بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
تزكية النفس
صفحة 1 من اصل 1
تزكية النفس
يكثر تساؤل الناس وخصوصا الشباب المقبل على التدين عن معنى التصوف، وها نحن اليوم ننقل المعنى الحقيقي للتصوف الحي عن ولي من الأولياء وإمام من أئمة الدعوة الحية ، العلامة السيد جمال الدين العيدروس - رحمه الله - معنى متمما عن تزكية النفس في الكتاب والسُنّة - حسب القواعد السنية - .
قال رحمه الله تعالى :
الفطنُ ذو التمييز الذي يُحكم أعماله إحكاما لتستقيم أموره ، وتنصلح شؤونه ، فأول ما ينبغي للعبد أن يُعنى به في سلوكه تزكية نفسه وتهذيبها ، وتهذيب أخلاقه ، لكون هذا عند السالك مقدما على الإكثار من نوافل العبادات من صلاة وصيام ونحوهما ، إذ لا ينبغي للعبد أن يتوجه إلى الله تعالى بقلب دنس ، ونفس غير زكية ، فإنه يُتعب نفسه في أمور ربما كان عاقبتها أن يرجع القهقري ، لأن الإنسان إذا لم يكن على بصيرة في أموره .. أوشك أن يتحير ، فربما أدت به الحال إلى الإنحطاط والإنعكاس .
فينبغي للإنسان أن يراعي سره ، ولا يزال محافظا على وقته ، فلا يترك قلبه شاردا خاليا عن فكره يستخرج به المعارف والعلوم ، وكذا لا يُخلي فعلا من أفعاله عن نية صادقة ، فإن النية روح العمل ، والقلب إذا خلا عن الفكر المستنبطة والنيات الصالحة ... يصير شبهُهُ شبهَ الدابة الشادرة ، فيصير دأب الإنسان إذ ذاك إضاعة زمانه في البطالة ، ويستروح إلى مكاثرة ذوي الجهالة ، فيتولد عند الإنسان من ذلك أحوال سيئة ، وأخلاق ذميمة . فلينتبه العاقل لذلك ، وليُعن بمراعاة قلبه .
واعلم : أن أعلى أحوال القلوب هو دوام اتصالها بالرب تعالى ، فهذا هو أساس الأعمال ، ومنبع صالح الأحوال .
فعمارة الباطن هو تعلق السر بالله تعالى ، وخرابه دوام غفلته عن الله تعالى ، فإذا غلب على القلب اتصاله بالرب تعالى .. تيسرت على صالح حبه أنواع القربات وفنون الطاعات .
واعلم : أن القلب شبهه شبه المرآة ينتقش فيه كل ما يقابله ، فينبغي للإنسان أن يحفظ قلبه كحفظ سواد عينه ، فليجانب العبد المتخصص مقاربة اللئام والسفهاء وأصحاب الشرور ، فإن أحوالهم تؤثر في القلب ، وتُطفيءُ نور بصيرته .
وينبغي لطالب الحق أن يقصد الأشياء التي تُصلح قلبه ، فإن لصلاح القلب أسبابا ، وذلك بإدامة الفكر المستخرج للحكم والأسرار ، وبالإكثار من الذكر يتوطن عليه القلب واللسان ، وكذا الهيئات الظاهرة من الزيّ والملبس والمطعم والكلام وسائر الأحوال الظاهرة تؤثر في القلب تأثيرا بينا ، فلا ينبغي لطالب الحق أن يُهمل شيئا من أحوال قلبه ، فأنت أيها الأخ إذا أحكمت أمور سلوكك .. بنيت على أساس ، وثبت قواعد أعمالك ، فسرت على هداية ، فلا تزال في سلوكك متزايد الحال ، كلما أتى عليك يوم ... رأيت فيه الزيادة والانتعاش .
وهؤلاء الذين يتخبطون في سلوكهم ، ما سببه إلا إهمالهم قواعد السلوك ، وإغفال الترتيب في المعاملات .
فمن أراد الإقبال على الله تعالى ، فليرتب أعماله ترتيبا ، فليبدأ أولا بالزهد في هذه الدنيا الدنيئة ، ومعنى الزهد : هو التقلل من الأشياء ، وتعلق الزهد بالباطن أكثر من تعلقه بالظاهر ، إذ هو قلة الرغبة في الأشياء ، وترك فضولها .
والأصل المعتبر لمن أراد التبتل وحسن المعاملة أن يقلل من المطعم ، ويهجر الشهوات ، ويلازم الخلوة ، ويراعي أحوال قلبه ، فينقيه من الوساوس والأخلاق الرديئة ، ثم ليعلق قبله بربه تعالى ، ويجتهد أن يكون حاضر القلب ، لا يغفل عنه طرفة عين ، فهذا أصل السلوك فاعرفه .
ثم ليحذر العبد كل الحذر أن يطمح نظره ، أن ينازع شيئا من صفات الربوبية كبرا وتجبرا واستطالة على الناس ، فما على الخلق أضر من إهمالهم تمييز حال العبودية عن التساهل في الدخول في شيء من صفات الربوبية ، فلا ينبغي للعبد أن يهون في هذا الأمر ، فإنه أصل عظيم ، وهو طريق الخُـلَص من أصحاب الحق تعالى ، فذوو التوفيق لصحة تمييزهم وحسن أدبهم مع ربهم يُشفقون أن يقاربوا شيئا مما اختص به الرب تعالى ، لعلمهم أن المولى يحب أن يستبد على خلقه ، وأن يبين أثر ربوبيته عليهم رفعة وعلوا وتعظيما وربوبية ، فإذا رام العبد في سلوكه الرفعة والعلو على الناس ، فأي مزية تبقى للرب على المربوب ؟
ومن ههنا يقع الغلط لكثير من الناس من سالكي زماننا ، حيث أخذوا أمورهم في سلوكهم بالترفع على الناس في العلو على العباد ، والدخول في أمور تشبه أحوال الجبابرة ، ومع ذلك يدّعون الزهد والتشبه بأحوال الصالحين ، فيتخبطون في سلوكهم ، وتفسد أعمالهم من حيث لا يشعرون ، فتلمح أيها الأخ هذا السر فإنه أساس طريق الحق تعالى .
رُوي أن الرب تعالى أنزل في بعض الكتب : تفرد الله بالكمال ، وقضى لغيره بالنقصان ، فالعلو خاص لله الواحد القهار ، ليس لأحد سبيل إلى شيء منه. فأنت أيها الأخ واحد من العباد ... فإن كنت ذا فضلية فأولى فضائلك أن تعرف قدر نفسك ، وتحل محلك الذي أنزلك به مولاك ، فليعتن الإنسان بإصلاح نفسه ، وليطرح ما قاله الناس ، فانظر أيها الأخ إلى أحوال السالكين ذوي المعارف والهمم فاتبعها .
حُكي لنا أن بعض المشايخ المسلكين كان إذا أتاه أبناء الأكابر من الشباب الذين يؤثرون الزهد والإنقطاع ، أول ما يأمرهم به التعرض بالكسب من الحمل مع الناس على رؤوسهم في الأسواق ، مثل قدور الطباخين ، وحزم الحطب ، يأمرهم الشيخ المسلك أن يلازموا ذلك برهة ، ويقول لهم : يا بنيّ إن نفوسكم العزيزة لا تصلح للحق تعالى إلا بعد التطهير بنحو هذه المهن ، فتصلح نفوسكم بهذه ما لا تصلح بنوافل العبادات ، فإن أردتم الطريق فعليكم بهذه الأمور التي تقيمكم مقام صريح العبودية ، لأن نفوسكم عزيزة صعبة قد اعتادت العلو والرفعة ، فلا تؤثر فيها الطاعات حتى تذل وتنكسر .
والتواضع هو الفضيلة المتعارفة بين الناس ، فاحذر أيها الأخ الفطن أن تستولي عليك العزة والعادة الباطلة فتعجزك النفس المتوقفة في الأشياء ، الحرون عن العمل بما قدّمنا في هذا الفصل ، فيفوتك حظك من الفضلية بالحقيقة التي تبقى عليك ، وتوصلك إلى مولاك ، ويصعب في نظرك ترك قدرك من وهم لا حقيقة له ، يشاركك فيه كثير من ذوي النقائص ، فإن ضعفت وعظم في نظرك سقوط منزلتك ، فانظر إلى من هو أعلى قدرا منك من الهداة المهتدين ، وما يؤثر عنهم من التهوين في نفوسهم ، فإن ذلك يشجعك على اقتفاء مسالكهم ، وقد قال بعض العارفين : من رأى لنفسه قدرا ... فلا قدر له .
واعلم أيها الأخ : أنه لا شيء أنفع لك من النظر في هذا الباب من التهوين في القدر والمنزلة ، فإنه يريحك من أشياء متعبة وأهواس مضرة قد قيدك بها العرف الفاسد ، فمن تأمل هذا الفصل ، وأعين على العمل بشيء مما فيه ، فقد أراح واستراح ، وكُفي مؤنا كثيرة لا حاصل لها سوى ضياع العمر في طلب أمور إذا حصلت له ،وجدها لا شيء ، فكان عاقبة أمره ندما وحزنا على فائت العمر ، فمثله كمثل العطشان الذي يتعب نفسه في طلب السراب يظنه ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .
فالعاقل الذي يقدم الفكر في أموره ، فلا يبني إلا على أساس يحمد عاقبة أمره ، وصاحب العزة لا يشعر بنفسه إلا بعد خروج الحبل من يده ، فيندم حين لا ينفع الندم .
فعليك أيها الأخ بالجد والاجتهاد ، لأن الرياضة تنجع في الأشياء إما وصولا أو مقاربة ، فانظر إلى هذا التسليك الذي تقدم ذكره ما أصعبه ، ولكنه نافع ، إذ المشاق تنتج الرغائب ، وإذا أحكمت النظر في هذا الفصل ، وفطنت لأمراض نفسك وعنيت في مدواتها ، فعند ذلك تأمل ما في هذا الكتاب من العلوم النافعة ، فاجتهد في العمل بها واسمع وتعلم ، وكن ذا همة ، فهذه الطريقة شأن الأبطال من سالكي طريق الله تعالى .
فالمكاسب على قدر المخاطرات ، فمن خاطر بنفيس ، ملكَ نفيسا ، ومن هون في معاملاته ، وأهمل حسن الإستعداد فيما يقربه إلى ربه عز وجل ، كان كمن أهدى إلى الملك حشفا ، فإنه يندم إذا قُدمت هديته بين الملك ، ويؤول سعيه إلى الخيبة .
فنتبه لنفسك أيها الأخ ، واسمُ بنفسك إلى معالى الأمور ، وجانب طريق العجزة أصحاب الدعاوي ، ثم تجنب أيها الأخ الأحوال الذميمة التي يحاولها أصحاب العيوب والنقائص والدناءات المبهرجة ، والأمور الفاضحة كالرقص والتصفيق ، ومن الدناءات والأمور المسترذلة التي يضعها أهل البطالة ، مواضع القرب كالرقص والتصفيق والتساكر حالة الطرب ، والصياح بين الناس ، والتبذل بين الجميع ، فهذه أحوال تدنس المروءة ، وتذهب الحياء ، وتزيل الوقار بين الناس .
قال الله تعالى " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا " أي : بالوقار والسكينة ، فأين الوقار والسكينة من هذه الأمور المستحدثة ؟!
وصن مروءتك عما يشينها ، فصون المروءة أصل عظيم في الدين ، فقد قيل للأحنف بن قيس رضي الله عنه : بم نلت المروءة ؟ فقال : لو عاب قومي الماء البارد ما شربته ! فاعلم واعمل ..... تُصب بعون الله تعالى ومشيئته .
والله هادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله وسلم وبارك على الهادي الدليل سيد الخلق محمد النبيل ، وعلى آله أولي المقام الجليل ، وصحبه الذي نزل فيهم القرآن بالتفضيل.
قال رحمه الله تعالى :
الفطنُ ذو التمييز الذي يُحكم أعماله إحكاما لتستقيم أموره ، وتنصلح شؤونه ، فأول ما ينبغي للعبد أن يُعنى به في سلوكه تزكية نفسه وتهذيبها ، وتهذيب أخلاقه ، لكون هذا عند السالك مقدما على الإكثار من نوافل العبادات من صلاة وصيام ونحوهما ، إذ لا ينبغي للعبد أن يتوجه إلى الله تعالى بقلب دنس ، ونفس غير زكية ، فإنه يُتعب نفسه في أمور ربما كان عاقبتها أن يرجع القهقري ، لأن الإنسان إذا لم يكن على بصيرة في أموره .. أوشك أن يتحير ، فربما أدت به الحال إلى الإنحطاط والإنعكاس .
فينبغي للإنسان أن يراعي سره ، ولا يزال محافظا على وقته ، فلا يترك قلبه شاردا خاليا عن فكره يستخرج به المعارف والعلوم ، وكذا لا يُخلي فعلا من أفعاله عن نية صادقة ، فإن النية روح العمل ، والقلب إذا خلا عن الفكر المستنبطة والنيات الصالحة ... يصير شبهُهُ شبهَ الدابة الشادرة ، فيصير دأب الإنسان إذ ذاك إضاعة زمانه في البطالة ، ويستروح إلى مكاثرة ذوي الجهالة ، فيتولد عند الإنسان من ذلك أحوال سيئة ، وأخلاق ذميمة . فلينتبه العاقل لذلك ، وليُعن بمراعاة قلبه .
واعلم : أن أعلى أحوال القلوب هو دوام اتصالها بالرب تعالى ، فهذا هو أساس الأعمال ، ومنبع صالح الأحوال .
فعمارة الباطن هو تعلق السر بالله تعالى ، وخرابه دوام غفلته عن الله تعالى ، فإذا غلب على القلب اتصاله بالرب تعالى .. تيسرت على صالح حبه أنواع القربات وفنون الطاعات .
واعلم : أن القلب شبهه شبه المرآة ينتقش فيه كل ما يقابله ، فينبغي للإنسان أن يحفظ قلبه كحفظ سواد عينه ، فليجانب العبد المتخصص مقاربة اللئام والسفهاء وأصحاب الشرور ، فإن أحوالهم تؤثر في القلب ، وتُطفيءُ نور بصيرته .
وينبغي لطالب الحق أن يقصد الأشياء التي تُصلح قلبه ، فإن لصلاح القلب أسبابا ، وذلك بإدامة الفكر المستخرج للحكم والأسرار ، وبالإكثار من الذكر يتوطن عليه القلب واللسان ، وكذا الهيئات الظاهرة من الزيّ والملبس والمطعم والكلام وسائر الأحوال الظاهرة تؤثر في القلب تأثيرا بينا ، فلا ينبغي لطالب الحق أن يُهمل شيئا من أحوال قلبه ، فأنت أيها الأخ إذا أحكمت أمور سلوكك .. بنيت على أساس ، وثبت قواعد أعمالك ، فسرت على هداية ، فلا تزال في سلوكك متزايد الحال ، كلما أتى عليك يوم ... رأيت فيه الزيادة والانتعاش .
وهؤلاء الذين يتخبطون في سلوكهم ، ما سببه إلا إهمالهم قواعد السلوك ، وإغفال الترتيب في المعاملات .
فمن أراد الإقبال على الله تعالى ، فليرتب أعماله ترتيبا ، فليبدأ أولا بالزهد في هذه الدنيا الدنيئة ، ومعنى الزهد : هو التقلل من الأشياء ، وتعلق الزهد بالباطن أكثر من تعلقه بالظاهر ، إذ هو قلة الرغبة في الأشياء ، وترك فضولها .
والأصل المعتبر لمن أراد التبتل وحسن المعاملة أن يقلل من المطعم ، ويهجر الشهوات ، ويلازم الخلوة ، ويراعي أحوال قلبه ، فينقيه من الوساوس والأخلاق الرديئة ، ثم ليعلق قبله بربه تعالى ، ويجتهد أن يكون حاضر القلب ، لا يغفل عنه طرفة عين ، فهذا أصل السلوك فاعرفه .
ثم ليحذر العبد كل الحذر أن يطمح نظره ، أن ينازع شيئا من صفات الربوبية كبرا وتجبرا واستطالة على الناس ، فما على الخلق أضر من إهمالهم تمييز حال العبودية عن التساهل في الدخول في شيء من صفات الربوبية ، فلا ينبغي للعبد أن يهون في هذا الأمر ، فإنه أصل عظيم ، وهو طريق الخُـلَص من أصحاب الحق تعالى ، فذوو التوفيق لصحة تمييزهم وحسن أدبهم مع ربهم يُشفقون أن يقاربوا شيئا مما اختص به الرب تعالى ، لعلمهم أن المولى يحب أن يستبد على خلقه ، وأن يبين أثر ربوبيته عليهم رفعة وعلوا وتعظيما وربوبية ، فإذا رام العبد في سلوكه الرفعة والعلو على الناس ، فأي مزية تبقى للرب على المربوب ؟
ومن ههنا يقع الغلط لكثير من الناس من سالكي زماننا ، حيث أخذوا أمورهم في سلوكهم بالترفع على الناس في العلو على العباد ، والدخول في أمور تشبه أحوال الجبابرة ، ومع ذلك يدّعون الزهد والتشبه بأحوال الصالحين ، فيتخبطون في سلوكهم ، وتفسد أعمالهم من حيث لا يشعرون ، فتلمح أيها الأخ هذا السر فإنه أساس طريق الحق تعالى .
رُوي أن الرب تعالى أنزل في بعض الكتب : تفرد الله بالكمال ، وقضى لغيره بالنقصان ، فالعلو خاص لله الواحد القهار ، ليس لأحد سبيل إلى شيء منه. فأنت أيها الأخ واحد من العباد ... فإن كنت ذا فضلية فأولى فضائلك أن تعرف قدر نفسك ، وتحل محلك الذي أنزلك به مولاك ، فليعتن الإنسان بإصلاح نفسه ، وليطرح ما قاله الناس ، فانظر أيها الأخ إلى أحوال السالكين ذوي المعارف والهمم فاتبعها .
حُكي لنا أن بعض المشايخ المسلكين كان إذا أتاه أبناء الأكابر من الشباب الذين يؤثرون الزهد والإنقطاع ، أول ما يأمرهم به التعرض بالكسب من الحمل مع الناس على رؤوسهم في الأسواق ، مثل قدور الطباخين ، وحزم الحطب ، يأمرهم الشيخ المسلك أن يلازموا ذلك برهة ، ويقول لهم : يا بنيّ إن نفوسكم العزيزة لا تصلح للحق تعالى إلا بعد التطهير بنحو هذه المهن ، فتصلح نفوسكم بهذه ما لا تصلح بنوافل العبادات ، فإن أردتم الطريق فعليكم بهذه الأمور التي تقيمكم مقام صريح العبودية ، لأن نفوسكم عزيزة صعبة قد اعتادت العلو والرفعة ، فلا تؤثر فيها الطاعات حتى تذل وتنكسر .
والتواضع هو الفضيلة المتعارفة بين الناس ، فاحذر أيها الأخ الفطن أن تستولي عليك العزة والعادة الباطلة فتعجزك النفس المتوقفة في الأشياء ، الحرون عن العمل بما قدّمنا في هذا الفصل ، فيفوتك حظك من الفضلية بالحقيقة التي تبقى عليك ، وتوصلك إلى مولاك ، ويصعب في نظرك ترك قدرك من وهم لا حقيقة له ، يشاركك فيه كثير من ذوي النقائص ، فإن ضعفت وعظم في نظرك سقوط منزلتك ، فانظر إلى من هو أعلى قدرا منك من الهداة المهتدين ، وما يؤثر عنهم من التهوين في نفوسهم ، فإن ذلك يشجعك على اقتفاء مسالكهم ، وقد قال بعض العارفين : من رأى لنفسه قدرا ... فلا قدر له .
واعلم أيها الأخ : أنه لا شيء أنفع لك من النظر في هذا الباب من التهوين في القدر والمنزلة ، فإنه يريحك من أشياء متعبة وأهواس مضرة قد قيدك بها العرف الفاسد ، فمن تأمل هذا الفصل ، وأعين على العمل بشيء مما فيه ، فقد أراح واستراح ، وكُفي مؤنا كثيرة لا حاصل لها سوى ضياع العمر في طلب أمور إذا حصلت له ،وجدها لا شيء ، فكان عاقبة أمره ندما وحزنا على فائت العمر ، فمثله كمثل العطشان الذي يتعب نفسه في طلب السراب يظنه ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .
فالعاقل الذي يقدم الفكر في أموره ، فلا يبني إلا على أساس يحمد عاقبة أمره ، وصاحب العزة لا يشعر بنفسه إلا بعد خروج الحبل من يده ، فيندم حين لا ينفع الندم .
فعليك أيها الأخ بالجد والاجتهاد ، لأن الرياضة تنجع في الأشياء إما وصولا أو مقاربة ، فانظر إلى هذا التسليك الذي تقدم ذكره ما أصعبه ، ولكنه نافع ، إذ المشاق تنتج الرغائب ، وإذا أحكمت النظر في هذا الفصل ، وفطنت لأمراض نفسك وعنيت في مدواتها ، فعند ذلك تأمل ما في هذا الكتاب من العلوم النافعة ، فاجتهد في العمل بها واسمع وتعلم ، وكن ذا همة ، فهذه الطريقة شأن الأبطال من سالكي طريق الله تعالى .
فالمكاسب على قدر المخاطرات ، فمن خاطر بنفيس ، ملكَ نفيسا ، ومن هون في معاملاته ، وأهمل حسن الإستعداد فيما يقربه إلى ربه عز وجل ، كان كمن أهدى إلى الملك حشفا ، فإنه يندم إذا قُدمت هديته بين الملك ، ويؤول سعيه إلى الخيبة .
فنتبه لنفسك أيها الأخ ، واسمُ بنفسك إلى معالى الأمور ، وجانب طريق العجزة أصحاب الدعاوي ، ثم تجنب أيها الأخ الأحوال الذميمة التي يحاولها أصحاب العيوب والنقائص والدناءات المبهرجة ، والأمور الفاضحة كالرقص والتصفيق ، ومن الدناءات والأمور المسترذلة التي يضعها أهل البطالة ، مواضع القرب كالرقص والتصفيق والتساكر حالة الطرب ، والصياح بين الناس ، والتبذل بين الجميع ، فهذه أحوال تدنس المروءة ، وتذهب الحياء ، وتزيل الوقار بين الناس .
قال الله تعالى " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا " أي : بالوقار والسكينة ، فأين الوقار والسكينة من هذه الأمور المستحدثة ؟!
وصن مروءتك عما يشينها ، فصون المروءة أصل عظيم في الدين ، فقد قيل للأحنف بن قيس رضي الله عنه : بم نلت المروءة ؟ فقال : لو عاب قومي الماء البارد ما شربته ! فاعلم واعمل ..... تُصب بعون الله تعالى ومشيئته .
والله هادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله وسلم وبارك على الهادي الدليل سيد الخلق محمد النبيل ، وعلى آله أولي المقام الجليل ، وصحبه الذي نزل فيهم القرآن بالتفضيل.
عبدالله- عدد الرسائل : 177
العمر : 65
العمل/الترفيه : طالب علم
تاريخ التسجيل : 09/12/2007
مواضيع مماثلة
» خطر هوى النفس
» وخا لف النفس والشيطان واعصهما
» قال علي رضي الله عنه
» إنّ النفس لأمّارة بالسوء
» عزيزة حسن مهرها النفس
» وخا لف النفس والشيطان واعصهما
» قال علي رضي الله عنه
» إنّ النفس لأمّارة بالسوء
» عزيزة حسن مهرها النفس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 14:18 من طرف ابن الطريقة
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
السبت 23 نوفمبر 2024 - 13:27 من طرف الطالب
» شيخ التربية
السبت 23 نوفمبر 2024 - 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس