بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
العلم والجهل
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
العلم والجهل
بسم الله الرحمان الرحيم العليّ العليم العظيم الكريم
والصلاة والسلام على الفتى الرباني الأوحد الصمداني سيدنا ومولانا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين
أمّا بعد :
الكثير من الناس قد يلتبس عليهم تعريف العلم وكذلك تعريف الجهل , والذي يجب أن يعوّل عليه أنّ جميع التعريفات متى لم يكن مصدرها ودليلها من الكتاب والسنّة فلا يعتدّ بها ولا يلتفت إليها إلاّ متى وافقت الكتاب والسنّة ( إذن فهي منه ) كما قال عليه الصلاة والسلام ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ) أنظر قوله : ( ما ليس منه ) فليس الإنكار في حدّ ذاته على من أحدث أمرا وإنّما الإنكار متى كان ذلك الأمر ليس من الدين ولا تدلّ عليه مفاهيمه أمّا متى كان منه فلا حرج بدليل قوله : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ) أي فكأنّه يقول : ( من أحدث في أمرنا هذا ما هو منه فليس هو ردّ ) فليس النكران على الحدوث وإنّما الإنكار وقع على ( ما ليس منه ) ومن هنا قال العلماء بوجود البدعة الحسنة التي نصّ عليه خليفة المسلمين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وقد فصّل الأمر في ذلك سلطان العلماء سيدي العزّ بن عبد السلام رحمه الله تعالى ورضي عنه وغيره رضي الله عنهم أجمعين .. هذا ليس موضوعنا .. فنعود لأقول :
أكثر الناس اليوم في زماننا هذا تعريفهم وفهمهم للعلم قاصر لا يؤدّي المطلوب ولا يقف على حقيقة الأشياء وسنفصّل أمر العلم والجهل بالمتاح من العلم ( ربّنا لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم )
الذي يجب أن يعلم بداية أنّ العلم له بداية وله وسط وله نهاية ( وأنّ إلى ربّك المنتهى ) كما قال ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه في حكمة من حكمه ( وصولك إلى الله هو وصولك إلى العلم به ... ) وهذا الوصول من حيث هو وصول ليست له نهاية من حيث العلم كما قال تعالى لسيّد المرسلين صلى الله عليه وسلّم ( وقل ربّ زدني علما ) وكما قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه في مناجاته مرآة الذاكرين ( إلهي إنّ كمال العارف بداية الكمال والوصول إلى نهاية نوالكم درجة لا تنال ... )
بداية العلم : هو قوله تعالى ( إقرأ بإسم ربّك الذي خلق ) أي إقرأ بالإسم الذاتي الجامع الذي لا يدلّ إلا على الله تعالى فمتى قرأت بغير هذا الإسم وهو قولنا ( اللـــــــــــــــــــــــــــه ) فما هي بقراءة ولا تنتج علما بل تنتج جهلا فكلّ من لم يقرأ بالإسم الجامع في عرف العارفين فهو جاهل عندهم كان من كان ...
قال تعالى : ( الرحمان علّم القرآن ) ثمّ قال ( خلق الإنسان علّمه البيان ) وعليه فهمنا أنّ تعليم القرآن الذي ما فرّط الله تعالى فيه من شيء ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء ) يكون بداية تعليمه من مستوى إسمه ( الرحمان ) وهو الإسم الذاتي الثاني , قد يسأل سائل : ما الفرق بين القراءة وبين التعليم ؟
الجواب : القراءة هو قوله تعالى ( إقرأ بإسم ربّك الذي خلق ) أمّا التعليم فهو قوله تعالى ( ... الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم ) فنجد هنا : قراءتين وتعليمين : القراءة الأولى هو قوله تعالى ( إقرأ بإسم ربّك ) والقراءة الثانية هو قوله تعالى ( إقرأ وربّك الأكرم ) أمّا
التعليم الأوّل فهو قوله تعالى ( الذي علّم بالقلم ) والتعليم الثاني قوله تعالى ( علّم الإنسان ما لم يعلم )
قال تعالى : ( الرحمان علّم القرآن ) هذا التعليم الأوّل ثمّ قال ( خلق الإنسان علّمه البيان ) وهو التعليم الثاني
فنجد في السورة الأولى الأمر صعودي أي قراءة ثمّ قراءة ثمّ تعليم ثمّ تعليم وفي السورة الثانية تعليم ثمّ تعليم , فكانت سورة العلق للمبتدئين الذين أوذنوا بذكر الإسم المفرد فكأنّ الله تعالى يقول لهم : ( إقرأ بإسم ربّك الذي خلق ) أي إقرأ بإسمي كي أعرّفك بي في عالم الأكوان والخلق , ثمّ إقرأ بإسمي في عالم الملكوت والنور وهو مجال الكرم , ثمّ قال ( ... الذي علّم بالقلم ) أي بداية ثمّ نهاية قال ( علّم الإنسان ما لم يعلم ) بعد القراءة وهو علوم الوهب كما قال تعالى للملائكة ( قال إنّي أعلم ما لا تعلمون ) فكأنّه تعالى يقول لهم : ( إني أعلم ما لا تعلمون فيما تعلمون ) وليس المراد بأنّه يقول لهم إنّي أعلم ما لا تعلمون بأنّه يقارن نفسه سبحانه بهم بل يعلم ما لا يعلمون فيما يعلمون لذا قالوا ( سبحانك لا علم لنا ) أي من شؤون آدم الخليفة ( إلاّ ما علّمتنا ) ممّا قلناه من حيث كشفنا وفراستنا فيه , فالموضوع مقيّد فيما صدر فيه الإخبار ودليل هذا قوله تعالى لهم بعد أنّ علّم آدم الأسماء كلّها قال تعالى ( قال ألم أقل لكم إنّي أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) أعلم ما تبدون من العلم وما كنتم تكتمون منه ممّا لا يفي بالغرض
فأشار لهم أنّ علوم الخليفة هي هذه التي جهلتموها ودليل هذا أنّ الذي تكلّمت فيه الملائكة هو من الغيب في السماوات والأرض بعد أن أخبرت بافساد آدم وذريته وسفكهم للدماء قبل تمام خلقه فقد علمت الملائكة هذا بمجرّد الإخبار بجعل آدم خليفة في الأرض كي تعلم يا وليّ أنّ الله تعالى متى كشف لك عن غيب من غيوبه ولو في المنام فأنت تعلم وجها فيه وليس لك الإحاطة فيه فقد كوشفت الملائكة بجانب غيبي في هذا الخليفة ولكنها ليس في علمها كلّ الجوانب الأخرى وهكذا كي تعلم أنّ الله بكلّ شيء عليم وإنّما أخبرهم بصفة الإحاطة كي يعطيهم أنّ حقيقة العلم الذي يصلح أن يحتجّ به يجب أن تكون ظاهرة وباطنة في جميع ذرّات سريان الأزمان والأمكنة على وجه الإطلاق ... وهذا من إختصاص الله تعالى كما قال تعالى ( وما أؤتيتم من العلم إلاّ قليلا ) وإنّما يصحّ صدقك فيما تخبر به متى كنت مخلصا فيه ليس لتحاجج به وإنّما كي تغار لجناب التوحيد أن يثلمه أحد متى كنت من جند الله تعالى فقوله تعالى ( وأعلم ما تبدون ) من الظاهر الذي ظهر في كشفكم وعلمكم ( وما كنتم تكتمون ) من الباطن الذي سيعلّمكم إياه آدم , فإبليس لعنه الله تعالى كان ممّا يكتمه من الغيب الذي هو فيه ولا يعلمه ما فعله وأساء الأدب فيه , فلن يظهر منك يا بني آدم إلاّ ما علمه الله تعالى فيك وإنّما تخرج من الغيب المتعلّق بك ممّا في باطنك من الذي كنت تكتمه عن نفسك ولا تدريه لذا كانت صفة النفس هي الجهل ويعلمه الله منك وفيك
بخلاف السورة الثانية فهي للعارفين بما أنّ مجالها تعليمي في مرتبتين : مرتبة أولى أصلية ونعني بالأصلية هو دوام نزول القرآن بمعنى عدم تناهي معلوماته بحسب كلّ تجلّي وفي كلّ وقت ومكان لذا قرن التعليم هنا بفعل إسمه الرحمان ومن بعضه كما يقولون ( هذا وارد رحماني ) فهو من علوم القرآن التي علّمها الرحمان ثمّ مرتبة ثانية نازلة كي تتحدّ السورتان وينقلب المشهدان فيصبح السلوك جذبا والجذب سلوكا لقوله تعالى (هل تَرَىَ فِي خَلْقِ الرّحْمَـَنِ مِن تَفَاوُتِ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىَ مِن فُطُورٍ ثُمّ ارجِعِ البَصَرَ كَرّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ )
بعد هذا التمهيد الوجيز ندخل إن شاء الله تعالى في الموضوع المقصود وهو بيان مرتبة العلم وحقيقته وهو العلم النافع وهو العلم في مرتبة القلب وهو النور ثمّ نبيّن خلالها حيل إبليس لعنه الله تعالى في بثّ الجهل في القلوب لقوله ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) أي وسط الصراط الذي هو ( القلب ) كي تعلم علم إبليس لعنه الله تعالى بالأمور فإنّي رأيت غالبية الأمّة الإسلامية اليوم جاهلة جهل قلوب لذا اتّبعت الشياطين في كلّ شيء لأنّ الدجّال آخّر خروجه إلى وقت جهل القلوب كي يتحقّق له الظاهرية التي لا يمكن نجاحها إلاّ بفصل الروح عن العقل ولا يكون هذا إلاّ بتجهيل القلب أكتب كلّ هذا حرصا على أمّة التوحيد أن تجهل دينها لقوله تعالى ( ... ورابطوا لعلّكم تفلحون )
يتبع إن شاء الله تعالى ...
عدل سابقا من قبل علي في الخميس 26 أبريل 2012 - 23:47 عدل 1 مرات
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: العلم والجهل
هذا عهدى بك أخى الكريم زادك الله نورا وعلما
ابن النجار الشريف- عدد الرسائل : 80
العمر : 67
الموقع : لا إله إلا الله علومى وحكمتى -محمدرسول الله عزىوجاهنا
تاريخ التسجيل : 13/02/2012
رد: العلم والجهل
بارك الله فيكم سيدي عبد العزيز أثابكم الله تعالى وجزاكم خيرا على مروركم الكريم وحسن ظنّكم الجميل
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
روح كلّ شيء هو حقيقته وحقيقة كلّ شيء هي روحه وبما أنّ القرآن الكريم إجتمعت فيه جميع صفات الحسن التي منها : العلم والصدق والحقّ والنور ولكلّ من هذه الأصول دلائل من الكتاب والسنّة
قال تعالى : من حيث العلم ( أنزله بعلمه ) وقال في الصدق ( ومن أصدق من الله حديثا ) و ( قيلا ) وقال في الحقّ ( الحقّ من ربّك ) وقال في النور ( لقد جاءكم من الله نور ) فمتى كان العلم وجب وجود النور إذ أنّه لازمه فكلّ علم بلا نور هو جهل حقيقة لأنّ النور هو الهدى في العلم فإنّ جميع حقائق الهداية لها تعلّق مباشر بالنور وهذا النور مكانه القلب وهو علمه فكلّ قلب ليس فيه نور هو قلب جاهل ثمّ سنذكر علامات النور خلال الحديث
قال تعالى عن القرآن الكريم الذي هو الكتاب المبين ( يضلّ به كثيرا ويهدي به كثيرا ) أي عند البيان والأمثال وسبب هذا الضلال هو خلوّ ذلك العلم القرآني من نوره وهو نور القلب لذا قال تعالى مبيّنا هذا الأمر ( أنزله على قلبك ) فكلّ من لم ينزل القرآن على قلبه فلا بدّ أن يضلّ به لذا قال عليه الصلاة والسلام ( اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ) وقال أيضا سبحانه مبيّنا هذا ( أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) فما قصد غير القلب الذي عليه أنزل لذا قال إبليس لعنه الله تعالى ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) الذي هو القلب أي سأحجب عنهم نور التوجّه كي لا يغمرهم نور المواجهة لهذا قال تعالى في سورة الفاتحة ( اهدنا الصراط المستقيم ) فذكر أنّ سبيل الصراط المستقيم الذي قعد فيه الشيطان هو الهداية التي هي نور لذا يقال ( نور الهداية ) ولذاك قال تعالى في سورة البقرة ( الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) وقال في عكس ذلك ( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) فهناك أمران : دخول وخروج , فإبليس لعنه الله تعالى مهمّته التي توعّد بها أنّه يخرج الذين كفروا من نور واحد إلى ظلمات كثيرة , أمّا الله تعالى فيخرج الذين آمنوا من ظلمات كثيرة إلى نور واحد لذا وردت لفظة الظلمات متعدّدة وهي جمع ظلمة أمّا النور فورد مفردا نورا واحدا فلم يرد بلفظ الجمع ( أنوار ) لأنّ نور الله تعالى واحد أمّا ظلمات النفس والشيطان فهي كثيرة لذا خطّ رسول الله عليه الصلاة والسلام خطوطا كثيرة لمّا فسّر سبل الشيطان رسما بينما رسم خطّا واحد كناية عن الصراط المستقيم , فأنت تعلم أنّ النور محلّه القلب
قال تعالى ( لقد جاءكم من الله نور ) أي يجب تلقّيه بالقلب لأنّ محلّ النور ومستقرّه هو القلب ثمّ قال ( وكتاب مبين ) أي مفسّرا ماهيات هذا النور فسبق النور الكتاب كي تقرأه بذلك النور فهو مصباحه الكاشف فلا يمكن أن يكون هناك كتاب مبين من دون ور يسبقه فكيف يكون مبينا ولا نور معه
فاتّحد هنا العلم والنور فتلازما كما قال الشافعي الإمام رضي الله عنه شاكيا لشيخه وكيع ( فأخبرني أنّ العلم نور --- ونور الله لا يهدى لعاصي ) أو كما قال رضي الله عنه وقد قال الإمام مالك رحمه الله تعالى ( ليس العلم بكثرة الرواية وإنّما العلم نور يقذفه الله في القلب )
ثمّ تلازم الصدق مع الحقّ فكلّ صادق لا يقول إلاّ الحقيقة لذا قال تعالى للملائكة ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) ولم يقل لهم إن كنتم عالمين لأنّ قول الحقّ يستوجب الصدق وليس العلم فمتى خلا العلم من الصدق لم ينطق صاحبه بالحقّ فإذا علمت مستوى علمك فأكيد أنّك تعلم مستوى صدقك ومتى علمت مستوى صدقك تعلم مستوى قولك الحق هذا إذا ما علمت ما أنت عليه من جهل وقصور علم قال تعالى في الجهل ( إنه كان ظلوما جهولا ) وقال في قصور العلم ( وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا ) وقال في الصدق ( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ) أنظر كيف قال : ما ليس في قلوبهم فكأنّ المقياس هو القلب دائما وقال في الحقّ ( يكتمون الحقّ وهم يعلمون ) وإنّما كتموا الحقّ بعد علمهم لعدم وجود النور في قلوبهم فكان هنا اللسان ترجمان العقل والفكر وليس ترجمان القلب فكلّ من لم يتكلّم من قلبه فهو كاذب في دين الله تعالى
فكان العلم للعقل والصدق للقلب والحقّ للسان نتيجة النور
قال تعالى : ( ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور ) وقال تعالى ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) والآيات كثيرة في هذا المعنى الأصلي من الدين ...
قال تعالى : (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة )
فلم يقل تعالى : هو الذي بعث في الأمّيين رسولا منهم يعلّمهم القراءة والكتابة فليس معنى الأمّية هنا عدم القراءة والكتابة لقوله تعالى ( أنزله على قلبك ) فالمقصود منهم هو القلب وليس مجرّد العقل , قال تعالى ( يتلو عليهم آياته ) وفي نفس الوقت ( يزكّيهم ) لأنّ التلاوة متى صدرت على حقيقتها بلسان قائلها وهو صاحب ( العلم والنور والصدق والحقّ ) فتسري تلك الأحوال والمعاني في قلب السامع لتلك التلاوة فتقع التزكية بذلك وهي تزكية القلوب ( تخلية القلب من الرذائل وتحليته بأنواع الفضائل ) حتّى يشرق فيه النور فمتى أشرق فيه النور يقع هنا التعليم وهو التعليم الصحيح
( ويعلّمهم الكتاب ) وهي علوم الأحوال والمقامات بعد شروق النور وهو معنى التوجيه من شيخ التربية والوارث المحمّدي في زماننا هذا قال الشيخ إسماعيل رضي الله عنه لبعض الفقراء لمّا لقّنه الذكر بالإسم المفرد ( أذكر الله تعالى حتّى تشرق عليك الأنوار فحينها تعال كي أرتقي بك ) هذا معنى كلامه , وقد قال من قبله سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لأحدهم ( أذكر الله تعالى حتّى تشرق عليك الأنوار فلا ترى غيرها فحينها تعال إليّ كي أسلك بك في ميادين المعارف ) هذا معنى كلامه رضي الله عنه وهو ما دلّت عليه الآيات لأنّ التزكية المحمّدية في الصدر الأوّل من الإسلام سهلة ميسّرة لوجود رسول الله عليه الصلاة والسلام كما قال عليه الصلاة والسلام ( تكون فيكم النبوّة ما شاء الله لها أن تكون ... ) أي أنّ وجود النبوّة مرتبة أعلى من وجود الخلافة والوراثة
فاتّخذ أهل الله تعالى مناهج وهي الطرق في هذا السلوك كما اتّخذ الفقهاء مذاهب في الفقه الإسلامي ( وكلّهم من رسول الله ملتمس --- غرفا من البحر أو رشفا من الديم ) فعند شروق النور يقع وقتها التعليم بجدّ وحقيقة فالتعليم هنا مرتبتان : أوّلاهما : تعليم الكتاب والثاني تعليم الحكمة وقد يسأل سائل وكيف يكون تعليم الحكمة ؟ وهي موهوبة غير مكتسبة فالجواب : أنّ الأمر هنا في ميادين النور وهو مجال القلب وليس الأمر في مجال العقل فهو تعليم نوراني
لذا وردت هذه الآية تحديدا في سورة الجمعة لأنّها سورة الجمع على القلب وهو الجمع على سيّدنا محمّد رسول الله عليه الصلاة والسلام فمتى اجتمعنا عنده جمعنا على الله تعالى , فإنّ يوم الإثنين هو يومه عليه الصلاة والسلام أمّا يوم الجمعة فهو يومنا معه أو يومه معنا فهو لنا وهو عيد المسلمين وبما أنّه يومنا وفيه تقوم القيامة كنّا أوّل الأمم حسابا وأوّلها دخولا إلى الجنّة لأنّ الناس لا يمكنها أن تتقدّم عليك في يومك وهو يوم عيدك الذي فيه خلق آدم كي تعلم علاقة آدم معنا في يومه ويومنا فهو يومه من حيث الجمع فيه على سيدنا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام لذا أشار إلى هذا عليه الصلاة والسلام ( آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام ولذا قال إبراهيم عليه السلام في ليلة الإسراء والمعراج للحبيب صلى الله عليه وسلّم ( إقرأ أمّتك منّي السلام ) فنقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا سيّدنا إبراهيم عليك السلام
هذه مقدّمة أخرى وتمهيد ثاني للموضوع إن شاء الله تعالى ثمّ نشرع في تفصيل مقامات العلم والنور في القلب وسنذكر الكشف والفراسة النورانية وأنّ القلب ساحة الأحوال وأنّه مجال الإجتماع , إجتماع المعاني وهو من عالم الملكوت والنور فلغته لغة واحدة مهما تعدّدت اللهجات فإنّ العالم مفترق في عالم العقول مجموع في عالم القلب قال سيدي محمد المداني رضي الله عنه ( خض بحر المعاني --- فذاك بحر الله )
يتبع إن شاء الله تعالى
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: العلم والجهل
لكل بني الدنيا مراد ومقصد
وان مـرادي صحة وفراغ
لأبلغ في علم الشريعة مبلغا
يكون به لي في الجنان بلاغ
تمسك بذي علم منير على هدى
فـأهل عـلوم كالنجوم الزواهر
وان أخـا عـلم به الزيغ كامن
أضر على الإسلام من ألف كافر
بارك الله بكم وجزاكم عنا كل خير
وان مـرادي صحة وفراغ
لأبلغ في علم الشريعة مبلغا
يكون به لي في الجنان بلاغ
تمسك بذي علم منير على هدى
فـأهل عـلوم كالنجوم الزواهر
وان أخـا عـلم به الزيغ كامن
أضر على الإسلام من ألف كافر
بارك الله بكم وجزاكم عنا كل خير
خادم السيدالرواس- عدد الرسائل : 38
تاريخ التسجيل : 11/12/2011
رد: العلم والجهل
سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول ( هناك بصيرتان بصيرة علمية وبصيرة يقينية )
الباحث في الشأن القرآني هو على مستويين إمّا أنّه يبحث فيه بحثا ذهنيا أو أنّه يبحث فيه بحثا قلبيا ونحن في عرفنا لا يجوز بحث الظاهر من القرآن إلاّ بعد فهم الباطن منه لأنّ القرآن لم ينزل على الذهن بل نزل على القلب كما قال تعالى ( نزّله على قلبك ) وإنّما نسب فعل التنزيل لجبريل عليه السلام لأنّ القلب مرتبة وسطية بين الروح والعقل بمعنى أنّ عالم الملكوت وهو عالم النور هو الوسيلة لنزول القرآن على القلب وهو السبب فيه فلو لا أن أنزل القرآن على القلب وهو مرتبة وسطية لما أحسن أحد فهمه ولا سماعه من حيث حقائقه ولا أحسن أحد الإهتداء به في مرتبة العقل من حيث متشابهه أمّا من نزل القرآن على قلبه فهو لا يتبع متشابهه ولا يغلو في محكمه لذا قال تعالى ( فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ) فذكر هنا أنّ أصل العلّة كانت في القلب وهو الزيغ لأنّه لم ينزل على قلوبهم لعدم طهارتها كما نزل على النبيّ عليه الصلاة والسلام لذا قال تعالى في القرآن ( لا يمسّه إلاّ المطهّرون ) أي من تزكّى قلبه واطمأنّ ثمّ أنّه سبحانه تعدّى إلى ذكر أمر آخر أعلى وأرقى فقال تعالى ( والراسخون في العلم يقولون آمّنّا به كلّ من عند ربّنا ) فما قال ( والعلماء أو أهل العلم يقولون ) بل قال تعالى ( والراسخون في العلم ) فمعنى الرسوخ ليس هو بنفس معنى العلم مجرّدا فهذا المعنى هو رسوخ القَدَمِ في حضرة القِدَمِ فهو يدور مع الحقّ حيثما دار لأنّه راسخ في العلم لا تغيّره الأحوال ولا تثنيه المقامات أو تقيّده ومعنى الرسوخ هو الصراط المستقيم الذي لا نهاية له
يجب أن يعلم أنّ العلم القلبي هو علم بين علمين الأوّل علم الأذهان والثاني علم الروح فالقلب مرتبة علمية لها علاماتها وشروطها إنّما جعلها الله تعالى وفيها أنزل القرآن كي لا يضلّ به الإنسان فسبحان الله أحكم الحاكمين فكنّا نحن أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم أمّة قلوب إذ من معاني القلب ليلة القدر ومن معانيها يوم الجمعة ومن معانيها الإستقامة بين الأحوال والمقامات لا يغلب هذا ذاك فلا ينفرد الروح بالتفسير ولا يضلّ العقل بالتحليل فكان القلب جامعا بين العقل والروح وفيه وقع النزال بين لمّة الملك ووسواس الشيطان فهو ساحة المعركة والحرب لذا كان إبليس لعنه الله تعالى عالما بجميع هذه المراتب بعد أن كابدها قبل أن يسلب ويطرد لذا قال ( لأغوينّهم أجمعين ) وما قال مثلا ( لأقتلنّهم أجمعين ) إذ ليس غايته القتل لمجرّد القتل فإنّ من يقتله الشيطان هو شهيد عند الله تعالى ولا يفرح إبليس لعنه الله تعالى لنا بالشهادة ولا بأيّة عبادة أو خصوصية ربانية وإنّما قصد الإغواء فهو كفيل بما يأتي كنتيجة كفتنة وقتل وحسد ...إلخ لذا ورد في الحديث النبوي أنّ الشيطان واضع منخره على قلب الإنسان متى ذكر الله تعالى ذلك العبد خنس الشيطان ومتى غفل وسوس , فإذا علمت هذا تعلم أيضا أنّ القلب ليس المقصود به تلك المضغة الدموية بل المقصود به معناها لذا قال عليه الصلاة والسلام ( إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت ... الحديث )
لهذا شرّع الله تعالى سبلا وطرقا لحماية ذلك القلب وتطهيره وهي التزكية التي عمل على إحيائها أهل الله تعالى في كلّ مكان وزمان التي جاء بها الرسل عليهم الصلاة والسلام فالرسل لم يأتوا في الحقيقة لقتال أو منازعة على حكم أو دنيا أو غير ذلك ممّا ليس هو من الدين وإنّما جاء الرسول عليه الصلاة والسلام كما في دعوة سيّدنا إبراهيم وهو قوله تعالى ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) فإنّ ما فيه الأولياء اليوم وقبل اليوم هو الدين الذي أرسل الله به سيّد المرسلين عليه الصلاة والسلام وإنّما شرّع الجهاد والقتال لحماية هذا الدين لذا لمّا سأل جبريل النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث عمر رضي الله عنه فما سأله عن الجهاد أو القتال مثلا بل سأله عن الدين ( فافهم ) فإنّه قال ( هذا جبريل أتى يعلّمكم دينكم ) فإنّ الدين هو كلّ ما له علاقة بالعبودية وإنّما فرض الجهاد وشرّع لحراسة هذه العبودية وتمكينها في الأرض لذا كان عليه الصلاة والسلام يقول وهو يدعو في غزوة بدر ( اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد اليوم ) فما كانت غايته غير نشر العبودية لله تعالى وانقاض العباد من براثن الشيطان فالجهاد لم يشرّع لذاته بل هو لغيره بخلاف الدين بأركانه الثلاث فهو مشرّع لذاته لذا قال ساداتنا ومنهم سيدي ابن عجيبة الحسني رضي الله عنه أنّ العلوم الدينية المقصودة بالذات هي ثلاثة : علم الفقه وعلم الإيمان وعلم الإحسان أو تقول علوم الفقه وعلوم العقيدة وعلوم التصوّف أمّا خلاف هذا فهي علوم لغيرها وليست مقصودة لذاتها لذا ما سأل جبريل رسول الله عليه الصلاة والسلام إلاّ عمّا هو مقصود بذاته من الدين وهي مراتبه الثلاث : مرتبته في مستوى الظاهر ومرتبته على مستوى القلب ثمّ في مستوى الروح
فإنّ من حيل إبليس لعنه الله تعالى هو قعوده صراط الله المستقيم وهو كما بينّا ( القلب ) وهناك واضع منخره يبثّ ظلماته ويلقي وساوسه كما ألقاها للشعراء وإن كان من الشعر لحكمة كما ورد في الحديث ومن البيان لسحرا
فأوّل سبل العلم ليست فقط بالدراسة والقراءة والكتابة بل أوّل سبيل في عرف أهل الله تعالى للتعلّم هو سبيل تطهير القلب كي يتعلّم هذا القلب ويدرس فيدخل مستويات التعليم كلّها بداية من الإبتدائي فلمّا كان الأمر كذلك كان لا بدّ من وجود أساتذة في هذا المجال وبما أنّ القلب جوهر لا ينقسم قيل بوجوب تعلّم هذا العلم على أستاذ واحد لأنّ عمليّة التعليم فيه تتغاير مع بقيّة التعاليم فإنّ الله تعالى لا يرسل غير رسول واحد يبلّغ ما يوحى إليه كما أرسل جبريل واحد لا كلّ الملائكة بالوحي لذا نبّهنا بقوله تعالى ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوف واحد ) إذ أنّ الجوف الواحد لا يحمل إلاّ قلبا واحدا وإنّما لم يتّخذ العبد إلاّ شيخا واحدا فلأنّ الجوهر لا يجوز فيه الإنقسام كالمرأة لا يجوز لها الزواج من زوجين في آن واحد فإذا قلت كيف يكون ذلك والقلب متعدّد الأحوال والصفات لما قيّد بالشيخ الواحد ؟ فالجواب : ولله المثل الأعلى أنّ القلب كما قيل بيت الربّ وأنّ هذا الربّ سبحانه متعدّد التجليات والصفات والأسماء ولكنّه ربّ واحد غير متعدّد وإن تعدّدت صفاته فالقلب متى توجّه إلى الله لا يتوجّه إليه بشرك أي بإثنينية بل هي وسيلة واحدة وطريق واحد وشيخ واحد وتعليم واحد , وهذا بداية التعليم
بالنسبة للعلم فحقيقته أنّه للخصوصية للإستقامة في العبودية ولكن يجب مراعاة فهم العبودية في مراتب الخصوصية وهكذا هو العلم فهو وإن كان يدلّ على المعلوم فهو يدلّ عليه من حيث مرتبتك عنده وهو التجلّي فإنّ العبودية أشمل معنى من مجرّد معنى العلم مهما تلوّن هذا العلم فكلّ علم أتحفك الله تعالى به فهو مقامك وهو مرتبتك فما عليك إلاّ بالعبودية فيه كما قال تعالى ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) فأنت تعلم أنّ التفضيل من مراتب الخصوصية وليس هو من العبودية في شيء إلاّ متى قام صاحبه بحقّ الأدب فيه فهو عبودية وإلاّ كان مثل إبليس لعنه الله تعالى فإنّ من علمه أنّه قال ( أنظرني إلى يوم يبعثون ) كي تعلم أنّه علم ببعثنا قبل خلقنا ووجودنا على الأرض , فكان لا بدّ لك أن تعلم أنّ الله تعالى هو العليم وبهذه الصفة أحاط بكينونات الأشياء ظاهر وباطنا في جميع أطوارها قبل وجودها وبعدها إلى ما لا نهاية فلمّا علِمك قبل وجودك وبعده أضحيت في علم الله تسبح فكان لا بدّ لك من شعور بهذا العلم منه وهذا مقام جمالي وهو علمك المخصوص لك منه فهو مرتبتك فلا تتعدّاها بل قم بحقوق أوقات الآداب فيها لذا أشار سبحانه إلى هذا فقال تعالى ( ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض ) لأنّ الأماني لا تكون في عالم الخصوصيات وإنّما في عالم العبوديات تكون لهذا لم يقنطك أو يحرمك أو ينساك فأوصاك بسؤال الفضل منه فمازال متفضّلا كما قال سليمان عليه السلام بعد أن توجّه إليه سائلا من إسمه الوهّاب فقال ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ) فسأل الغفران قبل السؤال كي تعلم معرفة سليمان بربّه ومستواها
ثمّ نشرع إن شاء الله تعالى في تفسير المرتبة الأولى من مراتب القلب وهو قوله تعالى ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) فعيّن هنا سبحانه أنّ مرتبة القلب ليست خاصّة ببني البشر بل أيضا بالجنّ وأن سبب دخول نار جهنّم بداية هو شيء إسمه ( القلب ) لذا قال تعالى ( لهم قلوب لا يفقهون بها ) فهذا السبب الرئيسي وهو السبب الجامع لأنّ القلب متى فقه فهو حتما سيرى لذا قال تعالى ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) لأنّ العين الباصرة هي غير عين البصيرة لذا لم يقل سبحانه ( ولهم عينان لا يبصرون بها ) بل قال ( أعين ) لأنّه القلوب متى ذكرت فلجمعها إمّا لتآلفها على حقّ واحد كقلب واحد أو تشابهها في أمراض كثيرة ذكرت العينان بصفة الجمع كذلك والأذنين ) وقد يقال لماذا لم يذكر العقل في هذه الآية الجواب أنّ الأمر مترابط جدّا فلو ذكر العقل لذكر القياس وهو للفكر لأنّ السمع والبصر هما للمكالمة والمشاهدة والقلب هو العاكس لكليهما كي تعلم أنّ القرآن كلّه علم ونور وحكمة واعجاز من كل وجه وهو الحقيقة والصدق المطلق كما قال تعالى ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) وأنت تعلم أنّ مجال التدبّر هو القلب كما قال تعالى ( أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) فالقلب هو مفتاح التدبّر وهو بابه وعندها يتبع البصر والسمع
لهذا قال عليه الصلاة والسلام في قوم يخرجون آخر الزمان أنّ من صفاتهم ( فما ذكر غير الظاهر من صفاتهم وما ذكر منهم من الباطن في شيء ) أنّهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم أي حناجرهم وما أكثرهم في هذا الزمان فهي السلعة الرائجة اليوم ومرّة كنت أقرأ كتابا في الرقائق لشيخ وهابي مشهور على الشاشات فحزنت كثيرا كثيرا كيف أنّ الدين وصل في عقولهم إلى هذا الحدّ من السطحية وقلّة الوعي والفهم وقلّة وجود النور والعلم فضلا عن الأحوال والمعارف والمقامات ثمّ يتصدّرون لقيادة الأمّة الإسلامية تحت راية الفصاحة والظواهر الصوتية الصورية
وفي هذا الباب سنذكر إن شاء الله تعالى : سبب دخول الخلق جهنّم من حيث القلب وكيف أنّ كثيرا من أهل القلوب من العوام هم أفضل بكثير ممّن يسمّونهم النخبة الدينية في الحقل الدعوي وأنّ كثيرا من الوزراء والإداريين في مجال الحكم أصحاب قلوب عزيزة طيّبة الناس يبغضونهم ترى هذا بعين بصيرتك متى رمته فهذا العبد الضعيف لا يحكم إلاّ بما تعطيه بصيرتي فإن أخطأت فذلك اجتهادها وإن أصابت فذلك من فضل الله تعالى وسأحاول بالقدر المستطاع أن أفهم بعضا ممّن يقرؤون لي بعض المفاهيم وكيفية تجلية العلم والفراسة بالقدر المستطاع
لهذا السبب وهو سبب مرض القلوب ألّف الإمام الحجّة سيدي أبو حامد الغزالي رضي الله عنه كتابه الإحياء الذي يعدّ آية من آيات الله تعالى فقال : لمّا رأيت الناس أصيبت في قلوبها ألّفت لهم كتاب الإحياء ( إحياء علوم الدين ) فما ذكر فيه إلاّ المقصود بالذات من الدين خاصّة
وما غايتي فيما أكتب إلاّ نفع أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم
هذا وليعلم الجميع أنّ العبد الضعيف لست عالما في اللغة العربية ولا لي فيها قدم وإنّما هي معان ترد على قلبي هكذا أجدها فأسطّرها كما هي فسواء عبّرت عنها باللغة الدارجة وهذا أستعمله كثيرا بين إخوة لي أمّا متى كتبت في المنتديات فأكتب بحسب طاقتي ونهاية ما أستطيعه لذا أرجو ممّن يتابع أن لا يقرأ لي ماسكا موضوعي بيده اليسرى وكتاب سيبويه باليمنى
لا أقصد أحدا بعينه وإنّما هو اعتراف منّي
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: العلم والجهل
( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )
إنّما بدأ سبحانه وتعالى في هذه الآية بذكر القلوب وفقهها فسبّقه على ما جاء بعده لأنّ ما بعده من لوازمه كما قال تعالى ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) فما قال له ( ولكنّهم لا يرونك ) بل قال ( لا يبصرون ) رغم أنّهم ينظرون إليه أي يرونه في صورته الظاهرة فوقع عليه نظرهم ولم يقع عليه بصر قلوبهم في صورته الباطنة بمعنى أنّهم محجوبون عنه فعلمنا هنا أنّ ( لهم أعين لا يبصرون بها ) والسبب هنا هو عدم ( فقه القلب ) فلو فقه القلب لرأت تلك الأعين وأبصرت حتّى أنّ إبليس لعنه الله تعالى سبقهم في النظر كما قال ( إنّي أرى ما لا ترون ) لمّا رأى جبريل مع مدد الملائكة كما سيرى الدجّال في آخر الزمان الملائكة على أبواب مكّة والمدينة فلا يستطيع دخولهما
فنحن اليوم في زمن يكذَّب فيه الأولياء عندما يخبرون بكشفهم وبرؤيتهم للأرواح والملائكة رغم تصديقهم أحاديث نبوية وحقّ لهم ذلك في أنّ إبليس والدجال لعنهما الله تعالى يرون جبريل وميكائيل والملائكة فتبّا لعبد يصدّق برؤية إبليس والدجال للملائكة ويكذب أولياء أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم فيما يخبرون به بصدق وكشف حتّى عدّ الوهابيون اليوم عالم الكشف من الخرافات والخزعبلات ثمّ يتصدّرون لنفع الناس بحسب زعمهم رغم أنّ جميع الصحابة ممّن حضر ذلك المجلس العلمي رأوا سيدنا جبريل في صورة إعرابي لمّا جاء يعلّمهم دينهم وقد أخبرني أحد ساداتنا من العارفين أنّه إلتقى سيّدنا جبريل عليه السلام في الحرم المكّي فما تردّدت لحظة في تصديقه لما هو عليه من صلاح وتقوى ومخافة لله تعالى رآه في صورة إعرابي بعصاه إزاء الكعبة , وليس المقصود في هذا مجرّد الرؤية أو الكشف وإنّما المقصود أنّه كيف عرف أنّ هذا جبريل وأنّ ما رآه من صورة أخرى في مكان آخر هو شيطان فهذا ما نسمّيه بـــ ( فقه القلوب ) الذي أخبرت عنه الآية وعليه دلّت
لأنّ البصر والسمع لا يشتغلان حقيقة إلاّ متى فقه القلب أمر دينه وهو المعبّر عنه عند أهل الله تعالى بنور القلب الذي هو مزور القلب والعلم زائر فمن لم يسبق نوره علمه فلا يعتدّ به في طريق الله تعالى , لذا من سبق علمُه نورَه فلا يخلو علمه من كبوات وهذا للعلماء خاصة من أهل الظاهر ولو لا مخافة إساءة الأدب مع أهل الطريقة لذكرنا بعض مشائخ ممّن يسبق علمُهم نورهم , أمّا من سبق نوره علمه كسيدي ابن عباد وابن عجيبة وغيرهما رضي الله عنهما من كبار العارفين فعلمهم محمول وليس حاملا لأنّ العلم متى كان محمولا كان موهوبا كما قال تعالى ( إقرأ ) أي إقرأ فقط ونحن نفسّر لك بما عندك من النور الذي لا نفاذ له لذا قال له ( وقل رب زدني علما ) أي كي يحمله نوري فأفهمه ولا أطغى به بما أنّه لا يدلّني إلاّ عليك ولا ينيخ بي المطايا إلاّ بين يديك كما قال في حقّ أهل النور ومنهم الخضر ( وعلّمناه من لدنّا علما ) فهؤلاء وغيرهم عليهم السلام علمهم محمول وليس حاملا أمّا من حمل علمُه نوره فقلّ أن تسلم بصيرته من العمى ( وأضلّه الله على علم ) بسبب فقدانه النور لأنّ النور هو الإمام والعلم مأموم في هذا المقام من التعلّم فالعلم هو المصباح الكاشف ما أمامك في سيرك وإلاّ كبوت وسقطت في حفر الظلمة لذا قيل في الحكم العطائية مثلا بأنّها كادت أن تكون وحيا فسبب هذا القول أنّها نور على نور وكذلك قصيدة البوصيري المشهورة بالبرد وشروح أهل الله فهي نور على نور وذلك هو العلم النافع
لذا ذهب جماعة ومنهم الإمام الشافعي والإمام مالك وغيرهما أنّ العلم نور ولا يعنون به أنّهما شيء واحد بل يريدون أنّ العلم متى خلا من نوره فلا يعتبر علما , فسلب إبليس النور وأبقي عليه العلم وكذلك الدجال لهذا كان الصراع بين النور والظلمة فحين أستعمل العلم خاليا من نوره ترى اليوم ما وصل إليه العلم كما قال تعالى ( ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم ) أي من علم السحر سواء في الباطن أو الظاهر وإنّ من العلم الدنيوي ما هو نافع ومنه ما هو ضار فليس المنع في تعلّم العلم الظاهر من الصناعات وغيرها بل المحذور تعلّم ما يضرّ منه كصنع القنبلة النووية والقنابل العنقودية والكيميائية بأنواعها فهي فساد في الأرض والله لا يحبّ المفسدين لأنّ مؤسّس هذه العلوم كأنشتين وغيره من الفزيائيين ما هم إلاّ شياطين في الحقيقة وهم من اليهود وهذا ديدنهم ما عرفوا غير الفساد والإفساد ... لأنّ عليهم من الله غضبين
قال تعالى ( لهم قلوب لا يفقهون بها ) فالآية صريحة في بابها من حيث أنّ القلب له فقه والفقه لا بدّ فيه من وجود الإدراك والعلم كما قال عليه الصلاة والسلام ( من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدين ) لذا أفرغ اليوم معنى حقيقة الفقه من موضوعه فظنّوا أنّ الفقه بمعناه الخاص والعام ما هو إلاّ معرفة الأحكام الفقهية العملية والتوسّع فيها وقد ضلّوا في ذلك ضلالا كبيرا
لذا قال الله تعالى واصفا من لا فقه قلبي له في آخر الآية بأنّه ( أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) فشبّههم بالأنعام بل هم أضلّ منها ثمّ أوضح بيان الخلل ووصف العلّة فقال ( أؤلائك هم الغافلون ) فمن لا فقه قلبي له فهو كالبهيمة فمتى كان عالما فهو كالحمار يحمل أسفارا ...
لأنّ القرآن وردت ألفاظه بحسب معنى كلّ حقيقة سواء في مستوى العقل أو القلب أو الروح فمثلا إنّ ما يقابل العلم في مستوى العقل هو اليقظة في مستوى القلب , فعندما ترد لفظة ( الغفلة ) نعلم أنّها للقلب وعندما ترد لفظة ( الفقه ) في القرآن نعلم أنّها للقلب خاصّة أمّا متى وردت لفظة العلم فنعلم شموليتها وأنّها الحكم الجامع في المستويات الثلاثة العقل والقلب والروح وقد تأتي في مستوى بمفرده دون غيره كمستوى العقل وهي له خاصّة لأنّه الخليفة فالعقل مجاله عالم الحكم والخلافة وهو عالم التخصيص والظاهر أمّا القلب فهو للعبودية خاصّة كالأحوال والمقامات وهي للحال لذا في عالم الخلافة لا بدّ من تقييد أحوال القلب بميزان علم العقل بنوره حتّى لا يصبح أهل الديانة كلّهم من المجاذيب فيصبح الدين جذبا وهو باب للدروشة ودخول الشيطنة فإنّ إبليس لا يأتيك إلاّ متى تجرّد عقلك عن قلبك ومتى تجرّد قلبك عن عقلك لذا نصب له الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه العداء لمّا أراد أن ينفرد بقلبه دون عقله فخاطبه الشيخ بالعقل مع وجود نور القلب فخنس وانطفأت تلك الأنوار الكاذبة وذلك الصوت السماوي الخادع ...
فإذا علمت أنّ يوم القيامة هو يوم قلوب وهو يوم الحساب على المعاني قبل المباني تدرك أنّ ما كان باطنا هنا يكون ظاهرا هناك والعكس صحيح وقد أوضح النبيّ عليه الصلاة والسلام هذه الحقيقة الجامعة فقال ( إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب ) ومن جملة هذا الجسد العقل والعمل والفكر والحركات والسكنات لأنّ الأحاديث الشريفة قد تأتي على معنيين في نفس الوقت أي في الشريعة والحقيقة وهي هكذا غالبا لأنّها وحي والوحي أمره قلبي سماوي وروحي علوي وهكذا هو الدين
لذا نقول اليوم : أنّ العالم بأسره إلاّ من رحم الله تعالى هو في عصر جاهلية كبرى وفي تلك الجاهلية سيخرج عليهم الدجّال وهو عصر الظلمة الحالكة لأنّ معنى الجاهلية ليس جاهلية العقول بل هي جاهلية القلوب لذا قلّ العلم في الناس اليوم رغم انتشار القلم الذي هو علامة من علامات اقتراب الساعة وهي من علامات آخر الزمان وقد ورد في الحديث ( يفشو العلم ) لأنّه زمن المعكوسات فإنّ إبليس لعنه الله تعالى يحاربنا في عالم الأديولوجيات فهو خبير في هذا الباب فأنشأ في العصور الأخيرة نموذج آخر بحسب سير الحضارات كالدروينية والماركسية ...وأنشأ مثلا في الإسلام قديما فقه العقول المجردة من النور كالمعتزلة بالحسن والقبيح وأنشأ الخوارج بظواهر النصوص في مرتبة حكم القياس والعقل وأنشأ الشيعة في صفة الدفاع عن آل البيت ومحبتهم وأنشأ الوهابية دعاة وحماة التوحيد بحسب زعمه فهي كلّها فرق استنبطها الشيطان وتلك خططه وحيله لأنّ عالم الفتنة أكبر من القتل فمن عرف حبائل الشيطان فهم الكثير
فالعلم أمره الحقيقي أمر قلبي وبداية التتلمذ وأخذ العلم يكون ببداية التزكية وهو علم التخلية تخلية القلب من الجهل المعنوي الحاجب كالحسد والحقد والغلّ وحبّ الدنيا والغرور والكبر ...إلخ لأنّ عقوبة هذه المعاصي هي عقوبات معنوية كإبليس لعنه الله تعالى عوقب في عالم المعاني خاصّة وهي عقوبة سلب النور منه وذلك بحسب جزاء باطنه من حسد وكبر فالحسد للخلافة والكبر على الحضرة الإلهية لذا كانت صفة الحسد نارية أمّا صفة الكبر فهي صفة برودة ...
فكلّ مرض هو حجاب عن عكس تلك الصفة المرضية فمتى كان العبد مثلا حقودا فاستبدل حقده بالعفو والتجاوز والمسامحة حتى تضحى صفات منطبعة فيه فهو يعاين فقه صفات الله تعالى المتعلّقة بالغفران والرحمة والتوبة وهكذا ... لذا قال إبليس لعنه الله تعالى ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) أي سأكون صادّا لهم عن معرفتك سأقعد لهم على مستوى القلب كي أحجب عنهم أنوار صفاتك التي لا تدلّ إلاّ على ذاتك ... فمتى استبدل العبد تلك الصفة الظلمانية بصفة النور يعلم حينها علما يقينيا حقيقة تلك الصفات فيكون عالما في دين الله تعالى وعندما نقول عالما في دين الله تعالى أي عارفا بطريق ربّه وهو الصراط المستقيم لأنّ معرفة الدين حقيقتها هي معرفة ربّ هذا الدين جل وعلا وهكذا في بقية عالم الصفات لأنّ القلب له من الفقه فقه الصفات فمن لا قلب له لا يجوز له البتّة الحديث في عالم الصفات وإلاّ فإنّه سيكون من المجادلين في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير
أمّا الروح ففقهها ذاتي وهذا بحر عميق يرعب الجبال ويصدّعها فضلا عن المخلوقات الضعيفة العاجزة فعندما تتحقّق أولى مراتب العلم في القلب وهي بداية اليقظة يخرج نوران هما نور واحد حقيقة ( نورهم يسعى بين أيديهم ) واحد إلى المشرق والثاني إلى المغرب كي يسير فيهما ونعني بالمشرق الروح والمغرب العقل وإن شئت عكستهما فهنا يسير العقل ويسير الروح في ظلّ نور القلب وهناك يبدأ التعليم فيأخذ العقل العلم بنوره يفسّره له القلب والروح أيضا لا تطغى إذ يوجّهها القلب لأنّ للروح أدب مع القلب الذي يوصلها بالعقل وللعقل أدب مع الروح يوصله القلب فيكون القلب جامعا وهو المرابط الذي لا ينام كما قال عليه الصلاة والسلام ( تنام عيناي ولا ينام قلبي ) وهو الميزان الوسطي الذي لا يشطّ ( ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) حتّى لا تميل كفّة على حساب أخرى بعد أن أخبره بصريح العبارة ( الرحمان على العرش إستوى ) وهو الميزان المستقيم والطريق القويم
لذا كنت العبد الضعيف دائما ما أرشد العباد لأخذ علم الدين من أفواه أهل الله تعالى فهو العلماء حقيقة فإنّهم متى علّموك فسّروا لك الدين بنوره كما قال حنظلة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ( يا رسول الله عندما نكون عندك وتحدّثنا عن الجنّة والنار فكأنّما نراها رأي عين .... الحديث ) وهكذا هو كلام المكاشف فعندما يحدّثك عن الجنّة والنار فتوشك أن تراها لكثرة اليقين الذي يحصل في قلبك بسبب يقينه , وكذلك المشاهد فحينما يحدّثك عن الله تعالى فأنّك تراه ... ( أعبد الله كأنّك تراه ) وهذا لا يكون إلاّ عن طريق العارفين ..
كثير ما كنت أحضر لشيخنا رضي الله عنه مجالسه ومذاكراته فحتما أنّك تجدني لا أحسّ بنفسي في هذا العالم لكثرة ما تحقّق به شيخنا رضي الله عنهه من اليقين فيخرجنا عن هذا العالم شعورا ومعنى فتكون لياليه كما قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه ( نحن ليالينا كلها كليلة القدر ) لهذا قال رضي الله عنه وقد صدق فيما قاله ( لي أكثر من أربعين سنة ما غاب فيها عنّي رسول الله طرفة عين ولو غاب ما عددت نفسي من المسلمين ) فهذا مقام أهل اليقين , قال تعالى ( ويوم عند ربك كألف سنة ممّا تعدّون ) وهكذا هم جميع ساداتنا العارفين رضي الله تعالى عنهم فهم مع الله تعالى ثمّ رسوله في كلّ حالة كما قالت عائشة لمّا سألوها عن ذكر رسول الله لربه ( كان يذكر الله في جميع أحيانه )
قال تعالى ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) فذكر هنا أنّ الغفلة سبب الإعراض عن الشعور والإحساس بقرب الحساب فالغفلة تفسيرها معنوي لأنّها صفة مذمومة من صفات القلوب وهي نتيجة مرض فيه , فمتى ذكر الغفلة وهي مقام قلبي كان لا بدّ أن يردفها بذكر حقيقتها فقال بعد آية ( لا هية قلوبهم ) وقد يسأل سائل : ما معنى أنّ يلهو القلب فإنّ اللهو واللعب من فعل الفكر والأجساد ؟ فالجواب أنّ ظاهره وما تفعله جوارحه ما هو إلا نتيجة لما في قلب العبد فما خرج إلى الظاهر إلاّ ما وقر في القلب
لذا كثيرا ما نرى القرآن الكريم يذكر مرض القلب قال تعالى ( في قلوبهم مرض ) فالمرض هو السبب الرئيسي غالبا في الوفاة والموت والسؤال المطروح : كيف يحسن الإنسان أن يتعلّم ويفقه وهو ميّت ؟ فإنّ الميّت لا حياة له كي يدرك أو يفقه فضلا أن يتعلم قال تعالى ( أفمن كان ميّتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ) فإنّ الحياة من غير نور هي موت وأنت تعلم أنّ الميّت لا يتعلّم ولا يسمع ولا يبصر فتعلم أيضا أنّ النور هو الحياة لهذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يدعو لنفسه بالنور فيقول : اللهم اجعل في قلبي نورا وفي عظمي نورا ومن خلفي نورا ...إلخ في معناه من الحديث
هذا كي أنبّهك كما أعلمنا الله تعالى في قوله ( الله نور السماوات والأرض ) فكيف يكون العالم عالما وهو يسبح فلا يرى دخول النفس وإبليس عليهم لأنّه أعشى لا يرى في الظلمة لذا إنّ ما تعطيه الفراسة في الحكم ليس في المظهر الخارجي كالفصاحة والحفظ والزينة والكتابة الجميلة والموسوعات الفكرية بالتحليل ..إلخ بل الفراسة ميزانها : النور والظلمة فقط
يتبع إن شاء الله تعالى ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: العلم والجهل
لذا كنت العبد الضعيف دائما ما أرشد العباد لأخذ علم الدين من أفواه أهل الله تعالى فهو العلماء حقيقة فإنّهم متى علّموك فسّروا لك الدين بنوره كما قال حنظلة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ( يا رسول الله عندما نكون عندك وتحدّثنا عن الجنّة والنار فكأنّما نراها رأي عين .... الحديث ) وهكذا هو كلام المكاشف فعندما يحدّثك عن الجنّة والنار فتوشك أن تراها لكثرة اليقين الذي يحصل في قلبك بسبب يقينه , وكذلك المشاهد فحينما يحدّثك عن الله تعالى فأنّك تراه ... ( أعبد الله كأنّك تراه ) وهذا لا يكون إلاّ عن طريق العارفين ..
متفق تماما مع كلامك سيدي علي فأكمل الشريعة ما تأخذه من عارف بالله لأنه عنده فهم نوراني محمدي رباني للشريعة أما غيرهم من أئمة النقول و التقليد الأعمى فليس لهم فهم عميق للشريعة و ما يسميه الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله مقاصد الشريعة العليا.
محب الآل والصحابة- عدد الرسائل : 229
العمر : 56
تاريخ التسجيل : 20/10/2010
مواضيع مماثلة
» اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله
» العلم لا يدل إلا على المعلوم
» مدينة العلم
» أقوال في العلم والعلماء
» مناظرة بين العلم والعمل
» العلم لا يدل إلا على المعلوم
» مدينة العلم
» أقوال في العلم والعلماء
» مناظرة بين العلم والعمل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 22:37 من طرف الطالب
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الخميس 14 نوفمبر 2024 - 20:57 من طرف أبو أويس
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس
» هل تطرأ الخواطر على العارف ؟
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:59 من طرف أبو أويس
» رسالة من شيخنا الى أحد مريديه رضي الله عنهما
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:49 من طرف أبو أويس
» مقام الجمع
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:40 من طرف أبو أويس
» تقييمات وإحصائيات في المنتدى
الثلاثاء 30 يوليو 2024 - 6:36 من طرف أبو أويس