بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
النور المبين في معرفة صدق الواصلين
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
النور المبين في معرفة صدق الواصلين
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه
قيل في القرآن على لسان العارفين ومنهم الشيخ الأكبر رضي الله عنه ( أنّه الصدق المطلق ) قال تعالى ( ومن أصدق من الله قيلا ) وقال تعالى ( ومن أصدق من الله حديثا ) ولقد لاحظت خلطا عند بعضهم بخصوص فهم أمر الصدق وأحكامه ومراتبه وأحواله فأردت في هذه الأسطر توضيح هذا الأمر بالمتاح من الفهم قاصدا نشر العلم لا غير وتلك نيّتي والله حسيبي وهو حسبي ونعم الوكيل
قلت :
الصدق له مرتبة عليا متعلّقها العلم ومرتبة أخرى متعلّقها الحال فالصدق في الأحوال ليس هو عينه الصدق في العلم فقد يكون العبد صادقا في حاله مهما كان هذا الحال ولا يكون صادقا في العلم فإذا علمت أنّ القرآن قال الله تعالى فيه ( أنزله بعلمه ) تفهم معنى الصدق الإلهي فيه وهو قوله ( ومن أصدق من الله قيلا ) لذا سمّى العارفون القرآن بالصدق المطلق لأنّه متّصف بصفة العلم المطلق فإذا فهمت هذا وعلمت أنّ العلم المطلق من شؤون الله تعالى وهو صفته الأزلية علمت أنّه لا صادق حقيقة غير الله تعالى فكلّ صدق هو أثر من صدقه فميزان الصدق في أعلى مرتبه هو العلم لقوله تعالى في خصوص قرآنه ( أنزله بعلمه ) والعلم كما عرّفه المعرّفون هو معرفة الشيء في نفسه كما هو عليه من غير زيادة ولا نقصان ولا يحيط بهذا الأمر في كلّ شيء غير الله تعالى لقوله تعالى ( أحاط بكلّ شيء علما ) فيكون صدق العبد بحسب علمه وهنا نستطيع أن نقول ونكتب في موضوع إسمه ( علل الصدق ) ولن ننحى بالموضوع الآن للكتابة في هذا العنوان ولكن نفسّر بعض الأشائر فيه عن طريق بعض الدلائل تقرّب المعنى :
قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
ثمّ قال تعالى ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )
فكان السياق هنا أن يقول لهم ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم عالمين ) أي يا من تدّعون العلم أنبئوني بأسماء هؤلاء , ثمّ نقول : المعلوم أنّ الملائكة معصومون من المعاصي التي من جملتها معصية ( الكذب ) فلا يكذبون قطّ وكيف يكذبون حاشاهم عليهم السلام وهم حرّاس الوحي ومبلّغوه حتّى سمّوا رئيسهم وهو سيّدنا جبريل بالأمين , فلا بدّ أن نتساءل هنا عن عدم هذا الصدق ومناطه متى علمت أنّ نقيض الصدق هو الكذب , والكذب صفة لا تجوز للملائكة وهم معصومون منها , ثمّ إذا علمت أنّ الصدق هو صفة الأحوال وبها تستقيم الأقوال وكذلك الأعمال فلو لا صدق الحال لما صدق القال ولما صدقت الأعمال , ومتى علمت أنّ العلم صفة عقلية وهي صفة المقام فكيف احتجّت الملائكة الكرام بصفة الحال على صفة المقام فلا يحتجّ بالأحوال أبدا على المقامات بل الأحوال تحت طي وحكم المقامات وإليها ترجع في النهاية لذا قيل في أصحاب الأحوال وهم المريدون بأنّ أشدّ شيء عليهم هو العلم لذا أمر القوم أهل الكمال بسياستهم والرأفة بهم كما رأف بهم رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنّهم ضعاف تغلبهم الأحوال لضعف العقل العلمي فيهم ...
فخاطب الله تعالى ملائكته في معرض استفسارهم بحكمة محيطة بهم فعلّم آدم الأسماء ثمّ عرضهم على الملائكة ووضعهم في محلّ الإعتراف والعجز عند ورود الإمتحان وقد يسأل سائل لماذا خاطبهم تعيينا بوصف قلّة الصدق فالجواب : أنّهم صادقون فيما قالوه والواقع خير شاهد على ذلك فقد أفسد الإنسان في الأرض وسفك الدماء وكانت الملائكة ولا زالت تسبّح بحمد ربّها وتقدّسه فما قالت في الحقيقة غير الصدق وهذا هو صدق الأحوال فما تكلّمت بغير صدق حالها من حيث عبوديتها لربّها وصدق علمها وما أدّاه إليها كشفها فأين قلّة الصدق ؟ فالجواب : أنّ قلّة الصدق تمثّلت في قلّة العلم وأنّه لا يجوز الإعتماد على العلم النسبي في مقابلة العلم الكلّي فما من أحد غير الله تعالى يمتلك العلم الكلّي بكلّ شيء ويحيط به من كلّ جانب في كلّ ذرّة غير الله تعالى فقالت الملائكة عندئذ ( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ) فالسياق أيضا يجوز أن يعطي هنا قولهم ( سبحانك لا صدق لنا إلاّ ما آتيتنا ) لأنّه قارعهم بقلّة الصدق خاصّة لا بقلّة العلم عامّة لقوله ( إن كنتم من الصادقين ) فكان صدق الملائكة في هذا المجال بحسب علمهم , أي كانت أحوالهم بحسب علومهم ففي مراتب الخلافة الإلهية يستوجب كمال الحال مع كمال العلم أو تقول كمال السكر مع كمال الصحو لأنّ كمال السكر يعطي كمال الصحو فكلّ من سكر ولم يصح فلم يكمل سكره بعد فلو كمل سكره لتحقّق صحوه ( ما زاغ البصر وما طغى )
فتعلّق الخلافة الآدمية هو تعلّق الصدق العلمي أو تقول كمال العمل في العلم فإنّ الذي يقابل الصدق هو الكذب في العرف الشامل ولا يقابل الصدق العلم كما هو معروف لدينا بل الذي يقابل العلم هو الجهل وكذلك الأضداد كالنور والظلمة والظلّ والحرور , فإذا علمت أنّ العلم متى قابله الصدق فاعلم أنّ الأمر ليس كما تتوقّعه من حيث العلم والجهل أو الصدق والكذب , بل هذا من شأن علوم الأحوال والمقامات فلمّا زاغ الحال من فرطه بالملائكة الكرام تحقّق صدقهم بارجاعهم إلى عين المقام لمّا أنبأهم آدم بأسمائهم فشتّان بين من كان في عين المقام وهو آدم من حيث صدق الحال , وبين من كان في عين الحال من غير الولوج إلى عين المقام لذا سجدت الملائكة لآدم عليهم جميعا السلام ... هذه إشارات وجيزة كنقاط لذلك العنوان ثمّ نرجع الآن إلى موضوعنا لنذكر فيه مراتب أحوال الصدق من ذكر صدق الكافر إلى صدق المؤمن وهلمّ إلى أن نصل إلى صدق العلوم وعلاقتها بالأحوال وصدق أهل الله في أحوالهم إلى صدق الأنبياء والمرسلين وسترى هنالك عجبا كان خافيا عنك لتقول معي بقول الملائكة ( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا )
يتبع إن شاء الله تعالى ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: النور المبين في معرفة صدق الواصلين
نذكر هنا كمدخل لبيان الفرق بين العلم الذي يقابله الصدق والعلم الذي يقابله الجهل فنذكر طرفا من قصّة نوح عليه السلام ثمّ نعود إلى الموضوع
قال تعالى في شأن نوح : ( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ )
قال له هذا بعد أن أمره و أخبره سبحانه وتعالى في قوله ( قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) فقد أمره هنا أن يحمل معه من كلّ زوجين اثنين وأن يحمل أهله معه ( وهم أفراد عائلته ) وأن يحمل معه أيضا من آمن بما جاء به وهم قليل فلمّا كان ابن نوح عليه السلام من المغرقين كما قال تعالى ( وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ) فنادى هنا نوح ربّه قائلا كما في الآية ( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ) فذكر سيّدنا نوح هنا أنّ ابنه من أهله وقد وعده الله تعالى بنجاة أهله بعد أن أمره بحملهم معه , لأنّه لو أمره فقط بحمل المؤمنين لكان سيدنا نوح طوع الأمر فيكون ذلك مقياسه ولكن لمّا أمره الله تعالى بحمل أهله معه نادى هنا ربّه مستغيثا به في نجاة ابنه ولكن الله تعالى كشف له بعد هذا عن المراد بأهله في قوله تعالى ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) فنظر هنا نوح إلى ظاهر الوعد ولم ينظر إلى باطن الوعد بخصوص أهله ولذا حذّره من الوقوع في الجهل ولم يحذّره من قلّة الصدق
فلم يقل له مثلا ( إنّي أعظك ألاّ تكون من الصادقين ) فقابل هنا أمر نوح عليه السلام مقابلة بين أمرين هما العلم والجهل وليس العلم والصدق كما في شأن الملائكة وتفصيل هذا أنّ الأمر متى وعدك الله فيه وكان لك وأنت المسؤول عنه كالأهل فالوعد فيه متى لم تفهمه يكون جهلا لذا وجب التفريق بين أمرين الأوّل : العلم الذي يقابله الصدق وهذا متعلّقه الخلافة الربانية وهو من عالم الصفات , والعلم الذي يقابله الجهل وهذا من عالم الأسماء , أمّا العلم متى تمّ الإخبار عن بعضه وهو ليس لك كقصّة الملائكة ولا يتناولك أنت ولست مسؤولا عنه فيقابله الصدق فيجب أن تصدق فيه والصدق فيه هو التبرّؤ من علمك عندما يواجهك علمه والصدق هنا هو ثبات الحال على العبودية في العلم متى أعطى الله تعالى لغيرك ما لم يعطك إيّاه فهذا من باب الصدق
لذا كان إبليس لعنه الله تعالى غير صادق ولم يكن جاهلا بالأمر بل كان عالما به ولكن قلّة صدقه أوقعته في الكفر لأنّ قلّة الصدق تفسد فهم الصفات الإلهية أمّا الجهل فهو يفسد فهم الأسماء الإلهية مناط العقل , والأسماء متّصلة بالصفات والصفات متّصله بالذات فمعاندة إبليس لعنه الله تعالى كانت في باب الصفات الإلهية فأراد أن يخرج فيها وهذا جرّاء قلّة صدقه , وإنّما نعني بالصدق الذي يقابله العلم لا الصدق الذي يقابله الكذب فهذا الأخير أمر واضح لأنّ العلم متى قابله الجهل فليس علما بل هو جهل أمّا العلم متى كان علما وكان قاصرا قابلته قلّة الصدق لذا قال تعالى ( اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين ) أي كي لا يزيغ بكم علمكم فالصدق هو الذي يحسرك من غول العلم لأنّ العلم أمره عقلي وهو أمر قياسي فالعقل لا بدّ أن يقيس بخلاف الصدق وهو محلّ القلب فلا بدّ له من التسليم والرضا في عين العلم وهنا قالت الملائكة في هذا المحلّ ( سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ) لذا قال سيدي ابن عطاء رضي الله عنه في مناجاته ذاكرا هذه الحقيقة ( إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جاهلا جهولا في جهلي ) أو كما قال رضي الله عنه فقد أثبت هنا أمر الجهل في العلم وفي نفس هذا المعنى قلت في مناجاة لي ( إلهي إنّ جهل علمي أوقعني في ذنوب طاعتي ) أو ما معناه
فوعظ الله تعالى سيّدنا نوح عليه السلام أن يكون من الجاهلين فقال سيّدنا نوح مباشرة لفهمه الإشارة فقال بقول الله تعالى ( قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) فولج بحر الفناء مباشرة وهو التبرّي من الحول والقوّة ومن العلم والفهم والرجوع بعد ذلك إلى باب التوبة لأنّ العارفين يحاسبون على الأنفاس فقال نوح قال تعالى ( وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) فطلب الغفران مباشرة وجزم أنّه لو لم يغفر له لكان من الخاسرين لمجرّد أنّه سأل الله تعالى في ابنه بعد أن وعده بنجاة أهله وهذا هو التوحيد الحقّ وهو الفهم عن الله تعالى والتأدّب بين يديه تأدّبا تامّا كاملا ولو بالرجوع والتوبة والإستغفار فإنّ كلّ ابن آدم خطّاء ولكن خير الحطّائين التوابون
هذا كي تعرف مدى نقص علمك أمام علم الله تعالى مهما كانت رتبتك وكانت قدمك بل ولو كان سيّد المرسلين عليه الصلاة والسلام فإنّ علم الله تعالى لا يحيط به مخلوق كان من كان هذا المخلوق لذا قال عليه الصلاة والسلام ( لا أعلم إلاّ ىما علّمني ربّي ) وقد قال الله تعالى له ( وقل ربّ زدني علما ) فكيف والله تعالى يقول ( وما أؤتيتم من العلم إلاّ قليلا ) أي كلّكم بأسركم لهذا ذهب موسى إلى الخضر وتعلّم على يديه وهكذا يتعلّم العارفون من بعضهم البعض وفي حكاية السمكة مع سيدي محي الدين بن عربي رضي الله عنه خير مثال فهل دريت ما أودعه الله تعالى في الوجود وأحطت به وقد قال هدهد سليمان لسليمان عليه السلام ( فقال أحطت بما لم تحط به )
وسنواصل بحول الله تعالى شرح أنواع الصدق واتّصاله بالعلم من جهة وكذلك اتّصاله بالكذب والفرق بينهما واتّصال العلم بالجهل وتبيين مراتب ذلك بحول الله تعالى وكما قلت سنذكر من صدق النبيين طرفا مهمّا وكذلك ذكر بعض أحوال العارفين كي يعلم الناس حقائق الدين والله أعلم وأحكم
يتبع إن شاء الله تعالى
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
خادم السيدالرواس- عدد الرسائل : 38
تاريخ التسجيل : 11/12/2011
رد: النور المبين في معرفة صدق الواصلين
بارك الله فيك سيدي خادم السيد الرواس على مرورك الكريم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت :
صدق المعلومات المطلق من شؤون الباري جلّ وعلا وأنّ مقام الإلوهية الذي أوجب على الناس العبودية لا يشاركه أحد في العلم إذا علمت أنّ هذا العلم يتبع المشيئة لذا قال تعالى ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء ) فأضحى الأمر هنا أنّك قد تكون تعلم ولكنّ لا يمكنك أن تشاء في هذا العلم فلو ادّعيت أنّك تشاء فيه لكنت على غير صدق فيه فحكمت على نفسك إمّا بعدم الصدق لأنّ التسليم من شؤون الصدق في العبودية متى علمت أنّك عبد ولك ربّ فلا تخرج عن هذا الحكم وكذلك الصفاء والرضا وغيرهما فهي من لوازم الصدق فالحسود مثلا فهو غير صادق وكذلك الحقود وجميع الأمراض القلبية والروحية فهي بسبب عدم الصدق فلو اعترض معترض على حكم من أحكام الله تعالى أو فعل من أفعاله فهو علامة على عدم الصدق في العبودية ولهذا مراتب سنذكرها لاحقا إن شاء الله تعالى
فإذا علمت أنّ الوقائع تتبع العلم الإلهي والعلم الإلهي غير محدود لوجود التجليات الأبدية ولعدم تناهيها وجب التسليم منك في هذا العلم ومتى وقعت في الإختبار كما وقعت الملائكة في ذلك تتبرّا من نفسك وعلمك إلى علم الله تعالى فلا تعوّل على ما كوشفت به مع وجوب الأدب مع ما به كوشفت وتوفية ذلك العلم حقّه من الأدب وهذا تراه في قوله الملائكة عندما قالت ( سبحانك لا علم لنا ) ثمّ قالت ( إلاّ ما علّمتنا ) فما نسيت أن تذكر علمها الذي علّمه الله تعالى إيّاها لئلاّ يفوتها الأدب فكانت صادقة في هذا الوجه وإنّما عاتبتها الحضرة الإلهية في شؤون الصدق لا لكونها غير صادقة فإنّها ما حدّثت إلاّ بما كوشفت به فهي صادقة فيه وإنّما عوتبت في أمر آخر وهو كالآتي :
وذلك كون الملائكة لم تعترض على الله تعالى في جعله آدم خليفة في الأرض وإنّما استفسرت شؤون الحكمة في هذا الخليفة فهي قد جزمت بوجود هذا الخليفة فكأنّ الأمر حاصل بعد أن قالت ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فكأنّ الأمر حاصل بعد أن عاينت في كشفها بمساوي هذا الخليفة فلم تعترض على وجود آدم فإنّ الأمر كالحاصل عندها وقد أمضاه الكتاب وإنّما غارت على جناب التوحيد أن يمسّه ماسّ بسوء بعد أن علمت ما عليه الله تعالى في كماله وجماله وأنّ الله تعالى هو المحسن الذي لا يريد بعباده إلاّ خيرا ( يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) فسألت في معرض استفسارها عن وجه الحكمة بعد أن حكمت بما عاينت لمّا طولب منها ذلك في معرض اخبارها من قبل الله تعالى بذلك الأمر , بخلاف إبليس فهو في أوحال نفسه غارق فلم ير بعد هذا غير نفسه لذا سلب وطرد بعد أن كان فيما كان عليه من القرب والنور لعدم عصمته وهكذا جميع الجنّ والإنس من غير الأنبياء والمرسلين إلاّ المحفوظين من كلا الطرفين من الأولياء فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
وحاصل الأمر نريد بيان امرين : العلم الذي يقابله الصدق وهو ما كانت عليه الملائكة , والثاني : العلم الذي قابله الجهل وهو ما كان عليه إبليس , لأنّ العبد متى كان غير صادق قابل علمه الجهل المركب , ومتى كان صادقا قابل علمه علل صدقه وهذا موضوعنا ...
يتبع إن شاء الله تعالى ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
مواضيع مماثلة
» النور المبين في استفتاح سورة يــــس صلى الله عليه وسلّم
» معرفة النّفس مسلك معرفة الله تعالى
» منتدى رياض الواصلين
» عشق النور
» صلاة النور المضيء
» معرفة النّفس مسلك معرفة الله تعالى
» منتدى رياض الواصلين
» عشق النور
» صلاة النور المضيء
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 22:05 من طرف أبو أويس
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
أمس في 13:27 من طرف الطالب
» شيخ التربية
أمس في 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس