمن الناس و يخافون فهم خائفون حذرون و جلون مشفقون مشمرون يبادرون من الفوت و يستعدون للموت . وهم الذين وصفهم الله في محكم تنزيله بقوله : " و عباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما " رزقنا الله حبهم و أتباعهم .
إن التصوف في الإسلام هو الدين الخالص له، و النية الخالصة لله، قام على مبدأ تحقيق العبودية و تعظيم الربوبية و تحقيق عمارة البواطن بالمعارف و الإسرار و الرضا و التوكل ، و عمارة الظواهر بالعبادة و الورع و التقوى و متابعة النبي صلى الله عليه و سلم في أقواله و أفعاله و أحواله. وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه من التحقق بالدين ظاهرا و باطنا و رسوخا في مراتب الدين الثلاث: الإسلام و الإيمان و الإحسان ،الواردة في حديث جبريل المعروف .
و فصل القول أن التصوف عّلم على صفوة من المسلمين لا يزالون قائمين على الحق ظاهرين عليه الى قيام الساعة. وأما مداره فعلى أربع : حب الجليل و بعض القليل و إتباع التنزيل و خوف التحويل
و عن أصول التصوف يذكر الإمام محي الدين النووي( المتوفى 676 هـ) في رسالته : المقاصد السبعة " خمسة أصول لطريق التصوف هي: تقوى الله في السر و العلانية و اتباع السنة في الأقوال و الأفعال و الأعراض عن الخلق في الإقبال و الادبار و الرضا عن الله في القليل و الكثير و الرجوع الى الله في السراء و الضراء. أما تحقيق التقوى فبالورع و الاستقامة و أما تحقيق السنة فبالتحفظ و حسن الخلق و أما تحقيق الأعراض فبالصبر و التوكل ، و أما تحقيق الرجوع إلى الله فبالشكر له في السراء و اللجوء اليه في الضراء.
ويعبر عن هذه الأصول أيضا بمعاني أخرى هي : علو الهمة و حفظ الحرمة و حسن الخدمة و نفوذ العزيمة و تعظيم النعمة. فمن علت همته ارتفعت رتبته و من حفظ حرمة الله حفظ الله حرمته و من حسنت خدمته و جبت كرامته و من نفذت عزيمته دامت هدايته و من عظم النعمة شكرها و من شكرها استوجب المزيد .
و أما أصول المعاملات عند الصوفية فهي خمسة : طلب العلم للقيام بالأمر، وصحبة المشائخ و الإخوان للتبصر ،
و ترك الرخص و التأويلات للتحفظ، و ضبط الأوقات بالأوراد للحضور و اتهام النفس في كل شئ للخروج من الهوى و السلامة من العطب. فطلب العلم آفته صحبة الأحداث سنا و عقلا و دينا مما لا يرجع إلى أصل أو قاعدة. و آفة الصحة الاغترار و الفضول. و آفة ترك الرخص و التأويلات الشفقة على النفس. و آفة ضبط الأوقات الغفلة و الكسل و آفة اتهام النفس الأنس بحسن أحوالها و استقامتها. قال تعالى :
" وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها "
و أما أصول ما تداوي به علل النفوس عند المتصوفة فخمسة : تخفيف المعدة بقلة الطعام و الشراب و اللجوء الى الله مما يعرض عند عروضه و الفرار من مواقف ما يخشى الوقوع فيه و دوام الاستغفار مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم باجتماع الخاطر و صحبة من يدلك على الله تعالى .
وقد نبه الإمام مالك رضي الله عنه إلى أن من تصّوفو لم يتفقه فقد تزندق و من تفقه و لم يتصوف فقد تفسق
و من جمع بينهما فقد تحقق و أجمع أهل التحقيق انه لا يصح للتصدر في طريق الله عز وجل إلا من تبحر في علم الشريعة و عرف منطوقها و مفهومها و خاصة عامها و ناسخها و منسوخها و تبحر في لغة العرب حتى عرف مجاراتها و استعاراتها و غير ذلك فكل صوفي فقيه و ليس العكس.
و بالجملة فما أنكر أحوال الصوفية الا جاهل بحقيقتهم. قال القشيري رحمه الله: لم يكن عصر في مدة الإسلام
و فيه شيخ من هذه الطائفة إلا و أئمة ذلك الوقت من العلماء قد استسلموا لذلك الشيخ و تواضعوا معه و تبركوا به ( راجع كتاب الأنوار في طبقات الأخيار للشيخ الشعراني 1/4)
فحد التصوف هو علم يعرف به أحوال النفس محمودها و مذمومها و كيفية السلوك و السير إلى الله و الفرار إليه، كما جاء في قوله تعالى : " ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين " ( الذاريات 50 ) . و ثمرة هذا العلم الشريف تهذيب القلوب و معرفة علام الغيوب ذوقا و وجدانا و النجاة في الآخرة و الفوز برضا الله عز وجل و نيل السعادة الأبدية و تنوير القلب و صفاؤه و بحيث تنكشف له أمور جليلة و أحوال عجيبة و يعاين ما عميت عنه كل بصيرة .
أن إنكار التصوف أو رميه بما ليس فيه من البدع و المنكرات هو من قبيل تجفيف المنابع الروحية في الشريعة الإسلامية. و لا يمكن أن ننكر دور الصوفية في نشر الإسلام في مناطق كثيرة كافريقية و شرق آسيا و أماكن أخرى من المعمورة. و لا يزال أهل الصوفية على الإيمان الصحيح الصادق و على عقيدة أهل السنة و الجماعة لا يضرهم من خالفهم و هم يتعبدون الله على أحد المذاهب الأربعة ، بل يزيدون عن غيرهم بأنواع المجاهدات النفسية و الروحية بلوغا الى مقام الإحسان بزيادة تعبد و طاعة و هؤلاء يصدق عليهم ما جاء في الحديث القدسي " مازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " الحديث ( البخاري كتاب الرقاق عدد 37 ) .
و إننا لنأسف شديد الأسف أن يسعى بعض المخالفين تحت تأثير دوافع غريبة عن مجتمعنا إلى نعت رجال التصوف بالشرك و الكفر ، وكذلك أولى بهم أن يتريثوا حتى يتبينوا حقيقة هذا العلم القائم على محبة الله و الإخلاص له و فقا لمنهج الشريعة الإسلامية الغراء.
و الله الموفق عليه توكلت و إليه أنيب .
كمال الدين جعــــــــــــيط
( مفتي الجمهورية التونسيـــــــــة )
حقيقة التصوف في مواجهة أدعيائه وخصومــــــــــــه
سئلت عن حقيقة الصوفية وعن موقف يرى أنه لا علاقة للمتصوفة بالدين و أنهم من أهل البدع و المنكرات ؟
و الجواب : ومن الله نلتمس اليقين و الصواب:
لاشك أن الصحابة رضوان الله عليهم قد تحملوا بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من دار الدنيا الى دار البقاء عبئا عظيما في نشر الإسلام و تصدروا لتعليم الناس شريعة الإسلام و بث أسرارها و إشاعة نورها الأبلج في كل مكان .. و كان للصوفية الحظ الأوفر في بعث هذا العمل المشرف وإحياء المدرسة النبوية ، على صاحبها من الله أفضل الصلاة وأذكى السلام، التي تخّرج منها أفذاذ الصحابة من امثال ابي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. وتخرج من مدرسة الصحابة أفذاذ التابعين من أمثال الحسن البصري وسعيد بن المسيب وطاوس اليماني وإبراهيم التيمي وسادات وغيرهم لا يحصون فضلا و علما وعملا وتتلمذ لهؤلاء الأجلاء من التابعين أئمة المذاهب السنية الأربعة أبو حنيفة النعمان ومالك ابن أنس ومحمد بن ادريس الشافعي واحمد بن حنبل. فأبو حنيفة كان تأثره الأكبر بشيخ الزاهد المشهور عطاء بن أبي رباح وكان يقول في شأنه: ما لقيت أفضل من عطاء . وكان الامام الشافعي يكثر من مجالسة الصوفية ويقول عنهم: يحتاج الفقيه إلى معرفة الصوفية ليفيدوه من العلم ما لم يكن عنده وقد قيل له يوما : ما الذي استفدته من الصوفية ؟ فقال : استفدت منهم شيئين قولهم الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وقولهم إن لم تشغل نفسك بالخير شغلتك بالشر. قال الشيخ زكرياء رحمه الله: يكفينا دليلا على شرف الطريق إذعان الأئمة لأهلها في كل زمان وسؤالهم الدعاء منهم من في الشدائد دون العكس.
و أما أوصافهم فذكر الخطيب البغدادي( في تاريخ بغداد 8/399) بسنده عن محمد بن شاذان الرازي . أنه سمع يوسف بن الحسين يقول : حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل فسأله المتوكل : يا أبا الفيض صف لنا أولياء الله؟ فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته و جللهم البهاء من أردية كرامته
و وضع على مفارقهم ذخائر الغيوب فهي معلقة بمواصلة المحبوب، فقلوبهم إليه سائرة و أعينهم إلى عظيم جلاله ناظرة، ثم أجلسهم بعد أن أحسن إليهم على كراسي طلب المعرفة بالدواء و عرفهم منابت الأدواء و قال: يا أوليائي ان أتاكم عليل من فرقي ( أي خوفي) فداووه أو مريض من إرادتي فعالجوه أو فار مني فرغبوه أو ابق مني فادعوه أو خائف مني فأمنوه أو راغب في مواصلتي فمكنوه أو قاصد نحوي فأدوه أو طامع في متاجرتي فجروه أو أئس من فضلي فعدوه
أو راج لإحساني فبشروه أو مستشرف نحوي فأرشدوه أو ناس لإحساني فذكروه ، وان استغاث بكم ملهوف فاعينوه و من وصلكم فواصلوه و إن غاب عنكم فافتقدوه الى أن قال : يا أوليائي لكم عاقبت و لكم خاطبت و اياكم رغبت و منكم ألوفا طلبت لأنكم بالأثرة آثرت و انتخبت و إياكم استخدمت و اصطنعت و اختصصت لا أريد استخدام الجبارين و لا مطوعة الشرهين جزائي لكم أفضل الجزاء و عطائي لكم أوفر العطاء و فضلي عليكم أكبر الفضل و معملتي لكم أوفي معاملة و مطالبتي لكم أشد مطالبة، و أنا مفتش القلوب و عّلام الغيوب .
هكذا تكون أحوال العارفين و هكذا تكون عمارة القلوب فهؤلاء القوم جعلوا الركب لوجهوهم وسادا و التراب لجنوبهم مهادا ، هؤلاء قوم خالط القران لحومهم و دماءهم فشغلهم عن الازواج و حركهم بالادلاج، فوضعوه على أفئدتهم فأسرجت ، وضموه إلى صدورهم فانشرحت، و تصدعت هممهم به فكدحت فجعلوه لظلمتهم سراجا
و لسبيلهم سهاجا و لحجتهم افلاجا يفرح الناس و هم يحزنون و ينام الناس و يسهرون و يفطر الناس و يصومون و يأمن الناس و يخافون فهم خائفون حذرون و جلون مشفقون مشمرون يبادرون من الفوت و يستعدون للموت . وهم الذين وصفهم الله في محكم تنزيله بقوله : " و عباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما " رزقنا الله حبهم و أتباعهم .
إن التصوف في الإسلام هو الدين الخالص له، و النية الخالصة لله، قام على مبدأ تحقيق العبودية و تعظيم الربوبية و تحقيق عمارة البواطن بالمعارف و الإسرار و الرضا و التوكل ، و عمارة الظواهر بالعبادة و الورع و التقوى و متابعة النبي صلى الله عليه و سلم في أقواله و أفعاله و أحواله. وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه من التحقق بالدين ظاهرا و باطنا و رسوخا في مراتب الدين الثلاث: الإسلام و الإيمان و الإحسان ،الواردة في حديث جبريل المعروف .
و فصل القول أن التصوف عّلم على صفوة من المسلمين لا يزالون قائمين على الحق ظاهرين عليه الى قيام الساعة. وأما مداره فعلى أربع : حب الجليل و بعض القليل و إتباع التنزيل و خوف التحويل
و عن أصول التصوف يذكر الإمام محي الدين النووي( المتوفى 676 هـ) في رسالته : المقاصد السبعة " خمسة أصول لطريق التصوف هي: تقوى الله في السر و العلانية و اتباع السنة في الأقوال و الأفعال و الأعراض عن الخلق في الإقبال و الادبار و الرضا عن الله في القليل و الكثير و الرجوع الى الله في السراء و الضراء. أما تحقيق التقوى فبالورع و الاستقامة و أما تحقيق السنة فبالتحفظ و حسن الخلق و أما تحقيق الأعراض فبالصبر و التوكل ، و أما تحقيق الرجوع إلى الله فبالشكر له في السراء و اللجوء اليه في الضراء.
ويعبر عن هذه الأصول أيضا بمعاني أخرى هي : علو الهمة و حفظ الحرمة و حسن الخدمة و نفوذ العزيمة و تعظيم النعمة. فمن علت همته ارتفعت رتبته و من حفظ حرمة الله حفظ الله حرمته و من حسنت خدمته و جبت كرامته و من نفذت عزيمته دامت هدايته و من عظم النعمة شكرها و من شكرها استوجب المزيد .
و أما أصول المعاملات عند الصوفية فهي خمسة : طلب العلم للقيام بالأمر، وصحبة المشائخ و الإخوان للتبصر ،
و ترك الرخص و التأويلات للتحفظ، و ضبط الأوقات بالأوراد للحضور و اتهام النفس في كل شئ للخروج من الهوى و السلامة من العطب. فطلب العلم آفته صحبة الأحداث سنا و عقلا و دينا مما لا يرجع إلى أصل أو قاعدة. و آفة الصحة الاغترار و الفضول. و آفة ترك الرخص و التأويلات الشفقة على النفس. و آفة ضبط الأوقات الغفلة و الكسل و آفة اتهام النفس الأنس بحسن أحوالها و استقامتها. قال تعالى :
" وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها "
و أما أصول ما تداوي به علل النفوس عند المتصوفة فخمسة : تخفيف المعدة بقلة الطعام و الشراب و اللجوء الى الله مما يعرض عند عروضه و الفرار من مواقف ما يخشى الوقوع فيه و دوام الاستغفار مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم باجتماع الخاطر و صحبة من يدلك على الله تعالى .
وقد نبه الإمام مالك رضي الله عنه إلى أن من تصّوفو لم يتفقه فقد تزندق و من تفقه و لم يتصوف فقد تفسق
و من جمع بينهما فقد تحقق و أجمع أهل التحقيق انه لا يصح للتصدر في طريق الله عز وجل إلا من تبحر في علم الشريعة و عرف منطوقها و مفهومها و خاصة عامها و ناسخها و منسوخها و تبحر في لغة العرب حتى عرف مجاراتها و استعاراتها و غير ذلك فكل صوفي فقيه و ليس العكس.
و بالجملة فما أنكر أحوال الصوفية الا جاهل بحقيقتهم. قال القشيري رحمه الله: لم يكن عصر في مدة الإسلام
و فيه شيخ من هذه الطائفة إلا و أئمة ذلك الوقت من العلماء قد استسلموا لذلك الشيخ و تواضعوا معه و تبركوا به ( راجع كتاب الأنوار في طبقات الأخيار للشيخ الشعراني 1/4)
فحد التصوف هو علم يعرف به أحوال النفس محمودها و مذمومها و كيفية السلوك و السير إلى الله و الفرار إليه، كما جاء في قوله تعالى : " ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين " ( الذاريات 50 ) . و ثمرة هذا العلم الشريف تهذيب القلوب و معرفة علام الغيوب ذوقا و وجدانا و النجاة في الآخرة و الفوز برضا الله عز وجل و نيل السعادة الأبدية و تنوير القلب و صفاؤه و بحيث تنكشف له أمور جليلة و أحوال عجيبة و يعاين ما عميت عنه كل بصيرة .
أن إنكار التصوف أو رميه بما ليس فيه من البدع و المنكرات هو من قبيل تجفيف المنابع الروحية في الشريعة الإسلامية. و لا يمكن أن ننكر دور الصوفية في نشر الإسلام في مناطق كثيرة كافريقية و شرق آسيا و أماكن أخرى من المعمورة. و لا يزال أهل الصوفية على الإيمان الصحيح الصادق و على عقيدة أهل السنة و الجماعة لا يضرهم من خالفهم و هم يتعبدون الله على أحد المذاهب الأربعة ، بل يزيدون عن غيرهم بأنواع المجاهدات النفسية و الروحية بلوغا الى مقام الإحسان بزيادة تعبد و طاعة و هؤلاء يصدق عليهم ما جاء في الحديث القدسي " مازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " الحديث ( البخاري كتاب الرقاق عدد 37 ) .
و إننا لنأسف شديد الأسف أن يسعى بعض المخالفين تحت تأثير دوافع غريبة عن مجتمعنا إلى نعت رجال التصوف بالشرك و الكفر ، وكذلك أولى بهم أن يتريثوا حتى يتبينوا حقيقة هذا العلم القائم على محبة الله و الإخلاص له و فقا لمنهج الشريعة الإسلامية الغراء.
و الله الموفق عليه توكلت و إليه أنيب .
كمال الدين جعــــــــــــيط
( مفتي الجمهورية التونسيـــــــــة )
أبو أويس- عدد الرسائل : 1576
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: حقيقة التصوف...( لمفتي الجمهورية )
مشكورين سيدي أبو أويس على هذه الرسالة القيمة و الشهادة الجليلة من أحد علماء تونس الأجلاء رحمه الله تعالى.
اللهم صل على سيد محمد و آله الطيبين الطاهرين و صحبهم المنتجبين.
اللهم صل على سيد محمد و آله الطيبين الطاهرين و صحبهم المنتجبين.
الهادفي 2- عدد الرسائل : 218
العمر : 56
العمل/الترفيه : مدرس
المزاج : محب الحقيقة
تاريخ التسجيل : 05/05/2009
رد: حقيقة التصوف...( لمفتي الجمهورية )
الحمد لله .الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .شكرا لكم أخي الكريم سيدي أبو أويس وأسأل الله أن يجعل ذالك في صحائف أعمالكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ..
محمد سعيد- عدد الرسائل : 1
العمر : 43
تاريخ التسجيل : 18/02/2014
فراج يعقوب- عدد الرسائل : 184
العمر : 65
تاريخ التسجيل : 22/02/2011
مواضيع مماثلة
» حقيقة علم التصوف وأقوال العلماء والعارفين فيه :
» حقيقة علم التصوف وأقوال العلماء والعارفين فيه
» " حقيقة التصوف " من مذاكرات سيدي فتحي السلامي
» في الكلام على الحضرة الواحدية
» حقيقة التّصوّف الحق
» حقيقة علم التصوف وأقوال العلماء والعارفين فيه
» " حقيقة التصوف " من مذاكرات سيدي فتحي السلامي
» في الكلام على الحضرة الواحدية
» حقيقة التّصوّف الحق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
أمس في 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
أمس في 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
أمس في 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 22:37 من طرف الطالب
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس
» هل تطرأ الخواطر على العارف ؟
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:59 من طرف أبو أويس