بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
بحث حول العصمة للأنبياء و الحفظ للأولياء...(منقول)
صفحة 1 من اصل 1
بحث حول العصمة للأنبياء و الحفظ للأولياء...(منقول)
.لسم الله و بالله و الصلاة و السلام على رسول الله و آله الطاهرين و صحبه المهتدين
العبد الضعيف كنت كتبت هذا المبحث في موقع "الصوفية" ردا على كلام الأخ صقر الإسلام حفظه الله:
----------
أخي الكريم صقر الإسلام أعزك الله بالحق و أعز الإسلام بك و بعلمك الغزير.
أولا سيدي الكريم كلامك كله صحيح من ناحية مفهوم الحفظ عند أهل السنة و الجماعة و عند الصوفية و أنا صوفي بحمد الله و أعرف هذا الكلام و ليس غريبا علي و غايتي ليس نقض هذا المفهوم بل الزيادة عليه بما هو ادق منه و أقرب إلى الحقيقة و أقرب إلى الحق تعالى الذي هو الله عز و جل ...أليست غايتنا جميعا زيادة قرب و معرفة بالله..؟
و مفهومنا للعصمة يجب أن نصيغه بحيث يزيدنا قربا من الله و معرفة به و ليس سوى معرفة الله تكون غايتنا (و إن إلى ربك المنتهى)
ثانيا مسألة العصمة أو الحفظ هي مسألة نسبية...سوف أساوي بين المصطلحين في الوقت الحالي لأنهما نفس الشيء لغة ..فأن يعصمك الله من الوقوع في الزلل أو يحفظك الله من ذلك هو نفس المعنى في الأخير..بقطع النظر عن البعدي المذهبي لكليهما..
أنتم سقتم الفرق بين الحفظ الواجب و الحفظ الجائز ...و قلتم أن الحفظ الواجب هو للأنبياء لا غير و أن الحفظ الجائز هو للأولياء و هم فيه درجات متفاوتة...
لكن قبل ذلك أرى أن نفرق و نميز بين اعتقاد العصمة (أو الحفظ) للنبي أو للولي لنفسه و بين اعتقادنا نحن الأتباع للنبي أو للولي العصمة له ...لأنه من الوضح أنه هناك خلط بين المفهومين جعلنا نختلف في الآراء و إلا لما اختلفنا أصلا...
فمن المسلم به أن لا نبي و لا ولي و لا حتى الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه و آله و سلم يعتقد نفسه معصوما أمام الله لأنه لا كمال إلا لله و نحن بني البشر عبيد لله و من مقتضيات عبودياتنا له اعتقادنا بنقصنا أمام كماله...حتى صار اعتقاد النقص الذاتي هو من كمال العبودية التي صارت أرقى مقام في الولاية ...حسبما أخبر به ساداتنا العارفين و قالوا بأن أكمل عبد لله و متحقق بهذا المقام الشريف هو نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم..و من بعده يأتي بقية الأنبياء و الأئمة و الأولياء بدرجاتهم المتفاوتة...
فالعصمة الذاتية للعبد غير متصورة أصلا أمام كمال الله الخالق المصور و افتقارنا الأزلي إليه...و بهذا المفهوم ليس هناك معصوم أصلا أمام الله لا نبي و لا ولي و لا غيره...و الكل في ذات الله سواء ...
فلا عصمة ذاتية إلا لله الواحد القهار...
أما بالنسبة لاعتقادنا نحن العصمة (أو الحفظ) للنبي أو للولي فالأمر مختلف تماما...
فأظن الذي قصده ساداتنا بقولهم حفظ واجب تجاه الأنبياء هو وجوبه علينا اعتقادا و ليس وجوبه على الله إلزاما، لأن الله لا يجب عليه شيء مثلما بينا سابقا...فالواجب علينا الإعتقاد بعصمة الأنبياء من كل شيء من ذنوبنا نحن القاصرون الناقصون الذين بعث ذلك النبي إليهم ..و إلا لو كان ذلك النبي غير معصوم مما نقوم به نحن الأتباع من الذنوب فلن نستطيع أن نثق بما سيبلغوه لنا من رسالة و لن يكونوا قدوة لنا و سوف يختل اعتقادنا بهم كمرسلين من عند الله أصلا...
أما اعتقادنا العصمة بهم (الأنبياء) فليس أنهم معصومون من الذنوب أمام الله بل هم معصومون من ذنوبنا نحن الناقصين ... لأنهم بالنسبة لنا صاروا كملا لأن الله تولى تربيتهم و كملهم و لا يقعون فيما نقع فيه نحن من كبائر الذنوب و لا من محقراتها على السواء ... أما فيما بينهم و بين مولاهم و خالقهم فأمر نجهله تماما و ليس لنا أن نتكلم فيه سواء من باب الأدب مع الأنبياء أو حتى من جانب الحقيقة لأنه لن يستطيع أحد أن يعلم ما هو وجه نقص النبي بالنسبة للمولى عز و جل فهو من درجة أرقى حتما و من طبيعة أخرى مغايرة و (حسنات الأبرار سيئات المقربين) كما يقول ساداتنا الصوفية العارفين ...(و هذه القولة الأخيرة قد تفتح قوسا لمفاهيم أخرى يحير فيها العقل !!)
لما كان الباز الأشهب مولانا الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه و سره على فراش المرض الذي سينتقل فيه إلى الرفيق الأعلى سأله بعض الحاضرين: (ما هو مرضك أو ما الذي يؤلمك سيدنا؟) فرد عليهم (مالكم و لمرضي.؟!..أنا مرضي لا يعرفه ملك و لا إنس و لا جان... أنا كل جزء في بدني يؤلمني إلا قلبي)
أما قولهم حفظ جائز بالنسبة للأولياء.. فإن كانوا يقصدون به جواز حفظهم من الذنوب أمام الله فهذا مسلم به أنه مستحيل الوقوع حتى للأنبياء كما أسلفنا.. و أما إن كانوا يقصدون به حفظهم من الذنوب التي نقع فيها نحن غير الأولياء فالأمر مختلف ...لأنه نفس الحفظ النسبي الذي طبقناه على الأنبياء من حيث عصمتهم من الذنوب التي نقع فيها نحن ..يمكن أن نطبقه على الأولياء كذلك فيكونون محفوظين من الذنوب التي نقع فيها نحن غير الأولياء و إلا لماذا سموا أولياء أصلا.؟.أليس لأن الله تولاهم بحفظه و تربيته و علمهم من علمه اللدني..؟!!
بهذا المفهوم فإن كل الأولياء بمختلف درجاتهم هم معصومون من الذنوب التي يقع فيها غير الأولياء من عامة الناس و لو وقعوا فيها لزال عنهم مسمى الأولياء و لصاروا مثل عامة الناس و تنتفي منهم صفة الولاية إما وقتيا لحظة وقوع تلك المعصية أو بصفة دائمة...
هذا بصفة مبدئية عامة و لن ندخل في مفهوم الذنب عند ساداتنا العارفين لأنه لو خضنا فيه لأضفنا بعدا آخر للعصمة و لوجوب الإعتقاد بها للأنبياء و الأولياء على السواء ..
ملخص الكلام أنه بمفهوم العصمة النسبي الذي شرحناه سابقا تصير العصمة حقيقة حاصلة بالنسبة للأولياء أيضا و بما أنها حاصلة فالإعتقاد بها يصير واجبا أيضا فما هو واقع و حاصل أمام عينيك ليس لك إلا أن تعتقد بوجوده و هو واجب عليك حتى لا تجحد الواقع و تنكر الحقيقة...
و بهذا المفهوم العام أيضا للعصمة يصير الأنبياء معصومون بالنسبة لمن دونهم من الأولياء و الأولياء معصومون بالنسبة لمن هم دونهم من عامة المسلمين من غير الأولياء...و عامة المسلمين معصومون مما يقع فيه المسيحيين من نسبة الولد إلى الله و هؤلاء معصومون مما وقع فيه اليهود من قتل الأنبياء الخ و هكذا ...
نعم يمكن إطلاق إسم عصمة أو حفظ جائز على الأولياء عندما يقصد به الحفظ الوقتي و ليس الدائم ... و لكن هذا لن يخدم قضيتنا لأنه بهذا المعنى كل الناس ليسوا معصومون دائما من ذنوبهم حتى الأنبياء و إلا لما قال صلى الله عليه و آله و سلم (إنه يغان على قلبي و أني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة) و هو يقصد بذلك ذنوبه الخاصة أمام الله و ليس ذنوبنا نحن من أن يقع فيها ..لذلك هو أشار إلى شيء يخص القلب .. أي شيء بينه و بين ربه .. فالرسول لا يستغفر من ذنب ارتكبه مع الناس لأنه معصوم من ذلك بإخبار الله لنا ذلك بقوله (و إنك على خلق عظيم)
فما يهمنا ليس العصمة أمام الله التي هي مستحيلة على الكل ..بل مقصود الشرع هو العصمة النسبية و التي يجب أن يعتقدها الناس تجاه الأنبياء و الأولياء و كل من هو فوقهم في المرتبة في العلم و العمل...
** بقي الأمر الأهم و هو ما هي الحكمة من وجوب الإعتقاد بالانبياء و الأولياء من طرفنا و التي هي على الواقع أمر حاصل في أتباعهم و إلا لما اتبعوهم ..و لكن الشرع يؤكد عليها تأكيدا خاصا لما يترتب من غيابها غياب الأخذ بكلام الأنبياء و الأولياء و الإعتقاد بصحة كلامهم و توجيهاتهم أنها من عند الله أو أنهم يقولون الحقيقة...؟
بالنسبة للأنبياء يجب الإعتقاد بعصمتهم في أفعالهم و كلامهم حتى نأخذ منهم شرعنا سواء القولي أو العملي و الذين هم مرسلون أصلا من أجله ليبلغوه لنا...فإن لم نعتقد بعصمتهم من الخطأ في تبليغ ذلك لنا لبطلت الحكمة من وجودهم أصلا..ألا وهي توجيهنا لطريق الصواب و الحقيقة...و كذلك لو اختل ذلك الإعتقاد فينا فيعني ذلك شكا في قدرة المولى و جل على تبليغ رسالته على أكمل وجه لأن الله كامل و لا يصدر من الكامل غير الكمال في كل شيء .. و من مقتضيات ذلك أن يكون الرسول حتما معصوما عصمة كاملة بالنسبة لنا بما أن الله تولاه منذ صغره بل منذ كان في أصلاب أجداده الأنبياء الأوائل بل منذ كان في عالم الذر منذ خلقه الله مجلى كامل من مجالي الحضرة الإلاهية و مرآة للحق و و للذات الإلاهية التي هي حضرة الكمال المطلق...
من أجل ذلك ترفض كل الروايات التي فيها قدح في خلق النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يشك فيها أنها وضعت من المنافقين للقدح في كمال خلق المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم و يؤول ما صح منها بما يناسب مقام النبي الخاتم من الكمال الخلقي الذي هو مستمد من كمال الله ..ألم يقل الله تعالى في كتابه (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا) فالكمال إذا كان بإذن إلاهي و منه تعالى فهو حقيقة حتمية حاصلة و يجب علينا الإعتقاد بها تماما مثلما نعتقد في و جود الله و كماله...
فمن يقولون (عبس و تولى أن جائه الأعمى ..الآية) أنها نزلت في النبي الخاتم صلى الله عليه و آله و سلم و الذي أكمل الله له خلقه فهم خاطؤون حتما و يجب أن يراجعوا تفسيرهم للآية و لأسباب النزول ...و هذه المراجعة أثبتت أن الذي عبس و تولى هو عثمان بن عفان و ليس النبي صلى الله عليه و آله و سلم...
فهل يعقل أن الله يشهد لنبيه في كتابه بأنه على خلق عظيم ثم يقول في نفس الكتاب بأنه يعبس في وجه الأعمى...و هل هذا من أخلاق الأنبياء و لا سيما خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه و آله و سلم؟؟؟!!!!
لكن السلفية المصرين على هذا التفسير مع الأسف أعمتهم المذهبية عن رؤية الحقيقة فأساؤوا الأدب مع الله و مع رسول الله من أجل الدفاع عن الصحابي عثمان بن عفان...!!!! و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
------------------
أما عن اعتقاد إخواننا الشيعة بعصمة أئمتهم فعلاوة على مفهوم العصمة العام الذي أسلفنا شرحه سابقا...فلهم أية في كتاب الله تؤيد عصمتهم بالنسبة للناس و هي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس آل البيت و يطهركم تطهيرا) و هل إذا أراد المولى عز و جل شيئا لا يفعله ..؟ سبحانه و تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)
هذا من ناحية العصمة العامة لآل البيت المطهر على غيرهم من عامة المسلمين سواء كانوا أولياء أو غيرهم...فليس من سبق له في علم الله التطهير كمن يحاول أن يطهر نفسه بنفسه بدون تأييد و توفيق رباني سابق...وليس الموهوب من الله كالمكتسب من العبد (و لا تزكوا أنفسكم إن الله يزكي من يشاء ).
و لكن أئمة أهل البيت المطهر لهم عصمة خاصة مؤيدة بالشرع و بالنصوص النبوية بوحي من الله ...و المقصود بهم الإثني عشر إمام من ولد الحسين عليهم السلام ...لهم نص من رسول الله في عددهم و في أسمائهم و من ولد من هم بالضبط ..و هذا النص مشهور عند الشيعة و له مصادر في كتب السنة أيضا...
فهم لم يختاروا أنفسهم أئمة و لم يزكهم أحد من الشيعة لذلك بل زكاهم الله و رسوله و مثلما فرض الله علينا رسول الله خاتم النبيين فرضهم من بعده أئمة يهدون بأمر الله و بأمر من الله و بإذن من رسول الله مكتوبا في الأحاديث النبوية المتداولة بين الناس...
من هذا الباب فإنه مثلما اعتقدنا بعصمة ما بلغه لنا رسول الله من الرسالة من الخطأ فكذلك تجب علينا الإعتقاد بعصمة هؤلاء الأئمة بعصمتهم الخاصة لما سيبلغوه لنا من تعاليم الدين و فتاوى شرعية تخص زمان أتباعهم و لكل زمان أحوال و مقال مختلف...إضافة لكل علومهم النبوية و معارفهم اللدنية و حكمهم التربوية الروحية الخ...
فمن زكاه الله وجب علينا الإعتقاد بعصمته و من زكاه رسول الله فقد زكاه الله لا فرق و لو لم نجد أسمائهم في القرآن (ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا)
--------------------
أما عن هذه الأحاديث النبوية التي تنص على الأئمة الإثني عشر من آل البيت المطهر فهذا موضوع خاص لوحده ...و لكل مقام مقال...
و الله من وراء القصد
و الله الهادي إلى سواء السبيل
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله الطاهرين الطيبين و صحابته المنتجبين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
العبد الضعيف كنت كتبت هذا المبحث في موقع "الصوفية" ردا على كلام الأخ صقر الإسلام حفظه الله:
----------
أخي الكريم صقر الإسلام أعزك الله بالحق و أعز الإسلام بك و بعلمك الغزير.
أولا سيدي الكريم كلامك كله صحيح من ناحية مفهوم الحفظ عند أهل السنة و الجماعة و عند الصوفية و أنا صوفي بحمد الله و أعرف هذا الكلام و ليس غريبا علي و غايتي ليس نقض هذا المفهوم بل الزيادة عليه بما هو ادق منه و أقرب إلى الحقيقة و أقرب إلى الحق تعالى الذي هو الله عز و جل ...أليست غايتنا جميعا زيادة قرب و معرفة بالله..؟
و مفهومنا للعصمة يجب أن نصيغه بحيث يزيدنا قربا من الله و معرفة به و ليس سوى معرفة الله تكون غايتنا (و إن إلى ربك المنتهى)
ثانيا مسألة العصمة أو الحفظ هي مسألة نسبية...سوف أساوي بين المصطلحين في الوقت الحالي لأنهما نفس الشيء لغة ..فأن يعصمك الله من الوقوع في الزلل أو يحفظك الله من ذلك هو نفس المعنى في الأخير..بقطع النظر عن البعدي المذهبي لكليهما..
أنتم سقتم الفرق بين الحفظ الواجب و الحفظ الجائز ...و قلتم أن الحفظ الواجب هو للأنبياء لا غير و أن الحفظ الجائز هو للأولياء و هم فيه درجات متفاوتة...
لكن قبل ذلك أرى أن نفرق و نميز بين اعتقاد العصمة (أو الحفظ) للنبي أو للولي لنفسه و بين اعتقادنا نحن الأتباع للنبي أو للولي العصمة له ...لأنه من الوضح أنه هناك خلط بين المفهومين جعلنا نختلف في الآراء و إلا لما اختلفنا أصلا...
فمن المسلم به أن لا نبي و لا ولي و لا حتى الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه و آله و سلم يعتقد نفسه معصوما أمام الله لأنه لا كمال إلا لله و نحن بني البشر عبيد لله و من مقتضيات عبودياتنا له اعتقادنا بنقصنا أمام كماله...حتى صار اعتقاد النقص الذاتي هو من كمال العبودية التي صارت أرقى مقام في الولاية ...حسبما أخبر به ساداتنا العارفين و قالوا بأن أكمل عبد لله و متحقق بهذا المقام الشريف هو نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم..و من بعده يأتي بقية الأنبياء و الأئمة و الأولياء بدرجاتهم المتفاوتة...
فالعصمة الذاتية للعبد غير متصورة أصلا أمام كمال الله الخالق المصور و افتقارنا الأزلي إليه...و بهذا المفهوم ليس هناك معصوم أصلا أمام الله لا نبي و لا ولي و لا غيره...و الكل في ذات الله سواء ...
فلا عصمة ذاتية إلا لله الواحد القهار...
أما بالنسبة لاعتقادنا نحن العصمة (أو الحفظ) للنبي أو للولي فالأمر مختلف تماما...
فأظن الذي قصده ساداتنا بقولهم حفظ واجب تجاه الأنبياء هو وجوبه علينا اعتقادا و ليس وجوبه على الله إلزاما، لأن الله لا يجب عليه شيء مثلما بينا سابقا...فالواجب علينا الإعتقاد بعصمة الأنبياء من كل شيء من ذنوبنا نحن القاصرون الناقصون الذين بعث ذلك النبي إليهم ..و إلا لو كان ذلك النبي غير معصوم مما نقوم به نحن الأتباع من الذنوب فلن نستطيع أن نثق بما سيبلغوه لنا من رسالة و لن يكونوا قدوة لنا و سوف يختل اعتقادنا بهم كمرسلين من عند الله أصلا...
أما اعتقادنا العصمة بهم (الأنبياء) فليس أنهم معصومون من الذنوب أمام الله بل هم معصومون من ذنوبنا نحن الناقصين ... لأنهم بالنسبة لنا صاروا كملا لأن الله تولى تربيتهم و كملهم و لا يقعون فيما نقع فيه نحن من كبائر الذنوب و لا من محقراتها على السواء ... أما فيما بينهم و بين مولاهم و خالقهم فأمر نجهله تماما و ليس لنا أن نتكلم فيه سواء من باب الأدب مع الأنبياء أو حتى من جانب الحقيقة لأنه لن يستطيع أحد أن يعلم ما هو وجه نقص النبي بالنسبة للمولى عز و جل فهو من درجة أرقى حتما و من طبيعة أخرى مغايرة و (حسنات الأبرار سيئات المقربين) كما يقول ساداتنا الصوفية العارفين ...(و هذه القولة الأخيرة قد تفتح قوسا لمفاهيم أخرى يحير فيها العقل !!)
لما كان الباز الأشهب مولانا الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه و سره على فراش المرض الذي سينتقل فيه إلى الرفيق الأعلى سأله بعض الحاضرين: (ما هو مرضك أو ما الذي يؤلمك سيدنا؟) فرد عليهم (مالكم و لمرضي.؟!..أنا مرضي لا يعرفه ملك و لا إنس و لا جان... أنا كل جزء في بدني يؤلمني إلا قلبي)
أما قولهم حفظ جائز بالنسبة للأولياء.. فإن كانوا يقصدون به جواز حفظهم من الذنوب أمام الله فهذا مسلم به أنه مستحيل الوقوع حتى للأنبياء كما أسلفنا.. و أما إن كانوا يقصدون به حفظهم من الذنوب التي نقع فيها نحن غير الأولياء فالأمر مختلف ...لأنه نفس الحفظ النسبي الذي طبقناه على الأنبياء من حيث عصمتهم من الذنوب التي نقع فيها نحن ..يمكن أن نطبقه على الأولياء كذلك فيكونون محفوظين من الذنوب التي نقع فيها نحن غير الأولياء و إلا لماذا سموا أولياء أصلا.؟.أليس لأن الله تولاهم بحفظه و تربيته و علمهم من علمه اللدني..؟!!
بهذا المفهوم فإن كل الأولياء بمختلف درجاتهم هم معصومون من الذنوب التي يقع فيها غير الأولياء من عامة الناس و لو وقعوا فيها لزال عنهم مسمى الأولياء و لصاروا مثل عامة الناس و تنتفي منهم صفة الولاية إما وقتيا لحظة وقوع تلك المعصية أو بصفة دائمة...
هذا بصفة مبدئية عامة و لن ندخل في مفهوم الذنب عند ساداتنا العارفين لأنه لو خضنا فيه لأضفنا بعدا آخر للعصمة و لوجوب الإعتقاد بها للأنبياء و الأولياء على السواء ..
ملخص الكلام أنه بمفهوم العصمة النسبي الذي شرحناه سابقا تصير العصمة حقيقة حاصلة بالنسبة للأولياء أيضا و بما أنها حاصلة فالإعتقاد بها يصير واجبا أيضا فما هو واقع و حاصل أمام عينيك ليس لك إلا أن تعتقد بوجوده و هو واجب عليك حتى لا تجحد الواقع و تنكر الحقيقة...
و بهذا المفهوم العام أيضا للعصمة يصير الأنبياء معصومون بالنسبة لمن دونهم من الأولياء و الأولياء معصومون بالنسبة لمن هم دونهم من عامة المسلمين من غير الأولياء...و عامة المسلمين معصومون مما يقع فيه المسيحيين من نسبة الولد إلى الله و هؤلاء معصومون مما وقع فيه اليهود من قتل الأنبياء الخ و هكذا ...
نعم يمكن إطلاق إسم عصمة أو حفظ جائز على الأولياء عندما يقصد به الحفظ الوقتي و ليس الدائم ... و لكن هذا لن يخدم قضيتنا لأنه بهذا المعنى كل الناس ليسوا معصومون دائما من ذنوبهم حتى الأنبياء و إلا لما قال صلى الله عليه و آله و سلم (إنه يغان على قلبي و أني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة) و هو يقصد بذلك ذنوبه الخاصة أمام الله و ليس ذنوبنا نحن من أن يقع فيها ..لذلك هو أشار إلى شيء يخص القلب .. أي شيء بينه و بين ربه .. فالرسول لا يستغفر من ذنب ارتكبه مع الناس لأنه معصوم من ذلك بإخبار الله لنا ذلك بقوله (و إنك على خلق عظيم)
فما يهمنا ليس العصمة أمام الله التي هي مستحيلة على الكل ..بل مقصود الشرع هو العصمة النسبية و التي يجب أن يعتقدها الناس تجاه الأنبياء و الأولياء و كل من هو فوقهم في المرتبة في العلم و العمل...
** بقي الأمر الأهم و هو ما هي الحكمة من وجوب الإعتقاد بالانبياء و الأولياء من طرفنا و التي هي على الواقع أمر حاصل في أتباعهم و إلا لما اتبعوهم ..و لكن الشرع يؤكد عليها تأكيدا خاصا لما يترتب من غيابها غياب الأخذ بكلام الأنبياء و الأولياء و الإعتقاد بصحة كلامهم و توجيهاتهم أنها من عند الله أو أنهم يقولون الحقيقة...؟
بالنسبة للأنبياء يجب الإعتقاد بعصمتهم في أفعالهم و كلامهم حتى نأخذ منهم شرعنا سواء القولي أو العملي و الذين هم مرسلون أصلا من أجله ليبلغوه لنا...فإن لم نعتقد بعصمتهم من الخطأ في تبليغ ذلك لنا لبطلت الحكمة من وجودهم أصلا..ألا وهي توجيهنا لطريق الصواب و الحقيقة...و كذلك لو اختل ذلك الإعتقاد فينا فيعني ذلك شكا في قدرة المولى و جل على تبليغ رسالته على أكمل وجه لأن الله كامل و لا يصدر من الكامل غير الكمال في كل شيء .. و من مقتضيات ذلك أن يكون الرسول حتما معصوما عصمة كاملة بالنسبة لنا بما أن الله تولاه منذ صغره بل منذ كان في أصلاب أجداده الأنبياء الأوائل بل منذ كان في عالم الذر منذ خلقه الله مجلى كامل من مجالي الحضرة الإلاهية و مرآة للحق و و للذات الإلاهية التي هي حضرة الكمال المطلق...
من أجل ذلك ترفض كل الروايات التي فيها قدح في خلق النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يشك فيها أنها وضعت من المنافقين للقدح في كمال خلق المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم و يؤول ما صح منها بما يناسب مقام النبي الخاتم من الكمال الخلقي الذي هو مستمد من كمال الله ..ألم يقل الله تعالى في كتابه (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا) فالكمال إذا كان بإذن إلاهي و منه تعالى فهو حقيقة حتمية حاصلة و يجب علينا الإعتقاد بها تماما مثلما نعتقد في و جود الله و كماله...
فمن يقولون (عبس و تولى أن جائه الأعمى ..الآية) أنها نزلت في النبي الخاتم صلى الله عليه و آله و سلم و الذي أكمل الله له خلقه فهم خاطؤون حتما و يجب أن يراجعوا تفسيرهم للآية و لأسباب النزول ...و هذه المراجعة أثبتت أن الذي عبس و تولى هو عثمان بن عفان و ليس النبي صلى الله عليه و آله و سلم...
فهل يعقل أن الله يشهد لنبيه في كتابه بأنه على خلق عظيم ثم يقول في نفس الكتاب بأنه يعبس في وجه الأعمى...و هل هذا من أخلاق الأنبياء و لا سيما خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه و آله و سلم؟؟؟!!!!
لكن السلفية المصرين على هذا التفسير مع الأسف أعمتهم المذهبية عن رؤية الحقيقة فأساؤوا الأدب مع الله و مع رسول الله من أجل الدفاع عن الصحابي عثمان بن عفان...!!!! و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
------------------
أما عن اعتقاد إخواننا الشيعة بعصمة أئمتهم فعلاوة على مفهوم العصمة العام الذي أسلفنا شرحه سابقا...فلهم أية في كتاب الله تؤيد عصمتهم بالنسبة للناس و هي (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس آل البيت و يطهركم تطهيرا) و هل إذا أراد المولى عز و جل شيئا لا يفعله ..؟ سبحانه و تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)
هذا من ناحية العصمة العامة لآل البيت المطهر على غيرهم من عامة المسلمين سواء كانوا أولياء أو غيرهم...فليس من سبق له في علم الله التطهير كمن يحاول أن يطهر نفسه بنفسه بدون تأييد و توفيق رباني سابق...وليس الموهوب من الله كالمكتسب من العبد (و لا تزكوا أنفسكم إن الله يزكي من يشاء ).
و لكن أئمة أهل البيت المطهر لهم عصمة خاصة مؤيدة بالشرع و بالنصوص النبوية بوحي من الله ...و المقصود بهم الإثني عشر إمام من ولد الحسين عليهم السلام ...لهم نص من رسول الله في عددهم و في أسمائهم و من ولد من هم بالضبط ..و هذا النص مشهور عند الشيعة و له مصادر في كتب السنة أيضا...
فهم لم يختاروا أنفسهم أئمة و لم يزكهم أحد من الشيعة لذلك بل زكاهم الله و رسوله و مثلما فرض الله علينا رسول الله خاتم النبيين فرضهم من بعده أئمة يهدون بأمر الله و بأمر من الله و بإذن من رسول الله مكتوبا في الأحاديث النبوية المتداولة بين الناس...
من هذا الباب فإنه مثلما اعتقدنا بعصمة ما بلغه لنا رسول الله من الرسالة من الخطأ فكذلك تجب علينا الإعتقاد بعصمة هؤلاء الأئمة بعصمتهم الخاصة لما سيبلغوه لنا من تعاليم الدين و فتاوى شرعية تخص زمان أتباعهم و لكل زمان أحوال و مقال مختلف...إضافة لكل علومهم النبوية و معارفهم اللدنية و حكمهم التربوية الروحية الخ...
فمن زكاه الله وجب علينا الإعتقاد بعصمته و من زكاه رسول الله فقد زكاه الله لا فرق و لو لم نجد أسمائهم في القرآن (ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا)
--------------------
أما عن هذه الأحاديث النبوية التي تنص على الأئمة الإثني عشر من آل البيت المطهر فهذا موضوع خاص لوحده ...و لكل مقام مقال...
و الله من وراء القصد
و الله الهادي إلى سواء السبيل
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله الطاهرين الطيبين و صحابته المنتجبين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الهادفي 2- عدد الرسائل : 218
العمر : 56
العمل/الترفيه : مدرس
المزاج : محب الحقيقة
تاريخ التسجيل : 05/05/2009
مواضيع مماثلة
» العصمة... الحفظ..
» أذكار الصباح والمساء اوراد التسبيح الحفظ الفرج الاستغفار دعاء الصالحين
» منقول عن فقير
» أيها المدعي عشقنا ....
» الوارث المحمدي
» أذكار الصباح والمساء اوراد التسبيح الحفظ الفرج الاستغفار دعاء الصالحين
» منقول عن فقير
» أيها المدعي عشقنا ....
» الوارث المحمدي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 23 نوفمبر 2024 - 22:05 من طرف أبو أويس
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
السبت 23 نوفمبر 2024 - 13:27 من طرف الطالب
» شيخ التربية
السبت 23 نوفمبر 2024 - 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس