دنيس قريل Denis Gril وعمار العزابي رحمه الله نموذج للتفاعل الروحي بين

في مقدمة كتبها الأستاذ دنيس قريل Denis Gril (داود عبد الله كريل) لديوان “رحيق الأزهار” لصاحبه الشيخ عمار العزابي رحمه الله قرأت هذه الكلمات المفاتيح المليئة أنوارا وإشراقا حيث يقول (... وأما سيدي عمار فقد كان مظهرا للجمال حسا ومعنى، خلقه جمال ومعاشرته جمال ووارداته جمال نغمة ونظما قصائد شيخه سيدنا الشيخ إسماعيل دليل على فصاحته وعلو شانه في المعرفة وقصائد مريده الصادق ومقدمه الأمين (الشيخ عمار) تبوح بالشوق والتفاني في المحبة. قد تحلى نظمه بحلو الإيقاع ورونق الألفاظ كل من يطالع هذا الديوان يسمع صاحبه مزمزما مترنما، ثقافته الشعرية ظاهرة وعبارته سهلة قريبة كما كان في حياته قريبا إلى كل من يلجا إليه، ولشعره رقة في القلوب كما أن من رآه وسمعه أحبه ومن جالسه واستمع إلى نصيحته تذكر بعد غفلته وهكذا قصائد ديوانه تنشط النفوس وتشوق القلوب لأنها تشعر بما نال منشئها من الأنوار والأسرار في توجهه إلى الله...)

آثرت أن انقل هذه الفقرة من مقدمة مجموع قصائد الشيخ عمار العزابي رحمه الله فكل كلمة من كلمات الأستاذ الجامعي الفرنسي المسلم داود قريل ألهمها إلهاما فهي تنم عن نورانية وإشراق أوتيهما نتيجة جهد ومجاهدة دأب عليهما منذ عقود من السنوات ظل فيها مثالا للتواضع والخلق الرضي حتى لا تكاد تسمع صوته عرف الأستاذ داود قريل الشيخين إسماعيل الهادفي وعمار العزابي رحمهما الله وجلس إليهما على رفعة مقامه وعلو شانه جلوس المريد لشيخه، أتاهما بتجرد كامل من كل ما عنده من ألقاب علمية وأبحاث جامعية ودراسات أكاديمية، فهو الدارس المحقق والمدقق لأعمال كبار رجال الصوفية من أمثال الشيخ الأكبر سيدي محي الدين ابن عربي ومع ذلك كله فإن ما خطه في ما قدم به مجموع قصائد الشيخ عمار العزابي رحمه الله لا اعتقد أن عربيا متمكنا من ناصية البيان قادر على أن يأتي بمثل تلك الجمل الموجزة التي أوردتها في مقدمة هذا العرض لرحيق الأزهار الذي هو بحق رحيق لا يمكن أن يتذوقه إلا من وهبه الله ذوقا والأستاذ داود قريل من هؤلاء، ولقد تهيأ لي شخصيا أن اجلس إلى الشيخ عمار العزابي رحمه الله في زاويته بالبودرية من ولاية منوبة فسمعت منه ما لا يمكن حصره سواء كان ذلك من مروياته من حكم القوم ومأثوراتهم أو مما نظمه وجادت بع قريحته المعبرة عن فيوضاته الروحية العميقة التي فتح بها الله عليه نتيجة لتدرجه في مقامات القرب من الله والتي قطع فيها بفضل الله أشواطا حتى بلغ إن شاء الله ما تاق إليه من رتب ومقامات روحية عالية، لقد عبر الأستاذ داود قريل بكلماته البليغة الصادقة عن الحقيقة. وعلى طريقة الكمل من الشيوخ في الاعتراف لمن اخذوا بأيديهم من العارفين بالله نقرأ ثلاث قطع للشيخ إسماعيل الهادفي بعنوان: إمامي وذخري، بهمتك العليا، وقوفي بباب الفضل، ثم نقرا صيغة بليغة للصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للشيخ عمار رحمه الله افتتح بها دعوات وضراعات وابتهالات في غاية السمو والإشراق وذلك نهج سار عليه العارفون بالله خصوصا من أبناء الغرب الإسلامي الذين تركوا لنا نصوصا رائعة لتجلياتهم تصور تعلقهم الصادق بالمبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.

قصائد “رحيق الأزهار” مكتوبة بعربية صوتية إن صح التعبير تنشد هذه القصائد إنشادا بصوت جميل يتفاعل فيه المنشد قبل السامع، وقد لقّب الشيخ عمار رحمه الله “ببلبل الطريق” وكان بحق بلبلا صداحا.

وإيراد أبيات من “رحيق الأزهار” يعطي صورة للقارئ تعطي فكرة عن عمق روحي هو لاشك مصدر الجذب القوي لدى هؤلاء العارفين بالله الذين لا يخلو منهم الزمان والمكان إلى قيام الساعة لعله هو البلسم لشفاء وأوصاب وأتعاب الإنسان أيا كان جنسه ولونه في هذه الألفية الثالثة التي كثر فيها الهرج والمرج كما جاء في الخبر الصحيح.

يقول الشيخ عمار رحمه الله:

خَلِنـي في الله هـايـم * بـرؤية ذات الجليــل

في حضرة القدس قايم * بباب الفضل الجزيـل

سـاجـدا لله الـدايـم * رب الكون وما حـواه

من نوره ضاءت أنوار * بطنت وسـط القلـوب

من فيضه دقت أسرار * مـزقت ستـر الحجب

ويقول الشيخ عمار رحمه الله في مقطوعة أخرى من قصائد “رحيق الأزهار”.

إن تريد رفع الحجاب * قيـم الليالي سهـران

قيـم الليالي تهليـلا * وتبتـل ليهـا بتتبـلا

مدٌ وتعظيم وترتيـلا * عسى تجود بإحسـان

واختم هذه الاقتباسات أبيات من قصيد يا دليل الخير:

يا دليل الخير سلم على الهادي البشير

سلـم عليـه مـن كـل فـقـيــر

سلم عليه من الأعماق وبلغ له كل الأشواق

مولع به دمعي رقراق على خدي غزير

عشاق النور قوم كرام لشمس الظهور تهدى السلام

عبر الدهور مع الأيام لطه البشير

طه الشفيع قوت النفوس حبه ربيع دايم عروس

انه فيض روحي وامتداد واستمداد من منبع الحب لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، مدرسة سندها متصل من الشيخ عمار إلى الشيخ إسماعيل إلى الشيخ المداني إلى الشيخ العلاوي إلى إلى عليهم رحمة الله، هذا السند الروحي هو اليوم أحد الجسور الممدودة التي تزول بها الحدود بكل أنواعها وأشكالها لعل من ابرز نماذجها في العصر الحديث تلك الأسماء الكبيرة من أمثال رني قنون ومصطفى فلسان ومايرفيتش وشلوتز وكلود أداس وقلوتون وبنو وقريل وتيبون وبيري ويحي وجيليس ولدوز وغيرهم كثير جدا ممن يشدهم اليوم إلى الحوض الجنوبي للبحر المتوسط هذا النبع الروحي الفياض الذي لم ينقطع سنده والحمد لله في هذه الربوع التونسية.

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

بسم الله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله 

بارك الله فيكم سيدي منصور وزادكم فى العلم بسطة ورحم الله سيدي عمار العزابي وجعل مقيله وسكناه جنة الفردوس الأعلى .لقد كان رحمه الله اية من ايات الله على وجه البسيطة ودرة نادرة يصعب العثور عليها وبلبل صداح يهز قلوب الرجال كلما نطق و..........و.......