الالفاظ المعجمه فى أوراد المحققين...بين المثبت والمنكر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الذي خلق الظلمات و النور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون؛ و اني لهم التناوش و هم جميعا إليه راجعون؛ سبحانه جلت قدرته يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و كل إليه يحشرون؛ تعالى جده يسجد له ما في السماوات و الأرض من دابة و كثير من الناس حق عليه القول و كثير منهم عابدون؛ لا اله غيره هو الذي مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا و الشمس و القمر و النجوم يسبحون بحمده و الملائكة المقربون. ثم الصلاة و السلام علي خير خلق الله محمد نبي الهدي اشرف المرسلين؛ و علي اله و صحبه الكرام الطيبين؛ و علي كل التابعين و تابعي التابعين لهم بإحسان الي يوم الدين.

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

اخوتى فى الله احباب هذا المنتدى الكريم اتباع النيى العظيم ........ وبعد

ربما يسأل سائل فى نفسه او يعلن ذلك الى غيره عن حكم الألفاظ المبهمه الوارده فى اوراد واحزاب بعض كبار مشايخ الصوفيه ومدى حلها وجدوى ذكرها.... وقد يضيق صدره فيذهب الى ان ينكرها؛ او تسول له نفسه فيعمد الى ان ينفر القراء منها؛ وحديثى خاصه الى اؤلئك الذين لا يرتدون عباءه الصوفيه؛ ؛ الذين يتوقفون عند قشور الشريعه المحمديه؛ ولا يغصون يحثا عن العلوم اللدنيه؛ فأردت ان اطرح بساط النقاش وأمد دائره الحوار بيننا؛ وهذا هو سبب مقالتى اليكم اليوم ها هنا.

احبابى فى الله تعالى

ان وجود بعض الألفاظ المبهمه فى الأذكار والاحزاب والأوراد المنسوبه عن بعض أكابر الصوفيه أمثال سيدى عبد القادر الجيلانى وسيدى ابراهيم الدسوقى والساده الرفاعى وسعد الدين الشيبانى وغيرهم؛ فقد ثبت ذلك القول منهم؛ بل وتواتر النقل عنهم؛ والواضح فى الامر انه لم يعارض ذلك احد ممن فى زمنهم؛ ولم يبلغ علمى ان احد من الفقهاء فى ذلك الوقت قد عارض هذا منهم؛ حتى لقد استتب ذلك الامر لهم؛ واصبح من العلامات المميزه فى اورادهم.

ان العيب – سادتى - ليس فى غريب اللفظ ولا مبهم القول؛ ولكن ما يجب ان نتحقق منه هو مصدر ذلك النقل. فان صح عن هؤلاء الكرام هذا الغامض من الكلام؛ فيجب تقديم الالتزام والتظر الى ذلك بكل الاهتمام.

وقد ورد فى كتاب الله بعض من الكلمات المقطعه امثال ( الم؛ كهيعص؛ حمعسق وغيرها) وكتبت هكذا وان كان قد اخلتف نطقها وقد ورد عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم أنه وقع في القرآن ما ليس من لسان العرب فمن ذلك (الطور) جبل بالسريانية و(طفقا) أي قصدا بالرومية و(القسط) و(القسطاس) العدل بالرومية (إنا هدنا إليك) تبنا بالعبرانية و(السجل) الكتاب بالفارسية و(الرقيم) اللوح بالرومية و(المهل) عكر الزيت بلسان أهل المغرب و(السندس) الرقيق من الستر بالهندية و(الإستبرق) الغليظ بالفارسية بحذف القاف (السرى) النهر الصغير باليونانية (طه) أى طأ يا رجل بالعبرانية (يصهر) أي ينضج بلسان أهل المغرب (سينين) الحسن بالنبطية (المشكاة) الكوة بالحبشية وقيل الزجاجة تسرج (الدري) المضيء بالحبشية (الأليم) المؤلم بالعبرانية (ناظرين) إناه أي نضجه بلسان أهل المغرب (الملة الآخرة) أي الأولى بالقبطية والقبط يسمون الآخرة الأولى والأولى الآخرة (وراءهم ملك) أي أمامهم بالقبطية (اليم) البحر بالقبطية (بطائنها) ظواهرها بالقبطية (الأب) الحشيش بلغة أهل المغرب (إن ناشئة الليل)، قال ابن عباس (نشأ) بلغة الحبشة قام من الليل (كفلين من رحمته) قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ضعفين بلغة الحبشة (القسورة) الأسد بلغة الحبشة، واختار الزمخشري أن التوراة والإنجيل أعجميان ورجّح ذلك بقراءة الأنجيل بالفتح؛ وقد استقرت هذه الالفاظ فى وجدان العرب حتى اصبحت جزءا من لغتهم وامرا متعارفا عليه بينهم.

وقد ذكر الاستاذ الدكتورمحمد بلاسي أستاذ علم اللغة وأصولها¬ بجامعه الرباط
انه قد وجدت في القرآن كلمات من اللغة السنسكريتية، الفهلوية، الفارسية، الآرامية، اللاتينية، اليونانية، القبطية، الحبشية، البربرية، وتلك هي اللغات الحيَّة التي كانت موجودة أثناء نزول القرآن الكريم، هذا في الوقت.

ولست أبالغ حين اذكر انه ورد على لسان رسول الله وصحابته بعض الألفاظ الغير عربيه؛ والمجال هنا لا يتسع لذكرها ولكن راجع صحيح البخاري رحمه الله : (باب من تكلم بالفارسية والرطانة)

وما اريد ان أؤكد فيه أنه لا تعارض بين نزول القرآن باللغة العربية وبين ورود هذه الكلمات الأعجمية فيه، من حيث كونه قرانا عربيا. واعلم اخى- علمك الله واياى- أن اللغات العربية والعبرية والسريانية تنتمي إلى سلالة لغوية واحدة هي سلالة اللغات السامية، ولابد من أجل ذلك أن يكون بينها الكثير من التشابه والتماثل.

ومن هنا يبرز السؤال هل ان اللفظ الغريب ان صح وروده فى اوراد الصالحين هل يجب ان ننكره بالكليه...... ام نقبله بلا تمحيص او رويه؟؟؟؟

وللاجابه على هذا السؤال لنسهب قليلا فى المقال.

ان العلوم اللدنيه وهى التى يتلقاها العبد من لدن الله تعالى ويخص بها سبحانه نفر من خلقه دون غيرهم لهى من الأمور التى استقرت فى محكم الشرع وشهدت بها شواهد الكتاب والسنه وأيدها أفعال الصحابه والتابعين لهم بإحسان وثله من صفوه الآخرين. ولكى ترتاح العقول وتشفى النفوس نسوق اليكم باذن الله الدليل على ذلك من واقع قول الله تعالى ومن سنه النبى صلى الله عليه واله وسلم:

اولا: يقول تعالى حاكيا عن العبد الصالح (الخضر) عليه السلام (وجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما الكهف :65 ) والغريب فى الامر ان هذا العلم اللدنى هو هو الذى تكبد موسى عليه السلام الصعاب والمشقات لكى يطلبه وقبل وهو الرسول النبى ومن اولى العزم من الرسل ان يكون تلميذا للعبد الصالح حين قال ( هل اتبعك على ان تعلمنى مما علمت رشدا) وانظر كيف وصفه بالعلم ووصفه بالرشد؛ والأعجب من ذلك ان ما تعلمه موسى وشاهده كان مخالفا – فى ظاهره – لشريعته من حيث قتل الغلام وخرق السفينه واقامه الجدار عند قوم لئام. ومن العحيب ايضا ان نبى الهدى قد وافق ذلك كله كما ورد فى الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال( رحم الله اخي موسى لو صبر مع صاحبه لراْى الفا من العجائب.... تفسير البيضاوى) او كما قال عليه الصلاة والسلام؛ وانظر وا رحمنى الله واياكم - كيف اقر ذلك النبي صلوات الله عليه واعجبه وهو المخالف لظاهر شريعته ؛ وكيف لا يقره وقد انزله ربه قرانا على قلبه ؟؟؟

ثانيا: ورد حديث صحيح عن الامام ابو هريرة رضى الله عنه قال(اوتيت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جرابين من العلم ، فأما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو بثثته لقطع منى هذا البلعوم‏).‏او كما ورد عنه رضى الله عنه؛ فالعلم الاول هو الشريعه اما الاخر فهو علم اختص به صاحبه دون غبره فهو اذن من العلوم اللدنيه التى ألقيت على قلب الرسول فنقلها الى من هم أهلها من الرجال دون غيرهم من عامه المسلمين.

ثالثا: يقول عليه الصلاه والسلام داعيا ربه ومتوسلا اليه (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته احدا من خلقك ، او استاثرت به في علم الغيب عندك .... الخ الحديث". رواه أحمد وهو حديث صحيح. فهذا الحديث يدل على أن لله أسماء اختص بها رجالا بعينهم دون غيره؛ وهى أسماء لا نعلم عنها وعن كنهها او لغتها هل هى عربيه ام غير عربيه... وهذا هو جوهر الحديث بعد قليل.

رابعا: ورد فى المتواتر من الحديث عنه صلى الله عليه واله وسلم انه اخبر ان لله تعالى اسما أعظم وأشار اليه ولم يفصح عنه ( راجع رساله السيوطى: الدر المنظم فى الاسم الأعظم) ولم يبلغه صلى الله عليه وسلم صراحه لاحد من الخلق- وهو المامور بالتبليع- واكتفى بالاشاره الا لمن خصه الله بذلك واكرم؛ وهنا يجب ان نقف مليا كى نتأمل ذلك ونفهم....!!!

ثم انظر اخى رحمك الله الى هذا الاسم العظيم(الله) جل جلاله من اى باب فى اللغه العربيه اشتق ؟ فهل تجد له سميا؟؟؟ منه تشتق الاسماء فتقول الهى والهكم واللهم والهنا... الخ ( عذرا لعدم قدرتى على تشكيل الكلمات) وحتى الشارحين لمعناه حينما يعرفونه يقولون: هو علم على الذات الالهيه..... فيكونون كمن عرف الماء بعد الجهد بالماء عفا الله عنا وعنهم. فهو اسم أعلى من اللغات؛ فلا غرو ان تعرفه جميع المخلوقات.

والان احبابى فى الله بعد ان ثبت بالدليل والبرهان ان هناك علوما يخص الله بها عباده دون غيرهم فلا مندوحه من ان نقر بذلك ونعترف به لهم؛ فلو ان رجلا شهد له المؤمنون بالتقوى والصلاح والولايه مثل سيدى عبد القادر الجيلى او الامام احمد الرفاعى او ابو الحسن الشاذلى او سعد الدين الجيباوى.. وغيرهم اكرمنا الله بعلمهم وامدنا من فيض مددهم؛ ثبت عنهم قولهم بأسماء –على غير لغه العرب- مما خصهم به ربهم من علم لدنى فى وردهم ؛ افلا نسلم بهذا الامر لهم.؟ وبعد ان علمنا قدرهم لهم ولما لا نقر بذلك لهم؟؟

وان كنا لا نصبر على ذلك ما دمنا لا نعلم مثل علمهم؛ كما لم يصبر موسى عليه السلام مع الخضر ولم يوافقه المرام؛ وكان منكرا لفعله على الدوام؛ رغم ان من دله علي صحبته وأمره بذلك هو الملك العلام.

أذن فالمشكله ليست فى غريب اللفظ ومبهمه فقط؛ وانما فى صحه إثباتها الى من وردت عنهم!!! فان ثبت باليقين انها وردت عنهم جاز لنا ان ناخذ ذلك منهم ولكن يجب ان ننظر الى مدى علمنا وعلمهم؛ فمن كان على قدرهم فليحذو حذوهم إما غيرهم ففى نور الشريعه وجاء ومتسع لهم.

وفصل الخطاب فيما اوردته فى مقالى الحالى والقول السديد فى ذلك ما يلى: -ان مثل هذه الألفاظ التى وردت فى أوراد الساده الكرام إنما هى تدور بين الحل والاباحه والاستحباب؛ ولا ترقى الى مستوى الإلزام والصرامة فى الإيجاب؛ فمن اخذ بها لما فيها من مكنون الأسرار والملموس من الأنوار فله ذلك ان شاء؛ ومن تركها وأعرض عنها فله ما يشاء.

ولا يتشدد المحبين منا فيلوم أحدا من المسلمين ان أبعدها من الدائم فى ذكره؛ وحذفها عند قراءه ورده؛ ومن عارضنا فيها – من غير الصوفيه - ممن لم يدرك كنهها؛ سلمنا له القول ما دمنا عجزنا عن ان نبين له سرها؛ وليس ذلك إنقاص من قدرها؛ انما هى كالجواهر تحجب فى حجرها. وحتى لا نفتح الباب امام المدعين والمشعوذين – فى عصرنا - الذين يشطحون ويرددون غامض العبارات والمبهم من الكلمات فان عارضتهم فى ذلك قالوا لك انما نحن نتأسى ونتشبه بالمشايخ الاقدمين وان نحن الا على نهجهم سائرين؛ وكذبوا وايم الحق فما هم من فيضهم يغترفون ولا فى مثل انوارهم يقتبسون)
اسال الله تعالى ان يكون قولى هذا هو القول السديد ..... انه سميع قريب محيب.

المراجع:
1- المعرب من الكلام الأعجمي ........ اد/ خليل عمران المنصور. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان
2) البرهان في علوم القرآن..... الزركشي.المكتبة العصرية، صيدا،بيروت.
3) الجامع لأحكام القرآن .....القرطبى. دار إحياء التراث،بيروت، لبنان. 1985.
4- شبكه النت العالميه
5- الدر المنظم فى الاسم الاعظم.......... السيوطى
الالفاظ المعجمه فى أوراد المحققين--- بين مزاعم المبتدعه وانكار المعارض

لكنني ذكرت المرجع