بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
من وحي قوله تعالى {عَبَسَ وَتَوَلَّى} متجدد ..
صفحة 1 من اصل 1
من وحي قوله تعالى {عَبَسَ وَتَوَلَّى} متجدد ..
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين
قال أهل التفسير :
- بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وكان يتصدّى لهم كثيرا ويَعرض عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أمّ مكتوم يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرئ النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن وقال : يا رسول الله علمني مما علَّمك الله فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتوّلى وكره كلامه وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله بعض بصره ثم خَفَق برأسه ثم أنـزل الله تعالى - :
( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى )
قلت :
في هذه الآيات كنوز ودرر من المعاني واللطائف كتبت بعضها منذ أشهر في نحو 4 صفحات لكن قدر الله وما شاء فعل تلف ما كتبته بسبب اهمال مني
ذكر هنا فعل " عبس "
العبوس حال يعتري وجه الإنسان ويظهر عليه عند الضجر أو عدم الرضا وغير ذلك خاص به من دون سائر الأعضاء فذلك محله قال أهل التفسير في شرح معنى ( عَبَسَ ) أي قبض وجهه تكرّها
ورد في الآية ذكر فعل عبس الذي حمل إسم السورة مع فعل تولّى -متى علمت أن أسماء سور القرآن منها ما كان من جنس الأفعال ومنها ما هو أسماء ومنها ما هو من قبيل الصفات وتفصيل معاني هذا يطول وليس هو غرضنا هنا- بصيغة الماضي الغائب تقديره " هو " وكذلك جاء بعده ذكر فعل " تولّى " بصيغة الماضي رغم أن خطاب العتاب متوجه إلى المخاطب الحاضر جناب النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم فدلّ هذا على أن ما قابل به النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي ابن أم مكتوم كان صائبا من حيث شرعيته لكنه كان خلاف الأولى من وجه مراتب حقيقته حيث كان يتصدى لزعماء المشركين لمناجاتهم بالإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم
فكأنه عوتب على تقديمه في الدعوة إلى الله تعالى أهل الغفلة الشديدة التي هي الكفر والشرك على أهل الصدق والإيمان مهما كان حالهم من الضعف والغفلة فالذي استدعى نزول هذه الآية ليس ضرورة أن يكون فعل النبيّ عليه الصلاة والسلام وإنما الذي استدعى نزول الآية بصفة أولى هو حال صدق الصحابي عبد الله بن أمّ مكتوم وعلى هذا قس بعض نزول الآيات فيما يشعر ظاهرها بأنها عتاب للجناب النبوي المحمدي وإنما هي في حقيقتها دفاع عن حال من نزلت في حقهم لجبر قلوبهم حتى لا تفسد بذرة الإرادة فيها وإن كان من غير قصد ولا تعمد من باب { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } كما دافع رسول الله صلى الله عليه وسم عن ساداتنا سلمان صهيب وبلال وعاتب أبا بكر الصديق رضي الله عنه في حقهم رضي الله عنهم في هذه الحادثة التي رواها المحدثون :
عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها قال فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم أبو بكر فقال يا إخوتاه أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أخي .
من هذا الباب أيضا نزول قوله تعالى { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }
وقوله تعالى { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }
لأن الحضرة الإلهية تغار لأهلها ومن جنس هذا الباب ورود الوعيد والزجر فيمن يؤذي أولياء الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي (مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب )
فالخطاب الرباني للنبي عليه الصلاة والسلام لا ينزل لتقويم فعل النبيّ الأكرم فحسب لأنه الطاهر المطهر صلى الله عليه وسلم الزكي المزكّي لغيره فلا ينوي بقلبه الطاهر إلا خيرا ولا يقصد بفعله الشريف إلا منفعة لذلك كان السوء لا يخطر عل قلبه صلى الله عليه وآله وسلم
وإنما لحضرة الله تعالى حقوق وأصول لا يقبل من أحد مهما كان ناسيا ومعذورا أو مجتهدا مريدا حصول الخير مجاوزتها بحال ولو كان نبيّا مرسلا أو وليا مرشدا أو عارفا كاملا لأن أولى حقّ وأجدره بالتوفية هو حقوق الحضرة الإلهية فلا يتقدم حقّ من الحقوق الأخرى مهما علت أو نزلت على الحقّ الإلهي في الأكوان ..
هذه قاعدة كلية محورها الدفاع عن المكانة
حقوق الحضرة الإلهية مقدم على حقوق الحضرة المحمدية وحقوق الحضرة المحمدية المتعلقة بالجناب المحمدي مقدم على حقوق غيره من سائر الأنبياء والمرسلين عليهم جميعا السلام وحقوق كافة الأنبياء والرسل مقدم على حقوق الأولياء العارفين والمرشدين الوارثين وهكذا ..
فترتيب الحقوق من أسنى المعارف وأرقى الآداب والمطالب حيث كان حقّ ابن أم مكتوم في التزكية أو الموعظة مقدما على حق المشركين في سماع نداء الإيمان والحرص على دعوتهم إلى التوحيد
هذا المنحى في الحقيقة لا يكون على اطلاقه وإنما قد يكون في وقت دون وقت بحسب ما تستلزمه الحقوق الإلهية والمرادات الربانية من جهة ومن أخرى ما تستوجبه أحوال العباد ربما يفهمه العارف في وقته وقد لا يفهمه فيجنح للتأويل كما جنح سيدنا نوح إلى فهم ظاهر الوعد بنجاة أهله وبه تمسك وبذلك احتج لذا عاتبته الحضرة الإلهية وأمرته بتوفية حقوقها قبل أي حقوق أخرى والمتمثلة في حقّ الإيمان بها والإخلاص في توحيدها خصوصا بعد دعوة سيدنا نوح على كل كافر بالغرق والهلاك { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا }
إذ لا يعقل أن يدعو على كلّ كافر بالهلاك والفناء وفي نفس الوقت يطلب نجاة ابنه الكافر دون طلب نجاة إمرأته التي هي من أهله أيضا لذلك عوتب بالخطاب الشديد { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }
الجهل بالله تعالى وأسمائه وصفاته لا يليق بساداتنا الأنبياء ولا يجوز في حقهم فكلّ من يصفهم به بحال من الأحوال فقد قال بهتانا وزورا عظيما ...
رغم أن الجهل في عمومه أدنى مرتبة من مجرد الغفلة لكون الجهل مرتبة عقلية بينما الغفلة مرتبة قلبية لأن الجهل نقيضه العلم بينما الغفلة نقيضتها اليقظة والحضور فلم يصف القرآن سيدنا نوح عليه السلام لا بالغفلة ولا بالجهل لكونهما صفتان لا تليقان بالأنبياء والرسل ولا تجوز لهما بحال ..
قد يسأل سائل هنا : ما بال الخطاب الإلهي صدر لنوح بصيغة المخطاب الحاضر المباشر دون تورية { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ .. }
الجواب :
العتاب إذا صدر بخطاب مباشر فسببه غالبا ما يكون صدور مداراة للشرك والكفر ومحاباة لهما من غير إذن رباني صريح كما قيل لسيد الوجود صلى الله عليه وسلم في الخطاب الإلهي المباشر في حق المنافقين :
{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
وقال تعالى :
{ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ }
بخلاف عتابه تعالى في حق سيدنا يونس عليه السلام الذي قدم حق نفسه في أمنها من العقاب على حق الله تعالى في الصبر على قومه والمكوث بينهم لدعوتهم وارشادهم جاء في صورة اخبار بقصته المقول في حقه
{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }
من هنا تدرك معاني أزمنة الأفعال وصيغها والمخاطبين بها في القرآن فهي بحر واسع من العلم
ما من عتاب صدر لنبي أو حصل لولي إلا كان متعلقه التنبيه على توفية حقوق الحضرة الإلهية وتقديمها على كلّ حقّ آخر من الحقوق من حيث كون حقوقها مقدمة على جميع الحقوق بل أين المقارنة بين حقّ الخالق وحقّ المخلوق إذ لا تصح من أصلها
لأن الحضرة الإلهية هي الحقيقة المطلقة التي لا بداية ولا نهاية لها فحقوقها أوجب الحقوق وأوكدها على جميع الخلق كافة وما الحقوق الأخرى قاطبة كحقوق الآداب مع الرسل والأنبياء والملائكة كذلك أهل الله من الأولياء جميعهم وباقي الخلق إلا من مراتب حقوقها لكنها في درجات أنزل وأدنى بحسب مستوى كلّ حقيقة تطلب حقها ومن هنا يفهم الفقيه معنى " خلاف الأولى " الذي عدوه حكما شرعيا سادسا وحق لهم ذلك ..
إلا أن تلك الحقوق لها مراتب منها :
- مراتب حقوق تتعلق بالوظيف كوظيف الدعوة والإرشاد
- مراتب حقوق تتعلق بالتوحيد والإيمان لذلك نطق الذي كان يكتم إيمانه من آل فرعون توفية لحقوق الحضرة الإلهية بحسب ما يتطلبه الوقت لكون هؤلاء العارفين من أصحاب فقه القلوب الذي لا يعلم الخلق عنه شيئا إلا من نوّر الله تعالى له بصيرته بحسب وسع قابليته
- مراتب حقوق تتعلق بالمعرفة والإحسان كما الحال في قصة الخضر مع موسى عليهما السلام إذ لم يرد عتاب لا لهذا ولا ذاك ..
هذا مدخل وجيز يأتي بعده الإسترواح في تلك الآيات إن شاء الله تعالى
...
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين
قال أهل التفسير :
- بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وكان يتصدّى لهم كثيرا ويَعرض عليهم أن يؤمنوا فأقبل إليه رجل أعمى يقال له عبد الله بن أمّ مكتوم يمشي وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرئ النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن وقال : يا رسول الله علمني مما علَّمك الله فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبس في وجهه وتوّلى وكره كلامه وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله بعض بصره ثم خَفَق برأسه ثم أنـزل الله تعالى - :
( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى )
قلت :
في هذه الآيات كنوز ودرر من المعاني واللطائف كتبت بعضها منذ أشهر في نحو 4 صفحات لكن قدر الله وما شاء فعل تلف ما كتبته بسبب اهمال مني
ذكر هنا فعل " عبس "
العبوس حال يعتري وجه الإنسان ويظهر عليه عند الضجر أو عدم الرضا وغير ذلك خاص به من دون سائر الأعضاء فذلك محله قال أهل التفسير في شرح معنى ( عَبَسَ ) أي قبض وجهه تكرّها
ورد في الآية ذكر فعل عبس الذي حمل إسم السورة مع فعل تولّى -متى علمت أن أسماء سور القرآن منها ما كان من جنس الأفعال ومنها ما هو أسماء ومنها ما هو من قبيل الصفات وتفصيل معاني هذا يطول وليس هو غرضنا هنا- بصيغة الماضي الغائب تقديره " هو " وكذلك جاء بعده ذكر فعل " تولّى " بصيغة الماضي رغم أن خطاب العتاب متوجه إلى المخاطب الحاضر جناب النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم فدلّ هذا على أن ما قابل به النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي ابن أم مكتوم كان صائبا من حيث شرعيته لكنه كان خلاف الأولى من وجه مراتب حقيقته حيث كان يتصدى لزعماء المشركين لمناجاتهم بالإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم
فكأنه عوتب على تقديمه في الدعوة إلى الله تعالى أهل الغفلة الشديدة التي هي الكفر والشرك على أهل الصدق والإيمان مهما كان حالهم من الضعف والغفلة فالذي استدعى نزول هذه الآية ليس ضرورة أن يكون فعل النبيّ عليه الصلاة والسلام وإنما الذي استدعى نزول الآية بصفة أولى هو حال صدق الصحابي عبد الله بن أمّ مكتوم وعلى هذا قس بعض نزول الآيات فيما يشعر ظاهرها بأنها عتاب للجناب النبوي المحمدي وإنما هي في حقيقتها دفاع عن حال من نزلت في حقهم لجبر قلوبهم حتى لا تفسد بذرة الإرادة فيها وإن كان من غير قصد ولا تعمد من باب { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا } كما دافع رسول الله صلى الله عليه وسم عن ساداتنا سلمان صهيب وبلال وعاتب أبا بكر الصديق رضي الله عنه في حقهم رضي الله عنهم في هذه الحادثة التي رواها المحدثون :
عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها قال فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم أبو بكر فقال يا إخوتاه أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أخي .
من هذا الباب أيضا نزول قوله تعالى { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }
وقوله تعالى { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }
لأن الحضرة الإلهية تغار لأهلها ومن جنس هذا الباب ورود الوعيد والزجر فيمن يؤذي أولياء الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي (مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب )
فالخطاب الرباني للنبي عليه الصلاة والسلام لا ينزل لتقويم فعل النبيّ الأكرم فحسب لأنه الطاهر المطهر صلى الله عليه وسلم الزكي المزكّي لغيره فلا ينوي بقلبه الطاهر إلا خيرا ولا يقصد بفعله الشريف إلا منفعة لذلك كان السوء لا يخطر عل قلبه صلى الله عليه وآله وسلم
وإنما لحضرة الله تعالى حقوق وأصول لا يقبل من أحد مهما كان ناسيا ومعذورا أو مجتهدا مريدا حصول الخير مجاوزتها بحال ولو كان نبيّا مرسلا أو وليا مرشدا أو عارفا كاملا لأن أولى حقّ وأجدره بالتوفية هو حقوق الحضرة الإلهية فلا يتقدم حقّ من الحقوق الأخرى مهما علت أو نزلت على الحقّ الإلهي في الأكوان ..
هذه قاعدة كلية محورها الدفاع عن المكانة
حقوق الحضرة الإلهية مقدم على حقوق الحضرة المحمدية وحقوق الحضرة المحمدية المتعلقة بالجناب المحمدي مقدم على حقوق غيره من سائر الأنبياء والمرسلين عليهم جميعا السلام وحقوق كافة الأنبياء والرسل مقدم على حقوق الأولياء العارفين والمرشدين الوارثين وهكذا ..
فترتيب الحقوق من أسنى المعارف وأرقى الآداب والمطالب حيث كان حقّ ابن أم مكتوم في التزكية أو الموعظة مقدما على حق المشركين في سماع نداء الإيمان والحرص على دعوتهم إلى التوحيد
هذا المنحى في الحقيقة لا يكون على اطلاقه وإنما قد يكون في وقت دون وقت بحسب ما تستلزمه الحقوق الإلهية والمرادات الربانية من جهة ومن أخرى ما تستوجبه أحوال العباد ربما يفهمه العارف في وقته وقد لا يفهمه فيجنح للتأويل كما جنح سيدنا نوح إلى فهم ظاهر الوعد بنجاة أهله وبه تمسك وبذلك احتج لذا عاتبته الحضرة الإلهية وأمرته بتوفية حقوقها قبل أي حقوق أخرى والمتمثلة في حقّ الإيمان بها والإخلاص في توحيدها خصوصا بعد دعوة سيدنا نوح على كل كافر بالغرق والهلاك { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا }
إذ لا يعقل أن يدعو على كلّ كافر بالهلاك والفناء وفي نفس الوقت يطلب نجاة ابنه الكافر دون طلب نجاة إمرأته التي هي من أهله أيضا لذلك عوتب بالخطاب الشديد { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }
الجهل بالله تعالى وأسمائه وصفاته لا يليق بساداتنا الأنبياء ولا يجوز في حقهم فكلّ من يصفهم به بحال من الأحوال فقد قال بهتانا وزورا عظيما ...
رغم أن الجهل في عمومه أدنى مرتبة من مجرد الغفلة لكون الجهل مرتبة عقلية بينما الغفلة مرتبة قلبية لأن الجهل نقيضه العلم بينما الغفلة نقيضتها اليقظة والحضور فلم يصف القرآن سيدنا نوح عليه السلام لا بالغفلة ولا بالجهل لكونهما صفتان لا تليقان بالأنبياء والرسل ولا تجوز لهما بحال ..
قد يسأل سائل هنا : ما بال الخطاب الإلهي صدر لنوح بصيغة المخطاب الحاضر المباشر دون تورية { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ .. }
الجواب :
العتاب إذا صدر بخطاب مباشر فسببه غالبا ما يكون صدور مداراة للشرك والكفر ومحاباة لهما من غير إذن رباني صريح كما قيل لسيد الوجود صلى الله عليه وسلم في الخطاب الإلهي المباشر في حق المنافقين :
{ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
وقال تعالى :
{ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ }
بخلاف عتابه تعالى في حق سيدنا يونس عليه السلام الذي قدم حق نفسه في أمنها من العقاب على حق الله تعالى في الصبر على قومه والمكوث بينهم لدعوتهم وارشادهم جاء في صورة اخبار بقصته المقول في حقه
{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }
من هنا تدرك معاني أزمنة الأفعال وصيغها والمخاطبين بها في القرآن فهي بحر واسع من العلم
ما من عتاب صدر لنبي أو حصل لولي إلا كان متعلقه التنبيه على توفية حقوق الحضرة الإلهية وتقديمها على كلّ حقّ آخر من الحقوق من حيث كون حقوقها مقدمة على جميع الحقوق بل أين المقارنة بين حقّ الخالق وحقّ المخلوق إذ لا تصح من أصلها
لأن الحضرة الإلهية هي الحقيقة المطلقة التي لا بداية ولا نهاية لها فحقوقها أوجب الحقوق وأوكدها على جميع الخلق كافة وما الحقوق الأخرى قاطبة كحقوق الآداب مع الرسل والأنبياء والملائكة كذلك أهل الله من الأولياء جميعهم وباقي الخلق إلا من مراتب حقوقها لكنها في درجات أنزل وأدنى بحسب مستوى كلّ حقيقة تطلب حقها ومن هنا يفهم الفقيه معنى " خلاف الأولى " الذي عدوه حكما شرعيا سادسا وحق لهم ذلك ..
إلا أن تلك الحقوق لها مراتب منها :
- مراتب حقوق تتعلق بالوظيف كوظيف الدعوة والإرشاد
- مراتب حقوق تتعلق بالتوحيد والإيمان لذلك نطق الذي كان يكتم إيمانه من آل فرعون توفية لحقوق الحضرة الإلهية بحسب ما يتطلبه الوقت لكون هؤلاء العارفين من أصحاب فقه القلوب الذي لا يعلم الخلق عنه شيئا إلا من نوّر الله تعالى له بصيرته بحسب وسع قابليته
- مراتب حقوق تتعلق بالمعرفة والإحسان كما الحال في قصة الخضر مع موسى عليهما السلام إذ لم يرد عتاب لا لهذا ولا ذاك ..
هذا مدخل وجيز يأتي بعده الإسترواح في تلك الآيات إن شاء الله تعالى
...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
مواضيع مماثلة
» إشارة في قوله تعالى:ومن يتق الله يجعل له مخرجا
» الوجهة إلى الله تعالى
» قوله تعالى (وَمَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )
» من وحي قوله ( لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ )
» ذكر الله تعالى
» الوجهة إلى الله تعالى
» قوله تعالى (وَمَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )
» من وحي قوله ( لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ )
» ذكر الله تعالى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 14:18 من طرف ابن الطريقة
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
السبت 23 نوفمبر 2024 - 13:27 من طرف الطالب
» شيخ التربية
السبت 23 نوفمبر 2024 - 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس