بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
اليقين بين الحقيقة والشريعة
صفحة 1 من اصل 1
اليقين بين الحقيقة والشريعة
اليقين بين الحقيقة والشريعة
سئل سيدى احمد بن ادريس رضي الله عنه : عن قوله تعالى : (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)
فأجاب :
أن لها تفسيرين : أحدهما : أن اليقين هو : الموت وهو الظاهر فتكون حتى للغاية ، الثاني : أن اليقين هو أن يرى الشئ عياناً ، ألا ترى أن الواصف إذا وصف لك شيئاً وأنت معتقد اعتقاداً صحيحاً لا يختلجك شك ، ولا ريب عندك أنه صادق فيما وصف ، لكنك لم تر ذلك الموصوف ، فأنت لا تزال تتخيل هذا الموصوف وتتصوره ، ومعلوم قطعاً أن تخيلك وتصورك لهذا الشئ الذي لم تره لا يطابق حقيقته ، كمن يصف لك مكة مثلاً وأنت لا تعرفها ، وتصورها تصويراً لا يطابق ما إذا رأيتها عياناً ، فإذا رأى الإنسان حقيقة الأمر آمن به وهو يشاهده ، وإذا آمن بما وصفه الواصف من دون مشاهدة فهو مؤمن بالغيب ، والمؤمن إذا عبد الله حق عبادته بقدر استطاعته عرفه الله سبحانه وتعالى ، وإذا عرفه فلا يشهد سواه ، حتى إنه يحول بينه وبين قلبه أي إذا رأى قلبه بعين البصيرة وجد الله حائلاً بينه وبين قلبه ، وبهذه المعرفة تنال المعارف الإلهية التي من لدنه تبارك وتعالى
وكلما صفا صوفي صفا قلبه قربت منه أشكال المعارف ، الا ترى أن الزجاج أصله حجر كثيف ، ثم لما صفى وزالت عنه الكدورات قرب الأشخاص البعيدة ، فإن الناظور يقرب الشئ البعيد ، حتى إن ما زادت تصفيته يقرأ الإنسان به مكتوباً من مسافة بريد ، كذلك المنظرة تقرب الشمس من مسيرة أربعة آلاف عام ، حتى تحرق ما وقعت عليه ، وهذا أعظم من آسف بن برخيا فإنه أتى بعرش بلقيس من مسافة ثلاثة أشهر قبل أن يرتد الطرف ، وهذه أتت بالشمس من مسافة اربعة آلاف سنة قبل ارتداد الطرف ، فإنك إذا ركبتها على شئ أحرقته بمجرد وقوعها عليه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو عين الوجود ، وواسطة عقده ، أخذ من أنوار الحق تعالى بقدر صفوه ، فالآخذ من الله تعالى بواسطته ، ولله المثل الأعلى ولرسوله في القوى كآخذ الضوء من الشمس بواسطة الزجاجة ، وهذا تشريف لهذه الأمة وأي تشريف لأنهم الآخذون بواسطته ، والآخذ من الله تعالى من غير واسطته صلى الله عليه وسلم كآخذ الشئ من الشمس من دون واسطة الزجاجة ، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو النور الذي قبضه الله من قبضة نوره ، قال تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) فالنور : هو الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لو كان النور هو الكتاب لكان لفظاً متكرراً ، والحق تعالى هو سمعه وبصره وقلبه إلى آخره ، فكله صلى الله عليه وسلم نور مع أنه متحيز في بشريته وفي عبوديته.
