علم الحقيقة ليس بحجّة

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه

الكثير من الناس اليوم يظنّون أنّ علوم الحقائق التي عند الصوفية هي من أعظم الحجج , ولكن الحقيقة أنّ علوم الشريعة والشرع هي الحجّة البالغة وهي حجّة الله على خلقه وبها كان الثواب والعقاب , أمّا علم الحقيقة ورغم علوّها وجمالها وتبيين الأشياء فيها فهي ليست بحجّة وصاحبها دائما مهزوما في مقام الأدلّة كما حدث للمشركين وهم في النار يتعذّبون كما في الآية : ( (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون, قل فلله الحجة البالغة, فلو شاء الله لهداكم أجمعين,)

ففي الظاهر هنا يعطي أنّ المشركين إحتجّوا بالمشيئة ( وهذا في ظاهره حقّ ) لأنّه ( ما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله ) ولكنّه في باطنه كذب وجهل لأنّه هناك فرق بين الحقيقة التي هي العلم الإلهي وبين الإحتجاج بتلك الحقيقة لمصالح النفس وخيلائها , ولذا وصفهم القرآن بالكذب قال تعالى : ( كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون )

والسبب أنّه إحتجّوا بالحقيقة من غير أن يعرفوا معاني تلك الحقيقة ولا فهمها على وجهها الصحيح لذا بطلت حجّتهم بطلانا وأضحى علمهم جهلا وطغيانا وسوء أدب في الحضرة

- الكون وما حواه هو معنى قوله ( لا إله ) ووجود الله تعالى هو معنى قوله ( إلاّ الله ) فهذا المشهد هو الذي طلب منك تحقيقه في الشهادة وعيشه حسّا ومعنى , وهو أمره لك بالفناء عن كونك وعن النفس , وما أدراك ما تلك النفس التي قالت : ( أنا خير منه ) تقصد مزاحمة الصفات والأسماء ولا يتحقّق لها ذلك إلاّ بقولها ( أنا ) أي أنا الذات , هنا تدافع الذات عن مكانتها , فقال له ( ما كان لك أن تتكبّر فيها ) يعني وأنت فيها ولذا قال لعيسى : ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ
أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب )

فإنّه لا عبرة بقولنا ( لا إله إلاّ الله ) ما لم تصاحبها ( محمّد رسول الله ) المقرونة والمكتوبة على العرش , حتّى لا يستحلّ أحدا الحقيقة فيحتجّ بها فأكبتنا بالحجّة البالغة وهي قولنا ( محمّد رسول الله ) ( فاتّبعوني يحببكم الله ) , فإذا قلت في حقيقتك ( لا إله إلاّ الله ) قالت لك شريعتك ( محمّد رسول الله ) وهو حبيبه وقبضة النور الزكيّة , فأنت في القبضة ( هؤلاء للجنّة ولا أبالي , وهؤلاء في النار ولا أبالي ) وأنت في القبضة : ( والسماوات مطويات بيمينه ) ( خذ الكتاب بقوّة )

هل تكون الحقيقة ناقصة ؟؟؟ الجواب : نعم عند الكثير والعارفين مراتب , قال سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه ( لو أتكلّم في علم الحقائق لأفتى العارفون بالله في زماني على كفري وأجمعوا عليه فضلا عمّن دونه ) بما معناه

فليس كلّ عارف وصل وكرع من العلم المحمّدي الكامل , بل هي مراتب منهم الصغير ومنهم الكبير , ومنهم العارف الفحل ومنهم من هو دونه , ولكن هناك أرضية مشتركة في المعرفة من أساء أدبها تركوه وللسيف والمشنقة قدّموه لأنّه ذكر الحقيقة لمّا غلبته بنقصانها ويا طوبى للسكران الصاحي , وللصاحي السكران , فمن قال ( أنا خير منه ) إستوجب البعاد والطرد والنكال , فما بالك بمن قال ( أنا هو وهو أنا ) أيجتمع الحادث مع القديم فيتّحدان , ( فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان ) وإنّما هو كما قال إمام الطائفة ( إفراد الحادث عن القديم ) لذا تركوا الحلاّج في سجنه فرفضوا أن يأخذوا بيده فيرجعوه من السكر إلى الصحو , ومرّة كان فقيرا من العارفين يغلبه حاله يريد أن يحتجّ بحقيقته بزعمه فطرد وسلب وهكذا حال الفاسقين , فجرى ذكر المؤمنين فقال ذلك الفقير ( بل هو المؤمن بنفسه ) فطرده الشيخ وقال في إثره ( هذه زندقة ) هذا وعندما قال أبو يزيد قولته المشهورة قال لأتباعه لمّا أخبروه بما قال : ( لماذا لم تقتلوني ؟ فلو قتلتموني لحصل لكم أجر الجهاد ولنلت أنا الشهادة ) وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلّم غجب ربّك من رجلين يقتتلان فيقتل أحدهم الآخر فيدخلان الجنّة , ولكن ما حذّر منه الشرع المحمّدي هو قوله ( فالقاتل والمقتول في النار ) وهما أدعياء التحقيق وهم الزنادقة , وأدعياء الشرع وهم فسّاق , وقد حذّر منهم القشيري وذكر دعواهم بأنّهم لا يشاهدون في الكون سواه فتركوا الصوم والصلاة ...( مقدّمة الرسالة )

فخلطوا بين الحسّ والمعنى وما كان هذا فعل المحسوس بل هي معاني خمرية وفناءات معنوية توجب التحقيق ليستقيم الطريق ( إنّما أنا عبد الله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله ) هكذا أشار عليه الصلاة والسلام وهو أولى الناس بهذا المقام وهو القائل ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد من بعدي ) وقد قال الصدّيق الأكبر رضي الله عنه ( من كان يعبد محمّد فإنّ محمّد قد مات ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت )
نعم قد كبر في أعيننا الكون حتّى رددناه إليه فقلنا بأنّه هو ( وقالوا ما يهلكنا إلاّ الدهر ) رغم أنّ الحديث يقول ( لا تسبّوا الدهر فإنّ الله هو الدهر ) وعليه فلما أنكر عليهم هذا القول , فلأنّ الحقيقة توجب إستشعار وجود الواحدية فيها وليس فقط إستشعار الأحدية , فإنّ قولك ( أحد ) ليس هو قولك ( الواحد ) لذا أمرك بالأدب ومعرفة حقائق الأسماء والصفات كي لا تسيء الأدب في الحضرة فتقول ( أنا ) فيكون قولهم ( أنا أنت ) باطل , بل نقول ( هو هو هو ) ( إن الذين يخشون ربّهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كريم ) ففناؤك هو فناؤك أنت فلماذا تريد أن تفنيه معك فتقول ( أنا هو ) فهل للفاني ( أنا ) ( وتجلّى ربّه للجبل فجعله دكّا ) وهو القائل : ( كلّ من عليها فان ) ثمّ قال لك تعريفا ( ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام ) فأنت في حالة فنائك لا وجود لك ثمّ محال أن يصبح هذا الفاني في حالة فنائه باقيا , فيكون هو هو , بل هو فنى فما بقي إلاّ ( وجه ربّك ) فما قال ( بقي ربّك ) بل قال ( وجه ربّك ) فأنت بقولك أنا هو قصدت ( الربّ ) وهو يقول ( وجه ربّك )
فحيثما توجّهت فأنت مغلوب ومعطوب حقيقة أو شريعة حتّى تلتزم العبودية ( قال ما منعك أن تسجد ) أي تخالف أمري , قال ( أنا خير منه )

هل تكون الحقيقة ناقصة ؟؟؟

الجواب : نعم : ولكنّها في نظر صاحبها والمتلبّس بها يستشعرها كاملة لضعفه ومرض نفسه , وعدم طلبه لربّه , ( يا بني آدم لا تعبدوا الشيطان إنّه لكم عدوّ مبين ) ( وأن أعبدوني هذا صراط مستقيم ) والصراط المستقيم ليست له نعاية إلاّ إليه ( وأن إلى ربّك المنتهى ) ولم يقل النهاية ( إنّ كما العارف بداية الكمال , والوصول إلى نهاية نوالكم درجة لا تنال ) فكيف تناله وهي درجة لا تنال , فكيف تقول أنّك هو وأنت في الحقيقة لست هو لأنّه درجة لا تنال , والله واسع عليم

لمّا كثرت الزندقة في الأزمنة المتأخّرة وقد تكفّل الله لهذه الأمّة بعدم الشرك كما في الحديث في جزيرة العرب , حرس الله تعالى قبر نبيّه بالوهابية ولكن القوم لا يشعرون , وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم

فحيثما توجّهت فأنت مغلوب ومعطوب حقيقة أو شريعة حتّى تلتزم العبودية ( قال ما منعك أن تسجد ) أي تخالف أمري , قال ( أنا خير منه )

عين التحقيق سيدي علي الفاضل و كل مقالكم يصب في الصميم بارك الله فيكم..

لمّا كثرت الزندقة في الأزمنة المتأخّرة وقد تكفّل الله لهذه الأمّة بعدم الشرك كما في الحديث في جزيرة العرب , حرس الله تعالى قبر نبيّه بالوهابية ولكن القوم لا يشعرون , وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم

طبعا هذا كلام نسبي و أكيد أنكم توافقوني أنه لا يعني أن الوهابية على الحق في كل شيء و أن مذهبهم صحيح و مذهب غيرهم باطل...فإن كان للوهابية دور نسبي مؤقت اقتضته الحكمة الإلاهية، هو كذلك ليس لأنهم هم من أرادوا ذلك عن حسن اعتقاد ..لأنهم في الحقيقة يريدون حتى هدم قبر الرسول مثلما هدموا قبور كل الصحابة و أئمة آل البيت..

ولقد انتقدهم كذلك سيدنا الشيخ في موقفهم من رسول الله بقولهم أنه لا يضر و لا ينفع و اعتقادهم بكفر التوسل بالانبياء و الأولياء..الخ

فما فعله الوهابية يمكن ربما نسميه بالحق النسبي و الظرفي.. و لكن هدفنا و هدف الحضرة منا هو الحق المطلق و الذي أشار إليه سيدي أبو أويس عن كلام سيدنا الشيخ بأن (نلعب على حبلين) يعني أن نخلط الحقيقة بالشريعة و لا يتعدى أو يطغى أحد منهما على الآخر (مرج البحران يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان)

ونرى اليوم من يرمون من وقف لهم أمام زندقتهم بالوهابي...

أكيد تقصد إخواننا الشيعة يا سيدي أبو أويس؟!!...على كل حال الزمان بيننا و سوف يريكم الكثير مما تجهله عنهم و عن مكانتهم عند الله..

الفقير الموفّق من عرف كيف يجمع بين ما يقوله الصوفية والوهابية...

هذا يسمى اجتماع النقيضان و هو مستحيل فلا يجتمع الحق و الباطل و ليس هناك أرضية مشتركة بينهما.. إلا إن كنت تعتقد أن الصوفية ليست على الحق المطلق و إنما هي إفراط مثلما أن الوهابية تفريط (لا إفراط و لا تفريط)..

العبد الضعيف لا أصحح مفهومكم سيدي أبو أويس لأنه صحيح ..و لكني أصحح تعبيركم عنه و استعمال الألفاظ المناسبة لذلك فأرجوا أن لا تفهمني خطأ..

بسم الله وحده والصلاة والسلام على عبده
أبو أويس كتب:

رائع... بارك الله فيك سيدي علي وشفاك ...
نعم لقد أثنا مولانا الإمام رحمه الله على الوهابية في هذا الشأن ولم يغمط دورهم فيه رغم مؤاخذاته عليهم في آرائهم الكثيرة...
ونرى اليوم من يرمون من وقف لهم أمام زندقتهم بالوهابي...
الفقير الموفّق من عرف كيف يجمع بين ما يقوله الصوفية والوهابية...
وهو ما عناه شيخنا بقوله: الفارس من يلعب على حبلين أي الذي برع في علم الظاهر والباطن، كقوله: الفقير ظاهره عبودية وباطنية حرّية...

هل قول الأستاذ يدل على ما ذهبت إليه لا ولله الذي لا إلاه إلا هو لم يرم إلى ذالك بل كان قصده رضي الله عنه مجاهداتهم ومحاولاتهم لتتبع السنة النبوية رغم ضلالة معتقدهم. لقد أتنى على شدة تمسكهم بمعتقدهم وعدم الإلتفات إلى غيره ليشحذ همم الفقراء حتى يأخذوا بعهدهم مأخذ الجد فإنهم على الحق ولم يثن رضي الله عنه عليهم أبدا. كأنه يقول أنظروا كيف يتمسكون ويدافعون على مذهبهم ويجاهدون وهم على ضلالة أفلا تكونوا مثلهم وأنتم على الحق.
الفقير الموفّق من جمع بين الإستفامة والذكر. ومن تبع قول الوهابية كفر المسلمين كما فعل صاحبك الذي ندعوا له بصدق بالشفاء العاجل.
ايها السادة من يقول بنقص في الحقيقة فلوجود النقص في عقله فكيف تسمى الحقيقة حقيقة وهي ناقصة.

يقول المثل: البل تمشي على ضعافها.
أنزل الله سبحانه على عبده صلى الله عليه وسلم الشريعة وليس لعبد عذر في عدم قدرته على القيام بها وهي حافظة لأمور الدنيا والدين وألزمها جميع المؤمنين، فلما استقرت علما وعملا أنزل سبحانه الحقيقة على عبده صلى الله عليه وسلم واختص بها طائفة دون أخري وذلك لنقص في تركيبتهم الخلقية فقال سبحانه "فاتقوا الله ما استطعتم" فكيف ترمون الحقيقة بالنقص وهي لأهل الإصطفاء.

أسوق لكم حكاية وقعت للإمام أحمد بن حنيل مع شيبان الراعي لعلها تنفعنا:
شاهد الإمام الشافعي والإمام أحمد شيبان الراعي فقال الإمام أحمد تعال نسأله (يعني شيبان رضي الله عنه) عن حكم الساهي في الصلاة فنهاه الشافعي بأن لا يفعل فأبى، وأقبل على شيبان يسأله فقال شيبان في صلاتكم فحكمها كذا وكذا، وأما في صلاتنا فحقيق عليه أن يطرد فأغمي على الإمام أحمد.

سأل الإمام علي عليه السلام: هل رأيت الله؟ فأجاب: وكيف أعبد من أرى.

يقول الحق سبحانه "قل هل يستوي الذين بعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو اللألباب"
الفقير ظاهره عبودية وباطنية حرّية أخي لو فهمتها على المعنى الصحيح لما صفقت للأخ علي.
يقولون الصوفي بين عدو ومدعي
والسلام

... أوجدنا.. و امدنا... كل الشكر للمنعم ...

خلق كل شئ من اجلك يا سيدي الفقير .. ان اردت ان تكون ملكا ...او اردت ان تكون عبدا شكورا...

أرجو ألاّ تكون كل تأكيداتك هكذا ...
فلو تتبعت سياق الكلام لما ظننت ما ذهبت إليه...
سيدي ما ذكره سيدي علي وعقّبت عليه هو حال بعض صوفية آخر هذا الزمان وما يعتقدونه من زندقة، فإن نصحهم ممن لا يعتقد معتقدهم رموه بالوهابية...

معذرة سيدي أبو أويس على سوء الفهم...بارك الله فيكم..