بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
تصور خاطئ عن الطريقة
صفحة 1 من اصل 1
تصور خاطئ عن الطريقة
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وآله وصحابته أجمعين.
لعل قائلا يقول : أنا لا أريد أخذ الطريقة الصوفية خشية أن أتدروش أو أن أصير مجذوبا وثيابي ممزقة أو أغفل عن عملي وبيتي ..
نقول :
إن هذا التصور خاطئ للأسباب التالية :
أولاً: إن الطريقة الصوفية لا تقتضي أن يكون الإنسان رث الثياب والهيئة ..ولكنها لا تحتقر الفقراء والبسطاء الذين لا يجدون ما يلبسونه من الثياب الفاخرة ..ولذلك ظن من يرى أمثال هؤلاء من الفقراء أن الطريقة الصوفية تلزمه بذلك وهذا ظن خاطئ .
لأن الطريقة يدخلها الفقراء والأغنياء والعالم والأمي والتاجر والأستاذ ….فصاحب الطريقة أو شيخ الطريقة لا يفرق بين الناس من حيث وضعهم المادي فالكل في نظره أبناؤه وإخوانه .
ولكن باعتبار أن بعض الأغنياء يأنفون من مجالسة الفقراء ولا يحبون مجالسة العامة من البسطاء لذلك نفوسهم تصور لهم الأمر بهذا الشكل ..وهذه ليست دعوى جديدة بل إن كبراء قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم نحن لا نقبل أن نجالس الفقراء والبسطاء فإذا طردت هؤلاء من مجلسك جلسنا معك ..!!
فأنزل الله عز وجل قوله تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم…..).
وقوله تعالى: ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ……) .
فظن من لا يعرف.. أنه إن هو أخذ الطريقة سيؤول حاله الى هذا الحال..!! ونسي أن الطريقة لا تعنى بالمظاهر والأشكال أصلا ..فالغاية أن لا تتكبر على خلق الله بثيابك أو تتفاخر عليهم ..فربما لبس إنسان ما ثيابا ثمينة متكبرا على العباد فهو مؤاخذ من الله …..ومنهم من لا يتكبر بثيابه الثمينة أو الأنيقة فلا بأس عليه ..وكذلك هناك من الناس من يرتدي ثيابا بسيطة بقصد إشعار الناس أنه متواضع وأنه خير منهم فهذا مثله كمثل الذي تكبر على الناس بثيابه الثمينة والمميزة .
ثانيا : إن الواقع العملي للملتزمين بالطريقة يدحض هذا التصور الخاطئ ..إذ أننا نرى من يدخل في الطريقة من أصناف المجتمع ومن شرائحه المختلفة ولكن أحدا منه م لم ينجذب أو يتدروش –بالمفهوم الذي يتصوره صاحبنا - إنما كل واحد منهم يمارس عمله على أكمل وجه .
فالحداد في ورشته والنجار في محله والطبيب في عيادته والمحامي في محكمته والمعلم في مدرسته ….فكل هؤلاء أحدهم لم ينشغل عن أموره أو عن بيته وأولاده وزوجه.
ثالثا : إن الطريقة الصوفية تقول لك طهر نفسك ونور قلبك ولكنها لا تقول لك : اهمل ثيابك ولا تنظفها أولا تعتني بها ..إنما تقول لك: لا تجعل قلبك مشغولاً بمظهرك على حساب قلبك ..فمادام قلبك ليس مشغولا بمظهرك على حساب قلبك فلك أن تلبس أفخر الثياب وأجودها وهذا كله مأخوذ من الهدي النبوي والشريعة المطهرة .
ومعروف سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني كان يلبس أفخر الثياب ويركب أفخم الدواب ويجالس الملوك والأمراء يعظهم ويذكرهم ويحضر مجلسه آلاف المستمعين وهو شمس المعرفة وأستاذ التصوف قدس سره العزيز .
رابعاً: ولا بد أن ننوه أن هناك بعض الناس لهم أحوال خاصة فنراهم بثياب رثة وقد يكونون من الصالحين فنحن مأمورون أن نحترمهم ولا نعترض عليهم فهؤلاء لهم حالهم الخاص مع الله ولكن لسنا ملزمين بتقليدهم ..وهذا مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أشعث أغبر ذي طمرين مردود في الأبواب لو أقسم على الله لأبره ).
ثم يا أخي المسكين والساذج الحقيقي من يرى أمامه نبع الحياة الحقيقي ثم لا يغترف منه ..المسكين من يعصي الله ..المسكين من يضيع الدين خوفا من كلام الناس وانتقاداتهم ..الغافل من انشغل بتزيين ظاهره ونسي باطنه ..
ما بال دينك ترضى أن تدنسه …وثوبك الدهر مغسول من الدنس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها …إن السفينة لاتجري على اليبس .
المقصود من الطريقة :
ولعل قائلا يقول : أنا جالست الصوفية أو ربما قال أخذت الطريقة ثم تركتها لأنني كنت أظن أنني ساكون مثل الصالحين الذين يطيرون في الهواء أو يمشون على الماء أو لو أني رفعت يدي الى السماء وطلبت مالا لرزقني الله أو دعوت على من ظلمني لأهلكه الله ..لكن كل ذلك لم يحدث لي فتركت الطريقة .
نقول :
نعم إنك لو بقيت في الطريقة سنين وسنين وهذه نيتك وهدفك من الطريقة فستظل تراوح مكانك فمن هاجر لله ولرسوله فهجرته لله ورسوله ومن هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه…فالطريقة ليس المقصود منها أن تكون صاحب كرامات وخوارق عادات …فمن كان هدفه الكرامات ..فهو في الكرى مات ..
لكن ينبغي أن يكون مقصودك هو العمل لنيل مرضاة الله عز وجل .
وهذا هدف كل مؤمن أما من يريد أن يجعل من الدين مطية لتحقيق شهوات نفسانية وأهواء نفسية فقد ضل الطريق وتاه عن المقصود ..لأن الذي يحجب الإنسان عن الوصول إلى الحق جل جلاله هو حجب النفس الأمارة المتمثلة بأمراضها القاطعة عن الله ..لعمري كيف يمكن أن يصل إلى الله من كان بعمله مرائياً ….أم كيف يصل إلى الله من كان يملأ قلبه الكبر والعجب ..أو كيف يتذوق حلاوة الإيمان من كانت نفسه تواقة للمعاصي والذنوب وهو مرتكب للمخالفات والعيوب …؟!
ولو درى هذا المسكين ما أضاع بعدم معرفته وجهله لبكى على نفسه ولحثا التراب على رأسه ..إذ أنه أضاع الكنز المطلسم والكرامة العظمى والغنى الأتم والثراء الحقيقي ..أما علم أن إصلاح نفسه وتزكيتها هو الكسب الحقيقي .أما علم أن تطهير النفس من أدرانها ليكون المرء أهلا لمجالسة الحق هو الكنز الحقيقي ….أما علم أن الاستقامة على الشريعة المطهرة هو عين الكرامة وأفضلها ..فأي كرامة تعدل أن يخلّص الإنسان نفسه من الكبر والرياء والعجب ووووو … ويحليها بالفضائل من الحب والإخلاص والصدق والتوبة والإنابة والخشية والقناعة والرضى والصبر والشكر والمراقبة ….؟؟!!
لو نظر هذا المسكين بعين الحقيقة لعلم أن أعظم الكرامات أن يجعلك الله جليسه ومذكوره وحبيبه ..فتأنس به وتلذ بمناجاته وتراقبه في كل أحوالك وحركاتك فيغنيك ويعزك ويكون لك سندا ومعينا في كل حياتك …
الطريقة الصوفية هي الوسيلة التي تجعلك مهيأً لدخول حضرة الحق وأنت نظيف النفس طاهرا ..هي التي تبصرك بعيوبك وأسباب انقطاعك عن الله …هي التي تغرس في نفسك حب الله ورسوله والصالحين ..هي التي تجعلك شاكرا ذكرا متفكرا مراقبا تائبا منيبا ..هي التي تنقلك من الغفلة الى الذكر ومن الظلمة إلى النور ومن الضلال إلى الهدى ومن الشقاء الى السعادة ومن المعصية الى الطاعة ومن رفقة الدنيا الى رفقة الآخرة ومن الانشغال بالنعمة إلى الانشغال بالمنعم ومن الفوضى الى النظام ومن الجهل إلى المعرفة والعلم ومن الشر إلى الخير .
إنما مثلك في دخولك للطريقة كمريض موجوع ذهب الى الطبيب فرأى حال الطبيب من الصحة والعافية والغنى فقرر أن يتردد عليه ناوياً أن يسرق شهادته المعلقة على الجدار ظانا أنه بسرقتها سيؤول حاله إلى مثل حال الطبيب من الغنى والعافية ضاربا بإرشاداته عرض الحائط غير مطبق لتعليمه ولم يتناول علاجه الموصوف لأمراضه وأوجاعه …..!!
فإنه سيخرج من عيادة الطبيب بأمراضه التي دخل بها دون شفاء ..ولن يتمكن أن ينال ما ناله الطبيب …وهذا مثل من قال عنهم ربنا : (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ..؟؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) .
فإذا رزق الله العبد الاستقامة وكان من أهل محبته ووداده ومجالسته فإنه يسخر له كل ما في الكون ألم يقل ربنا في الحديث القدسي الجليل مازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولئن سألني لأعطينه ….)
ليس كل من ادعى التصوف صوفي
لعل قائلاً يقول : لكني أرى أن كل أهل التصوف والذين يلتزمون الطريقة فقراء والبعض منهم غشاشون وكذابون ودجالون ..فهم يتسترون بالدين لنيل مطامع دنيوية …!
نقول :
بالأصل كان طريق التصوف لا يسلكه إلا كمل الناس وعارفيهم ..وكان الناس يجلون أتهل التصوف ويعطونهم قدرهم الذي يليق بهم ..وكان شيوخ الطريقة لا يعطون الطريقة إلا لمن كان أهلا لها ممن جاءهم قاصدا وملحا وراغبا فيتفرسون فيه الصلاح فيمنحونه هذا الشرف ويعطونه هذه الكرامة ..ولكن مع تقدم السنين وتغير الأحوال والأزمان أخذ يتشبه بأهل التصوف من ليس منهم من أهل الطمع الدنيوي الذين يريدون أن يسخروا الدين لمآربهم النفسية وشهواتهم الدنيه ولذلك اختلط على بعض الناس من هو صوفي ممن هو متشبه ظاهرا بهم .
اما موضوع الفقر والغنى فهو غير مرتبط مطلقا بالتصوف أو غيره .فلو كان معيار الحق هو الغنى والفقر لكان اليهود والكفار من أغنى أغنياء العالم فهذا لا يدل على أنهم على حق ..
وإذا جئنا الى المسلمين كذلك نجد أكثر أغنياء العالم من المسلمين منهم الفاسق والفاجر ومن يقضي أيامه بالخمور والفواحش .فهل يعني أنه على حق ..؟؟!
وبالمقابل نجد من اهل التصوف من هو الغني الذي يملك الكثير من مئات الملايين ومنهم الفقير ..ومنجد من غير المتصوفة كذلك الفقير المدقع .
فالفقر والغنى ليس سببه أنك صوفي أو أنك لست صوفي .
الفقر والغنى هو قسمة من الله مرتبطة بجملة من الأسباب التي ترتبط بأسباب الكسب والعمل .
لأن التصوف لا يدعو إلى الفقر ..ولا يدعو إلى ترك الدنيا كما يظن البعض ..إنما التصوف يدعو المسلم أن لا تكون الدنيا في قلبك .إنما أن تكون في جيبك ويدك .ولذلك يقول سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني : أخرج الدنيا من قلبك واجعلها في يدك لا تضرك .
وهذا التصور مغلوط ذكره الله في القرآن بقوله تعالى( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكره ونعمه فيقول ربي أكرمن ..وأما إذا ما بتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ..كلا ..بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما …)
إذاً يوجد بين المتصوفة الغني والفقير والمتعلم والأمي والعلم والمتعلم والتاجر والعامل مثلهم مثل أي شريحة في الحياة ..ولكن الصوفي عندما يكون غنيا فهو شاكر لربه مخرجا زكاة ماله كريم ومنفق ومتصدق على المحتاجين ..متواضع لا يتكبر على بعاد الله بماله ولا يرى في نفسه ميزة على غيره لأنه غني وغيره فقير …وماله لا يشغله عن عبادته المفروضة ..وإذا زاد ماله لا يفرح فرحا يجعله يبطر ويتكبر ..وإذا نقص ماله لا ينكسر قلبه ويملؤه الحزن والأم على ما ضاع أو خسر من مال .بل هو راض مطمئن رابط الجأش مستسلم لقضاء الله وقدره ..
أما القول أن الصوفية غشاشون فهذا الحكم رجما بالغيب ..إذ ان القائل لا يعرف كل الصوفية حتى يحكم عليهم .وإن عرف شخصا في الأوصاف المذكورة فقد يكون ممن تشبه بهم ..أو أنه لم يتهذب طبعه ونفسه بعد .
ونقول لهذا الأخ : لو أننا رأينا طبيبا جعل من مهنة الطب وسيلة لابتزاز الناس المحتاجين وسلب أموالهم هل نقول كل الأطباء على هذه الشاكله …?؟!
إذا عرفنا موظفاً مرتشياً هل نحكم على جميع الموظفين بأنهم مرتشين ..؟؟!
إذا رأينا جنديا يخون وطنه وشعبه ودينه …هل نقول كل الجنود خائنون ….؟؟!
إذا رأينا عالما منافقا هل نقول كل العلماء منافقين ..؟؟!
إذا رأينا صوفيا يرتكب أخطاء معينة هل نقول كل الصوفية غشاشين أو ما شابه .؟؟!
طبعا العاقل لا يقر بمثل هذا الحكم .
ثم إن حال المؤمن المفروض ان يحمل حال الناس على أحسن الأحوال .فيحسن الظن بالناس ويعذرهم فربما رأيت من إنسانا سلوكا تنكره لأول وهلة ولكن لو بحثت وتعمقت في في بحثك في سبب فعله لعذرته ..أو ربما كان لحمكة أن تجهلها ..وإن كان المفروض على المسلم أن يحسن الظن بالناس دون بحث وتجسس لأن ذلك أسلم لدينه ..
كما قال أحدهم رأيت مسلما في يوم رمضان وهو مفطر فسببته وأزعجته ولكن بعد ذلك تبين لي أنه مريض ومعذور .
و قال آخر :رأيت رجلا يمشي مع امرأة لوحدهما فشككت في أمرهما .وتبعتهما وسالت فتبين لي أنها زوجته .
وقال ثالث : رأيت شيخا يجلس مع امرأة سافرة فأنكرت عليه .وعندما تبينت بعد فترة الأمر وجدت أنها امرأة غير مسلمة كانت تسأله عن الإسلام تريد أن تسلم.
قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم.
منقول
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وآله وصحابته أجمعين.
لعل قائلا يقول : أنا لا أريد أخذ الطريقة الصوفية خشية أن أتدروش أو أن أصير مجذوبا وثيابي ممزقة أو أغفل عن عملي وبيتي ..
نقول :
إن هذا التصور خاطئ للأسباب التالية :
أولاً: إن الطريقة الصوفية لا تقتضي أن يكون الإنسان رث الثياب والهيئة ..ولكنها لا تحتقر الفقراء والبسطاء الذين لا يجدون ما يلبسونه من الثياب الفاخرة ..ولذلك ظن من يرى أمثال هؤلاء من الفقراء أن الطريقة الصوفية تلزمه بذلك وهذا ظن خاطئ .
لأن الطريقة يدخلها الفقراء والأغنياء والعالم والأمي والتاجر والأستاذ ….فصاحب الطريقة أو شيخ الطريقة لا يفرق بين الناس من حيث وضعهم المادي فالكل في نظره أبناؤه وإخوانه .
ولكن باعتبار أن بعض الأغنياء يأنفون من مجالسة الفقراء ولا يحبون مجالسة العامة من البسطاء لذلك نفوسهم تصور لهم الأمر بهذا الشكل ..وهذه ليست دعوى جديدة بل إن كبراء قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم نحن لا نقبل أن نجالس الفقراء والبسطاء فإذا طردت هؤلاء من مجلسك جلسنا معك ..!!
فأنزل الله عز وجل قوله تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم…..).
وقوله تعالى: ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ……) .
فظن من لا يعرف.. أنه إن هو أخذ الطريقة سيؤول حاله الى هذا الحال..!! ونسي أن الطريقة لا تعنى بالمظاهر والأشكال أصلا ..فالغاية أن لا تتكبر على خلق الله بثيابك أو تتفاخر عليهم ..فربما لبس إنسان ما ثيابا ثمينة متكبرا على العباد فهو مؤاخذ من الله …..ومنهم من لا يتكبر بثيابه الثمينة أو الأنيقة فلا بأس عليه ..وكذلك هناك من الناس من يرتدي ثيابا بسيطة بقصد إشعار الناس أنه متواضع وأنه خير منهم فهذا مثله كمثل الذي تكبر على الناس بثيابه الثمينة والمميزة .
ثانيا : إن الواقع العملي للملتزمين بالطريقة يدحض هذا التصور الخاطئ ..إذ أننا نرى من يدخل في الطريقة من أصناف المجتمع ومن شرائحه المختلفة ولكن أحدا منه م لم ينجذب أو يتدروش –بالمفهوم الذي يتصوره صاحبنا - إنما كل واحد منهم يمارس عمله على أكمل وجه .
فالحداد في ورشته والنجار في محله والطبيب في عيادته والمحامي في محكمته والمعلم في مدرسته ….فكل هؤلاء أحدهم لم ينشغل عن أموره أو عن بيته وأولاده وزوجه.
ثالثا : إن الطريقة الصوفية تقول لك طهر نفسك ونور قلبك ولكنها لا تقول لك : اهمل ثيابك ولا تنظفها أولا تعتني بها ..إنما تقول لك: لا تجعل قلبك مشغولاً بمظهرك على حساب قلبك ..فمادام قلبك ليس مشغولا بمظهرك على حساب قلبك فلك أن تلبس أفخر الثياب وأجودها وهذا كله مأخوذ من الهدي النبوي والشريعة المطهرة .
ومعروف سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني كان يلبس أفخر الثياب ويركب أفخم الدواب ويجالس الملوك والأمراء يعظهم ويذكرهم ويحضر مجلسه آلاف المستمعين وهو شمس المعرفة وأستاذ التصوف قدس سره العزيز .
رابعاً: ولا بد أن ننوه أن هناك بعض الناس لهم أحوال خاصة فنراهم بثياب رثة وقد يكونون من الصالحين فنحن مأمورون أن نحترمهم ولا نعترض عليهم فهؤلاء لهم حالهم الخاص مع الله ولكن لسنا ملزمين بتقليدهم ..وهذا مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أشعث أغبر ذي طمرين مردود في الأبواب لو أقسم على الله لأبره ).
ثم يا أخي المسكين والساذج الحقيقي من يرى أمامه نبع الحياة الحقيقي ثم لا يغترف منه ..المسكين من يعصي الله ..المسكين من يضيع الدين خوفا من كلام الناس وانتقاداتهم ..الغافل من انشغل بتزيين ظاهره ونسي باطنه ..
ما بال دينك ترضى أن تدنسه …وثوبك الدهر مغسول من الدنس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها …إن السفينة لاتجري على اليبس .
المقصود من الطريقة :
ولعل قائلا يقول : أنا جالست الصوفية أو ربما قال أخذت الطريقة ثم تركتها لأنني كنت أظن أنني ساكون مثل الصالحين الذين يطيرون في الهواء أو يمشون على الماء أو لو أني رفعت يدي الى السماء وطلبت مالا لرزقني الله أو دعوت على من ظلمني لأهلكه الله ..لكن كل ذلك لم يحدث لي فتركت الطريقة .
نقول :
نعم إنك لو بقيت في الطريقة سنين وسنين وهذه نيتك وهدفك من الطريقة فستظل تراوح مكانك فمن هاجر لله ولرسوله فهجرته لله ورسوله ومن هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه…فالطريقة ليس المقصود منها أن تكون صاحب كرامات وخوارق عادات …فمن كان هدفه الكرامات ..فهو في الكرى مات ..
لكن ينبغي أن يكون مقصودك هو العمل لنيل مرضاة الله عز وجل .
وهذا هدف كل مؤمن أما من يريد أن يجعل من الدين مطية لتحقيق شهوات نفسانية وأهواء نفسية فقد ضل الطريق وتاه عن المقصود ..لأن الذي يحجب الإنسان عن الوصول إلى الحق جل جلاله هو حجب النفس الأمارة المتمثلة بأمراضها القاطعة عن الله ..لعمري كيف يمكن أن يصل إلى الله من كان بعمله مرائياً ….أم كيف يصل إلى الله من كان يملأ قلبه الكبر والعجب ..أو كيف يتذوق حلاوة الإيمان من كانت نفسه تواقة للمعاصي والذنوب وهو مرتكب للمخالفات والعيوب …؟!
ولو درى هذا المسكين ما أضاع بعدم معرفته وجهله لبكى على نفسه ولحثا التراب على رأسه ..إذ أنه أضاع الكنز المطلسم والكرامة العظمى والغنى الأتم والثراء الحقيقي ..أما علم أن إصلاح نفسه وتزكيتها هو الكسب الحقيقي .أما علم أن تطهير النفس من أدرانها ليكون المرء أهلا لمجالسة الحق هو الكنز الحقيقي ….أما علم أن الاستقامة على الشريعة المطهرة هو عين الكرامة وأفضلها ..فأي كرامة تعدل أن يخلّص الإنسان نفسه من الكبر والرياء والعجب ووووو … ويحليها بالفضائل من الحب والإخلاص والصدق والتوبة والإنابة والخشية والقناعة والرضى والصبر والشكر والمراقبة ….؟؟!!
لو نظر هذا المسكين بعين الحقيقة لعلم أن أعظم الكرامات أن يجعلك الله جليسه ومذكوره وحبيبه ..فتأنس به وتلذ بمناجاته وتراقبه في كل أحوالك وحركاتك فيغنيك ويعزك ويكون لك سندا ومعينا في كل حياتك …
الطريقة الصوفية هي الوسيلة التي تجعلك مهيأً لدخول حضرة الحق وأنت نظيف النفس طاهرا ..هي التي تبصرك بعيوبك وأسباب انقطاعك عن الله …هي التي تغرس في نفسك حب الله ورسوله والصالحين ..هي التي تجعلك شاكرا ذكرا متفكرا مراقبا تائبا منيبا ..هي التي تنقلك من الغفلة الى الذكر ومن الظلمة إلى النور ومن الضلال إلى الهدى ومن الشقاء الى السعادة ومن المعصية الى الطاعة ومن رفقة الدنيا الى رفقة الآخرة ومن الانشغال بالنعمة إلى الانشغال بالمنعم ومن الفوضى الى النظام ومن الجهل إلى المعرفة والعلم ومن الشر إلى الخير .
إنما مثلك في دخولك للطريقة كمريض موجوع ذهب الى الطبيب فرأى حال الطبيب من الصحة والعافية والغنى فقرر أن يتردد عليه ناوياً أن يسرق شهادته المعلقة على الجدار ظانا أنه بسرقتها سيؤول حاله إلى مثل حال الطبيب من الغنى والعافية ضاربا بإرشاداته عرض الحائط غير مطبق لتعليمه ولم يتناول علاجه الموصوف لأمراضه وأوجاعه …..!!
فإنه سيخرج من عيادة الطبيب بأمراضه التي دخل بها دون شفاء ..ولن يتمكن أن ينال ما ناله الطبيب …وهذا مثل من قال عنهم ربنا : (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ..؟؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) .
فإذا رزق الله العبد الاستقامة وكان من أهل محبته ووداده ومجالسته فإنه يسخر له كل ما في الكون ألم يقل ربنا في الحديث القدسي الجليل مازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولئن سألني لأعطينه ….)
ليس كل من ادعى التصوف صوفي
لعل قائلاً يقول : لكني أرى أن كل أهل التصوف والذين يلتزمون الطريقة فقراء والبعض منهم غشاشون وكذابون ودجالون ..فهم يتسترون بالدين لنيل مطامع دنيوية …!
نقول :
بالأصل كان طريق التصوف لا يسلكه إلا كمل الناس وعارفيهم ..وكان الناس يجلون أتهل التصوف ويعطونهم قدرهم الذي يليق بهم ..وكان شيوخ الطريقة لا يعطون الطريقة إلا لمن كان أهلا لها ممن جاءهم قاصدا وملحا وراغبا فيتفرسون فيه الصلاح فيمنحونه هذا الشرف ويعطونه هذه الكرامة ..ولكن مع تقدم السنين وتغير الأحوال والأزمان أخذ يتشبه بأهل التصوف من ليس منهم من أهل الطمع الدنيوي الذين يريدون أن يسخروا الدين لمآربهم النفسية وشهواتهم الدنيه ولذلك اختلط على بعض الناس من هو صوفي ممن هو متشبه ظاهرا بهم .
اما موضوع الفقر والغنى فهو غير مرتبط مطلقا بالتصوف أو غيره .فلو كان معيار الحق هو الغنى والفقر لكان اليهود والكفار من أغنى أغنياء العالم فهذا لا يدل على أنهم على حق ..
وإذا جئنا الى المسلمين كذلك نجد أكثر أغنياء العالم من المسلمين منهم الفاسق والفاجر ومن يقضي أيامه بالخمور والفواحش .فهل يعني أنه على حق ..؟؟!
وبالمقابل نجد من اهل التصوف من هو الغني الذي يملك الكثير من مئات الملايين ومنهم الفقير ..ومنجد من غير المتصوفة كذلك الفقير المدقع .
فالفقر والغنى ليس سببه أنك صوفي أو أنك لست صوفي .
الفقر والغنى هو قسمة من الله مرتبطة بجملة من الأسباب التي ترتبط بأسباب الكسب والعمل .
لأن التصوف لا يدعو إلى الفقر ..ولا يدعو إلى ترك الدنيا كما يظن البعض ..إنما التصوف يدعو المسلم أن لا تكون الدنيا في قلبك .إنما أن تكون في جيبك ويدك .ولذلك يقول سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني : أخرج الدنيا من قلبك واجعلها في يدك لا تضرك .
وهذا التصور مغلوط ذكره الله في القرآن بقوله تعالى( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكره ونعمه فيقول ربي أكرمن ..وأما إذا ما بتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ..كلا ..بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما …)
إذاً يوجد بين المتصوفة الغني والفقير والمتعلم والأمي والعلم والمتعلم والتاجر والعامل مثلهم مثل أي شريحة في الحياة ..ولكن الصوفي عندما يكون غنيا فهو شاكر لربه مخرجا زكاة ماله كريم ومنفق ومتصدق على المحتاجين ..متواضع لا يتكبر على بعاد الله بماله ولا يرى في نفسه ميزة على غيره لأنه غني وغيره فقير …وماله لا يشغله عن عبادته المفروضة ..وإذا زاد ماله لا يفرح فرحا يجعله يبطر ويتكبر ..وإذا نقص ماله لا ينكسر قلبه ويملؤه الحزن والأم على ما ضاع أو خسر من مال .بل هو راض مطمئن رابط الجأش مستسلم لقضاء الله وقدره ..
أما القول أن الصوفية غشاشون فهذا الحكم رجما بالغيب ..إذ ان القائل لا يعرف كل الصوفية حتى يحكم عليهم .وإن عرف شخصا في الأوصاف المذكورة فقد يكون ممن تشبه بهم ..أو أنه لم يتهذب طبعه ونفسه بعد .
ونقول لهذا الأخ : لو أننا رأينا طبيبا جعل من مهنة الطب وسيلة لابتزاز الناس المحتاجين وسلب أموالهم هل نقول كل الأطباء على هذه الشاكله …?؟!
إذا عرفنا موظفاً مرتشياً هل نحكم على جميع الموظفين بأنهم مرتشين ..؟؟!
إذا رأينا جنديا يخون وطنه وشعبه ودينه …هل نقول كل الجنود خائنون ….؟؟!
إذا رأينا عالما منافقا هل نقول كل العلماء منافقين ..؟؟!
إذا رأينا صوفيا يرتكب أخطاء معينة هل نقول كل الصوفية غشاشين أو ما شابه .؟؟!
طبعا العاقل لا يقر بمثل هذا الحكم .
ثم إن حال المؤمن المفروض ان يحمل حال الناس على أحسن الأحوال .فيحسن الظن بالناس ويعذرهم فربما رأيت من إنسانا سلوكا تنكره لأول وهلة ولكن لو بحثت وتعمقت في في بحثك في سبب فعله لعذرته ..أو ربما كان لحمكة أن تجهلها ..وإن كان المفروض على المسلم أن يحسن الظن بالناس دون بحث وتجسس لأن ذلك أسلم لدينه ..
كما قال أحدهم رأيت مسلما في يوم رمضان وهو مفطر فسببته وأزعجته ولكن بعد ذلك تبين لي أنه مريض ومعذور .
و قال آخر :رأيت رجلا يمشي مع امرأة لوحدهما فشككت في أمرهما .وتبعتهما وسالت فتبين لي أنها زوجته .
وقال ثالث : رأيت شيخا يجلس مع امرأة سافرة فأنكرت عليه .وعندما تبينت بعد فترة الأمر وجدت أنها امرأة غير مسلمة كانت تسأله عن الإسلام تريد أن تسلم.
قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم.
منقول
رضوان- عدد الرسائل : 228
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 11/12/2007
مواضيع مماثلة
» ورد الطريقة الإسماعيلية
» سند الطريقة المدنية
» سند الطريقة المباركة
» الطريقة المدنية (موقع)
» الشريعة، الطريقة، الحقيقة
» سند الطريقة المدنية
» سند الطريقة المباركة
» الطريقة المدنية (موقع)
» الشريعة، الطريقة، الحقيقة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
أمس في 20:06 من طرف ابن الطريقة
» شيخ التربية
أمس في 19:48 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
أمس في 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 22:37 من طرف الطالب
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس
» هل تطرأ الخواطر على العارف ؟
الجمعة 2 أغسطس 2024 - 6:59 من طرف أبو أويس