بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
صفحة 1 من اصل 1
إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والصّلاة والسّلام على رسول الله صلّى الله تعالى عليه
وآله وصحبه وسلّم
قال تعالى..( إِنَ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ)
للصلاة في الإسلام منزلة علية، ورتبة سنية، فهي عمود الدين وركن الملة ، وحياة القلوب ، والميثاق والعهد بين الإنسان وبين ربه. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهداً أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ". رواه البخاري ومسلم .
من ترك الصلاة لا دين له ، قال صلى الله عليه وسلم :" لا دين لمن لا صلاة له". حسنه الألباني عن ابن مسعود . وقال :" لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ". رواه الإمام مالك .
الصلاة هي أول ما فُرض على النبي صلى الله عليه وسلم من الأحكام. فرضها الله في أشرف مقام وأرفع مكان، لما أراد أن يتم نعمته على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ويظهر فضله عليه فأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله ، ثم رفعه إليه وقربه فأوحى إليه ما أوحى ثم أعطاه من الخير حتى رضي، ثم فرضها عليه وعلى أمته وكانت خمسين صلاة، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى جعلها خمساً في العمل وخمسين في الأجر والثواب .
ما فرض الله الصلاة إلا لما لهم فيها من الخير:
ـــ فالصلاة صلة بين المصلي وربه، يناجي الله ويناجيه الله، كما جاء في الحديث القدسي أن الله عز وجل قال : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي. وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين. قال الله: مجّدني عبدي. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل ".
فأي شرف للمصلي بعد هذا الشرف، وأي فخر بعد هذا الفخر! أن يقوم بين يدي الملك الكبير المتعال، يناجي الله ويناجيه الله من فوق عرشه.يقول عمر رضي الله عنه في رسالته إلى عماله التي رواها مالك رحمه الله : (إنّ أعظم أمركم عندي الصلاة) .
ـــ الصلاة تمحوا الذنوب والخطايا كما يمحو الماء وسخ الثوب والبدن، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ". وقال صلى الله عليه وسلم :" أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ".
ـــ في الصلاة عون على أمور الدين الدنيا، قال تعالى { واستعينوا بالصبر والصلاة}. وقال { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}. قال ابن القيم : أوصى عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين ،،، ف هما العونان على مصالح الدنيا والآخرة . ( عدة الصابرين 26 و58) .
ـــ الصلاة نورٌ في الوجه وراحة للقلب. قال صلى الله عليه وسلم :" أرحنا بها يا بلال " .رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني
ـــ الصلاة هي المَفْزَع إذا حزب الأمر، وهي الملجأ إذا مسَّ اللغوب ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. رواه أحمد و أبو داود وحسنه الألباني .
ـــ الصلاة تجلب الرزق والبركة { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } .
ـــ الصلاة تطهّر المصلي من الأخلاق الدنيئة والصفات القبيحة . قال تعالى { إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ } .قيل إن أبا الحسن الشاذلي حين جاء إلى أهل الإسكندرية سألهم : أتصلون؟ قالوا: نعم. قال: أتجزعون وتهلعون؟ قالوا: نعم. قال: إذاً أنتم لا تصلون .
ـــ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قال تعالى { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}. أكد الله تعالى قوله بحرف التوكيد (إنّ)، ليؤكد سبحانه على اثر الصلاة في النَّهي عن المنكرات والمعاصي . عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}قال : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله.( الدر المنثور11/549).
قال الإمام القرطبي رحمه الله : " في الآية تأويل ثالث ، وهو الذي ارتضاه المحققون ، وذكره المفسرون ، فقيل المراد بـ ( أقم الصلاة ) : إدامتها ، والقيام بحدودها . ثم أخبر حكما منه بأن الصلاة تنهى صاحبها وممتثلها عن الفحشاء والمنكر ، وذلك لما فيها من تلاوة القرآن المشتمل على الموعظة ، والصلاة تشغل كل بدن المصلي ، فإذا دخل المصلي في محرابه ، وخشع ، وأخبت لربه ، وادكر أنه واقف بين يديه ، وأنه مطلع عليه ويراه : صلحت لذلك نفسه ، وتذللت ، وخامرها ارتقاب الله تعالى ، وظهرت على جوارحه هيبتها ، ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة .فهذا معنى هذه الأخبار ؛ لأن صلاة المؤمن هكذا ينبغي أن تكون .قلت – أي القرطبي - : لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله ، وهذا أبلغ في المقصود ، وأتم في المراد ، فإن الموت ليس له سن محدود ، ولا زمن مخصوص ، ولا مرض معلوم ، وهذا مما لا خلاف فيه .ومن كانت صلاته دائرة حول الإجزاء ، لا خشوع فيها ، ولا تذكر ، ولا فضائل ، فتلك تترك صاحبها من منزلته حيث كان ، فإن كان على طريقة معاص تبعده من الله تعالى : تركته الصلاة يتمادى على بعده . " (الجامع لأحكام القرآن13/ 348).
فالإنسان بصلاته يستقيل عثراته ويخفف ذنوبه، والذنب يدعو إلى الذنب، والحسنة تدعو إلى الحسنة، فإن الإنسان إذا خفف من سيئاته بالصلاة، كان هذا مدعاة لأن يجتنب الفحشاء والمنكر؛ لأن العبد إنما يتجرأ على ارتاب المعاصي إذا كثرت ذنوبه وعلا الران قلبه.
أخرج عَبد بن حُمَيد عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} قال : الصلاة فيها ثلاث خلال ، الإخلاص والخشية وذكر الله فكل صلاة ليس فيها من هذه الخلال فليس بصلاة ، فالإخلاص يأمره بالمعروف ، والخشية تنهاه عن المنكر وذكر الله القرآن يأمره وينهاه.( الدر المنثور 11/549) .
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر عندما يستحضر المصلي اطلاع الله عليه ، وأنه يعلم ما في نفسه، وأنه أقرب إليه من حبل الوريد، فيستحيي من الله حق الحياء ، ويقبل على صلاته بخشوع وحضور قلب ، ويستقيم على طاعة ربه إذا انتهى من صلاته ، فالذي يصلي الصلاة على حقيقتها لا يتساهل في الوقوع فيما حرم الله خارجها .
من يصلي ويرتكب المنكرات والفواحش هل نهته صلاته ؟
يقول بعض أهل العلم: إذا أردت أن تعرف أنك قد أدّيت صلاتك كاملةً ، فانظر إلى مقدار مخالفتك لأمر الله ، فبقدر ما تقع في معصية الله، يكون النقص في صلاتك، وبقدر ما تؤدي الصلاة كاملةَ الأركان والواجبات والسنن والخشوع، يكون ابتعادك عن المعاصي والمنكرات، فالصلاة الكاملة لا بدَّ من أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، وكلما نقصت الصلاة ، ازدادت مساحة الوقوع في المنكر .
وإنما يُكتبُ للمرء من صلاته ما عقل منها، بعضُهم تُكتب له كلُّها، وبعضهم نصفُها، وبعضهم ربعها، وبعضهم تُلفُّ كالثوب الخلق ثم تُرمى بوجه صاحبها.
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمِّ صلاة المستعجل "صلاة". عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد؛ فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، ثم قال: "ارجع فصل؛ فإنك لم تصل"، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وعليك السلام ، ارجع فصل؛ فإنك لم تصل " حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا؛ علمني، فقال صلى الله عليه وسلم : "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".
وكثيرون يقعون في هذا ، فلا يطمئنون في صلاتهم ، ثم تجدهم يتذمرون ويتساءلون : لماذا لم تنهنا صلاتنا عن المنكر ؟. وفاتهم أن من كانت هذه حال صلاته فإنها ليست صلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" ارجع فصل؛ فإنك لم تصل" .
لقد كان يطمئن في صلاته وكان يقول :" أتمُّوا الركوعَ والسجود، فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم ، وإذا ما سجدتم". و" رأى رجلاً لا يُتِمُّ ركوعه ، وينقر في سجوده وهو يصلي، فقال :" لو مات هذا على حاله هذه ؛ مات على غير ملة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ ينقر صلاته كما ينقر الغرابُ الدمَ ، مَثَلُ الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده ؛ مثل الجائع الذي يأكل التمرة والتمرتين ، لا يُغنِيان عنه شيئاً " رواه البخاري .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه :" نهاني خليلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أنقر في صلاتي نقر الدّيك ، وأن ألتفت التفات الثعلب ، وأن أُقعي كإقعاء القرد " رواه الطيالسي وصححه الألباني . وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول :" أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته".قالوا: يا رسول الله ! وكيف يسرق من صلاته ؟ قال :" لا يتم ركوعها وسجودها" أخرجه الحاكم وصححه الألباني .
البعض يؤدي صلاته ، لكن مع الوقوع في الزلل، والاستمرار في الخلل، يصلُّون ولكن لا تُرى آثار الصلاة عليهم، لا يتأدبون بآدابها، ولا يلتزمون بأركانها وواجباتها، مع الإخلال بلبها وروحها وخشوعها، فباتت صلاتهم مرتعاً للوساوس والهواجس ، يأتي الشيطان أحدهم وهو في صلاته، فيوسوس له ويحدثه بهمومه ومشاكله حتى ينفتل من صلاته ولم يعقل منها شيئًا .
ثم لا يسل أحد عن الأحوال، وسيِّئ الفعال، وقبيح الخصال، بعد الصلاة ؛ فحشٌ في القول، وإساءة في الفعل، وأكل للحرام، وتعسُّف في الأخلاق، واجتراح للسيئات، وإصرار على المعاصي والمنكرات، لم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر ، لا أثر لها في حياتهم، ولا ثمرة لها في واقعهم وتغيير أحوالهم، وصلاح سائر جوانب حياتهم .
ـــ الصلاة التي تنهى عن المنكر هي التي تقر فيها عينك كما كانت تقر فيها عين النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حبب إلي الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة ".أما من كان همه متى يخرج من الصلاة ، أو متى ينتهي الإمام من القراءة ، أو متى يسلم ، فهذه صلاة خداع لا خشوع فيها ولا روح ولا طمأنينة .
ـــ هل نهته صلاته من تعلق بالفانية ونسي الباقية وهو يسمع قول الله يتلى في الصلوات { كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة } وكفى بالقرآن واعظاً ، فمن سمعه وازدجر بزواجره وانتهى عن نواهيه ، فإنه صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر.
ـــ وهل نهته صلاته من عق والديه أو أحدهما ، والله تعالى يقول {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } .
ـــ وهل نهته صلاته من سعي في الفساد والإفساد ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ، وهمه نزع حجاب المسلمة ومهاجمة العلماء ، والتحريض على الاختلاط وتزيين الفاحشة ، أو الاستهزاء بالصالحين أو بالسنة . قال تعالى { وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنْ الأَشْرَارِ * اتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الأَبْصَارُ }وقال تعالى { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الرجلَ ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب".
ـــ وهل نهته صلاته من غرق في الفواحش وولغ في المنكر ، لا يترك من معصية إلا وقع في أخرى ؟.
ـــ وهل نهته صلاته من ابتلي بالإدمان على القنوات والأفلام والمناظر التي حرمها الله ؟.
ـــ وهل نهتها صلاتها من تتساهل بالحجاب ولا تحرص على الستر ، فتخلع عباءتها إذا أقلعت الطائرة ، أو تتجمل بالمساحيق وتكشف وجهها ، أو تلبس أمام النساء ما يشف ويبرز مفاتن جسدها ؟.
ـــ وهل نهتها صلاتها من لا يكل لسانها من الوقوع في أعراض المسلمات بالغيبة والنميمة والبهتان وأنواع الأذى . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا - غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : "هِيَ فِي النَّارِ ".قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : "هِيَ فِي الْجَنَّةِ". رواه أحمد في المسند.
ـــ وهل نهته صلاته من يشرب الخمر أو يتعاطى القمار { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}.
أم أن تعاطيه الخمر أو الميسر هو من صده عن الصلاة وفعل الخير {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} .
ـــ وهل نهته صلاته من عكف على سماع الأغاني والموسيقى والملاهي ونحوها، فإن الكثير عندما يُقرأ عليهم القرآن تجد أحدهم ينعس أو ينام، ولكن إذا سمع أغنية أو مطرباً أو مغنياً طرب له، وذهب عنه النعاس والوسن الذي كان يعتريه ، وتثقل عليه الطاعات، وتسهل عليه المحرمات، وقد يندفع إلى فعل الفواحش، واقتراف المحرمات التي منها فعل فاحشة الزنا واللواط ، بسبب الأغاني المثيرة للشهوات، إذ ليس لهم من صلاتهم حظ ينهاهم عنها .
ـــ وهل نهته صلاته من يقذف المحصنات أو يظلم المرأة أو يعضلها عن الزوج الكفء أو يهملها إن كانت زوجة أو يهمل تربيتها إن كانت ابنة؟.
ـــ وهل نهته صلاته من أكل مال اليتيم ، والله تعالى يقول { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } .
ـــ وهل نهته صلاته من أكل الربا ، وهو يسمع قول الله يتلى في الصلوات {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون * وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون * واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}.
ـــ وهل نهته صلاته من تعمد قتل النفس التي حرم الله ، سواء بفورة غضب أو بنزغة شيطان أو بسبب فكر منحرف تكفيري يبيح أرواح الناس ودماءهم وأموالهم ، قال تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} ، ألم يعقل ما في هذه الآية من وعيد شديد ، إذ توعده الله بخمسة أنواع من الوعيد. الأول: عذاب جهنم ، والثاني: الخلود في النار، أي: طول المقام فيها إلى أجل يعلمه الله ، والثالث: اللعن ، وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله ، والرابع: الغضب ، والخامس: العذاب العظيم .
صفة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر .
إن الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة التي يقبل صاحبها إليها بقلبه وروحه ونفسه ، يتذلل بها بين يدي الله ، إظهاراً للعبودية واعترافاً بالفقر بين يديه ، وهو في ذلك راغب فيما عنده عز وجل ، صادق التوبة والإنابة ، مخلص السريرة له سبحانه .فإذا رأى العبد من نفسه إقبالاً على الفحشاء والمنكر فليراجع صلاته فمن قبل نفسه الخلل . فإذا أدى الصلاة كما أمره الله فستنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" الصلاة إذا أتى بها كما أمر نهته عن الفحشاء والمنكر ، وإذا لم تنهه : دل على تضييعه لحقوقها وإن كان مطيعاً ، وقد قال تعالى { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } وإضاعتها: التفريط في واجباتها وإن كان يصليها" ( مجموع الفتاوى6/22) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" فإن قال قائل : كيف تكون الصلاة عوناً للإنسان ؟.فالجواب : تكون عوناً إذا أتى بها على وجه كامل ، وهي التي يكون فيها حضور القلب ، والقيام بما يجب فيها ، أما صلاة غالب الناس اليوم فهي صلاة جوارح لا صلاة قلب ؛ ولهذا تجد الإنسان من حين أن يكبِّر ينفتح عليه أبواب واسعة عظيمة من الهواجس التي لا فائدة منها ؛ ولذلك من حين أن يسلِّم تنجلي عنه وتذهب . لكن الصلاة الحقيقية التي يشعر الإنسان فيها أنه قائم بين يدي الله ، وأنها روضة فيها من كل ثمرات العبادة : لا بد أن يَسلوَ بها عن كل همّ ؛ لأنه اتصل بالله عزّ وجلّ الذي هو محبوبه ، وأحب شيء إليه ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "جعلت قرة عيني في الصلاة".أما الإنسان الذي يصلي ليتسلى بها ، لكن قلبه مشغول بغيرها : فهذا لا تكون الصلاة عوناً له ؛ لأنها صلاة ناقصة ؛ فيفوت من آثارها بقدر ما نقص فيها ، كما قال الله تعالى {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} ، وكثير من الناس يدخل في الصلاة ويخرج منها لا يجد أن قلبه تغير من حيث الفحشاء والمنكر ، هو على ما هو عليه، ؛ لا لانَ قلبه لذكر ، ولا تحول إلى محبة العبادة" . ( تفسير سورة البقرة 1/ 164 ، 165 ) .
بالخشوع والطمأنينة في الصلاة ينجو المؤمن ويفلح في الدنيا والآخرة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، قال ابن كثير رحمه الله:"وقال الحسن البصري: كان خشوعهم في قلوبهم؛ فغضوا بذلك أبصارهم؛ وخفضوا الجناح".
ولذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن الخشوع في الصلاة ركن فيها ، قال القرطبي رحمه الله : اختلف الناس في الخشوع: هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها؟ على قولين، والصحيح: الأول؛ ومحله القلب، وهو أول علم يرفع من الناس".
ـــ لقد كان الصحابة رضي الله عنه يسمعون لجوف النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي أزيزاً كأزيز المرجل من البكاء.
ـــ وقال بعض السلف : لو رأيت سفيان الثوري يصلي لقلت : يموت الآن من شدة خشوعه . فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ـــ أصاب عروة بن الزبير داء الأكلة في رجله ، فظن أنها لا يكون منها ما كان، فأجمع الأطباء على أن يقطعها وإلا أكلت رجله كلها إلى وركه ، وربما ترقت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها وقالوا له: ألا نسقيك مُرَقَّداً حتى يذهب عقلك منه فلا تحس بألم النشر؟ فقال:لا ! والله ما كنت أظن أن أحدا يشرب شراباً أو يأكل شيئاً يذهب عقله ، ولكن إن كنتم لا بد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة، فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به ، قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة، من المكان الحي، احتياطاً أنه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي، فما اختلج، فلما انصرف من الصلاة عزاه الوليد في رجله، فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذتَ واحداً، فلئن كنتَ قد أخذتَ فقد أبقيتَ، وإن كنت قد أبليتَ فلطالما عافيتَ، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت . فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ـــ وكان علي رضي الله عنه إذا توضأ ارتجف فإذا سئل عن ذلك قال : الآن أحمل الأمانة التي عرضت على السماء والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها ، وحملتها أنا . فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ـــ وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه إذا قام في الصلاة فكأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره، لا تحسبه إلا جذعاً أو حائطاً أو خشبة منصوبة لا تتحرك . فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ـــ وكان مسلم بن يسار لا يلتفت في صلاته، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع لها أهل السوق فما التفت . فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ـــ قال أبو عبدالرحمن الأسدي: قلت لسعيد بن عبدالعزيز: "يا أبا محمد، ما هذا البكاء الذي يعرض لك في صلاتك؟فقال: "يا ابن أخي، وما سؤالك عن ذلك؟ "قلت: "يا عمّ، لعل الله أن ينفعني ". قال سعيد: "ما قمت في صلاتي إلا مثلت لي جهنم ". فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ـــ وكان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوئه للصلاة ، أخذته رعدةٌ ونفضةٌ ، فقيل له في ذلك، فقال: "ويحكم، أتدرون إلى من أقوم ومن أريد أن أناجي؟".فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ـــ وكان المعلى بن منصور يوماً يصلي، فوقع على رأسه كورُ الزنابير فما التفت، وما انفتل حتى أتم صلاته، فنظروا فإذا قد صار هكذا من شدة الانتفاخ. فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
ـــ وسئل حاتم الأصم رحمه الله كيف تخشع في صلاتك ؟فقال : بأن أقوم فأكبر للصلاة .. وأتخيل الكعبة أمام عيني .. والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي ،، وملك الموت ورائي وأن رسول الله يتأمل صلاتي وأظنها آخر صلاة ،فأكبر الله بتعظيم وأقرأ وأتدبر وأركع بخضوع وأسجد بخضوع وأجعل في صلاتي الخوف من الله والرجاء في رحمته ثم أسلم ولا أدري أقبلت أم لا؟ . فهذه صلاة تنهى - ولا بد - عن الفحشاء والمنكر .
هل وقوع المسلم في المعصية أو الفاحشة يبرر تركه الصلاة ؟.
إن المسلم وإن تلبس بمعصية أو كبيرة ، فإنه لا يحل له ترك الصلاة ، عن أبي هريرة قال :قيل يا رسول الله إن فلاناً يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق قال :" سينهاه ما تقول ". رواه أحمد وصححه الألباني.قال أبو حاتم : قوله : ( سينهاه ما تقول ): إن العرب تُضِيفُ الفعل إلى الفعل نفسه كما تضيف إلى الفاعل ، فأراد صلى الله عليه وسلم : أن الصلاة إذا كانت على الحقيقة في الابتداء والانتهاء يكون المصلي مجانباً للمحظورات معها كقوله عز و جل { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } .أ . هـ .
تنبيه : روي عن ابن عباس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا". هذا حديث ضعيف لا يصح مرفوعاً .
وكذا حديث :" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" .فإنه منكر كما قال الشيخ الألباني رحمه الله.
من صلى وارتكب فاحشة قد خلط عملاً صالحا وآخر سيئاً، فإن الواجب عليه أن يجاهد نفسه وأن يؤدي صلاته بأركانها وواجباتها وخشوعها وأن يتجنب الفواحش والمنكرات ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، فإن زلت قدمه بادر إلى التوبة والاستغفار .
فارتكاب المعصية لا يبرر ترك الصلاة، لأن تركها أعظم وأشد إثماً من ارتكاب المعصية ، فيزداد بتركها إثماً على إثمه .
أثر الصلاة الناهية
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تغمر قلب صاحبها بتوحيد الله {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ } .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تملأ قلب صاحبها باليقين بوعد الله {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ }.
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تقذف الخشية وتعظيم الله في قلب صاحبها {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تجعل صاحبها مشفقاً وجلاً من عذاب الله {وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ* إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ }
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تجعل صاحبها يؤدي حق الله في ماله بنفس طيبة راضية{ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تجعل صاحبها عفيفاً حافظاً لفرجه{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تحمل صاحبها على مراعاة الأمانة والوفاءبالعهد {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ } . والأمانات تشمل جميع التكاليف التي كلفنا الله بأدائها كما تشمل الأموال المودعة، والأيمان والنذور والعقود وما يشبه ذلك. والعهود تشمل كل ما يطلب من المؤمن الوفاء به من حقوق الله تعالى وحقوق الناس. ورد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه استعمل رجلاً على أمرٍ ما، فقال له الرجل: لِم وليتني؟ قال له: لأني رأيتك تحسن صلاتك، ورأيتك خاشعاً فيها، وما دمت أديت حقَّ الله عليك وأحسنت أداءه، فمن باب أولى أن تؤدي الحقوق والواجبات الأخرى.
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تجعل صاحبها يعرض عن اللغو وسفاسف الأمور { قد أفلح المؤمنون *الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون} .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تجمَّل صاحبها بالتواضع وخفض الجناح { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً } .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تحمل صاحبها على التوسط في الإنفاق والبذل فلا إسراف ولا شح {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تزجر صاحبها عن الدم الحرام والفرج الحرام { وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً* وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً } .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تحجز صاحبها عن شهادة الزور وقول الزور { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تجعل صاحبها قدوة وإماماً في الخير {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّياّتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تحث على الترابط والتكاتف، والتراحم والتعاطف، وتطهر الباطن، من البغض والحسد، وتعلم الصبر على الشدائد والمحن.
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تحث صاحبها على القول الحسن والكلام اللين{وقُولوا للنّاس حُسْناً وأقيموا الصَّلاةَ وآتوا الزّكاةَ } .
ـــ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تحث صاحبها على فعل الخيرات ، وتدعوه إلى الإصلاح والاستقامة {وأوحَيْنا إليِهم فِعلَ الخيْراتِ وإقامَ الصّلاةِ وإيتاءَ الزَّكاة وكانوا لنا عابِدين}.
ولهذا فهي أكثر الفرائض ذكراً في القرآن، وإذا ذكرت مع سائر الفرائض قدمت عليها لا يقبل الله من تاركها صوماً ولا حجاً، ولا صدقةً، ولا جهاداً، ولا أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر، ولا أي عملٍ من الأعمال حتى يؤديها.
وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتمها وإلا قيل: انظروا: هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوّع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك".
لذا ، أمر الله تعالى بالمحافظة عليها، فقال { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } .وكما مدح الذين هم على صلواتهم يحافظون، وذم الذين هم عن صلاتهم ساهون فقال {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}وقال { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون} .
لم يُرخص في تـركها لا في مرضٍ ولا في خوف، بل إنها لا تسقط حتى في أصعب الظروف وأشد المواقف ، وفي حالات الفزع والقتال والمسايفة والمنازلة { حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } يقيمونها رجالاً أو ركباناً، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها يومئون إيماءاً قدر الوسع الطاقة.
وبلغ من عناية الإسلام بها أن رخّص فيها ما لم يرخص في غيرها، حتى لا يبقى عذر لمعتذر، يعتذر به عن عدم إقامتها. فرخّص لمن فقد الماء أو عجز عن استعماله أن يتيمم، كما رخص لمن فقد الماء والتراب أن يصلي على حسب حاله من غير وضوء ولا تيمم، قال تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا }.
أما المريض فليصلِّ قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنبه، جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه كانت به بواسير، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي؟ فقال:" صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب". وإذا عجز عن شروطها من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة صلى بلا طهارة وبلا ستر عورة وإلى غير قبلة . فالصلاة لا تسقط بحالٍ ما دام العقل موجوداً.
هذه الرخص يجب على المسلمين أن يتعلموها ويعلموها، فإن كثيراً من المرضى، إذا ناموا في فراش المرض تركوا الصلاة، معتذرين بأنهم لا يقدرون على الطهارة، لا يقدرون على استقبال القبلة، ونحو ذلك من الأعذار. فعليهم أن يتعّلموا هذه الرخص وليعلموا أنه {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" .
مرض ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير، فسمع أذان المغرب، فقال لأبنائه: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت مريض، وقد عذرك الله، قال: لا إله إلا الله!! أسمع حي على الصلاة.. حي على الفلاح ثم لا أجيب!! والله لتحملوني إلى المسجد، فحملوه إلى المسجد، ولما كان في السجدة الأخيرة من صلاة المغرب، قبض الله روحه . قال: بعض أهل العلم: كان هذا الرجل إذا صلى الفجر، قال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قيل له: وما الميتة الحسنة قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد.
وكان سعيد بن المسيب إمام التابعين، يأتي في ظلام الليل، إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له إخوانه: خذ سراجاً لينير لك الطريق في ظلام الليل، فقال: يكفيني نور الله . كان لسعيد بن المسيب عين واحدة فقط ، بعد انطفأت الأولى من كثرة بكائه في السحر، خشية لله، وكان يذهب بهذه العين الواحدة في ظلام الليل إلى المسجد، وقال في سكرات الموت وهو يتبسم: والله ما أذَّن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد .
ولما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة الفجر، فاتته ركعة واحدة، وغلبه الدم ، فحمل على أكتاف الرجال، ووصل إلى بيته فلما أفاق قال: هل صليتُ ؟ قالوا: بقيت عليك ركعة، فقام يصلي، فأغمى عليه، ثم عقد الصلاة، فأغمي عليه، ثم قام يصلي، فأغمي عليه، ثم أتم الركعة وقال: الحمد لله الذي أعانني على الصلاة.
هذا حال أهل الفلاح حين يناديهم منادي الصلاة والفلاح.
فأين مضيع الصلاة من هؤلاء ، وأين منهم من يصلي وهو ساهٍ لا يدري أخمساً صلى أم أربعاً؟ تسلَّط عليه الشيطان، وعشعشت في رأسه الصوارف ينتقل من وادٍ إلى وادٍ، ومن همٍّ إلى همٍّ، يقوم إلى صلاته ــ إن قام ــ وقلبه بغير الله متعلق، وفكره بسواه مشغول ، يحرك لسانه ما لا يعي قلبه.
إن التكاسل والتهاون في الصلاة من صفاتِ المنافقين { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }.قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال، معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم ". رواه البخاري ومسلم .وعند أحمد: "لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لأقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني، يحرقون ما في البيوت بالنار " .
وإن تأخيرها عن وقتها دليل على استحكام الغفلة في القلب، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ} . فسر بعض السلف ذكر الله هنا بالصلاة. ومن العلماء من يقول: من أخرها عن وقتها بلا عذر شرعي فإن الله لا يقبلها منه، وقد عرَّض نفسه لسخط الله وعذابه..
نسأل الله السّلامة والتوفيق[size=16] [/size]
ابو اسامة- عدد الرسائل : 527
العمر : 74
الموقع : الرّديف
العمل/الترفيه : متقاعد cpg
المزاج : عادي
تاريخ التسجيل : 21/02/2009
مواضيع مماثلة
» الالفاظ المعجمه فى أوراد المحققين...بين المثبت والمنكر
» الصّلاة على النّبيّ
» الصّلاة على النّبيّ (قصيدة )
» فوائد الصّلاة الكاملة
» من الذى أعلم النبى بأقوى بركان فى تاريخ البشرية..؟؟
» الصّلاة على النّبيّ
» الصّلاة على النّبيّ (قصيدة )
» فوائد الصّلاة الكاملة
» من الذى أعلم النبى بأقوى بركان فى تاريخ البشرية..؟؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الأحد 22 سبتمبر 2024 - 1:08 من طرف الطالب
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس
» هل تطرأ الخواطر على العارف ؟
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:59 من طرف أبو أويس
» رسالة من شيخنا الى أحد مريديه رضي الله عنهما
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:49 من طرف أبو أويس
» مقام الجمع
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:40 من طرف أبو أويس
» تقييمات وإحصائيات في المنتدى
الثلاثاء 30 يوليو 2024 - 6:36 من طرف أبو أويس
» جنبوا هذا المنتدى المساهمات الدعائية
الإثنين 29 يوليو 2024 - 23:50 من طرف علي
» *** الأحديث القدسيّة ***
الإثنين 24 يونيو 2024 - 22:26 من طرف ابو اسامة
» ((معلومة قيِّمة وهامَّة))
الأربعاء 12 يونيو 2024 - 23:57 من طرف ابو اسامة
» من عجائب المخلوقات (( النحل ))
الجمعة 24 مايو 2024 - 23:02 من طرف ابو اسامة