بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
تفسير قول الله تعالى : الرحمن على العرش استوى
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تفسير قول الله تعالى : الرحمن على العرش استوى
بسم الله الرحمان الرحيم
نقلت لكم من أحدى المواقع هذا التفسير
لتعلقه بالردود على الوهابية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين ..
اما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
قال المؤلف رحمه الله : تَفسِيرُ الآيةِ: ﴿ الرحمن على العرش استوى﴾[5 سورة طه] .
يَجِبُ أن يكونَ تفسيرُ هذه الآية بغيرِ الاستِقرارِ والجلوسِ ونحوِ ذلكَ ويَكفُر من يعتَقِدُ ذَلِكَ .
الشرح: الذي يعتقدُ أن معنى قولِ الله تعالى: ﴿ الرحمن على العرش استوى﴾(5) جَلَسَ أو استقرَ أو حاذَى العرشَ يَكفُر.
قال المؤلف رحمه الله: فَيَجِبُ تَركُ الحَملِ على الَظاهِر بَل يُحَملُ على مَحْملٍ مُستَقيمٍ في العُقُولِ فتُحمَلُ لفظَةُ الاستِواءِ على القَهرِ ففي لُغَةِ العَرَبِ يُقالُ استَوى فُلانٌ على المَمَالِكِ إذا احتَوَى على مَقَالِيدِ المُلكِ واستَعلى على الرقَابِ.
الشرح:ءاية الاستواءَ تُحملُ على القهرِ ، أو يُقالُ استوى استواءً يليقُ به، أو يقال :
﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ بلا كيفٍ ، أما من أرادَ التأويلَ التفصيليَ فيقولُ قَهَرَ ويجوزُ أن يقولَ استولى.
ومعنى قول المؤلف: (( واستعلى على الرقَابِ )) اي استولى على الأشخاصِ اي على أهل البلدِ.
ومعنى قَهرِ الله للعرشِ الذي هو أعظمُ المخلوقاتِ أن العرشَ تحت تصرُّف الله هو خلقَهُ وهو يحفظهُ ، يحفظُ عليهِ وجودهُ ولولا حفظُ الله تعالى له لهَوى إلى الأسفلِ فتحطَّمَ ، فالله تعالى هو أوجدَهُ ثم هو حفظهُ وأبقاهُ ، هذا معنى قَهَرَ العرشَ ، هو سبحانَهُ قاهرُ العالم كلّه ، هذه الشّمسُ والقمرُ والنّجومُ لولا أن الله يحفظُها على هذا النّظامِ الذي هي قائمةٌ عليه لكانت تهاوَت وحطَّم بعضُها بعضًا واختلَّ نظامُ العالمِ .
والإنسانُ قهرَهُ الله بالموتِ ، أيُّ مَلِكٍ وأيُّ إنسانٍ رُزِقَ عمرًا طويلاً لا يملكُ لنفسِهِ أن يحميَ نفسَهُ من الموتِ فلا بدَّ أن يموتَ .
وليُعلَم أن الاستواءَ في لغةِ العربِ له خمسة عشرَ معنًى كما قالَ الحافظُ أبو بكر بن العربيّ ومن معانيهِ : الاستقرارُ والتَّمامُ والاعتدَال والاستعلاءُ والعلوُّ والاستيلاءُ وغير ذلك ، ثم هذه المعاني بعضُها تليقُ بالله وبعصُها لا تليقُ بالله . فما كان من صفات الأجسام فلا يليق بالله .
يقولُ حسن البنّا في كتابِ العقائدِ الأسلاميَّةِ : ( السَّلفُ والخلفُ ليس بينهم خلافٌ على أنه لا يجوزُ حملُ ءايةِ الاستواءِ على المعنى المتبادرِ ) وهذا الكلام من جواهِرِ العلمِ .
فإن قالَ الوهَّابيُّ : ﴿ الرحمن على العرش استوى ( 5) ﴾ ( على ) أي فوق ، يقالُ لهم : ماذا تقولونَ في قولِهِ تعالى : ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10 ) ﴾ [ سورة المجادلة ] هل يفهمونَ من هذه الآية أن العبادَ فوق الله ؟ فإن ( على ) تأتي لعلوّ القدرِ وللعلوّ الحِسّيّ ، وقد قالَ الله تعالى مُخبرًا عن فرعون أنه قال : ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ( 24 ) ﴾ [ سورة النازعات ] أرادَ علوَّ القهرِ بقولِِهِ : ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾ .
وقد ذَكَرَ الإمامُ أبو منصورٍ الماتريديُّ في تأويلاتِهِ في قولِهِ تعالى ﴿ ثُمَّ استوى على العرش 54) ﴾ [ سورة الأعراف ] يقولُ : ( أي وقد استوى ) ، ومعناهُ أنَّ الله كانَ مستويًا على العرشِ قبلَ وجودِ السمواتِ والأرضِ ، وبعضُ الناس يتوهَّم من كلمة ( ثم ) أن الله استوى على العرشِ بعد أن لم يكن يظنُّونَ أن ثُمَّ دائمًا للتأخُّر ، ويصحُّ في اللُّغة أن يقالَ أنا أعطيتُكَ يوم كذا كذا وكذا ثم إني أعطيتُكَ قبلَ ذلك كذا وكذا ، فإن ( ثم ) ليست دائمًا للتَّأخُّرِ في الزَّمن ، أحيانًا تأتي لذلكَ وأحيانًا تأتي لغيرِ ذلك ، قال الشَّاعر :
إِنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أبُوهُ ثُمّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهْ
ويُروى عن أمّ سلمةَ إحدى زوجاتِ الرّسولِ ويروى عن سفيانَ بنِ عيينةَ ويروى عن مالكِ بن أنسٍ أنهم فسَّروا استواء الله على عرشِهِ بقولهم: الاستواءُ معلومٌ ولا يقالُ كيفٌ والكيفُ غيرُ معقولٍ . ومعنى قولهم :
( الاستواء معلومٌ ) معناهُ معلومٌ ورودُهُ في القرآنِ أي بأنه مستوٍ على عرشِهِ استواءً يليقُ به ، ومعنى :
( والكيفُ غير معقولٍ ) أي الشَّكلُ والهيئةُ والجلوسُ والاستقرارُ هذا غير معقولٍ أي لا يقبلُهُ العقلُ ولا تجوزُ على الله لأنها من صفات الأجسام ، وسُئِلَ الإمامُ أحمدُ رضي الله عنه عن الاستواء فقال : ( استوى كما أخبَرَ لا كما يَخطُرُ للبشرِ) .
وقد ثبَت عن الإمامِ مالكٍ بإسنادٍ قويّ جيدٍ أنه قال في استواء الله : ( استوى كما وَصَفَ نفسَهُ ولا يقالُ كيف وكيف عنه مرفوعٌ ) ، ولا يصحُّ عن مالكٍ ولا عن غيرِهِ من السلفِ أنه قال الاستواءُ معلومٌ والكيفيةُ مجهولةٌ فهذه العبارةُ لم تَثبُت من حيثُ الإسنادُ عن أحدٍ من السلفِ ، وهي موهِمَةٌ معنًى فاسدًا وهو أن استواءَ الله على العرشِ هو استواءٌ له هيئةٌ وشكلٌ لكن نحنُ لا نعلمُهُ وهذا خلافُ مرادِ السلفِ بقولهم : ( والكيفُ غيرُ معقول ) . وهذه الكلمةُ قالها بعض الأشاعرة مع تنزيهِهِم لله عن الجسميةِ والتحيزِ في المكان والجهةِ وهي كثيرةُ الدورانِ على ألسنةِ المشبهةِ والوهابيةِ لأنهم يعتقدونَ أن المرادَ بالاستواءِ الجلوسُ والاستقرارُ أي عند أغلبِهم وعندَ بعضِهم المحاذاةُ فوق العرش من غير مماسة ، ولا يدرونَ أن هذا هو الكيفُ المنفيُّ عن الله عند السلفِ ، ولا يُغْتَرُّ بوجودِ هذه العبارةِ في كتابِ إحياء علومِ الدينِ ونحوهِ ولا يريدُ مؤلفُهُ الغزاليُّ ما تفهمُهُ المشبهةُ لأنه مُصَرّحٌ في كتبِهِ بأن الله منزهٌ عن الجسميةِ والتحيزِ في المكانِ وعن الحَدّ والمقدارِ لأن الحدَّ والمقدارَ من صفاتِ المخلوقِ قال الله تعالى :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) ﴾ [ سورة الرعد] . فالتحيز في المكان والجهة من صفات الحجم والله ليس حجمًا . وما يوجد في بعض كتب الأشاعرة من هذه العبارة الاستواء معلوم والكيفية مجهولة غلطة لا أساس لها عن السلف لا عن مالك ولا عن غيره وهي شنيعة لأنها يفهم منها المشبه الوهابيّ وغيره أن الاستواء كيفٌ لكن لا نعلمه مجهول عندنا . وأما من أوردها من الأشاعرة فلا يفهمون هذا المعنى بل يفهمون أن حقيقة الاستواء غير معلوم للخلق فالوهابية تقصد بها ما يناسب معتقدها من أن الله حجم له حيّز . والعجب منهم كيف يقولون إنّ الاستواء على العرش حسيّ ثم يصفونه بالكون مجهولا . ولعلهم يريدون بهذا هل هو قعود على شكل تربيع أم على شكل ءاخر.
فإن قيلَ : لماذا قالَ الله تعالى بأنه استوى على العرشِ على حَسَبِ تفسيرِكم بمعنى قَهَر وهو قَاهرُ كلّ شئٍ ؟ نقول لهم : أليسَ قال : ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( 129) ﴾ [ سورة التوبة] مع أنه ربُُّ كلّ شئٍ؟!
قال المؤلف رحمه الله : كَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
قَد اسْتَوَى بِشْرٌ علَى العِراقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراقِ
الشرح: ( مهراق) تُلفظ القافُ المكسورة وكأَنَّ في ءاخرِها ياءً ولو لم تكن الياءُ مكتوبةً ، والمعنى أنه سَيطَرَ على العراقِ ومَلَكَهَا من غير حَربٍ وإراقَةِ دِمَاءٍ .
قال المؤلف رحمه الله : وفَائِدَةِ تَخْصِيص العَرْشِ بالذّكْرِ أنَّهُ أعْظَمُ مَخلُوقَاتِ الله تَعَالى حجمًا فيُعْلَمُ شُمُولُ ما دُوْنَه مِنْ بَابِ الأَوْلَى . قَالَ الإمَامُ عَلِيٌّ : ( إنَّ الله تَعَالى خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لقُدْرَتِهِ ، ولمْ يَتّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ ). رواهُ الإمامُ المحدثُ الفقيهُ اللغويُّ أبو منصورٍ التميميُّ في كتابهِ التبصرة .
الشرح: إذا قلنا : الله تعالى قهر العرش معناهُ قَهَرَ كلَّ شئٍ وإنما خصَّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات حجمًا وهو محدود لا يعلم حده إلا الله . وبئسَ معتقدُ ابن تيمية فإنه قال : الله محدود لكن لا يعلم حده إلا هو اهـ فيقال لمن يقول قوله هذا قد قلت الله محدود لكن لا يعلم حده إلا هو فقد شبهته بالعرش فماذا يفيد قولكم في الله إن له حدًا لكن لا يعلم حده إلا هو .
فإن قيلَ : كيفَ تقولونَ خَلقَهُ إظهارًا لقدرتِهِ ونحنُ لا نَراهُ ؟ نقولُ : الملائكةُ الحافُّون حولَهُ يرونَهُ والملائكةُ لما ينظرونَ إلى عِظَمِ العرشِ يزدادونَ خوفًا ويزدادونَ عِلمًا بكمالِ قدرةِ الله ، لهذا خَلَقَ الله العرشَ . وقولُ سيدنا علي الذي مرّ ذكره رواهُ الإمام أبو منصورٍ البغداديُّ في كتابه التبصرة.
قال المؤلف رحمه الله: أَوْ يُقَالُ : اسْتَوَى اسْتِوَاءً يَعْلَمُهُ هُوَ مَع تَنزِيْهِهِ عن اسْتِواءِ المخْلُوقِيْنَ كَالجُلوسِ والاسْتِقرارٍ .
الشرح: مَن شَاءَ يقولُ : استوى استواءً يليقُ بهِ من غير أن يُفَسّرَهُ بالقهرِ أو نحوهِ فيكونُ أوَّل تأويلاً إجماليًّا ، ومن شَاءَ أوَّلَ تأويلاً تفصيليًّا فقال: استوى أي قَهَرَ .
قال المؤلف رحمه الله : واعْلَم أَنَّه يَجِبُ الحَذَرُ مِنْ هؤلاءِ الذينَ يُجِيزُوْنَ علَى الله القُعُودَ علَى العَرْشِ والاسْتِقْرارِ عليه مُفَسّرينَ لِقَوله تعالى : ﴿ الرحمن على العرش استوى(5) ﴾ بالجُلُوسِ أو المحاذاةِ من فوق.
الشرح: هؤلاءِ هم الوهابية وقَبلهم أناسٌ كانوا يعتقدونَ ذلكَ ففسَّروا الآيةَ بالجلوسِ فقالوا : الله تعالى قاعدٌ على العرشِ ، هؤلاءِ يجبُ الحَذَرُ منهم .
قال المؤلف رحمه الله : ومُدَّعِينَ أَنَّه لا يُعقَلُ مَوْجُودٌ إلا في مَكَانٍ ، وحُجَّتُهم دَاحِضَةٌ.
الشرح: يقولون : كيفَ يكونُ موجودٌ بلا مكانٍ ، والموجودُ لا بدَّ له من مكانٍ ، الله موجود إذًا له مكانٌ ، وحجَّتُهم هذِهِ داحضةٌ باطلةٌ ، لأنهُ ليسَ من شرطِ الوجودِ التحيزُ في المكانِ أليسَ الله كان موجودًا قبل المكانِ والزمانِ وكلّ ما سواهُ بشهادةِ حديثِ : ( كان الله ولم يكن شئٌ غيرُهُ ) فالمكانُ غيرُ الله والجهاتُ الحجمُ غيرُ الله فإذًا صحَّ وجودُهُ تعالى شرعًا وعقلاً قبلَ المكانِ والجهاتِ بلا مكانٍ ولا جهةٍ ، فكيفَ يستحيلُ على زعم هؤلاءِ وجودُهُ تعالى بلا مكانٍ بعد خلقِ المكانِ والجهاتِ . ومصيبةُ هؤلاءِ أنهم قاسوا الخالقَ على المخلوقِ قالوا : كما لا يُعقَلُ وجودُ إنسانٍ أو مَلَكٍ أو غيرِ ذلكَ من الأجسامِ بلا مكانٍ يستحيلُ وجودُ الله بلا مكانٍ فَهَلَكوا .
قال المؤلف رحمه الله : ومُدَّعِيْنَ أيضًا أنَّ قَوْلَ السَّلَفِ استوى بلا كَيْفٍ مُوافِقٌ لذَلِكَ وَلم يَدْرُوا أنَّ الكَيْفَ الذي نَفَاهُ السَّلَفُ هُوَ الجُلُوسُ والاسْتِقْرارُ والتّحَيُّزُ إلى المَكَانِ والمُحَاذاةُ وكلُّ الهيئاتِ من حركةٍ وسكونٍ وانفعَالٍ .
الشرح: المحاذاةُ والجلوسُ والاستقرارُ هذا الكيفُ الذي نفاهُ السَّلفُ الذين قالوا في قوله تعالى :
﴿ الرحمن على العرش استوى(5) ﴾ استوى بلا كيفٍ ، ومرادُهُم بقولهم بلا كيفٍ ليسَ استواءَ الجلوسِ والاستقرارِ والمحاذاةِ . المحاذاةُ معناهُ كونُ الشّئِ في مقابلِ شئٍ ، فنحنُ حينَ نكونُ تحتَ سطحٍ فنحنُ في محاذاتِهِ ، وحينَ نكونُ في الفضاءِ نكونُ في محاذاةِ السماءِ ، والسماءُ الأولى تحاذي السماءَ التي فوقَها ، و الكرسي يحاذي العرشَ ، والعرش يحاذي الكرسيّ من تحت ، والله تَعَالَى لا يجوزُ عليهِ أن يكونَ مضطجِعًا عليهِ ولا أن يكونَ في محاذاتِهِ ، إذ المحاذي إما أن يكونَ مساويًا للمحاذَى وإما أن يكونَ أكبر منهُ وإما أن يكونً أصغر منهُ ، وكلُّ هذا لا يصحُّ إلا للشّئ الذي له جِرمٌ ومساحةٌ والذي له جِرمٌ ومساحةٌ محتاجٌ إلى من رَكَّبَهُ ، والله منزَّهٌ عن ذلك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقلت لكم من أحدى المواقع هذا التفسير
لتعلقه بالردود على الوهابية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين ..
اما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
قال المؤلف رحمه الله : تَفسِيرُ الآيةِ: ﴿ الرحمن على العرش استوى﴾[5 سورة طه] .
يَجِبُ أن يكونَ تفسيرُ هذه الآية بغيرِ الاستِقرارِ والجلوسِ ونحوِ ذلكَ ويَكفُر من يعتَقِدُ ذَلِكَ .
الشرح: الذي يعتقدُ أن معنى قولِ الله تعالى: ﴿ الرحمن على العرش استوى﴾(5) جَلَسَ أو استقرَ أو حاذَى العرشَ يَكفُر.
قال المؤلف رحمه الله: فَيَجِبُ تَركُ الحَملِ على الَظاهِر بَل يُحَملُ على مَحْملٍ مُستَقيمٍ في العُقُولِ فتُحمَلُ لفظَةُ الاستِواءِ على القَهرِ ففي لُغَةِ العَرَبِ يُقالُ استَوى فُلانٌ على المَمَالِكِ إذا احتَوَى على مَقَالِيدِ المُلكِ واستَعلى على الرقَابِ.
الشرح:ءاية الاستواءَ تُحملُ على القهرِ ، أو يُقالُ استوى استواءً يليقُ به، أو يقال :
﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ بلا كيفٍ ، أما من أرادَ التأويلَ التفصيليَ فيقولُ قَهَرَ ويجوزُ أن يقولَ استولى.
ومعنى قول المؤلف: (( واستعلى على الرقَابِ )) اي استولى على الأشخاصِ اي على أهل البلدِ.
ومعنى قَهرِ الله للعرشِ الذي هو أعظمُ المخلوقاتِ أن العرشَ تحت تصرُّف الله هو خلقَهُ وهو يحفظهُ ، يحفظُ عليهِ وجودهُ ولولا حفظُ الله تعالى له لهَوى إلى الأسفلِ فتحطَّمَ ، فالله تعالى هو أوجدَهُ ثم هو حفظهُ وأبقاهُ ، هذا معنى قَهَرَ العرشَ ، هو سبحانَهُ قاهرُ العالم كلّه ، هذه الشّمسُ والقمرُ والنّجومُ لولا أن الله يحفظُها على هذا النّظامِ الذي هي قائمةٌ عليه لكانت تهاوَت وحطَّم بعضُها بعضًا واختلَّ نظامُ العالمِ .
والإنسانُ قهرَهُ الله بالموتِ ، أيُّ مَلِكٍ وأيُّ إنسانٍ رُزِقَ عمرًا طويلاً لا يملكُ لنفسِهِ أن يحميَ نفسَهُ من الموتِ فلا بدَّ أن يموتَ .
وليُعلَم أن الاستواءَ في لغةِ العربِ له خمسة عشرَ معنًى كما قالَ الحافظُ أبو بكر بن العربيّ ومن معانيهِ : الاستقرارُ والتَّمامُ والاعتدَال والاستعلاءُ والعلوُّ والاستيلاءُ وغير ذلك ، ثم هذه المعاني بعضُها تليقُ بالله وبعصُها لا تليقُ بالله . فما كان من صفات الأجسام فلا يليق بالله .
يقولُ حسن البنّا في كتابِ العقائدِ الأسلاميَّةِ : ( السَّلفُ والخلفُ ليس بينهم خلافٌ على أنه لا يجوزُ حملُ ءايةِ الاستواءِ على المعنى المتبادرِ ) وهذا الكلام من جواهِرِ العلمِ .
فإن قالَ الوهَّابيُّ : ﴿ الرحمن على العرش استوى ( 5) ﴾ ( على ) أي فوق ، يقالُ لهم : ماذا تقولونَ في قولِهِ تعالى : ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10 ) ﴾ [ سورة المجادلة ] هل يفهمونَ من هذه الآية أن العبادَ فوق الله ؟ فإن ( على ) تأتي لعلوّ القدرِ وللعلوّ الحِسّيّ ، وقد قالَ الله تعالى مُخبرًا عن فرعون أنه قال : ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ( 24 ) ﴾ [ سورة النازعات ] أرادَ علوَّ القهرِ بقولِِهِ : ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾ .
وقد ذَكَرَ الإمامُ أبو منصورٍ الماتريديُّ في تأويلاتِهِ في قولِهِ تعالى ﴿ ثُمَّ استوى على العرش 54) ﴾ [ سورة الأعراف ] يقولُ : ( أي وقد استوى ) ، ومعناهُ أنَّ الله كانَ مستويًا على العرشِ قبلَ وجودِ السمواتِ والأرضِ ، وبعضُ الناس يتوهَّم من كلمة ( ثم ) أن الله استوى على العرشِ بعد أن لم يكن يظنُّونَ أن ثُمَّ دائمًا للتأخُّر ، ويصحُّ في اللُّغة أن يقالَ أنا أعطيتُكَ يوم كذا كذا وكذا ثم إني أعطيتُكَ قبلَ ذلك كذا وكذا ، فإن ( ثم ) ليست دائمًا للتَّأخُّرِ في الزَّمن ، أحيانًا تأتي لذلكَ وأحيانًا تأتي لغيرِ ذلك ، قال الشَّاعر :
إِنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أبُوهُ ثُمّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهْ
ويُروى عن أمّ سلمةَ إحدى زوجاتِ الرّسولِ ويروى عن سفيانَ بنِ عيينةَ ويروى عن مالكِ بن أنسٍ أنهم فسَّروا استواء الله على عرشِهِ بقولهم: الاستواءُ معلومٌ ولا يقالُ كيفٌ والكيفُ غيرُ معقولٍ . ومعنى قولهم :
( الاستواء معلومٌ ) معناهُ معلومٌ ورودُهُ في القرآنِ أي بأنه مستوٍ على عرشِهِ استواءً يليقُ به ، ومعنى :
( والكيفُ غير معقولٍ ) أي الشَّكلُ والهيئةُ والجلوسُ والاستقرارُ هذا غير معقولٍ أي لا يقبلُهُ العقلُ ولا تجوزُ على الله لأنها من صفات الأجسام ، وسُئِلَ الإمامُ أحمدُ رضي الله عنه عن الاستواء فقال : ( استوى كما أخبَرَ لا كما يَخطُرُ للبشرِ) .
وقد ثبَت عن الإمامِ مالكٍ بإسنادٍ قويّ جيدٍ أنه قال في استواء الله : ( استوى كما وَصَفَ نفسَهُ ولا يقالُ كيف وكيف عنه مرفوعٌ ) ، ولا يصحُّ عن مالكٍ ولا عن غيرِهِ من السلفِ أنه قال الاستواءُ معلومٌ والكيفيةُ مجهولةٌ فهذه العبارةُ لم تَثبُت من حيثُ الإسنادُ عن أحدٍ من السلفِ ، وهي موهِمَةٌ معنًى فاسدًا وهو أن استواءَ الله على العرشِ هو استواءٌ له هيئةٌ وشكلٌ لكن نحنُ لا نعلمُهُ وهذا خلافُ مرادِ السلفِ بقولهم : ( والكيفُ غيرُ معقول ) . وهذه الكلمةُ قالها بعض الأشاعرة مع تنزيهِهِم لله عن الجسميةِ والتحيزِ في المكان والجهةِ وهي كثيرةُ الدورانِ على ألسنةِ المشبهةِ والوهابيةِ لأنهم يعتقدونَ أن المرادَ بالاستواءِ الجلوسُ والاستقرارُ أي عند أغلبِهم وعندَ بعضِهم المحاذاةُ فوق العرش من غير مماسة ، ولا يدرونَ أن هذا هو الكيفُ المنفيُّ عن الله عند السلفِ ، ولا يُغْتَرُّ بوجودِ هذه العبارةِ في كتابِ إحياء علومِ الدينِ ونحوهِ ولا يريدُ مؤلفُهُ الغزاليُّ ما تفهمُهُ المشبهةُ لأنه مُصَرّحٌ في كتبِهِ بأن الله منزهٌ عن الجسميةِ والتحيزِ في المكانِ وعن الحَدّ والمقدارِ لأن الحدَّ والمقدارَ من صفاتِ المخلوقِ قال الله تعالى :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) ﴾ [ سورة الرعد] . فالتحيز في المكان والجهة من صفات الحجم والله ليس حجمًا . وما يوجد في بعض كتب الأشاعرة من هذه العبارة الاستواء معلوم والكيفية مجهولة غلطة لا أساس لها عن السلف لا عن مالك ولا عن غيره وهي شنيعة لأنها يفهم منها المشبه الوهابيّ وغيره أن الاستواء كيفٌ لكن لا نعلمه مجهول عندنا . وأما من أوردها من الأشاعرة فلا يفهمون هذا المعنى بل يفهمون أن حقيقة الاستواء غير معلوم للخلق فالوهابية تقصد بها ما يناسب معتقدها من أن الله حجم له حيّز . والعجب منهم كيف يقولون إنّ الاستواء على العرش حسيّ ثم يصفونه بالكون مجهولا . ولعلهم يريدون بهذا هل هو قعود على شكل تربيع أم على شكل ءاخر.
فإن قيلَ : لماذا قالَ الله تعالى بأنه استوى على العرشِ على حَسَبِ تفسيرِكم بمعنى قَهَر وهو قَاهرُ كلّ شئٍ ؟ نقول لهم : أليسَ قال : ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( 129) ﴾ [ سورة التوبة] مع أنه ربُُّ كلّ شئٍ؟!
قال المؤلف رحمه الله : كَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
قَد اسْتَوَى بِشْرٌ علَى العِراقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراقِ
الشرح: ( مهراق) تُلفظ القافُ المكسورة وكأَنَّ في ءاخرِها ياءً ولو لم تكن الياءُ مكتوبةً ، والمعنى أنه سَيطَرَ على العراقِ ومَلَكَهَا من غير حَربٍ وإراقَةِ دِمَاءٍ .
قال المؤلف رحمه الله : وفَائِدَةِ تَخْصِيص العَرْشِ بالذّكْرِ أنَّهُ أعْظَمُ مَخلُوقَاتِ الله تَعَالى حجمًا فيُعْلَمُ شُمُولُ ما دُوْنَه مِنْ بَابِ الأَوْلَى . قَالَ الإمَامُ عَلِيٌّ : ( إنَّ الله تَعَالى خَلَقَ العَرْشَ إِظْهَارًا لقُدْرَتِهِ ، ولمْ يَتّخِذْهُ مَكَانًا لِذَاتِهِ ). رواهُ الإمامُ المحدثُ الفقيهُ اللغويُّ أبو منصورٍ التميميُّ في كتابهِ التبصرة .
الشرح: إذا قلنا : الله تعالى قهر العرش معناهُ قَهَرَ كلَّ شئٍ وإنما خصَّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات حجمًا وهو محدود لا يعلم حده إلا الله . وبئسَ معتقدُ ابن تيمية فإنه قال : الله محدود لكن لا يعلم حده إلا هو اهـ فيقال لمن يقول قوله هذا قد قلت الله محدود لكن لا يعلم حده إلا هو فقد شبهته بالعرش فماذا يفيد قولكم في الله إن له حدًا لكن لا يعلم حده إلا هو .
فإن قيلَ : كيفَ تقولونَ خَلقَهُ إظهارًا لقدرتِهِ ونحنُ لا نَراهُ ؟ نقولُ : الملائكةُ الحافُّون حولَهُ يرونَهُ والملائكةُ لما ينظرونَ إلى عِظَمِ العرشِ يزدادونَ خوفًا ويزدادونَ عِلمًا بكمالِ قدرةِ الله ، لهذا خَلَقَ الله العرشَ . وقولُ سيدنا علي الذي مرّ ذكره رواهُ الإمام أبو منصورٍ البغداديُّ في كتابه التبصرة.
قال المؤلف رحمه الله: أَوْ يُقَالُ : اسْتَوَى اسْتِوَاءً يَعْلَمُهُ هُوَ مَع تَنزِيْهِهِ عن اسْتِواءِ المخْلُوقِيْنَ كَالجُلوسِ والاسْتِقرارٍ .
الشرح: مَن شَاءَ يقولُ : استوى استواءً يليقُ بهِ من غير أن يُفَسّرَهُ بالقهرِ أو نحوهِ فيكونُ أوَّل تأويلاً إجماليًّا ، ومن شَاءَ أوَّلَ تأويلاً تفصيليًّا فقال: استوى أي قَهَرَ .
قال المؤلف رحمه الله : واعْلَم أَنَّه يَجِبُ الحَذَرُ مِنْ هؤلاءِ الذينَ يُجِيزُوْنَ علَى الله القُعُودَ علَى العَرْشِ والاسْتِقْرارِ عليه مُفَسّرينَ لِقَوله تعالى : ﴿ الرحمن على العرش استوى(5) ﴾ بالجُلُوسِ أو المحاذاةِ من فوق.
الشرح: هؤلاءِ هم الوهابية وقَبلهم أناسٌ كانوا يعتقدونَ ذلكَ ففسَّروا الآيةَ بالجلوسِ فقالوا : الله تعالى قاعدٌ على العرشِ ، هؤلاءِ يجبُ الحَذَرُ منهم .
قال المؤلف رحمه الله : ومُدَّعِينَ أَنَّه لا يُعقَلُ مَوْجُودٌ إلا في مَكَانٍ ، وحُجَّتُهم دَاحِضَةٌ.
الشرح: يقولون : كيفَ يكونُ موجودٌ بلا مكانٍ ، والموجودُ لا بدَّ له من مكانٍ ، الله موجود إذًا له مكانٌ ، وحجَّتُهم هذِهِ داحضةٌ باطلةٌ ، لأنهُ ليسَ من شرطِ الوجودِ التحيزُ في المكانِ أليسَ الله كان موجودًا قبل المكانِ والزمانِ وكلّ ما سواهُ بشهادةِ حديثِ : ( كان الله ولم يكن شئٌ غيرُهُ ) فالمكانُ غيرُ الله والجهاتُ الحجمُ غيرُ الله فإذًا صحَّ وجودُهُ تعالى شرعًا وعقلاً قبلَ المكانِ والجهاتِ بلا مكانٍ ولا جهةٍ ، فكيفَ يستحيلُ على زعم هؤلاءِ وجودُهُ تعالى بلا مكانٍ بعد خلقِ المكانِ والجهاتِ . ومصيبةُ هؤلاءِ أنهم قاسوا الخالقَ على المخلوقِ قالوا : كما لا يُعقَلُ وجودُ إنسانٍ أو مَلَكٍ أو غيرِ ذلكَ من الأجسامِ بلا مكانٍ يستحيلُ وجودُ الله بلا مكانٍ فَهَلَكوا .
قال المؤلف رحمه الله : ومُدَّعِيْنَ أيضًا أنَّ قَوْلَ السَّلَفِ استوى بلا كَيْفٍ مُوافِقٌ لذَلِكَ وَلم يَدْرُوا أنَّ الكَيْفَ الذي نَفَاهُ السَّلَفُ هُوَ الجُلُوسُ والاسْتِقْرارُ والتّحَيُّزُ إلى المَكَانِ والمُحَاذاةُ وكلُّ الهيئاتِ من حركةٍ وسكونٍ وانفعَالٍ .
الشرح: المحاذاةُ والجلوسُ والاستقرارُ هذا الكيفُ الذي نفاهُ السَّلفُ الذين قالوا في قوله تعالى :
﴿ الرحمن على العرش استوى(5) ﴾ استوى بلا كيفٍ ، ومرادُهُم بقولهم بلا كيفٍ ليسَ استواءَ الجلوسِ والاستقرارِ والمحاذاةِ . المحاذاةُ معناهُ كونُ الشّئِ في مقابلِ شئٍ ، فنحنُ حينَ نكونُ تحتَ سطحٍ فنحنُ في محاذاتِهِ ، وحينَ نكونُ في الفضاءِ نكونُ في محاذاةِ السماءِ ، والسماءُ الأولى تحاذي السماءَ التي فوقَها ، و الكرسي يحاذي العرشَ ، والعرش يحاذي الكرسيّ من تحت ، والله تَعَالَى لا يجوزُ عليهِ أن يكونَ مضطجِعًا عليهِ ولا أن يكونَ في محاذاتِهِ ، إذ المحاذي إما أن يكونَ مساويًا للمحاذَى وإما أن يكونَ أكبر منهُ وإما أن يكونً أصغر منهُ ، وكلُّ هذا لا يصحُّ إلا للشّئ الذي له جِرمٌ ومساحةٌ والذي له جِرمٌ ومساحةٌ محتاجٌ إلى من رَكَّبَهُ ، والله منزَّهٌ عن ذلك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رضوان- عدد الرسائل : 228
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 11/12/2007
رد: تفسير قول الله تعالى : الرحمن على العرش استوى
بارك الله فيك أخي رضوان
والقول ما ذكرته في المقالة من قول الأيمة الأعلام وساداتنا الأشاعرة رضي الله عنهم.
فمن يقول: إستوى بمعنى جلس واستقرّ فيه تخبط كبير ، فكيف يخلق ربنا شيئا ويجلس ويستقرّ عليه ؟؟ منطق عجيب جدا .
وأضيف أنّ ما يقوله المجسمة الوهابية شبيه بقول اليهود أنه جل وعلا استراح في اليوم السادس بعد عناء الخلق، نعوذ بالله من طمس البصائر.
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: تفسير قول الله تعالى : الرحمن على العرش استوى
والصلاة والسلام على المحقق الاعظم واله وصحبه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك لطيفة من اللطائف جادت بها قريحة الشيخ العارف بالله تعالى سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه في كتابه اداب العبودية تتناول هذا البحث.
قال رضي الله عنه فيما معناه : القائل بالاستواء جريا على ظاهر اللفظ مخطىء بكل وجه وذلك ان كلام الله تعالى قديم غير مخلوق باتفاق المسلمين الا المعتزلة فالله تعالى اخبر في كلامه القديم انه استوى على العرش قبل خلق العرش وقبل خلق المخلوقات باسرها فكيف يكون معنى الاستواء كما فسره المجسمين وهذه حجة ظاهرة على بطلان كلامهم بلا ريب . انتهى معنى كلامه رضي الله عنه
واقول : ان الاستواء بمعنى علو المكان محال على الله تعالى اما علو المكانة فصحيح لانه العلي الكبير ويمكن فهم استحالة المكان والجهة في حق الباري جل وعلا عقلا ونقلا .
اما عقلا فكما ورد في اقوال اهل الكلام من ان التحيز والحركة كالجلوس والنزول من احكام الاجسام فليس هناك غير الجسم والجوهر والعرض وجميع احكامها منتفية عن الله تعالى ببديهة العقل فالجسم مثلا يمكن ان يكون في جهة من الجهات الست لانه يقبل التحيز ويجري عليه حكم الزمان والمكان والجسم مركب من اجزاء لا تقبل الانقسام في ذاتها وهي المعبر عن مفردها بالجوهر فالقلب مثلا جوهر لا يقبل القسمة ولا يقوم الا في جسم مركب وكذلك العرض فهي حالة لا ثبوت لها كالصفرة او الحمرة عند الخوف او الخجل على الوجه فمن فسر الاستواء بمعنى علو المكان او الجلوس وكل ما يشم منه رائحة التحيز او الحركة فهو على ضلالة عظيمة في عقائد التوحيد من غير شك هذا من احكام العقل والتي هي الوجوب الاستحالة الجواز فمحال كل هذا على الله تعالى
قال الامام مالك رحمه الله تعالى لما سالوه عن معنى الاستواء قال : "الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة "
فقوله الاستواء معلوم: اي اننا علمنا عن طريق السمع وذلك باخبار الله تعالى في الاية الكريمة "الرحمان على العرش استوى" اي ان الاستواء معلوم سمعا وخبرا لا كما يفسره الخصوم من ان المقصود من لفظة "معلوم " حقيقة الاستواء وتقريرا لما علق بافكارهم من التجسيم وانما تقريرا للخبر والعلم السمعي اليقيني .
وقوله الكيف مجهول : بداية هذا دليل على ان المقصود بكلمة "معلوم " ليست حقيقة الاستواء وانما خبر الاستواء فاذا كنا قد علمنا حقيقة الاستواء كما يزعمون فيكون الكلام متناقضا اذا صدقنا بأن الكيف مجهول وانما اراد الامام مالك رحمه الله بقوله "الكيف مجهول" نفي التشبيه والتجسيم عن عقول السامعين لذاك نعت السائل بأنه صاحب بدعة بهذا السؤال لعلمه بأن الخوض في مثل هذه المسائل بمجرد العقل البشري من اعظم المزالق والمخاطر
وقوله " والايمان به واجب " دليل ثاني على صحة تفسير قول الامام رحمه الله " الاستواء معلوم " بأنه معلوم عن طريق السمع من غير فهم حقيقته والعقول بداهة لا تؤمن الا بما هضمته وعلمته وفهمته وتيقنت منه لا المقصود بأن الايمان به واجب اي الايمان بتفسير عقولنا لمعنى الاستواء كما يشطح بذلك اهل التجسيم من السلفية وغيرهم انما الايمان به واجب لان عقولنا لن تدرك معانيه مهما حاولت فشؤون الخالق سبحانه محجوبة عن العقول وغاية امر العقل في الفهم العالم المحسوس " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار" ولذا لما كان سيدنا ابراهيم عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام يعاين انوار الصفات المذكورة في الايات الكريمة قال في الاخير: اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض مسلما حنيفا وما انا من المشركين " فالله الله الله على هذا المشرب البراهيمي المقدس ويا لله ما اجمل هذا التوحيد وما ارقاه وهذه الاية تتلى عند دخول بحر الفناء التام بالنسبة لاهل السير فلا بد لكل فقير ان يتلو هذه الاية كما تلاها سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام عند ولوجه هذا المقام وهذا هو معنى حقيقة تلاوة القران بالنسبة للسالكين رضي الله عنهم وارضاهم وهذا معنى قولها " كان خلقه القران" وهذا معنى " الرحمان علم القران " وهذا معنى قوله " اقرأ باسم ربك" اي اقرأ به
اما قوله "والسؤال عنه بدعة" نعم وهي من اعظم البدع بلا ريب فالخوض في شؤون الاله من غير سلوك بطالة وبدعة من القول وجدال في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .وانما خاض علماء الامة في هذه المباحث ليس لكونهم مبتدعين فحاشاهم من ذلك وانما لابطال عقائد التجسيم والتشبيه في حق الله سبحانه وتعالى التي خاض فيها المجسمة في كل زمان من التاريخ الاسلامي ومن الكفار المندسين بين اهل الاسلام ومن جرا في فلكهم من الفلاسفة والا فالفطرة السليمة كفيلة بحفظ الله تعالى ان تحفظ للمؤمن ايمانه من العقائد الفاسدة .قال لي احد ممن ينتسبون الى السلفية وهو من المقربين من اعيان مشائخهم من الذين يظهرون على القنوات الفضائية: انا منذ صغري ومنذ ان كنت على الفطرة لما ارى اهل بلدتنا وهم في العابهم النارية على الخيول ببنادقهم وعندما يطلقون النار في الهواء تجاه السماء كنت ابكي واقول لهم لا تطلقوا النار فان ربنا في السماء في جهة العلو " فقلت له : هذه ليست فطرة سليمة فلو كانت فطرة سليمة لعلمت ايضا بان ربنا لا تلحقه النار وهو حي لا يموت ولو علمت هذا لما كنت قد بكيت " فسكت***
اهل السنة والجماعة الذين هم مجموع الاشاعرة نسبة للامام الجليل ابي الحسن الاشعري ومجموع الماتريدية نسبة للامام ابي منصور الماتريدي رضي الله عنهما وها اني اضيف ما يتيسر ان شاء الله تعالى :
المعلوم ان مباحث العقيدة الاسلامية من اهم المباحث واخطرها والناس من حيث فهمها وتحريرها على اقسام ثلاثة :
-هناك المقلد : وهو الذي ليس في مقدوره النظر والاستدلال اي انه يكتفي بتقليد العلماء في مباحث الايمان فكل ما قاله العالم الذي اليه يطمئن قلبه اخذه من غير سؤال ولا بحث لعدم قدرته على النظر في تفاصيل الادلة وتقرير البراهين وهذا ان شاء الله سالم من كل شبهة فهو على فطرته السليمة قال الامام ابو حامد الغزالي < اللهم ارزقني ايمان العجائز> قال هذا لان اهل هذا التوحيد سالمون من جميع الشبهات وعلى هذا اغلب المسلمين .
-هناك طالب العلم : وهو الذي توفرت فيه استطاعة النظر في مقام الدليل والبرهان وذلك بمعرفة الادلة والبحث في تقرير براهينها وهذا يشمل العالم ايضا وهذا النظر يكون نقلا وعقلا , فعقلا يسمى المبحث بعلم الكلام لانه يستغرق الكثير من الكلام لدقة احكام العقل فيه فهو شبيه بالفلسفة من ناحية التفصيل ولم يكن اثبات هذه المباحث العقلية من سنة السلف الصالح ولا مدحوا ذلك بل ذموه بكل وجه مخافة ان يتسرب شيء من الشبهات الى قلوب العامة فتفسد به عقائدهم ولو لا ان الاعاجم لما دخلوا في هذا الدين لم يأتوا بشبههم الفلسفية العقلية وترجموها الى لغة العرب لما احتاج علماء العقيدة من امة الاسلام الى تقرير مثل هذا العلم وتحريره وتدوينه حتى اصبح مقررا دراسيا في مدراس المسلمين الشرعية التي تقوم بتخريج العلماء والمنافحين عن هذا الدين عقيدة وسلوكا فهذا العلم له اسباب ودوافع ومراحل معينة مر بها وهذا العلم قرره العلماء رضي الله عنهم لكي يبطلوا شبه العقول ومقاييسها الفلسفية والمنطقية بميزان العقل واحكامه الضرورية فأفشلوا بهذا شبه بعض الفرق الاسلامية التي ضلت في فهمها للعقيدة بعد ان تأثرت بأقوال ومناطق اهل الفلسفة كالمعتزلة الذين قدموا حكم العقل وجعلوه مقياسا على النقل ومتحكما عليه وقد اضلوا كثيرا من الناس بشبههم العقلية هذه فيسر الله تعالى بفضله نخبة فريدة من خيرة علماء امة الاسلام رضي الله عنهم تصدوا الى هذه الضلالات والمفاسد وردوا على اصحابها بمقتضيات اقوالهم واستلزامات عقلهم وبهذا بزغ نجم الامام ابو الحسن الاشعري رضي الله عنه في ابطال مذهبهم في اصول استدلالاتهم بعد ان كان ملازما لمذهبهم فترة من الوقت فلما ترجح له بطلانهم رد عليهم الردود بلازم قولهم فأحيا الله به المشرب التوحيدي السني المحمدي الصافي وهنا اسس قواعد علم النظر والاستدلال العقلي بتقرير البراهين العقلية والمنطقية التي تنسجم مع النقل انسجاما كاملا حتى اضحى هذا العلم كالتفسير لمجمل العقيدة في الكتاب والسنة , والاحكام العقلية ثلاثة اما ان يكون الشيء واجبا اي الوجوب مثل وجود الله تعالى فانه واجب الوجود فمحال بالبراهين العقلية والمنطق ان لا يكون موجودا فمثلا عندما نقول في علم المقدمات : الكون حادث اي مخلوق ولا بد في العقل لكل حادث من محدث فالنتيجة العقلية التي نخرج بها ان هناك محدث بكسر الدال فامر وجوده واجب , الحكم العقلي الثاني : الاستحالة فمثلا : عندما نقرأ قوله تعالى < الرحمان على العرش استوى > لا يتبادر الى اذهاننا ان الاستواء بمعنى الجلوس او المكان لاستحالة ذلك على الله تعالى لانه لا يشبه الحادثات اي المخلوقات والجلوس من لوازم الاجسام والجسم مركب من اجزاء فنقول محال على الله تعالى ان يكون الاستواء في حقه بمعنى الجلوس هذا عقلا , الحكم العقلي الثالث:الجائز وهو الذي يقبل الوجهين اي يمكن ان يكون ويمكن ان لا يكون كخلق الخلائق مثلا لان وجودنا ليس ذاتيا من تلقاء انفسنا وكذلك بالنسبة لافعال الله كلها فيمكن ان يعذب ويمكن ان يغفر فلا يجب عليه شيء وهوالقادر على كل شيء .ويتناول هذا المبحث العقلي واحكامه شؤون الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام فمثلا نقول : يستحيل على الرسول المبلغ عن الله < الكذب> فيكون الصدق واجبا في حقه اما احكام البشرية كالنسيان والسهو والاكل والشرب والنوم والتزوج فجائزة عليه كأي بشر لانه بشر له احكام البشرية .
اما نقلا : فهو مبحث الاستدلال بالنصوص القرانية والحديثية التي تفيد الدليل القطعي على العقيدة الاسلامية وتفسيرها ومن هنا ايضا ضل الكثير من اهل الفرق الاسلامية كالخوارج والسلفية والشيعة وغيرهم وذلك انهم تصرفوا في النصوص بقواعد علمية ناقصة وفسروها تفسيرا ترفضه القواعد العلمية الصحيحة المجمع على سلامتها ودقتها ويتناول هذا المبحث علم التاويل بالقرائن العلمية وعلم اللغة التي بها انزل القران الكريم وفي هذا تفسر الايات المتشابهات بالايات المحكمات والاحاديث الصحيحات التي تفيد القطع لا الظن فمثلا عندما نقرأ اية : < الرحمان على العرش استوى > لا يتبادر الى الذهن ان الاستواء استواء المكان لعلمنا بأن الله تعالى يقول <ليس كمثله شيء> اي في ذاته وصفاته وافعاله فنعلم حينها ان استواء البشر بمعنى الجلوس اما استواء الله تعالى على العرش فلا ندري كنهه ولا نعلم حقيقته فنفوض حقيقة امره الى الله تعالى فنقول :استوى كما قال وبالمعنى الذي اراد من غير ان يتسرب الى الفكر معنى الجلوس لعلمنا ان الله ليس كمثله شيء وكذلك بقية الافعال كالضحك والتعجب والنزول وكذلك جميع ما اخبرنا به مثل اليدين والساق والوجه ..الخ
وقد امرنا الله تعالى بان لا نخوض في المتشابه من القران لان ذلك علامة مرض القلب وانما سماه الله بالمتشابه لانه يختلط فيه على الانسان الشبه بين الخالق والمخلوق وهو دليل على ان الخالق لا يشبه المخلوق باي وجه على الاطلاق والادلة كثيرة جدا وصلت حد افادة العلم اليقيني فالحمد لله. اما الذين اجروا الفاظ القران المتعلقة بالجناب الالهي على ظاهرها ذلك لكونهم لا حظ لهم من علم المعاني ونقص زادهم في علم اللغة حتى انهم انكروا مجاز اللغة بشبه ظاهرها صحيح ومعناها باطل بكل وجه وهذا الامر له ارتباط كبير بشفافية القلب وسيولة الروح لان المعاني هي التي استعملت مباني الالفاظ وليس العكس فالمعاني سابقة للمباني فمن كان ذا معنى كان اللفظ له والا فعليه والشيء يتبع بعضه فمن انكر بحر المعاني انكر ضرورة كل ما يؤدي اليه كعلم السلوك والفتح والالهام والمشاهدة والتبرك والكرامة ووقف مع احكام اللفظ عقلا ظاهرا لا معنى قلبي يعضده .
- هناك اهل العرفان من اهل السلوك: وهؤلاء حقيقة هم الموحدون وهم حقيقة علماء التوحيد لانهم خرجوا عن تعب الفكر وانشغاله بالمقاييس التي لا تؤدي الى غير العلم اليقيني ولا يتجاوزه اما هم فنظروا الى المعاني قبل ان تحملها الفاظ الاواني فعلموا مرادات الكلام وحقائق الاشارات فاثبتوا كل ما اثبته الله لنفسه ورسوله لكنهم افترقوا عن القسم الاول بمعاينة معاني تلك الالفاظ كما هي من غير زيادة ولا نقصان وقال الله تعالى في حقهم < والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا > ولذا قال احد ساداتنا العارفين رضي الله عنه : اذا تكلم عارف بالله في علم التوحيد خرس كل متكلم على وجه البسيطة . فالحمد لله الذي سلك بنا مسالك عباده العارفين الموقنين المؤمنين . اقول ان العقيدة الاسلامية واضحة لا يشوبها شيء الا ما علق بقلب الانسان من مرض والحمد لله ان ابسط فقير صوفي صادق بامكانه ان يبطل شبهات جميع الفرق الاسلامية الضالة في العقيدة ولو كان هذا الفقير اميا لا يفك الخط ولا يعرف الحساب . فعضوا على المشرب بالنواجذ واحمدوا الله ليلا نهارا فان الشيطان لا يغيضه شيء على الاطلاق مثل طريق اهل الله تعالى
هذا ما رأيته مناسبا فكتبته
والسلام على الاحبة الكرام ورحمة الله وبركاته
محبكم علي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك لطيفة من اللطائف جادت بها قريحة الشيخ العارف بالله تعالى سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه في كتابه اداب العبودية تتناول هذا البحث.
قال رضي الله عنه فيما معناه : القائل بالاستواء جريا على ظاهر اللفظ مخطىء بكل وجه وذلك ان كلام الله تعالى قديم غير مخلوق باتفاق المسلمين الا المعتزلة فالله تعالى اخبر في كلامه القديم انه استوى على العرش قبل خلق العرش وقبل خلق المخلوقات باسرها فكيف يكون معنى الاستواء كما فسره المجسمين وهذه حجة ظاهرة على بطلان كلامهم بلا ريب . انتهى معنى كلامه رضي الله عنه
واقول : ان الاستواء بمعنى علو المكان محال على الله تعالى اما علو المكانة فصحيح لانه العلي الكبير ويمكن فهم استحالة المكان والجهة في حق الباري جل وعلا عقلا ونقلا .
اما عقلا فكما ورد في اقوال اهل الكلام من ان التحيز والحركة كالجلوس والنزول من احكام الاجسام فليس هناك غير الجسم والجوهر والعرض وجميع احكامها منتفية عن الله تعالى ببديهة العقل فالجسم مثلا يمكن ان يكون في جهة من الجهات الست لانه يقبل التحيز ويجري عليه حكم الزمان والمكان والجسم مركب من اجزاء لا تقبل الانقسام في ذاتها وهي المعبر عن مفردها بالجوهر فالقلب مثلا جوهر لا يقبل القسمة ولا يقوم الا في جسم مركب وكذلك العرض فهي حالة لا ثبوت لها كالصفرة او الحمرة عند الخوف او الخجل على الوجه فمن فسر الاستواء بمعنى علو المكان او الجلوس وكل ما يشم منه رائحة التحيز او الحركة فهو على ضلالة عظيمة في عقائد التوحيد من غير شك هذا من احكام العقل والتي هي الوجوب الاستحالة الجواز فمحال كل هذا على الله تعالى
قال الامام مالك رحمه الله تعالى لما سالوه عن معنى الاستواء قال : "الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة "
فقوله الاستواء معلوم: اي اننا علمنا عن طريق السمع وذلك باخبار الله تعالى في الاية الكريمة "الرحمان على العرش استوى" اي ان الاستواء معلوم سمعا وخبرا لا كما يفسره الخصوم من ان المقصود من لفظة "معلوم " حقيقة الاستواء وتقريرا لما علق بافكارهم من التجسيم وانما تقريرا للخبر والعلم السمعي اليقيني .
وقوله الكيف مجهول : بداية هذا دليل على ان المقصود بكلمة "معلوم " ليست حقيقة الاستواء وانما خبر الاستواء فاذا كنا قد علمنا حقيقة الاستواء كما يزعمون فيكون الكلام متناقضا اذا صدقنا بأن الكيف مجهول وانما اراد الامام مالك رحمه الله بقوله "الكيف مجهول" نفي التشبيه والتجسيم عن عقول السامعين لذاك نعت السائل بأنه صاحب بدعة بهذا السؤال لعلمه بأن الخوض في مثل هذه المسائل بمجرد العقل البشري من اعظم المزالق والمخاطر
وقوله " والايمان به واجب " دليل ثاني على صحة تفسير قول الامام رحمه الله " الاستواء معلوم " بأنه معلوم عن طريق السمع من غير فهم حقيقته والعقول بداهة لا تؤمن الا بما هضمته وعلمته وفهمته وتيقنت منه لا المقصود بأن الايمان به واجب اي الايمان بتفسير عقولنا لمعنى الاستواء كما يشطح بذلك اهل التجسيم من السلفية وغيرهم انما الايمان به واجب لان عقولنا لن تدرك معانيه مهما حاولت فشؤون الخالق سبحانه محجوبة عن العقول وغاية امر العقل في الفهم العالم المحسوس " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار" ولذا لما كان سيدنا ابراهيم عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام يعاين انوار الصفات المذكورة في الايات الكريمة قال في الاخير: اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض مسلما حنيفا وما انا من المشركين " فالله الله الله على هذا المشرب البراهيمي المقدس ويا لله ما اجمل هذا التوحيد وما ارقاه وهذه الاية تتلى عند دخول بحر الفناء التام بالنسبة لاهل السير فلا بد لكل فقير ان يتلو هذه الاية كما تلاها سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام عند ولوجه هذا المقام وهذا هو معنى حقيقة تلاوة القران بالنسبة للسالكين رضي الله عنهم وارضاهم وهذا معنى قولها " كان خلقه القران" وهذا معنى " الرحمان علم القران " وهذا معنى قوله " اقرأ باسم ربك" اي اقرأ به
اما قوله "والسؤال عنه بدعة" نعم وهي من اعظم البدع بلا ريب فالخوض في شؤون الاله من غير سلوك بطالة وبدعة من القول وجدال في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .وانما خاض علماء الامة في هذه المباحث ليس لكونهم مبتدعين فحاشاهم من ذلك وانما لابطال عقائد التجسيم والتشبيه في حق الله سبحانه وتعالى التي خاض فيها المجسمة في كل زمان من التاريخ الاسلامي ومن الكفار المندسين بين اهل الاسلام ومن جرا في فلكهم من الفلاسفة والا فالفطرة السليمة كفيلة بحفظ الله تعالى ان تحفظ للمؤمن ايمانه من العقائد الفاسدة .قال لي احد ممن ينتسبون الى السلفية وهو من المقربين من اعيان مشائخهم من الذين يظهرون على القنوات الفضائية: انا منذ صغري ومنذ ان كنت على الفطرة لما ارى اهل بلدتنا وهم في العابهم النارية على الخيول ببنادقهم وعندما يطلقون النار في الهواء تجاه السماء كنت ابكي واقول لهم لا تطلقوا النار فان ربنا في السماء في جهة العلو " فقلت له : هذه ليست فطرة سليمة فلو كانت فطرة سليمة لعلمت ايضا بان ربنا لا تلحقه النار وهو حي لا يموت ولو علمت هذا لما كنت قد بكيت " فسكت***
اهل السنة والجماعة الذين هم مجموع الاشاعرة نسبة للامام الجليل ابي الحسن الاشعري ومجموع الماتريدية نسبة للامام ابي منصور الماتريدي رضي الله عنهما وها اني اضيف ما يتيسر ان شاء الله تعالى :
المعلوم ان مباحث العقيدة الاسلامية من اهم المباحث واخطرها والناس من حيث فهمها وتحريرها على اقسام ثلاثة :
-هناك المقلد : وهو الذي ليس في مقدوره النظر والاستدلال اي انه يكتفي بتقليد العلماء في مباحث الايمان فكل ما قاله العالم الذي اليه يطمئن قلبه اخذه من غير سؤال ولا بحث لعدم قدرته على النظر في تفاصيل الادلة وتقرير البراهين وهذا ان شاء الله سالم من كل شبهة فهو على فطرته السليمة قال الامام ابو حامد الغزالي < اللهم ارزقني ايمان العجائز> قال هذا لان اهل هذا التوحيد سالمون من جميع الشبهات وعلى هذا اغلب المسلمين .
-هناك طالب العلم : وهو الذي توفرت فيه استطاعة النظر في مقام الدليل والبرهان وذلك بمعرفة الادلة والبحث في تقرير براهينها وهذا يشمل العالم ايضا وهذا النظر يكون نقلا وعقلا , فعقلا يسمى المبحث بعلم الكلام لانه يستغرق الكثير من الكلام لدقة احكام العقل فيه فهو شبيه بالفلسفة من ناحية التفصيل ولم يكن اثبات هذه المباحث العقلية من سنة السلف الصالح ولا مدحوا ذلك بل ذموه بكل وجه مخافة ان يتسرب شيء من الشبهات الى قلوب العامة فتفسد به عقائدهم ولو لا ان الاعاجم لما دخلوا في هذا الدين لم يأتوا بشبههم الفلسفية العقلية وترجموها الى لغة العرب لما احتاج علماء العقيدة من امة الاسلام الى تقرير مثل هذا العلم وتحريره وتدوينه حتى اصبح مقررا دراسيا في مدراس المسلمين الشرعية التي تقوم بتخريج العلماء والمنافحين عن هذا الدين عقيدة وسلوكا فهذا العلم له اسباب ودوافع ومراحل معينة مر بها وهذا العلم قرره العلماء رضي الله عنهم لكي يبطلوا شبه العقول ومقاييسها الفلسفية والمنطقية بميزان العقل واحكامه الضرورية فأفشلوا بهذا شبه بعض الفرق الاسلامية التي ضلت في فهمها للعقيدة بعد ان تأثرت بأقوال ومناطق اهل الفلسفة كالمعتزلة الذين قدموا حكم العقل وجعلوه مقياسا على النقل ومتحكما عليه وقد اضلوا كثيرا من الناس بشبههم العقلية هذه فيسر الله تعالى بفضله نخبة فريدة من خيرة علماء امة الاسلام رضي الله عنهم تصدوا الى هذه الضلالات والمفاسد وردوا على اصحابها بمقتضيات اقوالهم واستلزامات عقلهم وبهذا بزغ نجم الامام ابو الحسن الاشعري رضي الله عنه في ابطال مذهبهم في اصول استدلالاتهم بعد ان كان ملازما لمذهبهم فترة من الوقت فلما ترجح له بطلانهم رد عليهم الردود بلازم قولهم فأحيا الله به المشرب التوحيدي السني المحمدي الصافي وهنا اسس قواعد علم النظر والاستدلال العقلي بتقرير البراهين العقلية والمنطقية التي تنسجم مع النقل انسجاما كاملا حتى اضحى هذا العلم كالتفسير لمجمل العقيدة في الكتاب والسنة , والاحكام العقلية ثلاثة اما ان يكون الشيء واجبا اي الوجوب مثل وجود الله تعالى فانه واجب الوجود فمحال بالبراهين العقلية والمنطق ان لا يكون موجودا فمثلا عندما نقول في علم المقدمات : الكون حادث اي مخلوق ولا بد في العقل لكل حادث من محدث فالنتيجة العقلية التي نخرج بها ان هناك محدث بكسر الدال فامر وجوده واجب , الحكم العقلي الثاني : الاستحالة فمثلا : عندما نقرأ قوله تعالى < الرحمان على العرش استوى > لا يتبادر الى اذهاننا ان الاستواء بمعنى الجلوس او المكان لاستحالة ذلك على الله تعالى لانه لا يشبه الحادثات اي المخلوقات والجلوس من لوازم الاجسام والجسم مركب من اجزاء فنقول محال على الله تعالى ان يكون الاستواء في حقه بمعنى الجلوس هذا عقلا , الحكم العقلي الثالث:الجائز وهو الذي يقبل الوجهين اي يمكن ان يكون ويمكن ان لا يكون كخلق الخلائق مثلا لان وجودنا ليس ذاتيا من تلقاء انفسنا وكذلك بالنسبة لافعال الله كلها فيمكن ان يعذب ويمكن ان يغفر فلا يجب عليه شيء وهوالقادر على كل شيء .ويتناول هذا المبحث العقلي واحكامه شؤون الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام فمثلا نقول : يستحيل على الرسول المبلغ عن الله < الكذب> فيكون الصدق واجبا في حقه اما احكام البشرية كالنسيان والسهو والاكل والشرب والنوم والتزوج فجائزة عليه كأي بشر لانه بشر له احكام البشرية .
اما نقلا : فهو مبحث الاستدلال بالنصوص القرانية والحديثية التي تفيد الدليل القطعي على العقيدة الاسلامية وتفسيرها ومن هنا ايضا ضل الكثير من اهل الفرق الاسلامية كالخوارج والسلفية والشيعة وغيرهم وذلك انهم تصرفوا في النصوص بقواعد علمية ناقصة وفسروها تفسيرا ترفضه القواعد العلمية الصحيحة المجمع على سلامتها ودقتها ويتناول هذا المبحث علم التاويل بالقرائن العلمية وعلم اللغة التي بها انزل القران الكريم وفي هذا تفسر الايات المتشابهات بالايات المحكمات والاحاديث الصحيحات التي تفيد القطع لا الظن فمثلا عندما نقرأ اية : < الرحمان على العرش استوى > لا يتبادر الى الذهن ان الاستواء استواء المكان لعلمنا بأن الله تعالى يقول <ليس كمثله شيء> اي في ذاته وصفاته وافعاله فنعلم حينها ان استواء البشر بمعنى الجلوس اما استواء الله تعالى على العرش فلا ندري كنهه ولا نعلم حقيقته فنفوض حقيقة امره الى الله تعالى فنقول :استوى كما قال وبالمعنى الذي اراد من غير ان يتسرب الى الفكر معنى الجلوس لعلمنا ان الله ليس كمثله شيء وكذلك بقية الافعال كالضحك والتعجب والنزول وكذلك جميع ما اخبرنا به مثل اليدين والساق والوجه ..الخ
وقد امرنا الله تعالى بان لا نخوض في المتشابه من القران لان ذلك علامة مرض القلب وانما سماه الله بالمتشابه لانه يختلط فيه على الانسان الشبه بين الخالق والمخلوق وهو دليل على ان الخالق لا يشبه المخلوق باي وجه على الاطلاق والادلة كثيرة جدا وصلت حد افادة العلم اليقيني فالحمد لله. اما الذين اجروا الفاظ القران المتعلقة بالجناب الالهي على ظاهرها ذلك لكونهم لا حظ لهم من علم المعاني ونقص زادهم في علم اللغة حتى انهم انكروا مجاز اللغة بشبه ظاهرها صحيح ومعناها باطل بكل وجه وهذا الامر له ارتباط كبير بشفافية القلب وسيولة الروح لان المعاني هي التي استعملت مباني الالفاظ وليس العكس فالمعاني سابقة للمباني فمن كان ذا معنى كان اللفظ له والا فعليه والشيء يتبع بعضه فمن انكر بحر المعاني انكر ضرورة كل ما يؤدي اليه كعلم السلوك والفتح والالهام والمشاهدة والتبرك والكرامة ووقف مع احكام اللفظ عقلا ظاهرا لا معنى قلبي يعضده .
- هناك اهل العرفان من اهل السلوك: وهؤلاء حقيقة هم الموحدون وهم حقيقة علماء التوحيد لانهم خرجوا عن تعب الفكر وانشغاله بالمقاييس التي لا تؤدي الى غير العلم اليقيني ولا يتجاوزه اما هم فنظروا الى المعاني قبل ان تحملها الفاظ الاواني فعلموا مرادات الكلام وحقائق الاشارات فاثبتوا كل ما اثبته الله لنفسه ورسوله لكنهم افترقوا عن القسم الاول بمعاينة معاني تلك الالفاظ كما هي من غير زيادة ولا نقصان وقال الله تعالى في حقهم < والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا > ولذا قال احد ساداتنا العارفين رضي الله عنه : اذا تكلم عارف بالله في علم التوحيد خرس كل متكلم على وجه البسيطة . فالحمد لله الذي سلك بنا مسالك عباده العارفين الموقنين المؤمنين . اقول ان العقيدة الاسلامية واضحة لا يشوبها شيء الا ما علق بقلب الانسان من مرض والحمد لله ان ابسط فقير صوفي صادق بامكانه ان يبطل شبهات جميع الفرق الاسلامية الضالة في العقيدة ولو كان هذا الفقير اميا لا يفك الخط ولا يعرف الحساب . فعضوا على المشرب بالنواجذ واحمدوا الله ليلا نهارا فان الشيطان لا يغيضه شيء على الاطلاق مثل طريق اهل الله تعالى
هذا ما رأيته مناسبا فكتبته
والسلام على الاحبة الكرام ورحمة الله وبركاته
محبكم علي
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: تفسير قول الله تعالى : الرحمن على العرش استوى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليكن في علم الإخوان أنه تم الرد على هذا الموضوع من طرف أحد الأعضاء المسجلين حديثا ،
ومن رده يتضح جليا أنه وهابي متعصب لا يقبل برأي الأشاعرة ولا الصوفية.
وعليه نحن في هذا المنتدى غبر مستعدين ولا لنا وقت للرد والنقاش معهم وقد خبرناهم جيدا بأنه لا يجدي معهم نفعا ولا اقتناعا.
وقد قام في موضوع آخر برد مشابه وتم حذفه كذلك ثم حذفنا عضويته من المنتدى وإن عاد عدنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليكن في علم الإخوان أنه تم الرد على هذا الموضوع من طرف أحد الأعضاء المسجلين حديثا ،
ومن رده يتضح جليا أنه وهابي متعصب لا يقبل برأي الأشاعرة ولا الصوفية.
وعليه نحن في هذا المنتدى غبر مستعدين ولا لنا وقت للرد والنقاش معهم وقد خبرناهم جيدا بأنه لا يجدي معهم نفعا ولا اقتناعا.
وقد قام في موضوع آخر برد مشابه وتم حذفه كذلك ثم حذفنا عضويته من المنتدى وإن عاد عدنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
مواضيع مماثلة
» فضائل ذكر الله تعالى
» حفظ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من الخطأ والباطل...
» رحم الله الشيخ عبد الرحمن بن محمود أبو مضاي
» ذكر الله تعالى
» خطر الإعتراض على الله تعالى
» حفظ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من الخطأ والباطل...
» رحم الله الشيخ عبد الرحمن بن محمود أبو مضاي
» ذكر الله تعالى
» خطر الإعتراض على الله تعالى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 14:18 من طرف ابن الطريقة
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
السبت 23 نوفمبر 2024 - 13:27 من طرف الطالب
» شيخ التربية
السبت 23 نوفمبر 2024 - 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس