بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
أسئلة أجبت عليها
صفحة 1 من اصل 1
أسئلة أجبت عليها
بسم الله الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
وبعد : فقد وردت عليّ أسئلة من بعض الإخوان في غير هذا المنتدى فحاولت الإجابة عليها بقدر المستطاع
فأردت أن أوردها هنا محبّة في المشاركة والإضافة
يقول السائل :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم علي الصوفي تحية وسلام بارك الله فيك وبالاخوة الاكارم صادفت منذ دخولي عددا من المقالات الجميلة وكان من اجملها مقالاتك فشعرت برغبة تدفعني لاسألك لعلي احرك مكنوناتك اكثر واستفيد من علمكم وذوقكم فلو تكرمت واجبتني سيدي الكريم على اسالتي جزاك الله كل خير عني وعن كل من يستفيد من كلامكم ...
السؤال الاول :
ما الفرق سيدي بين الذوق العقلي والقلبي فقد ورد علي هذا المصطلح سابقا فان صح ارجو التفرقة بينهم ؟
السؤال الثاني :
لو ان شخصا اكرمه الله بان نال بيعة الطريق من شيخ كامل ثم شاءت الصدفة ان ينالها من شيخ اخر فبذالك هو مع من فيهم ؟
السؤال الثالث سيدي وارجو ان يكون صدرك واسعا لي :
لو ان مريدا اخذ البيعة واعطيا الورد العام لها لكنه ترك الورد العام واخذ بذكر ورد اخر من طريقة اخرى فهل يستفيد في سلوكه ام انه لا حظ له ؟
السؤال الرابع :
هل السر باللمسة الروحية ( البيعة ) ام السر بورد الطريقة فايهما يوصل للثمرة الورد او البيعة وما السر كامن وراء كل منهما ؟
فأجبت على السؤال الأوّل بما يأتي :
بالنسبة للسؤال الأوّل : الذي تقول في متنه :
( ما الفرق سيدي بين الذوق العقلي والقلبي فقد ورد علي هذا المصطلح سابقا فان صح ارجو التفرقة بينهم ؟ )
فالجواب بحسب ما إرتأيته والله أعلم :
هذا المصطلح الذي ورد على مسامعك فقد ورد أيضا على مسامعي لكنّه ليس بنفس الكلام , فما سمعته هو قولهم : التصوّف العقلي والتصوّف الذوقي
فالله أعلم
نقول : لا بدّ من تعريف الذوق حتى تعلم المسائل :
فالذوق هو حالة وجدانية شعورية قلبية يجدها المؤمن في قلبه فينتعش بها إيمانه وتسمو معانيه إلى عوالم الصفاء والرقّة والمحبّة والجمال وكلّ ما كان من هذا المعنى
قال عليه الصلاة والسلام : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيّا ورسولا )
والإيمان كما تعلم محلّه القلب وليس العقل وعليه فلا يكون الذوق حقيقة إلا بالقلب فهو محلّه
وإنما قلنا بأن الذوق هو الإحساس والشعور لأنّ متعلّقه اللذّة والألم كالفرح والحزن والقبظ والبسط ..إلخ
لذا فلو تلاحظ في قوله تعالى في الكفار في النار : ذق إنّك أنت العزيز الكريم
فما يذوقه من العذاب هو ما يحسّه ويشعر به ويتألّم به
فالعقل في مجمله لا يعطي الذوق بل يعطي الفكر الرياضي والمقاييس والدليل والبرهان والمنطق ..وما كان من هذا القبيل
وإنّما يقصدون بالذوق العقلي هو فهم مقامات السير والسلوك من أحوال ومقامات فهما عقليّا لا معنى قلبي يعضده كما نراه عند طوائف من العلماء كإبن تيمية رحمه الله وغيره فإنّه تكلّم في التصوّف العقلي والذوق العقلي مجردا عن الحقائق التي لا تنال بمجرّد الفكر أو تصوّر المسألة عقليا بل لا بدّ فيها من إدراك وتحلّي صفاتي بها لذا قيل في علمنا : ليس بعلم أوراق بل هو علم أذواق وليس بعلم مكسوب بل هو علم موهوب من خزائن الفضل فلا كسب فيه بل هو مجرّد وهب يهبه الله تعالى للقلوب الصافية وإنما غاية إكتسابه أن يباشر المريد المجاهدة لتخلية القلب من الرذائل وتحليته بأنواع الفضائل والإستقامة على شرع الله تعالى ظاهرا وباطنا قدر المستطاع ثمّ يبقى ينتظر كرم الله تعالى المتمثّل في الفيض الأقدس والنور والأسرار وهذه كلّها معاني ذوقية شعورية يدركها الشعور والإحساس إدراكا ذاتيا ووصفا حاليا
وعليه : فلا معنى لقولنا : الذوق العقلي بل نقول غاية ذلك الفهم العقلي للذوق وهو بعيد عن إدراك حقيقة الذوق كقول ساداتنا في العسل لا يعرف طعمه إلا من ذاقه فقد يصف العقل حلاوته لكنّه يستبعد إدراك حقيقته لأنها لا تحصل إلا بالذوق
ثمّ إن الذوق نتيجة من نتائج السلوك يدركها الفقير في سيره إلى الله تعالى لذا قالوا :
العلم ثمّ العمل المتقن الذي ينتج الحال وبعد الحال يأتي الذوق كقطرة ثمّ ينهمر كغيث إلى أن يسكر الإنسان في ذوقه لذا قالوا بأن بعده السكر ثمّ بعده كما قالوا يأتي الصحو ..ألخ مقامات أهل الكمال
فالذوق مرحلة سير تتلوّن بحسب المقام فليس ذوق المريدين كذوق العارفين وليس ذوق أهل الإيمان كذوق أهل الإحسان وهكذا
وحقيقة الذوق هو ذوق الروح لمقامات الجمال والصفاء والعلم لأن الذوق في حقيقته هو محبّة أو تقول بداية المحبّة الذوق ثمّ يأتي العشق ويكون البكاء والنحيب وتأتي المحبّة بأحكامها حتى قيل في الحكاية بأنه كان مريد من المريدين أخذته المحبّة غاية فيبقى الليالي والأيام وهو لا يحسّ بشيء من حوله وقد أشار إلى ذلك الحبيب عليه الصلاة والسلام ( لي وقت لا يسعني فيه غير ربّي )
وهناك أمور لا بدّ من فهمها : بالنسبة للأحوال أي الحال عندما يأخذ بصاحبه يرفع عنه مشقّة العبادة جملة وتفصيلا والذوق الذي يأتي من بعده يهذّب له تلك العبادات لذا قيل : عبادات العارفين كالتاج على رأس الملك
ثمّ إن الذوق يختلف من عارف إلى آخر فالماء واحد والزهر ألوان
أما القائل بذوق العقل فهو دليل على عدم فهمه لحقيقة الذوق التي هي حالة وجدانية شعورية لا يحسن الإنسان وصفها وهل يحسن أحد وصف طعم العسل فهذا لا يدرك إلا بالذوق وكذلك الذوق لا يدرك إلا بالذوق
يتبع ...
والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
وبعد : فقد وردت عليّ أسئلة من بعض الإخوان في غير هذا المنتدى فحاولت الإجابة عليها بقدر المستطاع
فأردت أن أوردها هنا محبّة في المشاركة والإضافة
يقول السائل :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم علي الصوفي تحية وسلام بارك الله فيك وبالاخوة الاكارم صادفت منذ دخولي عددا من المقالات الجميلة وكان من اجملها مقالاتك فشعرت برغبة تدفعني لاسألك لعلي احرك مكنوناتك اكثر واستفيد من علمكم وذوقكم فلو تكرمت واجبتني سيدي الكريم على اسالتي جزاك الله كل خير عني وعن كل من يستفيد من كلامكم ...
السؤال الاول :
ما الفرق سيدي بين الذوق العقلي والقلبي فقد ورد علي هذا المصطلح سابقا فان صح ارجو التفرقة بينهم ؟
السؤال الثاني :
لو ان شخصا اكرمه الله بان نال بيعة الطريق من شيخ كامل ثم شاءت الصدفة ان ينالها من شيخ اخر فبذالك هو مع من فيهم ؟
السؤال الثالث سيدي وارجو ان يكون صدرك واسعا لي :
لو ان مريدا اخذ البيعة واعطيا الورد العام لها لكنه ترك الورد العام واخذ بذكر ورد اخر من طريقة اخرى فهل يستفيد في سلوكه ام انه لا حظ له ؟
السؤال الرابع :
هل السر باللمسة الروحية ( البيعة ) ام السر بورد الطريقة فايهما يوصل للثمرة الورد او البيعة وما السر كامن وراء كل منهما ؟
فأجبت على السؤال الأوّل بما يأتي :
بالنسبة للسؤال الأوّل : الذي تقول في متنه :
( ما الفرق سيدي بين الذوق العقلي والقلبي فقد ورد علي هذا المصطلح سابقا فان صح ارجو التفرقة بينهم ؟ )
فالجواب بحسب ما إرتأيته والله أعلم :
هذا المصطلح الذي ورد على مسامعك فقد ورد أيضا على مسامعي لكنّه ليس بنفس الكلام , فما سمعته هو قولهم : التصوّف العقلي والتصوّف الذوقي
فالله أعلم
نقول : لا بدّ من تعريف الذوق حتى تعلم المسائل :
فالذوق هو حالة وجدانية شعورية قلبية يجدها المؤمن في قلبه فينتعش بها إيمانه وتسمو معانيه إلى عوالم الصفاء والرقّة والمحبّة والجمال وكلّ ما كان من هذا المعنى
قال عليه الصلاة والسلام : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيّا ورسولا )
والإيمان كما تعلم محلّه القلب وليس العقل وعليه فلا يكون الذوق حقيقة إلا بالقلب فهو محلّه
وإنما قلنا بأن الذوق هو الإحساس والشعور لأنّ متعلّقه اللذّة والألم كالفرح والحزن والقبظ والبسط ..إلخ
لذا فلو تلاحظ في قوله تعالى في الكفار في النار : ذق إنّك أنت العزيز الكريم
فما يذوقه من العذاب هو ما يحسّه ويشعر به ويتألّم به
فالعقل في مجمله لا يعطي الذوق بل يعطي الفكر الرياضي والمقاييس والدليل والبرهان والمنطق ..وما كان من هذا القبيل
وإنّما يقصدون بالذوق العقلي هو فهم مقامات السير والسلوك من أحوال ومقامات فهما عقليّا لا معنى قلبي يعضده كما نراه عند طوائف من العلماء كإبن تيمية رحمه الله وغيره فإنّه تكلّم في التصوّف العقلي والذوق العقلي مجردا عن الحقائق التي لا تنال بمجرّد الفكر أو تصوّر المسألة عقليا بل لا بدّ فيها من إدراك وتحلّي صفاتي بها لذا قيل في علمنا : ليس بعلم أوراق بل هو علم أذواق وليس بعلم مكسوب بل هو علم موهوب من خزائن الفضل فلا كسب فيه بل هو مجرّد وهب يهبه الله تعالى للقلوب الصافية وإنما غاية إكتسابه أن يباشر المريد المجاهدة لتخلية القلب من الرذائل وتحليته بأنواع الفضائل والإستقامة على شرع الله تعالى ظاهرا وباطنا قدر المستطاع ثمّ يبقى ينتظر كرم الله تعالى المتمثّل في الفيض الأقدس والنور والأسرار وهذه كلّها معاني ذوقية شعورية يدركها الشعور والإحساس إدراكا ذاتيا ووصفا حاليا
وعليه : فلا معنى لقولنا : الذوق العقلي بل نقول غاية ذلك الفهم العقلي للذوق وهو بعيد عن إدراك حقيقة الذوق كقول ساداتنا في العسل لا يعرف طعمه إلا من ذاقه فقد يصف العقل حلاوته لكنّه يستبعد إدراك حقيقته لأنها لا تحصل إلا بالذوق
ثمّ إن الذوق نتيجة من نتائج السلوك يدركها الفقير في سيره إلى الله تعالى لذا قالوا :
العلم ثمّ العمل المتقن الذي ينتج الحال وبعد الحال يأتي الذوق كقطرة ثمّ ينهمر كغيث إلى أن يسكر الإنسان في ذوقه لذا قالوا بأن بعده السكر ثمّ بعده كما قالوا يأتي الصحو ..ألخ مقامات أهل الكمال
فالذوق مرحلة سير تتلوّن بحسب المقام فليس ذوق المريدين كذوق العارفين وليس ذوق أهل الإيمان كذوق أهل الإحسان وهكذا
وحقيقة الذوق هو ذوق الروح لمقامات الجمال والصفاء والعلم لأن الذوق في حقيقته هو محبّة أو تقول بداية المحبّة الذوق ثمّ يأتي العشق ويكون البكاء والنحيب وتأتي المحبّة بأحكامها حتى قيل في الحكاية بأنه كان مريد من المريدين أخذته المحبّة غاية فيبقى الليالي والأيام وهو لا يحسّ بشيء من حوله وقد أشار إلى ذلك الحبيب عليه الصلاة والسلام ( لي وقت لا يسعني فيه غير ربّي )
وهناك أمور لا بدّ من فهمها : بالنسبة للأحوال أي الحال عندما يأخذ بصاحبه يرفع عنه مشقّة العبادة جملة وتفصيلا والذوق الذي يأتي من بعده يهذّب له تلك العبادات لذا قيل : عبادات العارفين كالتاج على رأس الملك
ثمّ إن الذوق يختلف من عارف إلى آخر فالماء واحد والزهر ألوان
أما القائل بذوق العقل فهو دليل على عدم فهمه لحقيقة الذوق التي هي حالة وجدانية شعورية لا يحسن الإنسان وصفها وهل يحسن أحد وصف طعم العسل فهذا لا يدرك إلا بالذوق وكذلك الذوق لا يدرك إلا بالذوق
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: أسئلة أجبت عليها
السؤال الثاني :
لو ان شخصا اكرمه الله بان نال بيعة الطريق من شيخ كامل ثم شاءت الصدفة ان ينالها من شيخ اخر فبذالك هو مع من فيهم ؟
الجواب والله أعلم :
هذا السؤال عدّه ساداتنا في مبحث الوارث المحمدي الكامل الذي هو شيخ التربية في كلّ بلاد وعصر
ومعلوم بأن للمشيخة شروط وكذلك للإرادة شروط , فإن الأرض لا تخلو من داعي إلى الله بحقّ , ولا تخلو من طالب لله بحقّ , وهذا من جنس هذا فلا بدّ أن يجتمعا والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
قال الشيخ سيدي أحمد زروّق الفاسي رضي الله عنه : شروط الشيخ أربعة :
- أن يكون ذا علم صحيح
- أن يكون ذا ذوق صريح
- أن يكون ذا حالة مرضية
- أن يكون ذا همّة عالية
وقد جمعها غيره : الشرط الأوّل : أن يكون عالما بشريعة الإسلام ولا يشترط معرفته بالفروع
وأن يكون عاملا بعلمه , لأن الثمرة نتيجة العمل بالعلم
والثالث : أن يكون سالكا , سلك الطريق على يد من له الإذن فيها من بدايتها إلى نهايتها فهو سالك كامل أي عارف بالله كامل
الرابع : وهو الأهمّ بالنسبة للمريدين : أن يكون مأذونا , أي له الإذن الصحيح بالتسلسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم
فمتى وجد شيخا بهذه الصفات وكان على بيّنة من أمره وأمر المتّبع فليلقي إليه قيادة ويطرح أمامه نفسه كالميّت بين يدي مغسّله
كما قال صاحب العينية رضي الله عنه :
إن ساعد المقدور أو ساقك القضا = إلى شيخ حق فى الحقيقة بارع
فقم فى رضاه واتبع لمراوة = و دع كلما من قبل كنت تسارع
و كن عنده كالميت عند مغسل = يقلبه ما شاء وهو مطاوع
و لا تعترض فيما جهلت فى أمره =عليه فإن الاعتراض تنازع
وسلم له فيما تراه ولو يكن = على غيره مشروع فثم مخادع
ففى قصة الخضر كفاية = تقتل غلام والكليم يدافع
فمن وصل إلى الشيخ المربّي فلا بدّ أن يصلّي على نفسه صلاة الجنازة لأنّها أمّارة بالسوء فلا يجوز له الإلتفات يمنة ولا يسرة بل الشيخ هو الطريق إلى الله تعالى فهو الأستاذ الموصل فيه والداعي إلى الله بإذنه
وقد إشترطوا آدابا ظاهرة وباطنة مع الشيوخ :
ومن الآداب الباطنة : قولهم : ولا يجوز لمن بايع شيخا كاملا الإنتقال منه إلى غيره فقد عدّوا هذا أقبح من كلّ قبيح وأشنع من كلّ شنيع وقال أحدهم : هذا يعدّ من كفران النعم وعدّوها : خيانة
وإنّما أعني شيخ السلوك فهذا لا يجوز أصلا الإنتقال عنه إلى غيره فهو سوء أدب مع الله ورسوله ويخاف على صاحبه السلب والطرد واللعن
أمّا أن يأخذ المريد عهودا من المشائخ للتبرّك فهذا جائز مع أنّه فيه ما فيه أما عهد السلوك فلا
لذا قالوا : أثبت تنبت , وقالوا : الإنتقال عن الشيخ تسويس لبذرة الإرادة
وقد رأينا جماعة ممن خلطوا في الطرق والأذكار وأخذوا الطريق على شيوخ كثر فوالله ما أفلح منهم أحد بل سقطت حرمة المشائخ وتعظيمهم من قلوبهم فباؤوا بخسران مبين
فليس شيخك الذي أخذت عنه : بل شيخك الذي فتح الله لك على يديه
وقد نصح ساداتنا بملازمة ذكرا واحدا وشيخا واحدا وطريقا واحدا من الطرق معوّلا عليه وقد سألتني سيدي بقولك :
نعم قد نقل عن بعض السادات أنّه إنتقل عن شيخه ولكن هذا ليس هكذا بل ما كان إلا بالإذن الإلهي الذي لا غبار عليه وبالإذن النبوي الذي لا لبس فيه فصاحبه محفوظ إن شاء الله تعالى
فغاية المريد هي الوصول إلى معرفة الله تعالى وهذه الغاية المنشودة والضالة المفقودة تحصل إن شاء الله تعالى من أي شيخ كامل
فمن صاحب شيخا كاملا وأخذ عليه العهد ( إن العهد كان مسؤولا ) فلا ينتقل عنه إلا بموت أو بإشارة ربانية واضحة صريحة
فمن رفضه قلب شيخه الكامل فإنّه ترفضه قلوب مشائخ أهل الأرض ( كلّهم من رسول الله ملتمس ) فالأمر مربوط ببعضه البعض كالبنيان المرصوص والحبل المتين وهذا معنى السند الحقيقي والسلسلة ..إلخ
فلا توجد صدفة في الإنتقال عن شيخ كامل أخذنا عليه العهد والذكر فأين الصدفة في الدين , بل يجب تحرير القصد وفهم الطريق وفهم شروط المريد وآداب الطريق وشروط الشيخ والمصاحبة التسبّب والتجرّد وهذه كلّها من مبادىء علم طريق التصوّف فليست بحكر على أحد بل يجب الجميع علمها وفهما ليكون الفقير الصادق على بيّنة من أمره وعلى بيّنة من أمر المتّبع
فإن العلاقة بين المريد والشيخ هي علاقة محبّة في الأصل والمحبّة لا تقبل الشريك وكلّ من أشرك في محبّته فقد ضلّ سواء السبيل
والله أعلم ورسوله
لو ان شخصا اكرمه الله بان نال بيعة الطريق من شيخ كامل ثم شاءت الصدفة ان ينالها من شيخ اخر فبذالك هو مع من فيهم ؟
الجواب والله أعلم :
هذا السؤال عدّه ساداتنا في مبحث الوارث المحمدي الكامل الذي هو شيخ التربية في كلّ بلاد وعصر
ومعلوم بأن للمشيخة شروط وكذلك للإرادة شروط , فإن الأرض لا تخلو من داعي إلى الله بحقّ , ولا تخلو من طالب لله بحقّ , وهذا من جنس هذا فلا بدّ أن يجتمعا والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
قال الشيخ سيدي أحمد زروّق الفاسي رضي الله عنه : شروط الشيخ أربعة :
- أن يكون ذا علم صحيح
- أن يكون ذا ذوق صريح
- أن يكون ذا حالة مرضية
- أن يكون ذا همّة عالية
وقد جمعها غيره : الشرط الأوّل : أن يكون عالما بشريعة الإسلام ولا يشترط معرفته بالفروع
وأن يكون عاملا بعلمه , لأن الثمرة نتيجة العمل بالعلم
والثالث : أن يكون سالكا , سلك الطريق على يد من له الإذن فيها من بدايتها إلى نهايتها فهو سالك كامل أي عارف بالله كامل
الرابع : وهو الأهمّ بالنسبة للمريدين : أن يكون مأذونا , أي له الإذن الصحيح بالتسلسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم
فمتى وجد شيخا بهذه الصفات وكان على بيّنة من أمره وأمر المتّبع فليلقي إليه قيادة ويطرح أمامه نفسه كالميّت بين يدي مغسّله
كما قال صاحب العينية رضي الله عنه :
إن ساعد المقدور أو ساقك القضا = إلى شيخ حق فى الحقيقة بارع
فقم فى رضاه واتبع لمراوة = و دع كلما من قبل كنت تسارع
و كن عنده كالميت عند مغسل = يقلبه ما شاء وهو مطاوع
و لا تعترض فيما جهلت فى أمره =عليه فإن الاعتراض تنازع
وسلم له فيما تراه ولو يكن = على غيره مشروع فثم مخادع
ففى قصة الخضر كفاية = تقتل غلام والكليم يدافع
فمن وصل إلى الشيخ المربّي فلا بدّ أن يصلّي على نفسه صلاة الجنازة لأنّها أمّارة بالسوء فلا يجوز له الإلتفات يمنة ولا يسرة بل الشيخ هو الطريق إلى الله تعالى فهو الأستاذ الموصل فيه والداعي إلى الله بإذنه
وقد إشترطوا آدابا ظاهرة وباطنة مع الشيوخ :
ومن الآداب الباطنة : قولهم : ولا يجوز لمن بايع شيخا كاملا الإنتقال منه إلى غيره فقد عدّوا هذا أقبح من كلّ قبيح وأشنع من كلّ شنيع وقال أحدهم : هذا يعدّ من كفران النعم وعدّوها : خيانة
وإنّما أعني شيخ السلوك فهذا لا يجوز أصلا الإنتقال عنه إلى غيره فهو سوء أدب مع الله ورسوله ويخاف على صاحبه السلب والطرد واللعن
أمّا أن يأخذ المريد عهودا من المشائخ للتبرّك فهذا جائز مع أنّه فيه ما فيه أما عهد السلوك فلا
لذا قالوا : أثبت تنبت , وقالوا : الإنتقال عن الشيخ تسويس لبذرة الإرادة
وقد رأينا جماعة ممن خلطوا في الطرق والأذكار وأخذوا الطريق على شيوخ كثر فوالله ما أفلح منهم أحد بل سقطت حرمة المشائخ وتعظيمهم من قلوبهم فباؤوا بخسران مبين
فليس شيخك الذي أخذت عنه : بل شيخك الذي فتح الله لك على يديه
وقد نصح ساداتنا بملازمة ذكرا واحدا وشيخا واحدا وطريقا واحدا من الطرق معوّلا عليه وقد سألتني سيدي بقولك :
نعم قد نقل عن بعض السادات أنّه إنتقل عن شيخه ولكن هذا ليس هكذا بل ما كان إلا بالإذن الإلهي الذي لا غبار عليه وبالإذن النبوي الذي لا لبس فيه فصاحبه محفوظ إن شاء الله تعالى
فغاية المريد هي الوصول إلى معرفة الله تعالى وهذه الغاية المنشودة والضالة المفقودة تحصل إن شاء الله تعالى من أي شيخ كامل
فمن صاحب شيخا كاملا وأخذ عليه العهد ( إن العهد كان مسؤولا ) فلا ينتقل عنه إلا بموت أو بإشارة ربانية واضحة صريحة
فمن رفضه قلب شيخه الكامل فإنّه ترفضه قلوب مشائخ أهل الأرض ( كلّهم من رسول الله ملتمس ) فالأمر مربوط ببعضه البعض كالبنيان المرصوص والحبل المتين وهذا معنى السند الحقيقي والسلسلة ..إلخ
فلا توجد صدفة في الإنتقال عن شيخ كامل أخذنا عليه العهد والذكر فأين الصدفة في الدين , بل يجب تحرير القصد وفهم الطريق وفهم شروط المريد وآداب الطريق وشروط الشيخ والمصاحبة التسبّب والتجرّد وهذه كلّها من مبادىء علم طريق التصوّف فليست بحكر على أحد بل يجب الجميع علمها وفهما ليكون الفقير الصادق على بيّنة من أمره وعلى بيّنة من أمر المتّبع
فإن العلاقة بين المريد والشيخ هي علاقة محبّة في الأصل والمحبّة لا تقبل الشريك وكلّ من أشرك في محبّته فقد ضلّ سواء السبيل
والله أعلم ورسوله
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: أسئلة أجبت عليها
السؤال الثالث :
لو ان مريدا اخذ البيعة واعطيا الورد العام لها لكنه ترك الورد العام واخذ بذكر ورد اخر من طريقة اخرى فهل يستفيد في سلوكه ام انه لا حظ له ؟
الجواب والله أعلم :
مدد كل طريقة في وردها , ومدد الشيخ في ورده الذي أعطاه للمريد , وبحسب الورد يكون الوارد , فإنّه لا وارد إلا بورد
فمن ترك وردا أخذه بالبيعة على يد شيخ كامل أو ممن أذن له الشيخ في إعطاء البيعة وتلقين الإذكار العامّة أو العامّة والخاصّة فقد خرج من الطريق لأنّ البيعة هي عهد والعهد وقع بين المتعاهدين على الورد فمن تركه فقد نقض العهد
والله تعالى يقول : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون )
أمّا من تركه تكاسلا وتهاونا فهو أهون أمرا ممّن تركه متعمّدا مدبرا عنه إلى غيره
ثمّ إن الذكر بالورد العام متى ما حصلت فيه البيعة فهو يعتبر ذكرا خاصّا من هذه الناحية لأنّها علامة بداية السلوك وهي التخلية وتحلية القلب بنور ذلك الذكر الذي هو الورد حتى يتوجّه القلب ويشوّر إلى طلب مولاه , فالذكر بالورد إنّما جعل لغاية وهي تخلية القلب من الميل إلى ما سوى الله تعالى فمتى شوّر القلب إلى مولاه لقّن المريد ذكر السير في المقامات وهو ذكر الإسم المفرد فيكتب إسم الجلالة على الكون بأسره ليرتسم في قلبه وتنتقش حروفه في المخيّلة وتنبسط أنواره علويّا وسفليّا حتى يقع له الفناء فيه أي الفناء في الإسم الذي لا يدلّ إلا على عين المسمّى وهو الذات الإلهي
وهذه الإذكار أخي التي هي أذكار الأذون بالبيعة في طريق الله تعالى تلقّن للمريد مع وجود نورها الذي يحميه الله به من دخول الشيطان والنفس عليه فيكون في سيره محميّا بإذن الله تعالى لأنّه أخذ الذكر بإذن وببيعة من شيخ كامل
أمّا أن يترك هذا كلّه ويختار أن يذكر أذكارا أخرى لم يأخذها بالإذن ولم يأخذ فيها البيعة من شيخ كامل فهو كمن ترك ميراث أبيه وذهب إلى عمّه ليورثه ...فافهم
نعم قد يذكر الذكر العام في طريقة أخرى ولا يحصل منه إلا الأجر مثله مثل أيّ ذكر آخر ورد في السنّة أمّا أن يسلك به ويسير به في المقامات ويكابد منه الأحوال فهذا بعيد لأنّ هذه الأمور تستوجب الإذن والبيعة
وقدّ نصّ ساداتنا الأولياء بأنّ على الفقير أن يلازم ذكرا واحدا وطريقا واحدا وشيخا واحدا حتّى لا يتشتّت تفكيره وتنهار عزائمه ويدخل في دوامة النفس والخواطر الشيطانية فإنّه من دخل هذه المداخل صار لديه هوس كبير ووساوس لا يحسد عليها وإكتئاب وتتوارد عليه الخواطر بأجناسها وتلويناتها فلا يميّز سقيمها من صحيحها وهي دوامة كبيرة لذا حذّر الأولياء من التخليط في الأذكار وتخليط الطرق
فمن كانت غايته الله تعالى أسرع إليه وهاجر إليه من أقرب طريق
أمّا الذي يبحث عن جميع الطرق ويريد أن يسير فيها كلّها ويحصّل جميع أسرارها فهو طالب رئاسة ولم يكن قطّ طلبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم
وقد حدثت قصّة شاهدتها أمامي :
كان لنا أخا في الطريقة وكان شاذليا وخلط بين ورده وورد السادة القادرية فحصل له كشف ظلماني في قالب كشف نوراني فإلتبس عليه الأمر إلتباسا كبيرا وبدأ الخاطر يكلّمه بأمور مهولة وهي من الشيطان فردّه مقدّمنا رضي الله عنه ورحمه الله تعالى وأرسله إلى الشيخ فساعفه الشيخ باللين وحذّره من التخليط بين أذكار الطرق
فيا سيدي : إن لكلّ طريقة أسرار عظام وبحور جسام ودوائر كبرى ولكلّ زاوية حرّاسها ولكلّ مريد عين تراه وهي عين الشيخ أمّا عين الله تعالى فهي ترعى الجميع الشيخ والمريد
فمن كان تحت نظر شيخه فهو محفوظ إن شاء الله تعالى
فلا قائل بتبديل الشيوخ ولا بتخليط الأذكار ولا بتعديد الطرق بل الأمر يتعلّق فقط بالسير والسلوك إلى محبّة ملك الملوك
أمّا من رام الوصول إلى غير ذلك فأقول له : يا سيدي لقد أخطأت الطريق من أوّل قدم فهذا طريق الله تعالى وطريق رسوله ومن كانت هجرته إلى الله تعالى ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله
وكم حدّثتني نفسي من مرّة أن أغيّر شيخي وأذهب إلى شيخ آخر بل إنّها تحدّثني حديث الصبيان فتقول لي : يا هذا إنّك أعلم منه وأشمل إحاطة منه ..إلى نهاية خزعبلاتها
فأقول لها : يا نفس : ( سأعيش وأسمع منك الغرائب والعجائب ) فإزداد لها كرها وعليها مقتا وفيها مجاهدة لأنّها تدرك تماما دواء الشيخ لها فتريد أن تهرب منه
ووالله الذي لا يحلف بغيره عندما تأتيني فاجعة أو واجعة تقول لي نفسي : لماذا لا تتصل بالشيخ وتشكو له حالك _ فأقول لها : الآن فقط تعترفين أنّه شيخ أما عندما تكونين في كبريائك وعظمتك وتجبّرك تحتقرينه ( أهذا الذي بعث الله رسولا )
وكان شيخي يعلم كلّ ذلك منّي فلا يكلّمني فيه البتّة حتى قتلني صمته وأحرقني سكوته فما يزيد أن يقول لي : هناك فلان أريد أن أقول له : يا هذا إتّق الله تعالى وحافظ على صلواتك في مواعيدها فإن الحسنات يذهبن السيّئات
ويكفي من الإنتساب إلى الشيوخ محبّتنا لهم ومحبّتهم لنا فقد قال لنا شيخنا يوما :
( يوم القيامة عندما يأتي كلّ شيخ حاملا رايته يكون كلّ مريديه معه الأعمى والبصير والعارف والجاهل فالكلّ تحت رايته فالحمد لله على نعمة الشيوخ
وإنّما أطيل في الإجابة محبّة في الإفادة لا غير والنصح الذي نفسي أولى به
فأوّل الشيوخ الذي دلّك الله عليه علينا أن نلتزم قادوسه لنشرب منه فما دلّنا الله عليه إلا لحكمة جليلة , والحمد لله فالمشائخ كثر تعجّ بهم الكرة الأرضية فرحمة الله واسعة وخير الله كثير
والسلام
لو ان مريدا اخذ البيعة واعطيا الورد العام لها لكنه ترك الورد العام واخذ بذكر ورد اخر من طريقة اخرى فهل يستفيد في سلوكه ام انه لا حظ له ؟
الجواب والله أعلم :
مدد كل طريقة في وردها , ومدد الشيخ في ورده الذي أعطاه للمريد , وبحسب الورد يكون الوارد , فإنّه لا وارد إلا بورد
فمن ترك وردا أخذه بالبيعة على يد شيخ كامل أو ممن أذن له الشيخ في إعطاء البيعة وتلقين الإذكار العامّة أو العامّة والخاصّة فقد خرج من الطريق لأنّ البيعة هي عهد والعهد وقع بين المتعاهدين على الورد فمن تركه فقد نقض العهد
والله تعالى يقول : ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون )
أمّا من تركه تكاسلا وتهاونا فهو أهون أمرا ممّن تركه متعمّدا مدبرا عنه إلى غيره
ثمّ إن الذكر بالورد العام متى ما حصلت فيه البيعة فهو يعتبر ذكرا خاصّا من هذه الناحية لأنّها علامة بداية السلوك وهي التخلية وتحلية القلب بنور ذلك الذكر الذي هو الورد حتى يتوجّه القلب ويشوّر إلى طلب مولاه , فالذكر بالورد إنّما جعل لغاية وهي تخلية القلب من الميل إلى ما سوى الله تعالى فمتى شوّر القلب إلى مولاه لقّن المريد ذكر السير في المقامات وهو ذكر الإسم المفرد فيكتب إسم الجلالة على الكون بأسره ليرتسم في قلبه وتنتقش حروفه في المخيّلة وتنبسط أنواره علويّا وسفليّا حتى يقع له الفناء فيه أي الفناء في الإسم الذي لا يدلّ إلا على عين المسمّى وهو الذات الإلهي
وهذه الإذكار أخي التي هي أذكار الأذون بالبيعة في طريق الله تعالى تلقّن للمريد مع وجود نورها الذي يحميه الله به من دخول الشيطان والنفس عليه فيكون في سيره محميّا بإذن الله تعالى لأنّه أخذ الذكر بإذن وببيعة من شيخ كامل
أمّا أن يترك هذا كلّه ويختار أن يذكر أذكارا أخرى لم يأخذها بالإذن ولم يأخذ فيها البيعة من شيخ كامل فهو كمن ترك ميراث أبيه وذهب إلى عمّه ليورثه ...فافهم
نعم قد يذكر الذكر العام في طريقة أخرى ولا يحصل منه إلا الأجر مثله مثل أيّ ذكر آخر ورد في السنّة أمّا أن يسلك به ويسير به في المقامات ويكابد منه الأحوال فهذا بعيد لأنّ هذه الأمور تستوجب الإذن والبيعة
وقدّ نصّ ساداتنا الأولياء بأنّ على الفقير أن يلازم ذكرا واحدا وطريقا واحدا وشيخا واحدا حتّى لا يتشتّت تفكيره وتنهار عزائمه ويدخل في دوامة النفس والخواطر الشيطانية فإنّه من دخل هذه المداخل صار لديه هوس كبير ووساوس لا يحسد عليها وإكتئاب وتتوارد عليه الخواطر بأجناسها وتلويناتها فلا يميّز سقيمها من صحيحها وهي دوامة كبيرة لذا حذّر الأولياء من التخليط في الأذكار وتخليط الطرق
فمن كانت غايته الله تعالى أسرع إليه وهاجر إليه من أقرب طريق
أمّا الذي يبحث عن جميع الطرق ويريد أن يسير فيها كلّها ويحصّل جميع أسرارها فهو طالب رئاسة ولم يكن قطّ طلبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم
وقد حدثت قصّة شاهدتها أمامي :
كان لنا أخا في الطريقة وكان شاذليا وخلط بين ورده وورد السادة القادرية فحصل له كشف ظلماني في قالب كشف نوراني فإلتبس عليه الأمر إلتباسا كبيرا وبدأ الخاطر يكلّمه بأمور مهولة وهي من الشيطان فردّه مقدّمنا رضي الله عنه ورحمه الله تعالى وأرسله إلى الشيخ فساعفه الشيخ باللين وحذّره من التخليط بين أذكار الطرق
فيا سيدي : إن لكلّ طريقة أسرار عظام وبحور جسام ودوائر كبرى ولكلّ زاوية حرّاسها ولكلّ مريد عين تراه وهي عين الشيخ أمّا عين الله تعالى فهي ترعى الجميع الشيخ والمريد
فمن كان تحت نظر شيخه فهو محفوظ إن شاء الله تعالى
فلا قائل بتبديل الشيوخ ولا بتخليط الأذكار ولا بتعديد الطرق بل الأمر يتعلّق فقط بالسير والسلوك إلى محبّة ملك الملوك
أمّا من رام الوصول إلى غير ذلك فأقول له : يا سيدي لقد أخطأت الطريق من أوّل قدم فهذا طريق الله تعالى وطريق رسوله ومن كانت هجرته إلى الله تعالى ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله
وكم حدّثتني نفسي من مرّة أن أغيّر شيخي وأذهب إلى شيخ آخر بل إنّها تحدّثني حديث الصبيان فتقول لي : يا هذا إنّك أعلم منه وأشمل إحاطة منه ..إلى نهاية خزعبلاتها
فأقول لها : يا نفس : ( سأعيش وأسمع منك الغرائب والعجائب ) فإزداد لها كرها وعليها مقتا وفيها مجاهدة لأنّها تدرك تماما دواء الشيخ لها فتريد أن تهرب منه
ووالله الذي لا يحلف بغيره عندما تأتيني فاجعة أو واجعة تقول لي نفسي : لماذا لا تتصل بالشيخ وتشكو له حالك _ فأقول لها : الآن فقط تعترفين أنّه شيخ أما عندما تكونين في كبريائك وعظمتك وتجبّرك تحتقرينه ( أهذا الذي بعث الله رسولا )
وكان شيخي يعلم كلّ ذلك منّي فلا يكلّمني فيه البتّة حتى قتلني صمته وأحرقني سكوته فما يزيد أن يقول لي : هناك فلان أريد أن أقول له : يا هذا إتّق الله تعالى وحافظ على صلواتك في مواعيدها فإن الحسنات يذهبن السيّئات
ويكفي من الإنتساب إلى الشيوخ محبّتنا لهم ومحبّتهم لنا فقد قال لنا شيخنا يوما :
( يوم القيامة عندما يأتي كلّ شيخ حاملا رايته يكون كلّ مريديه معه الأعمى والبصير والعارف والجاهل فالكلّ تحت رايته فالحمد لله على نعمة الشيوخ
وإنّما أطيل في الإجابة محبّة في الإفادة لا غير والنصح الذي نفسي أولى به
فأوّل الشيوخ الذي دلّك الله عليه علينا أن نلتزم قادوسه لنشرب منه فما دلّنا الله عليه إلا لحكمة جليلة , والحمد لله فالمشائخ كثر تعجّ بهم الكرة الأرضية فرحمة الله واسعة وخير الله كثير
والسلام
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: أسئلة أجبت عليها
السؤال الرابع :
( ما السر الكامن باللمسة الروحية ( البيعة ) ما المقصد بها وما اسرارها وهل تبقا لمن حظي بها ام انها من الممكن ان تنقض او تزول بفعل الذنوب والمعاصي والتقصير ؟ )
الجواب على هذا السؤال والله أعلم :
أوّلا : قبل الجواب لا بدّ من طرح تمهيد لا غنية عنه ليفهم ما بعده
إنّما إشترط القوم من أهل الله تعالى التأكّد من أحقيّة الشيخ المتصدّر للتربية والإرشاد والإمامة في طريق الله لذا فلا يصل إلى الله تعالى أحد من العباد غالبا إلا على يد الشيخ الحقيقي في كلّ مصر وعصر لذا حذّر المشائخ من الدعاة الكذّابين على الله ورسوله من الذين جمعوا الناس على طعامهم وشرابهم وليس لهم من الإذن شيء ومعرفة الشيخ الحقيقي لا تتحقّق إلا بمعرفة شروط المشيخة وأركانها وقد أوضحناها أعلاه بما ورد عن أئمّة القوم في ذلك فإنّ كلامهم عليه المعتمد لأنّه إجماع منهم وهي القاعدة العامّة الشاملة التي أجمع عليها القوم من المشائخ أهل التربية والإرشاد في كلّ عصر قال الجنيد : من لم يحفظ كتاب الله ولم يكتب حديث رسول الله لا يقتدى به في طريق القوم
وأهمّ شرط من شروط المشيخة الذي لا يمكن أن يوجد بغير الشروط الأخرى فهو آخر الشروط وأهمّها بالنسبة للمريدين ألا وهو شرط : الإذن أي أن يكون الشيخ مأذونا من شيخه إذنا شفويّا بصريح العبارة ويعضد ذلك إذنا كتابيّا متى سنحت الظروف
وهي المعبّر عنها بالإجازة
فبهذا الشرط وهو شرط الإذن يوصل الشيخ مريده إلى الإتّصال الحقيقي بسند النسبة القلبي الربّاني أو تقول يوصله إلى النسبة الروحية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم
ففاقد هذا الشرط لا يمكنه وصل مريده بسلسلة القوم باطنيّا لأنّ صاحب الإذن هو الحامل فقط لسرّ النسبة المحمديّة الإلهية أمّا غيره فليس له هذه المزيّة ولو كان هذا الغير عارفا بالله تعالى فإنّه قد لا يكون مأذونا بالتربية والإرشاد أي ليس له إذن الدعوة الخاصّ فقد تجد عند الشيخ جملة من العارفين وتجد المأذونين بالإرشاد واحد منهم أو نفر منهم قليل
هذا أوّلا : لنعلم السرّ في الإتّصال بالمأذون وأخذ العهد ( البيعة ) عليه أي ليوصلك بالحضرة المحمديّة النبويّة إتّصالا حقيقيّا معنويّا قلبيّا باطنيّا ربانيّا
بمعنى أنّه بالبيعة من المأذون يسري يتحقّق إتّصالنا بتصوّف النبيّ صلى الله عليه وسلّم أو تقول برواية إحسانه أو تقول الإتّصال بنسب روحه الشريف صلى الله عليه وسلّم أي مقام الحال القلبي النبوي الشريف
والأمر بهذا التفصيل :
هناك : أقوال النبيّ صلى الله عليه وسلّم
: وهناك أفعاله
: وهناك تقريراته
: وهناك أوصافه
والأمر الخامس : هو حاله , وطريق الإسناد فيه هو ما تراه من الإذن من بيعة وإرشاد وذكر خاصّ وغيره عند مشائخ الصوفية
فرواية الحال الباطني لرسول الله صلى الله عليه وسلّم هو ما نسمّيه اليوم ( تصوّف )
فالبيعة هي إتّصال السند به في هذا الأمر الخامس لذا قيل من لا شيخ له أي لا إذن له ولا رابطة ولا حفظ فشيخه الشيطان , لأنّ طريق الأحوال والمقامات لا يمكن السير فيه إلا بدليل إمّا أن يكون هذا الدليل شيخا عارفا مرشدا وأمّا يكون شيطانا مريدا
فإنّ أقواله صلى الله عليه وسلّم وأفعاله وتقريراته ما خرجت في الحقيقة إلا من باطنه أي من تحقّق حاله مع الله تعالى في جميع المراتب والنسب
أمّا العلماء اليوم أقصد علماء الظاهر فلا سند لهم في الأمر الخامس أي نسبتهم وسندهم من باطن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأسانيدهم منقطعة , فإنقطعوا عن باطن حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع ربّه فرأوا محمدا الظاهر كرسول وإنقطعوا عن محمد الباطن كنبيّ لذا لم تكن لهم واردات ولا إلهامات ولا معارف ولا دقائق ولا حقائق بل هم علماء الرسوم فكانت أسانيدهم في الرسوم الظاهرة هي المعتمدة عندهم أمّا سندهم الباطني فليس عندهم , ومن إنقطع باطنه عن ظاهره فقد وقع في حجاب الغفلة عن عالم النور والأسرار فهو لقيط لا أب له أي في طريق السلوك والعروج ومعرفة المولى سبحانه
وفي هذا الأمر الخامس الذي غفل عنه العلماء فضلا عن العوام وأختصّ به ساداتنا الصوفية قال الله تعالى : ( إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله )
وهي المبايعة الخاصّة لذا قال : ( يد الله فوق أيديهم ) فخفي هنا المجاز وظهرت الحقيقة , وهذه الحقيقة أنّ المبايعة هي الإتّصال بالنسبة الربانية الإلهية الخالصة بمعنى أنّك في بيعتك للشيخ لم تبايع حقيقة إلا رسول الله ومنه أنّك لم تبايع في الحقيقة الحقّة إلا الله تعالى وما بايعك الله تعالى إلا ليأخذ بيدك إليه ليدخلك حضرته ويتحفك بمحبّته
متى إتّصلت يدك بيد رسول الله المتمثّلة في يد الشيخ الكامل بحكم التسلسل في سند البيعة إلى رسول الله فما بايعت حقيقة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذا لتعلم جلالة الأمر ( وما هو بالهزل ) وطريقنا هذا كلّه جدّ لا هزل فيه ( يمزح ولا يقول إلا حقّا )
هذا لتعلم فخامة الإنتساب وشرفه العظيم وأنّك من المختارين عند الله تعالى وأنّ الله تعالى قبلك عنده وفتح لك باب الرجاء فيه على مصراعيه
والإشارة إلى مبايعة الله تعالى أي مبايعته على ذكره الذي هو سبب عظيم يفضي بك إلى محبّته التي هي الغاية المنشودة
فسرّ المبايعة لتحقيق الإنتساب إلى جنابه فيقال لك أنت ( فقير ) و ( مريد ) نسبة حقيقية وقعت لك بالمبايعة الحقيقية , أمّا الذكر فهو السير إليه المتمثّل في الأوراد العامّة والخاصّة التي أذنك فيها الشيخ المربي بحسب نظره فيك وإطّلاعه على احوال نفسك في مراتبها
فالمبايعة هي الإذن في السير أي فتح الباب لك لمعرفة الله تعالى , أمّا الذكر فهو زاد المسافر وهو السير والسلوك إلى معرفة ملك الملوك فهما متلازمان فالمبايعة قبول ودخول وإتّصال بالنسب الروحي النبوي الرباني ( ونفخت فيه من روحي ) فافهم
أمّا الذكر فللإلتزام ووالثبات لأنّه الزاد والسلاح الذي تقاتل به قطّاع الطريق وخاصّة قاطع طريقك الذي أخبرك عنه المولى بقوله : ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) وهو هذا الطريق فأعطاك الله الذكر الذي يقصمه وهو الذكر المأخوذ بالإذن لأنّ فيه النفس الإلهي ولذا كان ذكر المأذونين شأنه عظيم
قال لي أحد ساداتنا العارفين رضي الله عنه سنة 1986 : البارحة يا إخواني ذكر الله معي سيدي فلان ( وكان من كبار العارفين بالله ) ذكر بإسم ما سمعته قطّ بحياتي حتى خفت كثيرا وأنا بجانبه أذكر الإسم المفرد فأحسست عندما يلفظ ذكره بذلك الإسم وكأنّ الأرض كلّها تزلزل من تحتي ...إلخ
فالمبايعة أمرها عظيم عند الله وعهدها كان مسؤولا فهو أهمّ وأخطر عهد عقدناه بحياتنا كلّها لأنّه عهدا حقيقيّا ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله يد الله فوق أيديهم أي ذكر بعد المبايعة مقام العجز عجز العبد عن كلّ شيء وهي بداية الفناء في الأفعال فلا فاعل إلا الله تعالى إلى غير ذلك من أسرار الآية
وإنّما أكثرنا من ذكر الشيخ المأذون لأنه أساس السير وهو بابه قال حكيم السادة الصوفية إبن عطاء الله السكندري رضي الله عنه : ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه )
فمن أخذ شيخه بهذه الجديّة وعلى هذا المحمل العظيم نجح وفاز وفتح عليه ونال ثواب الدنيا والآخرة
فالمأذون هو الوليّ الذي أشار إليه سيدي إبن عطاء الله السكندري
أما أن البيعة تنقض فنعم فمتى لم يعتن بها المريد وأهملها فلا محالة أنّها تنقض لذا أوصانا الله تعالى بالمحافظة عليها ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ) فأنظر قوله ( ولا تنقضوا ) فمن عاهد ربّه على الورد اليومي وعلى الذكر وو...إلخ ثمّ أهمل ذلك وتركه فعليه أن يتوب ويجدّد العهد حتى يسير في الطريق ويذوق من معانيها شيئا فعندها يقول الله تعالى له ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) لأنّهم ذاقوا وساروا
أمّا الذنوب والمعاصي فلا دخل لها فيها هنا قيل للجنيد ( أيزني العارف ) فأجاب ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) فما على الإنسان إلا التوبة النصوح ولو رجع إلى الذنب في اليوم مائة مرّة بشرط أن لا يكون يتعمّده أو يصرّ عليه أو يحبّه ويميل إليه وقد يبتلى المريد بجملة من الذنوب بل ومن الكبائر لكنّه سريعا ما يتوب منها بشروط التوبة ويستغفر ربّه وقد قيل ( ربّ معصية أورثت ذلاّ وإنكسارا خير من طاعة أورثت عزّا وإستكبارا ) وربّ ذنب أسعد صاحبه وأدخله الجنّة كما ورد في الحديث وذلك أنّه يتمّ فارّا منه هاربا عنه
فالذنوب لا تنقض البيعة ولا العهد بل الذي ينقض العهد هو إبطاله فلا ورد ولا ذكر ولا إستقامة ولا محبّة للشيخ ولا لإخوانه ولا نفقة ولا خدمة ولا حضور ..إلخ
فهذا الذي يخرج الفرد من نسبة أهل الله
والمحبّة في طريق الله هي الركن الأساس فمن عدمت محبّته خرج من الطريق ولو كان ملازما ظلّ الشيخ , أمّا المحبّ الشائق العاشق فهو معهم ولو لم يكن منهم
ورحمة الله بخلقه أوسع بكثير مما نتصوّر ومن لم يرى رحمة الله فيه فليشاهدها في غيره كي لا يقنط منها ورحمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم معلومة
قال عليه الصلاة والسلام : ( إنّما أنا رحمة مهداة ) وهكذا الشيوخ بحكم النسبة والوراثة فهم أيضا رحمة من الله مهداة ( وكلّهم من رسول الله ملتمس )
فرحمة المشائخ بنا من رحمة الله بهم وبنا
فلنشكر الله تعالى على نعمة الطريق فهي نعمة عظيمة ليس لها في الأثمان قيمة وكذلك نعمة الإخوان فهي من أجلّ النعم ( كونوا عباد الله إخوانا ) ( إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )
فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والإحسان ( وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ) ( صراط الذين أنعمت عليهم )
يتبع...
( ما السر الكامن باللمسة الروحية ( البيعة ) ما المقصد بها وما اسرارها وهل تبقا لمن حظي بها ام انها من الممكن ان تنقض او تزول بفعل الذنوب والمعاصي والتقصير ؟ )
الجواب على هذا السؤال والله أعلم :
أوّلا : قبل الجواب لا بدّ من طرح تمهيد لا غنية عنه ليفهم ما بعده
إنّما إشترط القوم من أهل الله تعالى التأكّد من أحقيّة الشيخ المتصدّر للتربية والإرشاد والإمامة في طريق الله لذا فلا يصل إلى الله تعالى أحد من العباد غالبا إلا على يد الشيخ الحقيقي في كلّ مصر وعصر لذا حذّر المشائخ من الدعاة الكذّابين على الله ورسوله من الذين جمعوا الناس على طعامهم وشرابهم وليس لهم من الإذن شيء ومعرفة الشيخ الحقيقي لا تتحقّق إلا بمعرفة شروط المشيخة وأركانها وقد أوضحناها أعلاه بما ورد عن أئمّة القوم في ذلك فإنّ كلامهم عليه المعتمد لأنّه إجماع منهم وهي القاعدة العامّة الشاملة التي أجمع عليها القوم من المشائخ أهل التربية والإرشاد في كلّ عصر قال الجنيد : من لم يحفظ كتاب الله ولم يكتب حديث رسول الله لا يقتدى به في طريق القوم
وأهمّ شرط من شروط المشيخة الذي لا يمكن أن يوجد بغير الشروط الأخرى فهو آخر الشروط وأهمّها بالنسبة للمريدين ألا وهو شرط : الإذن أي أن يكون الشيخ مأذونا من شيخه إذنا شفويّا بصريح العبارة ويعضد ذلك إذنا كتابيّا متى سنحت الظروف
وهي المعبّر عنها بالإجازة
فبهذا الشرط وهو شرط الإذن يوصل الشيخ مريده إلى الإتّصال الحقيقي بسند النسبة القلبي الربّاني أو تقول يوصله إلى النسبة الروحية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم
ففاقد هذا الشرط لا يمكنه وصل مريده بسلسلة القوم باطنيّا لأنّ صاحب الإذن هو الحامل فقط لسرّ النسبة المحمديّة الإلهية أمّا غيره فليس له هذه المزيّة ولو كان هذا الغير عارفا بالله تعالى فإنّه قد لا يكون مأذونا بالتربية والإرشاد أي ليس له إذن الدعوة الخاصّ فقد تجد عند الشيخ جملة من العارفين وتجد المأذونين بالإرشاد واحد منهم أو نفر منهم قليل
هذا أوّلا : لنعلم السرّ في الإتّصال بالمأذون وأخذ العهد ( البيعة ) عليه أي ليوصلك بالحضرة المحمديّة النبويّة إتّصالا حقيقيّا معنويّا قلبيّا باطنيّا ربانيّا
بمعنى أنّه بالبيعة من المأذون يسري يتحقّق إتّصالنا بتصوّف النبيّ صلى الله عليه وسلّم أو تقول برواية إحسانه أو تقول الإتّصال بنسب روحه الشريف صلى الله عليه وسلّم أي مقام الحال القلبي النبوي الشريف
والأمر بهذا التفصيل :
هناك : أقوال النبيّ صلى الله عليه وسلّم
: وهناك أفعاله
: وهناك تقريراته
: وهناك أوصافه
والأمر الخامس : هو حاله , وطريق الإسناد فيه هو ما تراه من الإذن من بيعة وإرشاد وذكر خاصّ وغيره عند مشائخ الصوفية
فرواية الحال الباطني لرسول الله صلى الله عليه وسلّم هو ما نسمّيه اليوم ( تصوّف )
فالبيعة هي إتّصال السند به في هذا الأمر الخامس لذا قيل من لا شيخ له أي لا إذن له ولا رابطة ولا حفظ فشيخه الشيطان , لأنّ طريق الأحوال والمقامات لا يمكن السير فيه إلا بدليل إمّا أن يكون هذا الدليل شيخا عارفا مرشدا وأمّا يكون شيطانا مريدا
فإنّ أقواله صلى الله عليه وسلّم وأفعاله وتقريراته ما خرجت في الحقيقة إلا من باطنه أي من تحقّق حاله مع الله تعالى في جميع المراتب والنسب
أمّا العلماء اليوم أقصد علماء الظاهر فلا سند لهم في الأمر الخامس أي نسبتهم وسندهم من باطن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأسانيدهم منقطعة , فإنقطعوا عن باطن حال رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع ربّه فرأوا محمدا الظاهر كرسول وإنقطعوا عن محمد الباطن كنبيّ لذا لم تكن لهم واردات ولا إلهامات ولا معارف ولا دقائق ولا حقائق بل هم علماء الرسوم فكانت أسانيدهم في الرسوم الظاهرة هي المعتمدة عندهم أمّا سندهم الباطني فليس عندهم , ومن إنقطع باطنه عن ظاهره فقد وقع في حجاب الغفلة عن عالم النور والأسرار فهو لقيط لا أب له أي في طريق السلوك والعروج ومعرفة المولى سبحانه
وفي هذا الأمر الخامس الذي غفل عنه العلماء فضلا عن العوام وأختصّ به ساداتنا الصوفية قال الله تعالى : ( إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله )
وهي المبايعة الخاصّة لذا قال : ( يد الله فوق أيديهم ) فخفي هنا المجاز وظهرت الحقيقة , وهذه الحقيقة أنّ المبايعة هي الإتّصال بالنسبة الربانية الإلهية الخالصة بمعنى أنّك في بيعتك للشيخ لم تبايع حقيقة إلا رسول الله ومنه أنّك لم تبايع في الحقيقة الحقّة إلا الله تعالى وما بايعك الله تعالى إلا ليأخذ بيدك إليه ليدخلك حضرته ويتحفك بمحبّته
متى إتّصلت يدك بيد رسول الله المتمثّلة في يد الشيخ الكامل بحكم التسلسل في سند البيعة إلى رسول الله فما بايعت حقيقة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هذا لتعلم جلالة الأمر ( وما هو بالهزل ) وطريقنا هذا كلّه جدّ لا هزل فيه ( يمزح ولا يقول إلا حقّا )
هذا لتعلم فخامة الإنتساب وشرفه العظيم وأنّك من المختارين عند الله تعالى وأنّ الله تعالى قبلك عنده وفتح لك باب الرجاء فيه على مصراعيه
والإشارة إلى مبايعة الله تعالى أي مبايعته على ذكره الذي هو سبب عظيم يفضي بك إلى محبّته التي هي الغاية المنشودة
فسرّ المبايعة لتحقيق الإنتساب إلى جنابه فيقال لك أنت ( فقير ) و ( مريد ) نسبة حقيقية وقعت لك بالمبايعة الحقيقية , أمّا الذكر فهو السير إليه المتمثّل في الأوراد العامّة والخاصّة التي أذنك فيها الشيخ المربي بحسب نظره فيك وإطّلاعه على احوال نفسك في مراتبها
فالمبايعة هي الإذن في السير أي فتح الباب لك لمعرفة الله تعالى , أمّا الذكر فهو زاد المسافر وهو السير والسلوك إلى معرفة ملك الملوك فهما متلازمان فالمبايعة قبول ودخول وإتّصال بالنسب الروحي النبوي الرباني ( ونفخت فيه من روحي ) فافهم
أمّا الذكر فللإلتزام ووالثبات لأنّه الزاد والسلاح الذي تقاتل به قطّاع الطريق وخاصّة قاطع طريقك الذي أخبرك عنه المولى بقوله : ( لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ) وهو هذا الطريق فأعطاك الله الذكر الذي يقصمه وهو الذكر المأخوذ بالإذن لأنّ فيه النفس الإلهي ولذا كان ذكر المأذونين شأنه عظيم
قال لي أحد ساداتنا العارفين رضي الله عنه سنة 1986 : البارحة يا إخواني ذكر الله معي سيدي فلان ( وكان من كبار العارفين بالله ) ذكر بإسم ما سمعته قطّ بحياتي حتى خفت كثيرا وأنا بجانبه أذكر الإسم المفرد فأحسست عندما يلفظ ذكره بذلك الإسم وكأنّ الأرض كلّها تزلزل من تحتي ...إلخ
فالمبايعة أمرها عظيم عند الله وعهدها كان مسؤولا فهو أهمّ وأخطر عهد عقدناه بحياتنا كلّها لأنّه عهدا حقيقيّا ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله يد الله فوق أيديهم أي ذكر بعد المبايعة مقام العجز عجز العبد عن كلّ شيء وهي بداية الفناء في الأفعال فلا فاعل إلا الله تعالى إلى غير ذلك من أسرار الآية
وإنّما أكثرنا من ذكر الشيخ المأذون لأنه أساس السير وهو بابه قال حكيم السادة الصوفية إبن عطاء الله السكندري رضي الله عنه : ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه )
فمن أخذ شيخه بهذه الجديّة وعلى هذا المحمل العظيم نجح وفاز وفتح عليه ونال ثواب الدنيا والآخرة
فالمأذون هو الوليّ الذي أشار إليه سيدي إبن عطاء الله السكندري
أما أن البيعة تنقض فنعم فمتى لم يعتن بها المريد وأهملها فلا محالة أنّها تنقض لذا أوصانا الله تعالى بالمحافظة عليها ( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ) فأنظر قوله ( ولا تنقضوا ) فمن عاهد ربّه على الورد اليومي وعلى الذكر وو...إلخ ثمّ أهمل ذلك وتركه فعليه أن يتوب ويجدّد العهد حتى يسير في الطريق ويذوق من معانيها شيئا فعندها يقول الله تعالى له ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) لأنّهم ذاقوا وساروا
أمّا الذنوب والمعاصي فلا دخل لها فيها هنا قيل للجنيد ( أيزني العارف ) فأجاب ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) فما على الإنسان إلا التوبة النصوح ولو رجع إلى الذنب في اليوم مائة مرّة بشرط أن لا يكون يتعمّده أو يصرّ عليه أو يحبّه ويميل إليه وقد يبتلى المريد بجملة من الذنوب بل ومن الكبائر لكنّه سريعا ما يتوب منها بشروط التوبة ويستغفر ربّه وقد قيل ( ربّ معصية أورثت ذلاّ وإنكسارا خير من طاعة أورثت عزّا وإستكبارا ) وربّ ذنب أسعد صاحبه وأدخله الجنّة كما ورد في الحديث وذلك أنّه يتمّ فارّا منه هاربا عنه
فالذنوب لا تنقض البيعة ولا العهد بل الذي ينقض العهد هو إبطاله فلا ورد ولا ذكر ولا إستقامة ولا محبّة للشيخ ولا لإخوانه ولا نفقة ولا خدمة ولا حضور ..إلخ
فهذا الذي يخرج الفرد من نسبة أهل الله
والمحبّة في طريق الله هي الركن الأساس فمن عدمت محبّته خرج من الطريق ولو كان ملازما ظلّ الشيخ , أمّا المحبّ الشائق العاشق فهو معهم ولو لم يكن منهم
ورحمة الله بخلقه أوسع بكثير مما نتصوّر ومن لم يرى رحمة الله فيه فليشاهدها في غيره كي لا يقنط منها ورحمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم معلومة
قال عليه الصلاة والسلام : ( إنّما أنا رحمة مهداة ) وهكذا الشيوخ بحكم النسبة والوراثة فهم أيضا رحمة من الله مهداة ( وكلّهم من رسول الله ملتمس )
فرحمة المشائخ بنا من رحمة الله بهم وبنا
فلنشكر الله تعالى على نعمة الطريق فهي نعمة عظيمة ليس لها في الأثمان قيمة وكذلك نعمة الإخوان فهي من أجلّ النعم ( كونوا عباد الله إخوانا ) ( إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )
فالحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والإحسان ( وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ) ( صراط الذين أنعمت عليهم )
يتبع...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: أسئلة أجبت عليها
السؤال الخامس :
( كثير ما نسمع عن مريدين تخبطوا من كثرة جهلهم فسقطوا واضاعوا دينهم ودنياهم فلا هم انتفعوا بذكرهم وبيعتهم ولا هم اصابوا من الدنيا وعملوا لاجلها وقد قلت سيدي فيما سبق من رفضه وكرهه ولفظه قلب كامل فما قبلته قلوب شيوخ الارض كلهم
في هذه الحال هل حكم على هذا الضائع بالهلاك والتيه ؟)
الجواب والله أعلم:
نعم هذا صحيح فمن رفضه قلب شيخه فيصعب جبره كثيرا لأنّ قلب الشيخ بيد الله تعالى وإنّما يقع رفض قلب الشيخ للمريد متى أساء المريد الأدب إساءة بالغة فهذا تكون نهايته في الأغلب سيّئة , وإنّا نعرف في تونس أحدهم كان صوفيّا إسمه (التّيجاني السماوي) وكان ينتسب إلى طريقة الصوفية فذهب يوما إلى شيخنا المرحوم الإمام العارف سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه فأساء الأدب في حضرته وإتّهم الشيخ إسماعيل بالكذب وأساء له إساءة بالغة , المهمّ ذهب هذا التيجاني في سياحة زار خلالها أرض العراق وفي رحلته تعرّف على شيعي فما رجع هذا التيجاني إلى تونس بعد رحلته إلا وهو شيعيّا خالصا فألّف الكتب التي تدعو إلى التشيّع منها كتابه ( ثمّ إهتديت ) وكتابه مع (الصادقين) ..إلخ وشتم هناك الصحابة كناية وتصريحا وأضحى يدعو في تونس إلى التشيّع وأضلّ بعض الناس فتشيّعوا ثمّ زار إيران ومنها قم وأضحى عند الشيعة إسمه ( الدكتور التيجاني ) فطبعوا كتبه وجعلوه من خيرة المستبصرين بزعمهم ثمّ ذهب إلى أوروبا وأمريكا ودخل في مداخل الله يعافينا والمسلمين منها كما أنه تعرّض إلى حادث سير كبير , المهمّ حدث له كلّ هذا بسبب سوء أدبه مع الشيخ والإخوان
فإساءة الأدب مع الحضرة هي التي توجب المقت والطرد والسلب والعياذ بالله تعالى وقد أساء الأدب مع شيخنا أحد كمّل العارفين بالله تعالى ممّن فتح الله عليهم بالفتح الكبير فقال فيه الشيخ : ( سيأتيه يوما يتمنّى أن يصلّي فيه ركعتين ولا يستطيع )
نعم من أساء الأدب وتاب وأصلح وبيّن فإنّ الله يتوب عليه بصريح النصوص والله غفور تواب رحيم
إساءة الأدب هو ما حصل لإبليس لعنه الله تعالى فإنّه لم تنفعه عبادته ولا ذكره ولا مكوثه الأزمان الطويلة في صورته النوارنية , بل بمجرّد إساءة الأدب لعن وطرد وسلب وغضب الله عليه غضبا سرمديا
وكذلك وقع لليهود فقال الله فيهم : ( فباؤوا بغضب على غضب ولهم عذاب مهين )
لذا قال ساداتنا : ( من أساء الأدب وقع في العطب ) وقالوا : ( من أساء الأدب في حضرة الأحباب طرد إلى الباب , ومن أساء الأدب في الباب أرجع إلى سياسة الدواب )
أمّا التصوّف فكلّه آداب , فمن زاد عليك في الأدب زاد عليك في التصوّف
نعم قد يحكم على الفقير بالطرد والسلب متى أساء الأدب إساءة عظيمة
ويكفينا شهادة قول الله تعالى في الحديث القدسي ( من آذى لي وليّا فقد آذنته بحرب )
ثمّ إن رفض قلوب المشائخ للمريد ليس مردّه إلى النفس بل هو طرد الحضرة القدسية له متى ما أساء معها الأدب
فأنت تعامل الشيخ لله وتعامل إخوانك لله وهكذا جميع المؤمنين ومن ثمّ بقية الخلق أجمعين
فإنّما تراعي شيخك وتحبّه وتتأدّب معه من أجل الله تعالى لا من أجل الشيخ فالشيخ عبد فقير لا ينفع ولا يضرّ ولكنّه وليّ من أولياء الله لا يجوز معه ولا يكون غير الأدب
قال تعالى ( إن يشأ يذهبكم ويأتي بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز )
فالأمر كلّ الأمر هو التحقّق بمقامات العبودية وتراقب الله تعالى في السرّاء والضرّاء وفي العسر واليسر وفي الظاهر والباطن فيتوجّه القلب كلّه مجموعا إلى مراقبة الله تعالى التي هي بداية المعرفة , فإنّ المعرفة قسمان : مراقبة ومشاهدة أي شريعة وحقيقة فبقدر مراقبتك لله تكون مشاهدتك له , ومراقبتنا لله تعالى تكون في ذاته وأنّه العظمة المطلقة والتنزيه المطلق فكلّ من سواه عبد له كان من كان هذا السوى ثمّ مراقبته في صفاته التي هي عوالم الأنوار مثل الإنبياء والرسل فهم من أنوار الصفات ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) فهذا أدب مع الصفات وهكذا بالنسبة للأدب مع الشيوخ والأدب مع المريدين فهو أدب مع الصفات النورانية لأنّهم أهل النور الوارد فيهم ( فإذا أحببته كنت بصره ...ألخ الحديث ) بمعنى الصفات كالبصر والسمع واليد والرجل
ثمّ مراقبة الله تعالى في أسمائه وأفعاله فتنظر بعين الشريعة فتعطيها أحكامها وتنظر بعين الحقيقة فتعطيها أحكامها ( بينهما برزخ لا يبغيان )
فالعبرة كلّ العبرة بالنسبة للمريد مراقبة الله تعالى والخوف كلّ الخوف من الله تعالى وليس من الشيخ أو المريد وماذا يستطيع أن يفعل الشيخ أو المريد بل إن قلوبهم بيد الله فهي تحبّ بالله وتبغض بالله وتكره لله وتحبّ لله فمتى وجدنا شيخا أغلق قلبه ناحيتنا وأبغضنا حقيقة فما ذلك إلا إعلانا من الله أنّنا في خطر والفاهم العارف يعرف إساءة أدبه حتى في خلق دابته معه فما بالك كيف لا يعرفه في عارف بالله تعالى
يقول لنا شيخنا دائما : لا تجعلوني شيخكم بل ضعوني كأخيكم في الطريق
كلّ هذا حرصا علينا لأنّنا لا نعرف مرتبة اولاية وباطنها حقيقة فكان يتنزّل إلى مستوانا خوفا علينا
أمّا الفقير الذي يريد أن ينال من الطريق فما عليه إلا بالصدق أوّلا وبالتصديق ثانيا وبالمحبّة ثالثا فهذه أركان الطريق
أما الصدق فهو أكبر باب للمسارعة في الطلب والحرص على الوصول وهو سيف قاطع ما وضع على شيء إلا قصمه قال تعالى ( إتّقوا الله وكونوا مع الصادقين ) والصادقين والصادقات
والتصديق هو الفتح في فهم ( إتّق الله ترى العجب )
أمّا المحبّة فهي تجلّي بصر الروح على الجمال القدسي ( إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه )كما ورد في الحديث
أمّا أن يستشعر الفقير بأنّه كذا وكذا وأنّه صاحب فضل ومزيّة في طريق الله فيصبح يمنّ على الله تعالى إيمانه فهو لا شيء يرجى منه بل الله تعالى يمنّ عليه أن هداه للإيمان لذا فلا حرج أن يطرد ويسلب متى كان مدّعيا متأليّا متكبّرا على الله تعالى
فإن طريق لصوفية هو طريق العبودية ولا شيء غيرها أما من رام الوصول إلى أي مأرب من مآربه فقد أخطأ باب الحصول على ذلك
ووالله ما رأيت قطّ بابا يفتح من الأبواب إلا بملازمة العبودية ودوام المحبّة لله ورسوله ولأهل النسبة خاصّة وأهل الإيمان عامّة
فمن رفضه قلب شيخه فما عليه إلا بالتوبة والرجوع من قريب قبل أن يستدرج من حيث لا يشعر ويمكر به من حيث لا يدري ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )
( كثير ما نسمع عن مريدين تخبطوا من كثرة جهلهم فسقطوا واضاعوا دينهم ودنياهم فلا هم انتفعوا بذكرهم وبيعتهم ولا هم اصابوا من الدنيا وعملوا لاجلها وقد قلت سيدي فيما سبق من رفضه وكرهه ولفظه قلب كامل فما قبلته قلوب شيوخ الارض كلهم
في هذه الحال هل حكم على هذا الضائع بالهلاك والتيه ؟)
الجواب والله أعلم:
نعم هذا صحيح فمن رفضه قلب شيخه فيصعب جبره كثيرا لأنّ قلب الشيخ بيد الله تعالى وإنّما يقع رفض قلب الشيخ للمريد متى أساء المريد الأدب إساءة بالغة فهذا تكون نهايته في الأغلب سيّئة , وإنّا نعرف في تونس أحدهم كان صوفيّا إسمه (التّيجاني السماوي) وكان ينتسب إلى طريقة الصوفية فذهب يوما إلى شيخنا المرحوم الإمام العارف سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه فأساء الأدب في حضرته وإتّهم الشيخ إسماعيل بالكذب وأساء له إساءة بالغة , المهمّ ذهب هذا التيجاني في سياحة زار خلالها أرض العراق وفي رحلته تعرّف على شيعي فما رجع هذا التيجاني إلى تونس بعد رحلته إلا وهو شيعيّا خالصا فألّف الكتب التي تدعو إلى التشيّع منها كتابه ( ثمّ إهتديت ) وكتابه مع (الصادقين) ..إلخ وشتم هناك الصحابة كناية وتصريحا وأضحى يدعو في تونس إلى التشيّع وأضلّ بعض الناس فتشيّعوا ثمّ زار إيران ومنها قم وأضحى عند الشيعة إسمه ( الدكتور التيجاني ) فطبعوا كتبه وجعلوه من خيرة المستبصرين بزعمهم ثمّ ذهب إلى أوروبا وأمريكا ودخل في مداخل الله يعافينا والمسلمين منها كما أنه تعرّض إلى حادث سير كبير , المهمّ حدث له كلّ هذا بسبب سوء أدبه مع الشيخ والإخوان
فإساءة الأدب مع الحضرة هي التي توجب المقت والطرد والسلب والعياذ بالله تعالى وقد أساء الأدب مع شيخنا أحد كمّل العارفين بالله تعالى ممّن فتح الله عليهم بالفتح الكبير فقال فيه الشيخ : ( سيأتيه يوما يتمنّى أن يصلّي فيه ركعتين ولا يستطيع )
نعم من أساء الأدب وتاب وأصلح وبيّن فإنّ الله يتوب عليه بصريح النصوص والله غفور تواب رحيم
إساءة الأدب هو ما حصل لإبليس لعنه الله تعالى فإنّه لم تنفعه عبادته ولا ذكره ولا مكوثه الأزمان الطويلة في صورته النوارنية , بل بمجرّد إساءة الأدب لعن وطرد وسلب وغضب الله عليه غضبا سرمديا
وكذلك وقع لليهود فقال الله فيهم : ( فباؤوا بغضب على غضب ولهم عذاب مهين )
لذا قال ساداتنا : ( من أساء الأدب وقع في العطب ) وقالوا : ( من أساء الأدب في حضرة الأحباب طرد إلى الباب , ومن أساء الأدب في الباب أرجع إلى سياسة الدواب )
أمّا التصوّف فكلّه آداب , فمن زاد عليك في الأدب زاد عليك في التصوّف
نعم قد يحكم على الفقير بالطرد والسلب متى أساء الأدب إساءة عظيمة
ويكفينا شهادة قول الله تعالى في الحديث القدسي ( من آذى لي وليّا فقد آذنته بحرب )
ثمّ إن رفض قلوب المشائخ للمريد ليس مردّه إلى النفس بل هو طرد الحضرة القدسية له متى ما أساء معها الأدب
فأنت تعامل الشيخ لله وتعامل إخوانك لله وهكذا جميع المؤمنين ومن ثمّ بقية الخلق أجمعين
فإنّما تراعي شيخك وتحبّه وتتأدّب معه من أجل الله تعالى لا من أجل الشيخ فالشيخ عبد فقير لا ينفع ولا يضرّ ولكنّه وليّ من أولياء الله لا يجوز معه ولا يكون غير الأدب
قال تعالى ( إن يشأ يذهبكم ويأتي بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز )
فالأمر كلّ الأمر هو التحقّق بمقامات العبودية وتراقب الله تعالى في السرّاء والضرّاء وفي العسر واليسر وفي الظاهر والباطن فيتوجّه القلب كلّه مجموعا إلى مراقبة الله تعالى التي هي بداية المعرفة , فإنّ المعرفة قسمان : مراقبة ومشاهدة أي شريعة وحقيقة فبقدر مراقبتك لله تكون مشاهدتك له , ومراقبتنا لله تعالى تكون في ذاته وأنّه العظمة المطلقة والتنزيه المطلق فكلّ من سواه عبد له كان من كان هذا السوى ثمّ مراقبته في صفاته التي هي عوالم الأنوار مثل الإنبياء والرسل فهم من أنوار الصفات ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) فهذا أدب مع الصفات وهكذا بالنسبة للأدب مع الشيوخ والأدب مع المريدين فهو أدب مع الصفات النورانية لأنّهم أهل النور الوارد فيهم ( فإذا أحببته كنت بصره ...ألخ الحديث ) بمعنى الصفات كالبصر والسمع واليد والرجل
ثمّ مراقبة الله تعالى في أسمائه وأفعاله فتنظر بعين الشريعة فتعطيها أحكامها وتنظر بعين الحقيقة فتعطيها أحكامها ( بينهما برزخ لا يبغيان )
فالعبرة كلّ العبرة بالنسبة للمريد مراقبة الله تعالى والخوف كلّ الخوف من الله تعالى وليس من الشيخ أو المريد وماذا يستطيع أن يفعل الشيخ أو المريد بل إن قلوبهم بيد الله فهي تحبّ بالله وتبغض بالله وتكره لله وتحبّ لله فمتى وجدنا شيخا أغلق قلبه ناحيتنا وأبغضنا حقيقة فما ذلك إلا إعلانا من الله أنّنا في خطر والفاهم العارف يعرف إساءة أدبه حتى في خلق دابته معه فما بالك كيف لا يعرفه في عارف بالله تعالى
يقول لنا شيخنا دائما : لا تجعلوني شيخكم بل ضعوني كأخيكم في الطريق
كلّ هذا حرصا علينا لأنّنا لا نعرف مرتبة اولاية وباطنها حقيقة فكان يتنزّل إلى مستوانا خوفا علينا
أمّا الفقير الذي يريد أن ينال من الطريق فما عليه إلا بالصدق أوّلا وبالتصديق ثانيا وبالمحبّة ثالثا فهذه أركان الطريق
أما الصدق فهو أكبر باب للمسارعة في الطلب والحرص على الوصول وهو سيف قاطع ما وضع على شيء إلا قصمه قال تعالى ( إتّقوا الله وكونوا مع الصادقين ) والصادقين والصادقات
والتصديق هو الفتح في فهم ( إتّق الله ترى العجب )
أمّا المحبّة فهي تجلّي بصر الروح على الجمال القدسي ( إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه )كما ورد في الحديث
أمّا أن يستشعر الفقير بأنّه كذا وكذا وأنّه صاحب فضل ومزيّة في طريق الله فيصبح يمنّ على الله تعالى إيمانه فهو لا شيء يرجى منه بل الله تعالى يمنّ عليه أن هداه للإيمان لذا فلا حرج أن يطرد ويسلب متى كان مدّعيا متأليّا متكبّرا على الله تعالى
فإن طريق لصوفية هو طريق العبودية ولا شيء غيرها أما من رام الوصول إلى أي مأرب من مآربه فقد أخطأ باب الحصول على ذلك
ووالله ما رأيت قطّ بابا يفتح من الأبواب إلا بملازمة العبودية ودوام المحبّة لله ورسوله ولأهل النسبة خاصّة وأهل الإيمان عامّة
فمن رفضه قلب شيخه فما عليه إلا بالتوبة والرجوع من قريب قبل أن يستدرج من حيث لا يشعر ويمكر به من حيث لا يدري ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: أسئلة أجبت عليها
السؤال السادس:
( سيدي ما مقصد المربي الكامل من تبشير مريده بالاستقطاب او الفتح او الفرج العظيم مع العلم ان اغلب المريدين عندما يحدث ويذكر المربي لهم شيئا بالتبشير تعلو نفوسهم ويبدؤون بالتصرف وكانهم نفوس كاملة يرمون الناس بالجهل وينصحون بتعالي وان خالفهم احد يغضبون ؟ )
الجواب والله ورسوله أعلم :
إعلم سيدي علّمني الله وإيّاك من علمه وأفاض عليك وعليّ من خزائن فضله : أنّ التبشير بالخير , والتحذير من الشرّ , من أحكام التربية وشؤونها فمتى كملت التربية وإستوت على الجودي سفينة مقامات الإنسان على جبل الإيمان فتهبّ عليها من كلّ ناحية نسائم الإحسان ولواقح الإيقان , فعندئذ تستوي في حقّه المقامات فيتنزّه عنها لتجرّده منها غاية التجرّد , فتضحى المقامات تطلبه وهو فار منها تمام الفرار ولهذا ورد عن العارفين بأنّهم ما تقدّموا حتّى هدّدوا بالسلب وأوّل العارفين عليه الصلاة والسلام لمّا قيل له ( إقرأ ) قال : ( ما أنا بقارىء ) فأشفق من المقام وهرب منه إليه سبحانه وتعالى
قلت : بالنسبة للتبشير وأعني تبشير المؤمن بالخير كيفما كان هذا الخير آجلا أو عاجلا , حسّا أو معنى , ظاهرا أو باطنا , يعدّ من أحكام التربية لأنّ النفس تربّى بالجلال والجمال , أي بالخوف والرجاء , وبالحزن والفرح , لأنّ كلّ هذا من أحكام التجليات , والتجلّيات نوعان عليهما مدار التربية هما الجلال والجمال ومن هنا إختلفت الشيوخ في التربية فهناك من يربّون بالجمال وهو الغالب عليهم وهؤلاء أهل التبشير , وهناك من يربّي بالجلال أي أنّه الغالب عليه وهؤلاء أهل التحذير غالبا تجدهم هكذا , وطبعا فالنفس تميل طبعا إلى صاحب الجمال لما عنده من الراحة والسعادة وهذا المقام نازل عن مقام التربية بالجلال
أقول : شيخ التربية مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلّم في أقواله وأفعاله وأحواله فله حكم الوراثة النبوية والعلماء ورثة الأنبياء
والناظر في القرآن والسنّة يجد آيات التبشير للمؤمنين واضحة مثل الشمس وكذلك في السنّة فأحاديث تبشير الصحابة بالخير والسبق والجنّة والمقامات والأحوال ظاهر لا خفاء فيه وعليه فإنّ تبشير الشيخ الكامل مريده بخصوصية ما فهذا جائز معمول به عند السلف والخلف ويكفي الأدلّة في ذلك من الكتاب والسنّة التي يطول بسردها الجواب
قلت : الشيخ الكامل أعلم بحال مريده من المريد بحال نفسه فهناك من المريدين من إذا بشّرته زاد إيمانه وإنشرح إيقانه وتهذّب إحسانه ( إنّ من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقرته لكفر ) هكذا ورد في الحديث
فالشيخ عندما يبشّر مريده بخصوصية من الخصوصيات فإنّما بشّره بصريح الوارد ولحكمة من ورائها جليلة , والفطن من ينظر إلى تلك الحكمة الجليلة وماهيتها ومن هنا تقع غربلة الأمور فلا تبقى غير الحقائق
هذا الذي ذكرته هو العنوان العام للسؤال وفيه من الأسرار الله أعلم بها ومن بعد رسوله صلى الله عليه وسلّم .
قلت : التبشير الحقيقي الذي عليه المعوّل هو تبشير الفقير وهو في مرتبة النفس المطمئنّة أي أنّ الفقير يبشّر وهو في مرتبة الإيمان الكامل بمعنى أنّه مبشّر ونفسه في هذه الحالة ميّتة , وهذا المقام في التبشير هو الذي عليه المعوّل لأنّ الفقير متى بشّر في هذه المرتبة من الإيمان فلا يزيده هذا التبشير إلا خوفا من الله سبحانه ورهبا وحيطة ويدرك عندها بأنّه في خطر عظيم رغم إيقانه الجازم بأنّه مبشّر بلسان الصدق الكامل والحقّ الشامل فلا يمكن أن يتخلّف هذا التبشير وإنّما فقط يقف خوفا من هذا التبشير : هل هو باطن أو ظاهر وهل هو من لوح الإثبات أو أنّه من لوح المحو , فتراه لا يقرّ له قرار ولا تجد له عند نفسه والعالم أخبار , وفي هذا النوع من التبشير قال عمر إبن الخطاب رضي الله عنه أو أحد غيره من الصحابة والشكّ منّي ( والله لو وضعت رجلي اليمنى في الجنّى والأخرى خارجها ما آمنت مكر الله أن لا يدخلني النار ) وقال : لو نودي في المحشر أن هناك عبد من العباد سيدخل النار ما تشكّكت لحظة في أنّني ذلك العبد , وهكذا من هذه الفهوم والأحوال والمقامات والعلوم الإلهية والمعارف الربانية
هذا بالرغم من أنّ البشرى بالجنّة وردت في الكتاب والسنّة لسيدنا عمر ولبعض الصحابة الآخرين بل ورد فيهم قوله تعالى ( رضي الله عن المهاجرين والأنصار )
ورغم هذا قالوا ما قالوا والسؤال لماذا قالوا هذا يا ترى وهم المبشّرون بالجنّة وبكلّ خير
قال سيدي محي الدين بن عربي رضي الله عنه : بشّرني أحد الصالحين بدخول الجنّة فليس لي شكّ في دخولها ولكنّي لا أعلم هل أدخل النار أم لا ) هذا معنى كلامه , فأنظر كيف وفّق بين المقامين وأعطى أحكام المرتبتين لغزارة علمه وفهمه عن الله قال تعالى في حقّ الأنبياء وحقّ سيّد البشر ( لا أدري ما يفعل بي ولا بكم )
هذه مرتبة أولى لها أحكامها وعلومها وأسرارها ومعارفها ولو لا خوف السآمة لفصّلنا مراتبها ودرجات مناصبها
القسم الثاني : وهو تبشير المريد وهو لا يزال في مرتبة النفس الأمّارة أو اللوّامة فهذا التبشير من الشيوخ في تلك المرتبة يرعب الجبال ويخيفها فضلا عن أضعف المخلوقات وخلق الإنسان ضعيفا
فمن بشّره شيخه وهو في مرتبة النفس الأمّارة بالسوء وبالأحرى من كانت نفسه حيّة تسعى فلا ينبغي أن يلتفت إلى ذلك التبشير أصلا بلازم حاله فيقول : كيف يمكنني أن أكون قطبا أو عارفا وأنا مازلت أعصي ربّي ليلا ونهارا فيستبعد ما أخبره عنه الشيخ ويحمل كلام الشيخ على محامل أنّ الشيخ يتمنّى له ذلك لأنّ الشيخ يتمنّى لكلّ مريديه القطبانية بل إنّه يتمنّى أن يكونوا كلّهم خير منه ( أمّتي أمّتي ) فما قال نفسي نفسي صلى الله عليه وسلّم لأنّه غائب عنها
وقد يقول قائل : كلام الشيوخ صدق من الله لا يتخلّف الوعد فيه : وأجيبه : من قال لك بأّ ذلك الكلام خرج بحسب ما هو مسطور في اللوح المحفوظ , فلم لا تقول إنّما هو من لوح المحو والإثبات وهي كلّها ألواح محفوظة ( فإنّه في عرفنا لا يعلم الغيب ) إي في أمّ الكتاب الذي لا يتبدّل ولا يتغيّر إلا الله تعالى فقد يخبر الوليّ بكشفه الصحيح ثمّ لا يقع ذلك الكشف كما رآه الشيخ فيخبر الشيخ بالصدق ولا يقع هذا الصدق حسبما رآه الشيخ وذلك إنّما أخفاه الله تعالى عن الشيخ لحكمة جليلة إمّا ليهلك المريد بذلك التبشير مادام في مرتبة النفس الأمارة فيتكبّر على الناس وعلى إخوانه ( أنا خير منه ) وتتعاظم نفسه فيستدرج من حيث لا يشعر ويمكر به غاية المكر وهو لا يدري بل إنّه يقول : لقد صدق شيخي في قوله ولو فعلت ما فعلت فلن يتغيّر ما أخبرني عنه شيخي وهذا جهل منه بالله تعالى وبرسوله وسوء أدب كبير مع الله تعالى بل الواجب عليه أن يقول كما قال الشيخ الأكبر ( أنا عندي يقين أن أدخل الجنّة ولكنّي لا أدري أادخل النار أم لا )
وكذلك على الفقير أن يقول : أنا عندي يقين أن أصل إلى درجة القطبانية ولكنّي لا أدري أأسلب أم لا ) نعم كلام الشيوخ صدق من الله تعالى إن شاء الله ولكنّه حمّال وجوه فقد يكون من لوح المحو والإثبات وقد يكون تربية وترقية وقد يكون إستدراجا ومكرا بمعنى أنّه يكون مثلا قطبا ويعلم الشيخ أنه سيسلب منها فيخبره عنها ويبشّره بها ومراد الله تعالى أن يسيء المريد الإدب بإخبار الشيخ له فيتنطّع ويتكبّر وهذا هو المراد منه بذلك الإخبار , المجال أوسع من أن يدرك , فما على المريد إلأ بإلتزام أرض العبودية التامّة
فالعبد الفقير لو قال لي شيخي : أنت يا سيدي فلان ستبلغ درجة القطبانية , لقت : هذا أمر لا يعنيني لا هو لي ولا أنا أهل له ولكن وحتى أنّ الله تعالى أراد أن يكرمني بتلك الخصوصية فأقول : ما مثلي ومثل هذا : إلا كملك أو رئيس نصّبوه رئيسا ويوجد في الملّة من هو أولى بها منّي ألف مرّة فأقول : لقد حكموا عليّ بذلك فأرضى لحكمهم وأسألهم الإقالة ممّا هو ليس لي ولست أهلا له بالمرّة
وقد ورد أن مريد قال لشيخه : يا سيدي أنت قطب , فقال له : نزّه شيخك عن القطبية , فقال له : أنت غوث إذن : فأجابه : نزّه شيخك عن الغوثية
فما قال هذا القول إلا لأن العبودية إستهلكته فهو عبد محض والعبودية المحضة مجرّدة عن الخصوصيات
فالقطبانية ليست هي العبودية بل هي مرتبة تشريف وعطاء أو تقول فضل
فهل نقول بأنّ الجنّة عبودية بل هي خصوصية معطاة فما دخلها في العبودية
لذا قال عمر : لو ....لما آمنت مكر الله أن لا أدخل النار )
فتجاوز الخصوصيات رضي الله عنه وعلومها وتوجّه إلى المعرفة بالله تعالى وإطلاقات ذاته وصفاته فوقف معها متأدّبا لأنّها الأصل أما الخصوصيات ( كلّ يوم هو في شأن )
وكان إبليس قطبا في العبادة ورئيسا في الزهادة فسلب وطرد وأخل آدم الجنّة فأخرج منها وأنزل إلى الأرض وقد توعّد الله أهل العناية بالعذاب الشديد بل توعّد حتى الأنبياء في قوله ( خذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) وقال لنوح عليه السلام ( فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) فالله الله ساداتي ليس ثمّ إلا الله تعالى فحذار من أن تدخلوا في ذكر الخصوصيات بل علينا جميعا الإلتزام بالعبودية التي هي الأصل ( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون ) فالله هو الغاية المنشودة أمّا المقامات والخصوصيات فهي بيد الله تعالى وكما قال صاحب الإبريز ( الناس كلّهم يظنّون بأنّ صاحب السرّ مغبوط وهو في خطر عظيم ) هذا ما معناه لطول العهد به
وكذلك الذي بشّره الأولياء أو بشّره الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم فهو لا يدري خاتمته فيستأنس بذلك التبشير ويفرح به لكن يجب أن لا يعتمد عليه البتّة لأن الله تعالى يقول ( كلّ يوم هو في شأن ) (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) فالعلم الإلهي واسع لا حدّ له وكلّ من أساء الأدب وقع في العطب
فيلزم الفقير حدوده ولا يشغل باله إلا بما كلّفه به ربّه سبحانه وتعالى وإنّ للنفس دسائس بحسب المقام وبحسب الحال لذا وجب ملاحظتها دائما ( قال عليه السلام : نعوذ بالله من شرور أنفسنا ) مع ما عليه عليه الصلاة والسلام من معارف وتقوى وقرب لكن تبقى الحقيقة المطلقة التي من أجلها خلق الكون وهي حقيقتة العبودية فليس يوجد مقاما في الكون أعلى من مقام العبودية ( سبحان الذي أسرى بعبده )
إعلموا أيّها السادة : أنّ مهمّة الشيخ هي التربية والترقية إلى درجات كمال العبودية ومهمّته الأمر والنهي ظاهرا وباطنا بحسب ما ورد في الشريعة وفي الطريقة وفي الحقيقة فمهمّته هي كيف يوصلك إلى الله تعالى وكيف يربّي لك نفسك ويبني لك شخصيتك المسلمة المثالية فتكون عارفا بالله داعيا إليه محبّا تقيّا صالحا فهذه أصول التربية
أمّا الإخبار بالمغيبات وجريان الكرامات فليست من التربية في شيء وليست الشيخ مهمّته الإخبار بالغيب ولا بإعطاء المقامات ولا الأحوال ولا الخصوصيات بل مهمّته ووظيفته التربية والترقية فقف مع حقيقة المشيخة ولا تقف مع خصوصياتها
( من وقف مع الخصوصية سلب مراتب العبودية )
( من وقف مع الفضل عوقب بالعدل )
( من صاحب الشيخ لنفسه الأمّارة بالسوء عوقب بالإستدراج منه )
( من أحبّ الشيخ فقط في التبشير , عوقب ببغضه عند ورود طامات التحذير )
( التبشير من مذاكرات التشويق , والتحذير من مذاكرات مخافة التعويق )
( الخصوصية مقام الثواب , والعبودية الوصال بربّ الأرباب )
( القطب إنّما كان قطبا بإنفراد سرّه في تعاريف العبودية وبحار التحقيق )
( من مال بقلبه إلى سواه , حرم من مقام ( إعبد الله كأنّك تراه )
( الخصوصية مرتبة تخصيص متى فهمتها عنه في نسب التعريف )
( متى أسرعت روحك في طلبه , جرت المقامات في طلبك , وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون )
( النفس تريد مقامات الظهور فكلّما جاهدتها أبدلت شهوتها بمقامات البطون , فكلّما منعت الظاهر ’ طلبت الباطن , لتظر فيه , )
( التبشير بالمقامات , لرفع همّتك عن عالم الأغيار والشهوات )
( أفرحك بالتبشير ليريك جمال صفاته , أخافك بالتحذير ليوقفك عند حدود جلاله , ومتى غيّبك عنهما فحتى لا يقع تظرك إلا على ذاته )
( الخصوصية لا تأخذها إلا بيمينك ( خذ الكتاب بقوّة ) وذلك لا يكون إلا بالرجوع من حضرة الفناء في الذات إلى البقاء بأنوار الأسماء والصفات ) ( يا يحيى خذ الكتاب بقوّة )
( البشرى حالة قلبية مشهودة , وصفة ذاتية موجودة , توجب طلب المزيد ( فَقَالَ رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِير ) )
( الخصوصية تابعة للعبودية فحيثما وصلت عبوديتك لحقت بها خصوصيتك , فتلوّنت بمعناها , وتكيّفت بمبناها )
( حقيقة الخصوصية , رضاك بقضائه وقدره فيك , وذلك أن تستشعر جريان حكمه قبل كونك عليك )
( لا تنتظر تباشير الخصوصية , بل إنهض إليها مسرعا على جواد العبودية )
( طلبك للخصوصية قد يكون بالسؤال , وقد يكون بالقلب , وقد يكون بالحال , وقد يكون بالنور , إلا أنّه محال أن يكون بالسرّ , فكلّ من صفا سرّه , لم يكن له تعلّق إلا بربّه )
( الخصوصية مقام صفاتي , والعبودية مقام ذاتي ’ فحسبما كانت العبودية , إقتدت بها الخصوصية )
( العبد المحض الحرّ فوق جميع المقامات في فضاء الحريّة , فوقعت له المقامات ساجدة )
...
( سيدي ما مقصد المربي الكامل من تبشير مريده بالاستقطاب او الفتح او الفرج العظيم مع العلم ان اغلب المريدين عندما يحدث ويذكر المربي لهم شيئا بالتبشير تعلو نفوسهم ويبدؤون بالتصرف وكانهم نفوس كاملة يرمون الناس بالجهل وينصحون بتعالي وان خالفهم احد يغضبون ؟ )
الجواب والله ورسوله أعلم :
إعلم سيدي علّمني الله وإيّاك من علمه وأفاض عليك وعليّ من خزائن فضله : أنّ التبشير بالخير , والتحذير من الشرّ , من أحكام التربية وشؤونها فمتى كملت التربية وإستوت على الجودي سفينة مقامات الإنسان على جبل الإيمان فتهبّ عليها من كلّ ناحية نسائم الإحسان ولواقح الإيقان , فعندئذ تستوي في حقّه المقامات فيتنزّه عنها لتجرّده منها غاية التجرّد , فتضحى المقامات تطلبه وهو فار منها تمام الفرار ولهذا ورد عن العارفين بأنّهم ما تقدّموا حتّى هدّدوا بالسلب وأوّل العارفين عليه الصلاة والسلام لمّا قيل له ( إقرأ ) قال : ( ما أنا بقارىء ) فأشفق من المقام وهرب منه إليه سبحانه وتعالى
قلت : بالنسبة للتبشير وأعني تبشير المؤمن بالخير كيفما كان هذا الخير آجلا أو عاجلا , حسّا أو معنى , ظاهرا أو باطنا , يعدّ من أحكام التربية لأنّ النفس تربّى بالجلال والجمال , أي بالخوف والرجاء , وبالحزن والفرح , لأنّ كلّ هذا من أحكام التجليات , والتجلّيات نوعان عليهما مدار التربية هما الجلال والجمال ومن هنا إختلفت الشيوخ في التربية فهناك من يربّون بالجمال وهو الغالب عليهم وهؤلاء أهل التبشير , وهناك من يربّي بالجلال أي أنّه الغالب عليه وهؤلاء أهل التحذير غالبا تجدهم هكذا , وطبعا فالنفس تميل طبعا إلى صاحب الجمال لما عنده من الراحة والسعادة وهذا المقام نازل عن مقام التربية بالجلال
أقول : شيخ التربية مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلّم في أقواله وأفعاله وأحواله فله حكم الوراثة النبوية والعلماء ورثة الأنبياء
والناظر في القرآن والسنّة يجد آيات التبشير للمؤمنين واضحة مثل الشمس وكذلك في السنّة فأحاديث تبشير الصحابة بالخير والسبق والجنّة والمقامات والأحوال ظاهر لا خفاء فيه وعليه فإنّ تبشير الشيخ الكامل مريده بخصوصية ما فهذا جائز معمول به عند السلف والخلف ويكفي الأدلّة في ذلك من الكتاب والسنّة التي يطول بسردها الجواب
قلت : الشيخ الكامل أعلم بحال مريده من المريد بحال نفسه فهناك من المريدين من إذا بشّرته زاد إيمانه وإنشرح إيقانه وتهذّب إحسانه ( إنّ من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقرته لكفر ) هكذا ورد في الحديث
فالشيخ عندما يبشّر مريده بخصوصية من الخصوصيات فإنّما بشّره بصريح الوارد ولحكمة من ورائها جليلة , والفطن من ينظر إلى تلك الحكمة الجليلة وماهيتها ومن هنا تقع غربلة الأمور فلا تبقى غير الحقائق
هذا الذي ذكرته هو العنوان العام للسؤال وفيه من الأسرار الله أعلم بها ومن بعد رسوله صلى الله عليه وسلّم .
قلت : التبشير الحقيقي الذي عليه المعوّل هو تبشير الفقير وهو في مرتبة النفس المطمئنّة أي أنّ الفقير يبشّر وهو في مرتبة الإيمان الكامل بمعنى أنّه مبشّر ونفسه في هذه الحالة ميّتة , وهذا المقام في التبشير هو الذي عليه المعوّل لأنّ الفقير متى بشّر في هذه المرتبة من الإيمان فلا يزيده هذا التبشير إلا خوفا من الله سبحانه ورهبا وحيطة ويدرك عندها بأنّه في خطر عظيم رغم إيقانه الجازم بأنّه مبشّر بلسان الصدق الكامل والحقّ الشامل فلا يمكن أن يتخلّف هذا التبشير وإنّما فقط يقف خوفا من هذا التبشير : هل هو باطن أو ظاهر وهل هو من لوح الإثبات أو أنّه من لوح المحو , فتراه لا يقرّ له قرار ولا تجد له عند نفسه والعالم أخبار , وفي هذا النوع من التبشير قال عمر إبن الخطاب رضي الله عنه أو أحد غيره من الصحابة والشكّ منّي ( والله لو وضعت رجلي اليمنى في الجنّى والأخرى خارجها ما آمنت مكر الله أن لا يدخلني النار ) وقال : لو نودي في المحشر أن هناك عبد من العباد سيدخل النار ما تشكّكت لحظة في أنّني ذلك العبد , وهكذا من هذه الفهوم والأحوال والمقامات والعلوم الإلهية والمعارف الربانية
هذا بالرغم من أنّ البشرى بالجنّة وردت في الكتاب والسنّة لسيدنا عمر ولبعض الصحابة الآخرين بل ورد فيهم قوله تعالى ( رضي الله عن المهاجرين والأنصار )
ورغم هذا قالوا ما قالوا والسؤال لماذا قالوا هذا يا ترى وهم المبشّرون بالجنّة وبكلّ خير
قال سيدي محي الدين بن عربي رضي الله عنه : بشّرني أحد الصالحين بدخول الجنّة فليس لي شكّ في دخولها ولكنّي لا أعلم هل أدخل النار أم لا ) هذا معنى كلامه , فأنظر كيف وفّق بين المقامين وأعطى أحكام المرتبتين لغزارة علمه وفهمه عن الله قال تعالى في حقّ الأنبياء وحقّ سيّد البشر ( لا أدري ما يفعل بي ولا بكم )
هذه مرتبة أولى لها أحكامها وعلومها وأسرارها ومعارفها ولو لا خوف السآمة لفصّلنا مراتبها ودرجات مناصبها
القسم الثاني : وهو تبشير المريد وهو لا يزال في مرتبة النفس الأمّارة أو اللوّامة فهذا التبشير من الشيوخ في تلك المرتبة يرعب الجبال ويخيفها فضلا عن أضعف المخلوقات وخلق الإنسان ضعيفا
فمن بشّره شيخه وهو في مرتبة النفس الأمّارة بالسوء وبالأحرى من كانت نفسه حيّة تسعى فلا ينبغي أن يلتفت إلى ذلك التبشير أصلا بلازم حاله فيقول : كيف يمكنني أن أكون قطبا أو عارفا وأنا مازلت أعصي ربّي ليلا ونهارا فيستبعد ما أخبره عنه الشيخ ويحمل كلام الشيخ على محامل أنّ الشيخ يتمنّى له ذلك لأنّ الشيخ يتمنّى لكلّ مريديه القطبانية بل إنّه يتمنّى أن يكونوا كلّهم خير منه ( أمّتي أمّتي ) فما قال نفسي نفسي صلى الله عليه وسلّم لأنّه غائب عنها
وقد يقول قائل : كلام الشيوخ صدق من الله لا يتخلّف الوعد فيه : وأجيبه : من قال لك بأّ ذلك الكلام خرج بحسب ما هو مسطور في اللوح المحفوظ , فلم لا تقول إنّما هو من لوح المحو والإثبات وهي كلّها ألواح محفوظة ( فإنّه في عرفنا لا يعلم الغيب ) إي في أمّ الكتاب الذي لا يتبدّل ولا يتغيّر إلا الله تعالى فقد يخبر الوليّ بكشفه الصحيح ثمّ لا يقع ذلك الكشف كما رآه الشيخ فيخبر الشيخ بالصدق ولا يقع هذا الصدق حسبما رآه الشيخ وذلك إنّما أخفاه الله تعالى عن الشيخ لحكمة جليلة إمّا ليهلك المريد بذلك التبشير مادام في مرتبة النفس الأمارة فيتكبّر على الناس وعلى إخوانه ( أنا خير منه ) وتتعاظم نفسه فيستدرج من حيث لا يشعر ويمكر به غاية المكر وهو لا يدري بل إنّه يقول : لقد صدق شيخي في قوله ولو فعلت ما فعلت فلن يتغيّر ما أخبرني عنه شيخي وهذا جهل منه بالله تعالى وبرسوله وسوء أدب كبير مع الله تعالى بل الواجب عليه أن يقول كما قال الشيخ الأكبر ( أنا عندي يقين أن أدخل الجنّة ولكنّي لا أدري أادخل النار أم لا )
وكذلك على الفقير أن يقول : أنا عندي يقين أن أصل إلى درجة القطبانية ولكنّي لا أدري أأسلب أم لا ) نعم كلام الشيوخ صدق من الله تعالى إن شاء الله ولكنّه حمّال وجوه فقد يكون من لوح المحو والإثبات وقد يكون تربية وترقية وقد يكون إستدراجا ومكرا بمعنى أنّه يكون مثلا قطبا ويعلم الشيخ أنه سيسلب منها فيخبره عنها ويبشّره بها ومراد الله تعالى أن يسيء المريد الإدب بإخبار الشيخ له فيتنطّع ويتكبّر وهذا هو المراد منه بذلك الإخبار , المجال أوسع من أن يدرك , فما على المريد إلأ بإلتزام أرض العبودية التامّة
فالعبد الفقير لو قال لي شيخي : أنت يا سيدي فلان ستبلغ درجة القطبانية , لقت : هذا أمر لا يعنيني لا هو لي ولا أنا أهل له ولكن وحتى أنّ الله تعالى أراد أن يكرمني بتلك الخصوصية فأقول : ما مثلي ومثل هذا : إلا كملك أو رئيس نصّبوه رئيسا ويوجد في الملّة من هو أولى بها منّي ألف مرّة فأقول : لقد حكموا عليّ بذلك فأرضى لحكمهم وأسألهم الإقالة ممّا هو ليس لي ولست أهلا له بالمرّة
وقد ورد أن مريد قال لشيخه : يا سيدي أنت قطب , فقال له : نزّه شيخك عن القطبية , فقال له : أنت غوث إذن : فأجابه : نزّه شيخك عن الغوثية
فما قال هذا القول إلا لأن العبودية إستهلكته فهو عبد محض والعبودية المحضة مجرّدة عن الخصوصيات
فالقطبانية ليست هي العبودية بل هي مرتبة تشريف وعطاء أو تقول فضل
فهل نقول بأنّ الجنّة عبودية بل هي خصوصية معطاة فما دخلها في العبودية
لذا قال عمر : لو ....لما آمنت مكر الله أن لا أدخل النار )
فتجاوز الخصوصيات رضي الله عنه وعلومها وتوجّه إلى المعرفة بالله تعالى وإطلاقات ذاته وصفاته فوقف معها متأدّبا لأنّها الأصل أما الخصوصيات ( كلّ يوم هو في شأن )
وكان إبليس قطبا في العبادة ورئيسا في الزهادة فسلب وطرد وأخل آدم الجنّة فأخرج منها وأنزل إلى الأرض وقد توعّد الله أهل العناية بالعذاب الشديد بل توعّد حتى الأنبياء في قوله ( خذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) وقال لنوح عليه السلام ( فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) فالله الله ساداتي ليس ثمّ إلا الله تعالى فحذار من أن تدخلوا في ذكر الخصوصيات بل علينا جميعا الإلتزام بالعبودية التي هي الأصل ( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون ) فالله هو الغاية المنشودة أمّا المقامات والخصوصيات فهي بيد الله تعالى وكما قال صاحب الإبريز ( الناس كلّهم يظنّون بأنّ صاحب السرّ مغبوط وهو في خطر عظيم ) هذا ما معناه لطول العهد به
وكذلك الذي بشّره الأولياء أو بشّره الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم فهو لا يدري خاتمته فيستأنس بذلك التبشير ويفرح به لكن يجب أن لا يعتمد عليه البتّة لأن الله تعالى يقول ( كلّ يوم هو في شأن ) (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) فالعلم الإلهي واسع لا حدّ له وكلّ من أساء الأدب وقع في العطب
فيلزم الفقير حدوده ولا يشغل باله إلا بما كلّفه به ربّه سبحانه وتعالى وإنّ للنفس دسائس بحسب المقام وبحسب الحال لذا وجب ملاحظتها دائما ( قال عليه السلام : نعوذ بالله من شرور أنفسنا ) مع ما عليه عليه الصلاة والسلام من معارف وتقوى وقرب لكن تبقى الحقيقة المطلقة التي من أجلها خلق الكون وهي حقيقتة العبودية فليس يوجد مقاما في الكون أعلى من مقام العبودية ( سبحان الذي أسرى بعبده )
إعلموا أيّها السادة : أنّ مهمّة الشيخ هي التربية والترقية إلى درجات كمال العبودية ومهمّته الأمر والنهي ظاهرا وباطنا بحسب ما ورد في الشريعة وفي الطريقة وفي الحقيقة فمهمّته هي كيف يوصلك إلى الله تعالى وكيف يربّي لك نفسك ويبني لك شخصيتك المسلمة المثالية فتكون عارفا بالله داعيا إليه محبّا تقيّا صالحا فهذه أصول التربية
أمّا الإخبار بالمغيبات وجريان الكرامات فليست من التربية في شيء وليست الشيخ مهمّته الإخبار بالغيب ولا بإعطاء المقامات ولا الأحوال ولا الخصوصيات بل مهمّته ووظيفته التربية والترقية فقف مع حقيقة المشيخة ولا تقف مع خصوصياتها
( من وقف مع الخصوصية سلب مراتب العبودية )
( من وقف مع الفضل عوقب بالعدل )
( من صاحب الشيخ لنفسه الأمّارة بالسوء عوقب بالإستدراج منه )
( من أحبّ الشيخ فقط في التبشير , عوقب ببغضه عند ورود طامات التحذير )
( التبشير من مذاكرات التشويق , والتحذير من مذاكرات مخافة التعويق )
( الخصوصية مقام الثواب , والعبودية الوصال بربّ الأرباب )
( القطب إنّما كان قطبا بإنفراد سرّه في تعاريف العبودية وبحار التحقيق )
( من مال بقلبه إلى سواه , حرم من مقام ( إعبد الله كأنّك تراه )
( الخصوصية مرتبة تخصيص متى فهمتها عنه في نسب التعريف )
( متى أسرعت روحك في طلبه , جرت المقامات في طلبك , وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون )
( النفس تريد مقامات الظهور فكلّما جاهدتها أبدلت شهوتها بمقامات البطون , فكلّما منعت الظاهر ’ طلبت الباطن , لتظر فيه , )
( التبشير بالمقامات , لرفع همّتك عن عالم الأغيار والشهوات )
( أفرحك بالتبشير ليريك جمال صفاته , أخافك بالتحذير ليوقفك عند حدود جلاله , ومتى غيّبك عنهما فحتى لا يقع تظرك إلا على ذاته )
( الخصوصية لا تأخذها إلا بيمينك ( خذ الكتاب بقوّة ) وذلك لا يكون إلا بالرجوع من حضرة الفناء في الذات إلى البقاء بأنوار الأسماء والصفات ) ( يا يحيى خذ الكتاب بقوّة )
( البشرى حالة قلبية مشهودة , وصفة ذاتية موجودة , توجب طلب المزيد ( فَقَالَ رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِير ) )
( الخصوصية تابعة للعبودية فحيثما وصلت عبوديتك لحقت بها خصوصيتك , فتلوّنت بمعناها , وتكيّفت بمبناها )
( حقيقة الخصوصية , رضاك بقضائه وقدره فيك , وذلك أن تستشعر جريان حكمه قبل كونك عليك )
( لا تنتظر تباشير الخصوصية , بل إنهض إليها مسرعا على جواد العبودية )
( طلبك للخصوصية قد يكون بالسؤال , وقد يكون بالقلب , وقد يكون بالحال , وقد يكون بالنور , إلا أنّه محال أن يكون بالسرّ , فكلّ من صفا سرّه , لم يكن له تعلّق إلا بربّه )
( الخصوصية مقام صفاتي , والعبودية مقام ذاتي ’ فحسبما كانت العبودية , إقتدت بها الخصوصية )
( العبد المحض الحرّ فوق جميع المقامات في فضاء الحريّة , فوقعت له المقامات ساجدة )
...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: أسئلة أجبت عليها
ومنها سؤال عن الأرواح العلوية النورية وتصرّفها :
فكان الجواب والله أعلم ورسوله :
العالم العلوي :
فإسمه يدلّ على مسمّاه وهي كلّ روح مؤمنة بالله تعالى مستقيمة لا تفعل الحرام بشكل من الأشكال بل تحاربه وتكون عدّوه
ثمّ إنّ المؤمنين متى أرادوا أن يستعينوا في قضاء حوائجهم بجند النور فإنّهم يتوجّهون إلى الله تعالى في قضاء حوائجهم العامّة والخاصّة فيمدّه سبحانه بجنود لم يروها ( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فقد يغيثك بلا سبب تراه أو تشعر به (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) لأنّ الله تعالى أمره بين الكاف والنّون , وقد يمدّك بسبب من الأسباب فإن جند الله يصرفهم في خدمة المؤمنين كما صرف الخضر في خدمة المساكين والأيتام والعجّز بأمر الله تعالى وبقوّته سبحانه وكذلك فقد أعطى سبحانه للمخلصين من عباده أسرارا وأنوارا يصرفونها متى شاء الله تعالى في أوجه الخير لأمره إياهم بفعل الخير ظاهرا وباطنا ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) وهم يختلفون في هذا على قدر تحقّق عجزهم لأنّه من تحقّق بالعجز ظاهرا وباطنا أمدّه الله بقوّته وكلّ هذا يدخل في ما أكرمهم به من كرامات كصاحب سليمان الذي أتى بعرش بلقيس في طرفة العين لأنّ الله تعالى أمدّه بأسرار قوّته سبحانه والمؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف ظاهرا وباطنا كطالوت الملك ( وزاده بسطة في العلم والجسم ) من حضرة المزيد ( وعندنا مزيد ) ومن هنا تصرّف الأولياء بقوّة الله تعالى لدفع الشرّ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي ... فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه ) فهذه قوّة خارقة وإلا من يحسن أن يربط عفريتا من الجنّ والله تعالى يقول في قوّة الجنّ : ( وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً ) أنظر قوله كأنّها جان ومقدرة العفاريت بلغت مبلغا لا يستهان به قال تعالى ( قال عفريت من الجن انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين ) فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يربط ذلك العفريت من الجنّ ويظهره بصورته حتى يراه الناس فهذا وغيره من قوّة الله تعالى التي جعلها لكلّ من يطيعه خالصا مخلصا وقد قال عليه الصلاة والسلام في هذا الفضل الإلهي ذاكرا الدجّال وفتنته : ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ) لأنّها سنحتمي برسول الله لذا قال : ( فأنا حجيجه دونكم ) فيتولّى بنفسه صلى الله عليه وسلّم مبارزته فما ذكر عيسى عليه السلام هنا ولا المهدي لتعلم من هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم
فهذه القوّة الربانية ليست مكتسبة بل هي موهوبة من عند الله لعباده المخلصين الذين قال فيهم ( يريدون وجهه ) فتحقّقوا بحقائق التوحيد فكانت قوّتهم بالله تعالى ( وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ) وقوله تعالى في الحديث القدسي : ( ...وكنت يده التي يبطش بها والبطش هو التصرّف ) لذا قال ولئن سألني لأعطينّه بالتوكيدين اللام والنون ولإن إستعاذني لأعيذنّه بنفس الحقيقة والجملة لتعلم حفظ الله تعالى لعباده الصالحين قال شيخنا سيدي فتحي السلامي القيرواني رضي الله عنه : لمّا آذنني شيخي بالتسليك والإرشاد دعا لي بدعوات منها : ( حفظك الله بما حفظ به عباده الصالحين ) وكما قيل المأذون مأمون ( ومن يتّق الله يجعل له مخرجا ) قال تعالى في قتال المؤمنين للكفار وأعوانهم من العالم السفلي : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) فالقوّة التي هي العذاب من الله وما العبد إلا آلة عاجزة يعطيها الله تعالى من قوّته ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ )
فليس للعبد في الحقيقة والشريعة قوّة مستقلّة عن قوّة الله فكلّ من نسب النفع والضرّ لغير الله إستقلالا فهو مشرك شركا أكبر مخرجا من الملّة وغاية الأمر أنّ الله تعالى قد يرزق بعض عباده في بعض الأوقات بعض الكرامات وليس في كلّ الأوقات وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بعض الأحيان يشبع صحابته كلّهم من صاع شعير وفي بعض الأحيان يشدّ بطنه من الجوع لأنّ الأمر في كلّ ذلك إلى الله تعالى فكلّ من يدّعي المقدرة والنفع والضرّ فأحذره فهو شيطان لأنّ الذي يدّعي المقدرة هي الأرواح السفلية أي الشيطان لذاك قال ( لأغوينّهم أجمعين ) وكأنّه الفاعل المختار وقال : (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ) فنسب إلى نفسه الإتيان والقوّة والفعل والغواية والضلالة فهذه أقوال من هم على قدم إبليس فهذا الذي يتألّى على الله تعالى فيوهم الخلق بأنّه يفعل ويستطيع والله تعالى يقول : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) فقال الجنّ والإنس بأل التعريف إستغراقا للجنس فيدخل كلّ أحد من العباد ولو كانوا أنبياءا ورسلا فالعبد الصادق لا يدّعي نفعا ولا ضرّا قطعا وهو جازم في ذلك بعقيدة راسخة لا تتبدّل ولا تتحوّل وإلا سلب وطرد ولعن فإدعى مثل إبليس ما لا يجوز له وما العبد إلا عبد ضعيف فقير لا يقدر على شيء إلا بإذن الله متى شاء وأراد فلم يبق سبيل أمام الخلق بإسرهم غير الدعاء الذي هو مخّ العبادة وقد قال : ( أدعوني أستجب لكم ) فما ترك لك حجّة غير حجّة الدعاء فهذا الأصل وهذا لا ينفي التوسّل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته وبدعاء الصالح من نبيّ ووليّ وبجاههم وأسرارهم ومحابهم لله تعالى فهذا لا ينافي الدعاء بل هو وسيلة للإسراع في الإستجابة لا على ما يقوله الوهابيون في ذلك فإن التفصيل عندههم معدوم وترتيب المراتب مفقود وليس لهم حظّ في علوم الحقيقة .
فعلوم القوم إنّما منحت لهم لتقرّبهم من الله تعالى ( وإتقوا الله ويعلّمكم الله ) ومن جملة العلوم علوم أسرار أسماء الله تعالى فهذا علم نوراني وهو من أسرار الله تعالى لا يعطاه إلإ أمين ولا يجوز صرفه لغير أمين شهدت العدول بأمانته فمن خالفه سلبه في الوقت كما حكى سيدي عبد العزيز الدبّاغ رضي الله عنه كما في الإبريز عن ذلك الولي الذي سلبه أحد الأولياء ما كان معه من التصريف لمّا تصرّف في سفينة الكفّار فأحرقها وإشتعلت فيها النيران من غير سبب ظاهر , فعوقب في ذلك لأنّه لا يجوز وإلاّ فهذا جبريل قادر على قلب الأرض بأسرها وقتل الكفّار جميعهم في لحظة بما آتاه الله من قوّة لكن تصريفه عليه السلام لا يكون إلا بإذن الله تعالى وكذلك لكلّ من له سرّ مع الله تعالى لأنّ السرّ هو أمانة لا يجوز إظهارها ولا التصرّف فيها إلا بإذن صاحبها لذا ترك جملة هائلة من الأولياء مقام التصريف وقالوا : ( تركنا الله تعالى يتصرّف لنا ) وسنكتب إن شاء الله تعالى بسطة في ذكر تفاصيل هذا متى سنحت الفرصة
ثمّ إنّ العبد إنّما أكرمه الله تعالى بتلك الكرامات نتيجة تقواه ومحبّته لله ولرسوله وللمؤمنين ولم ينلها بعلم عنده كما قال قارون ناسبا لنفسه الغنى وحيلة إكتساب المال قال تعالى : ( قال إنما أوتيته على علم عندي ) فهذا الفرق بين الأولياء وبين غيرهم
فالوليّ أضعف ما يكون وأعجز ما يكون وأفقر ما يكون إلا أنّهم يلتجئون في هذا متى مسّهم الضرّ إلى الله تعالى ( رب اني قد مسني الضر وانت ارحم الراحمين )
قال تعالى في أهل بدر ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ )
لأنّ العبد متى أحسّ بعجزه وفقره وضعفه إستلزمه ذلك التوجّه إلى الله تعالى بإخلاص وصدق وتبتّل وتمريغ الوجه في التراب فإن إستجابة الله تعالى أقرب للإنسان من حبل الوريد وهو الفعّال لما يريد : ( فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) (والله يجيب دعوة الداعي إذا دعان )
فهذا العالم العلوي والأرواح العلوية لا يتسرّب إليه الشرك ولا الحرام ولا الشعوذة ولا البيع والشراء فيه بل هو من أمر الله تعالى وغاية الوليّ أنّك متى أكرمته أو أحببته أكرمك الله واحبّك وقضى حاجتك ببركة ذلك الوليّ لأنّهم القوم لا يشقى بهم جليسهم والله يكرم من يكرم أحبابه ويحبّ من يحبّ أولياءه وقد قال تعالى في الحديث القدسي : ( وجبت محبّتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ )
هذا وإن الله تعالى يحبّ المحسنين ويحبّ من يقضي حاجة أخيه سواء أكانت دنيوية أم معنوية ( والله في عون العبد ما كان العون في عون أخيه ) فمن هذا الباب أحكم الأولياء التقوى وفتحوا باب القربى فمن كان له مال واسى إخوانه فأعطى المعدوم وكفل اليتيم وجاد على المسكين , ومن كان له أيّة منحة إلهية أو خصوصيّة أنفق منها فعاون الفقير ونصر الضعيف وأقام العدل حسب الإمكان والقدرة
ثمّ إنّ علوم الأخيار من الخصوصيات لقضاء الحاجات هي منحة ربّانية على خلقه كما فعل الخضر عليه السلام نصرة للحقّ ومعاونة الضعيف فهي من الرحمة الإلهية وهؤلاء القوم هم أهل الرحمة فتشاهد مظاهر الرحمة في حركاتهم وسكناتهم وما نشأ الصوفية إلا رحمة للخلق ( والراحمون يرحمهم الرحمان ) ( إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )
( محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم ) ويكفي أنّه عليه الصلاة والسلام قال ( إنما أنا رحمة مهداة )
وقال تعالى ذاكر هذه الحقيقة التامّة ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
وبالله التوفيق
فكان الجواب والله أعلم ورسوله :
العالم العلوي :
فإسمه يدلّ على مسمّاه وهي كلّ روح مؤمنة بالله تعالى مستقيمة لا تفعل الحرام بشكل من الأشكال بل تحاربه وتكون عدّوه
ثمّ إنّ المؤمنين متى أرادوا أن يستعينوا في قضاء حوائجهم بجند النور فإنّهم يتوجّهون إلى الله تعالى في قضاء حوائجهم العامّة والخاصّة فيمدّه سبحانه بجنود لم يروها ( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فقد يغيثك بلا سبب تراه أو تشعر به (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) لأنّ الله تعالى أمره بين الكاف والنّون , وقد يمدّك بسبب من الأسباب فإن جند الله يصرفهم في خدمة المؤمنين كما صرف الخضر في خدمة المساكين والأيتام والعجّز بأمر الله تعالى وبقوّته سبحانه وكذلك فقد أعطى سبحانه للمخلصين من عباده أسرارا وأنوارا يصرفونها متى شاء الله تعالى في أوجه الخير لأمره إياهم بفعل الخير ظاهرا وباطنا ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) وهم يختلفون في هذا على قدر تحقّق عجزهم لأنّه من تحقّق بالعجز ظاهرا وباطنا أمدّه الله بقوّته وكلّ هذا يدخل في ما أكرمهم به من كرامات كصاحب سليمان الذي أتى بعرش بلقيس في طرفة العين لأنّ الله تعالى أمدّه بأسرار قوّته سبحانه والمؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف ظاهرا وباطنا كطالوت الملك ( وزاده بسطة في العلم والجسم ) من حضرة المزيد ( وعندنا مزيد ) ومن هنا تصرّف الأولياء بقوّة الله تعالى لدفع الشرّ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي ... فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه ) فهذه قوّة خارقة وإلا من يحسن أن يربط عفريتا من الجنّ والله تعالى يقول في قوّة الجنّ : ( وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً ) أنظر قوله كأنّها جان ومقدرة العفاريت بلغت مبلغا لا يستهان به قال تعالى ( قال عفريت من الجن انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين ) فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يربط ذلك العفريت من الجنّ ويظهره بصورته حتى يراه الناس فهذا وغيره من قوّة الله تعالى التي جعلها لكلّ من يطيعه خالصا مخلصا وقد قال عليه الصلاة والسلام في هذا الفضل الإلهي ذاكرا الدجّال وفتنته : ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ) لأنّها سنحتمي برسول الله لذا قال : ( فأنا حجيجه دونكم ) فيتولّى بنفسه صلى الله عليه وسلّم مبارزته فما ذكر عيسى عليه السلام هنا ولا المهدي لتعلم من هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم
فهذه القوّة الربانية ليست مكتسبة بل هي موهوبة من عند الله لعباده المخلصين الذين قال فيهم ( يريدون وجهه ) فتحقّقوا بحقائق التوحيد فكانت قوّتهم بالله تعالى ( وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ) وقوله تعالى في الحديث القدسي : ( ...وكنت يده التي يبطش بها والبطش هو التصرّف ) لذا قال ولئن سألني لأعطينّه بالتوكيدين اللام والنون ولإن إستعاذني لأعيذنّه بنفس الحقيقة والجملة لتعلم حفظ الله تعالى لعباده الصالحين قال شيخنا سيدي فتحي السلامي القيرواني رضي الله عنه : لمّا آذنني شيخي بالتسليك والإرشاد دعا لي بدعوات منها : ( حفظك الله بما حفظ به عباده الصالحين ) وكما قيل المأذون مأمون ( ومن يتّق الله يجعل له مخرجا ) قال تعالى في قتال المؤمنين للكفار وأعوانهم من العالم السفلي : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) فالقوّة التي هي العذاب من الله وما العبد إلا آلة عاجزة يعطيها الله تعالى من قوّته ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ )
فليس للعبد في الحقيقة والشريعة قوّة مستقلّة عن قوّة الله فكلّ من نسب النفع والضرّ لغير الله إستقلالا فهو مشرك شركا أكبر مخرجا من الملّة وغاية الأمر أنّ الله تعالى قد يرزق بعض عباده في بعض الأوقات بعض الكرامات وليس في كلّ الأوقات وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بعض الأحيان يشبع صحابته كلّهم من صاع شعير وفي بعض الأحيان يشدّ بطنه من الجوع لأنّ الأمر في كلّ ذلك إلى الله تعالى فكلّ من يدّعي المقدرة والنفع والضرّ فأحذره فهو شيطان لأنّ الذي يدّعي المقدرة هي الأرواح السفلية أي الشيطان لذاك قال ( لأغوينّهم أجمعين ) وكأنّه الفاعل المختار وقال : (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ) فنسب إلى نفسه الإتيان والقوّة والفعل والغواية والضلالة فهذه أقوال من هم على قدم إبليس فهذا الذي يتألّى على الله تعالى فيوهم الخلق بأنّه يفعل ويستطيع والله تعالى يقول : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) فقال الجنّ والإنس بأل التعريف إستغراقا للجنس فيدخل كلّ أحد من العباد ولو كانوا أنبياءا ورسلا فالعبد الصادق لا يدّعي نفعا ولا ضرّا قطعا وهو جازم في ذلك بعقيدة راسخة لا تتبدّل ولا تتحوّل وإلا سلب وطرد ولعن فإدعى مثل إبليس ما لا يجوز له وما العبد إلا عبد ضعيف فقير لا يقدر على شيء إلا بإذن الله متى شاء وأراد فلم يبق سبيل أمام الخلق بإسرهم غير الدعاء الذي هو مخّ العبادة وقد قال : ( أدعوني أستجب لكم ) فما ترك لك حجّة غير حجّة الدعاء فهذا الأصل وهذا لا ينفي التوسّل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته وبدعاء الصالح من نبيّ ووليّ وبجاههم وأسرارهم ومحابهم لله تعالى فهذا لا ينافي الدعاء بل هو وسيلة للإسراع في الإستجابة لا على ما يقوله الوهابيون في ذلك فإن التفصيل عندههم معدوم وترتيب المراتب مفقود وليس لهم حظّ في علوم الحقيقة .
فعلوم القوم إنّما منحت لهم لتقرّبهم من الله تعالى ( وإتقوا الله ويعلّمكم الله ) ومن جملة العلوم علوم أسرار أسماء الله تعالى فهذا علم نوراني وهو من أسرار الله تعالى لا يعطاه إلإ أمين ولا يجوز صرفه لغير أمين شهدت العدول بأمانته فمن خالفه سلبه في الوقت كما حكى سيدي عبد العزيز الدبّاغ رضي الله عنه كما في الإبريز عن ذلك الولي الذي سلبه أحد الأولياء ما كان معه من التصريف لمّا تصرّف في سفينة الكفّار فأحرقها وإشتعلت فيها النيران من غير سبب ظاهر , فعوقب في ذلك لأنّه لا يجوز وإلاّ فهذا جبريل قادر على قلب الأرض بأسرها وقتل الكفّار جميعهم في لحظة بما آتاه الله من قوّة لكن تصريفه عليه السلام لا يكون إلا بإذن الله تعالى وكذلك لكلّ من له سرّ مع الله تعالى لأنّ السرّ هو أمانة لا يجوز إظهارها ولا التصرّف فيها إلا بإذن صاحبها لذا ترك جملة هائلة من الأولياء مقام التصريف وقالوا : ( تركنا الله تعالى يتصرّف لنا ) وسنكتب إن شاء الله تعالى بسطة في ذكر تفاصيل هذا متى سنحت الفرصة
ثمّ إنّ العبد إنّما أكرمه الله تعالى بتلك الكرامات نتيجة تقواه ومحبّته لله ولرسوله وللمؤمنين ولم ينلها بعلم عنده كما قال قارون ناسبا لنفسه الغنى وحيلة إكتساب المال قال تعالى : ( قال إنما أوتيته على علم عندي ) فهذا الفرق بين الأولياء وبين غيرهم
فالوليّ أضعف ما يكون وأعجز ما يكون وأفقر ما يكون إلا أنّهم يلتجئون في هذا متى مسّهم الضرّ إلى الله تعالى ( رب اني قد مسني الضر وانت ارحم الراحمين )
قال تعالى في أهل بدر ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ )
لأنّ العبد متى أحسّ بعجزه وفقره وضعفه إستلزمه ذلك التوجّه إلى الله تعالى بإخلاص وصدق وتبتّل وتمريغ الوجه في التراب فإن إستجابة الله تعالى أقرب للإنسان من حبل الوريد وهو الفعّال لما يريد : ( فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) (والله يجيب دعوة الداعي إذا دعان )
فهذا العالم العلوي والأرواح العلوية لا يتسرّب إليه الشرك ولا الحرام ولا الشعوذة ولا البيع والشراء فيه بل هو من أمر الله تعالى وغاية الوليّ أنّك متى أكرمته أو أحببته أكرمك الله واحبّك وقضى حاجتك ببركة ذلك الوليّ لأنّهم القوم لا يشقى بهم جليسهم والله يكرم من يكرم أحبابه ويحبّ من يحبّ أولياءه وقد قال تعالى في الحديث القدسي : ( وجبت محبّتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ )
هذا وإن الله تعالى يحبّ المحسنين ويحبّ من يقضي حاجة أخيه سواء أكانت دنيوية أم معنوية ( والله في عون العبد ما كان العون في عون أخيه ) فمن هذا الباب أحكم الأولياء التقوى وفتحوا باب القربى فمن كان له مال واسى إخوانه فأعطى المعدوم وكفل اليتيم وجاد على المسكين , ومن كان له أيّة منحة إلهية أو خصوصيّة أنفق منها فعاون الفقير ونصر الضعيف وأقام العدل حسب الإمكان والقدرة
ثمّ إنّ علوم الأخيار من الخصوصيات لقضاء الحاجات هي منحة ربّانية على خلقه كما فعل الخضر عليه السلام نصرة للحقّ ومعاونة الضعيف فهي من الرحمة الإلهية وهؤلاء القوم هم أهل الرحمة فتشاهد مظاهر الرحمة في حركاتهم وسكناتهم وما نشأ الصوفية إلا رحمة للخلق ( والراحمون يرحمهم الرحمان ) ( إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )
( محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم ) ويكفي أنّه عليه الصلاة والسلام قال ( إنما أنا رحمة مهداة )
وقال تعالى ذاكر هذه الحقيقة التامّة ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
وبالله التوفيق
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
مواضيع مماثلة
» أسئلة تخص المعترضين على التصوف
» المسك والعطور في أسئلة سيدي فارس النور
» من أسئلة الدكتور سيدي إلياس بلكا حول فهم النص القرآني
» المقدم المبرور سيدي عمار العزابي في ذمة الله
» من أسئلة الأستاذ سيدي محمد حراز المغربي حفظه الله تعالى
» المسك والعطور في أسئلة سيدي فارس النور
» من أسئلة الدكتور سيدي إلياس بلكا حول فهم النص القرآني
» المقدم المبرور سيدي عمار العزابي في ذمة الله
» من أسئلة الأستاذ سيدي محمد حراز المغربي حفظه الله تعالى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 14:18 من طرف ابن الطريقة
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
السبت 23 نوفمبر 2024 - 13:27 من طرف الطالب
» شيخ التربية
السبت 23 نوفمبر 2024 - 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس