بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
أمّا بعد :
قد استوعر أحد ساداتنا الفقراء أكرمهم الله تعالى بعض جمل مبهمات في فقرات من شرحي على بعض الحكم العطائية الذي سميته ( العطايا الإلهية بشرح الحكم العطائية ) فطلب مني بعض التوضيح والتقييد عليها ولو بإيجاز فأجبته سمعا وطاعة خدمة للفقراء وللعلم بحسب جهدي والله أعلم بقصدي وتلك نيّتي
- أذكر في الأوّل متن الحكمة العطائية التي هي الأصل ثمّ ألحقها بما شرحته بحسب فهمي منها تحتها , وتحت كلّ سطر من شرحي أكتب تقييدي عليه - :
قال مولانا العلاّمة العارف الفهّامة سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه وقدس سره :
( من علامات الإعتماد على العمل نقصان الرجاء عن وقوع الزلل )
قلت في شرحي :
- متى استخدمك فذلك فضله، ومتى منعك فذلك عدله.
الشرح :
متى استخدمك :
أي متى وفّقك للعمل فذلك من باب فضل الله تعالى عليك وإنّما أتيتُ بلفظة ( الإستخدام ) دون سواها لما فيها من العبودية عند الكرام ولما فيها من التحقيق عند السادة الفخام إذ أنّ الإستخدام يعطي التبرّي من نسبة الخدمة إليك فكأنّك آلة الله محرّكها كيفما شاء سبحانه وفيها رمز إلى الفناء في الأفعال حتى لا تنسب لنفسك فعلا أو حولا وقوّة إذ من هناك يدخل الشرك في الأفعال ويدخل فيها الإعتماد على الأعمال وإنّما ذكر سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه هذا في أوّل باب من أبواب الحكم لما يتطلّبه السلوك إلى ملك الملوك من البداية بالفناء عن شهود الحول والقوّة , والتدبير والإختيار لقوله عليه الصلاة والسلام ( اعملوا فإنّ كلّ ميسّر لما خلق له ) لمّا سأله الصحابة رضوان الله عليهم عن السابقة مناط الحقائق فهذا الحديث النبوي هو من باب الحقيقة لذا ردّهم به إلى الشريعة وهذا من جوامع الكلم إذ يردّك من بحر الحقيقة إلى توفية آدابها عن طريق صراط الشريعة
فذلك فضله :
أي ذلك الإستخدام والتوفيق للعمل في حقيقته هو فضل من الله تعالى عليك لم تكتسبه بحيلة وليس لك إليه وسيلة لتعلّقه بالهداية والله تعالى هو الهادي فمتى هداك وهو فضله وفّقك إلى العمل إلى ما هداك إليه فلو اعتمدت على العمل فقد نسبت إلى نفسك وجود الهداية والله تعالى يقول ( إهدنا الصراط المستقيم ) فمتى رزقك الله تعالى الهداية وأنزلها على قلبك قامت الجوارح للطاعة تبعا لعمل القلب الذي أصله الهداية لذا قلت ( متى إستخدمك فذلك فضله ) في مرتبة أهل البداية من حيث الأعمال والوسط من حيث الأحوال والنهاية من حيث الكمال فهو في كلّ ذلك مستخدمك لأنّك عبده والعبد خادم عند سيّده فكن مستخدما عند الله تعالى ولا تجعل الله تعالى عندك مستخدما بمعنى متى اعتمدت على عملك فقد أوجبت عليه حقوقا كأجر أو ثواب فكأنّه أصبح إستحقاقا فرضته أنت عليه ففي هذا المعنى كأنّك إستخدمته لذا أغلق لك عليه الصلاة والسلام هذا الباب بقوله ( لن يدخل أحدكم الجنّة بعمله ... الحديث ) فعند العمل لا يكون الشهود إلاّ لباب الفضل الإلهي كما قال تعالى ( ووجدك ضالاّ فهدى )
( ومتى منعك فذلك عدله )
أي متى لم يستخدمك ولم يوفّقك إلى الخدمة والعمل ( كحال الكفّار الذين ختم الله على قلوبهم ) فذلك من باب عدله وليس من باب بخل أو شحّ بل إنّ الله تعالى هو الكريم الجوّاد وهو الهادي فما منعهم بسبب فقر أو بخل بل بسبب عدل وتفسير ذلك أنّ العبد متى رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا ونبيّا ورضي بأوامره وتلقّاها بسمع وطاعة فإنّ الله تعالى يغمره بفضله الذي هو هدايته ونصرته وتربيته ..إلخ .. أمّا إذا لم يرض بالله ربّا وكفر وطغى وتجبّر كما قال الكفّار ( سمعنا وعصينا ) فإنّ الله تعالى يحاسبهم بعدله من غير أن يمنع عنهم لو آمنوا واستقاموا فضله وجوده وكرمه فتبيّن أنّ أهل الإيمان في دائرة الفضل وأهل الكفر والشرك في دائرة العدل وهذا معنى قولي ( متى استخدمك فذلك فضله , ومتى منعك فذلك عدله )
ننتقل إلى الجملة الثانية من شرحي على هذه الحكمة العطائية
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- ربّما استخدمك ظاهرا ومنعك باطنا، وربّما استخدمك باطنا ومنعك ظاهرا، وربّما استخدمك ظاهرا وباطنا.
الشرح :
ذكرنا في الفقرة السابقة أنّ المنع لا يصدر إلاّ عن عدل في مجال الطاعة والقربات فهو بين أمرين : منع بعدل وهذا للكافرين , ومنع برحمة وهذا للضعفاء من المسلمين كالغنى مثلا فإنّ من الناس من لا يصلح له إلاّ الفقر فلو أغناه الله تعالى لكفر فيكون المنع هنا رحمة وهذا الذي قصدته في هذا السطر الثاني من الشرح وليس هو المنع المذكور في السطر الأوّل لأنّ منع الإيمان والطاعات من باب العدل أمّا منع المضرّة فهو من باب الرحمة الإلهية كما منع رسول الله الوصال عن الصحابة في رمضان فلمّا سألوه أخبرهم أنّه ليس كمثلهم وكذلك قولهم طعام الكبير لا يستطيعه الصغير وهكذا ...
لذا قلت : ( ربّما إستخدمك ظاهرا ومنعك باطنا )
أي ربّما إستخدمتك الحضرة الإلهية ظاهرا دون باطن أي كإمامة ظاهرة وطاعات ظاهرة كسقاية أو عمارة المسجد الحرام كما ورد في الآية أو كجهاد ومرابطة أو غيرها ممّن مجاله العبادات الظاهرة فقد يستخدمك في العبادات الظاهرة ويمنع عنك العبادات الباطنة كفناء وبقاء وشهود وفتح كبير لعدم مقدرتك عليه فما منعك إيّاه إلاّ رحمة بك لذا أوصانا الله تعالى أن لا نتمنّى بما فضّل الله به بعضنا على بعض فإنّ لكلّ مسلم فضل ليس موجودا عند الآخر سواء في الظاهر أو الباطن لذا قال سيدي عبد العزيز الدباغ رضي الله عنه في حقّ أحد العوام من غير المفتوح عليهم بعد أن أطلعه الله كشفا على حسناته قال : إنّي أغبطه على تلك الحسنات كأمثال الجبال ( بما معناه ) فما من أحد حاز الفضل من جميع الوجوه إلاّ سيّد الخلق فما من أحد من العباد إلاّ وهو فاضل ومفضول , فاضل بما فضّله الله به عن غيره ومفضول بما فضّل الله تعالى به غيره عليه
فربّما استخدمك الله تعالى أيّها المؤمن في مجال العبادات الظاهرة فكنت قطب رحاها مع وجود الإيمان التام وصفاء الوجدان بالتقوى , وربّما إستخدمك باطنا من حيث مكابدة الأحوال والمقامات حتى خفي حالك في الأرض فلا يرون عليك كبير طاعة ولا مشاق عبادة لذا عظّم ساداتنا الأولياء علماء الشريعة تعظيما كبيرا لأنّ الله تعالى إستخدمهم ظاهرا فهم حرّاس الشريعة وحصون الدين من أهل الرباط – فهذا نوع - فربّما إستخدمك واستعملك ظاهرا أو إستخدمك باطنا وفي هذا جوانب كثيرة وفروع عديدة وإنّما أعطيتك الأصل
ثمّ : وربّما إستخدمك ظاهرا وباطنا
وهذا شأن أهل العناية من أهل الكمال كساداتنا الأنبياء والمرسلين والخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين من أهل الولاية ممّن رزقهم الله تعالى الظاهر والباطن الشريعة والحقيقة وفي هذا أيضا مجالات من حيث الدين ومن حيث السياسة الشرعية في الحكم كالمهدي المنتظر ومن قبله الخلفاء فإنّ الله تعالى استخدمهم ظاهرا وباطنا وهم أهل لذلك وكذلك كلّ عبد يؤهّله الله تعالى لما هو له أهل فما على العبد إلاّ الرضا بما قسمه الله تعالى له فيوفّي شروط الأدب فيه ولا يكون كإبليس لعنه الله تعالى لمّا سأل الظهور في الخلافة وما رضي بمقامه الذي أقامه الله فيه
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- ما أنت عمّال اذا طلبك عدله، فربّ عمّال أهلكه العدل، وما أنت بطّال اذا أدركك فضله، فربّ بطّال أسعده الفضل.
بعد أن أعلمتك سابقا بما عليه الفضل والعدل في عمومه ولو بإيجاز إنتقلت بك الآن إلى مرحلة أخرى أعلى وألطف معنى من الأولى لقوله ( وللآخرة خير لك من الأولى ) فكلّما علا المقام كلّما كانت الخيرية كصاحب القرآن يقال له يوم القيامة ( إقرأ وارتقي ) فحيثما وصل به مقامه توقّف فكان مُقامه إلاّ أهل يثرب فإنّه لا مقام لهم لذا أمرهم بالرجوع
فهنا متى كنت عاملا ومستخدما من قبل الله تعالى فحذار أن تعتمد على أعمالك أو تنسبها إلى مقدرتك وإختيارك وتدبيرك لما في ذلك من دعوى الحول والقوّة لذا ليس الشأن أن تكون عاملا موفّقا فقط بل الشأن بعد هذا أن تكون مراعيا لما عليه الله تعالى في صفاته وذاته فإذا علمت بأنّه سبحانه كما قال لك ( والله خلقكم وما تعملون ) وكذلك كما ورد في الحديث الشريف في قوله عليه الصلاة والسلام ( كلّ ميسّر لما خلق له ) ففيه ذكر أنّ الأعمال مخلوقة لله , فوقع التحذير هنا من مغبّة قياس الأعمال على القلّة والكثرة بل المعتمد على القبول والنسبة فمتى نسبتها إليك فإنّ الله تعالى لا يقبلها منك ومتى قبلها منك فذلك عنوان نسبتها إليه لأنّه الهادي وهو الخالق وهو صاحب الجود والكرم والحول والقوّة
لذا قلت : ما أنت عمّال إذا طلبك عدله
أي حذار أن يطلبك العدل الإلهي متى نسبت الأعمال إليك كما وقع في قصّة ذلك الراهب الذي أخبر عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام فطلب أن يدخل الجنّة بعمله فوضع الله تعالى له ميزان العدل حينها فما وفّت عبادته كلّها شكر نعمة البصر والعينين فتبرّأ هنا من أعماله وقال بل أدخل الجنّة برحمة الله تعالى , أي حذار أن تكون مثل ذلك الراهب فتعظم في عينيك أعمالك الكبيرة وطاعاتك الشهيرة فينصب لك ميزان العدل فلو نصب لك ميزان العدل فحتما لا تكون عمّالا بل تكون مساءلا , فمهما عمل العبد فما عليه إلاّ بنسبة الأعمال إلى فضل الله ورحمته وتوفيقه فمتى نسبها إلى نفسه فقد جحد نعمة الله عليه وما وفّى شكر نعمة التوفيق إلى العمل لذا أمرنا أن نقول ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله )
في الجانب المقابل قلت : وما أنت بطّال اذا أدركك فضله، فربّ بطّال أسعده الفضل.
فذكرت أنّ العبرة بالفضل فما أنت بطّال متى أدركك فضله كي لا تحتقر من هو مبتلى بالمعاصي أو ترى نفسك عليه في طاعتك فإنّ هذا علامة من علامات الخذلان وهو برهان على إعتمادك على أعمالك وعظمتها في نظرك فالعبرة كلّها بشهود الفضل وبالخوف من العدل فمتى طلبك العدل فلا يبقى لك عمل من الأعمال فتخيب وربّما أدرك غيرك الفضل فنالته السعادة وليس له من الأعمال شيئا يذكر وفي هذا قصص كثيرة كما ورد في الحديث ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) فنالته السعادة لا من باب الأعمال وإنّما من باب الفضل والجود والكرم , وهذا لا يفتح الباب لترك الأعمال بل يفتح لك للأدب مع الله تعالى بشهود المنّة والفضل وملاحظة الحساب والعدل ... فتكون لنفسك مجاهدا ولغيرك ناصحا هاديا ولخلق الله رحمة ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
جزاك الله عنا كل خير سيدي على الفاضل
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
بارك الله فيكم سيدي أبأ أويس الغالي العزيز على التشجيع وهو ينفعني كثيرا فما أن يدخل الفرح والسرور على قلبي حتى تنفتح لي مغالق كثيرة وهذا أمر صحيح بالنسبة لي على الأقلّ مجرّب أما التعكير فإنّه يغلق لي أبوابا كثيرة , سأفتح صفحة أخرى إن شاء الله تعالى سيدي أشرح فيها الحكم العطائية شرحا نثريا أجده في قلبي فقد فتح الله تعالى في قلبي آفاقا منها كثيرة , فإنّ الحكم العطائية أراها وحي إلهام من الله تعالى على صاحبها , سيدي العبد الضعيف لا أدّعي شيئا في طريق الله تعالى ولكن هي المحبة كما تعلمون وتدركون فهي تصنع المستحيل
أحبّكم يا أبا أويس هكذا أجد قلبي
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- أمرك بالعمل ونهاك عن الاعتماد عليه لتقصده، ومتى ما غيّبه عنه فلتشهده.
بعد أن أعلمتك بوجوب شهود فضل الله تعالى عليك في جميع أعمالك وبعدم الإعتماد عليها بيّنت في هذا السطر الحكمة الجليلة من ذلك لأنّ الغرض من التربية الإلهية للعبيد إدخالهم بحر التوحيد فكانت الأعمال شرط بداية السير والسلوك إلى معرفة ملك الملوك لذا أوضح الله تعالى لنا ورسوله عليه الصلاة والسلام الطريق إلى سلامة الأعمال في مرتبة المبتدئين ثمّ في مرتبة ثانية سلامة الأحوال وهي مرتبة السائرين ثمّ في ثالثة سلامة الآداب والعلم وهذا للواصلين , فالمرتبة الأولى للأجور من حيث شروط صحّة الأعمال كي تجني آثارها والمرتبة الثانية من حيث الأنوار كي تجني ثمارها أمّا الثالثة فهي مرتبة الأسرار كي تشفى بدواء أزهارها لذا ينتقل السالك من عالم إلى عالم ومن كون إلى كون حتّى يصل إلى المكوّن سبحانه وتعالى فهذه إرادته منك لأنّك متى إعتمدت على عملك فقد وقفت معه فكان في حقّك مانعا وحجابا وليس هذا الغرض من الأعمال فإنّ الله تعالى ما أمرنا بالأعمال كي تحجبنا عنه بل كي توصلنا إليه
لذا قلت :
أمرك بالعمل ونهاك عن الإعتماد عليه لتقصده
أي ما أمرك الله تعالى بالعمل إلاّ ليكون وسيلة إلى طاعته فليس المقصود العمل في حدّ ذاته وإنّما المقصود ما تجنيه من العمل لذا وجب عدم الإعتماد عليه فلو كان المقصود من العمل ذاته لكان كلّ من فاتك في الأعمال من حيث الكثرة والقلّة كان أقرب إلى الله منك وهذا غير صحيح متى علمنا في الكثير من الآيات والأحاديث والأخبار خلاف ذلك كحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الخوارج في أنّهم ( يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم .. الحديث ) لأنّ أعمالهم لم تنتج لهم من قربا أو نورا وكذلك الكثير من الخلق فإنّ أعمالهم تذهب هباءا منثورا لذا ورد : ركعتان من زاهد في الدنيا خير من ألف ركعة من راغب فيها لأنّ مقياس الأعمال لا كما يتصوّره بعض الناس من حيث القلّة والكثرة بل من حيث القبول والنور والقرب والوصول لهذا قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( من دلّك على العمل فقد أتعبك ) فكان شأن كبار الزهاد والعبّاد أنّهم يبقون الأزمان الطويلة في عبادة الله تعالى ولا يحصل لهم شيئا من القرب والمعارف التي يتحدّث عنها القوم من أهل الله تعالى ومن هنا أُخذ الشيخ سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه حينما قال : كنت وأخ لي في الله نذكر الله تعالى في مغارة وكنّا نقول اليوم يفتح علينا غدا يفتح علينا فجاء رجل وقف على باب المغارة فقال : تقولون اليوم يفتح لنا غدا يفتح لنا فهلّا ذكرنا الله حقّ ذكره وعبدناه حقّ عبادته , قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : فتنبّهنا وعرفنا من أين أخذنا ( نقلته بالمعنى )
أمرك بالعمل ونهاك عن الإعتماد عليه لتقصده
لأنّ العمل متى إعتمدت عليه يكون مانعا لك لقصد إرادة وجه الله فتلتفت إليه وتعوّل عليه فتوشك أن تستدرج به فيكون عليك فتنة فلو لا عصمة الملائكة لكانت في قولها ( ونحن نسبّح بحمد ونقدّس لك ) من المحجوبين ووجه عصمتها في ذلك أنّها ما قصدت الإعتماد على أعمالها أو رؤيتها وذكرها بل وجه عصمتها أنّها ما قالت ما قالته إلاّ غيرة منها على جناب التوحيد وأن تنتهك حرمات الله أو أوامره ونواهيه فقدّمت نفسها باعتبار أنّها معصومة ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) فمن هذا الباب دخلت غيرة على جناب التوحيد أن ينتهكه منتهك سيّما من أكرم بالخلافة فغارت أن ينتهك من هو في مستوى الخليفة حرمات الله فكأنّها تقول ( كيف ينتهك حرماتك وهو الخليفة ألم يكفه قربه منك أن يطيعك أكثر منّا , لذا ردّهم الله تعالى إلى علم آخر وهو علم الأسماء وأنّ الأمر ليس كما قالوا لغيبتهم عن علم الأسماء لذا قالوا ( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا ) فما أحسن وأجمل أخلاق ساداتنا الملائكة عليهم السلام
فما أمرك بالعمل ونهاك هن الإعتماد عليه إلاّ لتقصده أيّها المؤمن السالك وما شرّع لك ما شرّع أو أوصاك بما أوصى إلاّ كي تعود إليه وتنيخ مطاياك بين يديه فاعتزّ بمن أمرك لتقصده وأفناك لتشهده
فعدم الإعتماد على الأعمال من شروط صحّة القصد فأمرك أيّها المريد بعدم الإعتماد على عملك كي يفتح لك طريق القصد إليه وهو طريق الإرادة ( يريدون وجهه ) ثمّ تناولت هنا ذكر مرتبة ثالثة وهي أعلى من التي قبلها من حيث فهم الأعمال فقلت :
( ومتى غيّبك عنه فلتشهده )
فأضحى بداية الأمر النهوض إلى العمل , ثمّ عدم الإعتماد عليه ثمّ الغيبة عنه فالدرجة الأولى للأجور لأنّه لا أجر من دون عمل ثمّ الدرجة الثانية وهي للنّور طريق القصد إليه فلا قصد مع وجود إعتماد على عمل , ثمّ الدرجة الثالثة وهي للشهود فلا شهود مع عدم الغيبة عن الأعمال فأضحى للعمل درجات ثلاث : العمل توفية للأمر الإلهي ثمّ عدم الإعتماد عليه توفية لشروط الإرادة وصحّة القصد إليه ثمّ الغيبة عنه لازم الشهود
فالأعمال تبقى أعمال ولكنها كما قالوا : العمل بالنسبة للعارفين كالتاج على رأس الملك ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
علي كتب:
أحبّكم يا أبا أويس هكذا أجد قلبي
جزاكم الله خيرا..
وإني أحبكم(في الله)..(لله)
عن أبي إدريس الخولاني أنه قال دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بفتى براق الثنايا
وإذا ناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه
فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل
فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير
ووجدته يصلي قال : فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئت من قبل وجهه
فسلمت عليه وقلت له : والله إني لأحبك لله فقال : آلله فقلت : آلله فقال : آلله فقلت : آلله قال : فأخذ بحبوة
لردائي فجبذني إليه و قال : أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
قال الله عز وجل : وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتباذلين في و المشاورين في.
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير
سبقه بالتهجير : هذا أقلّ شيء يفعله معاذ مع محبّيه بعد أن ناداه وارد الحبيب بالشوق إلى اللقاء فأسرع الخطى ...
فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئت من قبل وجهه
إنتظرته حتى قضي صلاته : لأنّه مقصودي بهذا التهجير فلم أصلّ مثله بل إنتظرته فتكفيني صلاته عن صلاتي بوصل محبتي له
ثمّ جئت قبل وجهه : نهاية التصريح وليس بعد هذا القول من مليح
فأخذ بحبوة لردائي فجبذني إليه
بشرى ما بعدها من بشرى ...
جزاكم الله خيرا ....
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- أمرك بالعمل ونهاك عن الاعتماد عليه ليحقّقك بانوار صفاته، ومن ثمّ ليجمعك على عين ذاته.
في السطر الذي قبل هذا ذكرنا السبب والحكمة من وجوب عدم الإعتماد على العمل وفي هذا السطر نذكر ثمرة عدم الإعتماد ونتيجته فقلت : ( أمرك بالعمل ونهاك عن الإعتماد عليه ليحقّقك بأنوار صفاته ) إذ أنّ القصد إليه وطلب الإرادة من إستخلاص نية وصدق توجّه مآلها في الأخير إلى هذه النتيجة التي هي ( ليحقّقك بأنوار صفاته ) إذ لا يستقيم لك توحيد ولا تجريد وأنت تعتمد على عملك وتدبيرك وإختيارك فإنّ مشهد المحجوبين إتّكالهم على أعمالهم واعتمادهم عليها فلو عرفوا أفعال ربّهم وأنه خالق لأفعالهم لاستغفروا وتابوا من الإعتماد على أعمالهم ولاستغفروا من شهود أحوالهم إذ كلّ ما حجبك عنه كما قال في الحكمة فهو أقرب إليك منه وهو لا يحبّ أن يرى لك قريبا سواه ولا شهودا غير نوره وسناه
لذا ذكر ساداتنا رضي الله عنهم في مباحثهم علل الأعمال كما أنّهم ذكروا علل الأحوال كي يوصلوك إلى آداب سادة أهل الكمال فمتى سلكت الطريق وفهمت علل الأعمال والأحوال فعندها يستقيم توحيدك ولا يخاف من القواطع على تجريدك فلا تختلط عليك المراتب فلا تنسب الألوهية لسواه فتقول : لا فاعل مع الله لقوله تعالى ( والله خلقكم وما تعملون ) إذ يستحيل أن يخلقك ولا يخلق معك أعمالك فلو قال ( والله خلقكم ) لكفى دليلا وبرهانا على أنّه خالق لأعمالك فكيف تعتمد عليها ففي هذا دليل على أنّك نسبتها إليك ولم تنسبها إلى الله تعالى فمهما إعتقدت أنّ أعمالك هي التي توصلك إليه فقد أثبتّ جهلك به لذا صار الخلط عند طوائف فظنّوا أن طريق إرادة الله تعالى هو نفس طريق إرادة هوى النفس وشهواتها الخفية أو إرادة الآخرة أو إرادة الدنيا فخلطوا وزاغوا , فإنّ من علامات الإعتماد على الأعمال إرادة غير وجه الله تعالى , كما فسّر ذلك سيدي ابن عطاء الله رضي الله عنه في حكمته الثانية التي يقول فيها ( إرادتك التجريد ... الحكمة ) والتي سنأتي عليها إن شاء الله تعالى فهو هنا يصل الحكمة الأولى بالحكمة الثانية لأنّ الأعمال هي الطريق للوصول إلى الإرادة فمن إعتمد على أعماله فسينسب فعل الإرادة إليه , أمّا أن ينسب الله تعالى الإرادة كقوله تعالى ( يريدون وجهه ) فهو إخبار منه عنهم وليس إخبارهم هم عن أنفسهم وإنّما أخبر هنا في هذه الآية عن أحوالهم وما أخبر عن أعمالهم لذا قال أيضا في الحكمة الأخرى ( خلق فيك ونسب إليك ) فنسب إليهم الإرادة وما نسبوها إلى أنفسهم وإنّما أخبر عن إرادتهم بشاهد أحوالهم التي لم ترد ما عرضه عليهم في سيرهم وسلوكهم من الإختبارات فإنّ العارف كلّما تبرّجت له الأكوان قالت له ( إنّما نحن فتنة فلا تكفر ) كما بين ذلك رضي الله عنه في حكمة أخرى من حكمه وقد قال العارفون ( كادت حكم بن عطاء الله أن تكون وحيا يتلى ) فلو لم يكن للصوفية إلاّ كتاب الحكم لكفى أهل الأرض قاطبة هداية فما من وليّ عارف إلاّ وقد درس الحكم رضي الله عنهم أجمعين لذا نبّه ساداتنا إلى وجوب العناية بالحكم حتى أنّ الشيخ سيدي أحمد زرّوق رضي الله عنه وضع أكثر من ثلاثين شرحا على الحكم ومن أعجب الأعاجيب كتاب ( إيقاظ الهمم في شرح الحكم ) فيا له من كتاب أوشك أيضا أن يكون وحيا فإنّه كلّه أيضا حكم
قلت : ( ومن ثمّ ليجمعك على عين ذاته )
إذ مراده منك القرب منه ليجمعك عليه إذ أنّ الإعتماد على الأعمال وشهودها ورؤية الأحوال يحجبك عنه ويشتّت قلبك فلا تنجمع عليه , فهو أمرك ولم يتركك مع نفسك في ذلك الأمر بل أراد منك بعد أن أمرك أن تكون معه فيه ولا تكون في العمل مع نفسك فيحجبك عنه , لذا قال عليه الصلاة والسلام صلّوا كما رأيتموني أصلّي , فكما قيّدت الأعمال ظاهرا بأركان وشروط وفرائض وسنن ومستحبات , فكذلك قيّدت باطنا بأركان وشروط وفرائض وسنن ومستحبات فمن إعتنى بالظاهر وترك الباطن فقد أوكله الله تعالى إلى نفسه فعن قريب يحاججه بأركان وشروط الباطن ومتى إعتنى بأركان الباطن وشروطه فحتما أنه يعتني بشروط الظاهر وأركانه فهذا معنى الشريعة ومعنى الحقيقة وما سواهما زندقة وفسق
وفي هذا كلام طويل بشواهد من الكتاب والسنة كثيرة وأقوال العارفين رضي الله عنه تركناه خشية السآمة
وننتقل إلى السطر اللاحق ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
( ترك العمل جهل بما تطلبه الصفات، واعتماد عليه جهل بحقوق الذات )
لمّا ذكرت فيما ذكرته أعلاه ممّا يشرح حقيقة الإعتماد على العمل وأنّه من علل الأعمال في باب عدم إرجاع الفضل إلى الله تعالى ورحمته ومخالفة نهج توحيد الله تعالى في أفعاله وصفاته وذاته , فهو سبحانه واحد الأفعال واحد الصفات واحد الذات , فمتى إعتمدت على عملك فقد نسبت كما قلنا الفعل والترك إليك لعدم شهودك فعل الله تعالى القائل ( والله خلقكم وما تعملون ) ففي حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لصحابته الذي رواه الأمام البخاري رحمه الله تعالى عن الأمام علي رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض ، فقال : ( ما منكم من أحد ، إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة ) . قالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة . ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسّره لليسرى وأمّا من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى ) فلكي لا يفهم من كلامي أعلاه على أنّه فيه إشارة إلى ترك العمل بما أنّ الإعتماد على الأعمال ينافي التوحيد الحقّ لما فيه من جهل ودعوى وسوء أدب مع الله تعالى قلت في هذا :
( ترك العمل جهل بما تطلبه الصفات )
إنّما ذكرت هذا الحديث النبوي لأنّه روح هذا السطر وذلك كون وجوب عدم الإعتماد على الأعمال لا يوحي بتركها ولا يفهم منه ذلك لأنّ الإعتماد على العمل فيه ما فيه من العلل ومنها علّة منازعة علم السابقة ومنازعة العلم الإلهي المحيط وعلم القضاء والقدر فأراد منك عدم الإعتماد على عملك كي توحّده في مجال الأفعال بعد أن أعلمك أنّه خلقك وأعمالك وهذا مجال السابقة فلو كنت خالق عملك صحّ لك الإعتماد عليه فمتى علمت أنّه خالقها فحتما أنّك تسلّم له الأمر فيه فترجع إلى علمه السابق في عملك اللاحق فتكون بين مشهدين : مشهد علمه السابق وهذا مطلب الصفات الذي يوضّحه لك فناؤك في توحيد الأفعال وهذا من حقوق الذات والذي سنأتي على ذكره في الشطر الثاني من السطر وأنّه الفاعل سبحانه لا فاعل غيره ومشهد هذا ( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ) والمشهد الثاني أنّه أمرك فجعلك في محلّ الإختيار بين العمل وبين الترك فلا حجّة لك عليه في هذا المشهد الثاني بالمشهد الأوّل وهو مطالب الصفات ودليل هذا : قول سيّد المحقّقين عليه الصلاة والسلام لما قال ( ما منكم من أحد ، إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة ) فذكر السابقة فقال الصحابة رضي الله عنهم ( أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ) فأجابهم بقوله ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة ) فطالبهم بالعمل لأنّ تلك السابقة التي ذكرها لا ظهور لها من غير وجود عمل , فلمّا تعيّن وجود أعمال أوضح عليه الصلاة والسلام أنّ العمل لا بدّ منه فلو تركت العمل فقد تركت الأوامر والنواهي فتحتّمت عليك الشقاوة فبمجرّد تركك للعمل فقد إخترت عمل أهل الشقاوة وذلك بتركك للعمل الذي هو الأوامر والنواهي فما دمت في الحياة الدنيا فأنت بين أمرين : إمّا طريق تقوى وإمّا طريق معصية وإمّا طريق سعادة أو طريق شقاوة فلا تخرج عن هذا الحكم أبدا لأنّ لك حركات وسكنات فلا تخرج عن الحركات والسكنات في عالم الدنيا فهي إمّا لك أو عليك فليس لك غير هذا الحكم لذا نبّههم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّ علم السابقة لا ينفي العمل ولا يأمر بتركه وإنّما كي توحّد الله تعالى فيه من حيث عدم إعتمادك عليه فيحجبك عن الله تعالى وعن فضله عليك وفعله بك
فأوضحت هذا الأمر فقلت تفسيرا :
( ترك العمل جهل بما تطلبه الصفات )
لأنّ الصفات مجالها الثواب والعقاب والفضل والعدل فأنت من حيث الأعمال بين الفضل والعدل وبين الثواب والعقاب فلو تركت العمل أيّها المؤمن فلا جرم أنّك جاهل بما تطلبه الصفات الإلهية من حيث الثواب والعقاب والفضل والعدل فهذا حكم الأعمال ودائرتها فهي لمجال الصفات فكيف تقف معها وأنت مقصودك الذات فمتى وقفت معها فقد حُجبت بالصفات عن الذات فدخلت على قلبك العلل وتسرّب إلى نيّتك الزغل , وإنّما أشرنا إلى ذلك لما رأيناه من دعوى بعض أدعياء التحقيق في ترك الأعمال كما أورد من ذكر لحالهم الإمام أبو القاسم القشيري رضي الله عنه في صدر رسالته إذ لا يقول بترك الأعمال أحد وهذا ما أمر به رسول الله عليه الصلاة والسلام لما سألوه الصحابة عن الإتّكال على السابقة , فنهاهم عن ذلك لما في الأمر من ركوب الجهل بما تطلبه الصفات لذا قال لهم ( إعملوا فإنّ كلّ ميسّر لما خلق له ) فأوضح حقيقتين : الأولى ( اعملوا ) فأمرهم بالعمل , والحقيقة الثانية ( فإنّ كلّ ميسّر لما خلق له ) فنهاهم عن الإعتماد على أعمالهم إذ الإعتماد عليها كما بينّا يفضي إلى مزاحمة السابقة ومنازعة الله تعالى في أفعاله وهذا الأمر الأخير من حقوق الذات الذي سنأتي على ذكره فخرجوا بذلك عن توحيد ربّهم , فتحتّم هنا وجود أدب أوّل وهو عدم ترك الأعمال لأنّ الأدب مع صفات الله تعالى يوجب ذلك فمن ترك العمل عاقبه الله تعالى وعذّبه أو عاتبه وإن شاء عفا عنه ثمّ ذكر لهم الأمر الثالث في قوله ( أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة ) حتى يخرجهم بهذا من عدم إستشعار عبثية العمل بل لمّا يحسّ العبد أنّ حسنته قد أسرّته أو أنّ سيّئته قد أحزنته فهو دليل إيمانه كما ورد في الحديث فلا تطلب غير تيسير العمل الصالح على يديك فهذه علامة على سعادتك لأنّ العمل دليل ووسيلة وليس غاية ولا نهاية
ثمّ بعد أن أوضحت أنّ العمل لا يجوز تركه بحال لأنّه من مطالب الصفات وفي هذا إشارة أنّ أهل الجنّة تطلبهم الجنّة وأنّ أهل النار تطلبهم النار خفت على السالك أن يقف مع هذا المشهد فيرعبه علم السابقة فيكون شغله الشاغل فيحجبه عن ربّه لذا قالوا ( الفقير ابن وقته ) فلا تهمه سابقة ولا لاحقة لأنّ أمر السابقة واللاحقة عند الله وهو يفعل ما يشاء وما يريد فيكون مع ربه في كل أحواله وأحيانه لأنّ علم السابقة مجاله الصفات وليس مجاله الذات لذا كان العلم صفة ولم يكن ذاتا بل هو دليل عليها لذا قلنا بأنّ العمل دليل على علم السابقة كما ورد في الحديث , أوضحت له حقيقة أخرى أعمّ وأشمل وهي الأصل العظيم وذلك في قولي :
( واعتماد عليه جهل بحقوق الذات )
فبعد ذكر الصفات ومطالبها والسابقة وعلومها وأن هذا مشهد علمي فتحتّم عليك أن لا تعتمد على الأعمال في هذا المشهد الصفاتي والسابقة أدبا مع العلم الإلهي , كي تتحقّق من فهم علم السابقة وأنّ الصفات الإلهية تطلب أصحابها سواء صفات الجمال أو صفات الجلال فمتى شهدت هذا العلم يقينا سلّمت لله في أعمالك فلم تعتمد عليها أو تنسب لنفسك إدارتها بل تعترف لربّك فيها بفضله عليك وسوق محابه فيها إليك فتتبرّا من شهودها منك أو تنسبها إليك بل تنسبها إلى ربّك جلّ وعلا , ثمّ تشهدها وجودا بعد أن شهدتها علما وذلك متى فهمت حقوق الذات الإلهية من حيث أنّ الذات واحدة في أفعالها وصفاتها فلو إعتمدت على عملك فقد إدّعيت بأنّك خالقه فنسبته إليك وإعتمدت ضرورة عليه فمتى شهدت أن لا خالق ولا فاعل إلاّ الله تعالى فقد علمت حقوق الذات وما يجب لها فتوحّدها في أفعالها حتى لا تكون جاهلا بحقوقها فتنسب إلى نفسك حقّا لا يجب لك فتكون صاحب دعوى ألوهية فتشرك بربّك في علمك وعملك ...
لذا لخّصت هذا في القول : ( ترك العمل جهل بما تطلبه الصفات , واعتماد عليه جهل بحقوق الذات )
وأنّ المقصود هو وجه الله الكريم وذاته المقدّسة وفي هذا المشهد روى أحد المريدين : أنّه كان يرى في كشفه أنّ شيخه من أهل النار فكان يدعو في خلوته لشيخه في أن يردّه الله تعالى إلى أهل الجنّة حتى وصل به الأمر أن سأل الله تعالى بجعله في النار مكان شيخه من كثرة محبّته في شيخه فلمّا طال الأمد حكى المريد لشيخه ما يراه من حالته وأنّه من أهل النار فقال له شيخه : يا بنيّ ما كشف لك فقد كشفه الله لي منذ ثلاث وثلاثين سنة وما حرّك ذلك في قلبي شيئا فأنا على صراط العبودية لربّي ولا ألتف إلى ذلك , فلمّا إختلى المريد في خلوته رأى في كشفه أنّ الله تعالى قد ردّ شيخه فرأه من أهل الجنّة ... ( نقلته بالمعنى ) ففي هذا دليل على أنّ المقصود هو الله تعالى وليس المقصود إرادة علم السابقة أو الأعمال أو الجنّة أوالنار وفي هذا دلائل كثيرة من الكتاب والسنّة وهناك في هذا السطر حقائق كثيرة وعلوم جميلة , فلا يقطعك أيّها المريد عنه قاطع ولا يثنيك عنه خاطر بل توجّه وسر وقل : أنت ربّ غفور وعبدك عبد مذنب فلا يسعني إلاّ حلمك ولا لي غاية إلاّ في قربك , هناك يقول لك ( فأؤلائك يبدّل الله سيّئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) ويقول لك ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) فتوجّه أيّها الحبيب إلى ربّك فهل هناك حبيا سواه أم هناك جميلا ومحسنا إلاّ إيّاه , فاسعد وافرح به ..
هذا وإنّ في استشهاد رسول الله عليه الصلاة والسلام بالآية الكريمة ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسّره لليسرى وأمّا من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى ) نهاية التفسير التحقيق فسبحان من آتاه جوامع الكلم واختصار الكلام فهذه خصوصية عظمى ومنقبة مثلى لا تجب إلاّ لرسول الله عليه الصلاة والسلام
وتفسير هذا السطر في الحقيقة يحتاج إلى موسوعة والموفّق من يستخرج الدرّ من الحجر
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- ( العاقل من يرى أعماله ودائعا على جوارحه مأمور بردّها في آجالها )
متى خلص العبد من ملاحظة شهود أعماله وأحواله وما أجراه الله تعالى بفضله على يديه من التوفيق إليها وتخلّص من علل الأعتماد عليها في عبوديته لربّه وخالقه ففي هذه الحالة لا يشهد في طاعته غير وجوب توفية حقوق الشكر لربّه عليه بما أسداه من نعمه إليه وما أسبغه من كرم عليه فتكون جميع أعماله في مقام الحمد والشكر كما قال تعالى في حقّ آل داود ( اعملوا آل داود شكرا ) وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام قوله لمّا سألته أمّنا عائشة ( أتقوم الليل وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ) فقال ( أفلا أكون عبدا شكورا ) فهو في هذا القول أخرجها من حالة شهود الأعمال في أنّها لا تتقيّد على مجرّد حصول الغفران أو ضمان وعد دخول الجنان ودخول نور الإيقان بل تتجاوز إلى حقيقة وجود شكر الرحمان وتوفية حقوق الإيمان
فالغاية ليست متوقّفة على شهود الأعمال في مرتبة مقام الإسلام أوالإيمان أو ما يبشّر به المؤمن من وعد أو يحصّله من قرب بل الغاية أن لا يكون له في شهوده غير كرم الله تعالى عليه وفضله الذي ساقه إليه فمن إعتمد على عمله فهو محجوب عن فضل ربّه وكرمه عليه فمهما إعتمد العبد على عمله في أنّه نتيجة القرب والوصول حُجب بذلك عن شهود حقيقة فضل الله وعظيم كرمه , فالغاية هي شهود ذلك الكرم الإلهي والفضل الرحماني ومن جملة ذلك الفضل ما وفّقت إليه من أعمال صالحة ونعم وافية فكان عمله من جملة النعم وأحوالك من جملة الكرم
فقلت : ( العاقل من يرى أعماله ودائعا على جوارحه )
الوديعة ما استودعه الله تعالى عندك وذلك بما خلقه فيك من قوّة الفعل والهداية إلى طاعته وبما أسداه إليك من نعم التسديد والتوفيق وبما أمدّك به من العلم والبصيرة فهو في كلّ ذلك متعرّفا إليك ومناديا عليك لذا تعيّنت إستجابتك عند كلّ نداء في إرجاع ما إستودعه عندك من محاسن طاعته ومكارم معرفته فتلبّي نداءه وتفرح بقدومه عليك وتعرّفه في تلك الودائع إليك لذا قال عليه الصلاة والسلام في حقوق الصلاة ( أرحنا بها يا بلال ) فكانوا ينتظرون الصلاة خلف الصلاة بشوق كبير وإشتياق كثير لذا ساندت الحضرة إشارة موسى عليه السلام في تخفيف عدد الصلوات ولكنّها ما قبلت نقص أمدادها فقال ( هي خمسة وهي خمسون عندي ) نهاية الكرم وغاية القرب والنعم هذا كي تعلم ما عليه باطن نبيّك من القرب وما فيه من الجذب فخفّف عن أمّته ظاهرا ثمّ وصلهم بباطن نبيّهم باطنا فكانت هذه الأمّة أقلّها أعمارا وأعمالا وأكثرهم أجورا وإمدادا فطوبى لهم وحسن مآل فلا تشهد كرما ولا جودا مثلما تشهده في أمّة سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم
فلمّا خلق فيك قوّة الفعل وأمدّك بنور الهداية والعلم ما بقي لك غير ردّ الودائع لصاحبها كلّما إستردّها منك كي يقربّك بها منه فهي حلقة الوصل جعلها فيما بينك وبينه فما أمرك إلاّ ليأتي بك إليه وما نهاك إلاّ كي لا يقطعك قاطع عنه لذا حدّد لك آجالها واختار لك أوقاتها فخفّف عنك فيها وهي رحمته إليك ورحمك بها في قالب أوامره عليك , فيا عجبا كيف تظنّ النعمة تعبا أو طلب القرب منه مجهودا منك ونصبا , بل ما أوامره إلاّ تربية منه في وصف الكرم وهدية القرب والوصول والنعم ..
فلمّا كان الأمر كذلك حدّد لك أوقات يستردّ فيها ودائعه وما إرادته منها غير ورودك عليه وإناخة مطاياك بين يديه ففرض عليك فرائضه طريق القرب إليه فقال لك ( ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا إفترضته عليه ) ثمّ ترك لك مجال المنافسة عليه كلّ هذا تشويقا لك وتعليما فقال ( ولا يزال يتقرّب إليّ عبدي بالنوافل حتّى أحبّه ) فهو في كلّ ذلك متعرّفا إليك ومادّا يد العناية بك إليك ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
الله الله الله
الحمد لله الذي أقرّ عيون الصادقين بأمثالكم
وكما قال سيدي محمد:
(لا زال سيدنا الشيخ ينفق) رغم جحود الجاحدين وبغض مرضى القلوب
وإننا والله نتمتّع بما تكتب وهذا من فضل الله عليكم وعلينا
فلا فض فوك ولا قطع هذا الوصال
دعاؤنا لكم بالشفاء لا نملّه ولا نقطع رجاءنا في الله من ذلك
إنه أهل للفضل والإجابة
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
جزاكم الله خيرا سيدي أبا أويس على مروركم الكريم وبارك الله لنا فيك وفي حسن ظنّك بالعبد الضعيف
- ( العمل اذا لم يصاحبه نور العلم عدمت ثماره وذبلت أزهاره )
بعد أن اتّضحت أهميّة العمل ووجوب عدم الإعتماد عليه وأنّه الدليل على المسارعة في الخيرات واتّباع طريق الطاعات ذكرت هنا دور العلم عند العمل وأنّ الأعمال متى صدرت من العبد بجهالة فقلّما ينفعه بها الله تعالى لأنّ الله تعالى لا يعبد إلاّ على نهج العلم وفي هذا وردت آيات بيّنات وأحاديث صحيحات كقوله تعالى ( فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله و استغفر لذنبك ) ومن هنا قال ساداتنا العلماء بوجوب تحصيل العلم قبل العمل حتى تكون الأعمال موافقة للعلم وإلاّ أخطأت طريقها وضلّت تحقيقها وهذا ما يقع فيه كثيرا العبّاد والزهّاد بعد أن جنحوا إلى الأعمال فاتّكلوا عليها فغيّبهم ذلك عن شهود آداب العلم وهي المعارف التي يذكرها لنا أولياء الله تعالى ومنها هذه الحكم العطائية رضي الله عن صاحبها التي أوضح فيها علوم علل الأعمال وتفسير صحيح الأحوال وآداب المقامات بغية الوصول إلى العبودية المثالية الحقّة التي يحبّها الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ومن الأحادث في هذا الخصوص قوله عليه الصلاة والسلام ( من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدين ) والدين كما هو معلوم مجموع ثلاث أركان هي الإسلام والإيمان والإحسان
وإنّ من أعظم البدع التي حصلت في الأمّة هي فصل فقه الظاهر عن فقه الباطن أو تقول فصل فقه الشريعة عن فقه الطريقة وهذا الذي حاول الشيخ سيدي أحمد زرّوق الفاسي رضي الله عنه تصحيح المفاهيم فيه في كتابه البديع ( قواعد التصوّف ) ومن أعظم الفتن التي حصلت إنكار أهل الشريعة على أهل الطريقة والحقيقة فكان الأجدر بعلماء الشريعة أن يدلّوا الخلق على علماء الحقيقة لا أن ينفّروهم منهم كما نشاهده في الآونة الأخيرة عند بعض الطوائف التي فصلت روح الدين عن جسده لذا فإنّه لا يؤخذ العلم إلاّ ممّن جمع بين الشريعة والحقيقة فهو الوارث حقيقة لرسول الله عليه الصلاة والسلام وهذا هو الدين المحمّدي الكامل
قلت : ( العمل إذا لم يصاحبه نور العلم عدمت ثماره وذبلت أزهاره )
فذكرت هنا ( نور العلم ) وليس فقط مجرّد العلم لأنّ العلم متى كان مجرّدا عن نوره ضلّ به صاحبه ولا بدّ لأنّ النور هو الدليل في ظلمات الشكّ وأشواك الجهل إلى ساحة الأمان والسلامة فمن كان له علم الظاهر فقط فهو صاحب علم لا صاحب نور ومن كان له علم الباطن دون علم الظاهر فهو صاحب نور لا صاحب علم ومن كان له علم الظاهر والباطن فهو صاحب العلم والنور وهذا الذي ورث الأنبياء المقول فيه على اللسان النبوي ( العلماء ورثة الأنبياء ) فجمع هنا العلم مع النبوّة أي الظاهر مع الباطن ولكن في وصف الظاهر لما يستوجبه الأدب والإلتزام بأحكام التشريع والرسالة المحمدية
وإنّما أعني بنور العلم وجود الإخلاص فيه الذي هو حياة النيّة وروحها ثمّ ترتقي العبودية بعد هذا إلى معرفة ( سرّ الإخلاص ) لأنّ مجرّد الإخلاص يبقى من شهود الأعمال أمّا سرّ الإخلاص فهو من الغيبة عن شهودها او الاعتماد عليها فينقلب إخلاصك حالا وعملك علما وعلمك نورا فتكون بين النور والحال وإن شئت قلت تتقلّب بين الحضرتين : حضرة الجمال وحضرة الجلال ( ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال ) بعد أن ماتوا فهم كالآلة الله محرّكها نهاية كمال العبودية وهو مقام ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) فالقرآن كلّه أحوال رسول الله عليه الصلاة والسلام فما في القرآن شيء إلاّ وهو من علم رسول الله عليه الصلاة والسلام علّمه الله تعالى إيّاه حتى قيل فيه ( كان خلقه القرآن ) وهذا هو المنهاج الصوفي الحقيقي فمن يسأل عن علم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فليقرأ القرآن فهناك علمه ومن ترك القرآن فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأنّى يستجاب له في سيره فيصل إلى الله تعالى ونحن مأمورون باتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا القرآن لذا وردت آية الإتّباع في القرآن في سورة آل عمران تحديدا لما في ذلك من أشائر متى علمت ما في قصّة آل عمران إلى حين ظهور عيسى عليه السلام لما في ذلك من روح المحبّة وذلك تشهده في قوله ( فاتّبعوني يحببكم الله )
وإنّما عدمت ثمار العمل متى خلا من نور العلم كناية على أنّ الثمار هي ثمار القرب من الله تعالى ومحبّته ومعرفته وأعني بذبول أزهاره كناية عن عدم استشعار النفحات الإلهية عند صاحب العمل الفاقد لنور العلم لأنّ لله في آيّام دهركم نفحات فتعرّضوا لها كما ورد في الحديث , فالثمار للأكل مناط الذوق والأزهار للطيب مناط الجذب لرقّتها ..
والله ورسوله أعلم والمجال واسع في هذا وفي هذا القدر كفاية فاللبيب تكفيه الإشارة ...
- ( العمل اذا لم يصاحبه نور العلم عدمت ثماره وذبلت أزهاره )
بعد أن اتّضحت أهميّة العمل ووجوب عدم الإعتماد عليه وأنّه الدليل على المسارعة في الخيرات واتّباع طريق الطاعات ذكرت هنا دور العلم عند العمل وأنّ الأعمال متى صدرت من العبد بجهالة فقلّما ينفعه بها الله تعالى لأنّ الله تعالى لا يعبد إلاّ على نهج العلم وفي هذا وردت آيات بيّنات وأحاديث صحيحات كقوله تعالى ( فاعلم أنّه لا إله إلاّ الله و استغفر لذنبك ) ومن هنا قال ساداتنا العلماء بوجوب تحصيل العلم قبل العمل حتى تكون الأعمال موافقة للعلم وإلاّ أخطأت طريقها وضلّت تحقيقها وهذا ما يقع فيه كثيرا العبّاد والزهّاد بعد أن جنحوا إلى الأعمال فاتّكلوا عليها فغيّبهم ذلك عن شهود آداب العلم وهي المعارف التي يذكرها لنا أولياء الله تعالى ومنها هذه الحكم العطائية رضي الله عن صاحبها التي أوضح فيها علوم علل الأعمال وتفسير صحيح الأحوال وآداب المقامات بغية الوصول إلى العبودية المثالية الحقّة التي يحبّها الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ومن الأحادث في هذا الخصوص قوله عليه الصلاة والسلام ( من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدين ) والدين كما هو معلوم مجموع ثلاث أركان هي الإسلام والإيمان والإحسان
وإنّ من أعظم البدع التي حصلت في الأمّة هي فصل فقه الظاهر عن فقه الباطن أو تقول فصل فقه الشريعة عن فقه الطريقة وهذا الذي حاول الشيخ سيدي أحمد زرّوق الفاسي رضي الله عنه تصحيح المفاهيم فيه في كتابه البديع ( قواعد التصوّف ) ومن أعظم الفتن التي حصلت إنكار أهل الشريعة على أهل الطريقة والحقيقة فكان الأجدر بعلماء الشريعة أن يدلّوا الخلق على علماء الحقيقة لا أن ينفّروهم منهم كما نشاهده في الآونة الأخيرة عند بعض الطوائف التي فصلت روح الدين عن جسده لذا فإنّه لا يؤخذ العلم إلاّ ممّن جمع بين الشريعة والحقيقة فهو الوارث حقيقة لرسول الله عليه الصلاة والسلام وهذا هو الدين المحمّدي الكامل
قلت : ( العمل إذا لم يصاحبه نور العلم عدمت ثماره وذبلت أزهاره )
فذكرت هنا ( نور العلم ) وليس فقط مجرّد العلم لأنّ العلم متى كان مجرّدا عن نوره ضلّ به صاحبه ولا بدّ لأنّ النور هو الدليل في ظلمات الشكّ وأشواك الجهل إلى ساحة الأمان والسلامة فمن كان له علم الظاهر فقط فهو صاحب علم لا صاحب نور ومن كان له علم الباطن دون علم الظاهر فهو صاحب نور لا صاحب علم ومن كان له علم الظاهر والباطن فهو صاحب العلم والنور وهذا الذي ورث الأنبياء المقول فيه على اللسان النبوي ( العلماء ورثة الأنبياء ) فجمع هنا العلم مع النبوّة أي الظاهر مع الباطن ولكن في وصف الظاهر لما يستوجبه الأدب والإلتزام بأحكام التشريع والرسالة المحمدية
وإنّما أعني بنور العلم وجود الإخلاص فيه الذي هو حياة النيّة وروحها ثمّ ترتقي العبودية بعد هذا إلى معرفة ( سرّ الإخلاص ) لأنّ مجرّد الإخلاص يبقى من شهود الأعمال أمّا سرّ الإخلاص فهو من الغيبة عن شهودها او الاعتماد عليها فينقلب إخلاصك حالا وعملك علما وعلمك نورا فتكون بين النور والحال وإن شئت قلت تتقلّب بين الحضرتين : حضرة الجمال وحضرة الجلال ( ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال ) بعد أن ماتوا فهم كالآلة الله محرّكها نهاية كمال العبودية وهو مقام ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) فالقرآن كلّه أحوال رسول الله عليه الصلاة والسلام فما في القرآن شيء إلاّ وهو من علم رسول الله عليه الصلاة والسلام علّمه الله تعالى إيّاه حتى قيل فيه ( كان خلقه القرآن ) وهذا هو المنهاج الصوفي الحقيقي فمن يسأل عن علم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فليقرأ القرآن فهناك علمه ومن ترك القرآن فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأنّى يستجاب له في سيره فيصل إلى الله تعالى ونحن مأمورون باتباع رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا القرآن لذا وردت آية الإتّباع في القرآن في سورة آل عمران تحديدا لما في ذلك من أشائر متى علمت ما في قصّة آل عمران إلى حين ظهور عيسى عليه السلام لما في ذلك من روح المحبّة وذلك تشهده في قوله ( فاتّبعوني يحببكم الله )
وإنّما عدمت ثمار العمل متى خلا من نور العلم كناية على أنّ الثمار هي ثمار القرب من الله تعالى ومحبّته ومعرفته وأعني بذبول أزهاره كناية عن عدم استشعار النفحات الإلهية عند صاحب العمل الفاقد لنور العلم لأنّ لله في آيّام دهركم نفحات فتعرّضوا لها كما ورد في الحديث , فالثمار للأكل مناط الذوق والأزهار للطيب مناط الجذب لرقّتها ..
والله ورسوله أعلم والمجال واسع في هذا وفي هذا القدر كفاية فاللبيب تكفيه الإشارة ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- ( حقيقة العمل ما طلبه منك في الوقت، وربّ عمل استحسنته جرّ عليك المقت )
كما قدّمنا فإنّ العمل متى ما لم يكن متحليا بنور العلم عدمت ثماره وذبلت أزهاره فأصبح سيرا بلا نهاية وسبيلا بلا غاية كما قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( من دلّك على العمل فقد أتعبك ) وهذا حال الزهّاد والعبّاد فإنّ الأعمال أتعبتهم كثيرا لذا لم تورث لهم الأحوال السنية والمعارف الإلهية كأحوال أهل الله تعالى لأنّ العمل لم يكن مقصودا لذاته وإنّما فرض لغيره وهذا ما أوقعهم في الإعتماد عليها وشهودها فأعظم الحجب عن الله تعالى علل الأعمال ثمّ علل الأحوال أيضا وهي الأحوال المغشوشة الغير صحيحة التي تنتج الدعاوى وسوء الآداب والبعد عن فهم حقيقة العبودية لله تعالى لذا أوضحت هنا حقيقة أخرى أدقّ ممّا سبقتها تتناول حقيقة العمل وروحه التي هي من أدلّة عدم الإعتماد عليها فقلت :
( حقيقة العمل ما طلبه منك في الوقت )
وتفسير هذا أنّ الأعمال متى صدرت من العبد فهو بين حالات ثلاث : الأولى : حالة شهود لماضيه وما فرّط فيه في جنب الله تعالى فيستبعد من نفسه وجود القرب الإلهي منه في عمله الذي هو بصدده فما برح من علّة الإعتماد عليه فيقلّ رجاؤه في ربّه
الحالة الثانية : شهوده لما يمكن تحصيله نتيجة أعماله في قابله ومستقبله من ثمرات القرب وكرامة الطاعات فينقص خوفه من ربّه
الحالة الثالة : وهي المقصودة في هذا السطر وذلك بأن يكون همّ العبد ما هو بصدده في وقته فلا يثنيه عن ربّه ما مضى من التقصير ولا يطغيه ما يستقبل من التوفيق للطاعات والفوز بالقربات وهذه حالة العارفين بالله تعالى فهم أبناء وقتهم لا ينقص رجاؤهم في ربّهم عند وقوع الزلل لعدم إعتمادهم على أعمالهم بل هم على بساط الأدب كلّما أذنبوا تابوا واستغفروا وبيّنوا وأصلحوا وكلّما وُعدوا ونالوا تأدّبوا وافتقروا بل قد يشهدون طاعاتهم ذنوبا ( وهذا سنأتي عليه ) متى شاهدوا ما عليه ربّهم في كبريائه وعظمته وجماله وجلاله وما عليه في عدله وفضله لأنّهم متى اعتمدوا على سواه فقد يقيم لهم ميزان العدل لذا تبرّؤوا من أعمالهم واستقاموا في أحوالهم فلا يشهدون لسواه نفعا ولا ضرّا فهم مع الحقّ حيثما دار لا يشهدون غير ما يبرز من الحضرة فيتلقّونه بالقبول والتسليم والأدب مع سلوك سبيل العلم الإلهي فيه بما شرّعه عن طريق رسله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام
( حقيقة العمل ما طلبه منك في الوقت )
فهي مطالب منها خصوصا : مطلب التشريع وهذا له وقته من حيث الفرائض التي فرضها والسنن التي سنّها , فحين حلول وقت الفرض تسقط السنّة وهكذا من حيث مراعاة آداب الأوقات وهذا أمر يتشارك فيه العوام والخواص بما فيهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام , ومطلب آخر وهو مطلب الربانية وهذا له وقته من حيث الواردات التي أوردها على القلب من حيث الأمر والنهي وهذا خاص بالصادقين العارفين فمتى عصى المريد الوارد فقد خرج من حضرة عبوديته لربّه بقدر عصيانه لذا ترى العارفين يطيعون الله تعالى في الأنفاس كما قال قائلهم ( وما فعلته عن أمري ) أي فعلته عن أمر الله تعالى
قال شيخنا رضي الله عنه : جاءني مرّة وارد وأنا في زاويتي بالذهاب إلى مدينة أخرى غير مدينتي فامتثلت لأمر الوارد فلمّا وصلت دخلت المسجد هناك أصلّي صلاة فريضة فما راعني إلا بشخص تعرّفت عليه هناك كان يسأل عن الطريق إلى الله تعالى فما برح أن أخذ عنّيّ الطريق وسار إلى بلاده وهي بلاد ليبيا – قال شيخنا : ما عرفت شأن أمر ذلك الوارد إلاّ بعد أن قابلت ذلك الفقير ولقّنته الذكر والطريق ... وقد ورد بهذا الخصوص الكثير من القصص والحكايات عن أهل الله تعالى منهم سيدي أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه كما في قصّة الدير وهكذا هم أهل الله تعالى لا يكونون إلاّ أبناء وقتهم كما قيل ( الفقير ابن وقته ) وكما قال سيدي محمد المداني رضي الله عنه فيما معناه ( الفقير دائما في نشاط جديد فهو كلّ يوم فقير جديد ) أي ابن وقته
لقوله تعالى ( كلّ يوم هو في شأن ) وهذا أمر يفسّر لنا أحوال السادة العارفين التي قد تلتبس علينا , ومن ذلك أنّ شيخنا رضي الله عنه ذهب إلى العمرة مع فقير له وهو خديمه فلمّا وصلوا مع الرحل إلى المدينة المنوّرة وممّا كان أن ذهبا إلى صلاة الفجر في المسجد النبوي وبعد أن صلّى كلّ منهما ركعتي السنّة قال شيخنا رضي الله عنه : جاءني وارد بأن آمر ذلك الفقير بالتوجّه وهو في تلك الحالة بالذكر بالإسم المفرد فما أن ذكر حتّى عرجت به ...إلخ الكلام ..
ومرّة قلت لشيخنا رضي الله عنه لماذا لا تأتينا تزورنا فقال لي : إذا كان الكون كلّه يتحرّك وفق الواردات فما بالك بمحور الكون ...
والمقصود من هذا أنّ الأعمال حقيقة سواء في الفرائض العينية أو في طريق الدعوة والإرشاد بله وحتى في الجهاد مناطها ما طلبه الله تعالى منك في الوقت وهذا تراه جليّا في السيرة النبوية من حيث التشريعات التي كملت وعمل على وفقها الناس حتّى أنّه قال عليه الصلاة والسلام لصحابته ( إنّكم قوم تستعجلون ) وكما في قصّة الإذن في الجهاد قوله تعالى ( أُذن للذين يقاتلون ... الآية ) فلو لا رحمة الله تعالى بعباده لرفع التشريع متى فُقد وعدم التحقيق لأنّ الله تعالى لا يُعبد بجهالة فالأمر له والنهي سبحانه والله تعالى أٍرحم الراحمين ...
وإنّما قلت : ( وربّ عمل استحسنته جرّ عليك المقت )
أي إستحسنته نفسك لما لها فيه من الأطماع بالظنّ والهوى بالجهل كحال الكثير من الفرق كفرقة الخوارج التي إستحسنت كثرة صلاتها وكثرة صومها وعظائم أعمالها أو كحال العبّاد والزهّاد لمّا إستحسنوا التجريد والخلوة عن الناس لما يجدونه من لذّة نفسية في العبادة فاعتمدوا على أعمالهم وخافوا أن يسلبوها كحال ذلك الراهب الذي قال : ( بل أدخل الجنّة بعملي ) يتألّى على فضل الله تعالى
وهناك الكثير من الناس يستحسنون أعمالهم سواء من أهل الإيمان أو من أهل الكفر والشرك كما قال تعالى ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) فكان جزاؤهم قوله تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ) وهكذا عاند الكثير من الخلق في هذا الإستحسان في الأعمال لغفلتهم عن الحضور مع الله تعالى فيه وبقائهم مع ما تمليه عليهم أنفسهم ...
فهذه نقاط قد تفسّر ولو قليلا ما أوردته في هذا السطر ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- ( النيّة خير من العمل متى قصدته به والا فهي أشرّ منه )
متى أدركت وعلمت مطالبه منك من حيث حقوق الطاعات في الأوقات كحقّ التوبة عند وقوع الذنب وحقّ اليقظة عند ورود الغفلة وحقّ الغيبة في الشهود عند إستشعار حديث النفس بالوجود نبّهتك هنا أنّ الأصل في كلّ تلك المطالب النيّة التي هي منشأ الأعمال وأساسها لعجزك بالأعمال عن توفية حقوق الشكر كعجز اللسان عن احصاء المدح والثناء فأنت في كلّ ذلك عاجز عن توفية تمام المطالب في الأوقات فأسعفك بالنيّة التي هي محلّ التوحيد والإخلاص حتّى يجمع عليك الأعمال فلا تفترق بك الأحوال كما وقع من حال إبليس لعنه الله تعالى فقد تشتّتت عليه أعماله لسوء نيّته فلم يجمعها على الله تعالى مناط العبودية , وكي لا تييأس منه أو تظنّ ظنّ السوء في فضله فيوكلك إلى الأعمال فتحجب بها عنه , وإنّما جعل لك عمل النيّة سيّد الأعمال لتعلّقها بما عليه الكمال في تجليات الجمال والجلال فلم يكمل لك من الأعمال غير عمل النيّة فتحلّت الأعمال بحليتها وتزيّنت بآدابها فما وصلت نيّة من النوايا ما وصلت إليه من الكمال نيّة مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لذا ورد الكثير من الأحاديث النبوية التي تصرّح بأنّ الأعمال مبنية على النوايا فأعطاك ونبّهك على الأصل فجعله لك المقياس والفيصل محلّ المجاهدة وساحة المكابدة فإنّ جزاء الأعمال كلّها مبني عن النيّة كما ورد في الحديث الجامع الصحيح الذي استهلّ به بعض ساداتنا العلماء بعض تآليفهم في الحديث لغزارة علمهم وشفوف معرفتهم وهو حديث أمّ قيس الذي يقول فيه خير البرية صلى الله عليه وسلّم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه )
( النيّة خير من العمل متى قصدته به )
وذلك كون النيّة مقصدها ذاتي بخلاف الأعمال فإنّ نهايتها الآداب مع الأسماء والصفات , وإنّما أكّدوا على عدم الإعتماد على الأعمال كي لا تحجب بالأسماء والصفات عن ولوج بحر الذات فإنّ غاية الأعمال في حركاتها وسكناتها لها نهاية تنتهي إليها وهي إمّا جنّة وإمّا نار إلاّ عمل النيّة فهو يفوق تلك المطالب لتعلّق النيّة بالذات فالأصل أنّ الأعمال تابعة لعمل النيّة وبهذا تعلم أنّ الأصل لحضرة الذات وأنّ كلّ ما في الأسماء والصفات تابع لحضرة الذات فلو لا حضرة الذات لما كانت هناك أسماء أو صفات فمن عمل وهو معتمد على عمله فقد أساء أدبه مع حضرة الذات إذ أنّ الثواب والجنان من نور حضرة الذات في صورة الأسماء والصفات فكلّ من توجّهت همّته قصد حضرة الذات خرجت أعماله في تلك الحلية فأضحت كاملة بكمال النيّة وهذا أمر له مراتب كثيرة يطول شرحها في مختلف المراتب
فالعمل متى قصدت به حضرته وتوجهت به إلى إرادة وجهه كان كمالها بكمال تلك النيّة وهي نيّة إرادة وجهه الكريم قال تعالى ( يريدون وجهه ) فهي خير من العمل متى قصدت بالعمل وجه الله تعالى أمّا متى لم تقصد بالعمل وجه الله تعالى كانت النيّة أشرّ من العمل لأنّ كمال الأعمال بكمال النيّة فهي التي تكمّله وكذلك فإن فسادها بفساد النيّة لذا كانت في هذا المحلّ النيّة أشرّ من العمل لأنّها خرجت في وصف كمال الشرور فإنّ النفاق هو مخالفة العمل للنيّة أو تقول مخالفة الظاهر للباطن وهذا سنأتي عليه لاحقا لذا قلت :
( وإلاّ فهي أشرّ منه )
أي النيّة أشرّ من العمل متى لم تقصد بالعمل وجه الله تعالى
ثمّ في الحديث الشريف الآنف الذكر الإشارة أنّ كمال الهجرة إلى الحضرتين : الحضرة الإلهية والحضرة المحمدية فلا تنفصل هذه عن هذه كما لم ينفصل الكتاب عن السنّة العصمة من الضلالة ... والحديث يطول وفي هذا القدر كفاية فإنّي أجد المعنى ولا أجد اللفظ لضعف زادي اللغوي ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- ( اتقان الأعمال علامة وجود آثارها، وعدم الاعتماد عليها علامة ورود أنوارها، والغيبة عنها علامة شهود أسرارها )
لمّا كانت النيّة كما قدّمنا أساس الأعمال وأصلها الجامع فيتكيّف العمل بمستواها ويتحلّى بحليتها بحسب مرقاها سواء إيجابا أو سلبا ذكرنا هنا علامات شاهدة على أثر عمل العبد يشهدها العبد في نفسه كما يشهدها العارف في نفسه وفي غيره من العباد وقد ورد هذا في حديث حارثة رضي الهو عنه لمّا قال له رسول الله عليه الصلاة والسلام : كيف أصبحت يا حارثة فقال : أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله فقال له : إنّ لكل شيء علامة فما علامة إيمانك فقال : لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري فكأنّي بعرش ربّي بارزا وكأنّي بأهل الجنّة فيها يتزاورون وأهل النار فيها يتعاوون ... الحديث بالمعنى ) فالشاهد هنا أنّ حارثة رضي الله عنه ذكر علامات إيمانه التي طالبه بدليلها رسول الله عليه الصلاة والسلام فبدأ بذكر العمل ثمّ بذكر ثمراته من الإيمان واليقين وما أنتجه له من الأنوار والأحوال لذا قلت :
( اتقان الأعمال علامة وجود آثارها )
ونعني بالآثار وجود عزائم الأعمال كما قالوا : ( من ذاق عرف ) وذوقها هو وجود حلاوتها فترى العبد مسارعا في الخيرات محبّا للمبرات كما ورد في الحديث القدسي ( ولا يزال يتقرّب إليّ عبدي بالنوافل حتّى أحبّه .. ) وهذا تراه في حرص الصحابة على عمل كلّ عمل يقرّبهم إلى الله تعالى حتّى قال قائلهم في الجهاد مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لو أمرتنا بخوض هذا البحر بسيوفنا لخضناه ) فاتقان الأعمال والحرص على تأديتها على وجه الكمال من علامات وجود آثارها وممّا شاهدته عند العوام أنّ شخصا كان حديث عهد بصلاة فلمّا رأيته دخل المسجد في بادئ أمره كانت تظهر عليه علامات الطيش وما هي إلاّ برهة من الزمن حتى بدأت حالته في تحسّن مستمرّ إلى أن قصّ شعره الطويل ونظّف ثيابه المتّسخة ومع مرور الوقت أصبح مؤذّنا في ذلك المسجد وبدأت عليه لوائح آثار طاعاته حتى غبطته على ذلك وممّا رأيته في العوام أيضا شخصا ذهب إلى الحجّ فما رجع إلاّ وآثار النور بادية على محيّاه حتّى أنّي رأيته في مسجد من المساجد فكاد نور وجهه يغشاني لا أدري هل رأى غيري ما رأيته عليه وأحسّ وهو جالس في مقدّمة الجامع أنّه جالس في الجنّة , فوجود آثار الأعمال علامة صفاء نيّة القصد وطهارتها ثمّ ذكرت منزلة ثانية أعلى وأرقى وهي منزلة خاصّة بالمريدين السائرين فقلت :
( وعدم الاعتماد عليها علامة ورود أنوارها )
هذا بيت القصيد من الحكمة العطائية فهي منزلة وسطية ساحة الإعتدال وهي الإستقامة المذكورة في الآيات الشريفة كقوله تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم ) فكلّ من لم يتخلّص من الإعتماد على الأعمال فمازالت بينه وبين الإستقامة على صراط الله المستقيم مراحل وبوْن , فورود أنوار التوجّه على العبد بداية التخلّص من الإعتماد على الأعمال في سيره وسلوكه إلى ربّه فلا يرى غير تقصيره وغير فضل الله عليه ذوقا ويقينا وحالا مبينا وليس مجرّد علم ونظر ثمّ المرتبة الثالثة :
( والغيبة عنها علامة شهود أسرارها )
قلت :
الغيبة عن شهود الأعمال مرتبة أعلى من مرتبة عدم الإعتماد عليها قال تعالى ( والله خلقكم وما تعملون ) فلا تتحقّق الغيبة عن الأعمال إلاّ بتحقّق الغيبة عن النفس لذا قرن لك خلقك بعملك لأنّ عملك صادر عن ذاتك فلا تغيب عن النظر إلى أفعالك وصفاتك إلاّ متى غبت عن استشعار وجود ذاتك لأنّ ذاتك حقيقة ليست بموجودة مع وجود ذاته سبحانه وتعالى فالوجود له وليس لك كما أنّ الفعل له وليس لك ( ليس لك من الأمر من شيء ) سواء في نفسك أو في غيرك وشهود اسرارها كناية عن شهود خالقها وخالقك فتلزم حدودك ولا تتعدّى حقيقتك ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- ( العمل مهما حسن فهيهات أن يليق بجماله، ومهما كمل فهيهات أن يليق بكماله )
متى استوفى العبد شروط صحّة الأعمال في مراتبها في مقام الإسلام ثمّ في مقام الإيمان ثمّ في مرتبة الإحسان وعرف عللها كي يتجنّبها ذكرت هنا نهاية الأعمال وأوضحت أنّها بين مرتبتين :
الأولى : مرتبة الأعمال في درجة الإحسان وهي الأصل قال تعالى ( إنّ الله لا يضيع أجر المحسنين ) فأخبر تعالى هنا أنّ قبول الأعمال يرجى متى كانت في مرتبة الإحسان لقوله تعالى ( إنّما يتقبّل الله من المتّقين ) حيث تضحى الأعمال متوافقة مع الأحوال وهذا أصلها وقد ذكره المؤلّف في قوله في حكمة لاحقة سنأتي عليها ( تنوّعت أجناس الأعمال بتنوّع واردات الأحوال ) فتضحى الأعمال صورة لمختلف الأحوال كما ورد في الخبر ( أجوع يوما فأذكرك وأشبع يوما فأشكرك ) فهو يتقلب في أعماله بحسب أحواله فيكون العمل تابعا لا متبوعا وهذا ما ورد فيه من قوله عليه الصلاة والسلام ( أنا وأمّتي برآء من التكلّف ) أو ما في معناه
ذكرت هنا أنّ هذا العمل الذي بلغ من الإخلاص منتهاه ومن السلامة من العلل مرقاه فيبقى لا يليق بما عليه حضرة الله تعالى من الحسن والكمال :
( العمل مهما حسن فهيهات أن يليق بجماله )
لأنّ عملك صادر منك وأنت محلّ النقائص والذنوب والعيوب دائما مهما علوت وصفوت ومهما أخلصت وحسنت فمهما أحسنت في عملك فهيهات أن يليق إحسانك بإحسانه أو حسنك مع عملك بجماله فإنّ أعمالك يلحقها العدّ والإحصاء أمّا ثوابه فلا يلحقه عدّ ولا إحصاء والله يرزق من يشاء بغير حساب , وإنّما قلت ( فهيهات أن يليق بجماله ) فالوصول إلى شهود الذات لا يوصل إليه عمل أو حيلة بل هي كرامة يكرم الله تعالى بها من يشاء من عباده ( واسألوا الله من فضله ) فلا يصل إليها عبد بعمل قال تعالى ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منّا إنّك أنت السميع العليم ) فهو صريح في بابه
والثانية : ( ومهما كمل فهيهات أن يليق بكماله )
مرتبة الكمال في الأعمال فهذا أيضا هيهات أن يليق بكماله لعدم تناهي كمالاته قال عليه الصلاة والسلام ( لا أحصي ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) أي لا أحصي ثناءا عليك عملا وحالا ومقالا ومقاما فعجز العبد فاتخذ الله وكيلا , فحقيقة العمل ما كان في عالم البقاء ...
والله أعلم
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- ( العمل قد تتساوى مظاهره وتفترق فيه النوايا، فربّ طالب للحظوظ، وربّ طالب للشهود )
بعد أن قدّمنا أهمية النيّة في الأعمال وأنّها العارجة بها إلى مقام الأحوال فلو لا النيّة الصالحة ما صلح عمل فإنّ صلاح الأعمال بصلاح النوايا بيّنت هنا مراتب تلك النوايا مع خفائها وأنّ الأعمال في ظاهرها ساترة لحقائق النوايا كي يتحقّق مقام مراقبة الله تعالى فلو لا خفاء النيّة ما أحسن عبد أن يراقب الله تعالى الذي هو المدخل الأوّل إلى مقام الإحسان ومن ثمّ المقام الثاني وهو مرتبة الشهود والعيان لتعلم أنّ أمر الإحسان الذي هو التوحيد الحقّ مقام مخفي عن الأنظار لا تلحقه الإشارة ولا تتناوله العبارة لذا تنافس المتنافسون في مجال النوايا ( يريدون وجهه ) بعد أن اطّلع على نواياهم فدافعت عنهم الحضرة الإلهية فلو لا تلك النيّة لما أسعفتهم أو أحاطتهم بعنايتها لأنّ الحضرة الإلهية تغار لأهلها وإلاّ ما صحّ توجّه إليه فكيف يكون هناك توجّه ولا يكون فيه ضمانة وحصن حصين من كيد الكائدين وسطوة الظالمين كي تعلم شؤون النوايا وأنّها الإكسير وإن شاء الله تعالى نكتب في موضوع مستقلّ علل النوايا وحضراتها التفصيلية ومراتب منازلاتها
لذا قلت : ( العمل قد تتساوى مظاهره وتفترق فيه النوايا )
فهذا الجمع الأوّل وهو جمع المؤمنين من حيث الأعمال كما الشأن في قصّة غزوة أحد فلو لا أن استزلّهم الشيطان لبقوا مجتمعين في تلك الأعمال كما كان الشأن في غزوة بدر من حيث الجهاد وتفصيل هذه القصّة وأحوالها يطول ولكن ما ذكر لهم وأخرج ما في بواطن صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلاّ بعد أن عصوا أمر الرسول ففشلوا بنصّ القرآن فأخبر هناك عن نواياهم فمنهم من أراد الدنيا ومنهم من أراد الآخرة ومنهم من أراد وجه الله تعالى فلولا فشلهم ما أخبر القرآن بنواياهم بل لسترهم ولكن أخرج ما في بواطنهم حتّى تتبيّن الحقائق والمراتب وهذا يحدث في كلّ عمل يفشل من طرف المسلمين فكان سبب الفشل ما انطوت عليه النوايا من محبة الدنيا , فكانوا كلّهم مؤمنين وكلّهم مع رسول الله عليه الصلاة والسلام ولكن لمّا ماحت نواياهم عن صراط الله المستقيم فشلوا وتنازعوا واستزلّهم الشيطان فلا يمكن أن يستزلّك الشيطان إلاّ متى تمّ له كشف حقيقة نيّتك فيجدك لقمة سائغة وهذا المجال الذي يدخل منه على السالكين كثيرا , فتجاوز هنا أمر الأعمال الظاهرة إلى كشف حقائق النوايا وأنّها سبب الفشل متى كانت طالبة للحظوظ كما قلت :
( فربّ طالب للحظوظ وربّ طالب للشهود )
وإنّما ذكرت قصّة النوايا في الجهاد لأنّه ليس هناك عمل يرجى فيه من استقامة النيّة منه لما فيه من القتل والمبارزة فلا يدري العبد أيستشهد أم لا ... ( فافهم )
فمتى طلبت الحظوظ فلا تلومنّ إلاّ نفسك متى لحقك الفشل وما الله بظلاّم للعبيد فلا تغرّك أيّها السالك مراسم الأعمال الظاهرة بل تجاوز إلى تحرير النيّة واستقامتها على النهج الإلهي الصحيح
أمّا الحظوظ فهي كلّ ما سوى الله تعالى , فكلّ ما سواه هو حظّ يجب التوبة منه والندم والرجوع وفي القرآن آيات كثيرة تشرح هذا بما لا مزيد عليه فلا بدّ من كتابة موضوع إن شاء الله بخصوص عمل النيّة وشرح مستلزماتها ودرجاتها وعقباتها فإنّ أمرها خطير وشأنها كبير ...
هذه نبذة موجزة تفي بالغرض لمن قرأ لقوله ( إقرأ )
والسلام
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد طب القلوب و دوائها ، و عافية الأبدان و شفائها ،
و نور الأبصار و ضيائها ، و قوت الأرواح و غذائها ، و على آله و صحبه و
سلم
.
اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه صلاة عبد قلت
حيلته ، و رسول الله وسيلته ، و أنت لها يا إلهي ، و لكل كرب عظيم ، ففرج
عنا ما نحن فيه بسر أسرار بسم الله الرحمن الرحيم
اخضع لسيد واحد لا تفتح لك الابواب تفتح لك الابواب
واخضع لسيد واحد لا تخضع لك الرقاب تخضع لك الرقاب
بارك الله فيك سيدي علي
على اللطيفة النورانيه و الرقيقة المبهمة العرفانيه
مسلك من مسالك تصحيح النيه
الخلاصة
اني ذاهب الى ربي سيهدين
اللهم صل بإسمك الأعظم ورضوانك الأكبر على حبيبك الأعظم ورسولك الأكرم
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صلاة ً تهب لنا بها منه أفضل الإمداد وأتم
المراد وفوق المراد في دار الدنيا ودار المعاد وعلى آله وصحبه وسلم وبارك
وكرم ملئ ماعلمت وزنة ما علمت واجري ياربنا لطفك الخفي في أمورنا وأمور
المسلمين واشفنا من كل داءٍ فينا نحن ووالدينا ومشائخنا واحبائنا ومحبينا
من غير ضارة مضرة ولا فتنة مضلة ممتعين بإفضل ما متعت به عبادك الصالحون
من خيرٍ ولطفٍ وعافية وتوفيقاً لمرضاتك في الدين والدنيا والأخرة يامالك
الدين والدنيا والأخرة
اللهم صل على سيدنا محمد طب القلوب و دوائها ، و عافية الأبدان و شفائها ،
و نور الأبصار و ضيائها ، و قوت الأرواح و غذائها ، و على آله و صحبه و
سلم
.
اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه صلاة عبد قلت
حيلته ، و رسول الله وسيلته ، و أنت لها يا إلهي ، و لكل كرب عظيم ، ففرج
عنا ما نحن فيه بسر أسرار بسم الله الرحمن الرحيم
اخضع لسيد واحد لا تفتح لك الابواب تفتح لك الابواب
واخضع لسيد واحد لا تخضع لك الرقاب تخضع لك الرقاب
بارك الله فيك سيدي علي
على اللطيفة النورانيه و الرقيقة المبهمة العرفانيه
مسلك من مسالك تصحيح النيه
الخلاصة
اني ذاهب الى ربي سيهدين
اللهم صل بإسمك الأعظم ورضوانك الأكبر على حبيبك الأعظم ورسولك الأكرم
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صلاة ً تهب لنا بها منه أفضل الإمداد وأتم
المراد وفوق المراد في دار الدنيا ودار المعاد وعلى آله وصحبه وسلم وبارك
وكرم ملئ ماعلمت وزنة ما علمت واجري ياربنا لطفك الخفي في أمورنا وأمور
المسلمين واشفنا من كل داءٍ فينا نحن ووالدينا ومشائخنا واحبائنا ومحبينا
من غير ضارة مضرة ولا فتنة مضلة ممتعين بإفضل ما متعت به عبادك الصالحون
من خيرٍ ولطفٍ وعافية وتوفيقاً لمرضاتك في الدين والدنيا والأخرة يامالك
الدين والدنيا والأخرة
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
- ( العمل متى حسن باطنه صدّقه ظاهره، ومتى صلح ظاهره صدّقه باطنه )
متى خلت الأعمال من العلل وسلمت النوايا من الزغل فحتما أنّ لهذا شاهد يتلوه منه وهو ما تراه من تصديق الظاهر للباطن لقوله تعالى ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) فذكر لك المراتب الثلاث وهي الشهادات الثلاث حتّى لا يدّعي من شاء ما يشاء أو تتداخل الأحوال فيصير الكاذب في أعماله صادقا والصادق فيها كاذبا فيما يراه الناس وكذلك في النوايا , فمن حيث النيّة فذلك نظر الله منك خصوصا لأنّ أمر النيّة لا يطّلع عليه أحد غير الله تعالى وإنّما الأعمال بالنيات , ثمّ من حيث الإقتداء بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم لذا أخبرنا أنّ أعمالنا تعرض عليه , ثمّ من حيث ملازمة جماعة المسلمين فهم شهود عليك كقوله عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث ( من رأيتموه يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ) أو كما قال , وكما ورد ( أنّ أعمال العبد تعرض على أقربائه من المنتقلين وهم في البرزخ ) وهكذا لذا تعيّن وجود برهان على صحّة عملك : برهان من الله تعالى ( يريدون وجهه ) وبرهان من النبيّ عليه الصلاة والسلام ( فاتبعوني ) وبرهان من المؤمنين ( لئن يهدي الله بك رجل واحد خير لك من حمر النعم )
لذا قلت :
( العمل متى حسن باطنه صدّقه ظاهره )
فلا بدّ من ظهور برهان على حسن الأعمال في الباطن وإلاّ فإنّ دعاوى الإحسان كثيرة ودعاوى إرادة وجه الله تعالى أكثر وهو حال أهل النفاق كمن كان يقاتل شجاعة وحمية وفي سبيل الله ... فلا يصدّق ما في باطنك إلاّ ظاهرك لذا قال تعالى في نفس سياق الآية ( وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) أي ينبئكم بحقيقة أعمالكم فمتى كان العمل لله فلله ومتى لم يكن لله فهو لغيره والله لا يغفر أن يشرك به لأنّ الأعمال عليها مدار الجنّة والنار فمن حقّق العمل فقد وضع أوّل خطوة في طريق الله تعالى لذا صدّر سيدي ابن عطاء الله الاسكندري رضي الله عنه كتابه الحكم بهذه الحكمة التي تبيّن علل الأعمال وهي للبداية وما وراءها تبع لها فالأعمال أساس الأحوال فمن فهم حقيقة الأعمال وعلم عللها نجا إن شاء الله تعالى من غبش وعلل الأحوال وهذا هو التصوّف الحقيقي وما سواه ليس منه , ونعني بباطن العمل ما كان لله خالصا ( واعبدوا الله مخلصين له الدين ) والدين ثلاث أركان : الإحسان ( فسيرى الله عملكم ) والإيمان ( ورسوله ) والإسلام ( والمؤمنون ) ... فلا بدّ من تصديق الظاهر للباطن لقولهم ( ومن تصوّف ولم يتشرّع فقد تزندق ) وهذا ما وقع فيه الكثير من أهل الدعوى كما حكاهم الإمام القشيري في صدر رسالته وأنّهم تركوا الأعمال فهم كما قال ( بل صُرّفوا )
ثمّ قلت :
( ومتى صلح ظاهره صدّقه باطنه )
فهذا السطر هو من السلوك إلى الجذب بخلاف السطر الأوّل فهو من الجذب إلى السلوك فيجتمعان في السلوك لقولهم ( ومن جمع بينهما – أي الشرع والتصوّف – فقد تحقّق ) هذه فائدة أخرى
فعندما يصلح ظاهر العمل فلا بدّ من نداء الباطن يشهد له فيصدّقه وهو المنعوت بالنفحات والعلوم والمعارف والمعارج فإنّك متى جلست بحذاء عارف بالله تعالى توشك أن تقول كما قال صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يحدّثهم عن الجنّة والنّار ( فكأنّنا نراها رأي عين ) من شدّة يقين المحدّث سرى يقينه في يقينهم فأخذ بأيديهم من الظاهر إلى الباطن وقد يأخذ أيضا من الباطن إلى الظاهر لذا قالوا في الحلاّج رضي الله عنه أنّه لم يجد من يأخذ بيده من أشياخ زمانه وقدر الله تعالى غالب على أمر الجميع ولله في خلقه شؤون ... لذاك قالوا أيضا ( ومن تشرّع ولم يتصوّف فقد تفسّق ) أي متى صلح عمل الظاهر من غير دليل من تصديق الباطن ولا برهان فقد تفسّق صاحبه وهو لا يشعر فمحال أن يتوجّه أحد إلى الله تعالى وهو صادق ولا يؤتيه الله تعالى نفحات القرب تظهر عليه وعلى أهله وجيرانه ... ونعني بذلك لا بدّ أن يظهر الله تعالى مناره سواء في الدنيا أو في الآخرة ونحن نتكلّم الآن على الأصل ولا حديث على الفرع من حيث حالة الخضر أو غيره من أهل الخفاء الذين لا وظائف تحكمهم .... هذا باختصار والله أعلم
سنذكر سطرا بعد هذا في شرح الأبيات عموما من غير تطويل , ثمّ نشرع إن شاء الله تعالى في شرح حكمة الأسباب والتجريد وهذا أمر نافع إن شاء الله تعالى فهو ديدن المريدين فمتى رأيت مريدا لا يهتمّ بالحكم العطائية فلا تغترّ به ولا تثق بعلمه من الصوفية ...
يتبع إن شاء الله تعالى ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النفحات الربانية بشرح العطايا الإلهية ( تفسير لشرحي على بعض
شرح الأبيات وإن كان كثيرها غير موزون ولكن معناها موزون إن شاء الله تعالى
اسقاط الأعمال * اتلاف للعبادة
من يقول باسقاط التكاليف الشرعية بدعوى وصوله إلى الكمال فليس بعارف بالله تعالى بل هو زنديق يستتاب لأنّ الأعمال عناوين الأحوال وما وصل واصل إلى الله تعالى إلاّ من باب ( ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه ) فمن قال بسقوط التكاليف الشرعية فاعلم أنّه شيطان كما وقع في الحكاية عن سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه مع الشيطان وقد وصف الإمام أبو القاسم سيدي عبد الكريم القشيري رضي الله عنه حال هؤلاء في مقدّمة رسالته ( فليراجع )
عليها الاعتماد * نقص في الشهادة
الأمر الثاني بعد الأوّل : أنّ عدم ترك الأعمال هو عين الأمر الإلهي فمن ترك الفرائض ولم يبال بالنوافل فقد خرج من محبّة الله تعالى له إذ أنّ طريق المحاب ما تراه من الأعمال في الأوامر والنواهي فالأعمال طريق إلى المحبّة , وهذا لا يناقض عدم الإعتماد عليها فمن جهة فالعمل سنام الأمر كلّه ومن جهة يجب عدم الإعتماد عليه لأنّه يعرقل السلوك ويدخل الحظوظ على القلب فالاعتماد على الأعمال ينقص من شهادة التوحيد الحقّ بقدر الإعتماد
قول صحّ فيها * محو للبلادة
ثمّ الصحيح في هذا بعد طلبه العمل ثمّ ترك الإعتماد عليه أنّ القول الفصل والبيان الحقّ وهو ما يرفع العبد به الجهل : هو :
قم بأمر نهي * بداية الافادة
قمّ بما أمرك الله به على وجه الإخلاص ( واعبدوا الله مخلصين له الدين ) وهذا بداية السير وبداية التنوير وبهذا تحصل الإفادة لقوله ( اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له ) ثمّ :
توجّه لا تعتمد * قصدا للارادة
طبعا من طلب وجه الله تعالى وأراد الوصول إلى معرفته والتمتّع بأنس حضرته فهو يتوجّه بصدق التوجّه إلى الله تعالى لا يعتمد على شيء من عظائم أعماله ولا قليل من محاسن أحواله لئلاّ يغترّ بذلك فيسقط قبل الوصول ويمنع أحوال الفحول فمن قصد الإرادة فهو حتما لا يعتمد على غير الله تعالى في رجائه وخوفه إذ يرى النار تحرق بالله لا بنسفها والجنّة نعيمها بالله لا من تلقاء نفسها فيكون مع الله تعالى في جميع أحواله وأحيانه وهؤلاء هم أهل لا إله إلاّ الله رضي الله عنهم وأرضاهم فطوبى للسالكين القاصدين لا يلتفتون ولا يملّون ولا يكلّون وهم كلّ يوم في زيادة وفي كلّ حين نعمة ووفادة ثمّ :
غب عنها وزد * تنال السيادة
أي الأعمال فغيبته عنها بشهود خالقها ومنشئها والمتفضّل بها عليه وهو الذي أجراها على جوارحه ( بسم الله مجراها ومرساها ) ليس بتركها وإنما الغيبة عنها بالزيادة فيها ( السابقون السابقون أؤلائك المقرّبون ) كما قال في مقام الغيبة عن الأعمال والزيادة فيها ( أفلا أكون عبدا شكورا ) فلو لا غيبته عنها ما شكر كلّه ولولا زيادته فيها ما قام الليل كلّه ( قم الليل إلاّ قليلا ) علامة الزيادة فيها بداية ونهاية فسبحان من جعل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جذبه عين سلوكه وسلوكه عين جذبه فكانت بدايته من حيث نهايته ونهايته من حيث بدايته وهذا خاصّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
بعد هذا نشرع بتوفيق الله وحوله وقوّته في شرح الحكمة الثانية وهي أدقّ من الحكمة الأولى وأرفع فيا لله ما أعظم كتاب الحكم العطائية
والله أعلم ثمّ رسوله من بعده ...
يتبع إن شاء الله تعالى ....
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
مواضيع مماثلة
» العطايا الالهية بشرح الحكم العطائية
» من النفحات المضرية
» النهي عن فوات المواكب الإلهية
» المعاني الخفية في معرفة الخلافة الإلهية
» من معاني الخلافة الربانية
» من النفحات المضرية
» النهي عن فوات المواكب الإلهية
» المعاني الخفية في معرفة الخلافة الإلهية
» من معاني الخلافة الربانية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 23 نوفمبر 2024 - 22:05 من طرف أبو أويس
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
السبت 23 نوفمبر 2024 - 13:27 من طرف الطالب
» شيخ التربية
السبت 23 نوفمبر 2024 - 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس