بردة الفقير

بردة الفقير
لسيدي محمد الهادي بوقرة (قفصة)

قال فيها شيخنا رضي الله : وارد رحماني
وهي من القصائد التي أذن في نشرها بين الإخوان والإنشاد بها

فقيـر أنـا في حيّكم أتسـوّل ******** وأبسط كفّي صاغرا أتـذلّل
أطوف ببيت العزّ في الحيّ بيتكم ***** وإن فرجت أبوابه أتمهّــل
ويسبق قلبي لحظ عيني لحسنكم ******* ويبقى على أعتابكم يتبتّـل
لعلّي أحظى قبل موتي بنظـرة ****** أظلّ عليها بعد بعثي أعـوّل
وإن أوجس الحسّاد مني التفاتة ****** تعلّلت في أمري بمـا أتعلّـل
وواريت بالثوب المرقّع حرقتي ****** لئلاّ يروا وجهـي بها يتهلّـل
وليس لخوف الموت عنه تستري *** ولكنّ حسن الحب في السّرّ أكمل
ومن لم يصن سرّ الحبيب كعرضه **** تعجّـل أشياء بها كان يمهـل
وإن سامني الحسّاد بخسا لقيتهم ****** بحلم لأنّي العاشـق المتأصّـل
وإن سألوني عنكم خبر الهـوى ****** تكتّمت عنهم مثلهم قمت أسأل
وباعدت عن خيماتهم أرضَ خيمتي ****لئلاّ يروا جسمي من الوجد يذبل
ولا يسمع مني على قرب منزلي ****أنين الجوى أو يشهد الدمع يهطل
وأكتم سرّي إذ لعلّي أموت في ******** هواك معنا يا كريم فتعذل
وينعتك الجهّال من سوء ظنّهم ******** ببخل وأنت المنعم المتفضّل
فتتبعني منهم إلى القبر حسرة ******** وأكسب ذنبا منهم لا أتحلّل
وإنّي لأخفي النّاس نار مواجدي ****** لأنّ لظى الأشواق خمر معلّل
فمن جودك السبّاق أنّك في الهوى ***** تحرق أضلاع المحبّ وتشعل
فتجذبه الأشواق صبّا إليكم ******** ويركب شوق العاشقين ويرحل
وإنّ غرامي في اهتياج وموقن **** * بأنّ زمان الوصل والجمع مقبل
وأقنع منكم بالجوار لأنّه ********* أخفّ على قلبي المعنّى وأسهل
وقلبي على أعتاب حضرة عزّكم ******** مقيم على الأيام لا يتحوّل
وإن سأل العشاق عنك دللتهم ******* فشدّوا إليك الشوق خيلا وعجّلوا
معي نصبوا بالقرب منك خيامهم **** وبالصّبر مثلي في الغرام تجمّلوا
قد اقتبسوا من نار وجدي ولهفتي********* فناري في خيماتهم تتنقّل
وأرّقهم شوقي العظيم لوجهكم ********** فأهدابهم بالنوم لا تتكحّل
وإنّي إذا أذّنت فيهم لركعة *******من العشق هبّوا في اهتزاز وأقبلوا
لها بدموع السّرّ حقّا توضؤوا *******وصلّوا فماتوا في الصّلاة وغسّلوا
وإنّي أنا سلطانهم وأذلّهم ************ وعشقي قديم العهد لا يتبدّل
وأحشر نفسي في عبيدك صاغرا ********* لعلّك تدعوني لأمر فأدخل
أشمّ عبير الوصل في حضرة الرّضا ***وتفعل بي في الحبّ ما شئت تفعل
وأسقى من الخمر القديم سُلافة ********* بها الجمع حقا يرتجي ويؤمل
فمالك يا معبود عيني ومهجتي ******* متى هاج شوقي زاد منك التدلّل
يعذبني شوقي إليك وإنّني ************ أكاد من الأشواق لا أتحمّل
وإنك تدري ما الجوى ولواعجي******** وتعرف أن الحبّ يحيي ويقتل
فرحماك جد بالوصل منك تكرّما ******** فحبّك عندي آخر الحبّ أوّل
وحبّك عندي سرّ روحي وجهرها * *** ولست بغير الموت في العشق أقبل
وحيث تجلى لي من الكون حسنكم******** أحط رحالي في حماك وأنزل
وأبقى على شرع الغرام وسنتي ********* مقيما بأبواب الهوى أتوسّل
فحينا أنا في طيبة العشق ساجد *********** أشم ثراها باكيـا وأقـبّـل
وروحي من فرط الجوى وتلهفي ******** تكاد إلى روح النّبي تتسلّـل
صلاة تزكيها صلاتك دائمـا ********* بأنوارها الأكوان تزهو وتحفـل
تعمّ جميع الآل والصحب والورى **** صلاة بها ترجى الرغائب وتحصل
وحينا أنا في توزر الشوق وارد ******* وشيخي إسماعيل يسقي وينهـل
بكأس الهدى من حوض طه مدامة ****** ترق بها كل الكؤوس وتنحل
مدامة سر كأسها النور خالصا ****** ونكهتها المعنى الذي ليس يعقل
إذا ما جرت في الحال أسكر نشرها ***وظلت بها الأكوان تصحو وتثمل
لها الحسن كأس بل نعم هي حسنه **** ومن عجب أنّ حسنها ليس يكمل
معتقة صرفا أنا قد سقيتها ********* وأدمنتها لا شرك فيها فيختل
وأدمنتها من قبل قومي مدامة ****** بأسرارها تصحو العقول وتذهل
وإن نطقت عن سرها بلسانها ******** فكل كلام في الهوى يتعطّل
مدامة عشق طابق السر جهرها ******* بغير ظهور السكر لا تتمثّل
وإن اكتفى بالحال في وصف حسنها **** فكل محبّ عن سكوتي ينقـل
بها أنا أصحو كلما زدت نشوة ******* يحيرني أمري فأبكي وأعوّل
فعشت عليلا في الهوى لسلامتي ******* وأنّى لها حالي لا أتحمّـل
وأدمنتها حتى غدوت إناءها ******ومنها مضى جسمي يذوب ويمحل
إلى أن تخفّى كل جهري بسرها ***** وصارت بي الأسرار حقا تمثل
لها نكهة الغيب الجميل و إنّني **** لأعطي فداها الروح عشقا وأبذل
وما هي إلا كنية لك في الهوى ***** وذكرك عندي باسمك الله أنبل
وعشقي لك العشق القديم وإنه ******* لعشق دوام مجمل ومفصل
ومحكم حبّي أنت له متشابه ******** وكل هوى إلاّك يأتي ويرحل
وإن كان شوقي في الهوى منك نعمة *** ففضلك في قتلي بحبك أجزل
فيا سر أنوار الوجود وحسنه ******بنورك أرضي أشرقت فهي أجمل
ومزقت عن قلبي الحجاب بنظرة ******رأيت السوى فيها يغيب ويأفل
وفي كلّ شيء قد ظهرت بسرّه ****** فأطت بك الأكوان سكرى تهلّل
ولي نور طه قام محراب عاشق ********* أنا فيه صب مدنف أتنفل
ولي قد أضاء العرش عرشك كله ******* تبارك عرش بالجمال مكلل
وحدثني في العشق بعض حديثه ********** فأفنى وأحيى سامعا يتعقل
ونادى أذان السّر من كل وجهة ************ فلبت له أنواره تتذلل
وصليت في قلبي صلاة مودّع ********* قضى نحبه في ركعة يتبتّل
وقلبي محرابي وقلبي قبلتي ********* وكعبة حجّي إذ أطوف أهرول
لأنك فيه أنت سرّي الذي له ************ ألبّي محبّا عاشقا وأهلّل
وعشقك فرضي كله ونوافلي ******** وموتي في حبّك أشهى وأجمل
فصلّ على طه صلاتك دائما ******* صلاة بها يرضى النّبي المتزمّل
وأرجو بها يوم النشور شفاعة *********** فإني عبد بالذنوب مكبّل
صلاة بها الأملاك تلهج دائما ********** ورحمتك الكبرى بها تتنزّل
صلاة بها الأكوان يزكو جمالها ********* وعندك في أعلى علاك ترتل
وتزين الفردوس ليس بها سوى ********* محياك بل ليست بغيرك تأهّل
وتفتح لي في القلب أبوابها معا ********* فلا باب في قلبي المنعم يقفل
ويحملني شوقي إليك وأنت في *********** مقيم وحولي حيثما أتأمّل
كأنّي أرى الأشواق من بدع الهوى ******** إليّ ومني بالصبابة ترسل
تجليت لي في كل شيء بكله ************ فسرّك في أنواره يتشكّل
ومن عجب أن قد تجليت باطنا ******** عليك ستار من ظهورك مسدل
ومن حكمة أن كل من رام وصلكم ****** بغير حجاب النّور لا يتوصّل
وعرشك حسنا لم يزل بك ظاهرا ********* بنورك سرا قديما يتسربل
وسرّك إطلاق الوجود وإنه ********* لفي حلل من نور حسنك يرفل
وأنت على العرش استويت فما به ***** * ظهور فراغ أو سوى يتخلل
وإني في جمعي لأكثر حيرة ****** * وأصغي لسري في حديثي وأسأل
وأعجب أحيانا وأعذر مرة ********* * وأعجب أني كنت عني أغفل
ولما تلاشت في تجليك غفلتي ******* رأيت وجودي في وجودك يبطل
وأبصرت أني منك فيك حقيقة *******ولست ولو في غفلة عنك أفصل
وأيقنت أني أنت لا فرق لا نوى ******* وأني بعض فيك والكل أكمل
إلى أن بدوت الفرد مالي من سوى*** مليكا على طول المدى لست أعزل
وعرشي هو الإطلاق من كل وجهة*** بما شئت أقضي في صفاتي وأعدل
عليه استوى سري ونوري كلاهما ***** وفيه تساوى الظرف أعلى وأسفل
وليس به شرق ولا فيه مغرب ******** وليس لغير أو سوى فيه مدخل
فيا حيرتي يا غربتي في تفردي *********** بأنوارها ذاتي بدت تتجلّل
وإني أنا كأسي وخمري ونشوتي ******** وكل شراب غير خمري حنظل