والحق تعالى مطلق في كبريائه وفي ملكوته (وهو الله في السماوات وفي الأرض) في حال كونه على العرش استوى ، في حال كونه قلب عبده المؤمن وبصره وسمعه سبحانه ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم وجهتان وجهة إلى الحق تعالى وهو المقام الذي قال تعالى فيه : (والله ورسوله أحق أن يرضوه) فأعاد الضمير بصيغة الإفراد وقال تعالى : (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصلاً) فأعاد الضمير بصيغة الإفراد ، وقال صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى : " من رآني فقد رأى الحق تعالى " وقال صلى الله عليه وسلم : " إن لي وقتاً لا يسعني فيه إلا ربي " ولذا قال تعالى : (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً) فالحجاب المستور هو كونهم ما رأوا فيه إلا البشرية والعبودية إذ لو صدقوه لرأوا ما رأى الذين قال تعالى في حقهم : (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) فهو صلى الله عليه وسلم أقرب الكون إلى الله ، بل فوق العرش الحجب سبعون حجاباً ما بين كل حجاب وحجاب مسافة سبعين ألف سنة ، وغلظ كل حجاب سبعون ألف سنة ، وفوق ذلك فضاء لا يعلم قدر مسافته إلا الله سبحانه وتعالى وهو الذي يقال له . عالم الرقا وهو مظاهر أسماء الله ، وهو فوق العرش والكرسي ، ووراء هذا كله نور سيد الكونين والثقلين ، الرسول الخاتم خاتم الأنبياء والمرسلين ، سيد ولد آدم أجمعين
ولذا قال صلى الله عليه وسلم حين سأله الأعرابي أين كان الله تعالى قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : كان في عماء بالمد والقصر ، فازداد السائل حيرة ؛ لأنه إن كان بالمد وهو السحاب الرقيق فيكون معناه (يوم يأتيهم الله في ظلل من الغمام) وإن كان بالقصر فهو الغشاوة على القلب أو على العين ، فاستفاد السائل هذا العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه ازداد حيرة ، فالعلم بالله تعالى كلما زاد زاد صاحبه حيرة ، وفي هذا المعنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه : " لو عرفتم الله حق معرفته ، لمشيتم على البحار ، ولزالت بدعائكم الجبال ، ولو خفتم الله عز وجل حق مخافته لعلمتم العلم الذي ليس معه جهل ، ولكن ما بلغ ذلك أحد قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا . قالوا : ما كنا نظن أن الأنبياء تقصر على ذلك قال : الله أعظم من أن ينال أحد أمره كله ، ووراء ذلك ما لا يعلمه إلا الله "
ومع هذا فهو صلى الله عليه وسلم في حيرة ، ولذا قال : " رب زدني فيك تحيراً " وهو – أيضاً – مع كونه في مقام الأمن والقرب أخوف الخلق من الله تعالى ، وفي مقام الخوف قال صلى الله عليه وسلم : " ليت رب محمد لم يخلق محمداً " يعني أنه يتمنى أن لو لم يقبض الحق تعالى قبضة من نوره لتحيز البشرية بل كانت مطلقة في أصلها ، وقال أبو بكر الصديق بل كانت مطلقة في أصلها ، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ليت أبا بكر كان شجرة فعضدها جمل في فيه فكان بعراً ولم يكن بشراً ، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف .
وله صلى الله عليه وسلم وجهة إلى الخلق قال تعالى : (واعلموا أن فيكم رسول الله) وقال تعالى : (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله) فقال : لتؤمنوا وجعله المرسل والمرسل إليه.
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تدخل الشوكة في رجل أحدكم إلا وجدت ألمها " فهو حقيقة الكون كما أن الشجرة لها ورق وغصون وفروع ، وعروق وجذوع ، وزهر وثمر ، وحقيقة الكل شجر ، فجميع دعائه صلى الله عليه وسلم بصيغة الإفراد المراد به أمته ، فدعاؤه لنفسه عين دعائه لأمته ، فمن صفا قلبه من أمته صلى الله عليه وسلم وتوجه به على الله بواسطة رسول الله ، تفجر من قلبه ينابيع الحكمة وأخذ قلبه أنوار العلم الإلهي ، فقوى بقوة قابلية الواسطة صلى الله عليه وسلم ، ومن كان كذلك فهو الوارث الذي قال فيه : " العلماء ورثة الأنبياء " ومن لفظ الصفاء أخذ الشاعر تسمية الصوفي صوفياً فقال :
لا تحسبن لباس الصوف لابسه يدعي به بين أرباب العلى صوفي
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا وكلهم قال قولاً غير معروف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى صفا فصوفي حتى سمى الصوفى .
وقال رضي الله عنه : قال الله تعالى – لرسوله صلى الله عليه وسلم : (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه الصلاة والسلام عن معنى ذلك ؟ فقال جبريل : حتى أسأل ربي فقال تعالى : أن تعفوا عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتحسن إلى من اساء إليك وأما قوله تعالى : (وأعرض عن الجاهلين) فليس المراد إعراض غضب ، بل معناه : لا تؤاخذهم بجهلهم ، لأن الإنسان ربما حفر حفرة وفي علم الله أنه لا يقع فيها إلا ذلك الحافظ لها لكنه جاهل لذلك ، ولو علم لما حفرها فهذه حالة الجاهل ، فأذيتهم لك هي عين أذيتهم لأنفسهم ، لكنهم جهلوا ولو عرفوا لما آذوك ، فأعرض عن جهلهم هذا ، وتخلق بأخلاقنا فإنا نعرض عمن جهل علينا فعسى أن يتوب منه (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من علم منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم ) فأتمر صلى الله عليه وسلم لأمر رهب وأعرض عن جهلهم ، حتى أنه طلب منهم أن يقتصوا منه حقوقهم إن كان لهم عليه حقوق فقال صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس لعله أن يكون قد دنا مني حقوق وأنا بين أظهركم ، فمن كان له على محمد حق من مال أو شعر أو بشر ، فهذا مال محمد وشعره وبشره ، ولا يقولن أحدكم إني أتخوف العداوة والبغضاء من محمد فإنهما ليستا من خلقي ولا من طبيعتي ، وإن أولاكم بي رجل كان له على شئ من ذلكم فأخذه أو يحللني ، فألقى ربي وأنا محلل لي " ثم قال تعالى : (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم) أتبع تعالى هذا الآية التي قبلها وذلك لأن للشيطان مجالاً عند هذه الخلال والاستعاذة من الشيطان هي : التلفظ بلفظ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " وأعوذ بك منك " أن الله هو الآخذ بناصية إبليس باسمه المضل قال تعالى : (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) فلا سلطان له على عباد الله .
يتبع إن شاء الله
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: اليقين بين الحقيقة والشريعة
تابع
اليقين بين الحقيقة والشريعة
لسيدى احمد بن ادريس رضي الله عنه
اليقين بين الحقيقة والشريعة
لسيدى احمد بن ادريس رضي الله عنه
وقال رضي الله عنه :
الصراط المستقيم الذي هو أحد من السيف وأدق من الشعر ، هو في الدنيا قبل الآخرة ، وفي الآخرة مروره على قدر الاستقامة عليه في الدنيا ، وهو في الدنيا في جميع الأمور وهي لا تحصى ، فمن ذلك أن تؤمن بالقدر خيره وشره ولا تحتج به ، ومن ذلك أن تعتقد أن الله سبحانه وتعالى قلب عبده المؤمن وسمعه وبصره في حال كونه على العرش استوى ، في حال كونه في السماوات وفي الأرض في حال كونه (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ، ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم) من حيوان وإنسان ونام وجماد وجامد ومائع ، ومعيته مع كل شئ من ذلك غير المعية التي مع الآخر ، وهو ناظر إلى كل فرد من أفراد الكون نظرة غير نظرة الآخر ، وناظر في كل شعرة غير نظرة الأخرى ، ومصاحب لها من غير أن يشتمل عليه تعالى زمان ولا مكان ن فهو كما كان وكما يكون دائماً أبدياً سرمدياً باطناً في حالة ظهوره
ومن جملة أدعية الصوفية : كيف أعرفك وأنت الباطن الذي لا تعرف ، وكيف لا أعرفك وأنت الظاهر الذي في كل شئ تتعرف ، وهو تبارك وتعالى أول في حال كونه آخر سبحانه وتعالى ، ومن ذلك أن تباشر الأسباب ولا تقف معها كأن تمتثل قوله سبحانه وتعالى : (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) وقوله تعالى : (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) ولكن لا تقف معها فمن اشتغل بها عن الله تعالى فقد خسر ، كما أنه تعالى أمر بالتزويج ليكون بسببه النسل ، وبالتكسب ثم قال : (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " اعقلها وتوكل "
ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما وصل بالبراق إلى بيت المقدس ربطها في الحلقة التي كانت الأنبياء تربط فيها ، مع أن البراق مأمور فأين يهرب ؟ وأين يذهب ؟ ومن ذلك أنه تعالى أمر بالأسباب التي توصل إلى الجنة والتي تقرب عبده منه ، ثم أمرنا أن لا نقف معها ، فقال تعالى : (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً) فإذا ركنت إلى عملك فقد اتخذت من دون الله أولياء ، قال الله (فاعبده وتوكل عليه) أي تقرب بالعبادة التي هي السبب ولا تركن إليها ، بل توكل عليه سبحانه وتعالى ، فإذا اراد الله بعبده خيراً سلك به الصراط المستقيم فلا يميل عنه ولا يحيف ، بل كلها عثر أو كاد قادته يد التوفيق ، وعلى قدر هذا السلوك يكون المرور على الصراط يوم القيامة الذي هو ألف سنة صعوداً ، ومثلها هبوطاً ، ومثلها استواء أيضاً ، فمنهم : كطرفة العين ، ومنهم : كالبرق الخاطف ، ومنهم : كالريح القاصف ، ومنهم : من دون ذلك ، ومنهم : على قدمه وحبواً ، اللهم ثبت اقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام يا ارحم الراحمين
وقال رضي الله عنه : معنى نية المؤمن ابلغ من عمله : أنه قد يحج الإنسان وهو في بيته من دون سفر ولا تعب ، وذلك كأن تمنعه عن الحج موانع الشرع ونيته منطوية عليه ، ولولا أنه عاقته عوائق قدمها الشرع على الحج لأتى مكة ولو حبواً ، ومن ذلك أن أهل الجنة يخلدون في الجنة ابداً مع أنه لم يعمل كل واحد إلا مدة عمره ، وكذلك من خلد في النار فهو ما عمل عمل أهل النار إلا مدة عمره ، والله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم أحداً ، لأن نية المؤمن أنه لو عمر في الدنيا أبداً مؤبداً لبقي على حالته التي هو فيها يعبد الله فيها ، ولا يشك به شيئاً ويؤمن بالله ورسوله فأبدته وخلدته نيته ، وكذلك الكافر فإن نيته لو عمر أبداً لبقي كافراً قال تعالى : (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) فخلدته نيته في النار . نسأل الله العافية والسلامة
وقال رضي الله عنه : قال تعالى : (ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) زعم المفسرون : أنهم أناس استوت حسناتهم وسيئاتهم يبقون بين الجنة والنار ، وهذا غلط لأنه لا دليل لهم أن في الآخرة دار ثالثة ، بل أصحاب الأعراف رجال من أولياء الله ، أودع الله فيهم هذا السر وهو كونهم يعرفون كلا بسيماهم ، ولذا أتى بالنكرة التي تقتضي التعظيم بقوله : وعلى الأعراف رجال ، أي أي رجال مثل قوله تعالى : (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) ومثل قوله تعالى : (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدا الله عليه) فقولهم : أناس استوت حسناتهم وسيئاتهم لم يفسره الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ، حتى إنا نعتمده كما فسر المغضوب عليهم : باليهود والضالين : بالنصارى ، فيجب الوقوف على كلامه صلى الله عليه وسلم ، وإن كان لفظ المغضوب عليهم يتناول كل من غضب الله عليه كقاتل العمد قال الله تعالى : (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه) وكذلك الضالين.
وأما أصحاب الأعراف فلم يفسرهم الرسول r بذلك التفسير الذي فسروه ، فمن أين أخذه ؟ مع أنه قد انقطع الوحي بموته صلى الله عليه وسلم ، فما بقي إلا أنهم فسروه من جهة عقولهم ورأيهم ، وليس للعقل والرأي في الشرع مجال ، والمعنى الظاهر من اللفظ في قوله : (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم) أن هذا السر وهو المعرفة السيما.
في ذلك اليوم الذي يقوم فيه كل الناس حتى الأنبياء : نفسي نفسي ، لا يودعه الله غلا في رجال اصطفاهم لذلك الخطاب في يوم تطيش فيه الألباب ، فقال تعالى حاكياً عنهم : (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم) ثم قوله : لم يدخلوها أي أصحاب الجنة وهم يطمعون في دخولها (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) فهؤلاء أصحاب الأعراف هم كبار الأولياء لأنهم حكموا بحكم الله في ذلك اليوم الذي قال فيه تعالى : (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً) فهل يتكلم في تلك الحالة غير من كان من أهل الله ، لا ينطق بحكمه قبل وقوعه ، ويعرفون كلاً بسيماهم ، يا هل ترى أن يتكلم أحد في (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) ؟ فكل مشتغل بنفسه ، بلى . فلا – والله – يتكلم هناك (إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا)
وقال رضي الله عنه : قال موسى عليه الصلاة والسلام : يا رب ، خصني بشئ أقدسك به دون غيري ، فقال : قل : لا إله إلا الله ، فقال : يا رب ، علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به ، فقال : قل : لا إله غلا الله ، فقال : يا رب ، أما هذه فكل أحد يقولها ، فقال تعالى : يا موسى ، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري (وقوله وعامرهن غيري بالغ في الكلام لأنه بالنسبة إلى أن الله هو الذي عمرها فليست ثقيلة ولا في عمارتها كلفة بل هي بكلمة كن ، ولفظة كن لا تعدل لا إله إلا الله ، فانظر إلى هذه البلاغة ، ثم لم يقل في الأرضين وعامرهن غيري لأنه كذلك في السماوات ، وإنما الأرضون أهون وأدون) والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة ، لرجحت بهما لا إله إلا الله
ومعنى هذا قصة الله تعالى في القرآن لرسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : (وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى) فعجل إلى الله سبحانه وتعالى شوقاً إليه ، وخلف قومه وراءه ، وطمعاً أن ينال منه تعالى شيئاً يختص به ، فأدبه الله تعالى بأن فتن قومه بعده وأضلهم السامري ، ثم لم يخصه بشئ دون غيره ، بل قال له : قل : لا إله إلا الله ، فأمر أن يقول هذه الكلمة التي عم بها الأقصى والأدنى من المسلمين ، وذلك ليعلم أن فضل الله لا ينحصر في أحد ، ولا يختص به أحد ، بل فضله شامل وعطاؤه سبحانه عام ، وخزائنه لا تفنى ، ولو كان جميع ما خلق الله تعالى من جن وإنس وغيرهما في درجة موسى لم ينقص من سعة فضل الله أحد منهم ، وأدب الله تعالى بهذه القصة رسوله الأعظم ونبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم ، ولذا قال لأبي ذر : " إني أراك ضعيفاً ، وإني أتمنى أن تكون مثلي " أي من جميع الوجوه وذلك لعلمه صلى الله عليه وسلم بسعة فضل الله ورحمته ، وهو يتمنى ذلك صلى الله عليه وسلم لكل فرد من أمته ، وأمره الله تعالى أن يصبر نفسه مع أمته فقال : (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) فهو يسوق أمته صلى الله عليه وسلم ، ويجعلهم أمامه وظهره للملائكة ، وذلك أن قوة النبوة لا يلحق بها غيرها ، فلو لم يسقهم لتخلفوا وراءه وفتنوا رضي الله عنهم.
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
مواضيع مماثلة
» الحقيقة والشريعة والتصوف
» علم اليقين , وعين اليقين , وحق اليقين
» علم الحقيقة ليس بحجّة
» من يملك الحقيقة؟
» الشريعة، الطريقة، الحقيقة
» علم اليقين , وعين اليقين , وحق اليقين
» علم الحقيقة ليس بحجّة
» من يملك الحقيقة؟
» الشريعة، الطريقة، الحقيقة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 22:05 من طرف أبو أويس
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
أمس في 13:27 من طرف الطالب
» شيخ التربية
أمس في 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس