بحـث
المواضيع الأخيرة
منتدى
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل. "
قال أحمد الخرّاز: " صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف، قالوا: لماذا، قال: لأني كنت معهم على نفسي"
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
+4
محسوب
محمد
أبو أويس
علي
8 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
بسم الله الرحمان الرحيم
هذه بعض خواطري في هذه الرسالة العظيمة :
كتب سيدي محمد المداني رضي الله عنه لتلميذه سيدي اسماعيل الهادفي رضي الله عنه في رسالته الجامعة ما نصّه :
( بسم الله الرحمان الرحيم
العلامة المبرور والصديق الصادق المشكور الصوفي الكامل سيدي الشيخ إسماعيل بن عثمان الهادفي نفع الله بكم العباد والبلاد والسلام عليكم وعلى جميع أهل نسبة الله ورحمة الله والبركة )
هذه رسالة من شيخ إلى شيخ وليست رسالة شيخ إلى تلميذ كما هو ظاهر في مقدّمتها
( العلاّمة المبرور ) فهي رسالة في مقامها الأوّل إلى عالم فذكره بصفته العلمية حتّى أضحى كوصف له ( علاّمة ) مبالغة في العلم دلالة على الكرع منه ورسوخ القدم فيه , وهذا لا يخفى متى علمنا أنّ أستاذنا عالم من علماء الزيتونة الكبار ما عرفت حياته غير العلم والتعليم منذ أن كان صبيّا بعد أن أتمّ حفظه للقرآن العظيم على يد أخيه سيدي الطالب أحمد وقد ذكر مولانا الأستاذ رضي الله عنه في سيرته الذاتية التي سأله عنها سيدي منوّر المداني حفظه الله نجل شيخه سيدي محمد المداني رضي الله عنه وهي محرّرة صوتا وصورة وقد كتبها بعض المريدين نصّا من لفظ الأستاذ في تلك المقابلة التي جمعته بنجل شيخه رضي الله عنه وفيها ذكر لرحلة مولانا الأستاذ العلمية في مختلف مراحلها من الإبتدائي إلى الثانوي إلى التعليم العالي الأكاديمي الشرعي حتّى أجيز فيه من مشائخه في مختلف فنونه وأهمّها ستّة علوم :
-علم التفسير : وتوابعه كحفظ القرآن منذ الصغر وعلوم القرآن كأسباب النزول ومعرفة قراءاته تجويدا وترتيلا ومعرفة آدابه وعلوم الآلة فيه كإعراب وغريب لفظ ومعرفة ترتيبه وأوجه الخاص والعام والناسخ والمنسوخ والقيّد والمطلق والحقيقة الكليّة وألفاظ المجاز ووجوه الإعجاز , مع تفاسير العلماء بالمعقول والمنقول كابن كثير والمأثور كالسيوطي عبارة ثمّ كالقشيري إشارة ...إلخ
-علم الحديث : بوجهيه الرواية كأقوال وأفعال وتقرير ووصف , ودراية كحال رواة وإسناد من صحّة وإعلال , وأسباب ورود , مع تفسيرها كتفسير النووي على مسلم أو فتح الباري على البخاري ...إلخ
-علم العقيدة : تقريرا وبرهانا مجال النظر وهو مبحث العقول وأحكامها من وجوب واستحالة وجواز , ومنقول بدليله من الكتاب والسنّة وقد ذكر لي أحد الفقراء أنّ أستاذنا نال في ذلك غاية لا تدرك وتبحّر في شرح الجوهرة والأصول في مختلف مراحل التعليم
-علم أصول الفقه : مناط إستخراج الأصول الكلية من أدلّتها , وهو في تعريف العلماء : معرفة الأصول العلمية العملية المكتسبة من أدلّتها التفصيلية وهو المدخل لفهم باب الفقه عند الترجيح والإجتهاد , كما أنّ لسيدي محمد المداني كتاب في الفقه تناول مباحث المذاهب الأربعة في الأحكام والفروع
-علم الفقه : وهو معروف بما أنّ أستاذنا مالكي المذهب رضي الله عنهم جميعا فله في ذلك متن ابن عاشر ومختصر خليل ومدوّنه سحنون .. وتوابع ذلك عند التوسّع في دراسة الفقه ...
-علم الآداب والأخلاق والسلوك : وهذا ما كان من كتب الغزالي كالإحياء وكقوت القلوب وجميع أحاديث الرقائق ...إلخ
ثمّ ما يتبع ذلك من علوم الآلة وعلوم إسلامية أخرى وإنّما ذكرنا عيون الفنون الشرعية وإلاّ فنعلم أنّ شيخنا نال حظّا عظيما في مختلف العلوم كمنطق وحساب ...إلخ فعلوم العربية كنحو وصرف وبلاغة كحقيقة ومجاز أو استعارة وكناية , وغرائب اللغة وهكذا ...
فبهذه وغيرها كثيرا يستقيم أن نطلق على صاحبها متى تمكّن فيها ورسخ قدمه فيها حتّى أكملها وأنهاها وعرف حقيقة مستواها لقب العلاّمة ( المبرور ) إشارة إلى توفيق الله له بالعمل بما علمه تطبيقا وتعليما لغيره وهكذا كلّ من كان علاّمة مبرورا
يتبع ....
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
نعمَ ما شرعت فيه أخي علي
فوالله إن هذا لمن الخدمات الجليلة للطريق
وللعلم أن سيدنا الشيخ إسماعيل الهادفي رحمه الله له أرجوزة في علم الجغرافيا تكلم عنها ولكن لم يسعفنا الحظ للإطلاع عليها...
واصل مشكورا أخي فهذه الأعمال تدوّن لفترة مباركة لعلّ الله ينفع بها أجيالا ويكون لكم عنها أجرا عظيما...
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
بسم الله الرحمن الرحيم..علي كتب:
بسم الله الرحمان الرحيم
هذه بعض خواطري في هذه الرسالة العظيمة :
كتب سيدي محمد المداني رضي الله عنه لتلميذه سيدي اسماعيل الهادفي رضي الله عنه في رسالته الجامعة ما نصّه :
( بسم الله الرحمان الرحيم
العلامة المبرور والصديق الصادق المشكور الصوفي الكامل سيدي الشيخ إسماعيل بن عثمان الهادفي نفع الله بكم العباد والبلاد والسلام عليكم وعلى جميع أهل نسبة الله ورحمة الله والبركة )
هذه رسالة من شيخ إلى شيخ وليست رسالة شيخ إلى تلميذ كما هو ظاهر في مقدّمتها
( العلاّمة المبرور ) فهي رسالة في مقامها الأوّل إلى عالم فذكره بصفته العلمية حتّى أضحى كوصف له ( علاّمة ) مبالغة في العلم دلالة على الكرع منه ورسوخ القدم فيه , وهذا لا يخفى متى علمنا أنّ أستاذنا عالم من علماء الزيتونة الكبار ما عرفت حياته غير العلم والتعليم منذ أن كان صبيّا بعد أن أتمّ حفظه للقرآن العظيم على يد أخيه سيدي الطالب أحمد وقد ذكر مولانا الأستاذ رضي الله عنه في سيرته الذاتية التي سأله عنها سيدي منوّر المداني حفظه الله نجل شيخه سيدي محمد المداني رضي الله عنه وهي محرّرة صوتا وصورة وقد كتبها بعض المريدين نصّا من لفظ الأستاذ في تلك المقابلة التي جمعته بنجل شيخه رضي الله عنه وفيها ذكر لرحلة مولانا الأستاذ العلمية في مختلف مراحلها من الإبتدائي إلى الثانوي إلى التعليم العالي الأكاديمي الشرعي حتّى أجيز فيه من مشائخه في مختلف فنونه وأهمّها ستّة علوم :
-علم التفسير : وتوابعه كحفظ القرآن منذ الصغر وعلوم القرآن كأسباب النزول ومعرفة قراءاته تجويدا وترتيلا ومعرفة آدابه وعلوم الآلة فيه كإعراب وغريب لفظ ومعرفة ترتيبه وأوجه الخاص والعام والناسخ والمنسوخ والقيّد والمطلق والحقيقة الكليّة وألفاظ المجاز ووجوه الإعجاز , مع تفاسير العلماء بالمعقول والمنقول كابن كثير والمأثور كالسيوطي عبارة ثمّ كالقشيري إشارة ...إلخ
-علم الحديث : بوجهيه الرواية كأقوال وأفعال وتقرير ووصف , ودراية كحال رواة وإسناد من صحّة وإعلال , وأسباب ورود , مع تفسيرها كتفسير النووي على مسلم أو فتح الباري على البخاري ...إلخ
-علم العقيدة : تقريرا وبرهانا مجال النظر وهو مبحث العقول وأحكامها من وجوب واستحالة وجواز , ومنقول بدليله من الكتاب والسنّة وقد ذكر لي أحد الفقراء أنّ أستاذنا نال في ذلك غاية لا تدرك وتبحّر في شرح الجوهرة والأصول في مختلف مراحل التعليم
-علم أصول الفقه : مناط إستخراج الأصول الكلية من أدلّتها , وهو في تعريف العلماء : معرفة الأصول العلمية العملية المكتسبة من أدلّتها التفصيلية وهو المدخل لفهم باب الفقه عند الترجيح والإجتهاد , كما أنّ لسيدي محمد المداني كتاب في الفقه تناول مباحث المذاهب الأربعة في الأحكام والفروع
-علم الفقه : وهو معروف بما أنّ أستاذنا مالكي المذهب رضي الله عنهم جميعا فله في ذلك متن ابن عاشر ومختصر خليل ومدوّنه سحنون .. وتوابع ذلك عند التوسّع في دراسة الفقه ...
-علم الآداب والأخلاق والسلوك : وهذا ما كان من كتب الغزالي كالإحياء وكقوت القلوب وجميع أحاديث الرقائق ...إلخ
ثمّ ما يتبع ذلك من علوم الآلة وعلوم إسلامية أخرى وإنّما ذكرنا عيون الفنون الشرعية وإلاّ فنعلم أنّ شيخنا نال حظّا عظيما في مختلف العلوم كمنطق وحساب ...إلخ فعلوم العربية كنحو وصرف وبلاغة كحقيقة ومجاز أو استعارة وكناية , وغرائب اللغة وهكذا ...
فبهذه وغيرها كثيرا يستقيم أن نطلق على صاحبها متى تمكّن فيها ورسخ قدمه فيها حتّى أكملها وأنهاها وعرف حقيقة مستواها لقب العلاّمة ( المبرور ) إشارة إلى توفيق الله له بالعمل بما علمه تطبيقا وتعليما لغيره وهكذا كلّ من كان علاّمة مبرورا
يتبع ....
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ... البقرة-
نعم سيدي علي 'الله يبارك لك' هذا بعض وصف للشيخ الذي انتهى من تهذيب نفسه و تصدر بالله لتهذيب من سبقت لهم العناية ان يكونوا من اتباعه .. فمن كان له هذا الوصف مع الاذون اللازمة فبخ له وكل مريد اسماعيلي يبايعه و يؤازره- والا فاليلزم -هذا المدعي-قدره و'يسكن في ببوشته'- والعجيب ان من الذين 'تمشيخوا' لا يحفظون من القران الا اللمم وأتحدى كبيرهم ان يقرأ فاتحة الكتاب كما يجب من غير اخطاء 'نطقية' ربي ينير السبيل لاهله ويراجع بمن ضل للطريق المستقيم وينزع حب الدنيا من قلبه 'لامحالة الزويرة تشجع على الادعاء' والسلام على اهل السلام
محمد- عدد الرسائل : 656
العمر : 60
المزاج : إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها ففـــــــي وجـه مـن تـهـوى جـمـيـع الـمـحـاســـــــــن
تاريخ التسجيل : 10/02/2009
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( والصديق الصادق المشكور الصوفي الكامل )
بعد أن أثبت الشيخ المداني رضي الله عنه لمريده سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه صفته الظاهرة الشرعية في مرتبة العلم الثابت الذي هو أساس ما يجيء بعده إذ لا حقيقة من غير شريعة في مقام الدعوة والإرشاد لقول الجنيد رضي الله عنه ( من لم يحفظ كتاب الله ويكتب حديث رسول الله لا يقتدى به في طريق القوم ) فهو صريح في بابه إذ أنّ الجنيد رضي الله عنه إمام الصوفية كما قال ابن عاشر ( في عقد الأشعري وفقه مالك --- وفي طريقة الجنيد السالك ) فإذا قيل : إمام الصوفية فيراد به الجنيد رضي الله عنه وإذا قيل إمام الشاذلية فيقصد به سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه , وإذا قيل حكيم الصوفية فينطلق على سيدي ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه , فطريقتنا جنيدية في الأصول بالأساس مشربها شاذلي في الأحوال ومقياسها عطائي في السير والسلوك ... رضي الله عن القوم جميعهم , تعدّى إلى ذكر صفاته الباطنة الروحية فعيّن صفة حاله ومقامه بقوله ( الصدّيق ) أعلى مرتبة في طريق الصالحين إذ أنّ مرتبة الصدّيقية لا يتجاوزها غير مرتبة النبوّة المصونة العالية لقوله تعالى ( فأولائك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّئين والصدّيقين ... الآية ) وكذلك أنّ أقرب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأوّلهم له خدمة وخلافة هو أبو بكر ( الصدّيق ) رضي الله عنه لتعلم أنّ تلك المرتبة أقرب المراتب لمقام النبوّة , فلمّا عيّن مرتبته في عالم المقامات , ذكر مرتبته في عالم الأحوال فقال ( الصادق ) إذ لا صدّيقية من غير صدق فلا مقام من غير حال إذ بكمالهما ينال الفقير العبودية في مقام الشكر , وإنّما قال ( المشكور ) لغيبته عمّا سوى المذكور أي على لسان الحضرة إذ أنّ كلّ من كان في هذا المقام كان بقاؤه بالله تعالى كقوله تعالى ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) فلمّا جمع العلم مع العمل والعمل مع الحال والحال مع المقام أضحى مشكورا في الملأ الأعلى ومقبولا في عالم الخلافة فهذا دليل الكمال الظاهر والباطن لذا قال ( الصوفي الكامل ) من غير وجود واو العطف فليس هذا الوصف معطوفا على ما قبله بل وصفا جامعا لما تقدّم فكأنّه يشير إلى حقيقة صفات الصوفي الكامل , التي هي : كمال العلم الظاهر وكمال السلوك الباطن مع الرسوخ في مقاماتها من حيث الصدّيقية والصدق ومقام الشكر فهو ثابت القدم في حضرة القدم , ثمّ بناء على ما تقدّم عرّف بصاحب هذه المرتبة فأشار إليه تصريحا في قوله :
( سيدي الشيخ إسماعيل بن عثمان الهادفي ) أدبا مع المقامات فكأنّه يشير إلى إستقلالية هذا الشيخ بعد كماله فوصف حضرته ومدح منزلته لما يستوجبه المقام في هذه المرتبة من الآداب نصحه بما يمليه على قلمه واجب الخطاب من الوصية الواجبة في الدين والنصيحة بعد التمكين التي أمرنا الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلّم فلا زال القوم يتناصحون ويتواصون فهي وراثة محمّدية فقد أوصى عليه الصلاة والسلام قبل انتقاله , وكما أوصى سيّدنا إبراهيم ويعقوب بنيه , فهي سنّة محمّدية إبراهيمية لازم الإمامة
ثمّ قال : ( نفع الله بكم العباد والبلاد ) إشارة تصريح بالإمامة , وتلميح بالتقدّم بعد تمام الإستقامة , فما أن عرّف بصاحب هذه المنازل وذكر مناقب صاحب هذه المراتب حتّى حمّله أمانة لزوم التقدّم لنصح الخليقة , فدلّه على مستوجبات تلك المرتبة العالية , ومستحقّات حقوق شكر تلك النعمة , فما من كامل إلاّ فرض عليه الأمر فرضا كقوله للنبيّ عليه الصلاة والسلام ( إقرأ ) فقال ما أنا بقارئ فأعيد عليه الخطاب حتّى أجاب بغاية الجواب , فإنّ حمل الأمانة عسير يهابه كبار الكاملين ويشفق منه رجال التمكين , لذا ناداه بالرجاء , في قالب الدعاء , إذ أنّ دعاء العارفين مستجاب , فدفعه إلى الأمام بالتثبيت والدعاء , كي يسمع منه بعد ذلك ما يتلوه قلم الإملاء , في عالم البقاء , فاستفتح الخطاب , بعد أن أماط تصريحا الحجاب بقوله :
(والسلام عليكم وعلى جميع أهل نسبة الله ورحمة الله والبركة )
عدل سابقا من قبل علي في الجمعة 26 نوفمبر 2010 - 7:12 عدل 2 مرات
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
جزاكما الله خيرا سيدي أبا أويس وسيدي محمد على مروركما الكريم وعلى التشجيع نفعنا الله بكم ساداتنا
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
كلام من القلب الى القلب
ما أجمل حديثكم سيدي علي والله ما قرأته إلا وازددت ارتياحاً
له نفحة إذن تجرّه الى القلوب .
حفظكم الله
ما أجمل حديثكم سيدي علي والله ما قرأته إلا وازددت ارتياحاً
له نفحة إذن تجرّه الى القلوب .
حفظكم الله
محسوب- عدد الرسائل : 25
العمر : 50
تاريخ التسجيل : 27/09/2010
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
وهو كذلك سيدي فبارك الله في سيدي علي وما يخطه قلمه نابعا من قلبهأبو أويس كتب:
نعمَ ما شرعت فيه أخي علي
فوالله إن هذا لمن الخدمات الجليلة للطريق
واصل مشكورا أخي فهذه الأعمال تدوّن لفترة مباركة
لعلّ الله ينفع بها أجيالا ويكون لكم عنها أجرا عظيما...
فجزاه الله عنا كل خير
منصور- مساعد مشرف عام
- عدد الرسائل : 188
العمر : 56
تاريخ التسجيل : 02/12/2009
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( أما بعد : فقد تشرفنا بكتابكم الكريم المنبئ عن كامل المحبة والوداد )
بعد أن ذكر الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه في مقدّمته ما استوجب من التعريف بهذا الإمام الذي هو تلميذه ومريده بما أعطاه نظره فيه بما أنّه سلك ووصل على يديه فما أوكدها من شهادة وما أبلغها من حجّة , أراد أن يؤكّد كلامه بما يعطيه الشاهد من حال تلميذه حتّى يتقابل القولان فكأنّ حالهما متّحدان لأنّ الشهادة لا تكون شهادة إلاّ متى توافق الظاهر فيها مع الباطن فيشهد عليك بدليل منك كقوله تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلّم ( وإنّك لعلى خلق عظيم ) لازم حالك , فقال له ( فقد تشرّفنا بكتابكم الكريم ) الظاهر لفظا والباطن معنى وإنّما عبّر بالكتاب عوضا عن الرسالة أو المكتوب لما في معنى الكتاب من الكمال الظاهر والباطن ولما فيه من معنى خبر الصدق الكامل ( المنبئ ) من سماء الروح وملكوت القلب ( عن كامل المحبّة والوداد ) مستلزمات حضرة الكمال فيما يفرضه الوصال بالجمال , وإنّما حكم بكمال محبّته ووداده لما يجده في قلبه منها أيضا إذ أنّ المتحابّان يوشك أن يقول أحدهما لصاحبه ( أنا من أهوى ومن أهوى أنا ) والمؤمن كما ورد مرآة أخيه فتطابقت الحقيقتان فكأنّهما حقيقة واحدة فكذلك تعطي هذه الرسالة دليل كمال المحبّة والوداد من الشيخ لمريده فيا طوبى لها من محبّة كاملة ووداد شامل , فهكذا الكتاب وإلاّ فلا , ما يليق بالشيوخ , فعبّر بالوداد مقرونا بعد المحبّة لما تعطيه المرتبتان : مرتبة المحبّة الكاملة الواجبة في حق الشيوخ , ومرتبة كمال الوداد حتّى لا يستهلك فيها رغم كمالها فتلهيه عمّا يراد به حقيقة وهذا ما بلغنا عن مولانا الأستاذ رضي الله عنه أنّه لمّا بلغه إنتقال شيخه سيدي محمد المداني رضي الله عنه إلى الرفيق الأعلى دعا الله تعالى أن يلحقه به لأنّه لا يتوقّع العيش بدونه فمن يستطيع ذلك رغم أنّه الإمام من بعده فأنّى يستجاب له , وهذا أمر تواتر كثيرا عن الصحابة حينما إنتقل رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى حتّى ذهل من ذهل منهم إلى درجة أن أخذ سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه سيفه ونادى في القوم : من يقول أنّ محمّدا قد مات ضربت عنقه , لذا قال سيّدنا بلال عند النزع : وا طرباه غدا ألقى الأحبّة محمّد وصحبه , فهذا تثبيت التمكين من الشيخ المداني رضي الله عنه لمريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه وتخفيف منه عليه وفي نفس الوقت يحكي حاله رضي الله عنه لمريده فكأنّه يقول : ألا ينبئك هذا يا إسماعيل على كمال محبّتي وودادي لك , فإذا كان ذلك كتابك فهذا كتابي ( هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان )
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
أشكر أخويّ الحبيبين سيدي محسوب وسيدي منصور على مرورهما الكريم الذي أسعدني , فقد فرحت بنوال ما أكتب إعجابكم ساداتنا جزاكم الله كلّ خير
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( ورسوخ القدم فيما يرضي الله ورسوله من التذكير والإرشاد وذلك هو الأمر الذي خلقنا من أجله وأسست طريق الصوفية عليه جارية مجرى ما أمر الله به ونهى عنه )
كذلك أنبأ ذلك الكتاب الكريم عن رسوخ قدم مولانا الأستاذ رضي الله عنه فيما يرضي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بشهادة شيخه رضي الله عنه له , فرسوخ القدم ليس بالأمر السهل إذ كم تزلّ أقدام بعد ثبوتها , فأخبر عن حقيقة نيّته فمتعلّق الرسوخ رضا الله ورسوله الذي أفرح أستاذه به فرضي شيخه برضا الله ورسوله عنه , فحكى علامات مفرحة ودلائل صادقة على رسوخ تلك القدم فيما يرضي الله ورسوله فتناول بالخصوص ذكر ما أنيط به من لزوم التذكير والإرشاد لأنّ هذا الأمر تعيّن عليه فلو تركه ما رسخت قدمه , فلو جانبه ما صحّ له رسوخ قدم فيما يرضي الله ورسوله كما قال تعالى لسيّدنا موسى عليه السلام (قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) فقوله تعالى ( وكن من الشاكرين ) أي بما اصطفيتك به من الرسالة والكلام فلا بدّ أن تقوم بهما أحسن قيام كما قال تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته ) فإنّ العلماء ورثة الأنبياء لقوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) وهكذا هي أحوال المأذونين والمشائخ المرشدين , لذا أكّده له بقوله ( وذلك هو الامر الذي خلقنا من أجله ) لأنّ كلّ ميسّر لما خلق له , فمقامك حيث أقامك , ثمّ بيّنه بقوله ( وأسّست طريق الصوفية عليه ) لئلاّ يتوهّم أنّه نال ما ناله واكتفى كما قال تعالى لسيّد الوجود عليه الصلاة والسلام ( يا أيّها المدثّر قم فأنذر ) إذ أنّهم خلفاؤه عليه الصلاة والسلام كما قال أستاذنا رضي الله عنه في مرآة الذاكرين واصفا مقام شيخه ( من مننت عليه بالجلوس على كرسيّ الخلافة المحمّدية ) فهذا الذي تشدّ الرحال إليه لنوال الكمال وذوق لذّات الوصال , فإنّه لو لا هؤلاء المذكّرين والعلماء المرشدين ما صحّ دين ولا طريق فهذا الأصل الذي أسّست طريق الصوفية عليه , فهو عين توفية حقوق الشكر في الأمر والنهي لذا قال ( جارية مجرى ما أمر الله به ونهى عنه ) إذ أنّ طريق الصوفية ما أسّست إلاّ على ما أمر الله تعالى به ونهى عنه ظاهرا وباطنا , فكلّ ما خالف الأمر والنهي فما أسّست طريق الصوفية عليه إشارة إلى إحكام الشريعة والتحقّق في السير بحسب منهاج الطريقة لقوله تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون ) ...
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
بارك الله فيك سيدي علي و نور الله بصيرتك
بالنسبة لسيدي محمد بارك الله فيك أيضا و يرجى تغيير كلمة اللمم في مداخلتك إلى كلمة القليل حيث لا يوجد لمم في القرآن الكريم
بالنسبة لسيدي محمد بارك الله فيك أيضا و يرجى تغيير كلمة اللمم في مداخلتك إلى كلمة القليل حيث لا يوجد لمم في القرآن الكريم
عبد الفتاح- عدد الرسائل : 3
العمر : 63
تاريخ التسجيل : 03/11/2010
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك فكن بارك الله فيكم راسخ القَدم في حضرة القدم ولو كان المدبرون أضعاف المقبلين فلا يضركم كيدهم شيئا، )
بدأ هنا الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه موعظته البليغة لمريده سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه مجرى ما جرى عليه لقمان الحكيم مع ابنه كما قال تعالى (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ) فكانت العلاقة التي تربطه به هي علاقة أبوّة لما في معنى الأبوّة من الحنان والطاعة والوراثة فأشار إليه أن قد قرب الرحيل يا إسماعيل فأنت خليفتي في طريقتي ف ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ) كما قال تعالى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) وكما قال جبريل للنبيّ عليه الصلاة والسلام ليلة عرج به ( يا محمد تقدّم ) لما ينتظره هناك من مهمّات إقامة الصلاة دليل إمامة الحضرة حيث فرضت الصلاة ( يا بنيّ أقم الصلاة ) الحقيقية حتّى يأتي إليك المصلّون ويتسارع إلى آذانك السامعون (وأمر بالمعروف ) حتّى تقرّبهم إليه ( وانه عن المنكر ) كي لا يقطعهم قاطع بين يديه , لقوله تعالى : (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) فلمّا علم جلالة هذه المرتبة وخطرها بحكم التجربة فتلك سنّة السابقين قال تعالى : ( وكلاّ نقصّ عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك وجاءك في هذه الحقّ وموعظة وذكرى للمؤمنين ) أوصاه بأن (فكن بارك الله فيكم راسخ القَدم في حضرة القدم ) لما في الدعوة والإرشاد والتبليغ من محن وفتن ومن صدود وكدر إذ تلك سنّة الله قد خلت فيمن قبلنا قال تعالى : (اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا ) وقال تعالى (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ) فإنّ من سنن الله في الأرض أن يكون حال الداعية المأذون من قبل الله ورسوله في بدايته الهجران والتنكير وكثرة الفتن فلا تقوم له قائمة حتّى تقوم عليه البلاد بجملتها وهذا ما وقع لمولانا الأستاذ رضي الله عنه حتّى أنّه أغلق زاويته أعواما عديدة وكما وقع لسيدي العربي الدرقاوي رضي الله عنه فما اتّبعه من إخوانه أحد فقاموا عليه قومة واحدة وأغلب مشائخ الطريق هكذا حالهم فإنّهم ورّاث الأنبياء فلا بدّ لهم من هذا غالبا إلاّ في حالات نادرة كحالة سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه فقد أجمع عليه إخوانه لكثرة صدقهم رغم أنّه قال رضي الله عنه ( لقد رأيت في الرؤيا سبحة شيخي معلقة في عنقي ) فهي إشارة أنّه يقوم بشؤون فقراء شيخه من بعده وقد ذكر أنّه رضي الله عنه قدّمه إخوانه للصلاة على سيدي محمّد البوزيدي رضي الله عنه فكانوا شبه مجمعين على تقدّمه عليهم حتّى كانت جميع رؤياهم ومبشّراتهم تصبّ في هذا الإتّجاه فهذه حالة نادرا ما تكون وليست هي الأصل , ففي قصص القرآن كقصّة موسى عليه السلام كاد أن يقتل بنو إسرائيل هارون عليه السلام في غياب موسى عليه السلام رغم أنّه أوصاه عليهم بحضورهم لكنّهم استضعفوه فاتّبعوا السامريّ , فهذه فراسة الشيخ سيدي محمّد المداني رضي الله عنه فكأنّه ألهم بما سيحصل لخليفته من بعده لذا فما رأينا تأكيدا وموعظة وتثبيتا بمثل هذه الرسالة وهذا ما تراه في قوله رضي الله عنه (ولو كان المدبرون أضعاف المقبلين فلا يضركم كيدهم شيئا ) لما في الطريق من أسرار فلا يفوز بها إلاّ من ثبت على صراط الدعوة والإرشاد لأنّ الحسد موجود كما وقع ليوسف عليه السلام مع إخوته ومع العالم من الناس إذ أنّ الفتنة تكون من المقرّبين ثمّ تكون من الآخرين فلو تولّى لسلب كما روي ذلك عن سيدي أبي العبّاس المرسي رضي الله عنه فإنّه قال ( ما جلست على سجّادة الإرشاد حتّى هدّدت بالسلب ) وهذا معلوم متى قرأنا في قصّة يونس عليه السلام كما قال تعالى (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) وإن كانت بعض هذه الآيات نازلة في أهل الكفر إلاّ أنه يسترشد بها على مثل هذا كما ورد ذلك عن بن عبّاس رضي الله عنه فإنّ الكيد موجود لذا ذكره سيدي محمد المداني رضي الله عنه بقوله ( فلا يضركم كيدهم شيئا ) أي المدبرين وفي هذا قصّة حدثت لمولانا الأستاذ رضي الله عنه يعلمها الكثير من الفقراء فقد بيّتوا له ومكروا به مكرا كبّارا حتّى أوصد بابه عليه بالمسامير , ولكن يوشك أن يقولوا (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ) فيقول (قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) لما في سجية الإخوان من المحبّة والوئام والصفاء ...
هذا وأرجو أن لا يحمّل أحد كلامي غير ما يحتمله فإنّما هي رسالة الأستاذ خاصّة به ومتوقّفة عليه ولو لا أنّ المعنى يعطي ذلك ما تطرّقنا لهذا وهذا نشهده من سيرة الأستاذ رضي الله عنه ويعلم هذا المقرّبون منه وهذا ما دلّ عليه كلام الكاتب رضي الله عنه ...
يتبع ...
عدل سابقا من قبل علي في السبت 27 نوفمبر 2010 - 9:56 عدل 2 مرات
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
جزاكم الله خيرا سيدي عبد الفتاح على مروركم الكريم نوّر الله بصائرنا وإيّاكم وحفظكم الله ورعاكم والمسلمين
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( وأعظم منة على المؤمن أن يجعله الله مرشدا لعباده المؤمنين ينشر هدايته الإسلامية وحقائقه الإحسانية ومعارفه الإلاهية حتى يهدي به الله من يشاء من عباده، هذا هو الذي نرجوه لكم نفع الله بكم العباد والبلاد، ولو يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمرالنعم )
ذكّره هنا بأنّ إرشاد العباد إلى طريق الهداية أعظم منّة من الله تعالى على المؤمن إذ جعله هاديا في عباده ونورا يستضاء به في بلاده قال تعالى ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) وكما قال لموسى عليه السلام (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) فلا بدّ من القيام بحقوق تلك المنّة فيصرفها فيما وضعت له فإنّ من تمام الإعتراف بالنعمة وجود الشكر عليها قال تعالى (اعْملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) فأفضل الشكر أن تأخذ بيد العباد إلى ما أنعم الله به عليك من الهداية والرشاد فتمنحهم ممّا آتاك الله لقوله تعالى ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤنين رؤوف رحيم ) وقال تعالى ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) وإنّما أشار إليه إلى ضرورة استشعار تلك المنّة كي يؤدّي حقوقها بما قد يناله في سبيل الإرشاد من الصدّ والشكوى فلا يضنّ بها لأنّها ليست ملكا له كما قال تعالى ( فذكّر إنّما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر ) لذا قال له (يهدي به الله من يشاء من عباده ) لقوله تعالى (انك لن تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء ) فليس للعبد في ذلك حيلة قال تعالى (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِين ) باستفراغ الطاقة والجهد وهذا ما سارت عليهم الأنبياء والرسل عليهم السلام وما سار عليه من جاء بعدهم من أتباعهم في الدعوة والإرشاد حتّى أنّ مولانا الأستاذ رضي الله عنه قال ( ما من شيء ورثته عن سيدي العلاوي أو سيدي المداني إلاّ وأعطيته لكم ) أو فيما معناه , لذاك قال له (هذا هو الذي نرجوه لكم ) وليس غير ذلك , من باب الرجاء في الله تعالى له والله لا يخيّب الراجين , وهكذا جميع أهل الله فيما يرجونه لمريديهم , فأنتم أهل لذلك وأكثر منه , فأكّد وقوفه بباب الرجاء بما تلاه بعد ذلك من الدعاء ( نفع الله بكم العباد والبلاد ) والله تعالى لا يخيّب الداعين لقوله سبحانه ( وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) وحتّى لا يحقرنّ من المعروف شيئا فلا تحجبه منزلته في العلم والمعرفة بأن يستقلل ما هداه الله على يديه تلى عليه حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو قوله ( ولو يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمرالنعم ) لما في وصول الهداية من الأجر العظيم الذي لا يحسن أن يجزي عليه غير الله الكريم , فيا إسماعيل (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ) وقد ورد في الحديث أن النبيّ يأتي يوم القيامة ومعه الرهط والرهطان إشارة إلى قلّة الأتباع , فليس كثرة الأتباع دليلا على الهداية أو الإذن والإرشاد والذي يقرأ السيرة النبوية يسترشد بها كثيرا فإنّها نور على نور ...
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( وما على المرشد إلاّ أن يكون شمسا مشرقة يستمدّ من ضوئها الأقمار والكواكب )
الداعي إلى الله تعالى من كان نوره من ذاته كالشمس في ضوئها وضيائها يستمدّ منها الأقمار والكواكب , والمراد هنا أنّ الداعي لا يمكنه أن يكون داعيا حقيقيا ولا مرشدا ربّانيّا إلاّ متى كان نوره من ذاته وهو النور الصرف في مقام كمال التنوير فكلّ من لم يكمل تنويره فلا يزال يستمدّ من نور غيره لأنّ المرشد نوره ذاتي بخلاف الأقمار والكواكب فلا نور لها من تلقاء نفسها فلا تستمدّ إلاّ من ضوء شمسها , لذا أشار إليه هنا بأنّ نوره قد كمل فيكون في مقام الشمس فلا بدّ أن يشرق على الوجود بنوره يستمدّ منه المريدون المنعوتون بالأقمار والكواكب وفي هذا القول الكثير من الأسرار والأنوار قال تعالى : (وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ) فلا يكون الداعية سراجا منيرا حتّى يكون مأذونا بالتربية والإرشاد لذا قال تعالى (وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ) فاشتمل على ثلاثة أمور : أن يكون داعيا إلى الله تعالى : أي إلى الحضرة , وأن يكون مأذونا , وأن يكون سراجا منيرا , فلو لا الدعوة إلى الله تعالى الخالصة من شوائب العلل والإذن التام من الله تعالى ما صحّ أن يكون الداعية سراجا منيرا فلا يضيء على أحد ولا تستمدّ من ضوئه الأقمار والكواكب
فهذا الذي أثبته الشيخ المداني لمريده سيدي إسماعيل رضي الله عنهما من حيث كونه شيخا عالما عارفا كاملا مأذونا فأضحى هنا شمسا مشرقة فلا بدّ أن يستمدّ من نوره الأقمار والكواكب لأنّ الشمس لا يستمدّ منها غير الكواكب والأقمار دلالة على عدم خفاء ضيائها فهي مشرقة على الوجود ( قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد )
ثمّ في إشراقها فهي تشرق على البرّ والفاجر وعلى الإنسان والحيوان وعلى الفوق والتحت دلالة وسع ضيائها ...
فلو لا شموس المعارف التي أشرقت على قلوب السالكين ما عاش منهم أحد .. ...
يتبع...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
و لولاكم و أمثالكم أسيادنا ما أشرقت على قلوبنا هذه المعارف
و لا رقّت كثافة حسّنا و مالت إلى مثل هذه اللطائف
فجودوا ، جودوا بمزيدٍ فلن نبرح ساحل بحر ولي عارف
من جواهر قلبه وصفاء سريرته و بحار صدقه و محابّه غارف
--------------------------------------------
و اعتذر على هذا الفاصل أسيادي الافاضل
و لا رقّت كثافة حسّنا و مالت إلى مثل هذه اللطائف
فجودوا ، جودوا بمزيدٍ فلن نبرح ساحل بحر ولي عارف
من جواهر قلبه وصفاء سريرته و بحار صدقه و محابّه غارف
--------------------------------------------
و اعتذر على هذا الفاصل أسيادي الافاضل
محبة أهل الله- عدد الرسائل : 81
العمر : 51
المزاج : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
تاريخ التسجيل : 18/10/2010
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( وقد رجعت إلى الزاوية من زيارتكم في سلامة وعافية ظاهرا وباطنا وقد انشرح صدري باجتماعي مع أولئك الرجال أهل نسبة الله بهاتك البلاد المبارك بلاد الجريد عموما سيما أهل توزر ونفطة ودقاش والحامة فإني قد رأيت رجالا تفرست فيهم سلامة القلب وصحة الاعتقاد والمحبة الخالصة ورأيت أن سينتشر فيهم علم التصوف والحقائق الإلاهية فيكونون إن شاء الله ممن أتاهم الله العلم اللدنّي وما ذاك على الله بعزيز )
بعد أن أشار إليه رضي الله عنه بأنّ ما على المرشد إلا أن يكون شمسا مشرقة يستمدّ من ضوئها الأقمار والكواكب , نبّهه إلى فرض وجود هاته الأقمار وتلك الكواكب , إذ كلّ شمس لا بدّ أن تضيء على ما يقابلها من الوجود فهي ثابتة في ضيائها فلا بدّ أن يكون في مجموعتها أقمار وكواكب , فالمرشد كشمس مشرقة لا بدّ أن تضيء على الوجود ولا بدّ أن تستمدّ منه الموجودات كلّ قمر وما فيه وكلّ كوكب وما عليه , إذ أنّ نوره كما قدّمنا ذاتي فلو لا إشراقه ما أحسن أحد أن يرى قمرا أو يلمح كوكبا أو يلاحظ نجما وهكذا هي شموس المعارف التي لا تغيب وفي هذا المعنى قيل :
إنّ شمس النهار تغرب بليل ---- وشمس القلوب ليست تغيب
لذلك أشار إليه في معرض الكلام عن الرجوع من سياحته إلى مدن الجنوب إلى وجود تلك الأقمار والكواكب بعد أن أخبره بقوله (وقد رجعت إلى الزاوية من زيارتكم في سلامة وعافية ظاهرا وباطنا ) فنعم العافية هي لما وجده هناك من نشاط وعناية وإرشاد الذي قدّم القول عليه عند تعليقه على رسالة أستاذنا رضي الله عنه إليه الذي نعته بقوله (أما بعد فقد تشرفنا بكتابكم الكريم المنبئ عن كامل المحبة والوداد ورسوخ القدم فيما يرضي الله ورسوله من التذكير والإرشاد ) فالغالب أنّ الزيارة والسياحة كانت متأخّرة عن كتاب مولانا إسماعيل رضي الله عنه إلى شيخه رضي الله عنه , فكأنّ مكتوب الأستاذ رضي الله عنه إحتوى ما كان داعيا إلى كتابة مثل هذه الرسالة المدنية الجامعة فيا ليت من له نصّ رسالة مولانا الأستاذ تلك التي قابلها سيدي المداني رضي الله عنه برسالته هذه أن يمدّنا بها أو يكتبها لنا
فأخبر هنا بما رآه خلال زيارته ثمّ أخبر بما ألهمه الله تعالى فيهم من صريح فراسته وأعني بذلك أهل الجنوب الذين مدحهم الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه بقوله ( وقد انشرح صدري باجتماعي مع أولئك الرجال أهل نسبة الله بهاتك البلاد المبارك بلاد الجريد عموما سيما أهل توزر ونفطة ودقاش والحامة ) فسمّاهم رجال أهل نسبة الله ثمّ سمّاها بلادا مباركة أي بهم ثمّ خصّ أهل توزر وأهل نفطة وأهل دقاش وأهل الحامّة , فتكفي هذه الشهادة من سيدي محمد المداني رضي الله عنه على أهميّة أهل الجنوب في الطريق وأنّهم الأقمار والكواكب الذين أخبر بوجودهم في معرض تثبيت مريده بعد أن قلّده وظيفة التربية والإرشاد لقوله رضي الله عنه في حديثه عن إستقرائه للحاضر في زمنه (فإني قد رأيت رجالا تفرست فيهم سلامة القلب وصحة الاعتقاد والمحبة الخالصة ) وفي إستقرائه للمستقبل في حياة مريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه (ورأيت أن سينتشر فيهم علم التصوف والحقائق الإلاهية فيكونون إن شاء الله ممن أتاهم الله العلم اللدنّي وما ذاك على الله بعزيز ) نعم قد صدق سيدي محمد المداني رضي الله عنه فيما حدسه أو ألهم به أوكشفه الله له , فإنّ الله تعالى قد نشر الطريق في الجنوب نشرا عظيما فكانوا رجالا عارفين فنشر الله تعالى فيهم الصدق والمحبّة الخالصة وكبار العزائم , فالعبد الضعيف مهما تجوّلت في مختلف البلدان ما رأيت أكثر رجولة ولا صدقا ولا كرما من أهل الجنوب دائما لما تعطيه طبائع الجهات فإنّ أهل المدن مثلا تكثر فيهم مراتب الصفاء التام مناط الصدّيقية كيوسف الصدّيق عليه السلام أمّا أهل البدو فغالبا ما يكونون صادقين أشدّاء يبلغ بهم الصدق مبلغا عظيما , إلاّ أنّ هؤلاء وأنا منهم قد يغلب علينا التعصّب كثيرا لأنّ القوم أناس يعاشرون , من عاشروه لا ينسوه لحكم إتّصافهم غالبا بالوفاء وبالخلاصة فخصال أهل الجنوب كثيرة ويكفي شهادة لهم ما قاله في حقّهم سيدي محمّد المداني رضي الله عنه فقد وصفهم بالرجّال , فإنّهم حتما أقمار وكواكب فلا بدّ أن يستمدّوا من المرشدين ...
يتبع ....
عدل سابقا من قبل علي في الجمعة 3 ديسمبر 2010 - 0:20 عدل 3 مرات
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
جزاكم الله خيرا أختي الفاضلة محبّة أهل الله على حسن ظنّك بإخوانك جعلنا الله وإيّاكم مع أهل الله العارفين في الدنيا والآخرة
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( وأوصيكم بما أوصاني به أستاذي بالصدق في المعاملة والثبات في المواصلة والله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة )
الوصية في الدين من سنن الأنبياء والمرسلين لأممهم سيما أولادهم ووارثيهم فهم أولى بالوصية من غيرهم , إذ أنّ الوصية مطلبها ثباتي حضّ على الثبات كما أوصى إبراهيم بنيه ويعقوب عليهما السلام , قال تعالى (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) وقال تعالى قبل هذه الآية (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) بخلاف النصيحة فليست هي عين الوصية , فالوصية للثبات خاصّة على المسيرة والمنهج الرباني الذي سار عليه من سبق , أمّا النصيحة فهي للمشورة أقرب لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) فأمر الشورى نصيحة غالبا وهي درجات أعلاها المشورة في الدنيا والدين حيث يجتمع الناس فيه كالأنبياء والرسل مع غيرهم من أصحابهم والصالحين من أتباعهم في أممهم كما ورد قوله عليه الصلاة والسلام في بعض الحوادث ( أشيروا عليّ ) وقد قال تعالى ( وشاورهم في الأمر ) وكذلك من درجاتها ممّا يتنزّه عنه ضرورة أهل العصمة من الأنبياء والمرسلين ويتنزّه عنه غالبا أهل الحفظ من الأولياء وكمّل العارفين كالتنبيه على العيوب أو النقائص محبّة في إيصال الخير والدفع بمن تحبّ نحو بلوغ الكمال وقد ورد قوله عليه الصلاة والسلام (إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِنَبِيِّهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّتِهِمْ.- وفي رواية : إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) فهذا معنى النصيحة باختصار , فليست هي الوصية , فالوصية تكون غالبا عند قرب المفارقة سواء بالسفر أو بالموت فأنت لا توصي إلاّ فيما تملكه أو فيما هو تحت رعايتك كأن يوصي المحتضر في ماله أو في بناته وأولاده ... وهكذا فيمن يوصي على طريق الله الذي ملّكه الله إيّاه في زمانه كما قال سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه
سقيت من كأس الحبّ ثمّ ملكته --- فصار ملكا لديّ في مدّة الدهر
وهكذا من شيخ إلى شيخ إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام ثمّ إلى ربّ العالمين فهو الذي أوصانا بما أوصى به الأنبياء والمرسلين كما قال تعالى ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا به إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ) فالوصية الحقيقية من الله تعالى الحي الذي لا يموت فإنّما هي وراثة وخلافة من لدنه سبحانه لعباده الصالحين كما قال تعالى ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) فهذه هي الوراثة التي أخبر عنها الحديث القائل ( العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء ما ورّثوا درهما ولا دينارا ولكن ورّثوا العلم ) لأنّ وراثتهم لا يمكنها إلاّ أن تكون من نفس وصف الموروث لقوله تعالى ( وعلّم آدم الآسماء كلّها ) ولقوله ( إقرأ ) ولقوله تعالى ( الرحمان علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان ) فهذه الوراثة التي يوصي بها المورّثون ورّاثهم التي بدأ بذكرها سيدي محمد المداني لخليفته سيدي إسماعيل رضي الله عنهما لأنّ الموروث متعدّي هكذا واحد عن واحد فلا بدّ من هذا وإلاّ ما صحّت وراثة لأنّ الوصية علامة تثبيتها فهي كالعقد والحجّة على الوراثة , فقال ( وأوصيكم بما أوصاني به أستاذي بالصدق في المعاملة ) فالمعاملة على نوعين : معاملة الله تعالى ثمّ معاملة خلقه , فلا تكون الثانية إلاّ بالأولى , وهذا معنى الصدق فيهما إذ من علامات الصدق في معاملة الله تعالى وجود صدق المعاملة لخلقه لأنّهم في مستوى نفسك فتحبّ لهم ما تحبّ لنفسك وترجو لهم ما ترجوه لنفسك عند توجّهك لربّك في صدق معاملتك معه . فكيفما كانت المعاملة فلا بدّ من الصدق فيها فإنّها أوّل قدم لذا بدأ بذكره وإنّما قرن الصدق مع العمل لأنّه علامته فكلّما كثر الصدق كلّما أتقن العمل فصدق المعاملة توجب الإنتقال إلى الأمر الثاني الذي ذكره بعده في قوله (والثبات في المواصلة ) قلبا وقالبا كما قال سيدي أبو العبّاس المرسي رضي الله عنه ( لي ستّ وأربعون سنة ما غاب رسول الله عنّي طرفة عين ولو غاب عنّي ما عددت نفسي من المسلمين ) وهذا تلحظه في سيرة أستاذنا رضي الله عنه فإنّه ما يفتتح مجلسا من مجالسه إلاّ تسمعه يقول قال سيدي المداني كذا وقال كذا وكان كذا رغم أنّ شيخه إنتقل إلى ربّه منذ عشرات الأعوام , فالثبات في المواصلة من أحسن صفات الفقير فمراتبها ثلاث , ثبات على المبدأ كثباتنا على الكتاب والسنّة , وثباتنا على المنهج وهو الطريقة ثمّ ثباتنا في بحر الحقيقة فلا نطغى بها لقوله تعالى ( ما زاغ البصر وما طغى ) وهكذا هم المشائخ الوارثين ما يزيغ بهم البصر قطّ عن إستشعار حرمة شيوخهم وآبائهم وإستشعار الوصلة بهم في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم وهذا ما أراده منّا رسول الله عليه الصلاة والسلام حتّى قال لنا ( صلّوا كما رأيتموني أصلّي ) فمن شدّة الوصلة مثلا تضحى تتذكّر رسول الله عليه الصلاة والسلام عند كلّ صلاة إذ أنّك تتخيّل كيف كان رسول الله يصلّي فهو الشيخ الحقيقي أو تقول بوّاب الحضرة والمشائخ نوّابه في زمانهم , وهكذا المشائخ فقلّما تسمع لهم كلاما بل أغلب ما يذاكرون به من مذاكرات مشائخهم حتّى أنّ الهاتف جاء مرّة لسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه بعد أن أجهده البحث في كتب القوم عن مذاكرات وتعريفات من سبقه فقيل له ( تعريفنا يغنيك عن كلّ تعريف ) فمواصلة المشائخ لا تنقطع بالموت لأنّ المحبّة لا تموت فتبقى المحاب إلى نهاية الحياة بخلاف ما عداها فقد يذهب مثل مال أو جاه أو منزلة دنيوية أو حتّى وظيفة دينية كمشيخة أو إمامة فإنّها تنتهي بالإنتقال إلى عالم الآخرى أي تنتقل منه إلى غيره مع حفظ مقامه فيها إلاّ المحبّة فهي باقية في القلب لا تحول ولا تغادر ( فالمرء مع من أحبّ ) لأنّها من أسرار الوجود فهي أقدس شيء من الأحوال أكرم الله تعالى به عباده ولذا قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه ( من كانت عنده محبّة ما ترك ولا حبّة ) لهذا أوصاه بالثبات في المواصلة لأنّ المقطوع لا يُمَدٌّ فمتى قطع فرع الشجرة عن أصلها يبس ومات فأصبح هشيما تذروه الرياح لذا أخبره أنّ الثبات في المواصلة عين التوحيد الثابت لأنّه يجلب المحافظة على كمال الأحوال والمقامات والرعاية والعناية قال تعالى (إصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) وقال كما في قصّة موسى وهارون عليها السلام (قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ) مقصد العناية والحفظ لأنّه يصل الفرع بأصله فاستشهد له بالآية ( والله يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ) فقد قال تعالى في الآية التي قبل هذه الآية (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ) فالكلمة الطيّبة هي لا إله إلاّ الله , فمعاني الثبات جوهرها الثبات في المواصلة بعد الصدق في المعاملة لذا أوصاه بهذين الأمرين في مقدّمة وصيّته المباشرة الجامعة ...
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( فكونوا على قدم وساق في اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل والحضور مع الله الذي هو الغاية المقصودة والضالة المنشودة )
من علامات تثبيت الله لعبده ما تراه عليه وتشهده فيه من مداومة وعزيمة من غير فتور في اكتساب الفضائل أو قصور في اجتناب الرذائل والحضور مع الله تعالى فلا تحجبه شريعة عن حقيقة ولا حقيقة عن شريعة ولا ظاهر عن باطن ولا باطن عن ظاهر فهو ثابت في المقامين راسخ القدم في الحضرتين حضرة الأمر والنهي ظاهرا وحضرة الأمر والنهي باطنا , فمن شغلته حقيقة فاستهلكته فهو غير ثابت في مقام الشريعة باب الوصول إلى الله فلا يقتدى به في طريق القوم ولو كان عارفا وليّا صالحا لأنّ طريق الإرشاد فيه شروط لا بدّ من توفّرها فيكون ظاهره شريعة وباطنه حقيقة ظاهره فرق وباطنه جمع فتكون دلالته من ميراث جوامع الكلم يلقي الكلم فيأخذ كلّ من السامعين مشروبه وغاية مطلوبه , لذا قال له ( فكونوا على قدم وساق في اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل ) أي في كلّ مقام فحسنات الأبرار سيّئات المقرّبين فكلّ من يتبعك هو منك وإليك تقوم مقامه بين تخلية وعلاج وتحلية ومعراج فلا بدّ من اكتساب الفضائل في حقائقهم واجتناب الرذائل , وهذا لا يكون إلاّ بالحضور مع الله تعالى والفناء فيه والبقاء به فلا تدلّهم إلاّ عليه ولا توقفهم إلاّ بين يديه لأنّ مناط اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل الوقوف على أبواب حضرته ثمّ دخولها وهو إشارة إلى الأمر بنزع العوائق والموانع في طريق السالكين فهي الحاجبة والمانعة من دخول حضرة الله , فلو لا الشريعة ما كان وصول إلى حقيقة فكيف نتركها وهي القائدة والحارسة فعلى قدر اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل يكون الحضور مع الله تعالى ودخول حضرته , لو لا الشريعة ما كان هناك صفاء ولو لا الحقيقة ما كان هناك فناء فعلى قدر صفائك يكون فناؤك في بقائك ويكون بقاؤك في فنائك
ثمّ أخبره أنّ الغاية المنشودة من اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل هو الحضور مع الله تعالى , ( والحضور مع الله الذي هو الغاية المقصودة والضالة المنشودة ) التي يتسابق إليها الجميع فعلى قدر المسارعة إليها يكون اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل , لإنّ صاحب الشريعة محفوظ وهي علامة الإذن في طريق الله فمن لا إذن له لا حفظ له فمعنى الحفظ هو المحافظة على الشريعة والثبات في بحار الحقيقة ( ما زاغ البصر وما طغى ) أي ما طغى بتلك الحقيقة لأنّ الطغيان مذهب إبليسي ( أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) من نور الشريعة إلى زندقة دعوى الحقيقة كما إدّعاها من قبل إبليس فمن لم يتقيّد بالشريعة فقد تكبّر في الحضرة فحتما أنّه يطرد منها أو يقتل لأنّه إفساد في الأرض والله لا يحبّ المفسدين فدعواه أنّ الشريعة لا تقيّده فيتنزّه عنها بزعمه وهذا كبر منه على أمر الله تعالى ونهيه فإنّ المشرب الصافي الكامل الحقيقي لا يترك صاحبه يطغى بل هو عين الحفظ عند أهل الولاية والعصمة التامة عند أهل النبوّة ( مازاغ البصر وما طغى ) فمن كثرة صفاء النظر لم يكن هناك طغيان فهذا مقياس الطريق وهو طريق جميع المربين فلا يزالون يتواصون بهذا ( وتواصوا بالحقّ ) وهو هذا المقصد إلى الفناء ( وتواصوا بالصبر ) أي عليه في عالم البقاء
فأوصى هنا مريده أن يسير في الطريق بسير الأنبياء والمرسلين ونخبة الوارثين فلا يزيغ بالطريق كأن يجعله طريق زنذقة أو كرامات أو مظاهر كما نشاهده اليوم عند طوائف فقد جعلوا الطريق بعد مولانا الأستاذ طريق مظاهر ونواميس وجرائد ... فكلّ هذا وغيره باطل فهو علامة عدم الإذن فإنّ المأذون مأمون من تسلّط النفس والأعداء عليه ظاهرا وباطنا لذا كان الإذن من آكد شروط الإرشاد , فإنّ هذه الوصية من الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه إلى الشيخ سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه تصبّ كلّها في الهداية إلى أمر التوحيد والطريق والسير به على منهاج خير الرسل عليه الصلاة والسلام فإنّ الطريق لا ينشر إلاّ على صفة الكمال وإلاّ كان طريق تبرّك ونقصان وهذا لا يستقيم إذ أنّ السلوك كامل تامّ ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) فليس بعد هذا الكمال من كمال , فإنّ طريق الهداية محرّم على غير الكامل ( من كان يعبد محمّد فإنّ محمّد قد مات ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ) فهوالتوجّه إليه سبحانه فمن وقف به السير عند وفاة شيخه فقد عبد شيخه في الحقيقة وإلاّ فإنّ الله حيّ لا يموت وهذا ما قاله أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه للصحابة فإنّ موت رسول الله عليه الصلاة والسلام هو أكبر إمتحان لسلوك ومعارف وسير الصحابة فرضي الله عن الصدّيق الأكبر ما أحسن سيره وأكثر تحقيقه كيف لا وقد أوصله محمد وسار به محمد وعرّفه محمد وكمّله محمد وجمّله محمّد صلى الله عليه وسلّم بعد إذن الله سبحانه فلو كان شيخه ناقصا لكان هو أيضا ناقصا أمّا متى كان الشيخ كاملا فإنّ خليفته لا يكون إلا كاملا ظاهرا وباطنا ... ( أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) كما ورد في الآية الشريفة لقوله تعالى كما في الآية ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (﴿إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فمن أظلم ممن كذب على الله أو كذّب بالصدق إذ جاءَه أليس في جهنم مثوىً للكافرين ) هذا من جملة ما تلاه الصدّيق رضي الله عنه عند وفاة النبيّ عليه الصلاة والسلام فإنّه رضي الله عنه لم يكذب حاشاه في طريق الله فما دلّ الخلق إلاّ عليه لأنّ المقصود هو الله تعالى لذا قال له موصيا دافعا مشجّعا محقّقا متشرّعا (والحضور مع الله الذي هو الغاية المقصودة والضالة المنشودة ) فليس إلاّ هذا فلله درّ سيدي محمّد المداني رضي الله عنه ما أشدّ محافظته على طريق الله إذ أنّها أمانة أبت السماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان كما قال تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) فالكثير من الناس اليوم يعتقد أن التقدّم إلى الإرشاد والتربية منقبة وفضيلة تشريف بينما هي أمانة تكليف فيا طوبى لمن لم تسند إليه ويا خطر من طلبها ويا سعادة من أعطيها فأدّاها كما أعطيها , فإنّ الشيخ الحقيقي يأخذها مضطرّا كما قال عمر رضي الله عنه ( إلاّ كمن أُضطرّ إلى أكل الميّتة )
والله أعلم وأحكم ثمّ رسوله
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
بسم الله ما شاء الله
تبارك الله
الله الله الله ربي عوني و حسبي ما لي سواه.....
أهل الحقائق على النمارق متكئين
تبارك الله
الله الله الله ربي عوني و حسبي ما لي سواه.....
أهل الحقائق على النمارق متكئين
عبد الفتاح- عدد الرسائل : 3
العمر : 63
تاريخ التسجيل : 03/11/2010
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( والوصية لا يحتاج إليها ولا يتوقف عليها من كان له زاجر من نفسه يأمره وينهاه في العبادات الظاهرة عبادة الجوارح أو في الحضور مع الله عز وجل وهما جهتان لابدّ للسّائر منهما وإلى ذلك يشير قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين" وذلك هو الصراط المستقيم الذي يلزم السير عليه وهو الأمر الذي أوصيكم به ونفسي حتى نكون ممن أنعم الله عليهم إن شاء الله )
يشير إليه هنا أنّ خير الوصية ما كانت موافقة وتابعة لما عليه العبد في قرارة نفسه من الموافقة للأوامر والنواهي فأصل الوصية أنّها موافقة وتابعة لا متبوعة فإنّ الوصية متى كانت متبوعة في أي مجال أو حال تكون الأعمال متكلّفة بحسب نصّ تلك الوصيّة فقد لا تسلم الأعمال أو الأحوال من الزلل والزيغ والعلل , لذا أشار له إلى الأصل في الأشياء بقوله ( والوصية لا يحتاج إليها ولا يتوقّف عليها من كان له زاجر من نفسه يأمره وينهاه ) فإنّ الموصي متى رحل ترك التصرّف لمورثه فقد يبدّل ويغيّر وقد يستقيم , وكلّ هذا ليس بأصل بل الأصل أن يكون مستقيما سواء أكانت هناك وصية أم لا لأنّه في مستوى معرفة ما يجب عمله وما لا يجب لوجود الزاجر من النفس يأمره وينهاه , وفي هذا إشارة بليغة أنّه لا هادي إلاّ الله كما قال تعالى (وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَح لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ) كما ورد في سورة هود عليه السلام هذا وإن كان في باب النصيحة للكفّار فهو الطريق أيضا إلى الوصية إذ أنّ النصيحة طريق إلى الوصية فمن لم يعمل بالنصح هلك وتكبّر لأنّ عدم سماع النصح من الكبر وهو ظهور النفس المنازعة , أمّا من لم يعمل بالوصية فقد خالف فهو من باب الدعوى والنفس فأمره أيضا كبري لظهور النفس المدّعية فهما حالان : النصيحة والوصية فلا يستقيم الدين إلاّ بهما قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
قال سيدي المداني لمريده رضي الله عنهما ( والوصية لا يحتاج إليها ولا يتوقّف عليها من كان له من نفسه زاجر يأمره وينهاه )
ما أراد وقبل له بالمراتب الدنيّة فمن توقّفت إستقامته على النصح والوصية فلا يجوز أن يقتدى به في طريق الله فهو ما زال صبيّا فيه لأنّه ليس له من نفسه زاجر يأمره وينهاه فلا عقل له فمسؤولية الطريق لا تعطى إلاّ لمن يعمل قبل الأمر وينتهي قبل ورود النهي ويفهم قبل ورود الإشارة فهو سابق لا مسبوق كما قال تعالى ( السابقون السابقون أولائك المقرّبون ) فهؤلاء قال الله تعالى فيهم ( إِلاَّ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ) وإلا فما نفع الوصية إذا لم يكن هناك زاجر من نفس الإنسان فذلك الذي يدوم ولا يفارق صاحبه إذ أنّ الوصيّة قد تنسى أو تتلف أمّا الزاجر القلبي فحاله البقاء فيا طوبى لمن أقبلت عليه الوصية قبول العروس في حليّها وجمالها , فكأنّه يقول له : يا إسماعيل أنت في مقام لا يجب أن تتوقّف فيه على وصيّتي إذ يكفيك من الوصية ما قرع قلبك من الزواجر الظاهرة والباطنة فتكون موافقا حالا لما أوصيك به فيا طوبى من جاءته الوصية من الخارج فوافقت الداخل شريعة وحقيقة
وإنّما قال له هذا يريد به أمرا عظيما وخطبا جسيما وهذا تلحظه في قوله رضي الله عنه ( زاجر من نفسه يأمره وينهاه في العبادات الظاهرة عبادة الجوارح أو في الحضور مع الله عز وجل ) لأنّ مثل هذا الأمر لا ينفع معها إلاّ الزاجر من النفس وإلاّ ما يحسن أن يفعل له شيئا كما عجز هارون عليه السلام مع السامريّ الذي قال ( قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ) فلو كان له زاجر من نفسه لما فعل هذا , فقد عجز هارون عليه السلام رغم أنّه نبيّ مرسل فضلّ القوم بحضوره ما استدعى غضب موسى لمّا رجع حتّى أخذ أخاه بلحيته ورأسه , فهنا نفهم حرص سيدي محمد المداني رضي الله عنه على مريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه من أن يزيغ بالطريق أو ينحى به منحى غير محمود لذا قال له ( يأمره وينهاه في العبادات الظاهرة عبادة الجوارح أو في الحضور مع الله عز وجل وهما جهتان لابدّ للسّائر منهما ) فأمره صريح باتّباع الشريعة والإستقامة عليها في العبادات الظاهرة ثمّ عدم الإكتفاء بذلك بل يجب معه الحضور مع الله تعالى عبادة الباطن فهذا أساس طريق السير جميعه وهو :
الإستقامة على دين محمّد صلى الله عليه وسلّم ظاهرا وباطنا شريعة وحقيقة مناط الخلافة والوراثة لأنّ المشائخ يخافون على مريديهم كثيرا من استهلاك الحقائق فيضحى الدين زندقة وأوهاما وخرافات كما نراه اليوم في أغلب البلدان فتجد الشخص يتصدّق في ضريح الوليّ مائة دينار ولا يتصدّق برغيف واحد لله تعالى لوجود الأغراض وطلب الأعواض في مصالح النفس والدنيا فما كان قطّ دين الله هو هذا , فمتى تفشّى هذا قلّ العلم الديني في الشريعة فلا تجد فقيها ولا قارئا للقرآن ولا للحديث وهذا أمر مشاهد في أرض الواقع وأكثر ما نجده عند المنتسبين للتصوّف فإنّ في تلك الإجازة المدنية الشرعية التي تحصّل عليها سيدي محمد المداني رضي الله عنه والتي نقلها لنا في هذا المنتدى سيدي أبو أويس أبلغ مثال على حقيقة الدين والطريق فوالله ليس الطريق إلاّ ذاك ومن قال العكس فقد كذّب من جاءنا بالطريق إلى تونس , فالحقيقة لا تستقيم إلاّ بالشريعة ومن لم يأخذ الدين من القرآن والسنّة خاب وخسر فهل قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في يوم من الأيّام مثلا ( أنا الحقّ أو أنا الله أو سبحاني سبحاني ... ) فهل ورد عن رسول الله هذا أو ورد عن أحد من الصحابة أم نقول أنّهم لم يسلكوا ولم يذوقوا ؟ أجيبونا يرحمكم الله , هل قال رسول الله بوحدة الوجود أو بالحلول والإتّحاد ؟ أجيبونا يرحمكم الله , فما هذا الشطح ؟ أين دين محمّد أهو هذا ؟ حتّى أنّ الشيخ إسماعيل تبرّأ من بعضهم , أم أنّهم اتّبعوا طريق السامريّ , ثمّ إنّ ذلك الكلام لو كان صحيحا لوافقه القرآن بل القرآن كذّبه أغلب تكذيب , فهل يكذب القرآن ويصدق السامريون ؟ والله تعالى يقول ( ومن أصدق من الله قيلا ) فهذه الوصية المدنية والله لو قرأها من يدّعي الإنتساب لسيدي محمد المداني وسيدي إسماعيل رضي الله عنهما لبكوا واستغفروا كثيرا بل ولحثوا على رؤوسهم التراب , فالدين ما كان قطّ كشفا أو كرامة أو بحث عن مقام أو مرتبة ...فكلّ هذا بدعة في الدين بل هو من أعظم البدع فالطريق واضح والسير محمّدي ويشهد عليه القرآن والسنّة ويشهد عليه كلام العارفين وأئمّة الطرق حتّى وصل الأمر بسيدي أبي الحسن إلى القول ( إذا خالف كشفك الصحيح الكتاب والسنّة فدع الكشف جانبا ...) فلو مثلا أطلعك الله على أسرار الناس في قعور بيوتها وكاشفك بجميع معاصيهم وذنوبهم فلا بدّ لك من ترك هذا الكشف وأن تعمل بالكتاب والسنّة وذلك أن الله تعالى يقول ( ولا تجسّسوا ) والنبيّ عليه الصلاة والسلام يقول ( من ستر عورة مسلم ستر الله عورته يوم القيامة ) وهكذا قال القوم ( وغضّ الطرف إن عثر ) فليس إلاّ العمل بالكتاب والسنّة فمن خالفهما فهو زنديق أو معتدي فأدنى أموره أنّه عاصي فمتى خالف أي أمر من أمور السلوك الكتاب والسنّة فلا بدّ أن تتركه جانبا أي لا تعمل به فتحكم وتقضي به على أنّه شرع من عند الله بل اتركه جانبا حتّى يأتيك تأويله قال تعالى لسيّد الوجود صلى الله عليه وسلّم (ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناكَ بالحقَّ وأحسنَ تأويلاً ) لذا ترى حرص مشائخ الطريق على شرع الله تعالى أعني المأذونين منهم فإنّ أحوالهم الظاهرة شرعية كاملة لا زندقة ولا شطح ( طريقنا فلا جدال ولا نزاع ) وإنّما ترك من ترك الطريق وراء ظهره وأضحى يتّبع خرافات وأوهاما ما أنزل الله بها من سلطان بسبب نقص علمه بالقرآن والسنّة وبالشريعة المحمدية
قال سيدي محمد المداني رضي الله عنه : ( وإلى ذلك يشير قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين" وذلك هو الصراط المستقيم الذي يلزم السير عليه وهو الأمر الذي أوصيكم به ونفسي حتى نكون ممن أنعم الله عليهم إن شاء الله )
فاستدلّ له إلى ما ذهب إليه بالآية الشريفة حتّى لا يدخل عليه فسق ولا زندقة للقول المشهور ( من تشرّع ولم يتصوّف فقد تفسّق ومن تصوّف ولم يتشرّع فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقّق ) فذكر له هذا في الشريعة ( إيّاك نعبد ) وفي الحقيقة ( وإيّاك نستعين ) لأنّ ذلك كما قال رضي الله عنه (وذلك هو الصراط المستقيم الذي يلزم السير عليه ) لقوله تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم ) يعني هنا أن يسيّر عليه المريدين لذا قال له (وهما جهتان لابدّ للسّائر منهما ) فلا تسير بالفقير إلاّ على طريقيهما شريعة و حقيقة ظاهرا وباطنا فلا يزيغ عن هذا إلاّ هالك فأكّد له ذلك مرارا وتكرارا بقوله أيضا ( وهو الأمر الذي أوصيكم به ونفسي ) أي أنا أيضا أسير عليه كما سار عليه أستاذي إذ أنّه أوصاني به كما قال سابقا ( وأوصيكم بما أوصاني به أستاذي ) ثمّ أشار إليه أنّ ذلك هو طريق الله المستقيم وأنّه طريق جميع الأنبياء والمرسلين فقال له ( حتّى نكون ممن أنعم الله عليهم إن شاء الله ) لقوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) فهذا الذي أوصى به مريده فنعم مثل هذه الوصايا , أمّا ما نراه اليوم في بعض البلاد بل وفي بلادنا لا يقابل مثل هذه الوصايا حتّى أنّني قابلت أحدهم وهو يتبع أحد المتصدّرين للتربية والإرشاد فقال لي : قال لنا مقدّمنا إذا أردت أن تأخذ شيئا فاعتقد أنّ الله هو الذي يأخذه ( لا يقصد المعنى الشرعي وإنّما يقصد أنّه ...) ثمّ جاء أحدهم فقال : أنا في عالم البقاء فقيل له من أين لك هذا فقال : قال لي شيخي ذلك ... ومنهم من لم يطاوعه مريده فأضحى يرسل إليه إرساليات الجنّ كي يقلقه في نومه وبيته فأدخل عليه الأمراض والعلل ...
هذا كلّه شاهدته بعيني فنقول ليس هذا دين رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا طريق سيدي محمد المداني ولا سيدي إسماعيل ولا الشاذلية رضي الله عنهم فحاشاهم من هذا ...
أعتذر على التطويل فما غايتي إلاّ نصح نفسي والمسلمين فهذا ما أخذناه عن مشائخنا المنتقلين والأحياء ...
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
و الله إنا لنتمنى مزيدا من التطويل لأننا لا نشعر أنّنا نقرأ موضوعا بل نعيش أحوالا
و حسبنا من كلّ هذا مرورا بأعتاب اهل الله و إن لم نكن منهم و إنما تجتذبنا أنوارهم
فحمدا لله تعالى على نعمه التي لا تعد و لا تحصى
جزاكم الله خير الجزاء (سيدي علي) حفظكم الله على جهودكم خدمةً لمشايخكم رضوان الله عليهم و لإخوانكم الفقراء نفّعهم الله بكم و نفّع بهم آمين
و صلّى الله تعالى و سلّم على سيد المرسلين النبي الأمي الكريم و على آله و صحبه
و حسبنا من كلّ هذا مرورا بأعتاب اهل الله و إن لم نكن منهم و إنما تجتذبنا أنوارهم
فحمدا لله تعالى على نعمه التي لا تعد و لا تحصى
جزاكم الله خير الجزاء (سيدي علي) حفظكم الله على جهودكم خدمةً لمشايخكم رضوان الله عليهم و لإخوانكم الفقراء نفّعهم الله بكم و نفّع بهم آمين
و صلّى الله تعالى و سلّم على سيد المرسلين النبي الأمي الكريم و على آله و صحبه
محبة أهل الله- عدد الرسائل : 81
العمر : 51
المزاج : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
تاريخ التسجيل : 18/10/2010
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( وأما نظر بعض الصوفية بأنّ المريد لا يزور إلاّ شيخه فذلك أمر ربما يقتضيه الحال في بعض الأوقات، أما نظري فإن المريد له أن يزور جميع إخوانه المؤمنين فضلا عن إخوانه الذاكرين وذلك كله عند سير المريد، وأما من حصل على ذوق البقاء بعد الفناء أو نقول على الفرق بعد الجمع فله سديد النظر وأوسعه يسير سير رجل مجتهد لإصابة الصواب وما عليه شئ إذا لم يصبه بل له أجر واحد وما عليّ إلاّ أن أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ونقرأ جميعا قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفّر عنكم سيّئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )
بما أنّ الأمر تعلّق في هذه الفقرة بمسألة الزيارة فلا بدّ من هذا التمهيد :
الزيارة في عمومها تنقسم إلى قسمين : زيارة الأحياء وزيارة قبور الأموات فلا ثالث لها
وبما أنّ الأمر هنا متعلّقه خصوصا زيارة أهل السلوك من الأولياء عامّة والمريدين فإنّ بعض مشائخ الطرق منعوا مريديهم من زيارة غيرهم كفي الطريقة التيجانية فإنّ أتباعها يمنعون من زيارة جميع الأولياء إلاّ أولياء الطريقة التيجانية وقد تواتر هذا عنهم وشهروا به , إلاّ أنّ هذا يبقى أمرا خاصّا بأهل هذه الطريقة وأسرارها فلا ننكر عليهم بما أنّ شيخهم منعهم من ذلك كما كتبوا ذلك عنه من لفظه ولمّا زار أحد إخواننا أولياء المغرب فأوّل ما دخل المغرب قال ( ها هو سيدي أحمد التيجاني يلفّنا بجناحيه ) فكاد هذا الفقير أن لا يزور أحدا من الأولياء هناك إلا سيدي محمد بن عيسى رضي الله عنه بما أنّه كان في صغره عيساوي الطريقة فكان أوّل ما ذهب إلى الزاوية التيجانية فلقي كبار مشائخ التيجانية في الزاوية الأمّ بفاس وهذا من غيرة سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه فله أسراره الخاصّة , فليس هذا الأصل , فإنّ الأصل جواز الزيارة على عمومها , فالطريقة التيجانية لا شيخ فيها بعد سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه أعني شيخا مستقلاّ تنسب الطريقة إليه من بعده بخلاف طريقة الأصول التي هي طريقة الشاذلية فإنّ الشيوخ فيها كثر والكثير منهم جدّدوا الطريقة فنسبت إليهم فإنّ الغالب على القطب أنّه يكون شاذليّا لأنّ القطب مطلبه التجديد والتجديد يكون خاصّة في طريقة الأصول وقد ورد الحديث في قوله عليه الصلاة والسلام ( إنّ الله يبعث على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد دين هذه الأمة ) فلمّا كان هناك تجديد كان لا بدّ من نسبة الطريقة لمجدّدها فنقول مثلا ( الطريقة العلاوية ) وهذا حقّ ( ونقول الطريقة المدنية وهذا حقّ ) فإنّ سيدي محمّد المداني رضي الله عنه جدّد في الطريقة العلاوية لهذا تناقشنا سابقا مع بعض إخواننا الأجلاّء بخصوص هذا الأمر فالعبد الفقير ذهبت إلى رأي أنّه لا إستقلال للطريقة الإسماعيلية فليست هناك طريقة إسمها إسماعيلية بل هي طريقة مدنية ظاهرا وباطنا ويشهد لكلامي هذا ما تراه اليوم في هذه الرسالة المدنية الجامعة فإنّه يثبت فيها السير المدني في أجلى صوره وقد قال لنا أحد إخواننا ممّن تصدّروا للتربية والإرشاد ( أنا لا أسماح أحدا نسب الطريقة إليّ في حياتي أو بعد مماتي فإنّي لا أسامحه بين يديّ الله يوم القيامة فالطريقة مدنية ) هكذا والله قالها بالحرف , أمّا ما نراه اليوم من إثبات الطريقة لكلّ من تصدّر فيها بالتربية والإرشاد فهو خطأ فلا يعني التصدّر والإرشاد إستقلال الطريقة به بل هو نائبا في تلك الطريقة كما كان حال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه فهو مدني الطريقة وسار في تسليكه للمريدين بحسب الطريقة المدنية وشروطها فيكفي بذلك فخرا بها وشرفا لعظمتها وفخامتها فطابعها هو ( شجرة الأكوان ) التصلية المدنية , ونعني بالمدنية نسبة لسيدي محمد المدني رضي الله عنه وليس نسبة لسيدي محمد ظافر المدني رضي الله عنه الذي تسمّى على إسمه سيدي محمد المدني رضي الله عنه كما قال والده سيدي خليفة المدني رحمه الله عندما حكى قصّة تسمية إبنه بهذا الإسم ( لو رزقني الله ولدا لأسمينه محمد المدني تبركا باسم مؤسس الطريقة المدنية ) فهي مدنية نسبة لسيدي محمد المدني رضي الله عنه خليفة سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه في كلّ حال سواء أكانت إسما أو وصفا لذا قلنا لهم ليس هناك طريقة إسماعيلية مستقلّة بل هي مدنيّة فقولنا الطريقة الإسماعيلية هي للتعريف بالزاوية الإسماعيلية وبمريديه وتربيته وعلومه رضي الله عنه فتسمية الطريقة بأسرها بالإسماعيلية مجاز أكثر منه حقيقة وكذلك اليوم فلا يجوز لنا أن نقول بعد الشيخ إسماعيل رضي الله عنه الطريقة السلامية أو الطريقة القاسمية أو ..إلخ لأنّ الطريقة فعلا مدنية
فإنّ أكبر دليل على أنّ الطريقة مدنية ما تلحظه وتفهمه في هذه الرسالة العظيمة من تحديد السير برمّته من ألفه إلى يائه وقد قلنا سابقا أنّ علامة الإذن الكامل في الطريقة الشاذلية هو ( العلم الشرعي ) فقد كان إمامنا أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه عالما قبل أن يكون عارفا فهذه طريقته فلا بدّ أن تكون في نفس حاله ولا يضرّ متى وجدنا عارفين أمّيين بل هذا يكون ويكون منهم أيضا المأذونين ولكن أتكلّم على الأصل فإذا تشابهت عليك الأمور فعد إلى الأصل الشاذلي فهو الأمان فقد كان سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه عالما وكان سيدي محمد المداني عالما وكان سيدي أحمد العلوي عالما وإن كان درس العلم في كبره حتّى أنّه كان يدرس علم البلاغة على يد تلميذه سيدي محمد المدني رضي الله عنهما فكان يقول له ( أنت تحلّينا ظاهرا ونحن نحلّيك باطنا ) وكان شيخه سيدي البوزيدي عالما وكان شيخه عالما وهكذا كلّهم كانوا مشائخ في جامع القرويين وكان سيدي العربي الدرقاوي رضي الله عنه عالما درس وتخرّج من جامع القرويين وكان شيخه سيدي علي الجمل عالما رضي الله عنه ...فكانت لهم تآليف كثيرة في الفقه وتفسير القرآن والتصوّف والحديث ..إلخ فمن ينكر هذا ؟ إذن فأصل الطريقة للعلماء فالشيخ أوّل ما يضع نظره على مريد ليكون خليفة من بعده يبحث في مريديه من العلماء لعلّه يصلح منهم أحد للأمرفهو على بصيرة في هذا أكثر من غيره ونحن لا نعتقد أنّ الشيخ إسماعيل العالم الكبير يضع طريقته عند غير العالم بالشريعة لأنها أمانة وهو الذائق لمعنى العلم والفاهم له في طريق السالكين لذا إختار سيدي محمد المداني رضي الله عنه الشيخ إسماعيل رضي الله عنه لأنّ الطريق فيه نظريات واجتهادات عند كلّ شيخ بحسب عصره ونفوس زمانه ولو كان في أمر التسليك تابعا لطريقة شيخه إلاّ أنّ الكثير من الأمور التي في حوزة إجتهاده يغيّرها ويجدّدها كما ألغى الشيخ إسماعيل الخلوة وهكذا وهذا لا يمكن فهمه والإجتهاد فيه إلاّ لمن كان له إلمام بالشريعة الإسلامية والوصول فيها إلى كلّيات المسائل في أحكام تشريعها أصولا وفروعا وقد رأينا من يؤلّف صلوات على رسول الله غير مستقيمة ولا دقيقة علميا كما أخبرنا عن ذلك أهل المعرفة , لأنّ المعرفة يحرسها العلم فالمعرفة يتشارك فيها العالمين طوعا وكرها بحسب المراتب في علوم القدر العليا بالحجّة البالغة ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً ) أمّا العلم فلا يتشاركون فيه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكّر أولو الألباب ) وإن كان العلم قد يراد به المعرفة في تجرّده أمّا في أخصّ خصوصه وأعمّ عمومه في نفس الوقت فليس العلم هو المعرفة بل ( المعرفة الحقيقية هي العلم ) فالعلم أعمّ من المعرفة والمعرفة روحه , والروح لا تقوم في غير جسد فمتى تروحن الجسد صار في حكم الروح لكن في شكل الجسد وصورته كأجساد أهل الجنّة في الجنّة إذ لو كانت الروح لمفردها في الجنّة مثلا لكانت الرؤية فلا يكون هناك نظر للجمال الإلهي , فالعلم للكمال يا أهل الجمال فهكذا ورد الكتاب والسنّة علما في طيّه المعرفة فهل تستطيع أن تخرج المعرفة في طي العلم مع تفهيم المقصود للناس من غير أن يتبادر إلى أذهانهم ما يريبهم كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام مع الأمّيين في قومه
نعود للموضوع ...
فلمّا كانت مثلا الطريقة التيجانية لا إستقلال للمشيخة فيها خلاف الطريقة الشاذلية لم تكن لهم نظريات في هذا الأمر أو إجتهادات , أمّا في طريق الشاذلية فهناك نظريات واجتهادات لذا قال سيدي محمد المداني رضي الله عنه موصيا مريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه ( وأما نظر بعض الصوفية بأنّ المريد لا يزور إلاّ شيخه فذلك أمر ربما يقتضيه الحال في بعض الأوقات ) فقال هنا ( نظر بعض الصوفية ) فليس هذا النظر خاصّا بطريقة من الطرق لذا سمّاه ( نظرا ) أي بحسب الزمان والمكان والحال فليس هو فرضا بل ( نظر ) فيجب اعتبار نظر المشائخ فهو ليس كأيّ نظر فهو إجتهاد فقد يكون حكما في حقّ المريدين متى فهمنا مناط الإجتهاد ودوره في الشريعة بل وفرضيته والعمل به لتعيّن النازلة عليه , ثمّ في قوله ( نظر بعض الصوفية ) فيه تسليم لصاحب هذا الرأي وعدم الموافقة عليه أي لا يقول به لذا علّل ما قد يكون من أسرار ذلك النظر والإجتهاد من بعض الصوفية بقوله ( فذلك أمر ربّما يقتضيه الحال في بعض الأوقات ) أي لا تعتمد عليه وأنت لا تدري ماهيته ولا دليله ولا ما اقتضاه ذلك النظر فتعمل به من غير معرفة دليله لأنّ هذا فيه ما فيه فتكون كلمة حقّ يراد بها باطلا لذا علّل له أنّ ذلك قد يكون في وقت دون وقت لأمر استوجبه الحال فقال ( ربّما ) لأنّه ليس الأصل , فالمعلوم أنّه أوصاه بالسير على حسب منهاج الشريعة ظاهرا وباطنا لذا كلّ ما اشتهر فعله عند بعض الصوفية المعتبرين وأمروا به مريديهم ولم يكن عليه دليلا من الشرع فإنّما غالبا يكون أمره حالي أي يكون في وقت دون وقت
ثمّ أخبره بصدق أنّ نظره هو لا يقول بذلك في قوله ( أما نظري فإن المريد له أن يزور جميع إخوانه المؤمنين فضلا عن إخوانه الذاكرين وذلك كله عند سير المريد ) وهذا ما تواتر عند جميع مشائخ الشاذلية فإنّهم يزورون الأولياء وإخوانهم الذاكرين عند سير المريد وسلوكه بل قد يأخذ الشيخ مريديه ويزور بنفسه معهم إخوانهم من طرق أخرى وزوايا أخرى لأنّ الأصل التحابب والتعارف فزيارة الإخوان في الله وردت فيها نصوص قطعية بداية من زيارة جميع المؤمنين ففي زمن السلف كان المؤمنون يتزاورون زوايا بعضهم لبعض بل تجد مشائخ يأخذون معهم مريديهم ويزورون إخوانهم من المشائخ وهم في وسط مريديهم في زواياهم , حكاية : مرّة تخالف فقراء سيدي عيد القادر عيسى رضي الله عنه فوقع الهجر فيما بينهم فذهب شيخ من أهل الطريقة له زاويته ومريديه إلى جامع العادلية بحلب فأصلح بين الشيخ سيدي عبد القادر عيسى رضي الله عنه وبين مريديه وقد ورد كما في طبقات الشعراني رضي الله عنه أنّ الإمام سيدي محمد الحنفي الشاذلي رضي الله عنه ذهب إلى وليمة فسأل قبل الدخول من هنا من الأكابر؟ فقيل له هنا سيدي علي وفا رضي الله عنه قال استأذنوا لي منه في الدخول فلمّا دخل وجد الشيخ سيدي علي وفا رضي الله عنه مع الكثير من مريديه فتذاكروا وسهروا وتناظروا فهذا أمر متواتر عند أهل الطريق فهي أخلاق أهل الله تعالى من حيث الأصول الدينية أمّا الهجران والقطيعة والعداوة والبغضاء والكراهية والأحقاد فأنّى تكون هذه من أخلاق المؤمنين فضلا أن تكون من أخلاق الصوفية العارفين لذا قال رضي الله عنه ( فإن المريد له أن يزور جميع إخوانه المؤمنين ) بداهة (فضلا عن إخوانه الذاكرين وذلك كله عند سير المريد ) وبهذا يفرح المريد لأنّ التوسيع على خلق الله رحمة وأنّ المؤمنين كلّهم إخوة مأمورون بمحبّة بعضهم بعضا ومن دلائل المحبّة الزيارة والمواصلة والمباذلة والمجالسة ولكن يبقى دائما فهمنا وقولنا ( أحبّهم وأداريهم وأوثرهم بمهجتي وخصوصا منهم نفرا ) فأوصاه هنا بأنّ الأمر بين أمرين : هناك إجتهاد بعض الصوفية أدّاهم نظرهم إلى منع الزيارة في وقت دون وقت ربّما لوجود قرينة حال استوجبت ذلك وعلى كلّ فهو حال الأغلب أنّه لا يدوم إلاّ عند التيجانية بما قدّمنا أنّه لا شيخ فيها بعد سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه فالمنع قال به سيدي أحمد التيجاني رضي الله عنه لحال هو أدرى به فبقي ذلك الحال إلى اليوم بما أنّه شيخ الطريقة فلا تجديد في طريقته لأنّه لا شيخ فيها كما قدّمنا , وقد قال سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه كما في كتابه الرسائل العلاوية أنّه لا شيخ فيها فالشيخ في تلك الطريقة عبارة عن ( خليفة ) وهكذا ... وهي طريقة كبيرة فيها من العارفين ما لا يخفى فلها أصولها ومعارفها وأحوالها وسيرها وإلى الآن فيها من المقدّمين العارفين المأذونين الخلفاء كثيرا ويكفي أنّ سيدي محي الدين الطعمي رضي الله عنه منها وكذلك سيدي أحمد محمد الحافظ التيجاني وأباه محمّد الحافظ التيجاني رضي الله عنهما من نفس الطريقة وقد زرتهم هناك ودعوت لنفسي عند مقام سيدي محمد الحافظ التيجاني بالمغربلين بالقاهرة وقد استضافني سيدي أحمد محمد الحافظ التيجاني رضي الله عنه في زاويته ورأيت جملة من العارفين الكبار ودعا لي وهو الذي أخذني بسيارته إلى بيت سيدي محي الدين الطعمي وقتها رضي الله عن الجميع فزيارة أهل الله عندنا نحن الشاذلية جائزة بل مستحبّة حتّى أنّ سيدي محي الدين الطعمي قال لي : أنت يا سيدي شاذلي فمسح من مخيّلتي الإلتفات وأمدّني بكتب قديمة في الطريقة الشاذلية مكتوبة بالخطّ الحجري بعد أن أهداني أيضا كتابه الطبقات الكبرى وكان أهدى ليلتها لشيخه سيدي أحمد محمد الحافظ التيجاني كتابه ( إحياء علوم الصوفية ) وإنّما قصدت الحديث عن زيارة أهل الله وأنّها في طريقتنا الشاذلية مستحبّة وجميلة حسنة , وبهذا قال سيدي محمد المداني فأوصى سيدي إسماعيل بذلك وأن لا يمنع منها مريديه رضي الله عنهما .
ثمّ إنّما حكى رضي الله عنه له ( نظره ) كي يضعه بالصورة فلا يتحكّم فيه في هذا الأمر لأنّ المسألة مسألة نظر واجتهاد فأخبره : هذا نظر بعض الصوفية , وهذا نظري , وأنت لك نظرك , ولكن ها قد بيّنت لك النظر الأوّل ونظري الثاني وألحقه لك بالأمر الثالث كي ترجّح المسألة وذلك بقوله رضي الله عنه ( وأما من حصل على ذوق البقاء بعد الفناء أو نقول على الفرق بعد الجمع فله سديد النظر وأوسعه يسير سير رجل مجتهد لإصابة الصواب وما عليه شئ إذا لم يصبه بل له أجر واحد ) فدلّ على أنّ الحديث يخصّ السائر وإلاّ فإنّ الكامل هو مجتهد مثلك فله نظره الخاص من حيث النصوص الظاهرة والباطنة أيضا في المسألة مثلك فحتّى وإن جانب الصواب فالمعتبر أنّه اجتهد ولو أخطأ فلا شيء عليه فهو مأجورإن شاء الله على اجتهاده لأنّه رام الصواب فهل يجوز أن نعاتب المأجورين ؟
إنّما بيّن له أمر الزيارة وذكر حيثياتها ورغّبه في الوسع وعدم التحجير على خلق الله لعلمه رضي الله عنه بما يجلبه هذا الأمر من مضرّة فإنّ الشيوخ قد تهلك مريديها بسبب هذه الأمور حتّى أنّه ورد عن الشيخ زرّوق رضي الله عنه أنّه كاد يهلك عن طريق أحد الأولياء حتّى أنّ شيخه نادى في الفقراء ( اذهبوا أخرجوا أخاكم الفاسي ) فوجدوه تحت أنقاض غرفته أو خلوته بعد أن أراد هلاكه أحد الأولياء حملته الغيرة أن ٍيراه عند غيره ...الحكاية أوردها الإمام الشعراني في الطبقات على ما أظنّ أو غيره , لذا خاف الشيخ المداني رضي الله عنه من هذا الأمر أن يكون في خليفته لذا نصحه بقوله ( وما عليّ إلاّ أن أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ونقرأ جميعا قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفّر عنكم سيّئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )
لأنّ من يفعل هذه الأفعال فليس بتقيّ ولا ورع حقيقة فقد تحمله الغيرة فتغلب معرفته نور ورعه وتقواه , وإنّما ذكر له الوصية بهذه الآية تحديدا لعدّة حقائق تلحظها في الآية منها :
أنّ الخطاب فيها موجّه للمؤمنين , وأنّ الخطاب يختصّ بالتقوى التي حاصلها اجتناب ما نهى الله عنه ظاهرا وباطنا واتيان ما أمر الله به ظاهرا وباطنا , فعند هذا الحدّ يأتي الأمر الثالث وهو ( الفرقان ) هناك تفرّق بين الحقّ والباطل في مثل هذه لأنّها أمور دقيقة ملتبسة فيها حقّ وفيها باطل , فحذار أن يستهويك فيها الباطل في صورة الحقّ , أو يستهويك فيها الحقّ في صورة الباطل فإنّه لا مجاملة في الدين في الطريفين عندك أو عند غيره , لذا قال له ( وما عليّ إلاّ أن أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ ) فكما إتّقيت الله فيك يا إسماعيل وفي المؤمنين فاتّق الله في مريديك وفي المسلمين كي تكون رحمة لهم لا نقمة فما أوصيتك إلاّ بما أوصاني به أستاذي
أنظر يا هذا أسرار هذه الرسالة والعلم الغزير الذي فيها فيمرّ القوم عليها مرور الكرام
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
نرجوك أن تواصل سيدي علي من هذه النفحات الطيبة
ولا تثنيك المقاطعات (تم حذفها) فالقارئ له مصفاة وكل له رؤياه
والفهوم المختلفة تزيدنا اسبصارا إن شاء الله
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
محبة أهل الله كتب:و لولاكم و أمثالكم أسيادنا ما أشرقت على قلوبنا هذه المعارف
و لا رقّت كثافة حسّنا و مالت إلى مثل هذه اللطائف
فجودوا ، جودوا بمزيدٍ فلن نبرح ساحل بحر ولي عارف
من جواهر قلبه وصفاء سريرته و بحار صدقه و محابّه غارف
--------------------------------------------
و اعتذر على هذا الفاصل أسيادي الافاضل
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
محبة أهل الله كتب:و الله إنا لنتمنى مزيدا من التطويل لأننا لا نشعر أنّنا نقرأ موضوعا بل نعيش أحوالا
و حسبنا من كلّ هذا مرورا بأعتاب اهل الله و إن لم نكن منهم و إنما تجتذبنا أنوارهم
فحمدا لله تعالى على نعمه التي لا تعد و لا تحصى
جزاكم الله خير الجزاء (سيدي علي) حفظكم الله على جهودكم خدمةً لمشايخكم رضوان الله عليهم و لإخوانكم الفقراء نفّعهم الله بكم و نفّع بهم آمين
و صلّى الله تعالى و سلّم على سيد المرسلين النبي الأمي الكريم و على آله و صحبه
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
عبد الفتاح كتب:بسم الله ما شاء الله
تبارك الله
الله الله الله ربي عوني و حسبي ما لي سواه.....
أهل الحقائق على النمارق متكئين
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
منصور كتب:محمد كتب:...غني واصدع يا اسد العرين *** وارقص ورقص باااااه الانينبل هو فارس المنتدى وبهجة أهل الصفاء
الحمد لله شواهد الإعجاب والشكر غطّت وعمّت ولأجل عين تُكرم ألف عين
أبو أويس- عدد الرسائل : 1577
العمر : 65
الموقع : مواهب المنان
تاريخ التسجيل : 26/11/2007
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
نعود والعود أحمد وخير العود ما كان لأحمد : ونواصل بإذن الله بعض نفحات الرسالة المدنية
قال سيدي محمد المداني رضي الله عنه في رسالته الجامعة :
( ثم حدّث عن اشتياقنا إلى جميع من جالسناهم في الله وحظينا عندهم بالإكرام الجزيل ولا حرج )
بعد أن بيّن الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه لمريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه مسألة أمر الزيارة ونظره فيها نبّهه إلى فخر الإجتماع ومرقى محاسن الإستماع وذلك بما يجده الفقير الصادق من نور آثارهم وما يغذّي فؤاده من تلقّف أخبارهم وكلّ هذا منبعه من عين الإشتياق التي لا يغيض ماؤها ولا يفنى وعاؤها لذا قال له ( ثمّ حدّث عن إشتياقنا إلى جميع من جالسناهم في الله ) لما يعطيه النوال من لذّات روح الوصال الذي غمرنا فأسكرنا ثمّ أصحانا , إذ أنّ كلّ من جالسناهم في الله فهم أهل حضرة الله فالإشتياق إليهم موصولا بالإشتياق إليها , والإشتياق إليها مقرونا بالإشتياق إليهم لذا قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه ( أنا لا أحبّ فقط سيدي محمد المداني بل أحبّ حتّى القطط التي في بلدة شيخي سيدي المداني لمحبّتي له ) فإنّ قوانين المحبّة تعطي هذا حتى لا تكون المحبّة دعوى أو كلمة لسان أو خطّة بيان فكيف إذن بمن كانت مجالستك له في الله ولله وبالله فإنّ سيدي محمد المداني رضي الله عنه يظهر في هذا القول والأقوال التي قبله مظهر الصوفي الصافي الصادق الذي نال من الطريق وكرع من بحار الأحوال ومقامات التحقيق , ثمّ بعد أن ذكر أحكام لوعة الإشتياق إليهم عدّد جميل مزاياهم وصدق نواياهم في إكرامهم وعطاياهم فقال (وحظينا عندهم بالإكرام الجزيل ) فكيف لا وهم أهل حضرة الله التي تعطي ظاهرا بغير حساب وتنفق باطنا من غير حجاب لذا قال له ( ولا حرج ) إذ لا حرج في دين المحبّة فإنّك مهما تحدّثت وحدّثت فهيهات أن تحسن العبارة إظهار تلك المحاب أو ينطق القلم بما كمن من الإشتياق في فؤاد الأحباب , فإنّ هذا الكلام يذيب كلّ مقتد بسيدي محمد المداني رضي الله عنه فيقطر جبينه خجلا وينحني بكاءا وكمدا ولسان حاله يقول :
متى يا كرام الحيّ عيني تراكم --- واسمع من تلك الديار نداكُمُ
فنعم الوصية هذه الوصية فوالله إنّها لخمرة أزلية نطقت بها أحوال صمدانية ومشاعر قدسية , فإنّه رضي الله عنه قد أوتي ميراث من جوامع الكلم فيذكر أحواله رضي الله عنه فينفقها على أحوال مريديه وفي مقدّمتهم سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه فأوصاه في قالب الحديث عن مشاعره إذ أنّ من صدق الوصية أن تكون نابعة من صدق حال قائلها , فكأنّه يقول له : أن يا إسماعيل أنّي أحسّ بشوقك إليّ بما أجده في قلبي من الشوق إليكم فهذا حالكم يا إسماعيل أنفقه عليكم , وفيها الإشارة إلى قرب أجل الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه فكأنّه أخذه الإشتياق قبل الرحيل فلا صبر له رضي الله عنه عن مريديه فبكى بقلبه نحيبا وشكى غراما قديما حتّى أنّه رضي الله عنه ما كتم ذلك بل أظهره غاية في قوله ( حدّث ولا حرج ) فما أجمل محابهما وما أنبلها من عواطف في طريق الله تعالى فقد وصل الأمر حين رحيل الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه أن سأل الشيخ إسماعيل رضي الله عنه ربّه أن يلحقه به لأنّه لا يتصوّر أن يعيش بعده فإنّ المحبّة والودّ تغلب كلّ شيء وفي هذا ذكر للذاكرين يفهما القلب ولا يعبّر عنها اللسان فهيهات أن تصل العبارة إلى ملكوت المعاني وإنّما هو رشح يصبّر به الفتيان
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
نفحات من الرّسالة المدنيّة الإسماعيليّة
هذه رسالة البيان رغما على أنّها برهان
فانظر بارك الله فيكم ما أوصى به الشيخ المداني شيخنا قدّس الله اسرارهم جميعا لذا الرّجاء أن نمعن النّظر في محتوى هذه الرّسلة فهي الأصل ولديّ نسخة منها منذ سنة 1981
شكرا جزيلا الأخ علـــــــي المحترم ولكم جميعا
مع تحيّات أبو أسامة بالتّوفيق إن شاء الله تعالى
فانظر بارك الله فيكم ما أوصى به الشيخ المداني شيخنا قدّس الله اسرارهم جميعا لذا الرّجاء أن نمعن النّظر في محتوى هذه الرّسلة فهي الأصل ولديّ نسخة منها منذ سنة 1981
شكرا جزيلا الأخ علـــــــي المحترم ولكم جميعا
مع تحيّات أبو أسامة بالتّوفيق إن شاء الله تعالى
ابو اسامة- عدد الرسائل : 527
العمر : 74
الموقع : الرّديف
العمل/الترفيه : متقاعد cpg
المزاج : عادي
تاريخ التسجيل : 21/02/2009
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
جزاكم الله خيرا سيدي أبا أسامة وبارك فيكم والمسلمين
عدل سابقا من قبل علي في الثلاثاء 15 مارس 2011 - 3:50 عدل 1 مرات
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
( فلسنا ممن يشكر عظيم الفضل باللسان أو برسم بالبنان فحسب إنما نعظم ذلك بالجنان ونفوّض أمر مجازاته إلى الرحمان فهو الذي يجزي أجر من أحسن عملا ثم عليّ أن أوصيكم ونفسي بتقوى الله ما استطعتم والثبات على العهد والوفاء به ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما ) )
إنّما يذكر هنا الشيخ سيدي محمد المداني رضي الله عنه الوصية بمعرفة لزوم حقيقة شكر الفضل لأنّه من أساس الدين وهدي الأنبياء والمرسلين وهذا الفضل وإن كان سيدي محمد المداني رضي الله عنه يذكره في معرض حديثه عن إكرام مريديه وإخوانه في الطريقة له وهو حقّ إلاّ أنّه ينبّه مريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه إلى ضرورة استشعار اكرام إخوانه عليه مهما يرى ويلاحظ ما يصلهم من فضل الله تعالى على يديه , فمثلما يشهدون منه ذلك فالأحقّ والأولى أن يشهد هو منهم ذلك كي لا يحجب باكرامه لهم عن اكرامهم له وهذه الوصية في الحقيقة أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم في قوله ( لم يشكر الله من لم يشكر الناس ) وكلّ هذا يوصيه في معرض الحديث عن شكره لاخوانه رضي الله عنه والإعتراف بنعمتهم عليه
وقد ورد هذا النوع من الشكر من رسول الله عليه الصلاة والسلام لصحابته فكيف إذن بشكر الصحابة الكرام لرسول الله عليه الصلاة والسلام فأنّى يوفّون شكره أو أقلّ شكره لذا قال بعد أن بيّن له حقيقة الشكر المتحقّق به صدقا حالا ومقاما ( ثم عليّ أن أوصيكم ونفسي بتقوى الله ما استطعتم والثبات على العهد والوفاء به ) أي أنّ هذا الإعتراف بهذا النوع من الشكر هو من التقوى التي أوصيكم بها ونفسي مثلما رأيت منّي نهاية تحليتك وتجميلك وغاية فضلي عليك وتصويبك فاشكر تلك النعمة ما استطعت بما تسديه لمريديك عليها من الافضال وسائر الإكرام والإنعام , وبما أنّ أهل حضرة الله أعمالهم إحسانية وإرادتهم إلهية فلا جرم أنّ إنعامهم وإكرامهم أمره عظيم وفضله جسيم لا يتوقّف شكرنا عن نطق لسان أو خطوط بيان كما قال رضي الله عنه ( فلسنا ) أي نحن الصوفية ( ممن يشكر عظيم الفضل باللسان أو برسم بالبنان فحسب ) لأنّ هذه مرتبة شكر العوام وليست هي من مرتبة الخواص فضلا عن خاصّة الخاصّة لذا تعيّن علينا تعظيمها بالجنان والإعتراف بعدم مقدرتنا عن مجازاتها فأوكلنا أمر مجازاتها إلى الرحمان وهكذا كلّ ما كان صادرا من حضرة الإحسان لذا قال رضي الله عنه ( إنما نعظم ذلك بالجنان ونفوّض أمر مجازاته إلى الرحمان ) لأنّك مهما أكرمتهم وأنعمتهم فلا تصل إلى توفية حقّ شكرهم فمن غاية الشكر على الإحسان أن تفوّض أمر مجازاته إلى الرحمان وإلاّ فمن يحسن ذلك فاستشهد بأنّ الله تعالى ( فهو الذي يجزي أجر من أحسن عملا ) إذ أنّ أمر المجازاة على الإحسان لا يحسن أن يوفيه حقّه إلاّ الرحمان فلوقوف أجرهم عليه لتعلّقه بالتعظيم لأنّها من تقوى القلوب ( وإنّك لعلى خلق عظيم ) فمن يحسن أمر مجازاة هذا الخلق العظيم غير المولى الكريم
فلا جرم أنّ الثبات على العهد في هذا الخصوص من المحبّة والإشتياق والشكر لا يكفي إلاّ عند الوفاء به كما قال عليه الصلاة والسلام ( ما أسدى إليّ أحد بجميل إلاّ ووفيته بجميله إلاّ أبا بكر فأسأل الله أن يوفّيه بجميله ) فوفّاه من حيث الدعاء له صلى الله عليه وسلّم فمهما أوفيت ووفّيت بما عاهدت الله عليه فإنّ لك جزاء من الله أكثر منه لذا اسشتهد رضي الله عنه بالآية الكريمة ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما )
يتبع ...
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
علي كتب:
نعود والعود أحمد وخير العود ما كان لأحمد : ونواصل بإذن الله بعض نفحات الرسالة المدنية
مرحبا مرحبا بالأخ الحبيب
عوّدتمونا فلا تقطعوا عنا ريح طيبكم
منصور- مساعد مشرف عام
- عدد الرسائل : 188
العمر : 56
تاريخ التسجيل : 02/12/2009
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
قال سيدي محمد المداني رضي الله عنه :
( ثم أوصيكم ونفسي أن نعامل جميع إخواننا خصوصا المسيئين منهم بالإغضاء والعفو عما جرى به القضاء فإنّ العفو والصفح والغفران جزاءه من الله بالمثل "وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم" فلا يورثكم الجفاء ما ترونه من المخالفة في إخوانكم أو نقول في شيخكم فإنّ من أحبّ أن لا يعصي الله في مملكته فقد أحبّ أن لا تظهر رحمته ومغفرته، إنّما على المؤمن أن يعجّل بالتوبة والإقلاع عمّا يصدر منه فإنّ الله يحبّ التّوّابين ويحب المتطهّرين.)
من أخلاق العارفين دوام إتّباع سنّة سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلّم إذ أنّها من أخلاق الله تعالى وما ذلك إلاّ بفهم ما عليه الحضرة الإلهية في أحكامها وما عليه في صفاتها فالمريد الحقيقي من يسير بحسب أحكام الشريعة على قواعد علم الحقيقة فلا يحجبه هذا عن هذا أن يستغرقه فيسيء الأدب مع الحضرة العليّة فتراه ينظر بعينين ( ألم نجعل له عينين ) ويراعي المرتبتين ويستشعر دائما الحسنيَيْن
فأوصى رضي الله عنه مريده سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه بقوله : ( ثم أوصيكم ونفسي أن نعامل جميع إخواننا خصوصا المسيئين منهم بالإغضاء ) لما في الإغضاء من أدب مع الله تعالى كما قال سيدي الغوث أبو مدين رضي الله عنه في قصيدته :
ولا ترى العيب فيك إلاّ معتقدا --- عيبا بدا لكنّه استترا
فمن رأى بهذه الرؤية في نفسه من حيث الذنوب وما هنالك من العيوب طلب ولا جرم من الله الستر والعفو والغفران لذا تعيّن دفع مهر هذا الطلب إذ كلّ طلب لا بدّ فيه من إختبار , ولا بدّ له من إظهار , فأوصاه بأن بمعاملة الإخوان بالإغضاء جزاؤها من الله بمثلها فمن فضح إخوانه فضحه الله تعالى في الدنيا والآخرة أمّا من سترهم فإنّ الله يستره دنيا وأخرى فكيف متى أحبّهم أو أكرمهم أو عظّمهم فبجّلهم لذا كان عليه الصلاة والسلام يستفتح خطبه بقوله ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ) فإنّ من شرّ النفس أن لا تتغاضى عن عيوب الإخوان ولا تستر ذنوب الخلاّن هذا في باب الشريعة وهو الحقّ الأوّل من حقوق وشروط الأدب
ثمّ ذكر له الأمر في مرتبته الثانية من حيث الحقيقة فقال رضي الله عنه : (والعفو عما جرى به القضاء ) لتعلم حقيقة إسمه العفو إذ مراد أهل الله تعالى دوام مراعاة الحضرة في أحكامها وميزان مراداتها وغور مشيئتها فالأدب في الحقيقة مع الله تعالى وليس مع عبيده , فإنّ جميع أعمال العباد قد سبق بها قضاء الله تعالى وقدره كما ورد في الحديث الشريف ( اعملوا فإنّ كلّ ميسّر لما خلق له ) لما سأله صحابته عليه الصلاة والسلام عن الإتّكال على السابقة في الأعمال فأشار عليهم إلى وجوب معاينة الأمرين : أمر الشريعة , ثمّ أمر الحقيقة , وهكذا هو دين الله تعالى فهو بين منزلتين : منزلة الشريعة التي تتوقّف عليها الحجّة والعدل فمجالها مجال الخلافة والأسماء فتوقّف عليها الحساب من ثواب وعقاب , ثمّ أمر الحقيقة والتي يتوقّف عليها الفضل ومجالها مجال معاينة العبودية لله تعالى فمشربها صفاتي جمالي وذاتي , فمشهد العارف بين معاينة أحكام العدل وبين فهم إطلاقات الفضل , لذا نبّه خليفته سيدي إسماعيل رضي الله عنه بقوله : (فإنّ العفو والصفح والغفران جزاءه من الله بالمثل ) فكي لا تمنع مدد العفو من الله والغفران والصفح فما عليك إلاّ بالإغضاء عن إساءات الإخوان وذنوب الخلاّن فحقيقة العفو ما كان بالقلب لا من حيث التربية والإرشاد أو النصح للعباد
وإنّما نبّهه على هذا الأمر خصوصا لما في مصاحبة المشائخ من أخطار لما يلزم لذلك من شروط الآداب ويقتضي حسن السلوك في حضرة الأحباب , فكأنّه يترجّاه أن يكون رحمة خالصة وفيضا قدسيا صافيا كما فعل سيّدنا يوسف عليه السلام من قبل فلا يؤذي إخوته فضلا عن أحبّته , لأنّ الشيخ متى غضب يغضب الله تعالى لغضبه لعدم وجود هوى في نفسه فرقّق قلبه أن لا يعامل الإخوان إلاّ بالعفو والصفح والغفران نهاية الرحمة إذ أنّه الدين القويم والصراط المستقيم
لهذا تمثّل له مؤيّدا دافعا ناصرا بقول الله تعالى ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم ) مناط الدليل في العفو الجميل كما ورد أن لو أذنب كلّ فقير فكسّره الشيخ فحتما أنّه سيبقى بنفسه فيغلق زاويته فكيف وهو المرشد الدليل والوارث للرحمة في السير والمسير , كان أحد إخواننا في الله تعالى زار شيخا غير شيخه رضي الله عنهما فلمّا سمع به الشيخ عاتبه فممّا قاله ذلك الفقير : ( بقيت ثلاثة أيّام وأنا أبكي خوفا من شيخي ) - وإن كان تقدّم هذا في شرح الزيارة للأشياخ - هذا كي تعلم حقيقة ذلك الرجاء في قالب الوصية فتعرف مكانة سيدي محمد المداني في التربية والإرشاد فتجزم بشاهد منه على عمق حقيقته وسطوع شريعته , ثمّ ذكر مرتبة أخرى أدنى من الأولى من حيث الجفاء وقطع مدد الصفاء عن الأصفياء لمجرّد وجود المخالفة إذ أنّ عهد الجنيد قد ولّى فنحن في زمن كما قال أستاذنا سيدي إسماعيل رضي الله عنه ممتثلا لهذه الوصية من سأل رطلا أعطيناه ضعفيْه , ومن كانت له محبّة ما ترك ولا حبّة دليل قول الله تعالى في الحديث القدسي الذي يحتاج التخلّق به في هذا الزمان خصوصا متخلّقا فانيا في معانيه ( ...ومن جاءني يمشي أتيته هرولة.. الحديث )
قال سيدي محمد المداني رضي الله عنه : (فلا يورثكم الجفاء ما ترونه من المخالفة في إخوانكم أو نقول في شيخكم )
فذكر له مرتبتين : مرتبة من حيث كونه شيخا فيعامل الإخوان بهذا الصفح والعفو والغفران وعدم التسبّب في قطع المدد والعرفان
وذكر له مرتبة من حيث كونه مريدا فلا يجافي شيخه لما يرى منه من جفاء فكما يسامح ويعفو عن مريديه فيعفو عن مشائخه من باب أولى فذكر له المرتبتين كي يبقى الشاهد في نفسه بينه وبين مريديه كما كان الحال عليه فيما بينه وبين شيخه ثمّ لا يخفى الوصية بالتواضع لتلميذه رضي الله عنه في تلك المنزلة العالية لذا قال (أو نقول في شيخكم ) كي يستشعر في نفسه تواضع شيخه وأنّه جعل نفسه محلاّ للنقصان كما قال عليه الصلاة والسلام ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا )
ثمّ أوصاه من حيث التحقيق ونبّهه بقوله : (فإنّ من أحبّ أن لا يعصي الله في مملكته فقد أحبّ أن لا تظهر رحمته ومغفرته ) لكون أنّ من صفات الله تعالى العفو والصفح والغفران وهذه لا تجري إلاّ على أهل الإيمان ومن دخل في دائرة الإسلام فمن أحبّ أن لا يعصي الله في مملكته فقد أحبّ أن لا تظهر رحمته ومغفرته وكيف ذلك والله تعالى إنّما تعرّف لنا برحمته وكرامة مغفرته وذلك بقوله ( بسم الله الرحمان الرحيم ) وقوله ( الرحمان على العرش إستوى ) فلا يناسب المحبّة إلاّ محبّة ما يحبّه الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام فممّا أحبّه الله تعالى ظهور رحمته ومغفرته التي لا يمكن أن تراها وتفرح بها وتعاينها إلاّ في مستحقّيها وأنت أوّلهم لذا قال عليه الصلاة والسلام ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم )
ثمّ لمّا أوصاه وأخبره بهذه الحقيقة من حيث معرفة التجلّيات والتعرّف الإلهي لخلقه ردّه إلى رسوم الأدب لئلاّ يجترئ أحد على الله تعالى فيتزندق بداعي هوى النفس فقال رضي الله عنه ( إنّما على المؤمن أن يعجّل بالتوبة والإقلاع عمّا يصدر منه فإنّ الله يحبّ التّوّابين ويحب المتطهّرين ) أي لا تقرّهم على ذنب فعلوه أو تسلمهم لعيب استحسنوه بل كن دائما التحذير من غضب الله وسخطه , ومن عذابه وأليم عقابه , فإنّ هذا يكون زاجرا للتوبة ودافعا للتطهّر وذلك الأمر الذي يحبّه الله تعالى : ( فإنّ الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين )
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
رد: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
قال رضي الله عنه :
( واعلموا أنّ أطيب ثمرة يقتطفها المريد السالك هي ثمرة المعرفة بالله والغيبة عمّا سواه، والاسم الأعظم هو الذي يوصل إلى مسمّاه وقل الله ثم ذرهم.
متّعنا الله وإياكم بالنظر إلى ذات الرحمان في دار الجنان وثبتنا على الإيمان في دار الإيقان وهدانا الله وإياكم إلى خير القول والعمل بجاه سيد الرسل صلى الله عليه وسلم والله وليّنا ووليكم . )
ذكر سيدي محمد المداني رضي الله عنه أنّ غاية المريد من سيره وسلوكه اقتطاف أطيب ثمرة والوصول إلى غاية المنّة فهما ثمرتان متصلتان لا تفترقان ثمرة المعرفة بالله تعالى وهي الثمرة العلمية كما قال سيدي ابن عطاء الله تعالى في الحكم ( وصولك إلى الله وصولك إلى العلم به و إلا فجل ربنا أن يتصل به شيء أو يتصل هو بشيء ) وثمرة أخرى وهي ثمرة الغيبة عمّا سواه فالعارف بين فناء وبقاء بين فرض وسنّة مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ...
قال هذا الكلام لمريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه موصيا إيّاه أنّ الغاية من اجتماع المريدين عليه ليقطفوا ثمارهم من شجرة النور الزكية لا شرقية ولا غربية كما قال رضي الله عنه في تصليته ( وأوقد لنا نور التوحيد من شجرة فأينما تولّوا فثمّ وجه الله ) لئلاّ يجتمع معهم على غير ذلك السبيل أو يحيد بهم إلى غير ذلك القصد الأصيل ..
ثمّ قال ( والاسم الأعظم هو الذي يوصل إلى مسمّاه وقل الله ثم ذرهم ) أي قم بتلقين من جهز منهم الذكر بالإسم الأعظم فإنّكم ما اجتمعتم إلاّ على الله تعالى لأنّ الإسم هو الذي يوصل إلى مسماه لدلالة الإسم على المسمّى به كما قال تعالى ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) فلقّنهم يا إسماعيل الإسم الأعظم وذلك بقولك ( اللـــــــــــــه ) على نفس صدقك في ذكرك لربك ثمّ ذرهم يفنون فيه بعد فنائك في المسمّى به فلا تقل لهم ( اللـــــــــه ) ثمّ لا تذرهم بل ذرهم ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) فلا تدلّهم على نفسك ولكن دلّهم على ربّك وربّهم كما قال تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) قل ( اللـــــه ) والله تعالى هو من يتولاهم لك
قال سيدي فتحي السلامي حفظه الله تعالى مريد سيدي إسماعيل الهادفي رضي الله عنه ( يأتيني الفقير وملّفه أسود قاتم فأقوم بتبييضه ثمّ بتزيينه إلى أن يضحى مثل العروس ثمّ أزفّه إلى الله تعالى والله تعالى هو من يتولاه لي بعد ذلك )
( متّعنا الله وإياكم بالنظر إلى ذات الرحمان في دار الجنان وثبتنا على الإيمان في دار الإيقان )
هذا دعاء منه رضي الله عنه واخبار لمريده سيدي إسماعيل رضي الله عنه وتثبيتا له في رسوخ القدم في حضرة القدم في الدنيا والآخرة فقال ( متّعنا الله وإياكم بالنظر إلى ذات الرحمان في دار الجنان ) فإنّ النظر لا يكون من العارف إلاّ وهو في دار الجنان لذا تسبق رؤية الجنان النظر إلى ذات الله الواحد الرحمان فما مال أو قصد دار الجنان لذاتها وإنّما لما فيها من متعة النظر إلى ذات الرحمان وإنّما قال ( ذات الرحمان ) دون غيره من الأسماء لما في هذا الإسم من التجلي الرحموتي الجامع لجميع الاسماء والصفات فهو إسم ذات وهو إسم النظر فإسم الذات ( اللــــه ) للفناء أمّا إسمه الرحمان فهو للبقاء وهو مجال النظر كما قال تعالى ( الرحمان علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان ) فالرحمان هو الذي علّم وهو الذي خلق وهو الذي علّم الإنسان البيان قال تعالى ( إقرأ بإسم ربك الذي خلق ) أي بالإسم الذي خلقك به وهو إسمه الرحمان فبه إقرأ عوالم الإيقان والإحسان كي تدري المراتب وتعلم المنازل وهو مجال النظر فإنّ منتهى القراءة النظر فأهل الله تعالى لا يقنعون بغير المشاهدة في الدار الآخرة التي كانت مطلب موسى وهو في دار الدنيا فلا صبر له عليه السلام كما قال تعالى ( قال ربّ أرني أنظر إليك ) ثمّ قال ( وثبتنا على الإيمان في دار الإيقان ) فهم في وصف الجنان ناظرون وفي الدنيا موقنون ( أولائك على هدى من ربهم وأؤلائك هم المفلحون ) فذكر أنّ الدنيا دار إيقان كما أنّ الجنان دار مشاهدة وعيان فالموقن هنا مشاهد هناك والمحجوب هنا موقن هناك فجعل لك دار الدنيا دار إيقان كما جعل لك الجنان دار مشاهدة وعيان
لذا حضّه بعد أن دعا له بأن يكون ثابتا في الدنيا على ما يستوجبه الإيمان من طاعة وعمل وما ينتجه ذلك من دوام الإيقان كما قال تعالى ( وبالآخرة هم يوقنون )
( وهدانا الله وإياكم إلى خير القول والعمل ) من باب ( اهدنا الصراط المستقيم ) لذا قال ( خير القول والعمل ) كما قال تعالى ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ) فأهل الله تعالى لا يتبعون إلاّ الخيّر والأحسن ترجمة لحالهم في أقوالهم وأفعالهم فخير القول ما دلّك على الله تعالى وخير العمل ما قرّبك إليه فهم رضي الله عنهم لله تعالى لا لشيء دونه فهم ( بجاه سيد الرسل صلى الله عليه وسلم ) توسّل به إلى الله تعالى إذ أنّ النوسّل يعطي البراءة من نسبة الحول والقوّة والجهد والعمل والعلم للعبد فهو في كلّ نفس عاجز يتوسّل إلى الله تعالى بسيّد الرسل صلى الله عليه وسلّم لأنّ المتوسّل لا يرى أعماله أهلا للقبول ولا دعاءه أهل للاستجابة فتحتّم توسّلهم به رضي الله عنهم غاية الأدب مع الله تعالى والعلم به ..
( والله وليّنا ووليكم ) في كلّ ذلك ظاهرا وباطنا في الدنيا والآخرة والله يتولى الصالحين
علي- عدد الرسائل : 1131
العمر : 53
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
مواضيع مماثلة
» تعليقات: نفحات من الرسالة المدنية إلى الحضرة الإسماعيلية
» حوار حول الوظـيـفــة الإسماعيلية المدنية
» في الكلام على الحضرة الواحدية
» اين الكلام على الحضرة الواحدية
» الكلام على الحضرة الواحديّة
» حوار حول الوظـيـفــة الإسماعيلية المدنية
» في الكلام على الحضرة الواحدية
» اين الكلام على الحضرة الواحدية
» الكلام على الحضرة الواحديّة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت 23 نوفمبر 2024 - 22:05 من طرف أبو أويس
» - مؤلفات السيد عادل على العرفي ومجاميعه الوقفية:
السبت 23 نوفمبر 2024 - 13:27 من طرف الطالب
» شيخ التربية
السبت 23 نوفمبر 2024 - 8:33 من طرف ابن الطريقة
» رسالة من مولانا وسيدنا إسماعيل الهادفي رضي الله عنه إلى إخوان الرقاب
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:13 من طرف ابن الطريقة
» من رسائل الشيخ محمد المداني إلى الشيخ إسماعيل الهادفي رضي الله عنهما
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 20:06 من طرف ابن الطريقة
» حدّثني عمّن أحب...(حديث عن الفترة الذهبية)
الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 8:36 من طرف أبو أويس
» يا هو الهويه
الخميس 21 نوفمبر 2024 - 11:36 من طرف صالح الفطناسي
» لا بد لك من شيخ عارف بالله
الإثنين 11 نوفمبر 2024 - 12:46 من طرف أبو أويس
» ادعوا لوالدتي بالرحمة والغفران وارضوان
السبت 9 نوفمبر 2024 - 13:42 من طرف الطالب
» السر فيك
الأحد 3 نوفمبر 2024 - 10:33 من طرف أبو أويس
» رسالة موجهة للعبد الضعيف من سيدي محمد المنور بن شيخنا رضي الله عنهما
الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 22:06 من طرف أبو أويس
» ما أكثر المغرر بهم
السبت 28 سبتمبر 2024 - 8:52 من طرف أبو أويس
» قصيدة يا سائق الجمال
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 0:56 من طرف ابو اسامة
» يا طالب الوصال لسيدي أبومدين الغوث
الإثنين 26 أغسطس 2024 - 23:16 من طرف أبو أويس
» سيدي سالم بن عائشة
الثلاثاء 6 أغسطس 2024 - 8:06 من طرف أبو أويس